اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل العاشر 10 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل العاشر 10 بقلم سارة محمد


الفصل العاشر
_________

قفزت مرام سعيدة بعدول شقيقتها عن رأيها الذي اعتبرته بلا أسباب مقنعة: هيـــــييــه، يعني جايه معانا يا فيري
مسحت وجهها بباطن كفها: يادي النيله .. مش قولتلك مش بأحب الدلع دا ؟، شكلي هأرجع ف كلامي تاني
تعلقت بذراعها فزعة: لا لا خلاص .. سماح المرة دي أمـــــــووه
ضحكت على تصرفات شقيقتها الصغرى التي لا تنم سوى عن طفولة دائمة ثم استدارت إلى فريدة متسائلة: بس إيه اللي غير رأيك ؟
هزت كتفيها كأن الموضوع لا يحتاج إلى أية شكوك: عادي يا بنتي .. فكرت إني هأقعد من غيركوا، وعشر أيام كتير عليا من غيرك ومن غير جنان الست مرام، وهتوحشوني أوي، فقولت عليا من دا بإيه أروح معاهم أحسن
ضمتها هند باسمة: تنوري
لوت مرام شفتيها بحزن: عشر أيام وحساهم كتير ؟، في ناس ما شافوناش من سنين و ولا فارق معاهم .. إنتي بجد مافيش منك يا فريدة، هتكوني أحن وأجمل أم ف الدنيا
زجرتها هند: وبعدين بقى .. إنتي عايزه تنكدي على نفسك آخر الليل يعني ؟
هزت مرام رأسها: لا ولا نكد ولا يحزنون .. أنا هأدخل أنام
تأبطت هند ذراعها: خديني معاكي ياختي لأحسن مدغدغه ومفاصلي سابت وعنيا راحت
سألتهما فريدة قبل أن تدلف كل واحدة إلى غرفتها: صحيح .. السفر إمتى ؟
رفعت هند عينيها إلى الزاوية اليسرى لأعلى محاولة التذكر بالضبط: هو قال كمان أسبوعين يكون العميل الأجنبي جه من برا
أومأت فريدة: كويس أوي .. يلا تصبحوا على خير
عادت إلى مكانها على المقعد ثم تناولت كتابها الذي تركتها مقلوبا عند الصفحة التي توقفت عندها، استغرقتها القراءة حتى راحت في سبات عميق لم تفق منه سوى على إقامة صلاة الفجر.
***
دق الرقم بعدما أضاف الكود الدولي، استمع للرنين المتواصل وبعد تكرار المحاولة أكثر من مرة أجاب أخيرا، استمع للتحية تخرج من بين أنفاس ضجرة، ردها دون أن ينتبه للهجة الحنق لدى صاحبها؛ فقد انشغل خلده بفتايته الصغار: وعليكم السلام يا أم جلال .. أبو جلال عندك ؟ .. محتاجه ضروري
حاولت إظهار الاهتمام في نبرتها: لا والله يا حاج عبدالرحمن .. خير في حاجه ؟
زفر بانهزام: طب هيرجع قريب ؟
- ما اعتقدش .. أصله سافر المنوفية يبيع حتت الأرض والبيت المهدم اللي ف وسطها، أنت عارف بقى الواد جلال على وش جواز وهيحتاج شقة ف القاهرة
أضافت على عجل: أنت محتاجه ف حاجه ضروري ؟
- أصل البنات مضطرين يسافروا كام يوم الغردقة عشان شغل .. ولو مافيهاش إزعاج كنت عايز جلال أو أبو جلال يروح معاهم؛ عشان ما يبقوش بنات لوحديهم
- ااااه، معلش بقى يا حاج .. دول مش قبل أسبوع يرجعوا، كان نفسي نساعدك والله
- لا لا مافيش مشاكل، هما مش هيسافروا قبل أسبوعين أصلا
- دا بجد ؟!، أ .. أ .. يــــووه، يخيبني نسيت، دا لسه جلال متصل بصاحبه إنهارده عشان يمدله الأجازة اللي أخدها شهر قدام .. عشان الأرض حالتها وحشة وعايزين ينضفوها ويهتموا بيها شويه عشان سعرها يرفع ويلاقولها مشتري
التوت شفتهبسخرية وقد فهم تهربها، حمد ربه على إجرائه المكالمة من مكتبه أثناء الاستراحة، إذا تحدث مع أم جلال أمام زوجته لكانت أوسعته لوما وعتابا؛ لقد نبهته قبل السفر أن هؤلاء الناس لا يترك بعهدتهم شيء، جلال مازال صغيرا بينما والدته هي الأمرة الناهية، تتحكم في زوجها وتحركه على هواها، فلن يسطيعوا تقديم العون لبناتهم عند الحاجه.
ظن أن صلة القرابة وإن كانت بعيدة ستجعل موضعه وموضع بناته مختلف، سيبدون الاهتمام ولو قليلا، لكن يبدو أن العالم اختلف والأولويات تبدلت، وعكس ما يقال فقد صار رابط الدم كالماء.
***
اغلقت الخط مع قريب زوجها متأففة، لقد رفض زواج ابنته لابنها حتى بدون استشارتها، لا لشيء سوى تحججه أن فارق المستوى التعليمي سيخلق بينهما مشاكل بدون آخر.
