اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل التاسع 9 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل التاسع 9 بقلم سارة محمد


الفصل التاسع
______________________

وصل أحمد إلى مكتب أخيه، لمح مساعدته تدرس أثناء تناولها وجبة غداءها البسيطة: السلام عليكم
تركت ما بيدها ناهضة: وعليكم السلام
سألها: أكرم موجود ؟
أومأت: أيوه ف مكتبه، اتفضل
تردد قبل أن يدخل لكن حسم أمره، نظر إلى مرام: آنسة مرام
- نعم
سعل: شكرا جدا؛ لإنك رشحتيلي الآنسة هند للشغل دا، بجد ما أعتقدش إني ممكن ألاقي واحدة ف كفاءتها
اندهشت، لما يوجه لها هذا الحديث عوضا عن أختها لكنها اكتفت بالرد: العفو
تركها أحمد ودلف إلى شقيقه حتى يساعده في إيجاد حل لمشكلته العويصة.
نهض يستقبل شقيقه ويبادره: إزيك يا رجل الأعمال ؟
سأله أحمد مشيرا إلى تلال المراجع أمامه: لسه وراك شغل كتير ؟
هز رأسه: أبدا .. مستني مصطفى بس
طرق مصطفى على الباب طرقة شديدة هزت أرجاء المكتب: مين بيجيب ف سيرتي ؟
تأفف أكرم من أسلوبه: يا ريتني كنت جبت ف سيرة ربع جنيه مخروم
ضحك وأراد إغاظته: أساسا ما بقاش في إربع مخرومة .. يعني ماكانش هيجي أصلا
- طول عمرك غلس .. وهتفضل طول عمرك غلس .. يا غلس
رفع مصطفى حاجبيه ببرود: أديك قولت بنفسك .. أنا غلس
وقف أحمد بينهما مغيرا الموضوع واضعا حد للجدال: بس منك ليه .. على فكرة يا أكرم؛ في سفرية تبع الشغل للغردقة تيجي معايا ؟
صاح مصطفى مانعا الآخر من الرد: أه أجي وهو هيجي .. دي هتبقى أحلى فسحة
كز أكرم على أضراسه: يا غلس، بيقول أكرم أكرم أكرم .. أنت اسمك أكرم ؟
أخرج مصطفى لسانه: أه اسمي أكرم
- ومصطفى دا شَحَته ؟
- لا ماما كانت مسمياني أكرم .. وبابا سماني مصطفى
أمسك أكرم رأسه بين كفيه: يا نهار مش فـــــــــــــــايت، أنا مش هأخلص منك
نفذ صبر أحمد: يعني هتيجي ولا لا يا أكرم ؟
مصطفى: ما أنا قولتلك جاي
تجاهل أكرم تدخل مصطفى: هي هتبقى كام يوم ؟
أطلعه أحمد بعد تفكير: حوالي أسبوع أو عشر أيام
وافق: أوكيه، حتى الواحد يرتاح م الشغل هنا شويه
أيده أحمد معلقا: طب كويس .. أبقى قول للآنسة مرام تجهز نفسها بقى
اندهش أكرم لطلبه: ومال مرام ومال السفرية دي ؟
تنحنح: أصلي محتاج هند ف شغل ضروري هناك، لكن هي مش راضية تسافر عشان ماينفعش تسافر لوحدها .. فقولت أقولك لو هتيجي، وبالمرة تيجي مرام معاها وقتها هتقبل تيجي
قفز مصطفى ضاربا بقبضته جزيئات الهواء: الله، ويا سلام بقى لو فريدة تيجي معاهم .. هتبقى رحلة تجنن
استفسر أحمد عن صاحبة الاسم: فريدة مين ؟
أوضح له أكرم: فريدة أخت هند ومرام
أومأ أحمد موافقا، يكفيه أن ذلك سيجعل هند ترضخ بالمجئ حتى يقبل: ااااه .. ماشي مافيش مشاكل
- مش عارف هتقبل ولا لا بس نجرب .. مــــــــــــــــــــــرام
دخلت إليهم مرام مسرعة، تلهث ببقية الطعام بفمها: أيوه
