اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الثامن 8 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الثامن 8 بقلم سارة محمد


الفصل الثامن
______________

اقتربت من مكتب الممرضة المسئولة عن تنظيم المرضى، وقفت أمامها باسمة وفي كفها تعلقت يد طفلها الصغير، رفعت الممرضة الشقراء نظرها إلى ندى، تعرفت عليها فرحبت بها ببشاشة: صباح الخير سيدتي
ردت التحية باللغة الإنجليزية كما تلقتها ثم أضافت بعدما ألقت نظرة عابرة على المرضى المنتظرين: أيوجد أحد بغرفة زوجي ؟
تركت الممرضة سيف بعدما قبلته وأعطته قطعة حلوى، وقفت ونظرة غريبة تشع من عيونها: نعم سيدتي، لديه مريضة الآن بالداخل
لم تفهم النظرة الغامضة فاكتفت بالتراجع إلى أحد المقاعد تخبرها: إذا سأنتظره حتى ينتهي
قضت بعض الوقت تداعب ابنها حت سقط نائما فوق فخذيها، تناولت إحدى المجلات من فوق الطاولة، تصفحتها بملل ثم ألقتها تنظر إلى ساعتها، قطبت متضايقة؛ لقد مر أكثر من ساعة دون أن تخرج المريضة، لا يعقل أن تمضي مريضة واحدة كل هذا الوقت، رفعت رأسها فجأة فلمحت ذات النظرة الغامضة بعيون الممرضة الخاصة بزوجها ولكن شابها الشفقة هذه المرة، نهضت مبعدة رأس طفلها على مهل.
قالت للممرضة قبل أن تقترب من باب غرفة الطبيب: سأدخل له الآن وإلا سيضيع موعد طبيب الأسنان الخاص بطفلي
اكتفت بالهزة البسيطة التي حركت كتفي الممرضة كعلامة تشجيية، طرقت طرقة صغيرة ثم فتحت الباب وطلت برأسها، شهقت بصدمة ودخلت بجسدها كاملا وأغلقت الباب خلفها مجددا.
رفع حاجبيه مستغربا دخولها المفاجئ بينما وقفت الفتاة حمراء الشعر معتدلة بعدما كانت منحنية بشدة فوق كتفه بحيث داعبت خصلات شعرها الغجرية بشرة رقبته، ظلت تنظر إلى الفتاة بنظرات نارية وتلقي عليها حمم بركانية، انتبهت عندما خاطبها آدم: إيه اللي جابك يا ندى ؟
استدارت إليه مقطبة، متى غادر مقعده ووقف بجانبها، حدقت به بنظرة لائمة: بقالي ساعة ونص مستنياك برا عشان تخلص الكشف
نظرت إلى الفتاة مضيفة: بس شكله ما بيخلصش
لمعت عيون حمراء الشعر بتساؤل فقد استشفت من نظرات زوجة الطبيب أنها المعنية بالحديث رغم عدم فهمها له بسبب أختلاف اللغة، أمسك آدم ذراعها غاضبا بينما كرر ما قاله عندما شعر أنها لم تسمعه: ندى .. بأقولك استنيني شوية خلاص قربت أخلص
فتحت فمها لتجيبه عندما قاطعتهما الحمراء: هل هناك أي مشكلة يا آدم ؟
كزت على أسنانها وأمسكت خصرها بقوة قابضة، ثبتت نظراته فوقها يدرس تصرفاتها، كتم ابتسامته عندما دارت وخرجت من الغرفة قائلة بغضب: معاد الدكتور بتاعه فاضل عليه ربع ساعة، لما تبقى تخلص كشف أنت عارف هتلاقينا فين
خطت إلى الخارج غاضبة، قبضت على ذراع ابنها الذي استيقظ وجلس مع مساعدة والده يتسلى معها، بالكاد استطاع متابعة خطواتها الواسعة، فجأة شعرت بيد تلتف حول ذراعها تكبح سيرها.
أحرقته بنظراتها البركانية، أكتفى بتناول كف ابنه الحرة دون نطق كلمة مما أشعل الغيظ داخلها لكنها ألجمت نفسها عن قذف النيران في وجهه.
