اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الثالث 3 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الثالث 3 بقلم سارة محمد


الفصل الثالث

-يعني إيه ؟ يعني مش هنعرف ننزل السنة دي كمان ؟
عبدالرحمن بتنهيدة مختنقة: لا مش هنعرف يا إيمان
حدثته باكية: أنا بقالي أسبوع مش بأكلمهم على أساس هننزلهم آخر الأسبوع ونعملهم مفاجأة وف الآخر بردو مش نازلين ؟!
ثارت أعصابه التي لم تتحمل المزيد من الضغط: عايزاني أعمل إيه يعني؟؟، ما هو غصب عني بردو .. أديكي شايفه؛ مش راضيين يدوني أجازة ف الشغل .. والمدير راسه وألف سيف إني لو نزلت .. هيلغي العقد ويخليني أدفع غرامة إتنين مليون ريال وإنتي عارفه إن مش معايا المبلغ دا
تزايد نحيبها أكثر فأكثر: منه لله، ربنا على الظالم والمفتري
- هو شكله بيعمل أسلوب تطفيش علشان أدفع الـ إتنين مليون ويجبرني على كدا
استغربت إيمان حديث زوجها: وهو يعمل كدا ليه ؟
نظر لها شاردا: سمعت إن في أزمة بتمر بيها الشركة ومحتاجين سيولة
حوقلت ضاربة كفا بكف: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومش لاقي غيرنا يعني؟
زفر بحدة: أنا عارف ؟! .. ربنا يصلح حاله
أومأت ثم همهمت بشجن: هأكلم البنات بكره .. ولوني مش عارفه هأقولهم إزاي إن إحنا مش هننزل السنة دي
أردفت باكية متألمة: البنات وحشني أوي يا عبدالرحمن
نظر إلى دموعها بلا حول، دموعها كأوتاد تطعن في قلبه وأحشاءه: ووحشيني أنا كمان .. بس ما باليد حيله
سألته: يعني السنة اللي قبل اللي فاتت أنت رجعت تعبت والدكتور قال السفر وحش عليك وخبينا عنهم .. والسنة اللي فاتت ما رضيش يدوك أجازة وقولت نستنا يمكن السنة دي قلبه يحن ويعتقنا .. لكن بردو مافيش .. هنفضل ع الحال دا لحد إمتى يا عبدالرحمن ؟؟
حرك عينيه بعيدا عنها، يشعر بالعجز، فتاياته وحدهن في دولة تبعد ألاف الكيلومترات؛ حتى وإن كان قد أوصى عليهن جارتهم أم جلال وزوجها .. الذي تجمعه به صلة قرابة وإن كانت بعيدة إلى حدٍ ما، لكن ما يزال قلبه قلوقا، لا يدري كيف الأحوال ولا يثق بغيره في رعاية شئون بناته.
نهض وتركها لدموعها؛ فما أشد كرب رجل مكبل اليدين .. لا يعرف ماذا يفعل أو كيف يتصرف .. عاجزا أمام دموع غالية على فؤاده ومشتاقا لرؤية فلذات أكباده.
***
تأوه أكرم متحسراً على ما صارت عليه أحوال صديقه: يـــــــاه للدرجة دي يا مصطفى وماكنتش حاسس بالموضوع دا خالص؟
تحدث أحمد بصراحة: وهيحس إزاي ؟ .. طول ما هو كل همه البنات وبس
سقطت رأس مصطفى بين كتفيه بندم وغضب من ذاته: معاك حق يا أحمد، كنت معتمد على المدير الزفت دا، كنت بأشتغل وأتابع ف الأول بس بعدين بقيت أكبر دماغي ومرة ف مرة بعدت خالص، لحد ما أخد وش وأتزفت خد فرصته .. سرقني وهرب
ربت أكرم على كتفه داعما: معلش يا مصطفى الواحد بيعيش علشان يتعلم ويموت وهو بيتعلم .. وفي الأخر لعله خير .. قول الحمدلله
أومأ مصطفى بابتسامة منكسرة: الحمدلله
سأله أحمد بعملية: وقررت هتعمل إيه دلوقتي ؟
