اخر الروايات

رواية بين الامس واليوم الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم انفاس قطر

رواية بين الامس واليوم الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم انفاس قطر




                              
بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والخمسون

+



                              
" آمرني جعلني فداك!!"

+



                              
أبو صالح نظر إلى عبدالله نظرة غامضة خليط من غضب عارم وعتب عميق ومرارة قاسية وهو يهتف له بنبرة مقصودة:

+



                              
بأقول لك سالفة.. اسمعها لين آخرها وعقبه نتفاهم!!

+



                              
اليوم اللي قبل سفرك بيوم.. كنت بأدخل البيت.. فشفت السواق يعطي خدامة أم حسن كيس ملفوف..

+



                              
أنا نغزني قلبي منهم.. دعيت السوق ولاغيته.. قلت له وش ذا اللي أنت معطيه الخدامة؟؟

+



                              
فهو قال لي ( إن ام حسن موصيته يجيب له موس حلاقة حاد مثل اللي يستخدمونه الحلاقين.. وماتبي حد يدري)

+



                              
أولها قلت وش هي تبي بموس الحلاقة.. وعقبه نقدت على روحي.. قلت بصرها.. 

+



                              
تبي به اللي هي تبي به ودامها ماتبي حد يدري.. فأكيد إنها تبيه في شي يخصها بروحها!!

+



                              
عقبه يوم شفتك ثاني يوم نازل متلطم.. ماطرا علي شيء.. ولا كذبتك.. مادريت إنك قدك متعود على الكذب على أبيك..

+



                              
لكن يوم شفتك ذا الحين.. بذا الحلاقة اللي حتى ماسويتها وأنت صغير.. فهمت السالفة كلها.. 

+



                              
أبو صالح صمت وعبدالله صمت كذلك.. وهو يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه حرجا من والده..

+



                              
لم يتخيل أنه قد يقف يوما هذا الموقف المخزي أمام والده!!

+



                              
أبو صالح هتف بغضب مكتوم: ها.. وش فيك متلايط؟؟ ليش ما تحكي؟!!

+



                              
عبدالله بنبرة حزن عميقة: وش كنت تبيني أقول لك يبه.. أقول لك إن مرتي حلقت شنبي ولحيتي..

+



                              
جوزا مقهورة واللي أنا سويته فيها واجد.. 

+



                              
كنت تبيني أضربها.. وإلا أسحبها من شعرها ؟؟..

+



                              
أبو صالح تفجر غضبه وهو مازال يكتم صوته والغضب يبدو واضحا في ارتعاش يديه:

+



                              
وتدور لها عذر يا المرة!!

+



                              
والله ثم والله لو عالية اللي أغلى علي من نسمتي.. سوت كذا في رجّالها..

1



                              
إن كان أقول له اجلدها قدامي.. وإن عيا.. جلدتها بروحي لين يتمخلس جلدها..

9



                              
أنت كنك منت برجال وبتسنع مرتك ولا أنت بكفو.. رديناها على أهلها يسنعونها..

+

                
طاق من ديرتك.. تتنى لحيتك تنبت بدل ما توريها السنع!!

+



نعنبو دارك.. هو قد حد سوى سواتها.. المرة إذا زعلت من رجالها.. 

+



زعلت بحشمتها وطلبت رضاها يجيها..

+



مهيب تمد يدها على لحى الرياجيل يا المرة!!

+



عبدالله شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: ما يصير إلا اللي يرضيك يبه!!

+



بس تكفى ما تدخل حد بيني وبين مرتي!!

+



أبو صالح بحزم بالغ: ماني بمدخل حد بينكم..

+



بس عقب مابردت خاطري فيك.. بأقول لها الكلام اللي كان قلته لبنتي لو أنها سوت سواتها..

3



************************************

+



زايد يتحاور مع علي.. بينهما شيء غير مفهوم.. 

+



عفوي أو متقصد؟؟!!

+



كساب يسألهما بحزم: وش فيكم تساسرون؟؟ بينكم شيء ما تبون أعرفه قمت من المجلس..

+



زايد هتف بنبرة مقصودة بها رائحة خبث شاسع: وش اللي ممكن نتكلم فيه وما نبيك تعرفه؟؟

+



كل شيء يخصنا.. يخصك..

+



كنت أقول لعلي عن أن رئيس كلية الطيران طالب مزون تلقي كلمة في حفل للطلبة الجدد..

+



وأسأله إذا يقدر يروح معها..