مصمصت شفتيها ساخرة: مش هو دا بتاع دبلوم صنايع اللي مش عاجبك ؟؟ .. دلوقتي عايز تأمن بناتك عليه.. ياخي دِه دَا، دا خسارة فيك السلام اللي بيقولهولك وكلمة حاج اللي بنناديك بيها .. مش ناقص إلا بناتك كمان اللي ننشغل بيهم
***
قلبت الأوراق وحددت الصفحات التي طلب منها أكرم تصويرها من المراجع؛ حيث تفيده في دراساته العليا بالإضافة إلى تشغيل جهاز الحاسوب لكتابة ما سبق وطلب تجهيزه، كانت الساعة في تمام السابعة والنصف صباحا، أبكرت زيادة عن اللازم على غير عادتها؛ لقد أمضت ليلها تتقلب في الفراش كأنه صنع من جمر، وفور رؤيتها لأشعة الشمس الأولى التي أعلنت بداية نهار حار جديد قفزت تستعد للذهاب إلى جامعتها على أمل إيجاد ما تتلهى به دافعة دوامة أفكارها المحزنة.
لم يأتي سوى قلة قليلة من العاملين في الكلية، فقط من يتطلب منهم العمل ضرورة الحضور المبكر، دخل عامل مكتبة التصوير مصدوما لرؤيتها في تلك الساعة، لكنه ألقى التحية: صباح الخير يا آنسة مرام
استدارت إليه مفزوعة: فرج ؟!، مش تخبط قبل ما تدخل ؟؟ .. خضتني
نظر إليها نظرات أثارت الريبة داخلها: ما عاش اللي يخضك
استفسرت بشك: أنت إيه اللي جابك الساعة دي ؟
اقترب منها على مهل: أبدا .. جبت الورق اللي كان سبهولي دكتور أكرم أصورهوله إمبارح
تراجعت للخلف: تمام .. سيبه عندك ع المكتب وأمشي
اقترب منها أكثر: طب ما تاخديه إنتي من إيدي أحسن يا جميل .. إيه رأيك نفطر سوا ؟
جاهدت لتخفي خلفها عن عينه حتى لا تزداد جرأته: جميل إيه ؟! .. بتتكلم كدا ليه، أنت أتجننت ؟!
أجابها بنبرة اشمئزت منها: أه أتجننت .. مين يبقى قدام لهطت القشطة دي ما يتجننش ؟
صرخت به: ما تحترم نفسك
كان شديد القرب منها عندما قال: هههههه ماشي يا قطة
هجم عليها فجأة، يحاول أن يقربها منه بينما تحاول تدفعه بعيدا عنها بكل قواها، لكنه كان أقوى منها بمراحل، جسده البدين وثقله أودى محاولاتها إلى التهلكة، بدأت تبكي وتتوسل إليه في حين غرق في عالم آخر غير عابئ بها أو ببكائها الذي يلين أقسى القلوب.
ترجته باكية: حرام عليكي أبعد عني .. سبني، دا أنا قد ولادك
ضحك ضحكة مقززة أثارت بها رغبة عمياء في التقيؤ: هو أنا هأنزل بناتي كدا .. باللبس دا، تقول بيه للرايح والجاي تعالى اتفرج عليا ؟؟
عادت محاولاتها المستميتة في دفعه جانبا بينما تصرخ: ربنا ينتقم منك، حسبي الله ونعم الوكيل .. أبعد عني يا حيــــــــــــواان .. يا قذر
دخل أكرم في حين صدمه منظر فرج يحاول تقريب مرام إليه حتى يستطيع الوصول إلى فمها وتقبيلها، يمسك بها بقوة فيما تبكي بين يديه محاولة إقصاءه عنها لكن محاولتها تبؤ بالفشل .. غلي الدم في عروقه فهجم على فرج وأبعده عنها ملقيا إياه أرضا، لم يستوعب فرج ما حدث بهذه السرعة، وضع يده على فمه النازف متوجعا.
صاح به مشيرا إلى الباب: أطلع برا مكتبي دلوقتي يا *** .. شغلي معاك بعدين .. سمعتني ؟! بأقولك بــــــــــــــــــراا
خرج سريعا متعثرا في السجادة المفروشة فوق أرضية الغرفة كذلك في خوفه من بطش أكرم خصيصا وهو أحد معلمي الجامعة ونفوذه خارج الحرم، عدا خوفه من ضرباته التي قد تتوالى بضراوة إذا طالت فترة بقاءه أمام عينيه لمدة أطول؛ قد يبدو ضعيف البنية لكن قوة الغضب هي الغالبة ولن يستطيع الصمود أمامه.
بعد تأكده من مغادرة العامل للمبنى بأكمله، بحث عن مرام بعينيه مقطب الجبين حتى وجدها تجلس على الأرض في ظل طاولة المكتب حيث لم تعد تملك من الأعصاب ما يجعلها تستمر في الوقوف.
ضمت قدميها بشدة مطبقة فوق صدرها تبكي وقد عقدت ذراعيها حول ركبتيها، هذه هي جلستها المفضلة التي تشعرها بالأمان –إحتواء جسدها بين ذراعيها- عندما لا تتوافر أيا من شقيقتيها فريدة أو هند بجوارها، عادة أكتسبتها بعد سفر والديها وإبتعادها عن حضن أمها الدافئ، أشفق عليها ثم جلس بجانبها ساندا ظهره إلى المكتب ممددا ساقيه أمامه وقد عقد أصابعه معا.
سألها محدقا أمامه مباشرة: إيه اللي جابك بدري ؟
صدمت لسماع صوته ونظرت إليه غير مصدقه وجودها ثم عادت للنحيب: كان في ورق حضرتك طلبته مني ضروري يكون على مكتبك الصبح .. وأنا ما كنتش خلصته .. فأخدته معايا وعملته ف البيت .. بس قولت أجي بدري أكتبه ع الكمبيوتر .. وأطبعه قبل ما حضرتك توصل.
