اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الخامس والعشرين 25 والاخير بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الخامس والعشرين 25 والاخير بقلم سارة محمد


الفصل الخامس والعشرون والأخير 😊

__________________

قبل الظهيرة بفترة لا بأس بها، اجتمعوا العرسان أمام البحر، الشاطئ خاص فلا يخشون وجود المتطفلين، هذا الموقع كان أحمد قد قام بشرائه؛ لكي ينشئ فوقه عدة شاليهات والخدمات الأساسية كمكان خاص بالشركة وموظفيها حيث الترويح عن النفس والتخفف من أعباء الحياة اليومية وضغوط العمل، لم يكن قد تم الإنتهاء سوى من نصف المخطط له، فكان أربعتهم أول من خطى إلى هذه الأرض بعد إعمارها.
استمتعوا باستنشاق النسيم الرطب الممزوج برائحة الملح، خصوصية الشاطئ أمنت لهم الحرية المطلقة في التصرف، حتى القلة التي تمر على مسافات بعيدة عنهم لم تستمر طويلا مما سهل على العروستين بملامسة المياه واللعب قليلا، وعقب ساعات من المرح توقف مصطفى مملسا على بطنه متذمرا: أنا هاموت م الجوع
شاركه أكرم نفس الإحساس ضاحكا: تصدق وأنا كمان
هتفت مرام: خلاص حد يروح يشتري أكل
تطوع مصطفى: أنا هأروح؛ عشان أنقنق ف الطريق
تشبثت فريدة بزوجها: وأنا هأجي معاك ... عشان أنقنق
التقط كفها: يلا يا ديده
صاح أكرم من خلفهما: المهم تعملوا حسابنا معاكوا
ثم التفت إلى زوجته الشاردة في عالم آخر: مالك يا مرام؟
نفت بهدوء: مافيش
أمسك كتفيها باحكام وأدارها ناحيته: لا في، إنتي م الصبح مش على بعضك، مستني تتكلمي لوحدك بس يظهر لازم اسألك
تنهدت استسلاما: اصل في حاجه عايزه أقولك عليها .. بس خايفه
داعب خدها باسما: قولي وماتخافيش .. ولا شايفاني بعبع؟
- خايفه من ردت فعلك
- خلاص قولي ونشوف
نظرت إلى البحر: الفتاة المجهولة تبقى .. أنا
- إيه؟
انتحبت: والله ما كان قصدي حاجه .. بس أنا حبيتك من أول يوم شوفتك فيه، لكن أنت عمرك ما أدتني وش خالص؛ فبدأت ابعت الرسايل يمكن تعرف أنا مين لوحدك .. بس بعد كدا عرفت إني غبية؛ إزاي هتعرفها وأنت بتشوفها أكنها مش موجودة .. فضلت ابعت عشان مادام مش عارفه أكلمك مباشر أكلمك عن طريق الورق، وبعدين عرفت إن كل دا غلط وماينفعش أعمله .. فبطلت، بس والله ما كان قصدي لا ألعب بيك ولا أي حاجه
تركها فترة دون تعليق، انحصر نشيجها وتقطرت دموعها بعدما كانت سيولا، رفعت وجهها إليه على مهل تتلمس ردود فعله على ما قالت، اتسعت عيونها بعدم تصديق؛ فالابتسامة وصلت إلى أذنيه، سألته كالتائهة: أنت بتضحك على إيه ؟
- على غباءك يا حبيبتي
اغتاظت: تشكر يا ذوق
قهقه: مش قصدي حاجه وحشه، بس لو كنتي قولتيلي م الأول كان زمانا مع بعض من مدة
- قصدك إيه؟
- فضلت فترة محتار، بأحب مرام ولا البنت المجهولة أكتر ؟!، يا ترى مين فيهم .. ف لو حضرتك قولتي من بدري كنتي وفرتي عليا وعليكي كتير
أحمر وجهها خجلا: ما أنا خوفت تبعد عني وتفتكر إني بأضحك عليك
- بالعكس كنت عايز أشوفها وأعرفها لأني بدأت أحبها .. بس إزاي اتأكد من مشاعري من غير ما أشوفها ؟