+



إلا لو أنت تقدر تروح؟؟.. جزاك الله خير!!

+



ثم أردف بخبث أشد: تدري يأبيك حفل كبير بيكون في الشيراتون.. وفيه ناس واجد.. وأبي واحد منكم يروح مع أختكم..

+



لم يفت زايد ارتعاش الفنجان في يد كساب وهو ينزله أرضا ويهتف بحزم بالغ وحاجباه ينعقدان بغضب :

+



أنا من زمان شايل يدي من ذا الموضوع..

+



وأنت بروحك قايل لي.. مالحد عليها كلمة غيرك..

+



كيفك في بنتك.. توديها.. تخليها..تحرقها.. أنا مالي شغل...

+



أنهى عبارته ليخرج كالملسوع.. بينما علي وزايد يتبادلان بينهما نظرات انتصار!!

+



بينما هو توجه لسيارته..وهو مازال يرتعش من الغضب!!

+



بحث في أدراجها عن شيء لم يره منذ أكثر من شهرين..

+



وجد العلبة الموبؤة.. شد له منها سيجارة..

+



حينما يقفز إلى ذاكرته موضوع مزون يجد أنه يريد أن يعاقب نفسه مادام عاجزا عن معاقبتها كما يريد!!

+



        

          

                
أو ربما يعاقب نفسه لأنه يعلم أنه عاقبها أكثر مما يجب..

+



" تستاهل.. تستاهل!!

+



هذي هي ما تبي تتوب!!

+



يعني يأما أموت بالسكتة من سبتها وإلا ما ترتاح..

+



ماكفاها إنها موتتني وأنا حي!!"

+



شد له نفسين.. ليشرق ويكح وويطلق التأففات اللاهبة وهو يلقيها خارجا بعد النفس الثاني فقط..

+



يكره نفسه وهو يطفيء النار بالنار هكذا!!

+



يكره نفسه حين يشعر بنفسه ضعيفا هكذا!!

+



تناول العلبة كاملة وألقاها خارجا بامتداد يده وكل قوته!!

+



ثم عاد ليلكم المقود بقبضتيه كلاهما حتى تصاعد الألم في مفاصله!!

+



مرارة جارحة تتصاعد في روحه..

+



يستطيع أن يقول لوالده أنها لا تهمه.. فلتفعل ما تريد.. 

+



لكنه لا يستطيع أن ينكر على نفسه كم تهمه!!

+



وكم كانت سعادته المخفية حين تركت الطيران!!

+



وهي ترسل له رسالة مع عمها.. أنها تركتها من أجله وأنها تريد رضاه!!

+



" كذابة.. كذابة.. عمرها ماهمها إلا نفسها!!

+



ماصبرت حتى شهرين من يوم خلت الطيران.. 

+



وهذي هي ناطة تبي ترجعنا للفضايح

+



تقول تبي رضاي؟!!

+



داستني أول وتالي.. وتقول تبي رضاي!!"

+



كلما استغرق في أفكاره .. كلما زادت لكماته للمقود وبيديه الإثنتين..

+



حتى انحرفت يده اليسار من قوة لكماته لتضرب حامل جهازه المحمول الذي كان له طرف حاد..

+



ربما لو كانت اللكمة غير لكمة كساب لم يكن ليحدث سوى كدمة بسيطة..

+



ولكن لأن لكمته كانت مفرطة القوة..

+



جرح نفسه جرحا غائرا نوعا ما بين مفاصل كفه!!

+



انتزع غترته وهو يتأفف غضبا وقرفا لا ألما.. ولفها حول قبضته.. وهو ينزل للبيت..

+



دخل كالإعصار وهو يتجه لغرفته.. كانت كاسرة تجلس مع مزون وعفراء في الصالة العلوية..

+



        
          

                
مر بهن كالسهم ودون أن يسلم حتى..

+



وغترته في يده وليست على رأسه!!

+



كاسرة وقفت وهي تهمس لهما بذوق: بأروح أشوف كساب وش فيه؟؟

+



همست لها عفراء بأمومة: الله يعينش.. شكلها قلبة من قلبات مزاجه!!

+



كاسرة دخلت خلفه وهي تناديه.. دون أن يجيبها.. 

+



بحثت عنه حتى وجدته في حمام غرفة النوم

+



يغسل يده وحوض المغسلة ممتلئ بالدم..

+



والغترة الغارقة بالدم ملقاة في القمامة...

