اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة محمد


الفصل الرابع والعشرون
دائما ما كان الظلام مخبأها والليل أنيسها، تقلب كل أمور حياتها بين ثنايا الظلمة، العتمة تعطيها الهدوء الداخلي والإتزان النفسي حتى تستطيع التفكير في مشكلاتها وحل أعوص القضايا في حياتها.
ألصقت ظهر ابنها في صدرها، تستمد منه القوة للتفكير والمقاومة، لولاه لما تحملت السنوات الماضية وبدونه لن تصبر على ما هو آتِ، مسدت شعره الناعم وقبلت جانبه جبينه، الأسئلة تحوم داخل رأسها دون القدرة على نطقها.
معضلتها الليلة هي ما عرفته من صديقتها منار، أتنسى الموضوع وتغلق صفحته كما فعلت مع زوجها وتصب تركيزها على البداية الجديدة لهما معا أم تخبره فتثبت براءتها وتؤكد سوء ظنه بها دون داعِ.
ترقرقت نقاط الماء فيما بين جفنيها، لقد سلبها الطبيب أغلى ما تملكه فتاة، ليس فقط عذريتها ولكن حرية اختيار من يهدم حصونها ويخترق دفاعاتها بإرادتها، لم يُخيرها إنما دمر حياتها فحسب، فوضت أمرها إلى الله، دعت عليه وعلى كل من يماثلونه.
لقد مرت فترة طويلة والموضوع مازال يدور برأسها، لم تحسم أمرها بعد عندما فتح آدم الباب وأشعل أحد الأضواء الخافتة بقرب الباب، ناداها متسائلا: مش هتيجي تنامي ولا إيه ؟
دلكت عيونها وقامت تضبط الغطاء فوق ابنها: جايه أهو
قبلت جبهة ابنها النائم بعمق ثم اتجهت برفقة زوجها إلى غرفتهما، حسمت أمرها حالما خطت داخل الحجرة، استدارت إليه مرتبكة لا تعلم من أين تبدأ روايتها: آدم، في موضوع عايزه أكلمك فيه
غمر القلق قلب زوجها من لهجتها الغريبة لكنها أشار لها بالمتابعة فيما يصغي إليها، جلست على طرف السرير؛ ركبتيها تحولتا إلى هلام ولم تعودا تحتملان ثقلها من فرط التوتر، إزدردت ريقها ثم شرعت في سرد ما سبق وسُرِد على آذانها.
كانت تصب في أذنيه الرواية كاملة ونظرها لا يقوى على الإرتفاع إليه، رغم عدم تحملها أي ملامة إلا أن الحياء كان ملازمها، نفخت بقوة حالما انتهت من قول ما في جعبتها كأن حملا ثقيلا إنزاح عن كاهلها لتضعه على أكتاف زوجها، رفعت قصاصات الجرائد التي سبق وجمعتها من الإنترنت وحفظتها على هاتفها، حدق بهم بدون تعليق.
دام صمته طويلا حتى شكت أنه سمع شيئا مما قالته، رفعت إليه بصرها بتردد، تقدم منها وركع أمامها، ضغط على كفيها وقد تملكه الخجل مما فعله بها سابقا دون ذنبٍ منها، بدأ الحديث بعد فترة بصوت أجش: أنا آسف يا ندى على كل اللي قولته .. وكل اللي عملته فيكي .. إنتي من حقك تعملي فيا اللي إنتي عايزه، وأنا ما أقدرش أتكلم لإني استاهل
أصدرت شهقة مكتومة عندما شعرت بدموعه تتقطر فوق كفيها، أحاطت وجهه بكفيها ورفعت رأسه إليها فيما تحاول منع دموعها: أنت مالكش ذنب بالعكس .. أنت رد فعلك كان هادي وعاقل جدا بالنسبة لأزواج تانيين
هز رأسه بعنف: ما تدافعيش عني يا ندى .. أنا ما استاهلش
وضعت أصبعها فوق شفتيه تمنعه عن الحديث: شششش .. ما تتهمش نفسك أنا قولتلك الموضوع لإني ما أتعودتش أخبي عليك حاجه، يعني مش عشان أعاتبك أو حاجه
- يعني مسمحاني على اللي عملته فيكي ف الخمس سنين دول ؟
تبسمت: كفايه إنك كنت جنبي .. ما سبتنيش ولا اتخليت عني
لثم أصابعها بنهم: أنا بحبك أوي يا ندى حياتي
***
دلف أكرم مع زوجته إلى الشاليه المجاور للآخر الخاص بصديقه، رفع أكباس الكهرباء فأضاء المكان، دارت مرام حول نفسها مدندنة بلحن ناعم يعبر عن فرحتها.