سألها دون مقدمات: تحبي تسافري معانا الغردقة حوالي عشر أيام كدا ؟
صعقت: الغردقة ؟ ليه ؟
أوضح لها الموضوع سريعا: أصل أحمد عنده شغل هناك، والآنسة هند ما رضيتش تسافر معاه لوحدها، وأنا مسافر معاه، فقولنا نسألك إنتي كمان عشان تيجي مع هند
أضاف مصطفى بعجلة: وفريدة كمان
حركت نظراتها بينهم عجبا: مش عارفه .. لما اسأل البنات الأول
أنهى أحمد الحوار: خلاص تمام اسأليهم إنهارده وبكره إن شاء الله تقوليلنا الرد
حركت كتفيها منسحبة: حاضر .. عن إذنكم
قال مصطفى بعد أن أغلقت الباب خلفها: تفتكروا هيقبلوا ؟
ربت أكرم على كتفه: كلها بكره ونعرف.. يلا بينا بقى نروح لأحسن نفسي أخد دش يريحني من الشد اللي ف ضهري
***
منزل آل السويفي مساء، جلس أكرم أمام المسبح يرخي يده على المنضدة بجوار كأس من العصير الطازج فاتحا إحدى تلك الرسائل التي تبعثها إليه الفتاة المجهولة؛ التي يتشوق لمعرفة شخصيتها ورؤية شكلها، فما يعرفه عنها لا يتجاوز معلومات بديهية؛ أنها تعرفه من الجامعة وأنها طالبة بها، لكن لا يعلم في أي فرقة أو أي كلية، قرأ الرسالة عدة مرات حتى حفظها عن ظهر قلب.
قاطعه صوت هاتفه متعاليا برنين نغمة عادية، ليس لديه الوقت أو البال لاختيار نغمة معينة، أجاب: السلام عليكم
- وعليكم السلام .. ع الأخ الندل اللي ما بيسألش
علم هوية المتصل فلم يهتم بقراءة اسمه قبل الإجابة: هههههه طول عمرك داخله فيا شمال يا ندى
- ما أنت لو بتسأل هأدخل فيك يمين مش شمال
- ويا ترى بتدخلي ف أحمد نفس الداخله دي ؟، ولا دي مخصصة ليا أنا ؟
- أحمد ؟ هو في زي أحمد ؟ .. دا حبيبي
- يا سلام ع الحب اللي ولع ف الدرا .. ربنا يخليهولك ياختي
- آمين يارب
- أومال هتيجوا إمتى صحيح ؟
- مش عارفه .. عشر أيام أو أسبوعين حاجه كدا
- شكلكوا كدا هتيجوا وإحنا ف الغردقة
- أنتوا رايحين الغردقة ؟ .. إمممم، خلاص ممكن نجيلكوا على هناك
- أه أحمد وراه شغل، وأنا ومصطفى هنروح نغير جو
- لا ما تقولش، هو مصطفى كمان جه ؟
- هههههههه إنتي ما تعرفيش ؟ .. مش أضحك عليه الضغوف
صدر صوت من خلف أكرم فيما قبضت يد على كتفه بعنف: ضغوف مين يا كبير الضغوفات .. بقى بتكلم ندى عليا كدا يا واطي .. دا إيه الصحاب دي يا ربي .. بدل ما أصعب عليك وتدافع عني يا تيـــــت
- ههههههههههههه خلاص يا أكرم أنا هأقفل وأسيب مصطفى يخلص حقه منك
- وأهون عليكي ؟ .. إيش حال إن كنت أخوكي ابن أمك وأبوكي ؟؟
- تستاهل، عشان تبقى تتكلم عن أحمد وحش تاني، حتى مصطفى ما سلمش منك، خليك يمكن تحرم ســــــــــــــلام
أغلقت ندى الخط على صوت صراخ أكرم من ضربات مصطفى المنتقمة، عادت إلى غرفة المعيشة حيث جلس والديها يتناقشان في أمر عودتهما وآدم عاد لتوه يُلاعب سيف، كانت ما تزال تضحك متخيلة ما يحدث الآن بين أكرم ومصطفى من مناوشات اعتادت عليها.