+



مدت يديها مع يديه تغسلهما وهي تهتف بجزع: كساب من ويش ذا؟؟

+



هتف لها بنبرة نفاذ صبر غاضبة: مافيني شيء.. جرح بسيط.. وخري خلني أضمده!!

+



هتفت بحزم وهي تتناول الضمادات من صيدلية الحمام: أنا بأضمده لك..

+



شدته خارج الحمام وهي تجفف يده بفوطة نظيفة وبيدها أدوات الضماد..

+



لم يناقشها لأنه يشعر أنه سينفجر من الغيظ.. مع أول عبارة قد يقولها..

+



جلست على السرير وجلس جوارها.. حين كشفت الفوطة.. كان الدم مازال يتدفق..

+



هتفت له بحزم حان قلق وهي تشعر أن قلبها يؤلمها من عمق الجرح:

+



كساب يدك تبي خياطة.. لازم تروح للمستشفى..

+



رد عليها بغضب: زين خلاص عطيني إبرة فيها خيط.. وأنا بأخيطه.. مايحتاج مستشفى.. كل السالفة رتبتين..

+



كاسرة بصدمة: أنت صاحي !!.. في أي قرن عايش؟!! تبي تخيط الجرح بروحك..

+



أجابها بذات النبرة الغاضبة: وتبيني أروح المستشفى عشان جرح سخيف مثل ذا؟!!

+



كاسرة حينها انفجرت بغضب: أنت وش ذا العقل اللي عندك؟!!

+



يدك تنزف وتقول جرح سخيف وبتخيطه بروحك!!

+



كساب بغضب مرعب: قصري حسش لأنها مهيب ناقصتش!!..

+



وقف وهو يشد له من إحدى الأدراج علبة بها إبر وخيوط من تلك التي توزع في هدايا الطائرات..

+



والأبرة تكون أساسا فيها خيط.. تناول الكحول المعقم من أدوات الصيدلية التي أحضرتها كاسرة..

+



سكبه على الخيط والأبرة.. ثم عقّم الجرح..

+



كاسرة كانت تنظر مذهولة له.. لا تصدق ماتراه.. وغضبها يتزايد عليها..

+



        
          

                
ثم لم تستطع أن تنظر وهي تراه يغرز الإبرة في جلد يده..أشاحت بنظرها وبمرارة..

+



لم يستغرق دقيقة حتى انتهى.. بخياطتين صغيرتين دقيقتين.. كما حدد!!

+



ثم وضع عليه لاصق طبي.. وانتهى!!

+



كل هذا وكاسرة مازالت تجلس جواره..

+



حينها هتفت بنبرة عاتبة: ترا الطريق للمستشفى ما يأخذ ربع ساعة حتى..

+



بدل الطريقة الهمجية المتوحشة اللي سويتها في روحك..

+



لكن أنت إذا ما وجعت قلبي ما ترتاح!!

+



حينها هتف لها بمرارة متأصلة: والله ماحد قلبه موجوع غيري..

+



إذا هي وأبيها ماذبحوني ماهم بمرتاحين!!

+



كاسرة هتفت بغضب: من هي ذي اللي بتذبحك؟؟..

+



أجابها بغضب مشابه: مهوب شغلش!!

+



كاسرة انفجرت: إلا شغلي ونص.. من هذي اللي تأثيرها عليك يوصل إنها تذبحك!!..

+



حينها أجابها ببرود كان يحترق تحته: اعتبريها زلة لسان غير مقصودة!!

+



كاسرة صمتت وهي تحترق.. لن تسأله أكثر حتى لا يشتم رائحة احتراقها تتصاعد مع احتراق جوفها من الغيرة..

+



فهي باتت تشك أنه اخترع هذه العبارة لمجرد إغاضتها!!

+



همست بحزم وهي تسأله لتغير الموضوع: أنت قاعد مع حد يدخن يوم جرحت يدك؟؟.. فيك ريحة زقاير..

+



وأشلون جرحت يدك أساسا..؟؟

+



حينها أجابها ببساطة حازمة كأنه يريد أن يجرحها: أنا اللي جرحت نفسي بنفسي!!

+



وأنا اللي كنت أدخن!!

+



كاسرة قفزت كالمدلوغة: نعم؟؟ أنت اللي ويش؟؟

+



ومن متى وأنت تدخن.. وأنا معك قربنا نخلص 3 أسابيع عمري ماشمتيها فيك ولا شفتها معك!!

+



أجابها وكأنه يريد أن يجرحها أكثر لشدة جروحه التي تغلغت في روحه:

+



أدخن حسب المزاج.. متى ماطرا علي!!

