رواية انا وانت يساوي الفصل السابع 7 بقلم سارة محمد
الفصـل السابع
______________
ترجلت من سيارة الأجرة التي استقلتها أمام شركة السويفي، رفعت بصرها إلى اللوحة المعلقة أعلى البوابة تحمل اسم الشركة منبهرة، كذلك مظهر المبنى من الخارج يحبس الأنفاس؛ اللوحات الزجاجية التي تعكس الإضاءة فتظهره كأنه قد صنع من الماس، دخلت المبنى الضخم تشعر بخوف غير طبيعي، تشعر أن هذه الشركة سوف تكون أحد أسباب أختلاف حياتها كليا، ستقلب حياتها رأسا على عقب دون أن تدري سبب ذلك الظن.
صعدت الدرجات المعدودة أمام الباب ووصلت للاستقبال، بعد تعريف نفسها وسبب حضورها قاموا بإرسالها إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة الأستاذ أحمد كي يقابلها شخصيا.
ما كادت تخرج من المصعد في الطابق الأخير من المبنى حيث يوجد مكتبه حتى سمعت صوتا مرتفعا يدل على غضب صاحبه من شدة الصياح.
- اللي يشوف الشغل دا ما يقولش إني بأشغل معايا بروفشنال، يقول إني جايبهم من تحت الكوبري، دا لو أنت بتسمي الزفت دا شغل أصلا
تأتأ الموظف: صــ .. صدقني يا أستاذ أحمد أنا ....
قاطعه بحزم: لا أنا ولا مش أنا .. خد الملف دا وتظبطه قبل ما تجبهولي تاني .. وكل الأخطاء دي مش عايز أشوفها مرة تانية، مفهوم؟
أومأ الموظف بسرعة وقد أوشك أن يغرق في عرقه من فرط خوفه: مفهوم طبعا يا أستاذ أحمد
لوى شفته السفلى ساخرا: طب كويس .. أتفضل على شغلك
اقتربت من باب مكتبه ورأت الموظف يخرج متعثرا في موطئ قدميه، أشفقت على حاله فيما أغتاظت من معاملة صاحب الشركة -الذي يجب عليها العمل لديه- لمن يعملون عنده بهذه الطريقة، "شكلنا مش هنعمر مع بعض يا أستاذ أحمد بيه".. هكذا رددت داخلها.
قبل أن يغلق الباب خلف الموظف المرعوب رأها، كانت شاردة تفكر في العودة من حيث أتت ولكنه وضع حاجزا بينها وبين الهروب.
سألها مستفسرا عن هويتها؛ فهو لم يكن قد رأها من قبل في الشركة، كما أن هذا الطابق لا يصعد إليه إلا الصفوة .. سواء صفوة الموظفين أو العملاء: في حاجه يا آنسة ؟ بتعملي إيه هنا ؟
وقفت أمامه بتحدي، توأد إعجابا طرق نفسها، فلحظة شديدة الهياج وفي الأخرى قمة الهدوء: أنت إزاي تكلم الموظف بالطريقة دي ؟
حدق فيها بدهشة: نعم ؟! .. وإنتي مين أصلا علشان تدخلي ف علاقتي بالموظفين بتوعي ؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها: لازم أدخل .. لو هأشتغل معاك
ضاقت عيونه فجأة بإدراك: لتكوني إنتي السكرتيرة الجديدة
صححت: أنا لسه ما بقتش
لوى جانب شفتيه: وأنا لسه ما عملتش الإنترفيو علشان أقرر
هزت رأسها رافضة: مش محتاج لإني ماشيه .. مش ممكن أشتغل مع واحد بيعامل الموظفين بالطريقة دي
تتبع هزة رأسها إلى الطريق الذي سلكه الموظف، أجابها بهدوء: حضرتك حكمتي عليا من غير ما تعرفي الموضوع بالظبط، وأعتقد إن دا مش من حقك ولا إيه ؟
شعرت بالخجل من موقفها وإتهاماتها: أكيد .. بس .. بس .. مهما كان ما كانش ينفع تتكلم معاه بالطريقة دي
ابتسم: إنتي معاكي حق .. ممكن بقى تتفضلي نعمل الإنترفيو ؟
صعقها استسلمه المفاجئ مما شلَّ تفكيرها وحرر لسانها دون تمهل: ماشي
دخلت وقدمت سيرتها الذاتية بينما جلس يقرأه كان يلقي عليها العديد من الأسئلة ليتأكد من ملائمتها للعمل لديه وتنفيذ أوامره، أنبهر بكم الدورات التي التحقت بها والشهادات التي نالتها بتقديرات عالية تؤكد همتها على الرغم من عدم تتخرجها منذ زمن.
رفع إليها بصره: كل دي كورسات لحقتي تاخديها بعد التخرج ؟
- مش كلها بعد التخرج أغلبها أثناء الدراسة
أومأ رأسه تقديرا لمجهوداتها: ما شاء الله .. كنتي بتاخدي كورسات جنب الدراسة وجبتي إمتياز، شكلك بتحبي الدراسة والشغل جدا
- أيوه، مش بأحب أقعد من غير ما استفيد بوقتي .. الوقت بالنسبة لي كنز ولازم اغتنمه
صاح بحماس بينما كفه كان يغلق ملفها ويلقيه على المكتب: تمام أوي .. شكلنا هنعمر مع بعض
أومأت ثم سألته بعملية: هأستلم شغلي من إمتى ؟
-من دلوقتي لو ينفع؛ لإن المكتب بقالها كام يوم من غير سكرتيرة وكله داخل ف بعضه
نهضت واقفة تمسك حقيبتها وتتناول ملفها من فوق المكتب: ماشي مافيش مشكلة .. ممكن توريني مكتبي ؟
لحقها أحمد بالوقوف وقد ضاقت عينيه كعيني الصقر: بس إحنا ما أتفقناش على المرتب ؟
-مش مهم .. أنا عايزه أشتغل علشان الشغل نفسه مش علشان المرتب
غمرته الطمأنينة؛ هكذا لن تفكر بالغدر من أجل حفنة من الجنيهات، لكنه عقد العزم على إعطائها مبلغا أكبر نسبيا مما خصصه لسهيلة من قبل إتقاء لأي طارئ، أشار إلى باب الحجرة ينتظرها حتى تسبقه: طب اتفضلي معايا أوريكي مكتبك
لحقت به في صمت، كانت الحجرة المخصصة لها على بعد خطوتين على يسار باب مكتبه، مما يسهل عليها الاستجابة لنداءه فورا، تركها تستقر وتتعرف على مكتبها فيما ينهي هو أحد الإجتماعات المهمة الذي كان على وشك البدء.
بعدما خرج تنهدت براحة وكأنها كانت تخضع للفحص المجهري والآن أصبحت حرة في فعل ما تشاء، جلست على كرسيها خلف المكتب وشرعت تتأمل تفاصيل حجرتها.
كانت مختلفة عن حجرته وعلى النقيض منها، لا تحمل تداخلات اللون البني ودرجاته، إنما ألوان جديدة تبعث الراحة لمن ينظر إليها، يجوز أنها شعرت كذلك لأنها تحب هذه الألوان وطريقة مزجها معا جذب الإعجاب من أعينها.
الحائط يحمل اللون الأزرق البترولي، يكسر لونه في الحائط الواقع خلف مكتبها ستائر فضية بها لمسات من لون الحائط، لمحت بابا في أقصى ركن توجهت إليه لتجده حماما.
ابتسمت بسعادة، يبدو أنها قد ظلمته حقا، إنه على العكس تماما؛ يهتم براحة العاملين لديه، غسلت وجهها وكفيها ثم عادت تحاول ترتيب الفوضى التي عمت أرجاء مكتبها.
***
طلب منها أكرم الحضور إلى مكتبه فأسرعت مهرولة، استقبلها بضحكته ومزاحه: مرام يظهر إن أختك هتنفع مع أحمد أوووي
ابتسمت مستغربة: إزاي يعني ؟
أكرم وهو مازال يضحك: أول مرة تكلمه هزقته؛ علشان كان بيزعق لموظف عنده
أومأت مؤكدة حديثه دون أن تشك في عدم صدقه: ههههه أه هند مش بتسكت، لو شافت غلط مش بتقدر تحوش نفسها من غير ما تدخل، ما هو علشان كدا سابت الشغل القديم
تمتم بإعجاب: لا جادعة بصراحة
بانت الغيرة على وجه مرام: أه وماله .. عن إذنك يا دكتور، ورايا شغل كتير
خرجت وتركته يضرب أخماسا في أسداس، حدث نفسه متعجبا: مالها البت دي؟ ما هي كانت بتضحك من شوية إيه اللي خلى الــ 111 دول يظهروا دلوقتي، بس شكلها حلو وهي بتضحك
شعرت بالغيظ عندما استشعرت إعجاب أكرم بهند من مجرد الكلام عنها فقط، دون حتى أن يراها، أما هي التي تجلس أمامه باستمرار لم تشعر بربع هذا الاعجاب ناحيتها، كزت على أسنانها غيظا وهمست لنفسها: ماشي يا عم أكرم إما وريتك، طيب
جاء سامر ورأها تتحدث إلى نفسها، ضرب كفا بكف محوقلا: قولت مجنونة ماحدش صدقني
هتفت بعصبية: نعم يا دكتور .. في حاجه ؟
قهقه سامر وردد بغية إثارة حنقها: براحه ليطقلك عرق ولا حاجه .. أنا كنت جاي أشوف أكرم
أدارت ظهرها وأبلغته بجدية شديدة فيما التقطيبة تعلو حاجبيها: الدكتور موجود في مكتبه اتفضل أدخله وسيبني ف حالي
تعجب للحالة التي أصبحت عليها أعصابها: قصدك أسيبك ف جنانك .. ربنا يعنيك يا أكرم ع البلوة اللي عندك دي .. عملت إيه ف دنيتك علشان ربنا يرزقك بواحدة زيها
تركها تكاد تنفجر من كلامه الذي زاد الطين بلة، لقد أصاب جزء حساسا لديها، عضت على شفتيها وحركت كفيها أمام عيونها لتمنع الدموع التي تهدد بالإفصاح عما تحسه حتى نجحت بعد دقيقتين في كتم دموعها، انصرفت تشغل ذهنها في عملها بعيدا عن مشاكل فؤادها.