تعجبت والدتها من حالها: مالك ميتة على روحك من الضحك كدا ؟
انتبه والدها: كنتي بتكلمي مين يا بنتي عمل فيكي كدا ؟
نظر لها آدم من طرف عينه دون أن يشعرها بنظراته منتظرا إجابتها، تمالكت نفسها وضحكاتها: كنت بأكلم أكرم وفجأة جه مصطفى .. ساعتها أكرم كان بيقولى إن مصطفى دا ضغوف هههه
شاركها والديها الضحك فيما صمت آدم متابعا اللعب مع سيف، أغتاظ من زوجته؛ تضحك من كل قلبها براحة في حين يكاد ينفجر من الغيظ؛ كان دائما يغار من مزاحها وعلاقتها بمصطفى ومازال حتى الوقت الحالي.
علقت والدتها باسمة: وهو أتلم على أخوكي تاني إمتى؟
تناولت رشفة ماء: ولا أعرف .. مالحقتش اسأل على حاجه، سبت مصطفى ياخد حقه من أكرم
لم يعد آدم يستطيع الصمت أكثر: وإنتي مالك فرحانه إنه هياخد حقه أوي كدا ؟ .. مش أكرم دا أخوكي بردو ؟
نظرت له بجدية: أنا بأضحك على شغل العيال بتاعهم، اللي رجعني سنين ورا .. وعشان كان بيتريق على أحمد قبلها
هز كتفيه بلا مبالاة: اااه طيب
سألها والدها ياسين: قولتيله على المعاد اللي احتمال نسافر فيه ؟
أومأت: أه .. بس هيكون عندهم شغل ف الغردقة
والدتها صابرين بشوق: يـــــــــــاه بقالي كتير ما روحتش هناك
ابتسمت ابنتها: ما أنا كنت بأفكر نروحلهم على هناك نغير جو بالمرة
وافقها ياسين: فكرة حلوة
أيدتهما صابرين: يــــــــــــــاريت
أشار ياسين برأسه: خلاص تمام هأحجز على هناك بقى على طول .. لو لقيت حجز
آدم موجها كلامه لندى: ومصطفى هيكون هناك ؟
تعجبت سؤاله لكنها أجابته بهدوء: أه، أكرم قال هيروح هو ومصطفى يغيروا جو، لكن أحمد هو اللي عنده شغل
دمدم آدم: ااااه قولتيلي
تعجبت: قولت إيه؟
قاطعهم سيف ذاهبا إلى ندى قافزا فوق ساقيها حيث يعشق الجلوس، شعر ياسين بقلق سيف من أسلوب والديه في الحديث وأن هناك جوا مشحونا بينهما: يا عم يا عم، أيوه .. ناس ليها حضن وناس ليها شيِ يا حمار مش كدا ؟
ضحك سيف: أنت بتبقى حصان يا جدو .. مش حمار
قهقه ياسين: فرقت إيه ياخويا ؟، ما كدا كدا بتركب فوق ضهري
ضحك الجميع حتى آدم نسي ما حدث وشاركهم الضحك، أمرته ندى: يلا قول تصبح على خير عشان معاد النوم جه
انزعج سيف: يـــــــووه بقى .. كل يوم نوم نوم، مافيش مرة من غير نوم دي
بعثر آدم خصلات شعر الصغير الناعمة: وعايز تكبر إزاي وتبقى قوي من غير نوم ؟
وقف سيف مطأطأ الرأس: طيب أهو، رايح للنوم أهو .. أنا خلاص نمت حتى شوف
اغمض سيف عينيه وأصدر صوت "الشخير" مما جعل الجميع يدخل في نوبة جديدة من الضحك الهستيري نتيجة تصرفه البريء.