أومأ بهدوء: طيب خلاص .. حصل خير
نظرت له ببؤس: لولا إنك جيت .. ماكانش هيبقى خير
عادت تبكي بكل ما تحمله بداخلها من ألم للذكرى من جديد، احتار لا يعلم ماذا يفعل لكي يوقف انسياب دمعها، صدمته دموعها كأنها أساور حديدية ألجمت يديه، لم يكن يتخيل أن يراها في تلك الحالة، دائمة الضحك .. المزاح .. المشاكسة تنهار بهذا الشكل.
حاول التخفيف عنها: المهم إني جيت
بعد فترة سكون: عارف قالي إيه لما قعدت أترجاه يسيبني وإني قد ولاده ؟
أكملت دون إعطاءه فرصة حتى يجيب كأنها تحادث نفسها: قالي إن بناته مش هيسيبهم ينزلوا كدا باللبس دا (زاد نحيبها وبدأ جسدها في التشنج) .. طب أنا ذنبي إيه ؟!، ذنبي إيه إن مافيش أب يجي يقولي مافيش نزول كدا، أب أنا بقالي سنين ما شوفتوش، أب ماعشتش معاه لحظة نجاحي وخوفي من النتيجة والتنسيق .. إني ما أدخلش كلية بأحبها .. ها ؟! .. ذنبي إيـــــــه .. ما ترد عليا
كان منشغلا عن الإجابة بالنظر إليها، نظرة غير نظرته لمرام الطائشة غير المبالية، همس بداخله: دي طلع وراها حزن كبير بتدفنه وتخبيه ورا قناع الاستهتار دا
التفت إليها متناسيا أفكاره: وإنتي ليه تحتاجي حد يوجهك ؟ .. إنتي مش ليكي عقل تعرفي بيه الصح والغلط .. تعرفي بيه إيه اللي يتعمل ؟، طب ما إخواتك مش كدا .. إنتي ليه كدا ؟
دمدمت بضعف: عشان أنا ضعيفة وغبية .. يمكن عملت كدا عشان أحسس أهلي بالذنب ناحيتي .. أقولهم بطريقة مش مباشرة أنهم السبب ف اللي أنا فيه دا .. هههه بس هما مش هنا ومش شايفين دا .. وبدل ما يكون إنتقام منهم بقى إنتقام من نفسي
ذكرها: وتنتقمي منهم ليه ؟ .. مهما عملوا ما ينفعش تعملي كدا، نسيتي ربنا –سبحانه وتعالى- لما قال "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"
- وأنا أهو انتقمت من نفسي ف الآخر
أومأ: ماحصلش حاجه .. فكري بس إن دا حصل عشان تفوقي لنفسك وتعرفي فين غلطك وتصلحيه
تأملت: يعني لسه في فرصة ؟
ابتسم مشجعا: بصي هأقولك جملة هي مبدأي وياريت تخليها مبدأ ليكي إنتي كمان .. "لو ف عمري لحظة يبقى لسه قدامي فرصة"
هزت رأسها متحمسة: ماشي وأنا موافقة
نهض من مكانه ونفض يديه قبل أن يمدها إليها: يلا قومي بقى .. ووريني الضحكة الحلوة وبلاش التكشيرة الوحشة دي .. دا إحنا لسه بنقول يا صبح
جذبها لتقف على قدميها بينما تبتسم: أهو .. كدا حلو؟
بادلها الابتسامة: أيوه كدا يا شيخة .. خلي الواحد يصطبح بحاجه حلوة
دهشت من كلامه الذي قيد أحبالها الصوتية فلم تستطع الرد واكتفت بالنظر إليه، تنحنح محرجا: يلا روحي إنتي دلوقتي .. إنهارده أجازة
حاولت الإعتراض لكنه أقفل جميع أبواب المناقشة بوجهها، رفع أصبعه محذرا: هــــــا وبعدين ؟ .. إرتاحي إنهارده وأنا هاهريكي شغل بكره لحد ما تقولي حــــــــراام عليك اعتقني لوجه الله
لم تستطع تمالك نفسها أمام طريقته التمثيلية المبالغ بها، شعر بسعادة داخلية غامرة لنجاحه في إزاحة حزنها بعيدا وإعادة الضحكة إلى وجهها.
***
دلفت مرام إلى المطبخ ثم فتحت الثلاجة وألتقطت تفاحة، سحبت كرسيا من حول طاولة المطبخ الصغيرة ثم جلست عليه تراقب شقيقتها وهي تعد الطعام.