***
جلست ترتل القرآن أثناء خلو المكتبة من الزبائن ولا يوجد أحد معها تقطع به الوقت، قررت الإستفادة من ذلك بشئ يقربها من الله -عز وجل- حتى جاء شخص يحمل باقة كبيرة من الورود، شديدة الجمال، ناصعة البياض.
أغلقت مصحفها ونهضت تستقبل القادم: أفندم أي خدمة ؟
ذكر العامل اسمها بعد أن نظر في ورقة يحملها بين أصابعه: حضرتك آنسة فريدة ؟
تعجبت: أيوه، في حاجه ؟؟
مد العامل إليها الباقة: دا ورد جايلك
هتفت بتعجب مستنكر: جايلي أنا ؟
أومأ بحفيظة: أيوه يا فندم، ممكن توقعيلي هنا بالاستلام
مضت فريدة وهي مغيبة تسأل نفسها: مين اللي بعتلي الورد دا ؟ وبعدين اإنهارده مش عيد ميلادي ولا ذكرى أي مناسبة
بحثت في الورود علها تجد بطاقة من المرسل، وجدت أحدهم فعلا خُطَ فوقه "ورد أبيض حسيته لون قلبك من جوا .. دا طبعا بعد ما تقبلي إعتذاري عن كلامي ليكي .. سامحيني من قلبك عشان يبقى أبيض زي الورد دا .. أبوس إيدك يا شيخة، إحياة عيالك طيب .. مصطفى"
ابتسمت مرغمة من طريقة صياغة الكلام وتخيلها لصاحبه يتمتم بم كُتب على الورقة أمامها .. وجها لوجه.
-مين مصطفى دا ؟ .. ليكون ....
-أيوه هو بشحمه ولحمه
انتفضت فريدة تنظر خلفها: أنت جيت إمتى؟
ضحك: لسه داخل حالا
نفخت لفحة من زفيرها: أه أصلي ما حستش بيك وأنت داخل
مصطفى بمكر: يظهر إن الورد عجبك
أعادت نظرها إلى الباقة: أه حلو شكرا .. مين مش هيعجبه ورد زي دا
استند بمرفقه على الطاولة الفاصلة بينهما: كويس إنه عجبك .. سامحتيني بقى ؟
حدقت به لا تدري كيف تقنعه بصدقها: ما أنا قولتلك من ساعتها إني سامحتك
رأى القلق من عدم تصديقه لها في حدقتيها فأراد أن يطمأنها: طـــــــــــايب، زيادة إطمئنان مش أكتر
هزت رأسها مشيرة إلى الباب: وأديك أطمنت، ممكن تمشي بقى ؟
رفع أحد حاجبيه مبديا صدمة مصطنعة: إنتي بتوزعيني ولا إيه ؟
ارتبكت: لا مش قصدي والله أنا بس...
ضحك: إنتي مالك ارتبكتي كدا ليه ؟، أنا كنت بأهزر معاكي .. وبعدين أنا عايز اشتري حاجه
عضت شفتيها: هتشتري إيه ؟ شكلك مش بتاع قرايه
ركز نظره عليها وقال بجدية لم تعهدها: وإنتي عرفتي منين؟
أحمرت خجلا خائفة أن تكون جرحته: لا أبدا، مجرد تخمين
تابع: زي ما خمنتي إني مجنون أو فيا حاجه غلط المرة اللي فاتت ؟
فكر عندما رأى وجنتيها تشتعلان أكثر، إن باستطاعته أن يقلي فوقهما بيضة وتصبح جاهزة خلال ثوانِ من كثرة ذلك اللهيب الذي يجذبه: لا مش قصدي .. عايز كتاب عن إيه ؟
ابتسم: عن الحب
نظرت له متعجبة من طريقة لفظه للكلمة؛ أقل ما يقال عنها لعوب، ضحكت رغما عنها.
حرك يديه في الهواء: أيوه بقى يا شيخة .. إيه دا، الشمس كانت مغيمة وأنا مش داري
تمالكت نفسها وأطلعته بصرامة: هأشوفلك حالا، ثواني
أوقفها عندما همت بالذهاب إلى الركن الآخر: أقولك، ما تتعبيش نفسك .. أنا فعلا ماليش ف القرايه أوي
زمت شفتيها متزمرة: اللهم طولك يا روح
حدق بها في براءة: إيه عايزاها تطول توصل السقف مثلا ولا إيه ؟
أخفت ابتسامتها: أتفضل أخرج
اعتدل استعدادا للذهاب: ماشي بس تيجي تتغدي معايا
-ما باتغداش مع حد
مدعيا الغباء: يا حرام مسكينه وأنا هاتغدى معاكي عشان ما تاكليش لوحدك
- قصدي مش باتغدى مع واحد
-أومال مع مجموعة ؟
ضربت الأرض بقدمها حنقا: استغفرك يا رب .. لا مع إخواتي .. تسمح تتفضل بقى؟!
بسماجة: اتفضل ع الغدا ؟ .. طبعا طبعا مافيش مانع
كظمت غيظها: غدا إيه .. بأقولك اتفضل أخرج
ثنى شفتيه لأسفل ولمعت عيونه براءة: وأهون عليكي تسيبيني كدا على لحم بطني
دارت بعيدا حتى لا ترى ملامحه وتشعر بالشفقة عليه: روح كُل ف مطعم
شهق فزعا: لوحدي؟
رددت بغضب: مع أهلك صحابك حبيبتك خطيبتك مراتك، مع أي حد، أنا مالي
دنى منها قليلا: أنا يتيم، صحابي ف الشغل، ماعنديش لا حبيبة ولا خطيبة ولا زوجة
تأففت: وأنا أعملك إيه ؟
- أتغدي معايا
- يــــــــــــــــوووه ما قولنا ما باتغداش مع حد
- طب المرة دي وبس
أخذت حقيبتها مغادرة عندما لمحت اقتراب الحاج عبدالصمد من باب المكتبة ليستلم عنها المناوبة: ولا المرة دي ولا غيرها .. سلام يا حاج عبدالصمد
-سلام يا بنتي
خرج مصطفى راكضا خلفها: يا بنتي إنتي غلبويه كدا ليه ؟ بأقولك هأعزمك ع الغدا ما قولتش هأكلك إنتي
متابعة سيرها والنظر أمامها أجابته: وأنا قولتلك لا .. لا
تنهد بغيظ: ليه؟
كررت: مش بأتغدى مع حد
أعاد سؤاله: ليه؟
حاولت أن تكبح كباح نفسها: علشان أنا لا أعرفك ولا أنت تعرفني
حل معضلتها ببساطة: خلاص بسيطة نتعرف .. أنا مصطفى بهيج ولو سمحتي من غير تريقه
علقت مخفية ضحكتها: أنا أقدر بردو ؟ دا زميل مهنة
بعدم فهم: نعم ؟ مهنة إيه ؟
قلدت شخصية الفيلم: بهيج طير أنت
مصطفى وقد بدأ يفهم: اااه .. أنا افتكرت بهيج بابا مش بهيج الفيلم، بس هو إنتي أصلا.....
أومأت دون تردد: بالظبط، دكتورة بيطرية
تعجب بشدة: وإيه اللي بيشغلك ف مكتبة ؟
بدأت تشعر بتخطيها الحدود التي كانت قد رسمتها لنفسها للتعامل مع الجنس الآخر، تحدثت معه زيادة عن اللازم، عقدت حاجبيها وسارت تنظر أمامها دون منحه أي إجابة، استغرب التحول الذي حدث فجأة بعد أن دب بداخله الأمل في هد موانعها وغزو حصونها.
سألها قلقا: مالك ؟ مش بتردي ليه
أجابته بإيجاز: دي حاجه ما تخصكش، وأنا وصلت عن إذنك
تركته سابقة إياه بضعة خطوات بينما لم يستطع منع نفسه من محاولة معرفة سبب تغيرها معه على حين غرة، لحق بها ووقف أمامها يستوقفها.
زفرت من بين أسنانه المحكمة الغلق: ممكن تسيبني أعدي ؟
رفض: مش ممكن
- لو سمحت
هز رأسه: مش قبل ما تقوليلي قلبتي فجأة ليه
صارحته: علشان ماكانش يصح أصلا إني أرد عليك
دُهش لإجابتها: وليه ؟ لأكون جربان مثلا ؟
- ولا جربان ولا حاجه، أنا تربيتي وديني كدا، ومش هأسمح لنفسي أحس بالذنب لمجرد كلمة معاك أنا أقدر استغنى عنها .. ممكن تعديني بقى ؟؟
كان مصدوما؛ فلمجرد إجابتها عليه مرة فقط بكل أدب واحترام شعرت بالذنب، فكر بسخرية في هؤلاء البنات اللاتي كان يعرفهن؛ والتي كانت ترمي إحداهن بنفسها عليه ويحدث بينه وبينها أشياء أكبر من مجرد كلمة ومع ذلك لم تكن تشعر بأدنى إحساس بالذنب أو الندم بل أحيانا كانت تطالبه بالمزيد وتتمسك به أكثر، وهناك من تركته لتذهب إلى غيره كأنه لم يحدث شئ.