- والرسايل فين دلوقتي؟
تأسف: حرقتهم اليوم اللي قبل كتب كتاب أحمد وف اليوم نفسه كنت سيبت باريهان .. ولسه هأطلبك للجواز لاقيت سي سامر طلبك .. وجنابك وافقتي، قولت يبقى ماحبتنيش وأتمنتلك السعادة حتى لو معاه
تعلقت برقبته: بحبك أوي، ماقدرتش أفكر إني ممكن أتجوز غيرك .. حتى مش عارفه قولت لسامر موافقه إزاي .. يمكن بسبب كلام باريهان معايا اللي عصبني
قطب وأبعدها محدقا في وجهها: ليه؟ قالتلك إيه؟
- إنك هتتجوزها وأبص أنا إيه وهي إيه عشان أعرف هو هيفضل مين فينا ع التانية
- طبعا!، إنتي حاجه وهي حاجه .. بس حرام دي ميتة دلوقتي .. انسيها وانسي كل كلمة قالتهالك
أومأت مؤيدة ثم انخرطوا سويا في الحديث المرح والمداعبات اللطيفة حتى عاد الزوجان الأخران ومعهم غداء إيطالي، أسرع أكرم في فتح إحدى العلب من شدت جوعها، لكن أذهله وجودها فارغة: إيه دا؟
أجابه بلا مبالاة: بيتزا
- وهي فين البيتزا أصلا ؟
أشار إلى معدته: هنا
تمتم بحنق: أما هي هنا .. جايب العلبة ليه ؟
ببرود: ذكرى
اقترب من مصطفى بخطوات متمهلة مدروسة: ذكرى ؟ .. دا أنا اللي هأخليك ذكرى
نهض مسرعا بينما يلحق به أكرم حتى احكم قبضته على تلابيبه: مش هأرحمك يا مصطفى
ردد الآخر: بريء يا بيه .. بريء يا بيه
قهقه: دا منظر واحد بريء ؟ .. دا منظر مسجل خطر
تدخلت فريدة تدافع عن زوجها: وهو في مسجل خطر شعره ناعم كدا؟ ولا عينيه عسلي كدا؟
حدق في عيونها بوله: وهو في مرات مسجل خطر قمر كدا ولا خدودها بتحمر كدا
تنحنحت مرام: نحن هنا يا سي مصطفى
أضاف مصطفى مجاملا: وهو في أخت مرات مسجل خطر دمها خفيف كدا
جذب أكرم أذن الآخر معاقبا: لالا، مراتك وقولنا حقك، أنتوا أحرار ف بعض .. لكن مراتي واستوب
حالما تحرر وقف يهندم ملابسه: استوبين تلاته
جذب مصطفى زوجته بين أحضانه وهمس في أذنها بصوت لم يصل إلى أذان الآخرين: حاسس إن رجلك نملت
رفعت حاجبيها: لا مافيهاش حاجه
هز رأسه: لا لا، أنا جوزك وأنا أدرى .. هي منمله
سحبها مضيفا بصوت عالٍ: إحنا هنروح نفك التنميل يلا سلام
تسائلت مرام متعجبة: تنميل إيه ؟
- لا دي حاجه بيني وبين ديده كدا
ترددت خلفهم ضحكات أكرم الخبيثة، كرسالة أنه أدرك مقصد صديقه الحقيقي، التفت إلى زوجته وغمزها بمكر: أنا بأقول نروح زيهم ولا إيه رأيك ؟
- اللي تشوفه
- يبقى على بركة الله
تشبث بكفها جيدا، وتعلقت به كطفل خائف من الضياع بعيدا عن مصدر أمانه، غرد قلبها طوال الأسبوع، كل يوم في مكان جديد ابتداء من سوق ليبيا إلى شارع الاسكندرية مرورا بشاطئ عجيبة وصولا إلى شاطئ الغرام وصخرة ليلى مراد.
***
إثر عودتهم من أجازة ما بعد الزواج حاول أكرم اقناع أهل زوجته للإنضمام إليهم في منزل والديه لكن دون جدوى، تمسك عبدالرحمن ببيته وعشه في المنطقة الشعبية حيث الأنس والأصدقاء القدامى، لم تعترض إيمان على قرار زوجها؛ فأينما كان ستكون. استسلم الجميع للأمر وتركوا لهم حرية المسكن بشرط اطلاعهم على مستجدات الأمور وإن احتاجوا إلى شيء.