+



عندش مانع؟!!

+



******************************************

+



مازالت عاجزة على السيطرة على دموعها وارتعاشها..

+



وجهها تورم لكثرة البكاء.. ولا يهمها أن يدخل عبدالله الآن ويراها

+



        
          

                
حتى وإن كانت وعدت نفسها الآف المرات أنه لن يرى دموعها!!

+



كلما تذكرت ماحدث لها الليلة.. تزايدت دموعها انسكابا.. وأناتها ارتفاعا..

+



تشعر بالحرقة والمهانة والعار والخجل وانعدام الأمن..

+



كل هذه المشاعر القاسية القارصة تجمعت الليلة عليها.. ليتزايد بكاءها مرارة وحرقة!!

+



كانت تجلس مع أم صالح ونجلا حين ناداها عمها أبو صالح لتلحق به إلى غرفته..

+



وقفت بجزع لتتبعه.. وتوجس مرعب يتصاعد في روحها

+



لطالما كانت تخاف أبا صالح وتهابه.. أكثر حتى من والدها..

+



تقدمت بخجل وهي تدخل غرفته بخطوات متيبسة.. هتف لها بحزم: تعالي وسكري الباب

+



تقدمت وهي تغلق الباب... ليحكى لها الحكاية التي حكاها لعبدالله..والا ستنتاج الذي استنتجه!!

+



شعرت أنها تتمنى لو أنها تذوب في تلك اللحظة.. تختفي!!.. تتبخر!!.. 

+



لم تستطع حتى رفع عينيها إليه..

+



وليته اكتفى باحراجها بالحكاية التي كانت لوحدها كافية لتشعر بكل عار العالم..

+



ولكنه انفجر فيها بحزم غاضب:

+



هذي فعايل بنت الأصل يا بنت الأصل.. والله ثم والله لو عالية مسوية كذا في أخيش إن دمها حلال عليه

3



وش ظنش أبيش يقول لو درى بسواتش..؟؟

+



زين رجالش غلط عليش.. وماراضاش.. كان جيتيني.. والله ثم والله لأعلقه من أرجيله عشانش..

+



لكن ذا الحين مالش وجه عندي.. وعذرش انقطع.. لأن سواتش ماتسويها حتى مضيعة المذهب..

+



ورجالش كنه إياش اللي ماعرف يسنعش!!

+



قال لها كلاما كثيرا مؤلما جارحا.. تحاول أن تتناساه فلا تستطيع!!

+



وأكثر ما يؤلم أنها لم تستطع أن تدافع عن نفسها حتى بكلمة.. 

+



لأن ما سيرونه جميعهم أنه مهما اخطأ عبدالله في حقها لا يمكن أن تعاقبه بهذه الطريقة..

+



حق له أن يمزق روحها وحياتها ويضيع مستقبلها.. ثم تكون بضع شعرات في وجهه أثمن من كل ذلك!!

2



نادمة بشدة على تصرفها.. وليس من أجل عبدالله.. ولكن لأنها بهذا التصرف جعلت نفسها في موقع المخطئة الخطأ الذي لا يغتفر..

1



        
          

                
تتخيل لو علم والدها الذي هدد بقتل عبدالله لو ضايقها.. لو علم بما فعلته.. لربما قتلها هي!!

+



لا يوجد حتى من تلجأ إليه!! لأن الكل سيرفع حاجبيه استنكارا من فعل هذه المجنونة..

+



شعور بعدم الأمان وأنها لن تجد ظهرا يسندها بات يخنقها... فهي بفعلتها هذه أعطت لعبدالله سلاحا مسلطا دائما على رقبتها..

+



ومع وجود أبي صالح كشاهد.. ضاقت عليها الدائرة حتى اختنقت!!

+



تتخيل مظهرها أمام الناس لو انتشر الخبر..

+



"جوزا الخبلة حلقت شنب رجالها ولحيته"

1



يزداد بكاءها عنفا.. لا تريد أن تكون منبوذة أكثر من ذلك!!

+



لا تريد أن تكون منبوذة!!

+



تتخيل ما الذي قد يفعله عبدالله في ظل معرفته أنها لا تستطيع العودة لأهلها خوفا من معرفة والدها لما فعلته!!

+



تعلم أن والده أعطاه نصيبه من الكلام الجارح.. وأنه الآن معبأ تماما عليها!!

+



رغم كراهيتها له ولكنها تعلم تماما أي موقف محرج مذل وضعته فيه أمام والده!!