حدثتها فريدة دون أن تلتفت إليها: أخيرا صحيتي ؟ إيه النوم دا كله .. مش عارفه رجعتي بدري ليه وإنتي من استعجالك ما فطرتيش ؟
قضمت من تفاحتها: ما أنا قولتلك، لاقيت مافيش شغل كتير روحت استأذنت وجيت
زجرتها بعدم اقتناع : طب ما كنتي نزلتي على مهلك اتسربعتي ليه ؟
- ماكنتش أعرف إن مافيش شغل كتير .. ع العموم سيبك ما حصلش حاجه
نظرت لها بقوة ولوم: لا حصل .. بس مش هاسأل إيه اللي حصل لحد ما تيجي تحكيلي لوحدك .. أصل دي مش عِشرة يوم يا ست هانم
تنحنحت بحرج: طيب، فريدة .. أنا عايزه أطلب منك طلب
ابتسمت لها فريدة مشجعة: اؤمري يا حبيبتي
أطلعتها بتوتر: أنا عايزه ألبس طقم من هدومك .. لحد أما أجيب كام طقم لنفسي، لأني مش عايزه أنزل بهدومي دي تاني
سعدت فريدة: يعني خلاص ؟ .. هتلبسي الحجاب وتغيري استايل لبسك ؟
انتقلت الفرحة إلى ملامح وقلب مرام عندما رأت فرحة شقيقتها بهذه الخطوة: أيوه خلاص
سألتها مشيرة بسبابتها: يعني مش هترجعي تقولي (دا مش عارفه إيه) وترجع ريما لعادتها القديمة ؟
قبلت مرام ظهر كفها وباطنه: لا يا ستي توبة من دي النوبة
دنت منها فريدة تقبلها: أيوه كدا فرحيني .. لــــــــوولــــوولـــي
انضمت إليهم هند ضاحكة بعد أن سمعت أصواتهم: على فكرة مش بتعرفي تزغرطي يا فريدة
أومأت فريدة ضاحكة: ما أنا عارفه، بس من فرحتي
ابتسمت هند: ربنا يزيدك فرحة كمان وكمان .. بس حصل إيه ؟
نقلت إليها الخبر بفرحة حقيقية: مرام خلاص هتتحجب ومش بس كدا.. لا.. هتغير استايل لبسها كمان
هند: يا بركة دعاكي يا أما .. مبروك يا مرمر
مرام بسعادة: الله يبارك فيكي .. أنا لو كنت أعرف أنكوا هتفرحوا أوي كدا كنت أتحجبتلكوا من زمان
فريدة: ما إحنا بنزن عليكي من زمان بس لا حياة لمن تنادي .. وبعدين المفروض تتحجبي عشان دا فرض عليكي .. عشانك مش عشان تفرحينا بس .. أصلا فرحتنا بيكي ما تجيش حاجه جنب فرحة ربنا بيكي يا مرومتي
مازحتها مرام: عارفه .. بس بأضحك معاك كِركِركِركِر .. شربات استايل
ضحكت أختيها على تمثيلها وشاركتهم مرام الضحك فيما تشعر براحة غريبة؛ إنها أتخذت هذه الخطوة، نظرت لإخوتها وهن يخططن من أين سيشترون لها ملابسها، شعرت وقتها بقيمة وجودهن بحياتها وأنها لن تستطيع تعويضهما؛ فلن تجد من يحبها مثلما تفعلان.
نهضت وألقت بجسدها عليهما على حين غرة، ضمتهم حتى سقطوا فوق بعضهن على الأرض لكن لم يهتم أي من هن، بل ضموها وتعالت ضحكاتهم.
شردت مرام مخاطبة ذاتها: قد إيه كنت محتاجه الحضن دا .. من زمان وما كنتش حاسه بقيمة وجوده .. ربنا يخليكوا ليا ونفضل سوا على طول
قررت فريدة أن تذهب فتصلي ركعتين تحمد بهما الله على إجابته لدعاءها بهداية مرام وفعل كل شئ يحبه الله ويقربها إليه، أما هند فقد عقدت نية داخلية أن تقوم بإخراج شئ لله وأن تشتري بعض الملابس الجديدة مع أختها وتخرجها صدقة وحمدا لله على قرار مرام النهائي.
***
طرقت هند باب رئيسها، دلفت تتلقى الأوامر النهائية قبل الإجتماع، صدمها الأمر الأخير والذي دونته في مفكرتها دون أن تنتبه، فجأة رفعت رأسها وحدقت به من خلف عويناتها كأنه يضع أنف أحمر مكور فوق أنفه الأصلي.
كظم ضحكته مرغوما وأدعى الانشغال بترتيب الأوراق التي أمامه، سألته وقد شكت في صحة سمعها: حضرتك قولت آخر حاجه إيه ؟
تنحنح كي يُجلي صوته فيخرج دون بحة الضحك: قولت تجبيلي قميص مناسب عشان أحضر بيه الحفلة بالليل .. صعبة أوي كدا ؟
ازدردت ريقها: بس حضرتك بتسيب كذا قميص ف الحمام
أومأ: مافيش ولا قميص موجود ف الدولاب
رفع إليها نظرة لوم وإشارة إلى التقصير: السكرتيرة اللي قبلك كانت بتفكرني إني أجيب قمصان تانية .. وبتودي دول ع التنضيف
صرت على أسنانها تكتم غيظها، وخرجت الكلمات من بين شفتيها غصبا: حضرتك ما قولتليش إن من مهامي الوظيفية إني أبقى خدامة كمان
حدق بها رافعا حاجبيه: كل دا عشان هتنبهيني أجيب كام قميص نضيف وتتصلي بشركة التنضيف تيجي تاخد الهدوم
أضافت ساخرة: وأروح اشتري قمصان عشان الحفلات
ضرب على المكتب بعنف ووقف خلفه مقطب الجبين: مش معقولة التفاهة دي، كل الهوليلة دي عشان بأقولك روحي اشتريلي قميص ؟؟ .. المفروض أقول الحاجه تتنفذ من غير نقاش، وأكيد يعني لو في وقت بين الإجتماع ومعاد الحفلة كنت روحت البيت غيرت .. لكن جنابك حضرتي إجتماع زي دا قبل كدا وعارف العملاء دول وقد إيه رزلين ونفسهم طويل
أخفض رأسها لا لشيء سوى محاولة تمالك أعصابها، فرؤية وجهه تزيد فوران الدماء بعروقها، استمعت لكلماته النهائية وغادرت حانقة وهي تكيل له الوعيد بينها وبين نفسها.
***
وضعت العلبة التي تحتوي على القميص الجديد فوق مكتبه ثم غادرت تتنبأ بعاصفة هوجاء تقطلع ما أمامها دون تمييز.