***
دخلت إلى مكتب رئيسها بعدما طرقت الباب دون مجيب، نظرت إليه بحنق وقد لمحت سماعة الهاتف الأرضي مرفوعة، وضعتها في مكانها وعادت ببصرها إليه، تعجبت من عدم شعوره بدلوفها أو بحركاتها على مقربة منه.
مقطب الجبين، مقوس الظهر، أوشك وجهه على الإلتصاق بشاشة حاسوبه من كثرة التدقيق، جالت بنظرها فوق المكتب تبحث عن نظارتيه، اضطرت إلى رفع عدة ملفات ومستندات قبل العثور عليها أسفل أكوام الورق.
وقفت من الناحية الأخرى حتى توجهه ومدت يده بالنظارة قاطعة المسافة بين حدقتيه والشاشة المضيئة، رفع نظرها متفاجئا من وجودها.
حركت النظارة أمامه حتى تفيقه من شروده، التقطها ووضعها فوق عظام أنفه بغطرسة وعاد يتابع ما يفعله دون أن ينبس ببنت شفة، توجهت إلى الباب بينما تزفر بشدة حين أوقفتها كلمة مختصرة شكت في حدوثها: شكرا
التفتت إليه فوجدت حاله كما كان، لا يبدو عليه أنه خرج من صومعته ولو للحظة، غادرت دون تعليق وعادت إلى مكتبها تكمل عملها وتعيد تحويل المكالمة إليه بعدما حاولت عدة مرات من قبل دون جدوى لتكتشف السبب حال دخولها وهو رفع السماعة من موضعها.
***
خرج ما تضمره تجاه زوجها ومريضته في حركاتها العصبية أثناء مساعدة سيف في نزع ملابسه وتبديلها بأخرى تلائم شقاوته في اللعب داخل المنزل، تأفف الطفل متوجعا من يدي أمه التي قست على جلده اللين على حين غفلة، تأسفت غارقة في شرودها.
لم تلحظ خروج ابنها مهللا بإنتهاء محنته المريعة، انطلق إلى حيث جلست جدته حتى تلاعبه وتقضي بعض الوقت معه، لحقت به والدته وجلست معهما بالغرفة بجسدها أما عقلها فقد سافر أميالا عدة بعيدا عما يفعلان.
لم تشعر بانضمام زوجها إليهم إلا عندما سأل حماته مستفسرا عن مكان وجود ياسين، أجابته صابرين بينما تعاون حفيده في حل الأحجية: راح يستقبل ابن واحد صاحبه عشان هيدرس هنا
أومأ موافقا وأمر الخادمة باحضار الشاي، بعد فترة من تجاهلها لوجوده اعتذرت مغادرة، لحق بها مستغلا انشغال الطفل مع جدته، يجب عليه إنهاء الأمر بينهما قبل أن يشعر أحد ممن في المنزل بالمشكلة فتتضخم.
***
نظرت في ساعتها ثم إلى الهاتف الداخلي، اسندت ذقنها إلى قبضتها، لقد مرت فترة الغداء من ساعتين على الأقل دون أن يضع في فمه غير الماء وبضعة فناجين من المشروبات الساخن المهلكة بسبب كمية الكافيين التي زادت عن حدها.
ربتت على معدتها، إنها جائعة بل تتضور جوعا، رفعت السماعة أسرعت بطلب وجبتين من أحد المطاعم القريبة قبل أن تتراجع عن قرارها فتسقط صريعة الجوع.
خلال نصف ساعة حضر الغداء؛ ومن يستطيع التأخر على صاحب شركة قابضة كهذه والذي بفرقعة أصبع قد يدُك المطعم فيخر ركاما.
تناولت وجبتها سريعا ثم حملت الأخرى إلى صاحبها، كالعادة طرقت ودخلت دون إجابة، وضعت الحقيبة البلاستيكية فوق طاولة ذات موقع استراتيجي، تطل على الشارع بزحامه والسماء بصفاءها والشمس بسطوعها، أخرجت الأطباق ورصتها رويدا، اعتدلت حالما أنتهت وتوجهت إلى المكتب تطلب منه التقدم حتى يتناول ما يصلب به بدنه.