انطلقت فريدة مع زوجها في الطريق إلى مزرعته بعد قضاء عدة أيام في كنف أهلها؛ حتى تملئ جعبتها منهم قبل السفر، وصلوا إلى المزرعة وبعد المساعدة في تحضير الطعام اجتمعت مع زوجها لوضع خطة سير الأمور منذ ذلك الحين إلى ما شاء الله، ناقشها في الجزء الزراعي قبل الحيواني وشجعه على ذلك تفتح ذهنها وعقلها الراجح فأصبح يستشيرها في كل صغيرة وكبيرة متيقنا من صحة تفكيرها.
بدأوا العمل في الصباح التالي بكل همة ونشاط، هجرهم الكلل ولو لفترة من الزمان فيما حثهم الأمل والرغبة في النجاح على الإكمال.
توقفت فريدة أمام باب الحظيرة تعوض رئتيها عما تحملته من رائحة الروث وأنفاس البقر بلفحات من الهواء النقي الذي يحمل في جعبته عطر الزهرات ورحيق الورود، لمحت زوجها يحمل أحد الأكياس الضخمة الخاصة بالأسمدة فوق أكتافه وقد تحمم في عرقه من فرط المجهود، ابتسمت فلأول مرة اقترب من عماله وعاملهم بكل تبسط عوضا عن إصدار الأوامر كما هو معتاد، ذهلوا كثيرا وكادوا يشهقون من الصدمة أما الآن فقد اعتادوا الوضع بل وصاروا يمازحونه دون خشية فقد العمل أو رزق اليوم.
حثت خطاها تجاه المنزل، أتمت عملها في الحظيرة لليوم والباقي ستتركه للعمال، ستقوم بتحضير وجبة شهية تعوض مصطفى عما بذله من جهد وتؤكد له أنها لن تهمله يوما.
***
اتفق أكرم مع زوجته على تأجيل الإنجاب لمدة غير معلومة الأجل؛ حتى يعطيها فرصة لتكبر هي في البداية قبل أن تفكر في إنشاء الآخرين، وقد اقتنعت برأيه عندما رأت ما تعانيه شقيقتها الكبرى هند مع وليدها الصغير جاسر، كانت تساعدها في الاعتناء به ومع كل يوم يمر يزيد تشبثها بتأخير الإنجاب. لكن الحال لم يدم طويلا، فرغم الإحتياطات وطمأنة الطبيب لهما شاء الرب أن تحمل في السنة الثالثة وصار ما باليد حيلة سوى الإنصياع لأمر الله.
***
بدأت تنتبه لتصرفاتها، تتحدث مع مصطفى في حدود المسموح فقط، وقد ساعدها على ذلك تنبيهات فريدة لزوجها بحجة غيرة آدم القاتلة مخفية حقيقة غيرتها هي الأخرى لكنه استشف ذلك بذكاءه وسرعة بديهته.
استقرت الأمور بين آدم ومصطفى منذ ذلك لتكون أفضل ما يكون، فالعائق بينهما قد انهدم بلا رجعة.
***
هللت فريدة عندما أعلمها زوجها أنه استطاع إقناع والديها بالقدوم والعيش معهما، فقد اتخذ حفيدهما مبررا كافيا، فيوسف الصغير يحتاج إلى رعاية دائمة مما يشكل ضغطا على فريدة؛ لا تريد إهمال ولدها وبذات الوقت لا تستطيع ترك أمور المزرعة.
انضم إليهم الجدين، فتسلم عبدالرحمن منصبا في الإدارة المالية بالمزرعة، بعدما أقنعه مصطفى أن هذا المنصب يحتاج إلى شخص محل ثقة أكثر من مهارات حسابية، فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين وقد حلت الأولى بالفعل.
شعر عبدالرحمن بالإنتعاش بعدما غمره شعور بالكدر وعدم الأهمية، فجلسته مع أصدقائه القدامى لم تلبث طويلا قبل أن تتحول إلى جلسات مملة لا تطاق، فلم يعتد في حياته على الجلوس دون عمل أما ما فعله صهره أعاد إلى نفسه روحها وغبطتها.
