اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي كامله وحصريه بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي كامله وحصريه بقلم سارة محمد



الفصل الأول

ليلة شديدة السواد..
فغياب القمر وإختفاءه بين السحاب أبدى الدنيا كامرأة ترتدي عباءة سمراء، ليلة كئيبة تتناسب مع صوت البكاء الصامت؛ فالدموع تهطل بغزارة زخات المطر مُعلنة بداية فصل الشتاء وعن قدوم شتاء شديد القسوة.
تجلس امرأة أو بالأحرى فتاة في مقتبل العمر؛ أحالها حزنها إلى امرأة تحمل هموم الدنيا كلها فوق كتفيها، تنظر إلى الطفل النائم بجوارها وملامح البراءة تطغى على وجهه الملائكي النقي.
تبدأ ابتسامة صغيرة على شفتيها بالظهور .. ويتوقف شلال الدموع، ولكن ما إن تتذكر معاملة والده لها كأنها ليست زوجته ولا تمت للبشرية من الأساس لديها مشاعر؛ حتى يعود شلال الدموع إلى التدفق مجددا لتخرج به كل ما تخفيه في صدرها ولا تستطيع البوح به لأحد.
استشعرت حركة بجوارها، وجدت طفلها الصغير الذي لم يبلغ بعد عقده الرابع يتطلع إليها ومازال النوم يداعب جفونه متمتما بصوت ناعس:
- مامي .. إنتي مش نمتي لسه ؟
تحاول رسم ابتسامة على وجهها البرئ الذي لا يختلف كثيراً عن وجه طفلها؛ فقد تشابهت الملامح بينهما، يملك نفس عينيها الرماديتين والشفاه الصغيرة والأنف الدقيق .. لكن هذا لا يعني أنه لم يرث من والده شيئا؛ ورث عنه طباعه وتقلبات مزاجه فضلاً عن شعره الحريري الأسود اللامع الذي تنزل منه إحدى الخصلات لتداعب عينيه.
- لا يا حبيبي نمت .. بس صحيت عشان أصلي الفجر
غمغم بحزن: يعني صليتي الفجر من غيري يا مامي؟
أجابته بلوم حنون: وأنا أقدر بردو يا روح مامي؟ .. ما أنا كنت لسه هأصحيك أهو بس أنت صحيت لوحدك يا بطل
هلل بفرحه: هيييييه أنا أحبك أوي يا مامي
ضمته إلى صدرها بحنان أمومي: وأنا بحبك أوي يا سيف
- طب يلا يا مامي عشان أروح أصحي بابي عشان يلحق يصلي
عاد لها بعض حزنها: ماشي يا حبيبي، روح يلا صحيه
لم ينتظر حتى تُنهي كلامها؛ انطلق فورا إلى غرفة والده المجاورة راكضا لإيقاظه؛ حتى يصلي معهما الفجر.
سيف محركا والده: بابي يا بابي.. أصحى بقى .. أنت كسلان أوي يا بابي على فكرة
الأب وهو يستيقظ مبتسما على كلام طفله الحبيب: بقى أنا اللي كسلان يا أوزعه أنت، ماشي والله لأوريك
قام بحمل ابنه وإلقاءه على الفراش وبدأ في مداعبته حتى غرق الطفل في الضحك الشديد بالكاد كان يستطيع إلتقاط أنفاسه من وسطها.
تمتم من بين ضحكاته: خلاث خلاث يا بابي .. مش قادل خلاث
- أحسن بردو علشان تبقى تقول على بابي إنه كسلان بعد كدا.. بقى أنا كسلان؟؟ .. طب مش هأرحمك بقى هِـــه
صرخ مستغيثاً بوالدته: يا مامي خلي بابي يسبني بقى
كانت تقف على باب الغرفة تتابع المشهد في صمت والابتسامة على شفتيها تتسع كلما علت ضحكات سيف، تشعر بسعادة غامرة من تلك اللحظات الحميمة بين طفلها ووالده، لكن لم تخلو من بعض الحزن؛ فليس لها نصيب من هذه المزحات والمداعبات الصغيرة، إنها تخص ابنها وحده، أفاقت على استنجاد صغيرها بها.