أفاق من خياله وتفكيره على صوت فتاة تقول: فريدة هو في حاجه ؟
أسرعت إليها فريدة تسحبها بتوتر: مافيش حاجه يا مرام .. دا واحد كان تايه وبيسألني ع المكان اللي عايزه .. يلا بينا
رافقتها مرام والشك مازال يدور بأعماقها، لم تزحزح عيونها عنه حتى أختفت داخل البناية كأنه تحاول حفظ تفاصيل وجهه: ماشي .. يلا
صعدتا فيما تسمر مكانه يفكر ويحدث نفسه متجها إلى حيث صف سيارته: نوعها إيه يا ترى البت دي .. أنا مش متفائل، هههههههه شكلي هأحصلك يا أبو المكارم وشكلي أنا كمان وقعت ولا حدش سمى عليا
توقفت أفكاره عند اسمها، ردده بينه وبين نفسه متذوقا حلاوة حروفه وسلاسة نطقه، رن تمتمته، فريدة .. وإنها حقا لـ فريدة.
***
أنتهى من إجتماعه، قرر التوجه إلى مكتب سكرتيرته لكي يتأكد من تأقلمها مع الجو الجديد الذي ستعمل به، ويقوم بإعطاءها بعض المهام المطلوبة منها حتى لا يضيع الوقت هباء.
طرق الباب وطرقة خفيفة، لاحظ أنه شبه مفتوح فدلف دون إنتظار الإذن.
حدق في المكتب مصدوما ثم توقف على ظهرها الموجه إليه حيث انشغلت بفحص ملف ضخم لتحدد موقعه الملائم.
أدرك أنها لم تسمع طرقته ولا شعرت بوجوده، نظر في ساعته ليتأكد من طول فترة غيابه، لقد غابة فقط ساعة وبضع ساعة أخرى ليس أكثر، أيكفي هذا الوقت لتخفي كل أكوام الورق والملفات التي بُعثرت على المكتب وافترشت الأرض ؟؛ إلا إذا كانت تملك عصا سحرية أو تتعاون مع أحد الجان.
خاطبها بصوت قوي ثابت: أستاذة هند
رفعت رأسها إليه ثم انتصبت في وقفتها: أيوه يا أستاذ أحمد
مد لها بملف أزرق اللون قائلا بجدية شديدة: الملف يخلص ف أسرع وقت
لم ينتظر التقاطها للملف بنفسها بل ألقاه على أقرب طاولة ليده ثم انصرف، عضت شفتها السفلى تكتم غيظها فليس الإعتراض على أمر صغير إلى تلك الدرجة من شيمها.
أخذت الملفات وبدأت العمل عليه بكل همة ونشاط، كان أغلب محتوى الملف ليس من تخصصها ولكنها ثابرت على إنهائه، لقد فهمت نظام وروتين العمل من الملفات التي رتبتها والأوراق التي أطلعت على محتواها مما سهل عليها مهمة فهم ما يبغيه وما يسعى إليه.
نفخت لفحة من الهواء بقوة، نهضت تعيد ضبط ملابسها بعد إلتصاقها بمقعدها لساعتين متواصلتين دون حراك، أمسكت الملف بكلتا يديها تضغط عليه بقوة من ثم أتجهت إلى غرفة رئيسها تسلمه العمل الذي طلبه.
دقت الباب دقة واحدة قوية ثابتة، أدارت مقبض الباب بعد سماعها الإذن بالولوج، وقفت أمام مكتبه فيما سألها دون أن يهتم بالنظر إليها فقد استغرقه الحديث على الطرف الآخر.
لاحظ صمتها مما جعله يرفع بصره إليها، أشار بأصبعه حتى تتحدث فيما تبغيه، مدت إليه الملف وقالت بإقتضاب: خلصت الملف .. أتفضل
كانت تتلمس نظرة إعجاب أو تقدير لعملها لكن خاب رجاءها وأنهارت خيالاتها، فقد أومأ برأسه متابعا الحديث على الهاتف وأكتفى بأشارة لها تدل على إمكانية ذهابها لتتابع العمل.
أطاعته كاظمة غيظها، فكرت مقطبة الجبين: يظهر إن إنطباعي الأولي عنك كان صح، مش بتقدر الشغل ولا تعب الواحد فيه، دا حتى مافيش كلمة تشجيع واحدة
صدمها الرد على كلامها الذي لم تدرك خروجه عبر فمها: لا بأقدره، بس تقدير مادي، تقدير بالمرتب والحوافز والمكافأت، ما أعتقدش لما أقولك برافو ولا شاطرة هيكسبك حاجه زي لما تبقى الفلوس ف إيديك
كان صوته بارد مثل هبّة هواء قادمة من قارة أنتركتيكا، توترت وعضت لسانها كأنها تلومه على ذلته غير المغفورة، أسرت خوفها وأطلقت العنان للسانها يصلح الجريمة التي أرتكبها، نظرت إليه من فوق كتفها قائلة بهدوء ظاهري: وأعتقد قولت لحضرتك إني ما بأهتمش للفلوس وإن شغلي هنا للخبرة مش أكتر
عقد ذراعيه متابعا معركة قذف الكلمات: يبقى حضرتك أخدتي الخبرة بشغلك، ولا كلام التشجيع هو اللي بيديهالك ؟
كورت كفيها في قبضتين صغيرتين وانصرفت دون أن تعقب على حديثه؛ فلقد انتصر في معركتهما الأولى ولا يعني ذلك أنها نهاية الحرب.
عاد إلى مقعده قبل أن يلمح الملف الموجود فوق الطاولة، تناوله يتفحصه بدقة، ارتسمت بسمة، اتسعت رويدا رويدا حتى ملأت ثنايا وجهه، زاد إعجابه بكفاءتها فما كان يستغرق سهيلة يوم أو يومين لم يستغرق بين كفيها ساعتين أو ثلاث.
قذف الملف إلى مكانه: عرفت تختار يا أكرم .. وأنا اللي قولت هتدبسني ف واحدة تقرفني وتطلع عيني .. طلعت أصيل يا كرومتي
أخذ النية بداخله أن يجعل إعجابه بعملها طي الكتمان، لن يظهر لها أي تقدير أو عرفان؛ فبالنهاية هذا واجبها، يكفيه رؤية وجهها المحمر من الغضب فهو يفضله عن إحمرار الخجل.
تذكر خجلها في أول لقاء بينهما عندما قذفته بالإتهامات جزافا، هز رأسه بقوة: لا لا، الغضب أحلى عليها .. لما نشوف بقى شكلها لما تفقد أعصابها هيبقى عامل إزاي
خرج من أفكاره الخاصة على صوت الرنين المستمر لهاتفه المحمول، أجاب عليه متناسيا ما يخص هند مستغرقا في محادثته لوالديه.
***
أقفلت الباب والتفت لتجد عيون مرام تحولت إلى عيون فهد يترصد فريسته، عاقدة ذراعيها وتهز إحدى ساقيها، ضحكت فريدة عندما تخيلتها أحد ضباط الشرطة يحقق مع متهم من الخارجين عن القانون.
تجاهلت مرام ضحكتها، تصر على الوصول إلى مبتغاها: مين اللي كان بيكلمك تحت البيت دا ؟
هزت كتفيها وتخطتها إلى الداخل: قولتلك واحد تايه وبيسأل على مكان
كزت على نواجذها: متأكدة ؟
بلا مبالاة أجابتها: أيوه
تقدمت منهما هند: أنتوا بتتكلموا عن إيه ؟ مش فاهمة حاجه
أوضحت مرام وهي تلقي بنظرات متخابثة على فريدة: أبدا يا ستي وأنا جايه شوفت فريدة واقفة مع واحد، كان بيبصلها بتركيز أوي، وكان سادد عليها الطريق ولما جيت سابها تطلع معايا، وكنت عايزه أعرف مين هو
التفتت هند إلى فريدة متعجبة: ومين دا يا فريدة ؟
صرخت فيهما: يــــــــووه أنا مش هأعرف أخلص منكوا غير لما تعرفوا صح ؟! طيب أنا هأحكيلكم ....
قصت عليهما طريقة معرفتها به وسبب ظهوره في حياتها، كانت تخبرهما بأدق التفاصيل؛ فلم تعتد إخفاء شئ حتى وإن كانت المخطئة، لم يكن مبررها الوحيد في رواية معرفتها بمصطفى فقط للتخلص من إلحاح أختيها بل لتأخذ مشورتهما.
صاحت بها مرام مغتاظة: يا بنت الذينا .. بقى كل دا يجرا معاكي وما تقوليش ؟
أجابتها بهزة ضعيفة من كتفيها: عادي .. ما شوفتهاش حاجه مهمة
قفزت مرام تجلس على الأريكة وتثني ساقيها أسفلها: كل دا ومش مهمة، دا شكل الواد وقع ولا حدش سمى عليه
نظرت إليها هند متعجبة تهويلها للأمر: إنتي بتجيبي الكلام دا منين ؟!