- عجبك الشاليه ؟
ابتسمت بسعادة: أه .. حلو أوي
- تحبي تاكلي؟
وضعت كفها على معدتها المسطحة: ياريت .. لأحسن هأموت م الجوع
قهقه لحركاتها الطفولية: ماشي يا ستي، تعالي ناكل، بس الأكل هيطلع م التلاجة ع السفرة
سقط نظرها إلى ثوبها الأبيض الذي تشبثت به ولم ترغب في نزعه قبل السفر من شدة فرحتها وتعلقها به، لقد اختاره أكرم لها بنفسه، صممت على إرتدائه أطول فترة ممكنة: كنت عايزه أغير الفستان عشان ما يتوسخش
- خلاص اللي يريحك
اتجهت إلى غرفة النوم لكن قبل إقفالها الباب عقب دلوفها إليها، صاح أكرم باسمها بصوت يحمل الكثير من الخبث: ياريت تلبسي حاجه مريحه، هـــــــــــــــا ؟!، يعني ماتتكسفيش مني .. المهم راحتك
هزت رأسها باسمة فلم يصلها مقصده: ماشي
استدار في اتجاه المطبخ وبدأ بإخراج الطعام ووضعه فوق طاولة الطعام، ظل يحدث نفسه بكلمات تشجيعية: الليلة ليلتك يا بطل .. يا رب ما تكسفناش الليلة دي
استقام بعد عشر دقائق يلقي نظرة أخيرة على ما أعدته يداه، غمز لنفسه في المرآة بفخر، سمع صوت الباب خلفه يفتح ثم يقفل، عرف أنها خرجت، وقف يرسم ابتسامة ماكرة وهو يعد نفسها لرؤية صورة رسمها في خياله، دار إليها ببطء، انمحت البسمة وصرخ بصدمة مستنكرا ما رأى: إيه دا ؟!
سألته ببراءة متفاجئة: إيه ؟
لوى شفتيه بخيبة: هو دا اللبس المريح بتاعك ؟
هزت كتفيها تنظر إلى أصناف الطعام الموزعة على الطاولة: أيوه .. أنا مش بارتاح غير ف البيجامه
تركته يتحدث وسحبت مقعدا وقد شمرت عن ساعديه استعدادا لتناول الطعام: بيجامه و.. كمان عليها إسبونج بوب .. شكلنا هنقضيها كرتون وننام بدري عشان نلحق المدرسة
سألته بفم مكتظ بالطعام: بتقول حاجه يا أكرم ؟
رسم ابتسامة سمجة: لا لا يا حبيبتي .. سلامتك
أشارت إلى الطعام تحثه على اللحاق بها: طب مش هتاكل ؟
زفر وجلس أمامها على المائدة، بالكاد نقل بعض الطعام إلى صحنه ثم توقف يتابعها تأكل دون الاهتمام به، فقط مكتفية بإشباع جوعها، بعد دقيقة رفعت إليه نظرة متسائلة لما لاحظت تحديقه بها: مش بتاكل ليه ؟ .. وبتبصلي كدا ليه ؟
ملس يديه فوق شعرها: أول مرة أعرف إن شعرك مجعد
أجابته بعدم اكتراث: أه، هو طبيعته كدا .. حاولت كتير إني أخليه ناعم زي أخواتي، بس ما عرفتش .. الوراثة بقى
- طب ما فردتيهوش ليه؟
تركت ملعقتها جانبا ثم أجابته بجدية: عشان أبقى من أول يوم قدامك بشعري الحقيقي، مش هأضحك عليك إنه مفرود وناعم وجميل وأول ما تلمسه المايه يرجع زي الأول تتخض وتقول .. غشوني ونصبوا عليا
انفجر ضاحكا: ما أنا خلاص أتجوزتك .. يعني لو هأقول، هأقول من دلوقتي
- أدينا لسه ع البر .. قول وأنا هأقوم أمشي من دلوقتي
ابتسم: بس أنا عاجبني شعرك كدا .. لايق على وشك أكتر ومبين عرق الجنان اللي ف دمك