ما إن سمع الأب كلام الصغير حتى توقف عن مداعبته قائلاً: يلا بقى سبني أروح أتوضا عشان نصلي
سيف وهو يتمالك ضحكاته ليستطيع النهوض: ما أنت يا بابي اللي كنتي بتزغزغني .. يعني أنت اللي عطلتني .. مش صح يا مامي؟
نزعت نظرها عن زوجها: أه .. بس كفايه دلع وروح أتوضا بسرعة
أومأ مطيعاً: حاضر يا مامي رايح أهو
تنظر لزوجها: صباح الخير يا آدم
تفادى النظر لها متحججا بالبحث عن حذائه المنزلي: صباح النور يا ندى
مال رأسها بسخرية: الشبشب بقى ف رجلك خلاص بتدور على إيه؟
شعر بالحرج: لا ولا حاجه بس بألبسه كويس .. لسه صاحي بقى معلش
هزت كتفيها: عادي أنا أتعودت خلاص على المعاملة دي، عن إذنك أما أروح ألحق الصلاة
استوقفها بتوتر: طب .. طب ما تستني تصلي معايا أنا و سيف جماعة يعني
دب الأمل بين أضلاع ندى: بجد ؟
خاطبها بجدية: أه .. دي صلاة يعني.. ناخد ثوابها كلنا
ندى فرحة: طيب أنا هأروح أتوضى وأجي
تركته ندى يسبح في أفكاره، هل ما فعله صواب أم خطأ؟.. إنه لا يستطيع نسيان ما حدث منذ خمس سنوات تقريبا، بالتحديد في ليلة زفافهما، فقط يتناسى ما حدث مراعاة لولده ولأبويها الموجودين معهما في نفس المنزل.. لا يستطيع إعطاءها أمل بأن تعود علاقتهما طبيعية بعد ما حدث لا الآن أو لاحقا.. أيقظ نفسه من أوهامه.
- ليه كل دا وهي هتفتكر إني عايز أصلح علاقتنا لمجرد إني قولتلها نصلي سوا؟ .. لا لا أنا أكيد سرحت أوي .. خليني أتوضى وأصلي لأحسن سي سيف يجي دلوقتي ويعلقلي المشنقة هههههه
***
وضعت الملف فوق المكتب أمام مديره ثم تراجعت عدة خطوات إلى الخلف في أدب، تضم كفيها سويا أمام بطنها.
أمسك الملف وقلبه بين كفيه، أصدر أوامره إليها بعد هنية دون أن يرفع نظره إليها: بعد ما أمضيه تاخديه تودي لأستاذ سعيد وتتأكدي إن الملف وصله هو شخصيا، يدا بيد، مش أي حد ياخده يا سهيلة .. الملف دا مهم
أومأت تتناول الملف من يده: حاضر يا أستاذ أحمد .. أي أوامر تانية ؟
أشاح بكفه في وجهها وقد ركز انتباهه على شاشة الحاسوب يقلب صفحاته، أضافت قبل أن تغلق الباب خلفها: ياريت حضرتك تلبس النضارة عشان ما يجلكش صداع زي كل مرة
مد يده إلى آخر مكان ترك فيه نظاراته الطبية، وضعها فوق أنفه وبصره معلق بالشاشة، فور سماعه صوت إغلاق الباب خلفها بعدما تأكدت من فعل ما تطلبته، رفع بصره شاخصا في أفق آخر وقد ضاقت عيونه غارقة في تفكير يبعد عن مكان وجوده ألاف الأميال.