حركت مرام فمها يمينا ويسارا فيما ترددت يديها ذهاباً وإياباً: أصل إنتي ما شوفتيش كان بيبصلها إزاي
ارتبكت: كان بيبصلي إزاي يعني ؟، بيبصلي عادي زي ما إنتي وهند وكل الناس بتبصلي
قهقهت مرام لسذاجة أختها الكبرى: إنتي لسه صغيرة ع الكلام دا، مش هتفهمي فيه
عنفتها فريدة بشدة: يا سلام وإنتي اللي كبيرة يعني ؟
صرخت بهما هند كأم تعنف صغارها: بــــــس، هنبتدي شغل العيال دا ولا إيه
انتهزت فريدة الفرصة لتغيير محور الحديث: صحيح بمناسبة الشغل عملتي إيه إنهارده ف الشغل الجديد ؟
غمزتها مرام: غيري الموضوع غيري
قذفتها فريدة بوسادة صغيرة من وسادات الأريكة التي تجلس فوقها: اسكتي يا بت
أخفت هند تفاصيل يومها مكتفية بكلمات تقليدية: عادي قبلت الشغل وبدأت فيه
مرام: ما تقوليلها بدأتيه إزاي .. حد يهزق صاحب الشركة اللي رايح يشتغل فيها يا مفتريه ؟؟
تعجبت فريدة فهذا ليس من أخلاق شقيقتها: هزقتيه بجد ؟!
ضحكت ضحكة مكتومة فقد ارتاحت أن هذا أقصى ما تعرفه مرام عن يومها الأول: أعمله إيه طيب ما هو اللي استفزني .. المهم الموضوع عدى على خير، فككوا منه بقى
استأذنت هند أن تذهب وترتاح في غرفتها قليلا، تركوها تذهب فهذا أول يوم تعمل به منذ فترة طويلة وبالتأكيد مازال جسدها لم يعتد على العمل، حمدت هند ربها أن رئيسها سمح لها بالمغادرة مبكرا فقط لأنه اليوم الأول ولم تكن تضع في حسبانها أن تبدأ العمل مباشرة عقب المقابلة.
تسطحت فوق فراشها تحدق في سقف الغرفة، أخذها عقلها إلى ما حدث معها، جدالها مع أحمد، بذلها لأقصى جهودها حتى تثبت جدارتها.
ظهرت أمام عينيها فجأة ابتسامته، الإبتسامة التي ظهرت في البداية ولم تتكرر، عندما أعلن إنتصارها وأنه أخطأ في حق الموظف.
عصرت أفكارها تبغى الوصول إلى ابتسامة أخرى له لكنها لم تجد، نبشت ونبشت بلا فائدة.
شعرت بالإحباط، حركت رأسها يمنة ويسارا، ليس صحيحا ما تفكر به، إذا ضحك أو حتى بكى ما دخلها هي ؟، لكن رغما عنها توقفت أفكارها مجددا؛ تتخيل ملامحه إذا بكى، نهرت نفسها منتفضة وقد قررت الجلوس مع شقيقتيها حتى لا تسرح فيما هو محذور مرة أخرى.
تفاجأت مرام لحقتها شقيقتها الأخرى بعودتها لكنها بررت ذلك أن النوم عصى الإستجابة لندائها حتى استسلمت، اكتفين بذلك كإجابة وعادوا يتابعون مسلسل مرام الكرتوني المفضل "توم وجيري".
***
أشرقت شمس اليوم التالي، تعد بيوم مجهد طويل، مليئ بالعمل وبذل الجهد لجمع الأرزاق.
جلس أكرم خلف مكتبه يقابله صديقه مصطفى على غير العادة منه، استفسر أكرم من صديقه: أنا نفسي أعرف، إيه إصرارك أنك تيجي معايا الجامعة إنهارده ؟
أجابه بهدوء: عايز أرغي معاك شويه يا أخي، الله!
حوقل: وحد قالك إني بأجي هنا عشان أرغي ؟ مش أنت يا ابني قاعد معانا ف نفس البيت ؟ ما نتكلم فيه
مصطفى بتأفف: يــــــــــووه ما أنت بتيجي هلكان وتنام وأنا بأحاول أظبط أموري بعد اللي حصل
زفر أكرم: طيب، أتفضل قول الموضوع اللي عايز تكلمني فيه .. خلصني
التفت مصطفى بكامل جسده يواجه صديقه أثناء الحديث وقد امتلأت جميع خلاياه بالسعادة: قابلت حتت بت بس إيــــــــه
استغرب: بت ؟ بت مين دي ؟ أنت مش قولت هتركز ف شغلك وهتبطل صياعه بقى
هز رأسه بعنف: لا ما هي مش من النوع دا، أنت فاكر البنت اللي كانت واقفة مع هشام ؟ .. هي دي
زاد عجب أكرم من صديقه: اللي كانت مع هشام ؟ .. وأنت إيه اللي وصلك ليها ؟
- بص يا سيدي أنا هأحكيلك كل حاجه من طقطق لسلامو عليكو
حكى لصديقه كل ما حدث بالتفصيل حتى أنتهى قائلا: بس يا سيدي، وف الآخر جات بنت كدا وطلعت معاها، تقريبا .. أختها
غضب أكرم منه لإخفاءه الأمر حتى وصل إلى تلك المواصيل: دا كله حصل ولسه فاكر تحكيلي كل دا دلوقتي ؟
لوى شفتيه حنقا: ما أنت اللي مشغول أعملك إيه ؟
دخلت عليهم مرام تلقي التحية على أكرم وتخبره بوصولها قبل أن تتجه إلى مكتبها كي تمارس عملها المعتاد.
- صباح الخير يا دكتور أكرم
- صباح النور.. مصطفى أحب أعرفك، سكرتيرتي الآنسة مرام
التفت مصطفى ينظر إلى مرام ويرحب بها بابتسامة عذبة، صاحت دون أن تستطيع إخفاء دهشتها: هو أنت ؟!!
كانت صدمت مصطفى أكبر منها عشرات المرات، لم يكن يتخيل أن يراها هي على وجه الخصوص بهذا المكان وبهذه السرعة: هو إنتي ؟!
حرك أكرم رأسه بينهما بعدم فهم: هو في إيه ؟ .. أنتوا تعرفوا بعض ؟
مرام بسخريتها المعهودة: لا أبدا، أصله كان تايه تحت بيتنا إمبارح .. عن إذنكوا
خرجت من المكتب مبتسمة فيما مصطفى مازال يعاني من أثار الصدمة لا ينبس ببنت شفة، أفاق على مطالبة صديقه له بتوضيحات: أنا مش فاهم حاجه .. تايه تحت بيتها إزاي ؟
انفجر ضاحكا: ما هي دي البنت اللي جات وإحنا ف الشارع وطلعت معاها فريدة
أكرم وقد بدأ الفهم يتسلل إلى عقله: قصدك إن دي أختها ؟
أومأ: تقريبا، دا احتمال كبير بس أنا مش متأكد .. بأقولك إيه أنا هأمشي دلوقتي .. يلا سلام
خرج من مكتب أكرم بسرعة قبل أن يعطيه فرصة حتى يرد السلام. اقترب من مكتب مرام: آنسة مرام
رفعت رأسها: أفندم ؟
سألها مباشرة: هو حضرتك تقربي إيه لفريدة ؟
أدعت الجدية: ودا يخصك ف إيه ؟
رد بلباقة: مجرد سؤال عادي .. أختك مش كدا ؟
أنهت شكوكه: أيوه، أختي
عاد يستجوبها: طيب .. هي مخطوبة، مرتبطة، بتحب، متجوزة ؟
كانت حاول إخفاء ابتسامتها بينما تطيل فترة إنتظاره: ودا بردو مجرد سؤال .. عادي ؟
أجابها بصراحة: أنا معجب بيها وعايز أطمن علشان أقرب منها براحتي
أوشكت على القفز من شدة سعادتها فلقد صدق حدسها: لا مش مرتبطة ولا مخطوبة ولا متجوزة ولا بتحب .. بس بردو مش هتعرف تقرب منها
تعجب : ليه؟
أجابته ببساطة: لإنها مش بتاعت الكلام دا، ولا اللف والدوران .. فريح نفسك
قطب جبينه بحنق: وإنتي ليه عندك إحساس إني بألف وأدور؟
زمت شفتيها ساخرة: هو لما تمشي ورا بنت ف الشارع لحد بيتها، تعزمها ع الغدا، وكمان تجبلها ورد من غير سابق معرفة .. دا ما يدلش إنك بتلف وتدور ؟
أردفت عندما لاحظت حيرته وتشتته: إحنا ما عندناش اللي بيدور ف دماغك دا، تتسلى يومين وبعدين تخلع، عايزها يبقى تتجوزها، لكن شغل حلق حوش وحاوريني يا كيكة دا .. ما نحبوش
خرج أكرم وهم بتوجيه تعليماته إلى مرام عندما صدم من وجود مصطفى، صاح به: أنت يا ابني .. مش كنت مستعجل وقولت إنك ماشي ؟
أومأ ببلاهة: أه أه، ما أنا ماشي أهو .. يلا سلام
رد أكرم السلام كاتما عجبه، عاد بنظره إلى معاونته: مرام .. لما يجي سامر دخليهولي فورا
هزت رأسها: حاضر
بعدما دلف إلى حجرته، رمت القلم الذي كانت تمسكه بين أصابعها ليصطدم بعرض الحائط: أوووف هو الثقيل دا جاي تاني هنا .. ربنا يعدي اليوم دا على خير
______________
ترجلت من سيارة الأجرة التي استقلتها أمام شركة السويفي، رفعت بصرها إلى اللوحة المعلقة أعلى البوابة تحمل اسم الشركة منبهرة، كذلك مظهر المبنى من الخارج يحبس الأنفاس؛ اللوحات الزجاجية التي تعكس الإضاءة فتظهره كأنه قد صنع من الماس، دخلت المبنى الضخم تشعر بخوف غير طبيعي، تشعر أن هذه الشركة سوف تكون أحد أسباب أختلاف حياتها كليا، ستقلب حياتها رأسا على عقب دون أن تدري سبب ذلك الظن.