لم تنتظر كثيرا حتى اخترق أذنيها الصياح دون حاجه إلى رفع السماعة لكي تهرع إليه، وقفت أمامه بملامح بريئة لا تظهر أي خبث أو لؤم، حدق بها بعيون براقة تلمع بغضب، رفع أمام أعينها القميص الذي اختارته: إيه دا ؟
أجابت بهدوء تحسد عليه: قميص
ضم شفتيه بقوة: حد قالك إني من مشجعين شعبان عبدالرحيم ؟
- لا
بسط القميص أمامها، كان مزركشا بأشكال عجيبة وألوان أعجب، تداخلت درجات من الأزرق مع شطحات من البرتقالي ولمسات من الأحمر أنتهت بخطوط خضراء، سألها بحدة: أومال إيه دا ؟
- حضرتك طلبت أجيبلك قميص وما قولتليش عايز موديله إيه .. فجبتهولك على ذوقي
- ذوق منك ولا انتقام ؟
- انتقام إيه كفى الله الشر ؟؟
لمعت عيونها ونبرتها الملائكية أكدت عدم جدوى الجدال وأنه سيضيع وقتها بلا طائل، زفر زفرة أخرجت ما في جعبته من غيظ وأكتفى بقول: هألبسه بردو .. مش لحاجه غير إنك تحسي بتأنيب الضمير لما الناس تشوفني لابسه
رسمت شهقتها واتساع عينيها البسمة على شفتيه، هكذا قلب المائدة عليها وأشعر بذنب ما سيراه في أعين الناس من سخرية واستهزاء، يعلم أن تعايشها مع الذنب سيكون أكثر من احتمالها ولكن هذا هو عقابه لها.
أخفضت رأسها معتذرة بصمت، لقد أصاب مربط الفرس هذه المرة لكنها لن تعترف بفوزه فالمبارة مازالت في شوطها الأول ولن تنتهي سوى عند إطلاق صافرة فوزها.
***
جاء يوم السفر منذرا بيوم حار من أيام الصيف، من المفترض أن يكون السفر بالطائرة، فكيف يملك أبناء السويفي طائرة خاصة تنقلهم في أي وقت إلى أي مكان خلال مدة أقل من المستغرق بوسيلة النقل العادية، وقتهم دائما من ذهب يجب استثماره على أحسن ما يكون.
فوجئت الفتيات بأن تلك هي وسيلة النقل المتاحة، نقلتهم سيارة خاصة بالشركة من المنزل حتى المطار، اعتقدن أن السيارة ستوصلهن إلى موقف الحافلات.
ترجلن من السيارة وتوجهن إلى إحدى صالات الانتظار في المطار حيث كان البقية في انتظارهم، أعلنت فريدة اعتراضها فور رؤيتهم.
تعجب أحمد: ليه لا ؟
أوضحت فريدة: هند طالعه مع حضرتك ف شغل، ودا شئ طبيعي إنها تسافر على حساب الشغل، لكن أنا ومرام مرافقة زيادة .. ما يصحش نسافر على حساب حضرتك
زم أحمد شفتيه: طب وإيه الحل دلوقتي ؟
أخبرته فريدة بهدوء: هنسافر أنا ومرام ف السوبر جيت ونحصلكم على هناك
صاح بها أكرم مصدوما: سوبر جيت إيه بس ؟، المسافة طويلة جدا .. دي تاخد ساعات، دا غير التعب لكن بالطياره يادوب ساعة
أصرت فريدة: معلش مش هينفع غير كدا
تدخلت هند منضمة إلى صف شقيقتها: وأنتوا لو سافرتوا سوبر جيت أنا هأجي معاكوا .. مش هأسيبكوا تسافروا لوحدكوا
اقترح مصطفى: جرا إيه يا جماعة ما تصلوا ع النبي .. أقولكوا ؟، فريدة ومرام هيدفعوا تمن تذكرة الطيارة وكدا تتحل، التذكرة مش غالية دي 300 جنيه، دا سعرها ف الطيارات العادية
ربت أكرم على كتف صديقه ممتنا: برافو عليك يا درش أديك جيبتها .. كدا كلنا هنسافر سوا من غير ما نقلق عليكوا قولتوا إيه ؟
نظر الجميع إلى فريدة مترقبين قرارها النهائي، كلمتها هي الفيصل في الموضوع، أومأت باستسلام أمام نظرت مرام الراجية: خلاص تمام .. بس مصاريفنا هناك بردو إحنا هندفعها
استنكر مصطفى كلامها بشدة: جرا إيه يا فريدة.. مش معاكوا رجاله ولا إيه ؟ إيه هتدفعوا دي ؟ .. التذكرة وقولنا ماشي .. عمالين نعدي عشان السفرية تمر على خير ومع ذلك بردو مُصِرة تحرقي دم الواحد
نظرت له نظرة ذات معنى ليس بخفي: أيوه إحنا اللي هندفع .. وأنتوا تدفعولنا بصفتكوا إيه ؟
تنحنح مصطفى بحرج: إحم إحم .. هنفضل واقفين كتير، يلا نمشي؟ .. ولا إكمنها طيارة خاصة يعني هتلطعونا بمزاجكوا ؟
أشار أحمد للجميع ببدأ المسير إلى حيث تنتظر الطائرة: يلا بينا
جعلهم صوت فتاة تهتف باسم أكرم يتسمرون ملتفتين إلى صاحبة الصوت؛ حتى يعرفوا هويتها ومن تكون، كان أكرم أشدهم صدمة رغم أنه أكثرهم معرفة بالقادمة.