نهض وتبعها صامتا فيما يمسك في إحدى يديه ورقة يطالعها، غادرت متحسرة على حاله، مغتاظة من تكبره، لم تلحظ نظراته التي رصدت تحركاتها منذ دخلت حتى انصرفت، رمى أوراقه جانبا وشمر عن ساعديه ملتهما ما أمامه بشهية جمّه أخفت ابتسامته المتخابثة
***
أمسك كفها وجرها خلفه إلى أقرب حجرة لكي يكتم اعتراضها بأسرع وقت، ما كانت الحجرة إلى حجرة طفلهما سيف، أحكم إغلاق الباب ثم التفت إليها مستفسرا: مالك بقى؟، من ساعة ما جيتيلي المستشفى وإنتي مش مظبوطة
عقدت ذراعيها باحكام: ليه ؟، مالي يعني ؟، بأشد ف شعري مثلا ؟
زفر بحنق: اللهم طولك يا روح .. قولي في إيه على طول من غير لف ودوران .. مالك ؟
هاجمته: مين البت المسلوعة اللي كانت عندك ف المكتب دي ؟
وأد بسمته وسألها مدعيا الغباء: بت مين ؟
فقدت السيطرة على أعصابها وحررت يديها: أم شعر منكوش أحمر وفستان باينه بتاعها من أيام ابتدائي وعيون خضرا
حرر ضحكته الأسيرة: بقى كل دا لمحتيه ف الدقيقتين اللي دخلتيهم قبل ما تجري على برا ؟
هزت رأسها: توه ف الموضوع توه
- مش محتاج أتوه عشان دي مجرد مريضة عندي
- أه صح، عشان كدا قعدت عندك أكتر من ساعة ونص، لا وهي موجودة من قبل ما أجيلك كمان
- كانت جايبالي حالة والدها عشان مش هيقدر يجي وكنت بأفهمها الوضع بس ...
قاطعته مكملة: وطبعا انهارت ف العيط ويا قلب أمها حزنت على أبوها وأنت كراجل جينتل مان روحت طبطبت عليها ومش بعيد تكون أخدتها ف حضنك مش كدا ؟
قهقه على حركتها الأخيرة في وضع كفيها فوق خصرها: هو الكلام كله صح، بس من غير الطبطبة والحضن .. أنا واسيتها بالكلام وأدتلها منديل مش أكتر
- وكانت واقفة فوقيك ليه إن شاء الله ؟
تذكر الوضعية التي كان جالسا بها عندما دخلت عليهما: كنت بأوريها المنحنى ف رسم القلب، حبت تفهم الموضوع باسهاب زيادة
أردف بعد لحظة صمت: وإنتي إيه اللي خلاكي تغيري رأيك وتجيلي ؟ .. مش اتفقنا تستنيني مع سيف ف مكان الإنتظار عند دكتور السنان ؟
لوت شفتيها: سيف كان عايز يشوفك وأصر يقعد معاك شوية قبل المعاد بتاع الدكتور .. فخرجنا بدري وجينا عليك
أضافت تكز على أضراسها: وعشان أشوف اللي شوفته
اقترب منها ولمس خصلات شعرها المحيطة بوجهها: ما أنا قولتلك اللي حصل .. خلاص بقى بلاش تقلبيها زعله على حاجه مش مستاهله
ارتسمت بسمة صغيرة على ثغرها وهزت رأسها بايماءة بسيطة، فجأة شعرت بالبرودة تكتسحها عندما انسحب عنها بطريقة جارحة، تغيرت معالم وجهه اللينة لتصبح أقسى من الصخر، استفسرت بعينها عن سبب تراجعه، أجابها بسخرية: ما تتوهميش أوي كدا، والدتك كانت بتبص علينا من الجنينة
التفتت يمينها فرأت أمامها تستدير عائدة إلى حفيدها تلعب معه بالكرة الملونة، انكمش وجهها من المهانة والألم وحمدت ربها أن الشعر قد غطى تأثرها بحركته الجارحة، حينما نظرت إلى حيث وقف أخيرا كان قد غادر وتركها وحدها، تبكي حالها وتدعو ربها أن يلهمها الصبر.