مصطفى باستسلام: أبدا .. كنت جاي هنا أرفع عليه قضية وأدور عليه، يمكن أخد حقي بس لسه مالاقتوش
ارتفعت زاوية فم أحمد شفقة: ما أعتقدش هتلاقيه، هو مش غبي لدرجة إنه يفضل بعد ما سرق كل المبلغ دا، أكيد خد ديله ف سنانه وكَت على برا وقال يا فاكيك
مصطفى مفكرا: أنا عندي إحساس إنه هيطلع غبي ومش هيسافر دلوقتي، وهالاقيه وأعرف أخد حقي منه كويس أوووي .. وبعدين أنا عندي ناس ف المطار وبيقولوا لسه ما سافرش وهما لو عرفوا عنه حاجه هيقولولي فورا
نبهه أكرم: مصطفى أبوس إيدك بلاش تهور
عاد لطبيعته المرحه باسطا يده لأكرم وهو يبتسم بخبث: طب بوس كدا
صفع أكرم يده الممدودة بعنف: وقال إيه أنا خايف عليك وصعبان عليا اللي حصلك .. تصدق إنك إنسان بارد، وتستاهل اللي حصلك، يا بــــــــــارد .. تلاجه يا ربي
تابع مصطفى مازحاً: هههههههههههه طب لو معاك حاجه هاتها أحطهالك فيا لتحمض
قطب أكرم: ثقيل ثقيل يعني .. قمة الرخامه يا أخي إيه دا
ارتسمت إبتسامة خفيفة على ثغر أحمد: هي عادته يعني ولا هيشتريها؟ .. أنا هأمشي بقى عندي شغل كتير، أبقى خلينا نشوفك يا درش .. سلام
ودعه مصطفى: هههههه هأروح فين يعني ؟ على قلبكوا .. سلام
التفت مصطفى لأكرم وغمزه: قولي بقى يا أكرم بيه لسه مالاقتش الفتاة المجهولة إياها؟
أكرم بتنهيدة كبيرة تحمل كل ما بداخله من حيرة وشوق: لا مالاقتهاش .. أموت وأعرف هي مين .. وتعرفني ولا بتشوفني فين
لكزه مصطفى في ذراعه بقوة: هههههه شكلك وقعت ولاحدش سمى عليك يا أبو المكارم
رد عليه أكرم بابتسامة باهتة وشرد في فتاته المجهولة، تلك الفتاة التي ترسل إليه رسائل تُعبِر من خلالها عن غرامها وولهها به، ممثلة إياه كفارس أحلامها على حصانه الأبيض، من تلك التي أصبح زائر أحلامها الدائم، فتى لياليها الأوحد.
لقد عززت غروره الذاتي، يريد معرفتها ليس ليبادلها مشاعرها أو ليعبر عن حبه لها، إن تلك الكلمات والأحاسيس الموجودة بين طيات الورق لم تؤثر به قيد أنملة، فقط أثارت غروره الذكوري وحققت له إنتشاءه كرجل، بمجرد إشباعه لفضوله من معرفتها والتأكد من كونها جميلة أم مثال للدمامة سيضع لها حدودا لن تجرؤ على تخطيها.
عاد يفكر في كيفية تكوين وجهها، حاول الربط بين حروفها ورائحتها العالقة بالورق وبين ما يمكن أن تكون عليه ملامحها البشرية لكنه لم يتوصل إلى شئ .. بل استقر به الأمر أنها قبيحة لذلك ترفض أن تُريه شكلها.
***
وقفت تنظر إلى القمر؛ ضوءه شاحب كشحوب قلبها، تنهدت تخرج حرقة تعتمل بداخلها، فجأة سمعت أحدا يحادثها ناطقا حروف اسمها الثلاث:
-مالك يا هند ؟ حالك مش عاجبني
لم تبعد نظرها عن القمر: ولا حاجه يا فريدة
غمزتها فريدة: عليا أنا الكلام دا بردو ؟ .. طب قدام مرام وقولنا ماشي، لكن قدامي أنا كمان ؟ .. والتنهيدة اللي سمعتها دي بردو مافيش حاجه؟
استسلمت لإصرار شقيقتها : بأفكر ف بابا وماما .. مرام عندها حق، ومن غير ما تقاطعيني يا فريدة لو سمحتي، أنا وإنتي متأكدين إن معاها حق، حتى لو كنا بنحاول نقنعها ونقنع نفسنا .. بس هي صح
حاولت الدفاع عن والديها: بس يمكن في عندهم ظروف ...