استغلت فريدة انشغال الجدين مع حفيدهما والتفتت إلى زوجها تطبع قبلة صغيرة فوق خده، نظر إليها بطرف عينه محاولا إخفاء ابتسامته لكن ذراعه لم تستطع مقاومة إحاطة كتفيها، يكفيه لمعة الفرحة التي رأها في عيون زوجها حالما شاهدت ترجل والديها من السيارة أمام منزل المزرعة.
***
مرت ثلاث سنوات على الزواج الثنائي، مرت بحلوها ومرها، فلا شيء دائم سوى العلاقات الإنسانية وصلة الرحم، شعر البعض بالفتور ثم عادوا إلى سابق عهدهم، ضيق ثم يسر، وهكذا تتوالى الأيام.
قدم الجميع إلى المزرعة بعدما صارت جنة الرحمن في الأرض، الهواء النقي الذي يلفح الأوجه فيعيد إليها انبساط أساريرها، الخضرة التي تشع من كل مكان عبر الأشجار وثمارها المدلاة.
شارك الكل في تعليق الزينات وتجهيز الجو المحيط بالمنزل للاحتفال بعيد ميلاك يوسف ابن مصطفى وفريدة فقد أتم عامه الثاني، كذلك الاحتفال بما وصلت إليه المزرعة من نجاح وخروجها من أزمتها بعد عناء.
وقف أكرم أعلى السلم المتنقل يتناول الأضواء الملونة من كف والده ليعلقها، وعلى الجهة الأخرى وقف أحمد نفس وقفته يأخذ شرائط الزينة الملونة من والد زوجته.
حمل مصطفى الطاولة الضخمة بمعاونة ياسين وبعض العاملين بالمزرعة من ضمنهم هشام، أعطاه مصطفى لإصلاح ما فعله وما تسببه من كارثة للمكان، لكنه قرر بعد ذلك أن يبقي عليه معهم دون أن يرفع عينيه عن مراقبته، لقد أثبت أمانته وتغيره عما كان.
انصرفت الزوجات والأمهات إلى المطبخ، يضيفون اللمسات الأخيرة على قالب الحلوى منزلي الصنع والأطعمة الأخرى، حتى والدة هشام مدت يد العون لهم؛ فقد استقرت معهم في المزرعة خوفا من تركها بمفردها في سنها وحالتها المرضية وقد اتخذتها فترة نقاهة بعد نجاح العملية بقلبها.
أعد كل شيء وتحلق الجميع حول الطاولة بعدما أطفئوا الشموع وقدمت الهدايا، جمع العمال سويا مبلغا من المال واشتروا ليوسف سيارة صغيرة يلعب بها في الأرجاء، دار بها الصغير حولهم فرحا مهللا ثم بدأ يتبادل ركوبها مع أولاد عمه وخالاته وكذلك أبناء العاملين دون تفرقة، فقد تربى معهم جميعا بلا محاباة.
تركت عيون مصطفى جسد طفله الراكض من جانب إلى آخر وحطت فوق وجه زوجته الباسمة بعيونه البراقة، زاد حبه لها مع مرور الأيام، تحملته كما لم يفعل غيرها، وجدها إلى جواره تشد على ساعده في الضراء كما في السراء، لم تنفر منه في غضبه وأعانته على تحمل ضغط العمل، وأرشدته إلى الحلول والراحة الداخلية.
مسحت هند فم ابنها جاسر بالمنديل قبل أن تتركه يعود إلى لعبه مع بقية الأطفال، هدهدت مرام صغيرها ياسين حديث الولادة حتى يستقر في نومه، مد آدم كفه وبسطها فوق بطن زوجته المنتفخة التي تنبئ بحمل عمره ستة أشهر، حمد ربه أنه استقر مع زوجته أخيرا في بلده، لقد قدم استقالته من المشفى الأمريكي حتى يعمل في مصر بمشفى آخر قريب من منزلهم.
أقنعته ندى برجاحة عقلها، فيجب على طفلهما أن يدخل مدارس وطنها ويتعلم بها؛ على الرغم من ارتفاع مستوى التعليم في أمريكا لكن يبقى ابنها عربيا مسلما ولن تقبل يوما أن يستهين بدينه أو أخلاقه التي تجاهد في زرعها داخله. لا تريده أن يعتاد على رؤية الفتيات بملابس عارية تظهر أكثر مما تستر، وغيرها من الأمور التي اقتنع بها آدم ووافق على الاستقرار في القاهرة.