صعدت الدرجات المعدودة أمام الباب ووصلت للاستقبال، بعد تعريف نفسها وسبب حضورها قاموا بإرسالها إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة الأستاذ أحمد كي يقابلها شخصيا.
ما كادت تخرج من المصعد في الطابق الأخير من المبنى حيث يوجد مكتبه حتى سمعت صوتا مرتفعا يدل على غضب صاحبه من شدة الصياح.
- اللي يشوف الشغل دا ما يقولش إني بأشغل معايا بروفشنال، يقول إني جايبهم من تحت الكوبري، دا لو أنت بتسمي الزفت دا شغل أصلا
تأتأ الموظف: صــ .. صدقني يا أستاذ أحمد أنا ....
قاطعه بحزم: لا أنا ولا مش أنا .. خد الملف دا وتظبطه قبل ما تجبهولي تاني .. وكل الأخطاء دي مش عايز أشوفها مرة تانية، مفهوم؟
أومأ الموظف بسرعة وقد أوشك أن يغرق في عرقه من فرط خوفه: مفهوم طبعا يا أستاذ أحمد
لوى شفته السفلى ساخرا: طب كويس .. أتفضل على شغلك
اقتربت من باب مكتبه ورأت الموظف يخرج متعثرا في موطئ قدميه، أشفقت على حاله فيما أغتاظت من معاملة صاحب الشركة -الذي يجب عليها العمل لديه- لمن يعملون عنده بهذه الطريقة، "شكلنا مش هنعمر مع بعض يا أستاذ أحمد بيه".. هكذا رددت داخلها.
قبل أن يغلق الباب خلف الموظف المرعوب رأها، كانت شاردة تفكر في العودة من حيث أتت ولكنه وضع حاجزا بينها وبين الهروب.
سألها مستفسرا عن هويتها؛ فهو لم يكن قد رأها من قبل في الشركة، كما أن هذا الطابق لا يصعد إليه إلا الصفوة .. سواء صفوة الموظفين أو العملاء: في حاجه يا آنسة ؟ بتعملي إيه هنا ؟
وقفت أمامه بتحدي، توأد إعجابا طرق نفسها، فلحظة شديدة الهياج وفي الأخرى قمة الهدوء: أنت إزاي تكلم الموظف بالطريقة دي ؟
حدق فيها بدهشة: نعم ؟! .. وإنتي مين أصلا علشان تدخلي ف علاقتي بالموظفين بتوعي ؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها: لازم أدخل .. لو هأشتغل معاك
ضاقت عيونه فجأة بإدراك: لتكوني إنتي السكرتيرة الجديدة
صححت: أنا لسه ما بقتش
لوى جانب شفتيه: وأنا لسه ما عملتش الإنترفيو علشان أقرر
هزت رأسها رافضة: مش محتاج لإني ماشيه .. مش ممكن أشتغل مع واحد بيعامل الموظفين بالطريقة دي
تتبع هزة رأسها إلى الطريق الذي سلكه الموظف، أجابها بهدوء: حضرتك حكمتي عليا من غير ما تعرفي الموضوع بالظبط، وأعتقد إن دا مش من حقك ولا إيه ؟
شعرت بالخجل من موقفها وإتهاماتها: أكيد .. بس .. بس .. مهما كان ما كانش ينفع تتكلم معاه بالطريقة دي
ابتسم: إنتي معاكي حق .. ممكن بقى تتفضلي نعمل الإنترفيو ؟
صعقها استسلمه المفاجئ مما شلَّ تفكيرها وحرر لسانها دون تمهل: ماشي
دخلت وقدمت سيرتها الذاتية بينما جلس يقرأه كان يلقي عليها العديد من الأسئلة ليتأكد من ملائمتها للعمل لديه وتنفيذ أوامره، أنبهر بكم الدورات التي التحقت بها والشهادات التي نالتها بتقديرات عالية تؤكد همتها على الرغم من عدم تتخرجها منذ زمن.
رفع إليها بصره: كل دي كورسات لحقتي تاخديها بعد التخرج ؟
- مش كلها بعد التخرج أغلبها أثناء الدراسة
أومأ رأسه تقديرا لمجهوداتها: ما شاء الله .. كنتي بتاخدي كورسات جنب الدراسة وجبتي إمتياز، شكلك بتحبي الدراسة والشغل جدا
- أيوه، مش بأحب أقعد من غير ما استفيد بوقتي .. الوقت بالنسبة لي كنز ولازم اغتنمه
صاح بحماس بينما كفه كان يغلق ملفها ويلقيه على المكتب: تمام أوي .. شكلنا هنعمر مع بعض
أومأت ثم سألته بعملية: هأستلم شغلي من إمتى ؟
-من دلوقتي لو ينفع؛ لإن المكتب بقالها كام يوم من غير سكرتيرة وكله داخل ف بعضه
نهضت واقفة تمسك حقيبتها وتتناول ملفها من فوق المكتب: ماشي مافيش مشكلة .. ممكن توريني مكتبي ؟
لحقها أحمد بالوقوف وقد ضاقت عينيه كعيني الصقر: بس إحنا ما أتفقناش على المرتب ؟
-مش مهم .. أنا عايزه أشتغل علشان الشغل نفسه مش علشان المرتب
غمرته الطمأنينة؛ هكذا لن تفكر بالغدر من أجل حفنة من الجنيهات، لكنه عقد العزم على إعطائها مبلغا أكبر نسبيا مما خصصه لسهيلة من قبل إتقاء لأي طارئ، أشار إلى باب الحجرة ينتظرها حتى تسبقه: طب اتفضلي معايا أوريكي مكتبك
لحقت به في صمت، كانت الحجرة المخصصة لها على بعد خطوتين على يسار باب مكتبه، مما يسهل عليها الاستجابة لنداءه فورا، تركها تستقر وتتعرف على مكتبها فيما ينهي هو أحد الإجتماعات المهمة الذي كان على وشك البدء.
بعدما خرج تنهدت براحة وكأنها كانت تخضع للفحص المجهري والآن أصبحت حرة في فعل ما تشاء، جلست على كرسيها خلف المكتب وشرعت تتأمل تفاصيل حجرتها.
كانت مختلفة عن حجرته وعلى النقيض منها، لا تحمل تداخلات اللون البني ودرجاته، إنما ألوان جديدة تبعث الراحة لمن ينظر إليها، يجوز أنها شعرت كذلك لأنها تحب هذه الألوان وطريقة مزجها معا جذب الإعجاب من أعينها.
الحائط يحمل اللون الأزرق البترولي، يكسر لونه في الحائط الواقع خلف مكتبها ستائر فضية بها لمسات من لون الحائط، لمحت بابا في أقصى ركن توجهت إليه لتجده حماما.
ابتسمت بسعادة، يبدو أنها قد ظلمته حقا، إنه على العكس تماما؛ يهتم براحة العاملين لديه، غسلت وجهها وكفيها ثم عادت تحاول ترتيب الفوضى التي عمت أرجاء مكتبها.
***
طلب منها أكرم الحضور إلى مكتبه فأسرعت مهرولة، استقبلها بضحكته ومزاحه: مرام يظهر إن أختك هتنفع مع أحمد أوووي
ابتسمت مستغربة: إزاي يعني ؟
أكرم وهو مازال يضحك: أول مرة تكلمه هزقته؛ علشان كان بيزعق لموظف عنده
أومأت مؤكدة حديثه دون أن تشك في عدم صدقه: ههههه أه هند مش بتسكت، لو شافت غلط مش بتقدر تحوش نفسها من غير ما تدخل، ما هو علشان كدا سابت الشغل القديم
تمتم بإعجاب: لا جادعة بصراحة
بانت الغيرة على وجه مرام: أه وماله .. عن إذنك يا دكتور، ورايا شغل كتير
خرجت وتركته يضرب أخماسا في أسداس، حدث نفسه متعجبا: مالها البت دي؟ ما هي كانت بتضحك من شوية إيه اللي خلى الــ 111 دول يظهروا دلوقتي، بس شكلها حلو وهي بتضحك
شعرت بالغيظ عندما استشعرت إعجاب أكرم بهند من مجرد الكلام عنها فقط، دون حتى أن يراها، أما هي التي تجلس أمامه باستمرار لم تشعر بربع هذا الاعجاب ناحيتها، كزت على أسنانها غيظا وهمست لنفسها: ماشي يا عم أكرم إما وريتك، طيب
جاء سامر ورأها تتحدث إلى نفسها، ضرب كفا بكف محوقلا: قولت مجنونة ماحدش صدقني
هتفت بعصبية: نعم يا دكتور .. في حاجه ؟
قهقه سامر وردد بغية إثارة حنقها: براحه ليطقلك عرق ولا حاجه .. أنا كنت جاي أشوف أكرم
أدارت ظهرها وأبلغته بجدية شديدة فيما التقطيبة تعلو حاجبيها: الدكتور موجود في مكتبه اتفضل أدخله وسيبني ف حالي
تعجب للحالة التي أصبحت عليها أعصابها: قصدك أسيبك ف جنانك .. ربنا يعنيك يا أكرم ع البلوة اللي عندك دي .. عملت إيه ف دنيتك علشان ربنا يرزقك بواحدة زيها
تركها تكاد تنفجر من كلامه الذي زاد الطين بلة، لقد أصاب جزء حساسا لديها، عضت على شفتيها وحركت كفيها أمام عيونها لتمنع الدموع التي تهدد بالإفصاح عما تحسه حتى نجحت بعد دقيقتين في كتم دموعها، انصرفت تشغل ذهنها في عملها بعيدا عن مشاكل فؤادها.