دفعت الطعام داخل فمه: كدا ؟ .. طب كُل
***
مدت كفها بحبة الدواء وبالأخرى كوب الماء، تناولهما منها، ألقى الحبة في فمه وبلعها بشربة ماء أنهت على نصف الكوب، استلمت منه الكوب بعدما أنتهى ببسمة: بالشفا يا حبيبي
جلست بجانبه بعدما أحضرت أنبوبة مرهم، أخرجت بعضه فوق أصابعها بينما تمدد زوجها على بطنه رافعا قميصه، وضعت المرهم فوق ظهره وبدأت تدلكه.
تنهدت: مين كان يصدق إنه يجي اليوم اللي أكرم يتجوز فيه
أجابها مصدرا أصوات الراحة من تدليكها المهدئ: نصيبه جه
- الحمدلله، ماكنتش مرتاحة لخطوبته من باريهان .. الحمدلله ما تمتش، ربنا يرحمها
- آمين، بإنهارده نكون جوزنا ولادنا كلهم
ربتت على كتفه إشارة لإنتهائها، أنزل قميصه واعتدل جالسا، دعت متجهة إلى الحمام كي تغسل يديها: عقبال ما تجوز ولاد ولادك
قهقه: ربنا يديكي الصحة إنتي وتشوفيهم عرسان، أنا يادوب ألحق أدخلهم المدارس .. دا لو عشت لوقتها يعني
عادت وملامحها تحمل الغضب الشديد: ما تقولش كدا يا ياسين، ربنا يديك الصحة والعمر، دا قدر .. ماحدش عارف مين هيموت قبل مين
أومأ: ونعم بالله
وضعت بعض الكريم الخاص بالعناية الليلية بالبشرة على كفها وبدأت توزعها بهدوء: صحيح، أكرم ومرام هيعيشوا معانا هنا وأهلها مش هيسافروا
- أيوه، والناحية الغربية من الدور التاني أتقفلت كويس عشان تبقى زي شقة ما عدا المطبخ بس اللي ناقصها، لكن عاملهم زي بار كدا عشان لو حابوا يعملوا كوباية شاي أو مج نسكافيه
- طب وأهلها هيفضلوا عايشين لوحدهم كدا ؟
- مش فاهم بتلمحي لإيه
انضمت إلى جواره في الفراش وشرعت في توضيح مقصدها: يعني أكرم ومرام هيجوا معانا هنا يونسونا، ومصطفى هياخد فريدة ويرجعوا مزرعته .. وأكيد عارف ابنك أحمد عاشق الخصوصية ومش هيقبل لا يعيش ف بيت أهل مراته ولا يجبهم يعيشوا معاه
رفع أحد حاجبيه: مش فاهم بردو .. إيه مشكلتك .. هما كانوا اشتكولك ؟
زفرت: الخوف يجوا بعد كدا ويقولوا أخدتوا بناتنا مننا وخليتوهم يبعدوا عننا
- الله، هو إحنا خطفناهم ؟ .. دول أتجوزوا ودي سنة الحياة
- أنا بأقولك يعني اللي ممكن يجي ف بالهم
- يعني عايزاني أعمل إيه ؟
- بأفكر تبقى تخلي أكرم يطلب منهم يجوا يقعدوا معانا هنا .. الفيلا واسعة وبنتك رجعت مع جوزها ومصرين يعيشوا لوحدهم ف الشقة اللي كان مجهزها أيام الخطوبة وما لحقوش يتهنوا بالسكن فيها
- أنا ماعنديش مانع، بس فكرك هيقبلوا ؟
- مش عارفه، أهي مجرد محاولة
- إممممم، خلاص، ابنك ومراته يرجعوا بالسلامة وبعدين نشوف الحكاية دي
***
انتهوا من تناول الطعام، نهضت العروس متجهة إلى التلفاز الموضوع فوق طاولة صغيرة بأحد الأركان، فتحته ثم تراجعت تجلس على أقرب مقعد فيما تقلب قنواته.