حملته ندى بين ذراعيها: يلا يا عم اللمض، لأحسن مش هنخلص منك الليلة دي
سألته جدته صابرين باسمة: مش عايز حاجه يا حبيبي قبل ما تنام ؟
سيف بعد تفكير: أه .. عايز قصر زي اللي كان في التلفثيون دا
أشار بأصبعه الصغير إلى شاشة التلفاز، ابتسم له جده ياسين: قصر مرة واحدة ؟ .. دا أنت طماع أوي
عقد سيف حاجبيه: ماليش دعوة، تيته قالتلي عايز إيه وأنا قولت .. هاتلي بقى اللي أنا عاوزه
عاتبه آدم بهدوء: تيته هتجيبلك منين قصر الساعة دي .. روح نام يا سيف
أوشك سيف على البكاء: لا، أنا عايز القصر تاعي !
استدركت ندى الموقف: تحب يا سيف تجيب أنت القصر لنفسك، ومش واحد بس كتير كمان ؟
مسح دموعه المهددة بالهطول: أه أه عايز
ابتسمت له بحنان: طب أنت لو قريت "قل هو الله أحد" عشر مرات ربنا هيبنيلك قصر كبير أوي وحلو أوي عنده ف الجنة وكل مرة هتقرا فيها هيبنيلك قصر .. ها إيه رأيك ؟ تيجي نقراها دلوقتي ؟
صفق سيف بسعادة: أيـــــــــوه أيــــــــــوه
بدأ الجميع يقرأ سورة الإخلاص المنتشرة بين الأطفال باسم سورة "قل هو الله أحد" في صمت بينما سيف يقرأها بصوته العالي الطفولي، أثناء تلاوة آدم الهامسة تعلق بصره بزوجته مفكرا كيف تكون بهذا الحنان والقدرة على تربية طفل بهذه الطريقة وهي .. زوجة خائنة.
توقف الجميع عن القراءة على صوت سيف يهتف بعد أن أمسك كفي والدته يمنعها عن متابعة ترديد السورة قائلا: لا يا مامي إنتي مش تقري
استغربت وسألته: ليه ؟
خاطبته صابرين زاجرة: أنت مش عايز مامي يبقالها قصر ف الجنة يا سيف ؟
هز رأسه رافضا: لا مش عايز عشان هي كدا هتعيش ف قصر تاني ومش هتعيش معايا، عشان كدا مش عايزها تقرا، أنا هأخليها تعيش معايا ف القصر تاعي أنا !
نظر الجميع لسيف مصدومين أولهم آدم الذي دارت التساؤلات بعقله ألهذه الدرجة تحبها وماذا عني .. ماذا عن والدك ؟ أتخليت عني وفضلتها عليَّ ؟
سأله جده: يعني عايز مامي بس معاك ف القصر بتاعك وأنا وجدتك وباباك لا ؟
أجابه سيف بعقل: لا عايزكم كلكم، أنا بأحبكم كلكم .. بس مامي بأحبها كتير أووي قد الدنيا دي كلها .. وبعدين أنت يا جدو هتقعد مع تيته ف قصر واحد، بس مامي هتبقى معايا أنا
آدم بحزن: ومش بتحبني أنا يا سيف زيها ؟
شعر سيف بحزن والده فانسحب من بين ذراعي أمه وأتجه إليه يضم ساقه بين ذراعيه بقوة: لا يا بابي أنا بأحبك قد السما دي كلها .. بس أنت راجل وعندك شغل، ممكن تقعد لوحدك .. بس مامي مش ليها غيري، يعني لو قعدت بعيد عنها هتبقى لوحدها .. لكن أنت عندك عيانين كتير أوي هيشغلوك
ضحك الجميع على تبريرات سيف لإختيار والدته فقط دونا عن البقية، كانت ندى تنظر إلى آدم وهو يبادلها النظر حتى أسقط عينيه بالنهاية بعيدا عنها، نهض: أنا هأروح أنام .. تصبحوا على خير
تركهم متجها إلى فراشه علَّه يفرّ من تلك الأفكار بالنوم، صعدت ندى تضع سيف في فراشه من ثم ذهبت إلى الغرفة المشتركة بينها وبين آدم، ما إن يشعر بها تشاركه الفراش حتى يتكوم على أحد أطرافه واضعا بينهما وسادة؛ حتى لا يمسها ولو من غير قصد، أغمضت عينيها باكية لهذا الحال، ويغمض هو عينيه غاضا البصر عن هذا الجمال الراقد بجواره.