***
فتحت المكتبة بحماسها المعتاد بداية كل صباح، لا يهمها أن ما درسته خلال الجامعة هو نفس مجال عملها، يكفيها أن الله وفقها في العثور على عمل تحبه، تعلم أنها إذا جدت في البحث عن وظيفة بشهادتها لكانت عثرت عليها ولو بعد حين، لكنها رغبت في عمل أسهل مما درسته بل لم ترد العمل بتاتا، أكبر أمانيها وأحبها إلى القلب أن تصبح زوجة وأم صالحة لأولادها.
بُهتت من مقابلة عينيها لمزهرية تنتصب في ركن من الطاولة، تحمل داخلها الورود التي بُعثت إليها تعبيرا عن أسف صاحبها عما حدث من سوء تفاهم.
أوضح لها الحاج عبدالصمد عندما دخل إلى المكتبة قبل لحظة ورأى حيرتها: أصلي لاقيت الورد دا إمبارح بعد ما مشيتي وكنتي مستعجلة، فقولت أكيد نسيتيه .. روحت حطيته ف مايه عشان ما يدبلش ويعيش
همهمت بتشتت: أه أه، كتر خيرك يا حاج
خرج الحاج يلقي التحية على أصحاب المحلات المحيطة فيما همست لنفسها بصوت مرتفع ونظرها لا يتزحزح من فوق الورود: هو أنت ورايا ورايا ؟ مش كفايه نمت إمبارح بسببك بالعافية، شكلك هتقرفني، ربنا يستر على أبراج عقلي
غيرت المياه التي تغذي الورود ثم شرعت في عملها، تستقبل الزبائن بابتسامة بشوشة مستبشرة، تناست جميع أفكارها وما يخص حياتها الخاصة لتعطي عملها حقه كاملا غير منقوص.
***
رفعت الأطباق عن المائدة دون أن يمسها أيا منهما، وجع القلب منع المعدة عن تقبل ما يُدفع إليها من طعام، فقد انشغل العقل بمسائل أخرى مستغلا كمية الدماء كاملة دون أن يترك منها البعض للمعدة تُحمل عليه الطعام بعد هضمه، أومأت اليد لرغبة العقل واستسلام المعدة فتركت الملعقة راغمة.
حملت كاسات الشاي إلى زوجها، بعد أن ناولته كأسه، تأملت ملامحه فتنبأت بالنتيجة قبل السؤال؛ لكنه سؤال لا مفر منه: مش كنت قولت هتكلم مديرك تاني ؟ .. هـــا إيه الأخبار ؟
هز رأسه بلا حول، لقد أذل نفسه أشد الذل ولكن دون نتيجة، يبدو أنه أصبح الأمل الوحيد للمال بالنسبة له، يضغط عليه بشتى الطرق حتى يرفع رايته البيضاء، هتفت باهتياج: يعني إيه ؟ بردو مش راضي ؟
وضح: مش عارف أعمل إيه تاني، مهما أكلمه مش موافق
تحولت إلى نبرة متوسلة: يا عبدالرحمن أنا كنت قاعدة مع البنات وأنت هنا، كنت ساعات ما بتنزلش بس كان عادي لأني معاهم؛ لكن دلوقتي هما لوحدهم ما ينفعش نسيبهم .. فما بالك بقى ما ننزلهومش كمان ؟
أخفض نظره أرضا بقلة حيلة: أنا أعمل إيه طيب ؟ قوليلي ف إيدي إيه .. دليني
-أنا جيت وسبتهم لما حصلتلك الأزمة بتاعت مرضك وقلبك دي، ما قولنالهمش عليها عشان ما يتخضوش وبعدين ما هانش عليا أسيبك .. خصوصا لما الدكتور قال إنها ممكن تتكرر ف أي وقت، أنا مش قادرة أسيبك بردو عشان كدا
تنهد: لو عايزه تنزلي أنزلي لوحدك، ما تقلقيش عليا
أسندت وجهها إلى كفها: نفسي ومحتارة بردو، بس أنت هنا لوحدك لكن ف مصر الـ3 بنات سوا و ما يتخفش عليهم، دول تربيتي وأنا عارفه سايبه 3 رجاله مش 3 بنات
رفع رأسه فخرا: إنتي هتقوليلي ؟، ربنا يخليهوملنا
ربتت على فخذه: آمين يا أبو البنات
ابتسم سعيدا يفتخر ببناته، لم يشعر أبدا بالضيق في عدم إنجابه للصبية كما يفعل الكثير من الأباء؛ لأنه بعد إيمانه بمشيئة ربه وحكمته في ذلك، كان يحب فتاياته أشد الحب، كان دائم الشكر على نعمة الله عليه بهن، يرى أنهن جائزة أكبر مما يستحق، إنهن نعم السند له.