تابعها أكرم مستغربا: إنتي بتعملي إيه ؟
أولته ظهرها بلا مبالاة: زي ما أنت شايف .. هأتفرج ع التلفزيون
كظم غيظه: طب مش هتشيلي الأكل ؟
أشاحت بجهاز التحكم عن بعد: بكره بكره
- بس كدا ممكن يتلم عليه الدبان
- خلاص شيله أنت
أخفى غيظه وحمل الطعام إلى الثلاجة، فما ذنب الطعام بزواجه من فتاة مدللة لم تكن تمد يدها في شئ، لقد أراح نفسه وأراحها بقرار العيش في منزل والديه؛ حيث تطهو أمه بمساعدة الخدم.
عاد إليها بعدما أنتهى، وجدها تشاهد إحدى المسرحيات وتنفجر من الضحك بين اللحظة والتي تليها، جلس بجوارها فلم تنتبه، استمر الحال ما يقرب من الساعتين حتى نهض فجأة وأطفئ التلفاز بعدما طفح به الكيل.
صاحت مستنكرة: طفيته ليه ؟
- أبدا، وراكي مدرسة الصبح ويادوب تلحقي تنامي
نظرت إليه كأنه هرب لتوه من مشفى المجانين: مدرسة إيه ؟ .. أنت أتجننت يا أكرم؟
عقد ذراعيه أمام صدره: ماهو لما مراتي ليلة دخلتها تبقى قاعدة معايا بيبجامه بنطلونها واصل للأرض وبنص كُم وعليها رسمة إسبونج بوب .. وكمان تسبني أحضر السفرة وأشيلها .. أقعد جنبها ساعتين من غير ما تحس بيا وتتفرج ع التلفزيون .. كنت أتجوزت بنت خالتي اللي عندها تسع سنين أحسن بقى
سألته ببرود: وما أتجوزتهاش ليه ؟
أشار إلى موضع قلبه: عشان دا اللي حبك وهو اللي اختارك .. عرفتي ليه؟
ابتسمت بخفر: طب وأنت عايز إيه دلوقتي ؟
اقترب منها ينهضها ويسحبها خلفه إلى غرفة النوم: أنا هأقولك عاوز إيه
دلفا إلى الداخل، ترك يدها وأتجه إلى خزانة الملابس، فتحها وظل يتمعن بها طويلا حتى ظفر بما أراد، أغلقها ممسكا بأحد قمصان النوم ومأزره، سلمها إياهم مطالبا: خدي .. ألبسي دا
سألته بخجل بعدما قلبتهم بين يديها: لازم يعني ؟
صمت هنية ثم عاد يلتقطهم من بين أصابعها، ألقاهم خلفه دون اكتراث ثم جذبها من ذراعها لتختفي بصغر حجم داخل أحضانه، سمعته يردد فيما غابت في عالم تحيطها فيه رائحته الرجولية الجذابة: لا مش لازم
***
سبق آذان الفجر بدقائق، فتح عيونه فوقعت على خصلات شعر زوجته المتناثرة فوق صدره، تنام بين ذراعيه في رحلة بعالم النوم العميق، ابتسم عندما لمح انثناءة ثغرها ببسمة؛ سعيدة بموضعها، استمر في تأملها قليلا والبسمة تعلو شفتيه، استدرك نفسه بعد هنية وبدأ في إيقاظها، داعب أرنبة أنفها بخفة: حبيبتي مش كفايه كسل ونصحصح بقى
دفعت خصلة بعيدا عن وجهها فيما تقاوم تثاؤب تصاعد إلى فوهة فمها: هي الساعة كام دلوقتي ؟