***
مدت هند قبضتها تتناول حفنة من الفشار فيما تجلس أمام التلفاز تتابعه برفقة شقيقتيها فريدة ومرام: معقول عمل كل دا عشان أسافر معاه ؟
صرحت بهذا التساؤل بعد أن أخبرتهم مرام بما حدثوها به: أه، شوفتي بقى ؟
حدثت هند نفسها بصوت مرتفع: طب وليه ؟؟ ما كان خد أي حد تاني والموضوع ينتهي
مرام: شكله مش بيثق ف حد بسهولة، وزي ما إنتي قولتي .. هو قالك إنها صفقة هتعوض الخسارة اللي حصلتله م السكرتيرة اللي قبلك فأكيد مش حابب يضيعها
هند بشرود: يجوز
أضافت مرام ملتفتة إلى شقيقتها الأخرى بخبث: ولا أستاذ مصطفى دا كمان لما قالي خلي فريدة تيجي معاكوا
نظرت لها فريدة باستغراب: مصطفى ؟، وإيه اللي جاب مصطفى عندك ؟، وإيه دخله ف الموضوع
أدعت مرام عدم التذكر: لهو أنا ما قولتلكيش ؟؟ .. إخص عليا .. بجد إخص
فقدت فريدة أعصابها: بت إنتي، أتكلمي على طول وأنجزي
قهقهت مرام: خلاص ما تعصبيش نفسك .. أصل مصطفى دا طلع صاحب أكرم، كان جه معاه مرة وشوفته
همهمت فريدة: يا سبحان الله !، إيه الصدف العجيبة دي ؟
هتفت مرام معيدة الموضوع لمساره الأصلي: المهم .. قولتوا إيه ؟ هتروحوا ولا لا ؟
هزت هند كتفيها: مش عارفه، بس دا شغلي، وما دام أنتوا رايحين أنا هأروح
صاحت مرام منتفضة من مجلسها: هيــــــــــــــــه وأنا هأروح أشم نفسي أخيرا أوف
قالت فريدة بجدية وأعادت تركيزها إلى التلفاز: أنا مش رايحه
انتكست مرام مكانها مرة أخرى: ليـــــــــــــــــــــــــــــــــه ؟ ما إحنا كنا كويسين
دون أن تنظر إلى أيٍ منهما: أروح بمناسبة إيه ؟ .. هند هتروح عشان شغلها وإنتي هتروحي عشان ما تبقاش لوحدها، أنا أروح ليه بقى ؟
أخبرتها هند بثقة: وإنتي فاكره إننا هنسيبك لوحدك هنا ؟، أبـــــــدا رجلي على رجلك .. يا نروح كلنا يا نقعد كلنا
أوشكت مرام على البكاء: يلا بقى يا فريدة، أديكي شوفتي، أهي مش هتروح لو مروحتيش .. وأنا نفسي أتفسح وأغير جو، عشان خاطري وافقي بليــــــــــــــــــز
هتفت فريدة بضيق؛ فلقد أشعرتها بالذنب: يــــــــــووه .. روحوا أنتوا ومالكوش دعوة بيا، أنا مش عيلة صغيرة
وضعت طبقها جانبا ثم أغلقت على نفسها باب حجرتها، مرام لا تفهم مخاوفها، بأي صفة يطالب مصطفى بحضورها، لما أصر على ذلك، ماذا يخطط، لقد أوشكت على الوقوع في شباك حبه وهذه الرحلة قد تحكم حولها القيد وتستسلم ليدي الصياد وهذا آخر ما أرادته.