+



ولأنه لا يستطيع تفريغ غضبه في والده.. فبالتأكيد سيبحث عمن يفرغ غضبه فيه!!

+



ومن أنسب ممن كان سببا لإحراجه وذله؟!!

+



تبكي أكثر واكثر.. وهي تكتم شهقاتها حتى لا تزعج ابنها النائم..

+



تشعر كما لو أن شهقاتها مناجل مزقت روحها دون أن تجد طريقا للخروج..

+



لذا مازالت تعيث خرابا وتمزيقا كخبط عشواء بحثا عن الطريق!!

+



ألا يكفي ماحدث لها طيلة السنوات الماضية؟!

+



ألا يكفي!!

+



" والله العظيم تعبت.. تعبت!!

+



ماعاد فيني استحمل!!

+



أنا ما أنا بطوفة الكل يضرب فيها ويبونها ما تنهد!!

+



تعبت ياربي... تعبت!!

+



يا الله فرجها من عندك.. وإلا خذ أمانتك عندك!!"

+



كان بكائها يزداد عنفا مكتوما..وأفكارها تزداد قتامة ومرارة... وجسدها يزداد ارتعاشا كمصابة بالحمى..

+



حين سمعت صوت الباب يُفتح..!!

+



*********************************

+



        
          

                
يقف أمام باب غرفتها وهو يشد له نفسا عميقا

+



هل يفعلها ؟؟

+



أربع سنوات مرت لم يدخل غرفتها مطلقا!!

+



ولكنه سيموت من القهر أن فعلتها وذهبت!!

+



سيموت فعلا!!

+



فهو كان قد بدأ يبني له أملا أنها ستعود يوما إلى حضنه..

+



ولكن إن ذهبت.. فإن كل هذه الآمال ستنهار لا محالة..

+



ألا تعلم مكانتها عنده!!

+



لماذا تريد المتاجرة بهذه المكانة؟! 

+



ولماذا تريد الاستمرار في إشعاره برخص مكانته عندها؟؟

+



كم هو مؤلم إحساسه أن الإنسان الأثمن لديك في كل العالم.. يُشعرك أنك الإنسان الأرخص لديه!!

+



قضى الساعات الماضية يركض على الكورنيش..

+



ثم مر بمسجد وصلى قيامه..

+



هدأت سورة الغضب.. ولكن القهر والمرارة تعمقا حتى أقصى خلية من خلاياه

+



تشبعت خلاياه بهما حتى تفجرت بقيحهما!!

+



شد له نفسا عميقا آخر.. ثم طرق الباب..

+



همست برقة: ادخلي خالتي.. مابعد تمنت..

+



دخــــــل..

+



كم اختلفت الغرفة من بعده!!

+



في المرة الأخيرة التي دخلها ليرجوها للمرة الأخيرة بكل حرارة أن تتراجع عن قراراها لدراسة الطيران.. وصفعته برفضها القاطع

+



كانت الغرفة أشبه بغرفة طفلة.. ألوان الزهر والبنفسج تغمر المكان..

+



ولكنها الآن غرفة تنضح بمرارة النضج وألوان المارون والذهب وستائرها الكلاسيكية القاتمة..

+



مزون حين رأته قفزت حتى كادت تتعثر..

+



لم يخطر لها مطلقا ولا حتى في أعذب احلامها أنه قد يزورها يوما!!

+



توجس قاتل اخترم روحها.. وسعادة محلقة شعرت بها ترفرف في جوانحها..

+



لا يهمها إن كان جاء ليسمعها بعضا من قسوته!!

+



يكفيها أنه هنا..

+



لم تتخيل أنها قد تراه في غرفتها مرة أخرى.. قريب هكذا!!

+



        
          

                
وكم حلمت بهذا القرب!!

+



تذكرت أنها ترتدي بيجامتها.. قد يكون سابقا اعتاد رؤيتها بالبيجامة وهما يسهران كل ليلة سويا..

+



ولكنها الآن تشعر بخجل عميق.. وتود أن تتناول روبها المعلق لتلبسه..

+



ولكن قدميها المتيبستين لم تتحركا من مكانهما..

+



همست باختناق: هلا كساب.. هلا والله..

+



تفضل حياك..

+



تعال نقعد في الجلسة!!

+



أجابها بقسوة: ما أنا بجاي أقعد.. كلمة ورد غطاها..

+



أجابته بذات الصوت المختنق: آمرني فديتك..

+



حينها انفجر فيها بغضب عارم: الحين تقولين آمرني فديتك.. وأنتي مايهمش إلا روحش ولا عليش من حد..