***
جلست ترتل القرآن أثناء خلو المكتبة من الزبائن ولا يوجد أحد معها تقطع به الوقت، قررت الإستفادة من ذلك بشئ يقربها من الله -عز وجل- حتى جاء شخص يحمل باقة كبيرة من الورود، شديدة الجمال، ناصعة البياض.
أغلقت مصحفها ونهضت تستقبل القادم: أفندم أي خدمة ؟
ذكر العامل اسمها بعد أن نظر في ورقة يحملها بين أصابعه: حضرتك آنسة فريدة ؟
تعجبت: أيوه، في حاجه ؟؟
مد العامل إليها الباقة: دا ورد جايلك
هتفت بتعجب مستنكر: جايلي أنا ؟
أومأ بحفيظة: أيوه يا فندم، ممكن توقعيلي هنا بالاستلام
مضت فريدة وهي مغيبة تسأل نفسها: مين اللي بعتلي الورد دا ؟ وبعدين اإنهارده مش عيد ميلادي ولا ذكرى أي مناسبة
بحثت في الورود علها تجد بطاقة من المرسل، وجدت أحدهم فعلا خُطَ فوقه "ورد أبيض حسيته لون قلبك من جوا .. دا طبعا بعد ما تقبلي إعتذاري عن كلامي ليكي .. سامحيني من قلبك عشان يبقى أبيض زي الورد دا .. أبوس إيدك يا شيخة، إحياة عيالك طيب .. مصطفى"
ابتسمت مرغمة من طريقة صياغة الكلام وتخيلها لصاحبه يتمتم بم كُتب على الورقة أمامها .. وجها لوجه.
-مين مصطفى دا ؟ .. ليكون ....
-أيوه هو بشحمه ولحمه
انتفضت فريدة تنظر خلفها: أنت جيت إمتى؟
ضحك: لسه داخل حالا
نفخت لفحة من زفيرها: أه أصلي ما حستش بيك وأنت داخل
مصطفى بمكر: يظهر إن الورد عجبك
أعادت نظرها إلى الباقة: أه حلو شكرا .. مين مش هيعجبه ورد زي دا
استند بمرفقه على الطاولة الفاصلة بينهما: كويس إنه عجبك .. سامحتيني بقى ؟
حدقت به لا تدري كيف تقنعه بصدقها: ما أنا قولتلك من ساعتها إني سامحتك
رأى القلق من عدم تصديقه لها في حدقتيها فأراد أن يطمأنها: طـــــــــــايب، زيادة إطمئنان مش أكتر
هزت رأسها مشيرة إلى الباب: وأديك أطمنت، ممكن تمشي بقى ؟
رفع أحد حاجبيه مبديا صدمة مصطنعة: إنتي بتوزعيني ولا إيه ؟
ارتبكت: لا مش قصدي والله أنا بس...
ضحك: إنتي مالك ارتبكتي كدا ليه ؟، أنا كنت بأهزر معاكي .. وبعدين أنا عايز اشتري حاجه
عضت شفتيها: هتشتري إيه ؟ شكلك مش بتاع قرايه
ركز نظره عليها وقال بجدية لم تعهدها: وإنتي عرفتي منين؟
أحمرت خجلا خائفة أن تكون جرحته: لا أبدا، مجرد تخمين
تابع: زي ما خمنتي إني مجنون أو فيا حاجه غلط المرة اللي فاتت ؟
فكر عندما رأى وجنتيها تشتعلان أكثر، إن باستطاعته أن يقلي فوقهما بيضة وتصبح جاهزة خلال ثوانِ من كثرة ذلك اللهيب الذي يجذبه: لا مش قصدي .. عايز كتاب عن إيه ؟
ابتسم: عن الحب
نظرت له متعجبة من طريقة لفظه للكلمة؛ أقل ما يقال عنها لعوب، ضحكت رغما عنها.
حرك يديه في الهواء: أيوه بقى يا شيخة .. إيه دا، الشمس كانت مغيمة وأنا مش داري
تمالكت نفسها وأطلعته بصرامة: هأشوفلك حالا، ثواني
أوقفها عندما همت بالذهاب إلى الركن الآخر: أقولك، ما تتعبيش نفسك .. أنا فعلا ماليش ف القرايه أوي
زمت شفتيها متزمرة: اللهم طولك يا روح
حدق بها في براءة: إيه عايزاها تطول توصل السقف مثلا ولا إيه ؟
أخفت ابتسامتها: أتفضل أخرج
اعتدل استعدادا للذهاب: ماشي بس تيجي تتغدي معايا
-ما باتغداش مع حد
مدعيا الغباء: يا حرام مسكينه وأنا هاتغدى معاكي عشان ما تاكليش لوحدك
- قصدي مش باتغدى مع واحد
-أومال مع مجموعة ؟
ضربت الأرض بقدمها حنقا: استغفرك يا رب .. لا مع إخواتي .. تسمح تتفضل بقى؟!
بسماجة: اتفضل ع الغدا ؟ .. طبعا طبعا مافيش مانع
كظمت غيظها: غدا إيه .. بأقولك اتفضل أخرج
ثنى شفتيه لأسفل ولمعت عيونه براءة: وأهون عليكي تسيبيني كدا على لحم بطني
دارت بعيدا حتى لا ترى ملامحه وتشعر بالشفقة عليه: روح كُل ف مطعم
شهق فزعا: لوحدي؟
رددت بغضب: مع أهلك صحابك حبيبتك خطيبتك مراتك، مع أي حد، أنا مالي
دنى منها قليلا: أنا يتيم، صحابي ف الشغل، ماعنديش لا حبيبة ولا خطيبة ولا زوجة
تأففت: وأنا أعملك إيه ؟
- أتغدي معايا
- يــــــــــــــــوووه ما قولنا ما باتغداش مع حد
- طب المرة دي وبس
أخذت حقيبتها مغادرة عندما لمحت اقتراب الحاج عبدالصمد من باب المكتبة ليستلم عنها المناوبة: ولا المرة دي ولا غيرها .. سلام يا حاج عبدالصمد
-سلام يا بنتي
خرج مصطفى راكضا خلفها: يا بنتي إنتي غلبويه كدا ليه ؟ بأقولك هأعزمك ع الغدا ما قولتش هأكلك إنتي
متابعة سيرها والنظر أمامها أجابته: وأنا قولتلك لا .. لا
تنهد بغيظ: ليه؟
كررت: مش بأتغدى مع حد
أعاد سؤاله: ليه؟
حاولت أن تكبح كباح نفسها: علشان أنا لا أعرفك ولا أنت تعرفني
حل معضلتها ببساطة: خلاص بسيطة نتعرف .. أنا مصطفى بهيج ولو سمحتي من غير تريقه
علقت مخفية ضحكتها: أنا أقدر بردو ؟ دا زميل مهنة
بعدم فهم: نعم ؟ مهنة إيه ؟
قلدت شخصية الفيلم: بهيج طير أنت
مصطفى وقد بدأ يفهم: اااه .. أنا افتكرت بهيج بابا مش بهيج الفيلم، بس هو إنتي أصلا.....
أومأت دون تردد: بالظبط، دكتورة بيطرية
تعجب بشدة: وإيه اللي بيشغلك ف مكتبة ؟
بدأت تشعر بتخطيها الحدود التي كانت قد رسمتها لنفسها للتعامل مع الجنس الآخر، تحدثت معه زيادة عن اللازم، عقدت حاجبيها وسارت تنظر أمامها دون منحه أي إجابة، استغرب التحول الذي حدث فجأة بعد أن دب بداخله الأمل في هد موانعها وغزو حصونها.
سألها قلقا: مالك ؟ مش بتردي ليه
أجابته بإيجاز: دي حاجه ما تخصكش، وأنا وصلت عن إذنك
تركته سابقة إياه بضعة خطوات بينما لم يستطع منع نفسه من محاولة معرفة سبب تغيرها معه على حين غرة، لحق بها ووقف أمامها يستوقفها.
زفرت من بين أسنانه المحكمة الغلق: ممكن تسيبني أعدي ؟
رفض: مش ممكن
- لو سمحت
هز رأسه: مش قبل ما تقوليلي قلبتي فجأة ليه
صارحته: علشان ماكانش يصح أصلا إني أرد عليك
دُهش لإجابتها: وليه ؟ لأكون جربان مثلا ؟
- ولا جربان ولا حاجه، أنا تربيتي وديني كدا، ومش هأسمح لنفسي أحس بالذنب لمجرد كلمة معاك أنا أقدر استغنى عنها .. ممكن تعديني بقى ؟؟
كان مصدوما؛ فلمجرد إجابتها عليه مرة فقط بكل أدب واحترام شعرت بالذنب، فكر بسخرية في هؤلاء البنات اللاتي كان يعرفهن؛ والتي كانت ترمي إحداهن بنفسها عليه ويحدث بينه وبينها أشياء أكبر من مجرد كلمة ومع ذلك لم تكن تشعر بأدنى إحساس بالذنب أو الندم بل أحيانا كانت تطالبه بالمزيد وتتمسك به أكثر، وهناك من تركته لتذهب إلى غيره كأنه لم يحدث شئ.