ثارت حفيظة هند فلم تعد تتحمل سماع الأعذار أكثر من ذلك: إنتي بتضحكي على مين هــــا ؟ .. عليا ولا على نفسك، ردي، قوليلي أنهي أهل ف الدنيا دول اللي يسيبوا بناتهم ف بلد لوحدهم حتى لو موصي جارهم اللي يادوب قريبهم من بعيد وكل فين وفين لما بيسأل، ومراته اللي ع الطالعة والنازلة مش فالحة غير إنتي أتأخرتي ليه وإنتي لابسه كدا ليه وعمرها ما دخلت علينا بطبق فاكهة ولا قالتلنا أجهزلكوا الأكل أنا إنهارده، ولا حتى كلفت نفسها تيجي وتقعد تتكلم معانا من غير شكوى من الفاتورة ولا الإيجار ولا ولا ... إزاي ؟؟ وماتقوليليش عشان مصلحتنا يا فريدة !.. هتبقى فين مصلحتنا لما يدخل علينا حرامي نص الليل ويدبح واحدة فين دا لو ماكانش كلنا .. أو يأذيها و يسرقنا .. هــــا ؟، فين مصلحتنا ف كدا هيستفيدوا بإيه .. طب سافروا وقولنا ماشي وعديناها إنما يفضلوا 3 سنين! من غير ما يشوفوا بناتهم .. أخرهم يطمنوا عليهم بالتليفون .. كمان ولا سألوا بقالهم أسبوع أهو .. ويا عالم هيفضلوا نسينا لحد إمتى، إنتي فاهمة يعني إيه أب و أم يفضلوا 3 سنين ما شافوش بناتهم يا فريدة، يعني القيامة قامت خلاص .. يعني دول من الأخر كدا .. مش أب و أم
صدمت فريدة بكلام هند فلم تستطع النطق، فجأة توقفت كما بدأت وأجهشت في البكاء بهيستيرية وألقت نفسها في أحضان شقيقتها وحنانها، تمتص ما بداخلها من ألم وشعور بالقهر.
بعد مدة ليست بالقصيرة أبعدتها بتمهل عن صدرها: خلاص صلي ع النبي بقى كدا واستعيذي من الشيطان .. ادخلي أتوضي عشان تنامي مطمنه .. ورانا بلاوي بكره وأنسي أي حاجه تزعلك
ألقت هند عليها نظرة حب واهتمام، إنها شقيقتها بنكهة صديقة وأم، تفكر أحيانا أن والديها لم يتركوها وحدها هي ومرام ولكن تركوا معهن فريدة .. ذات القلب الذهبي والأمومة الطاغية.
وافقتها على طلبها وأثناء مرورهما من أمام غرفة مرام، أصدرت فريدة ضحكة صاخبة: بصي المفتريه نايمه إزاي ؟ نص ع السرير ونص ع الأرض .. يا خرابي .. مفتريه حتى ف نومها
شاركتها هند داعية: ربنا يهديها
ربتت فريدة على كتفها: يا رب يلا أعملي زي ما قولتلك ونامي .. زمانها خلصت على كل الرز بلبن اللي عند الملايكه ومش هتسيبلنا حاجه؛ دي مفجوعه .. أنا عارفاها
انفجرت هند مقهقة رغما عنها: على يـــــــــدي
توجهت كل واحدة إلى غرفتها تلتمس النوم بعد أن حضر سلطانه ينشر جلبابه فوقهن، مانحا جسدهم فترة من الراحة كي تستطيع تلك الأجساد مواصلة ما هو أتي في اليوم التالي؛ سواء كان اليوم مشحونا بالسعادة أو المصائب .. أو مزيج مختلف منهما معا.
صلت هند كثيرا ودعت أكثر، ومازالت دموعها تنزل بغزارة من قسوة أب وأم تركوا بناتهم بمفردهم، حتى وسيلة الإتصال الوحيدة –المكالمات والهاتف- قطعوها، هل يعقل أنا يأتوا بنا إلى هذه الدنيا ليتركونا .. من أين أتوا بكل هذه القسوة ؟ .. فنحن لم نخطئ في حقهم بيوم من الأيام .. يارب يا رب صبرني، يارب قويني .. لا تحرمني من إخوتي .. الحمدلله أنهن بجواري .. نعمة منك وإلا ما كنت لاستطيع العيش في هذه الدنيا بمفردي.
كلامها مع أختها أراحها .. وكلامها مع الذي خالقها طمأنها. نامت سريرة الملامح مبتسمة الثغر فيما دموعها توقفت على أمل يوم أحلى وأجمل لأن أكثر الكلمات التي تؤمن بها هي "لسه الأحلى ماجاش وأنا هأفضل استناه".
***

تمدد فوق الأريكة بعدما أدار الأسطوانة في الحاسوب الثابت فوق المكتب، فتح الورقة المطوية بعدما حلها من الظرف، أشعل ضوء الأباجورة فوق رأسه لتكسر ظلام الحجرة، تراقصت عيونه فوق الأسطر.
ابتسم وأغمض عينيه مرجعا رأسه للخلف يريحها فوق ذراع الأريكة، سبح في عالم آخر خَلقته الرسالة المتوافقة مع اللحن الموسيقي الرومانسي الذي يُصغي إليه بحواسه جميعها.
بعد فترة أعاد قراءة الكلمات، كانت تشبع غروره الذكوري، تشعره بمدى جاذبيته للجنس الآخر، أنه رغم عمره المتزايد مازال وسيما.
ضم الرسالة إلى أحضانه دقائق طوال ثم نهض وأخرج من أحد جوارير المكتب صندوق عتيق يشبه صندوق المجوهرات، ضب فيه الرسالة إلى جوار مثيلاتها


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close