قوس شفتيه للأعلى: مش عارف .. استني هأشوف
التقط الساعة الرقمية المجاورة للفراش، أخبرها بالوقت مضيفا: يعني خلاص شوية والأذن يأذن
جذبت الغطاء فوق رأسها: طيب سيبني أنام وصحيني لما يأذن
استند إلى كفه وبدأ يهزها بروية: دا إنتي كسلانه بشكل
دفعت يده بعيدا عن كتفها: كسلانه كسلانه .. المهم سيبني أنام دلوقت
نفض الغطاء عنها: لا لا، قومي كدا .. ادخلي خدي دش، وفوقي؛ عشان نلحق نصلي ركعتين شكر لله ع إننا بقينا سوا وهنبدأ حياتنا من جديد قبل ما الفجر يأذن
فتحت عينيها، حدجته بنظرة مشبعة بالعاطفة، قابلها بالمثل للحظة من ثم قال بصوت متحشرج: بأقولك عايزين نصلي قبل الفجر ركعتين تقومي تبصيلي كدا .. هتضيعي علينا الفجر يا شيخه
نهضت ضاحكة وتوجهت إلى الحمام: طيب يا سيدي .. أديني رايحه أهو
صاح من خلف الباب الفاصل بينهما: بس ف الإنجاز .. هـــــــــــــــــــــــا ؟! .. عايز استحمى بردو
أتموا صلاة الركعتين وما إن قاما بالتسليم منها حتى سمعا صدى آذان الفجر من أحد المساجد البعيدة نسبيا يتردد في الأرجاء.
رحل ببصره بعيدا عن وجهها: كنت متعود أصلي الفجر ف المسجد آخر فترة بس بما إنك معايا هنصليه سوا ماشي ؟
ربتت على كتفه بهدوء: لا، روح صليه ف المسجد عشان ثوابك يبقى أكبر
همهم بحزن: بس كدا هأخد ثواب صلاة الجماعة وإنتي لا
شعرت بإحساس جديد يجتاح خلجاتها، تسابقت دقات قلبها، السعادة التي تغمرها في هذه اللحظة أشد قوة وأكثر اكتساحا من تلك التي انتابتها قبل ساعات عندما عُقد كتابها عليه: لا .. إحنا هنصلي السنة سوا .. وبعدين تكلم أكرم عشان تروحوا تصلوا ف المسجد وبعدين ترجع هنا نسبح مع بعض .. هو أنا أفديك الساعة لما جوزي حبيبي ياخد ثواب أكبر مني .. ما هو دا اللي هيسيب الحور العين ويقول .. زوجتي زوجتي
ضمها: ربنا مايحرمني منك، لا حور عين ولا بنات الدنيا كلها يهموني ولا واحدة هتعمل فيا زي ما إنتي بتعملي بكلامك دا
أزاحته: طب روح كلم أكرم عشان يجهز عقبال ما نصلي السنة
تناول هاتفه من جيب بنطاله: أمرك يا باشا، دا أنت تشاور وأنا أنفذ من غير ما أنطق
انصت للرنين المتقطع على الطرف الآخر بصبر، أجابه صوت يشوبه النعاس مخلوطا بالضيق مع اقتراب نهاية الرنين: السلام عليكم
- وعليكم السلام يا كابتن كسلان
تعرف على صوت المتصل فهتف حانقا: في إيه يا مصطفى الساعة دي ؟!