أتجهت مرام تجلس بجوار هند تستعطفها: علشان خاطري بقى، نروح إحنا
بعد تفكير لدقيقة: وفريدة ؟
هتفت بيأس: ما هي اللي مش عايزه تيجي معانا، أنا هأموت وأسافر
خاطبتها بعقل: بس ما ينفعش يا مرام نسيبها لوحدها
حاولت إقناعها مجددا: يمكن لما تشوفنا خلاص مسافرين وهتبقى لوحدها تغير رأيها
حدقت بها تتأكد من جديتها: تفتكري تغير رأيها ؟
هزت رأسها هبوطا وصعودا بقوة: وإحنا أكيد هنفضل وراها ونزن يعني، مش هنسيبها
همهمت: إمممم .. خلاص ماشي .. ربنا يستر
قبلتها على وجنتها بقوة: هيــــــــــــه حبيبتي يا هنوده أمــــــــــووه
دخلت تعد حقيبتها بفرحة فيما هند تفكر في فريدة وكيف تستطيع تركها بمفردها، فإذا أصرت على قرارها ستلغي الأمر نهائيا، في الغد ستقوم بتنبيه أحمد حتى يأخذ إحتياطه فلا يتفاجئ.
كذلك ما سبب اهتمامه بذهابها معه، لما لم يبحث عن غيرها أكثر كفاءة وأعلم منها بأمور الشركة وكيفية تنظيم هذه الصفقات، لم يعترف يوما بكفاءتها، أو يشكر لها همتها فلم الآن يتمسك بها إلى تلك الدرجة ؟؟
***
وقفت في المكتبة خلال اليوم التالي؛ تنظم حسابات الشهر كما علمها الحاج عبدالصمد؛ فقد كان شديد الثقة بها بالإضافة إلى ذلك فإن عيناه لا تتحملان كثرة التدقيق وشدة التركيز كما سبق.
ظهر أمامها مصطفى محييا: صباح الخير
دون أن تنظر إليه سألته: صباح النور .. أي خدمة ؟
أخبرها مباشرة: ليه مش عايزه تيجي معاهم الغردقة ؟
سألته ساخرة: هو أنت لحقت تعرف ؟
اتكأ على المنضدة: أصلي كنت مستني ردك بفروغ الصبر، وأول ما مرام قالت لأكرم ردكوا وعرف إنك رفضتي قالي وأنا جيت عشان أعرف السبب
هزت كتفيها بلا أدنى اهتمام: من غير سبب، أنا مش عايزه أروح وخِلص الموضوع
أكملت عملها تخبره بطريقة غير مباشرة أن الموضوع أنتهى وليس هناك أي مجال للنقاش، أدعى عدم فهمه لحركاتها وعاد يسألها: يعني مصممة إنك مش هتسافري ؟
تأففت: أيـــوه مصممة .. ممكن تتفضل بقى ؟
أدعى مصطفى البراءة قائلا بحسرة: يا عيني عليكي يا هند .. والله هتصعبي عليا
لفت اسم هند إنتباهها فخوفها وقلقها على أختيها دائماً كان يحتل المرتبة الأولى لديها حتى قبل ذاتها؛ فهي تعتبر نفسها أما لهما قبل أن تكون أخت، سألته بتردد تخشى أن يلمح نبرة القلق في صوتها: ومالها هند ؟ تصعب عليك ليه ؟
ادعى عدم ملاحظته لإنفعالها حتى لا يحيد عن خطته وتابع: أصلها يا حبة عيني هتركز ف الشغل ولا ف أختها الصغيرة الطايشة .. هتاخد بالها من إيه ولا إيه .. المشكلة بقى إنه ف الوقت اللي هي بتدوخ فيه، أختها قاعدة هنا مريحه دماغها وواخده مزاجها أربعة وعشرين قيراط
سألته منزلقة في شِركه بعد أن أشعرها بالذنب: فكرك كدا ؟
ادعى الحزن مخفيا فرحته الداخلية: مرام أختك وإنتي أدرى بيها أكتر من أي حد
ولأنها حقا أعلم بشقيقتها وتصرفاتها المتسرعة، أحست بالقلق والذنب ناحية هند بدأ يتنامى، قررت بتردد: أوووف .. طيب، خلاص هأسافر
كظم غبطته وسألها رافعا حاجبيه بإندهاش: وليه تتعبي نفسك ؟ أرمي كله على أختك
صاحت به بعصبية: يــــــــــووه .. ما خلاص بقى
دنى منها قليلا وقال مهدئا: خلاصين تلاته، هأخاف يعني ولا هأخاف
أفلتت ضحكتها رغما عنها: عايزه أشتغل يا أستاذ
أومأ مبتعدا: خلاص يا أبو سِريع ما تزوقش، أديني ماشي أهو
لم تستطع إمساك ضحكاتها، رأى ضحكتها فيما إعجابه بها يتزايد يوما عقب يوم؛ فقد ضحت براحتها وموقفها فقط من أجل شقيقتها .. لتحمل عنها حمل الأخت الطائشة ومسئوليتها، لم يدري عن طيشها شئ سوى ما استشفه من مقابلتها المرتين الماضييتين، خبرته في طيش الفتيات لا يستهان بها.