***
ابتلعه العمل، صبَّ جلَّ تركيزه في الصفقة التي يُعد لها، بسط يده إلى أقصى اليسار حتى يقبض على ورقة يحتاجها، لم ينتبه إلى فنجان الشاي الموضوع على طرف المنضدة إلا عندما سُكب محتواه على قميصه وأكمل نزولا إلى بنطاله.
انتفض واقفا، صرخ نقمة على ما جرى، حاول إبعاد السائل قبل أن يتوغل أكثر، أسرع إلى الحمام الملحق بحجرته، خلع قميصه وألقاه في سلة فارغة تختفي أسفل الحوض.
تفاجئ بانفتاح الباب على حين غرة، حدقت به مصدومة من هول ما رأت، أطلقت صرخة صاخبة ووضعت يديها على عينيها مستديرة، أغلقت الباب بقوة واستندت عليه فاغرة فمها.
ضربت جبينها بباطن كفها غاضبة من نفسها: يعني خلاص حبكت معايا أدخل أغسل وشي دلوقتي ؟!
فركت يديها في تنورتها قبل أن تتجه إلى مكتبها تُعيد دراسة أحد الملفات حتى تُشغل عقلها بعيدا عما رأت.
تصاعد رنين الهاتف، رفعته لتسمع أمر أحمد بالحضور إلى مكتبه فورا واحضار الملف الذي سبق وطلب منها إتمامه، نهضت مرغمة واتجهت إليه وقد عقدت نيتها على إعتبار ما حدث كأنه لم يكن.
وقفت أمامه بهدوء ورزانة كعادتها فيما ألقى عليها نظرات مدققة على غير عادته، لاحظت أنه أرتدى قميص أبيض عوضا عن الكحلي، وقع الأوراق وسلمها إياها حتى تنقلها إلى المسئول عن تنفيذ ما ورد بها.
عندما أوشكت على فتح الباب أوقفها صوته موضحا دون مقدمات: الحمام له بابين، واحد بيفتح على مكتبي والتاني .. على مكتبك، لو أخدتي بالك في دولاب ف الحمام، بأبقى سايب فيه طقمين عشان لو فيه ظرف طارق .. زي إنهارده لما الشاي أدلق على القميص
همهمت بدون وعي: أنا شوفت الباب قبل كدا بس ما عرفتش أنه بيوصل على مكتبك
أومأ متفهما: حصل خير
أضاف ماكرا: ربنا ستر وشوفتيني وأنا بأغير القميص بس ..
نظرت له بعدم فهم، دار حول المكتب ووقف أمامها، لمحت سروالا بلون آخر غير الذي أتى به، شهقت وهرولت من الغرفة بأسرع ما يمكنها فقد وصلها مقصده.
بانت ابتسامة على شفتيه ثم عاد إلى عمله مستمتعا بما تسببه لها من حرج.
***
سلمت الحقيبة المملؤة بالكتب ابتاعتها فتاة في مقتبل العمل حتى تضعها في مكتبتها بعد الزواج، خطيبها يعشق القراءة والكتب فقررت أن تفرحه بشراء أعمال الكتَّاب الذين هوى قراءة ما خطته أيديهم ووضعها في مكتبة طلبتها دون علمه؛ لتحتل مكانا في عشهما.
انتبهت إلى الرجل الذي دلف إلى المكتبة، كان مسترسل اللحية يرتدي جلبابا أبيضا قصيرا يُظهر البنطال أسفله، اقتربت منه تسأله عن بغيته، أجابها ناظرا إلى أحد الأرفاف بعيدا عن وجهها أخبرها باسم الكتاب المرغوب.