أفاق من خياله وتفكيره على صوت فتاة تقول: فريدة هو في حاجه ؟
أسرعت إليها فريدة تسحبها بتوتر: مافيش حاجه يا مرام .. دا واحد كان تايه وبيسألني ع المكان اللي عايزه .. يلا بينا
رافقتها مرام والشك مازال يدور بأعماقها، لم تزحزح عيونها عنه حتى أختفت داخل البناية كأنه تحاول حفظ تفاصيل وجهه: ماشي .. يلا
صعدتا فيما تسمر مكانه يفكر ويحدث نفسه متجها إلى حيث صف سيارته: نوعها إيه يا ترى البت دي .. أنا مش متفائل، هههههههه شكلي هأحصلك يا أبو المكارم وشكلي أنا كمان وقعت ولا حدش سمى عليا
توقفت أفكاره عند اسمها، ردده بينه وبين نفسه متذوقا حلاوة حروفه وسلاسة نطقه، رن تمتمته، فريدة .. وإنها حقا لـ فريدة.
***
أنتهى من إجتماعه، قرر التوجه إلى مكتب سكرتيرته لكي يتأكد من تأقلمها مع الجو الجديد الذي ستعمل به، ويقوم بإعطاءها بعض المهام المطلوبة منها حتى لا يضيع الوقت هباء.
طرق الباب وطرقة خفيفة، لاحظ أنه شبه مفتوح فدلف دون إنتظار الإذن.
حدق في المكتب مصدوما ثم توقف على ظهرها الموجه إليه حيث انشغلت بفحص ملف ضخم لتحدد موقعه الملائم.
أدرك أنها لم تسمع طرقته ولا شعرت بوجوده، نظر في ساعته ليتأكد من طول فترة غيابه، لقد غابة فقط ساعة وبضع ساعة أخرى ليس أكثر، أيكفي هذا الوقت لتخفي كل أكوام الورق والملفات التي بُعثرت على المكتب وافترشت الأرض ؟؛ إلا إذا كانت تملك عصا سحرية أو تتعاون مع أحد الجان.
خاطبها بصوت قوي ثابت: أستاذة هند
رفعت رأسها إليه ثم انتصبت في وقفتها: أيوه يا أستاذ أحمد
مد لها بملف أزرق اللون قائلا بجدية شديدة: الملف يخلص ف أسرع وقت
لم ينتظر التقاطها للملف بنفسها بل ألقاه على أقرب طاولة ليده ثم انصرف، عضت شفتها السفلى تكتم غيظها فليس الإعتراض على أمر صغير إلى تلك الدرجة من شيمها.
أخذت الملفات وبدأت العمل عليه بكل همة ونشاط، كان أغلب محتوى الملف ليس من تخصصها ولكنها ثابرت على إنهائه، لقد فهمت نظام وروتين العمل من الملفات التي رتبتها والأوراق التي أطلعت على محتواها مما سهل عليها مهمة فهم ما يبغيه وما يسعى إليه.
نفخت لفحة من الهواء بقوة، نهضت تعيد ضبط ملابسها بعد إلتصاقها بمقعدها لساعتين متواصلتين دون حراك، أمسكت الملف بكلتا يديها تضغط عليه بقوة من ثم أتجهت إلى غرفة رئيسها تسلمه العمل الذي طلبه.
دقت الباب دقة واحدة قوية ثابتة، أدارت مقبض الباب بعد سماعها الإذن بالولوج، وقفت أمام مكتبه فيما سألها دون أن يهتم بالنظر إليها فقد استغرقه الحديث على الطرف الآخر.
لاحظ صمتها مما جعله يرفع بصره إليها، أشار بأصبعه حتى تتحدث فيما تبغيه، مدت إليه الملف وقالت بإقتضاب: خلصت الملف .. أتفضل
كانت تتلمس نظرة إعجاب أو تقدير لعملها لكن خاب رجاءها وأنهارت خيالاتها، فقد أومأ برأسه متابعا الحديث على الهاتف وأكتفى بأشارة لها تدل على إمكانية ذهابها لتتابع العمل.
أطاعته كاظمة غيظها، فكرت مقطبة الجبين: يظهر إن إنطباعي الأولي عنك كان صح، مش بتقدر الشغل ولا تعب الواحد فيه، دا حتى مافيش كلمة تشجيع واحدة
صدمها الرد على كلامها الذي لم تدرك خروجه عبر فمها: لا بأقدره، بس تقدير مادي، تقدير بالمرتب والحوافز والمكافأت، ما أعتقدش لما أقولك برافو ولا شاطرة هيكسبك حاجه زي لما تبقى الفلوس ف إيديك
كان صوته بارد مثل هبّة هواء قادمة من قارة أنتركتيكا، توترت وعضت لسانها كأنها تلومه على ذلته غير المغفورة، أسرت خوفها وأطلقت العنان للسانها يصلح الجريمة التي أرتكبها، نظرت إليه من فوق كتفها قائلة بهدوء ظاهري: وأعتقد قولت لحضرتك إني ما بأهتمش للفلوس وإن شغلي هنا للخبرة مش أكتر
عقد ذراعيه متابعا معركة قذف الكلمات: يبقى حضرتك أخدتي الخبرة بشغلك، ولا كلام التشجيع هو اللي بيديهالك ؟
كورت كفيها في قبضتين صغيرتين وانصرفت دون أن تعقب على حديثه؛ فلقد انتصر في معركتهما الأولى ولا يعني ذلك أنها نهاية الحرب.
عاد إلى مقعده قبل أن يلمح الملف الموجود فوق الطاولة، تناوله يتفحصه بدقة، ارتسمت بسمة، اتسعت رويدا رويدا حتى ملأت ثنايا وجهه، زاد إعجابه بكفاءتها فما كان يستغرق سهيلة يوم أو يومين لم يستغرق بين كفيها ساعتين أو ثلاث.
قذف الملف إلى مكانه: عرفت تختار يا أكرم .. وأنا اللي قولت هتدبسني ف واحدة تقرفني وتطلع عيني .. طلعت أصيل يا كرومتي
أخذ النية بداخله أن يجعل إعجابه بعملها طي الكتمان، لن يظهر لها أي تقدير أو عرفان؛ فبالنهاية هذا واجبها، يكفيه رؤية وجهها المحمر من الغضب فهو يفضله عن إحمرار الخجل.
تذكر خجلها في أول لقاء بينهما عندما قذفته بالإتهامات جزافا، هز رأسه بقوة: لا لا، الغضب أحلى عليها .. لما نشوف بقى شكلها لما تفقد أعصابها هيبقى عامل إزاي
خرج من أفكاره الخاصة على صوت الرنين المستمر لهاتفه المحمول، أجاب عليه متناسيا ما يخص هند مستغرقا في محادثته لوالديه.
***
أقفلت الباب والتفت لتجد عيون مرام تحولت إلى عيون فهد يترصد فريسته، عاقدة ذراعيها وتهز إحدى ساقيها، ضحكت فريدة عندما تخيلتها أحد ضباط الشرطة يحقق مع متهم من الخارجين عن القانون.
تجاهلت مرام ضحكتها، تصر على الوصول إلى مبتغاها: مين اللي كان بيكلمك تحت البيت دا ؟
هزت كتفيها وتخطتها إلى الداخل: قولتلك واحد تايه وبيسأل على مكان
كزت على نواجذها: متأكدة ؟
بلا مبالاة أجابتها: أيوه
تقدمت منهما هند: أنتوا بتتكلموا عن إيه ؟ مش فاهمة حاجه
أوضحت مرام وهي تلقي بنظرات متخابثة على فريدة: أبدا يا ستي وأنا جايه شوفت فريدة واقفة مع واحد، كان بيبصلها بتركيز أوي، وكان سادد عليها الطريق ولما جيت سابها تطلع معايا، وكنت عايزه أعرف مين هو
التفتت هند إلى فريدة متعجبة: ومين دا يا فريدة ؟
صرخت فيهما: يــــــــووه أنا مش هأعرف أخلص منكوا غير لما تعرفوا صح ؟! طيب أنا هأحكيلكم ....
قصت عليهما طريقة معرفتها به وسبب ظهوره في حياتها، كانت تخبرهما بأدق التفاصيل؛ فلم تعتد إخفاء شئ حتى وإن كانت المخطئة، لم يكن مبررها الوحيد في رواية معرفتها بمصطفى فقط للتخلص من إلحاح أختيها بل لتأخذ مشورتهما.
صاحت بها مرام مغتاظة: يا بنت الذينا .. بقى كل دا يجرا معاكي وما تقوليش ؟
أجابتها بهزة ضعيفة من كتفيها: عادي .. ما شوفتهاش حاجه مهمة
قفزت مرام تجلس على الأريكة وتثني ساقيها أسفلها: كل دا ومش مهمة، دا شكل الواد وقع ولا حدش سمى عليه
نظرت إليها هند متعجبة تهويلها للأمر: إنتي بتجيبي الكلام دا منين ؟!