همس لنفسه أثناء صعوده إلى السيارة: بجد إنتي فريدة .. يا فريدة، هو في حد كدا ف الزمن دا مش بيقول يلا نفسي ؟؟ .. غيرك
***
جلست صابرين تحت شمس الصباح الباكر حيث يعم دفئها دون أي آثار جانبية، اقتربت منها ابنتها لاهثة الأنفاس وارتمت على المقعد المجاور، وضعت يدها على صدرها: قطع نفسي ومش راضي يسبني ارتاح
ابتسمت لها والدتها بحنان: لسه صغير وعنده طاقة .. خليه يلعب
ضحكت: يلعب .. هو أنا قولت حاجه ؟؟ .. بس ما يقطعش نفسي أنا ف اللعب معاه
مدت لها كأس من عصير البرتقال الطازج: اشربي دي هتعوضك شوية عن المجهود اللي عملتيه
تناولته منها عن طيب خاطر واستغرقت في تأملاتها للحديقة ولحظات الاسترخاء حتى أفاقت على خروج اسمها من بين شفتي صابرين القلقة: ندى .. كنت عايزه أكلمك ف حاجه
وضعت كأسها بعد أن أنهت أغلبه وانتبهت لحديث والدتها فيبدو عليها الجديدة وخطورة الأمر: إيه هي يا ماما ؟
رفعت حاجبيها: علاقتك مع مصطفى
تعجبت: مالها ؟
نقرت الأم بأصابعها على الطاولة: أنا ماكنتش بأكلمك عنها قبل كدا رغم إني لاحظت قربكوا من بعض أوي .. لكن ما أدخلتش عشان قولت إنك عاقلة وعارفه مصلحتك كويس بس ...
شجعتها لتكمل: بس إيه ؟
زفرت: لازم تفهمي اللي كان ينفع وأنتوا صغيرين ما ينفعش دلوقتي
عقدت ذراعيها: وإيه اللي فتح الموضوع دا دلوقتي ؟
تنهدت الأم باستسلام؛ فقد لاحظت حركة ابنتها الدفاعية ونبرتها الحانقة: آدم إمبارح ماكانش طبيعي من ساعة ما جيبتي سيرة مصطفى .. ما تنسيش أنه شاف تعاملكوا سوا وفرحتك إمبارح اللي ظهرت بعد ما عرفتي أنه مع أكرم .. حاسبي من الغيرة يا ندى .. الغيرة لو دخلت بين إتنين بالأخص لو شخص كتوم ف مشاعره زي آدم هتلاقي الراحة والاستقرار هربوا
نظرت إلى والدتها تريد إخبارها أن العلاقة بينها وبين آدم ليست كما تتخيل، لم يعد يحبها فكيف سيغار عليها ؟؟، لكنها ألتزمت جانب الصمت واكتفت بإيماءة من رأسها تدل على سماعها لكلام أمها كاملا.
زمت صابرين شفتيها متناولة المجلة من فوق المنضدة تتابع قراءتها، لقد أدت دورها وهمست بالنصيحة في أذن ابنتها والآن حان دورها في الأخذ بالنصيحة أو إلقاءها.
***
الحي الشعبي في المحروسة يحتوي على الباعة الجائلين في الأزقة والحارات، بائع البطاطا الذي تخرج مدخنة عربته كمية من ثاني أكسيد الكربون تزكم الأنوف وتزيد سببا إلى طبقة الأوزون حتى تنسحب رويدا عن محيط الأرض.