+



سويتي اللي في رأسش ودخلتي طيران.. ويوم طاب خاطرش منها خليتيها بكيفش..

+



الحين أبي أدري يا اللي ما تستحين.. تروحين تلقين خطاب عندهم ليه؟؟

+



وفي حفل مفتوح بعد.. أنتي وش وجهش؟؟ مغسول بمرق؟؟ مافيه حيا؟؟

+



أنتي وش جنسش؟؟ وش مخلوقة منه؟؟

+



خافي ربش فيني؟؟ وحتى في أبيش وأخيش وعمش؟؟ 

+



ماعاد يستطيع الاحتمال ومرارة الأربع سنوات تتفجر حممها لاهبة متدفقة:

+



أنتي ماكفاش اللي سويتيه فيني السنين اللي فاتت..

+



خليتني أوطي رأسي بين العرب.. وأنا اللي كنت رافعه فيش..

+



بسبتش عشت قهر ماظنتي شافه بشر في ذا العالم كله!!

+



أدري إنه خلاص قد ذا موضوع تافه عندش

+



وش قيمة كلمة تلقينها في حفل مختلط.. عقب مادرستي أنتي أربع سنين اختلاط؟؟

+



موضوع عادي بالنسبة لش!!

+



لكن أنا كنت رجيت فيش خير.. قلت حست خلاص.. يمكنها عقلت!!

+



كان ودي أني أصدق إنه ذا الكابوس خلص.. وأختي وبنتي بترجع لي!!

+



لكن مادريت إن باع أول.. بيبيع على كل حزة!!

+



وأني أنا كنت رخيص أول وتالي!!

+



حينها انفجرت باكية وهي ترتعش بعنف: والله العظيم... ماوافقت..

+



والله العظيم... ما وافقت..

+



        
          

                
كانت تنتحب وتشهق بعنف وكلماتها تتقطع كأنها تشرق بالكلمات وتكاد تغص بها:

+



الرئيس.. كلمني.. وقال لي.. حفل مفتوح.. قلت له.. ما أقدر.. ما أقدر.. ما أقدر

+



ورجع ..وكلم .. ابي.. وابي.. قال له.. نفس.. الكلام.. وقال له..هذا.. موضوع.. انتهى..

+



والله العظيم ما وافقت.. ماوافقت.. 

+



والله العظيم.. ماوافقت..

+



لا يعلم لـمَ شعر لحظتها.. أن الدنيا غامت في عينيه..وأنه لا يبصر شيئا!!

+



كانت ترتعش بعنف أمامه.. ووجهها محتقن.. دموعها تسيل بغزارة..

+



وهي تشهق بشكل متقطع وتكرر بلا انقطاع: والله العظيم.. ماوافقت..

+



والله العظيم .. ماوافقت..

+



فهي أيضا تعبت من كل هذا وحان لحظة انفجار كبت كل هذه السنوات وقهرها ومراراتها..

+



فهو لأول مرة يواجهها بهذه الحدة بعد صمت السنوات الأربع الأشبه بالموت!!

+



لأول مرة يمزق الحواجز الهشة/المتينة التي فصلت بينهما!!

+



تمنى كساب لحظتها لو يستطيع التوجه للصراخ في أبيه وفي علي.. 

+



كيف يتخذان من مشاعره لهوا.. يعلمان كلاهما كم هذا الموضوع حساس بالنسبة له..

+



لا يجد لهما عذرا!! لا يجد لهما عذرا!!

+



شعر أن قلبه يتمزق بمعاول مسنونة وهو يرى حالتها الهستيرية.. 

+



لأول مرة يشعر برغبة بالبكاء بعد وفاة والدته!!

+



كما لو كان فقدها للمرة الثانية!!

+



حاول الاقتراب لاحتضانها.. وتمنى أن يحتضنها..

+



ربما حتى لو عاندت وقالت له أنه ستذهب.. فهو كان سيتحضنها على كل حال..

+



ليسكن هذا اليأس والذعر الذي شعر بهما يتفجران في جوانحها..

+



وليسكن القلق الأشد الذي تفجر في جوانحه هو!! 

+



لم يسبق مطلقا أن رآها هكذا.. لا في أقصى حالات الحزن.. ولا في أقصى حالات الغضب..!!

+



طوال الوقت متزنة.. هادئة.. حتى عندما تبكي.. تبكي بصمت!!

+



فما الذي حدث لها الآن!!