مدت إيمان كفها بصحن صغير إلى حفيدها صاحب الحفل يوسف بعدما صمم على تناولها بمفرده دون مساعدة أحد، أخذ نصيبه وركض بعيدا، لكنه عاد بعد دقائق وقد رسم فوق شفتيه خطا يشبه الشارب ملتف الأطراف، انتاب الجميع موجة من الضحك على مظهره، إنه يوسف مصطفى بهيج الذي ورث عن والديه خفة الظل وأجمل ما فيهم من صفات وكذلك أسوءها، ومنها غيرته المفرطة على والدته.
أنبته والدته فيما تمسح وجهه بالمنديل: الشيكولاته للأكل مش اللعب
انتبه الجميع للحظة إلى الألعاب النارية التي أنارت السماء وفرقعت في الهواء، نظرت فريدة إلى زوجها مستفسرة، لكنها طمأنها، لقد اتفق مع أكرم كي يحضر بعضهم لإضفاء لمسة جميلة إلى حفل ابنه.
انتهز مصطفى انشغال الضيوف في مشاهدة المفرقعات والتفت إلى زوجته وقبض على كفها: كل سنة وإحنا مع بعض .. ويوسف بخير
آمنت باسمة: اللهم آمين
استجاب للحب الملتمع في أعينها بشغف: حاسس إن رجلي منملة .. ما تيجي تفكيهالي
لم تتمالك ضحكتها في حين سقط بصرها إلى بطنها المنتفخة دلاله اقتراب موعد الولادة: مافييش نَفَس أقوم من ع الكرسي أصلا
زفر بضيق: يظهر إن الست مريم هتطلع عينينا من دلوقتي
قهقهت: يعني هي حلوة على يوسف وعليها لا ؟
نظر في أعماق عينيها بوله: ومين قال إني ساعة يوسف كنت مبسوط يعني ؟
ربتت على يده: خلاص .. كلها شهرين بس
كظم غيظه: هما الشهرين دول شوية .. ربنا يستر عليا وما أموتش قبلها م الحسرة
اخرسته بسبابتها تمنعه من تكرار هذه الكلمات مرة أخرى: إخص عليك يا مصطفى، أوعى اسمعك تقول كدا تاني .. بعد الشر عنك
هام في نظرات قلقها عليه: خايفه عليا؟
همت بالإجابة عندما سقط ظل فوقهما، آتى هشام فزفر مصطفى بضيق شديد على المقاطعة غير المستحبة بالمرة: أهلا يا هشام .. في حاجه ولا إيه؟
غمر الخجل وجهه من استقبال رئيسه الجاف: لا أبدا يا أستاذ مصطفى .. جيت أهني يوسف وأديله هديته
نظرت فريدة إلى زوجها لائمة على طريقته الباردة، حاولت تلطيف الأجواء بابتسامة صافية: كل سنة وأنت طيب يا أستاذ هشام .. ماكانش في داعي تتعب نفسك .. كفايه الهدية اللي اشتركتوا فيها كلكوا عشانه
- لا تعب ولا حاجه، يوسف دا حبيب الكل .. ربنا يحميه
آمنت وحل الصمت لثوانٍ فاستأذن هشام منهما: طب عن إذنكوا بقى .. هأدي يوسف هديته واستأذن
فريدة: ما أنت قاعد معانا شوية
اعتذر بلباقة: لا معلش عندي شغل الصبح بدري
- ربنا يعينك
هتف بها مصطفى بعدما غاب الآخر عن الأعين: ما كنتي امسكي فيه شوية كمان .. ولا أقولك .. كنتي قومتي جبتيله كرسي بالمرة وفرشتيله الأرض ورد
أطبقت شفتيها بعتاب: دا بدل ما تعتذرله ع الكلام بتاعك، كسفت الراجل وهو ما عملش حاجه
سخر: اكتر م اللي إنتي عملتيه ؟
تأففت: مش أنت اللي مشغله هنا .. بتغير ليه بقى ؟
شعر بالغضب يكتم أنفاسه: دي أكبر غلطه عملتها فــــــ حياتي ومش قادر أعمل حاجه معاه عشان وعدته
بسطت كفها على أحد جوانب وجهه: أنا مش بأحب غيرك، ولو خيروني بينك وبين رجالة الدنيا كلها .. مش هأختار غيرك .. فهمت ؟!