هتف أكرم مصدوما: باريهان ؟ إنتي بتعملي إيه هنا؟ ورجعتي إمتى ؟
ضحكت باريهان ضحكة رقيقة: لسه واصله، آنطي شافتك بس عشان عارفاك بالشكل بس اتكسفت تسلم عليك ولما قالتلي جيتلك جري
تمتم أكرم من بين أسنانه: حمدالله ع السلامة
لم تنتبه أو لم تهتم باريهان بافتقاد ترحبيه للحرارة المنتظرة: الله يسلمك .. مِس يو أوي
لفت أحمد انتباههم بسأم: حمدالله على سلامتك يا باريهان، مش يلا يا أكرم ولا إيه ؟
هز أكرم رأسه بسرعة: أه جاي أهو
تشبثت باريهان بساعده: خليني أجي معاكوا .. أنت واحشني وكدا كدا الشنط لسه ف المطار يعني مش أزمة
معرفة أكرم بها جعلته يستسلم دون جدال، مادام هناك سفر فلن يستطيع ردع إلحاحها في الذهاب، أزاح قبضتها: طيب هأروح أشوف الموضوع دا، وتعالي عشان تقولي لأهلك
عادت تمسك يده: أوكيه .. يلا بينا
أبلغ أكرم شقيقه: أحمد مش هاتأخر
تأفف أحمد داخليا لكنه أكتفى بقول: بسرعة
كانت عيون مرام الحانقة تلاحقهم بضيق، لقد كانت تتابع أخباره وتعمل لديه منذ فترة ولم تسمع يوما باسم شبيهة الـ "باربي" تلك، حاولت تخمين حقيقة الوضع بينهما، لقد كانت باريهان ترتدي ملابس لا تتناسب مع شخصية أكرم التي تعرفها، ثوب يبرز إنحناءات جسدها بشكل صارخ، لونه أكثر صُراخا من طفل يبكي بعد أن صفعه الطبيب على مؤخرته ليتأكد من أنه على قيد الحياة.
سأل مصطفى السؤال الذي تمنت أن تسأله، أرهفت السمع لتعرف الإجابة: مين دي يا أحمد؟
صرح بلا إهتمام يذكر: دي باريهان منصور .. خطيبة أكرم
شعرت مرام أن أحدهم قد سكب شلالا من الثلج فوق رأسها، صُدم مصطفى: خطيبته؟ .. ودا من إمتى إن شاء الله ؟
نظر إليه أحمد فيما يضع هاتفه المحمول بجيب بنطاله: مش رسمي .. أتكلم مع باباها وأتقدم، بس لسه الخطوبة الرسمي متأجلة لحد ما يرجعوا من السفر؛ عشان كانت ف باريس مع أهلها
- اااااه .. بس شكل أكرم مش مهتم بيها وإلا كان قالي عنها، دا ما جابش سيرتها خالص
- يعني .. سيبك هو واحد عاقل وواعي .. يعرف مصلحته كويس
حدثت مرام نفسها وقد تملكها الإحباط: مصلحته ؟ بقى هي دي مصلحته ؟
خاطب أحمد الجميع: يلا نطلع إحنا لحد ما يجوا
وافقه الجميع وصعدوا تباعا، جلست هند على أريكة انتصبت أمامها منضدة صغيرة حيث أشار لها أحمد بوجود بعض الأعمال يمكن إنهاءها قبل وصولهم إلى الغردقة؛ فيصبح لديها متسعا أكبر من الوقت لكي تنال قسطا من الراحة.
تجاورت الشقيقتان الأخريتان لكن مرام فضلت الجلوس جوار النافذة حتى تراقب وصول أكرم وخطيبته الموقرة بينما جلس مصطفى على الجهة المقابلة حتى تتاح له فرصة مراقبة فريدة.
أنضما إليهم بعد دقائق، أضطر أكرم للجلوس بجانب بريهان وأمامهما جلس مصطفى وحيدا دون مجاور، شرعت باريهان في رواية ما مرت به أثناء تواجدها في باريس بداية من المكان الذي مكثت به مرورا بمن قابلتهم هناك حتى ما أبتاعته من الأسواق الباريسية.
لم يكن يرهف السمع لما تقوله فجلَّ ما كان يفكر به هو رد فعل مرام إذا علمت بأنه سيخطب باريهان عما قريب، أفاق لنفسه متسائلا لما يهتم برأيها ويخشى من رد فعلها، هي مجرد طالبة وعاملة تحت يديه ليس أكثر.
كانت شاردة تتطلع من النافذة إلى الهواء العاصف نتيجة تأهب الطائرة للإقلاع، كانت في حالتها الطبيعية ستتلهف إلى إلتهام كل شبر يمرون فوقه، يصعب أن يفصل أحدهم وجهها عن النافذة لكن في شرودها هذا فالأمر يختلف، كانت تفكر أيحب بريهان أم لا ؟
حفزتهم فريدة: يا ريت الكل يقول دعاء السفر
شكرتها هند: كويس إنك فكرتيني، كنت هأنسى
سخرت منها باريهان: دعاء إيه ؟
كتمت مرام ما باستطاعتها من غل: دعاء السفر .. إيه أول مرة تسمعي عنه ؟ .. مع إنك المفروض جايه من سفر
أطلعتها باريهان بعدم اهتمام: بأسافر كتير من غير دعاء السفر دا
نظر مصطفى لفريدة يحثها على قوله: طب قوليه وإحنا نقوله وراكي، عشان أنا مش حافظه
أومأت فريدة موافقة: ماشي .. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر .. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .. وإنا إلى ربنا لمنقلبون .. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى .. اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده .. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل .. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبه المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل.