+



اقترب وهو يمد يديه لها ويهتف لها بحزن جازع: هدي.. هدي..

+



ولكنها دفعته وهي تصرخ بهستيرية: ما أبيك.. ما أبيك.. خلني.. خلني..

+



        
          

                
مد يديه أمامه وهو يشير لها أن تهدأ: خلاص بأروح الحين.. وأرجع بعد شوي..

+



خرج رغما عنه.. وهو لا يريد الخروج..

+



ماعاد حتى يريد الصراخ بعلي أو والده..

+



الحزن غلب الغضب.. يشعر كما لو كان جسده تفتت من الألم!!

+



يريد أن يجد له حضنا يرتمي فيه.. يسكب بعض مرارته فيه.. مادامت رفضت حضنه..!!

+



يريد أن يسكن قليلا.. ويدعها تسكن قبل أن يعود لها.. فهناك حديث طويل.. طويل بينهما

+



حديث بطول ومرارة قرون!!

+



توجه لغرفته..

+



نادى بإرهاق: كاسرة!!

+



لم تجبه.. توجه لسريره ليتمدد عليه.. وهو يشعر أن جسده كله يتمزق كما لو كان ينام على فراش من مسامير مسنونة..

+



نادى للمرة الثانية بإرهاق أعمق: كاسرة وينش؟؟

+



جاءها صوتها حازما محملا بحزن غريب عميق: نعم..

+



هتف بعينين مغلقتين ونبرة ذابلة: تعالي جنبي.. تعبان حدي.. حاس أني بأموت..

+



أجابته بنفس النبرة الحازمة الحزينة: آسفة.. روح أخذ لك شفطتين تريح أعصابك.. مالك عازة فيني!!

+



فتح عينيه وهتف بنبرة ذابلة تماما: والله العظيم مهيب ناقصتش..

+



أجابته بألم: دام مهيب ناقصتي.. مهوب أنا اللي أنقصها ولا أزيدها.

+



خيرك فيك..

+



أجابها حينها بحزم وهو يعتدل جالسا: تدرين كاسرة يمكن حياتي كلها ما أحتاج لش كثر الليلة..

+



وأنتي شاحة علي أنش تقعدين جنبي!!

+



رغما عنها آلمها قلبها.. أن يعبر بهذه الصراحة عن حاجته لها.. لم تتوقع أنه قد يفعلها يوما ...فكيف وهو يفعلها بهذه السرعة؟!!

+



ولكنها لا تريد الاستسلام والتراجع.. عن موضوع خطير مثل هذا!!

+



حينها سيعتاد أن يمرر كل شيء عليها..

+



كسّاب يحتاج لوقفة حازمة إن كانت تريد الحياة أن تستمر بينهما..

+



ولكن هل كساب في هذا الوقت.. سيحتمل أو يتقبل الوقفات الحازمة وهي تهتف له؟؟:

+



اسمعني عدل يا كساب..

+



لا راح أجي جنبك.. ولا تجي جنبي.. لين تحلف لي إنك ماترجع تدخن..

+



        
          

                
ولا تقول تعصيني.. لأنك أنت عصيت ربك.. وماظني إنه يجهلك إن التدخين حرام!!

+



حينها وقف كسّاب وهو ينتزع غترته من جواره ليحملها معه ويهتف بغضب مثقل بالمرارة:

+



الشرهة علي اللي جيت أبي حنان وحدة ما تشوف أبعد من خشمها المرفوع!!

+



السموحة يا بنت ناصر.. ضيعت الدرب!! غلطت!!

+



وأوعدش الغلطة هذي ماتكرر مرة ثانية!!

1



.

+



.

+



دار في البيت قليلا.. وهو يشعر أن جدران البيت الواسع تتقارب لتطبق عليه

+



لدرجة أنه عجز عن التنفس..

+



ماعاد يحتمل ألا يراها.. يكاد يجن كلما تذكر كيف حالتها.. ودموعها وارتعاشها!!

+



قد يكونان خلال السنوات الماضية تبادلا الجرح حتى غاصت جراح كل منهما في روح وجسد الآخر..

+



ولكن هذه المرة لا ذنب لها.. لا ذنب لها..

+



اختار الوقت غير المناسب ليفجر فيها كل غضب السنوات الماضية ومراراتها!!

+



كل يوم خرجا فيه صباحا وكل منهما يتجه لسيارة..

+



وهو يتجاهلها كأنه لا يراها.. بينما كان في أكثر الأيام يتبعها..