***
بعد الانتهاء من صلاة الفجر وعودة سيف للنوم، التفتت ندى إلى آدم قائلة: تحب أحضرلك إيه ع الفطار؟
أجابها دون النظر إليها وهو يبحث عن شئ يرتديه للذهاب إلى العمل: لا ما تتعبيش نفسك
استفسرت: يعني أحضر أي حاجه ؟ مالكش نفس لحاجه معينة؟
هز رأسه رافضا: لا ماليش نفس أفطر أصلا.. أنا هألبس وأنزل على طول.. ورايا كشوفات كتير قبل العمليات
في محاولة لتخفي خيبة أملها: أنا مش عارفه أنت طلعت دكتور ليه؟ وكمان دكتور قلب .. أنا لما بأشوف الدم بأحس إنه هيغمى عليا؛ فما بالك بقى لو شوفت قلب ههههه
رد ببرود: بس مش إنتي اللي بتشوفي القلب دا .. أنا اللي بأشوفه
شعرت بالحرج الشديد من طريقة كلامه معها، توجهت إليه قائلة: طب أوعى كدا أنا هأجهزلك هدومك .. بدل ما أنت واقف بقالك ساعة وما طلعتش حاجه .. ولا عايز تتأخر عن شوفت القلب
ودون سابق إنذار تلامست أيديهما فوق أحد القمصان، سحبها بسرعة كأنه لمس قطعة من الجمر المتقد، قال متعجلا: طيب .. أنا هأروح استحمى عقبال ما تطلعي الهدوم
دخل الحمام وقد أغلق الباب خلفه ساندا ظهره إليه، يلتقط أنفاسه فهو بالرغم من معاملته الجافة لها وابتعاده عنها إلا أنه يُكِن لها الحب ويتوتر من قربها؛ هي ما تزال حبه الأول والأوحد.
في حين كانت ندى تستنشق عدة مرات حتى تمنع قطرات الدمع من النزول، لقد أتعبتها معاملة آدم لها، هي تتحمل هذه المعاملة منذ خمس سنوات بدون أن تتبدل على الرغم من شعورها أحيانا بحنينه إليها، مع ذلك لا يلبث أن يقوم بتصرف يجعلها تشك في تلك اللحظة وحدوثها، أخذت نفسا عميقا تدعو ربها: يا رب صبرني؛ لأحسن أنا تعبت خلاص
توجهت إلى الخزانة؛ تجهز لزوجها ملابسه كي يذهب إلى عمله الذي يعشقه.
***
دخلت فتاة بالكاد أتمت العشرين ربيعا منذ عام إلى المنزل متأففة، تدفع خصلات شعرها المثارة بسبب نسمات الهواء التي ناكفتها خلال الطريق، صفعت الباب بشدة من ثم أبعدت الكتاب والدفتر عن حضنها ووضعتهم على أقرب طاولة قبل أن تجلس جاذبة قميصها حتى يلمس طرف بنطالها .. بالكاد.
-أووووف
خرجت شقيقتها من المطبخ تستفهم سبب ضيقها: مالك يا بنتي داخله بزعابيبك كدا ليه؟ .. العفريت بترقص على واحدة ونص قدامك ولا إيه يا مرمر هههههه
مرام بخنقة: يوووه مش وقت هزارك خالص يا فريدة
فريدة بجدية: في إيه يا مرام ؟
ردت بعصبية: الولية المستفزة اللي ساكنه فـ الشقة اللي قصدنا اللي اسمها أم جلال دي مش سيباني فـــ حالي فـ الطالعه والنازله تفضل تديني فـ جنابي
اعتدلت فريدة بجسدها تنظر لشقيقتها باهتمام وقلق: وإنتي عملتي إيه المرة دي عشان تديكي كلمتين ؟
تأففت: يعني هأكون عملت إيه يعني ؟ زي كل يوم
تنهدت؛ متوقعة سبب ثورة جارتهم العجوز: يبقى أكيد علشان لبسك دا .. نبهتك 100 مرة عليه وإنتي مافيش فايده فيكي تدخلي الكلام من هنا وبتخرجيه من الناحيه التانيه
تتبعت إشارة شقيقتها إلى أذنيها على التوالي ثم ردت: ماله لبسي يعني؟ بنطلون جينز وتي شيرت زي أي بنت فـــــ الجامعة ماله بقى؟
لوت فريدة شفتيها ساخرة: لا أبدا، كل ما هنالك التي شيرت يدوب واصل لحزام البنطلون ولازق ف جسمك .. والبنطلون أنا شايفه الخياطه بتاعته من هنا، بس تصدقي .. مالهاش حق