- في صلاة فجر ياخويا
نهض مفزوعا: هو آذن؟
- أيوه، يلا قوم اتوضى وفوق كدا وصلي السنة .. أنزل، هاستناك ع باب شاليهك
- طيب طيب .. سلام
أيقظ أكرم زوجته حتى تؤدي فرضها كذلك، نهضت متكاسلة فتركها وأسرع يغادر كي يلحق بصديقه.
أتجه مصطفى إلى زوجته لأداء صلاة السنة متجاورين ثم خرج ليقابل أكرم متجهين إلى مسجد قريب لتأدية الفرض المهجور.
عاد كلٌ منهما إلى عروسه، وجد أكرم زوجته نائمة، ألقى جسده إلى جوارها ثم ذهب في سبات عميق.
***
فتح مصطفى باب الشاليه بالمفتاح الذي أخذه معه، تقدم إلى الداخل على مهل حتى لا يوقظ زوجته إن غلبها النوم لكنه وجدها جالسة في انتظاره تقرأ بعض آيات الله في صمت، بالكاد لمح تحرك شفتيها.
طوح سلسلة مفاتيحه فوق الطاولة ذات السطح الزجاجي وصاح بقوة افزعتها: هــــــلااا هــــلااا ع الناس اللي عماله تاخد ثواب لوحدها .. وأنا اللي ماكنتش عايز أسيبك وأصلي ف المسجد عشان ماخدش ثواب أكبر
زفرت براحة ثم أغلقت مصحفها، لامته بدلال: أنت اللي نيتك وحشة على فكرة .. لإني كنت باقرأ بنية الثواب يكون ليا وليك
انضم إلى جوارها ولثم وجنتها: ربنا يخليكي ليا يا ديده يــــــــــــــــــــــــا رب
- ويخليك ليا يا طفطف يــــــــــــــــــــــــــــــــا رب
قطب بغضب طفولي: إيه طفطف دي ؟
- دلع
حك رأسه: مافيش دلع غير دا ؟
- أه، دا اللي عندي .. عاجبك ولا مش عاجبك ؟
طلب رضاها: عاجبني يا ستي .. أي حاجه منك حلوة
- أيوه كدا اتعدل
رسم الجدية فوق وجهه: ممكن اسألك سؤال يا فريدة؟
أومأت فتابع: هو واحد زائد واحدة بيساوي كام ؟
استغربت: إيه السؤال الغريب دا .. أنا طول عمري باسمعها واحد زائد واحد
قهقه متفاخرا: لا دا مش عندي .. وبعدين هو إحنا ف مدرسة ؟
هتفت مغتاظة: بردو حضرتك بتتريق عليا
-طيب خلاص، بلاش دي .. خلينا ف واحد زائد واحد بتاعت الرياضة هتساوي كام ؟
أجابته بثقة: هتساوي إتنين طبعا
- وإيه الثقة دي كلها ؟ غلط على فكرة..
- إزاي يعني واحد زائد واحد على طول بتساوي إتنين
- في حاجه عايزك تعرفيها كويس .. واحد زائد واحد مش على طول بتساوي إتنين
ضحكت منه ساخرة: لا يا شيخ .. أومال هتساوي كام ؟
- ماهو دا سؤالي يا أم الذكاوه..