ردد الجميع الدعاء خلفها، ثم عقب مصطفى: يعني إيه وعثاء يا فريدة ؟
شرحت: وعثاء يعني تعب ومشقة السفر
حرك مصطفى رأسه صعودا وهبوطا: قولتيلي بقى .. منكم نتعلم
كتمت ضحكتها وأدارت رأسها إلى الجهة المعاكسة حتى تتفادى النظر إلى وجهه، لاحظت شرود مرام المشوب بالحزن، وضعت يدها فوق ذراعها متسائلة في قلق: مرام.. فيكي حاجه ؟
حركت مرام رأسها تخرج من عواصف أفكارها: ها ؟، لا مافيش .. بس المنظر من هنا حلو
أيدتها فريدة باسمة: سبحان الله
قبض مصطفى على جمجمته بين كفيه صارخا: يـــــــــــووه .. مش عارف أنام، لوك لوك لوك لوك من ساعة ما ركبنا .. صدعت، نفسي أنـــــــــــام
ضربه أكرم بالوسادة الصغيرة المخصصة لكل راكب؛ بغية إراحة الرأس فوقها إذا فضل القليل من النوم: خـــــــــــــلاص، إيه .. فضيحة واشتغلت يا ربي ؟؟، بالع راديو
صفعه مصطفى بالوسادة في وجهه كما لو كان يغرقه في قالب من الكيك: بقى أنا اللي بالع راديو ؟، باريهان لو سمحتي ممكن تأجلي الكلام دا لحد ما نوصل وبعدين كلي ودانه براحتك .. قصدي كليه كله مش مهم .. بس بعيد عني
ضحكت باريهان بدلال زائد: داكوغ يا مصطفى
لوت مرام شفتيها في عدم تصديق لتلك الرقة، قالت في نفسها بينما أعينها معلقة بها: داكوغ يا بنت بارم ديله .. شكلك مسهوكه كدا ف نفسك وهتتعبيني معاكي، ربنا يستر
استرخت في مقعدها وبسمة تنير وجهها، شعرت أن كلمات مصطفى قد أخذت لها القليل من حقها وشفت بها جزء من ضيقها، لولا أن مصطفى يحب شقيقتها لكانت الآن تقفز لتضمه سعيدة بما فعله لتلك المرفهة من حرج وإن كانت لم تتأثر به.
***
كانت هند قد حجزت في وقتٍ سابق غرفة تضم ثلاثتهن، وأخرى تضم الرجال كما طلب منها أحمد بعد إصرار مصطفى على ذلك، لم يكن من المتوقع قدوم بريهان فكان عليها الإنتظار حتى يتم حجز غرفة من أجلها.
تم الإتفاق على الصعود وأخذ قسط من الراحة ثم يلتقون مجددا في مطعم الفندق حتى يتناولون الغداء سويا، مالت باريهان على أكرم بغنج: كَركَر .. تعالى نتمشى
صاحت بها مرام داخليا: كركر ف عينك، دلعك ماسخ زيك، إنتي بتدلعي شيشة يا وليه .. إيه القرف دا، وأنت ساكتلها ليه يا .. كركر، جاتكوا القرف أنتوا الإتنين .. ماليتوا البلد
استدار أكرم إلى خطيبته مستفسرا: ما تعبتيش ؟ مش هترتاحي ؟
حدقت باريهان بعيونه: وأنا معاك مش بأحس بتعب خالص
هز كتفه بعدم اكتراث: زي ما تحبي، اتفضلي
صعد الجميع إلى غرفهم، ومرام تنظر خلفها على أكرم وباريهان أثناء خروجهما سويا .. إلتفتت إليها فريدة تحثها على التقدم وقبل أن تهمس بكلمة لاحظت نظراتها لأكرم، حدقت بها بعدم تصديق أيعقل أن تحب الفتاة معلمها ؟؟
***
هتفت هند بحماس فيما تستند إلى سور الشرفة مستنشقة الهواء العليل: المنظر م البلكونة يجنن .. أصلا الجو كل على بعضه يجنن
انضمت إليها فريدة: مريح نفسيا
زفرت هند مستمتعة: أوي .. أدي الشغل ولا بلاش
غمزتها فريدة: ههههه ماشي يا عم مكتوبالك
أدعت هند الضيق: قروا بقى
أشارت فريدة بكفها علامة التوقف: لا لو سمحتي .. أنا مش بأقر أنا بأحسد بس
وضعت هند يديها على خصرها: بقى كدا ماشي ماشي
- أه كدا وكدا وكدا .. مرام مالك ساكته ليه ؟
أفاقت مرام على نداء أختها دون أن تسمع ما سبق: هه ؟ .. عادي
توجهت هند إلى حقيبتها وبدأت تفتحها: عايزه أرتب حاجتي بقى
نهضت مرام متجهة إلى باب الغرفة: هأنزل أتمشى شوية وأشم هوا
حثتها فريدة على الذهاب: خلاص أنزلي وأنا هأرتب حاجاتي وحاجاتك
شكرتها بإمتنان: بجد ؟ ميرسي يا فريدة .. سلام
وقفت على الشاطئ قليلا تنظر إلى البحر، أحست براحة كبرى؛ فهواء البحر كأنه نسمة من الجنة تخفف الأوجاع وتكوي الآلام، جلست وضمت ساقيها مستندة فوقها بذقنها، كانت ملامحها هادئة مثل هند وفريدة .. لكنها أقرب للطفولة، ذقنها شبه مدبب وشفاهها رفيعة، عينيها بنية واسعة تنضح بالبراءة، شعر مجعد غجري يؤكد إمتلاكها لنسبة من الجنون فيما شعر فريدة وهند شديد النعومة والإنسيابية، كانت مرام ترتدي الحجاب الآن تُخفي تلك التفاصيل والإختلافات.