بلا مبالاة لانتقادات شقيقتها: لبس البنات ف الجامعة كلها كدا
قطبت: لا طبعا، مش كلهم، إنتي اللي عاجبك وداخل مزاجك الناس دي وبتحبي تبصي عليهم وتقلديهم، ما بتشوفيش الناس التانيه اللي لابسه واسع .. ومحترم
زمت بملل: بصي بقى موال كل يوم دا أنا زهقت منه وكمان أنا حره فـ لبسي المهم مش لابسه طرحه ولا أساءت لديني
غمزتها فريدة: كويس إنك عارفه، إن اللبس دا في إساءة .. وياريت تبقي عارفه إنه بيسيئ ليكي إنتي كمان
تنهدت مرام بعدما تأكدت من هزيمتها في هذا الجدال العقيم: يا ربي .. إيه مافيش مرة أغلبك ف الكلام كدا ؟
أطلقت فريدة ضحكة مصحوبة بغمزة: هتغلبيني إزاي وأنا كلامي صح؟ اعملي الصح وإنتي تغلبي أي حد مش أنا بس .. الحق غالب ولو كان قالل
-هههههههه ماشي ياختي، أومال فين هند؟ لسه ماجتش؟
-لا لسه .. بتدور على شغل كالعادة ربنا يسهلها وتلاقي حاجه كويسه ومناسبة ليها
مرام بسخرية: ااااه زي شغلانتك بالظبط مش كدا؟
لامتها: مالها شغلنتي بقى ؟ محترمة وكويسه وبأحبها
هتفت مغتاظة: مالها ؟ وكمان بتسألي! واحدة خريجة طب بيطري على سن و رمح وكمان بتقدير جيد جدا وبتشتغل ف مكتبة .. مجرد بياعه فيها، مش بتاعتها حتى
-قولتلك كل شئ نصيب وأنا مبسوطه كدا وأهي بتوفرلي وقت ليكي إنتي وهند، كمان مش أحسن ما أشتغل فـ شركة فـ أخر بلاد المسلمين وأصحى من خمسة الصبح وأرجع سبعة بالليل .. ولو في شغل إضافي أخلصه تسعة ولا عشرة .. كدا كنتي هتتبسطي أكتر يعني ؟
في محاولة لإرضاءها وقد قررت التراجع حتى لا تسبب الضيق الزائد لشقيقتها: لا لا لا طبعا دا إنتي حبيبتي وأغلى حاجه عندي أمووووه .. هو أنا أقدر استغنى عنك أنا بأقول بس علشان حاجه تناسبك يعني مش يطلع عينك خمس سنين فـ الكلية المنيلة دي وفـ الآخر ما تستفيديش منها.. دا كل قصدي والله
حمدت ربها: مين عارف .. يمكن يجي اليوم اللي هاستفيد بيها فيه .. المهم يلا روحي غيري هدومك عقبال ما أجهز السفرة وتكون هند جات عشان نتغدى سوا
-ماشي يا فيري، مادام فيها أكل يبقى طيارة وتلاقيني قاعده ع السفرة
زفرت بحدة: يادي النيلة إنتي يا بت ما بتحرميش؟ أنا مش قولتلك قبل كدا مش بأحب اسم فيري دا؟
قهقهت بشدة: عشان على اسم مسحوق غسيل المواعين يعني؟ ما هو كدا كدا فـ وشك طول اليوم فـ المطبخ بتستخدميه وفـ التلفزيون بتشوفي إعلاناته هتيجي على إني أناديكي بيه ؟
رفعت فريدة الملعقة الخشبية المستخدمة في الطهي مهددة: بت مالكيش أكل عندي .. ويلا بقى انجري من خلقتي بدل ما أحدفك بغطى الحله
انسحبت تكتم ضحكاتها: طب قوليلي اسم دلع ليكي تاني أنا حاولت ومالاقتش
هزت رأسها دون أدنى اهتمام: إن شا الله عنك ما دلعتيني، المهم الاسم دا ما أسمعوش تاني فاهمة
بمسكنة قطة تتودد لصاحبها: خلاص خلاص يا قمر ولا تزعل نفسك أموووه .. المهم اكليني وأنا أعملك اللي إنتي عايزاه يا جميل
-ماشي يا مفجوعه .. همك على بطنك كدا على طول
خرجت مرام من المطبخ ثم توقفت عند عتبة الباب قائلة: فيري فيري
وأخرجت لسانها لأختها وركضت مسرعة إلى غرفتها، فلم تدركها فريدة بحنقها أو الملعقة بسخونتها وما تحمله من بقايا الطعام.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close