أضاف عندما لمح حنقها المتزايد: طب هأساعدك؛ عشان صعبتي عليا .. أنا زائد إنتي يساوي كام ؟
لوت شفتيها غضبا: كام؟
- أنا زائد إنتي هيساوي أنا وإنتي
ضربت الأرض بقدميها صائحة: ودا إزاي إن شاء الله؟
- يــــــــــــــوه دا إنتي تلميذة بليدة أوي، إزاي إنتي دكتورة .. ها ؟ .. شكلك هتتعبيني معاكي
سخرت: معلش يا حضرة الناظر .. منكم نتعلم بردو
أدعى التواضع: خلاص خلاص، هأفيدك بعلمي؛ ما إنتي ف الأول والآخر مراتي وماينفعش أسيبك جاهلة كدا
امسكت بالوسادة المجاورة لساعدها، رفعتها مهددة: أخلص بدل ما أكتم نفسك وارتاح من زنك
رفع يديه أمامه بحركة تمثيلية: حاضر حاضر .. دا إنتي ولية مفتريه
عاد لجديته الوهمية من جديد: أنا دي اللي هو أنا
- لا يا شيخ تصدق ماكنتش أعرف؟ أفادكم الله
- يا ستي اصبري .. واحدة واحدة
- اتفضل يا سيدي .. أما نشوف آخرتها
- إنتي دي اللي هي .. إنتي
هتفت به مغتاظة: أنت دماغك لسعت .. صح؟
نهرها بهدوء: اصبري بقى وما تقاطعنيش
- اتفضل جنني معاك
- وزائد دي .. هي بتاعت الحساب "+" .. دي الحاجز اللي كان واقف بيني وبينك .. الدين والخوف من ربنا .. أما الــــ يساوي "=" ف هي كل اللي هيجمعنا زي المأذون والجواز، ف النتيجة هتكون .. أنا وإنتي .. فهمتي ؟
صمتت قليلا تنظر إليه دون أن تراه، أفاقها : إيه يا حاجة .. روحتي فين؟
ردت ببساطة: حسبتك غلط
فكر فيما قاله قبل أن يسألها متعجبا: إزاي؟
تقاطع كفيها سويا: لإن كدا بردو لسه في حاجز بينا .. "الواو"
فكر: مالاحظتش بصراحة .. بس لو شلنا الواو هتبقى "أنا إنتي"
- لا، تشيل أنا وإنتي كلها على بعضها
لوى شفته محتارا: وهتبقى النتيجة إيه ؟
ابتسمت بحب: إحنا .. إحنا معناها كبير أوي، عارف لما مجموعة يتفقوا سوا ويقولوا (إحنا هنبني مسجد) .. بتلاقيهم كلهم بيشتغلوا وكلهم بيبنوا، بينهم قوة واتحاد، بيشاركوا بعض ف المصاريف .. ف الأكل .. ف الشرب .. ف الشغل، حتى العرق بيشاركوا بعض فيه .. شوف ع الرغم من أختلاف أحجامهم وأشكالهم .. وإن لكل واحد فيهم شخصية مستقلة وجسد تاني مختلف؛ لكن ف عقلهم نفس النية "بناء المسجد"، وف قلبهم نفس الحب "حب الله"، وف جسمهم نفس الروح "روح التعاون" .. وف الآخر بيطلع من تحت إيديهم مسجد ف قمة الإتقان والجمال
أضافت تقبض على أحد كفيه بقبضتيها: أما بالنسبة لمعنى "إحنا" ليا أنا وأنت، ف هي بتتلخص ف جملة واحدة "إحنا .. يعني روح واحدة بس فـــ جسدين"
شد على يدها وتنهد بعد دقائق مشبعة بالعاطفة ومشحونة بالحب: أنا قولتها كلمة ومش هأرجع فيها .. إنتي مافيش منك إتنين
ابتسمت بخفر: يلا نسبح عشان ماننساش
بسط كفها: هاتي إيدك أسبح عليها؛ عشان أنا وإنتي نتقاسم الثواب
مدت كفه الآخر: وأنت كمان .. هات إيدك؛ عشان أسبح عليها
لمس جبهته بجبهتها: إيدي ورجلي .. كلي ملكك أصلا يا ديده
ابتسمت بسعادة: ماشي يا طفطف
استمرا يسبحان الرحمن ويذكرا الرضوان حتى طلوع الشمس، زحفا إلى الفراش ينالان قسطا من الراحة قبل الخروج والتمتع بالماء المالح والطبيعة البهية.

________


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close