ثم أضافت: وبعدين مامته بتفكر تخطبله واحدة قريبتهم .. يعني مش بعيد كمان كام يوم وتحضر خطوبته
استرخى بشدة وعادت الابتسامة تنير وجهه، أفاق من سعادته على صياح أكرم: بتتكلموا ف إيه يا خلابيص
صاح مصطفى في وجهه مفجرا غيظه: يا عم روح أنت التاني، ماهو قرك دا اللي جابني ورا .. أشوف فيك يوم يا بعيد
استدار إلى مرام وتابع انشغالها بهدهدة الصغير حتى يغط في النوم من جديد، لوى شفتيه ببؤس: شوف ياخويا براحتك .. أكتر من كدا إيه
قهقه: أحسن، ماهو من أعمالكم سلط عليكم
قال متحسرا: الواحد قعد يدعي إنها تجيب واد؛ عشان نبقى قوة ساحقه عليها
شاركهم أحمد ضاحكا: وحصل إيه ؟
شهق بخيبة: أنا اللي بقيت مسحوق يا عم
داعبه مصطفى: مسحوق غسيل ولا مواعين
تدخل آدم ضاحكا: مش فارقه كتير.. أهو كله بيغسل ف الآخر
أكرم بضيق: اتريقوا اتريقوا .. ما أنتوا مش حاسين بيا
أشفقت عليه هند فحاولت بث الطمأنينة إلى نفسه: فترة وهتعدي يا أكرم .. ما تكبرهاش كدا، يدوب أول 3 شهور بس
أحمد: أنت عارف سبب اللي أنت فيه إيه ؟
شهق بلهفة: إيه ؟؛ يمكن ألاقي الحل
انفجر شقيقه ضاحكا: نيتك السودا يا كرومه
أضاف مصطفى: أيـــــــــــــــووه .. فضل يتريق على كل واحد فينا لما مراته حملت وولدت وكان شمتان فينا، كل دا لأنه كان مأجل الخلفة لحد ما يخلص الدراسات العليا بتاعته عشان ما يتعطلش .. وأهو بقى حاله من حالنا
أكرم بندم: ياريتني ما كنت أجلت أهو كانت تعدي الفترة دي وأنا مشغول .. لكن كدا، هأموت بدري م الحسرة
صفعه آدم على فخذه: عشان تصفوا النية بقى
التفت إلى زوجته تصيح باسمه: أكرم .. هاتلي الشوخشيخة بتاعت ياسين م الشنطة جوا
غرق أصدقاءه في نوبة من الضحك على ما آلت إليه أموره، صاح آدم: بقى أخرتك شوخشيخة يا كرومه .. صحيح، الدنيا يوم لك ويوم عليك
تناولوه بينهم كالكرة، فعلق مصطفى: قصدك يوم لك وياسين عليك
أيده أحمد: تصدق أه
تأفف أكرم ونهض بغضب: يــــــــــــــــــــــووه .. مش هأخلص منكوا .. أنا داخل
استمر مصطفى يلاحقه بالكلمات الساخرة دون أن يتوقف عن الضحك: طب أنا بأقول تجيب الشنطة كلها؛ بدل ما تفضل طول الليل رايح جاي .. أصلها هتبتدي بشوخشيخة وتخلص بــــــــ (ممكن تغير له البامبرز يا حبيبي)
دلف إلى المنزل والغيظ يكاد يقتله، لكنه عمل بنصيحة صديقه؛ فعاد يحمل الحقيبة الخاصة بابنه والتي تحتوي على جميع أغراضه، عندما لمحوه مقبلا عليهم من جديد قهقهوا على تعبيرات وجهه البائسة؛ فقد مروا بنفس ظروفه لكنه لم يشعر بأحد منهم حتى وضع في محله.

☚ تمت بحمد الله ☛

_____________________
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close