أومأت وذهبت تحضره، وضعته أمامه حتى يراه قبل أن تضعه في حقيبة تحمل اسم المكتبة، صدمت مما فعله؛ فقد دفع الكتاب بعيدا كأنه نارا موقدة: استغفر الله استغفر الله
سألته مندهشة: في إيه يا أستاذ ؟
أجابها متابعا الاستغفار، محركا حبيبات المسبحة في يده: إيه الصورة اللي على الكتاب دي ؟
نظرت إلى الكتاب ثم عادت إليه: دا الغلاف
على صوت استغفاره مجددا: دي صورة سافرة، امرأة تطلق شعرها ونظراتها مليئة بالشهوة والحث على الرزيلة .. استغفر الله استغفر الله
علقت ساخرة: وحضرتك لحقت تشوف كل دا من نظرة واحدة، ما شاء الله
أضافت متنهدة: على العموم أنا ممكن ألزق لحضرتك ورقة قص ولزق عليه ومش هيبان الغلاف نهائي .. لو حضرتك مهتم بمحتوى الكتاب نفسه
زم شفتيه: قص ولزق ؟، واللي يشوف معايا الكتاب يقول عليا إيه ؟
رفعت حاجبيها تعجبا: هو حضرتك يهمك الكتاب ومحتواه ولا رأي الناس ف الورقة الملزوقة على وش الكتاب ؟؟
انتفض الرجل ملتفتا يرى صاحب الكف التي وضعت على كتفه: دي الطابعة اللي نازله من الكتاب، لو مش حابب تشتري ياريت تتفضل .. بلاش عطله ع الفاضي
انصرف الرجل دون أن ينطق بحرف، عاد الحاج عبدالصمد بنظره إلى فريدة باسما باعتذار: معلش يا بنتي، ياما هيمر عليكي منه كتير
نظرت إليه بعدم فهم: بس أنا حليتله المشكلة
بهتت ابتسامته لسذاجتها: يا بنتي واحد طالب الكتاب بالاسم يعني أكيد عارف شكله ومحتواه يبقى يجي هنا ويعمل الحركات دي ليه ؟؟
- يمكن شاف طابعة مختلفة لنفس الكتاب
هز رأسه: لا يا بنتي، أنا شوفته إمبارح ف محل جورج ومش عاجبه العطور اللي بيبعها، وقعد يقول حرام وأنت كافر وكلام مالوش لزوم .. ارجعي شوفي شغلك ما تشغليش بالك بالناس دي .. هما دول اللي بيسيئوا لسمعة الإسلام، يعني لولا إن جورج عارفني من زمان وشاف اللي زي الراجل دا كان قال كل المسلمين كدا .. وسب ولعن فيهم
عضت شفتيها تفكر في كلام الحاج عبدالصمد.
***
دخلت هند إلى مكتب أحمد بعد أن استدعاها عبر الهاتف، مثلت أمامه خلال ثوان معدودة متسائلة: حضرتك طلبتني ؟
ترك ما بيده متفرغا للحديث: أيوه .. إنتي عارفه إن في مهمة كنا اتكلمنا عنها قبل كدا؛ اللي هتساعدني كتير ف إني أعوض خسارتي اللي حصلت .. مدير الشركة الأجنبية جه مصر ودلوقتي هو ف الغردقة وعايزني أروح أقابله هناك
أومأت: بس أنا إيه دخلي ف التفاصيل دي ؟
أوضح: ما أنا عايزك تيجي معايا السفرية دي .. لإنه أكيد هاحتاجك
رفضت بهدوء: آسفة مش هأقدر .. ممكن حضرتك تاخد حد غيري
اندهش لرفضه المباشر حتى دون تفكير: وليه أخد غيرك وإنتي موجودة ؟ .. لا ليه ؟
أخبرته بجدية: عشان ماينفعش أسافر مع حضرتك لوحدي
نظر لها بقوة يستوعب سبب الرفض: أهــــــــــا .. طب مافيش حل تاني ؟
ردت بعملية: خد حد غيري
صرفها مفكرا: روحي إنتي على شغلك دلوقتي وأنا هأتصرف
جلس يفكر في حل للمشكلة حتى خطرت له فكرة ابتسم لها، تناول مفاتيحه وهاتفه ثم خرج من المكتب دون أن يطلع هند على وجهته.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close