+



لم تكتشفه أبدا.. بسبب مهارته في السواقة والاختباء خلف السيارت وهو يجعل فاصلا بينهما..

+



لا يعلم ماذا كان يريد من اللحاق بها!!

+



تعذيب نفسه أكثر.. إحراق نفسه أكثر.. وهو يتمنى كل يوم لو دخل إلى الداخل وأخرجها عنوة!!

+



أو ربما كان كل ما أراده مجرد الاطمئنان لوصولها وهي تذهب إلى مكان بعيد مع الخادمة والسائق..

1



كثيرا ماشعر بالحنق على والده.. إذا كان قد وافق على دراستها هناك.. فلماذا لا يوصلها بنفسه!!

+



يتذكر كل يوم جلسا فيها على مائدة الأفطار وحيدين

+



في ظل غياب علي وسفر زايد في بعض الأحيان..

+



يتجاهلها ويرفض حتى تناول فنجان القهوة من يدها لتعود مدحورة إلى مقعدها..

+



لا ينظر حتى ناحيتها.. 

+



وهي لا تعلم أنه يبقى جالسا حتى يراها تناولت شيئا.. لأنها منذ صغرها حين يتغيب والدها عن البيت.. تقل شهيتها للطعام لأقل حد..

+



        
          

                
ولا تأكل إلا بالمحايلة!!

+



ومادام لا يستطيع محايلتها.. فليبقَ جالسا حتى تأكل..

+



لأنه يعلم أنها لن تقوم عن المائدة مادام جالسا..

+



وحتى لا يبدو مظهرها سخيفا وهي جالسة هكذا.. فهي كانت تضطر لتناول شيء أمامه!! 

+



ولا يعلم هو أيضا مدى صعوبة ابتلاعها للطعام مع ضخامة العبرات التي تسد حلقها كلما رآته يتجاهلها هكذا كأنها غير موجودة!!

+



وهي تتخذ الطعام ستارا حتى تبقى معه في مكان واحد لأطول مدة ممكنة!!

+



وهي تشعر بالألم أنها مهما بقيت جالسة.. فهو لن يكلمها..

+



ومع ذلك رغما عنها تشعر بالأمل أنه قد يكلمها اليوم !!

+



"ربما اليوم يحدثني..

+



يسألني محض سؤال سخيف..

+



اسألني كساب كما كنت تسألني وأنا صغيرة

+



هل فرشتي أسنانك اليوم؟؟

+



وحين أجيب بلا!!

+



تشد أذني رغم أنك بالكاد تلمسها.. وتعيدني للحمام 

+



لتفرش أنت أسناني بنفسك!! 

+



.

+



اسألني هل أشرقت الشمس اليوم؟؟

+



لأخبرك أن الأيام بعدك باتت متشابهة!!

+



.

+



اسألني كيف هو يومك الدراسي؟؟

+



لأخبرك أنني أكره الكلية والكتب والتدريبات وكل شيء أغضبك مني!! 

+



.

+



اسألني كساب.. اسألني عن أي شي!!

+



أما تعبت من هذا الجمود والصمت والغضب!!"

+



لتنتهي جلستهما معها دون أن يسألها عن شيء... ودون أن تخبره عن شيء!!

+



مرارة جارحة وألم متبادل تشاركاه طيلة السنوات الماضية

+



هو بتجاهله لها.. وهي باحتمال هذا التجاهل!!

+



هو بغضبه الأسود رغم أنه تمنى كل يوم أن يسامحها.. ودعا ربه كل يوم أن يقويه ليسامحها!!

+



وهي بحزنها المتزايد وهي تذبل كل يوم أكثر في انتظار هطول أمطار رضاه التي شح بها عليها حتى أجدبت روحها!!

+



ماعاد قادرا على احتمال وطأة القلق والأفكار ونهشهما لروحه..

+



صعد لغرفتها ولم يجدها..

+



بحث عنها كالمسعور وهو يتخبط في أنحاء الغرفة..

+



توجه ركضا لغرفة خالته.. فلم يجدها أيضا!!

+



تفجر قلقه ورعبه وهو ينزل ركضا لغرفة علي.. فلا يجده أيضا..

+



حينها انهار جالسا على سرير علي وهو يتصل به ويسأله بقلق ورعب:

+



علي وينكم كلكم؟؟

+



أجابه علي بصوت ممزق ارهاقا وقلقا:

+



مزون تعبانة شوي.. جبتها أنا وخالتي المستشفى..

+



#أنفاس_قطر#

+



        
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close