شرد بصرها في البحر وعقلها حيث أكرم وباريهان، عادت التساؤلات تُلح على رأسها من جديد، يا ترى أيحبها ؟ أيفكر فيها ؟ يتمناها زوجة له ؟
مستغرقة في أفكارها اصطدمت بها كرة، نظرت إليها ثم على الإتجاه الذي جاءت منه، وجدت شابا يركض ناحيتها فيما يهز رأسه اعتذارا: آسف، بجد آسف
ناولته الكرة متقبلة اعتذاره بابتسامة باهتة: ولا يهمك .. اتفضل
-شكرا .. بس .. تحبي تيجي تلعبي معانا ؟
نظرت له بعدم فهم: أنتوا مين ؟
قدم نفسه إليها: أنا اسمي فريد .. هنا مع صحابي وإنتي ؟
بادلته التعريف: أنا مرام .. مع إخواتي بس هما بيرتاحوا دلوقتي
ابتسم فريد: خلاص تعالي أقعدي معانا، إحنا بنلعب .. بدل ما إنتي لوحدك
في تلك اللحظة .. وقف أكرم بجانبهم، كان يتمشى مع باريهان عندما رأها جالسة، همَّ أن يُكمل طريقه حين وجد فتى يقترب منها ويحادثها، شعر بإختناق وغضب بلا سبب، ترك باريهان تتابع سيرها دون أن يخبرها بشئ؛ فقد كان نظره مصوب على الفتى الذي يقف مع مرام.
سأل ذاته قبل أن يصل إليهما عن نوع الحديث الذي جمع بينهما، أنبأه أكرم بلهجة باردة عدائية: هي مش لوحدها يا كابتن
نظرا كليهما لأكرم بعجب، فمن أين ظهر فجأة هكذا من العدم ؟، لوت مرام شفتيها تحدثه في ذهنها: وهانت عليك السنيورة تسيبها وتيجي تشوفني أنا دلوقتي ؟!
ابتسم له فريد: أيوه .. بس شوفتها كانت قاعدة لوحدها
عقد أكرم ذراعيه: وأديني جيت أهو ومابقتش لوحدها
تنحنح محرجا: طيب عن إذنكوا .. أتشرفت بيكي يا مرام، أتمنى أشوفك تاني
أومأت باسمة: إن شاء الله
بعدما سار مبتعدا جلس أكرم بجانبها على الرمال، لعبت أصابعه بحبات الرمل قبل أن يسألها: تعرفيه ؟
أجابته بهدوء: لا لسه متعرفه عليه حالا
- أهــــــــــــا
جاءت باريهان وخاطبته مغتاظة: أكرم .. أنت سايبني واقفة وجيت قعدت هنا
ألقت على مرام نظرات تنضح بالكراهية والغيظ، رد دون أن يرفع رأسه إليها: هأقعد شويه ع البحر .. روحي إنتي إرتاحي زي ما كنتي عايزه
استدارت باريهان مبتعدة بغيظ: ماشي زي ما تحب
غادرتهم باريهان وهي تغلي فقد ساءها تركه لها من أجل الجلوس مع مرام، استدارت مرام تنظر إليه متعجبة موقفه: زمانها مضايقه دلوقتي عشان قعدت معايا وسبتها
لم يلقِ بالا لمنطقها: مش مهم
تعجبت: إزاي مش مهم ؟ هي مش دي خطيبتك بردو ولا إيه ؟
استدار إليها مبهوتا: إنتي لحقتي عرفتي ؟
أجابته مترددة: مصطفى سأل أحمد قدمنا وهو قال
أكرم بشرود: أيوه
تجرأت على طرح أحد الأسئلة التي تدور بخاطرها: أنت مش بتحبها ؟
نظر لها أكرم بترقب: هيفرق معاكي ف حاجه ؟
استشعرت الحرج: لا أبدا .. بس أنت قبل كدا كلمتني على لبسي ولو قارنته بلبسها فأنا كنت بألبس محترم جدا
- أنا عمري ما كلمتك على لبسك .. أنا بس كنت باقارن بين تصرفاتك ومظهرك .. لكن باريهان سواء لبس أو تصرفات فالإتنين زي بعض
صعقها اعترافه: طب مادام مش عاجبك .. إيه اللي جابرك ؟
-مش عارف .. كنت بأفكر إن لبسها ممكن مع الوقت أقدر أقنعها تغيره، ما كنتش أعرف تحررها أوي ف التصرفات كمان
سألته وقد دب بين دقات قلبها الأمل: وناوي على إيه ؟
أجابها كأنه يحدث نفسه: هي بتحبني أنا عارف.. بس لسه مش عارف هأعمل إيه
اغتاظت لحديثه الذي لا يوضح نيته في إنهاء ما بينه وبين باريهان جاذبا البساط من أسفل أحلامها لتسقط صريعة رجاءها، هبت واقفة تنفض ما علق في ملابسها من رمال: طب عن إذنك، أنا هأطلع أرتاح شويه قبل الغدا .. وبالمرة أسيبك تفكر برحتك .. سلام
خلفته وراءها وسارت في إتجاه الفندق، هتف بصوت عالِ: أنا قولت حاجه ضايقتها ؟
حدق في ظهرها وتذكر أول مرة رأها عقب الحادثة التي صارت في مكتبه، لقد أتت اليوم التالي مرتدية الحجاب، توقفت عن إرتداء ما هو ضيق وملفت للأنظار، فحتى وإن إرتدت بنطالا كان يبدو في إتساع تنورة فلا يظهر من ساقيها أي تفصيل.
شعر بأن نظره قد طال فوقها، غض بصره مسرعا ودفنه بين كفيه، تذكر قول رسول الله -صلًّ الله عليه وسلم- عن برديه رفعه "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى .. وليست لك الآخرة".
عادت أفكاره لبريهان وما المناسب لكي يفعله، يعلم تعلقها بالأشياء وأنها لا تسمح بأحد أن يتركها أو يأخذ ما تريده، لكنها حياته بالنهاية وله مطلق الحرية في الإختيار


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close