ميكانيكي السيارات الذي أفترش الأرض أسفل سيارة نقل يحاول إصلاح العطل الحادث بها.
صاحب محل البقالة يجادل سيدة في إنتقاصها للجبن قبل إعادته فميزان لا يخيب، حلاق الحارة يقف خلف ظهر الزبون يزيل عنه حمل شعره ويلقي على كتفيه أحمال الناس وأخبار طلاق فلان وسجن علان.
وإذا ثنى المرء رقبته للخلف قليلا .. لاحظ الشرفات التي تكاد تلتصق سويا من شدة القرب، حتى أنك تكاد تشعر أنها شقة واحدة اعترض الشارع طريقها.
وقف في إحدى الشرفات شديدة الضيق .. هشام، وقف مستندا إلى سورها يراقب الحركة في الحي الذي ولد وعاش فيه، بعد رؤيته خروج صبي القهوة قائلا: وعندك واحد شاي كشري للمعلم بُرغل
دلف إلى الداخل متمسكا بكوب الشاي الذي لم يشرب سوى ربعه، وجه نظراته الغاضبة إلى صديقه متابعا الحوار الذي كان دائرا بينهما قبل دقائق: أنا مش عارف هو لاقني إزاي، يعني خلاص مصر كلها مالاقش غير المكان دا اللي شوفني فيه ؟
سحب سعد كرسيا يتهالك وجلس فوقه بهدوء: طب هتعمل إيه ؟ هتهرب منه إزاي ؟
جلس أمام صديقه على الكرسي بطريقة معاكسة: أي حاجه فيها سفر برا مصر أكيد هيوصلي
طالبه بالمزيد: طب وبعدين ؟
أشعل سيجارة من علبة السجائر الملقاة فوق المنضدة بلا إهتمام: شكلي هأروح أي محافظة تانية واستنى فترة لحد ما ينسى الموضوع أو يحصل جديد
سعد: تمام .. هتسافر فين بقى ؟
نفث دخان سيجارته وأدارها بين أصبعيه متأملاً: مش عارف .. بس أكيد هأروح مكان أفرفش فيه بالفلوس اللي معايا دي مش هأدفن نفسي يعني ههههههه
انضم إليه سعد في نوبة الضحك مظهرا أسنان أكلها السوس: ههههه ماشي يا عم بس أبقى افتكرنا
ربت على كتفه: طبعا يا ابني ودي فيها كلام ؟ أنت هتيجي معايا
-ربنا يخليك يا صديقي الصدوق
نظر بعيدا بغل: بس اللي غايظني إنه شافني معاها
تعجب سعد: مع مين ؟
هشام بنفاذ صبر: مع فريدة يا ابني اللي حكيتلك عليها
- ااااه .. طب وهو عرف طريقها منين ؟
لوى هشام شفتيه: يا ابني ما تفتح مخك ما أنا قولتلك شافني معاها قصاد المكتبة بتاعتها، سهل أوي يروح هناك وهيلاقيها
-طب ما يلاقيها .. هي ما تعرفش عنك حاجه، دي تعرف عنك أقل بكتير أوي من اللي هو عارفه، يعني مش هتفيده
صفعه هشام على جبينه: أنت مال مخك ضلم كدا ليه ؟؟ .. مش على كدا .. بس مصطفى دا بتاع بنات .. وخايف تدخل دماغه وياخدها
غمزه سعد: أنت مش قولت إنها محترمة ويدوب بترد على قد السؤال ؟ .. وصاحبك دا بتاع البنات النغشين اللي تجيب مـ الآخر
هشام بتأني وقد ضاقت عيناه: ما أنا خايف لما يلاقيها معصلجه معاه .. تدخل دماغه أكتر ويحب يلينها .. أنا عارفه
هز كتفيه بلا مبالاة: لو البنت فعلا زي ما قولت، مش هيقدر عليها حتى لو عمل الَليِ .. كبر مخك .. خلينا ف السفرية .. هتودينا فين يا برنس ؟
قهقه هشام ونهض ملقيا عُقب سيجارته أرضا ثم دعسها بقوة: المكان اللي يعجبك يا أسطى 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close