حركت مرام فمها يمينا ويسارا فيما ترددت يديها ذهاباً وإياباً: أصل إنتي ما شوفتيش كان بيبصلها إزاي
ارتبكت: كان بيبصلي إزاي يعني ؟، بيبصلي عادي زي ما إنتي وهند وكل الناس بتبصلي
قهقهت مرام لسذاجة أختها الكبرى: إنتي لسه صغيرة ع الكلام دا، مش هتفهمي فيه
عنفتها فريدة بشدة: يا سلام وإنتي اللي كبيرة يعني ؟
صرخت بهما هند كأم تعنف صغارها: بــــــس، هنبتدي شغل العيال دا ولا إيه
انتهزت فريدة الفرصة لتغيير محور الحديث: صحيح بمناسبة الشغل عملتي إيه إنهارده ف الشغل الجديد ؟
غمزتها مرام: غيري الموضوع غيري
قذفتها فريدة بوسادة صغيرة من وسادات الأريكة التي تجلس فوقها: اسكتي يا بت
أخفت هند تفاصيل يومها مكتفية بكلمات تقليدية: عادي قبلت الشغل وبدأت فيه
مرام: ما تقوليلها بدأتيه إزاي .. حد يهزق صاحب الشركة اللي رايح يشتغل فيها يا مفتريه ؟؟
تعجبت فريدة فهذا ليس من أخلاق شقيقتها: هزقتيه بجد ؟!
ضحكت ضحكة مكتومة فقد ارتاحت أن هذا أقصى ما تعرفه مرام عن يومها الأول: أعمله إيه طيب ما هو اللي استفزني .. المهم الموضوع عدى على خير، فككوا منه بقى
استأذنت هند أن تذهب وترتاح في غرفتها قليلا، تركوها تذهب فهذا أول يوم تعمل به منذ فترة طويلة وبالتأكيد مازال جسدها لم يعتد على العمل، حمدت هند ربها أن رئيسها سمح لها بالمغادرة مبكرا فقط لأنه اليوم الأول ولم تكن تضع في حسبانها أن تبدأ العمل مباشرة عقب المقابلة.
تسطحت فوق فراشها تحدق في سقف الغرفة، أخذها عقلها إلى ما حدث معها، جدالها مع أحمد، بذلها لأقصى جهودها حتى تثبت جدارتها.
ظهرت أمام عينيها فجأة ابتسامته، الإبتسامة التي ظهرت في البداية ولم تتكرر، عندما أعلن إنتصارها وأنه أخطأ في حق الموظف.
عصرت أفكارها تبغى الوصول إلى ابتسامة أخرى له لكنها لم تجد، نبشت ونبشت بلا فائدة.
شعرت بالإحباط، حركت رأسها يمنة ويسارا، ليس صحيحا ما تفكر به، إذا ضحك أو حتى بكى ما دخلها هي ؟، لكن رغما عنها توقفت أفكارها مجددا؛ تتخيل ملامحه إذا بكى، نهرت نفسها منتفضة وقد قررت الجلوس مع شقيقتيها حتى لا تسرح فيما هو محذور مرة أخرى.
تفاجأت مرام لحقتها شقيقتها الأخرى بعودتها لكنها بررت ذلك أن النوم عصى الإستجابة لندائها حتى استسلمت، اكتفين بذلك كإجابة وعادوا يتابعون مسلسل مرام الكرتوني المفضل "توم وجيري".
***
أشرقت شمس اليوم التالي، تعد بيوم مجهد طويل، مليئ بالعمل وبذل الجهد لجمع الأرزاق.
جلس أكرم خلف مكتبه يقابله صديقه مصطفى على غير العادة منه، استفسر أكرم من صديقه: أنا نفسي أعرف، إيه إصرارك أنك تيجي معايا الجامعة إنهارده ؟
أجابه بهدوء: عايز أرغي معاك شويه يا أخي، الله!
حوقل: وحد قالك إني بأجي هنا عشان أرغي ؟ مش أنت يا ابني قاعد معانا ف نفس البيت ؟ ما نتكلم فيه
مصطفى بتأفف: يــــــــــووه ما أنت بتيجي هلكان وتنام وأنا بأحاول أظبط أموري بعد اللي حصل
زفر أكرم: طيب، أتفضل قول الموضوع اللي عايز تكلمني فيه .. خلصني
التفت مصطفى بكامل جسده يواجه صديقه أثناء الحديث وقد امتلأت جميع خلاياه بالسعادة: قابلت حتت بت بس إيــــــــه
استغرب: بت ؟ بت مين دي ؟ أنت مش قولت هتركز ف شغلك وهتبطل صياعه بقى
هز رأسه بعنف: لا ما هي مش من النوع دا، أنت فاكر البنت اللي كانت واقفة مع هشام ؟ .. هي دي
زاد عجب أكرم من صديقه: اللي كانت مع هشام ؟ .. وأنت إيه اللي وصلك ليها ؟
- بص يا سيدي أنا هأحكيلك كل حاجه من طقطق لسلامو عليكو
حكى لصديقه كل ما حدث بالتفصيل حتى أنتهى قائلا: بس يا سيدي، وف الآخر جات بنت كدا وطلعت معاها، تقريبا .. أختها
غضب أكرم منه لإخفاءه الأمر حتى وصل إلى تلك المواصيل: دا كله حصل ولسه فاكر تحكيلي كل دا دلوقتي ؟
لوى شفتيه حنقا: ما أنت اللي مشغول أعملك إيه ؟
دخلت عليهم مرام تلقي التحية على أكرم وتخبره بوصولها قبل أن تتجه إلى مكتبها كي تمارس عملها المعتاد.
- صباح الخير يا دكتور أكرم
- صباح النور.. مصطفى أحب أعرفك، سكرتيرتي الآنسة مرام
التفت مصطفى ينظر إلى مرام ويرحب بها بابتسامة عذبة، صاحت دون أن تستطيع إخفاء دهشتها: هو أنت ؟!!
كانت صدمت مصطفى أكبر منها عشرات المرات، لم يكن يتخيل أن يراها هي على وجه الخصوص بهذا المكان وبهذه السرعة: هو إنتي ؟!
حرك أكرم رأسه بينهما بعدم فهم: هو في إيه ؟ .. أنتوا تعرفوا بعض ؟
مرام بسخريتها المعهودة: لا أبدا، أصله كان تايه تحت بيتنا إمبارح .. عن إذنكوا
خرجت من المكتب مبتسمة فيما مصطفى مازال يعاني من أثار الصدمة لا ينبس ببنت شفة، أفاق على مطالبة صديقه له بتوضيحات: أنا مش فاهم حاجه .. تايه تحت بيتها إزاي ؟
انفجر ضاحكا: ما هي دي البنت اللي جات وإحنا ف الشارع وطلعت معاها فريدة
أكرم وقد بدأ الفهم يتسلل إلى عقله: قصدك إن دي أختها ؟
أومأ: تقريبا، دا احتمال كبير بس أنا مش متأكد .. بأقولك إيه أنا هأمشي دلوقتي .. يلا سلام
خرج من مكتب أكرم بسرعة قبل أن يعطيه فرصة حتى يرد السلام. اقترب من مكتب مرام: آنسة مرام
رفعت رأسها: أفندم ؟
سألها مباشرة: هو حضرتك تقربي إيه لفريدة ؟
أدعت الجدية: ودا يخصك ف إيه ؟
رد بلباقة: مجرد سؤال عادي .. أختك مش كدا ؟
أنهت شكوكه: أيوه، أختي
عاد يستجوبها: طيب .. هي مخطوبة، مرتبطة، بتحب، متجوزة ؟
كانت حاول إخفاء ابتسامتها بينما تطيل فترة إنتظاره: ودا بردو مجرد سؤال .. عادي ؟
أجابها بصراحة: أنا معجب بيها وعايز أطمن علشان أقرب منها براحتي
أوشكت على القفز من شدة سعادتها فلقد صدق حدسها: لا مش مرتبطة ولا مخطوبة ولا متجوزة ولا بتحب .. بس بردو مش هتعرف تقرب منها
تعجب : ليه؟
أجابته ببساطة: لإنها مش بتاعت الكلام دا، ولا اللف والدوران .. فريح نفسك
قطب جبينه بحنق: وإنتي ليه عندك إحساس إني بألف وأدور؟
زمت شفتيها ساخرة: هو لما تمشي ورا بنت ف الشارع لحد بيتها، تعزمها ع الغدا، وكمان تجبلها ورد من غير سابق معرفة .. دا ما يدلش إنك بتلف وتدور ؟
أردفت عندما لاحظت حيرته وتشتته: إحنا ما عندناش اللي بيدور ف دماغك دا، تتسلى يومين وبعدين تخلع، عايزها يبقى تتجوزها، لكن شغل حلق حوش وحاوريني يا كيكة دا .. ما نحبوش
خرج أكرم وهم بتوجيه تعليماته إلى مرام عندما صدم من وجود مصطفى، صاح به: أنت يا ابني .. مش كنت مستعجل وقولت إنك ماشي ؟
أومأ ببلاهة: أه أه، ما أنا ماشي أهو .. يلا سلام
رد أكرم السلام كاتما عجبه، عاد بنظره إلى معاونته: مرام .. لما يجي سامر دخليهولي فورا
هزت رأسها: حاضر
بعدما دلف إلى حجرته، رمت القلم الذي كانت تمسكه بين أصابعها ليصطدم بعرض الحائط: أوووف هو الثقيل دا جاي تاني هنا .. ربنا يعدي اليوم دا على خير
