اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم سارة محمد


الفصل الثالث والعشرون
نزعت فريدة بيدها التي طُليت بالحناء الورقة من النتيجة، أمسكتها بين أصابعها وحدقت بالتاريخ وعيونها تشع بفرح.
***
ذهبت إلى كليتها تقدم قدما وتؤخر أخرى، لقد اختلطت المشاعر بداخلها، القلق والخوف من الإمتحان والذي يلازمها في كل إمتحان على مدار سنواتها الدراسية جميعها، بالإضافة إلى شعور بالراحة لإنتهاء دراستها أخيرا واقتراب تخرجها، وفي النهاية الشعور بالحزن والكرب يغمرها وقد طغى هذا الشعور على ما سبقوه، حزينة لقرب سفرها وتفريق المسافات الطويلة بين جسدها وجسد حبيبها، ستُحرم من رؤيته ولو في المناسبات العائلية.
لم ترى أكرم منذ جاء مع أهله لخطبة أختها، نفضت عنها كل ذلك فقد شرع المراقبون بتوزيع ورقة الأسئلة، وبعد إنتهاء وقت الأمتحان وجمع ورق الإجابة منعهم المسئولون عن اللجنة من الخروج، لحق ذلك دخول أكرم فاستفاقت من شرودها وهو يمسح ما كتب على السبورة من بيانات للمادة التي تم إنتهاء إمتحانها وبدأ بالكتابة، ركزت في تهجئة الحروف التي كتبها وعندما انتهى أصابتها الدهشة، لم تستطع النطق فقد كتب "تتجوزيني يا مرام؟" وكتبها بالإنجليزية أيضا.
ارتقى الدرجات الفاصلة بينهما، رأت توجهه إليها فنهضت واقفة، سألها بابتسامة: هـــــا ؟ قولتي إيه ؟
تسألت كالتائهة: ف إيه؟
سخر: ف خطي .. حلو؟
اغتاظت: لا وحش .. بيشرب م البحر
رد بوداعة: ما إنتي مشرباني على طول م البحر عايزه خطي يبقى شكله إيه ؟
- لا يا شيخ؟
- أنا أصلا مش محتاج رأيك، لإني اتقدمت لبابكي وهو وافق وأنا موافق يبقى خلاص .. الموضوع انتهى
زمت شفتيها ساخرة: على كدا كنت كتبت بدل تتجوزيني .. أتجوزتيني وخلاص
أدعى التفكير وشرد ببصره بعيدا: تصدقي فكرة .. إزاي غابت عن بالي دي
سحبت حقيبتها الملقاة أرضا بجوار مكان جلوسها، همت بالمغادرة، أسرع أكرم بالوقوف أمامها بابتسامته الساحرة: تتجوزيني؟
نظرت بعيدا وأجابته بسعادة: ايوه
زفر براحة: أخيـــــــــــــــــرا .. لازم تغلبيني يعني؟
تعالى صوت قرع الكفوف ببعضها من الطلبة والمراقبين واللجنة الممتحنة بأكملها، سمعت صوت صديقتها ريم يصرخ قائلا: هيييييـــــــــــح يا رب أوعدنا زي مرمر كدا .. قولوا آمين
صاحت ببقية زملائها بتحذير لمن يرفض، ردد الجميع خلفها: آمـــــــــــــــــــــــيــــــــــــــن
***
جلس كل من العريسين بجوار عروسها، فرح ثنائي، أريكتين غُطيتا بقماش من الحرير والتُل الأبيض، أحطهم الناس من جميع الأنحاء بين مباركين وأقارب ووصفات العروستين.
مصطفى بجانب فريدة، يلقي عليها نظرات الوله بين الفِنية والأخرى، وأكرم متشبثا بكف مرام على الأريكة المجاورة، نظرت مرام إلى زوجها عندما اشتدت قبضته حول يدها عندما حاولت جذبها لتعيد ضبط وضعية ثوبها ناصع البياض، بادلته البسمة التي اتسعت حين لمحت التحذير بهما من المحاولة في سحب كفها مرة أخرى.
شردت، في اليوم السابق بعد عودتها وقد لمست الأرض بالكاد من فرط سرورها، دخلت عليها والدتها وأغلقت باب الغرفة خلفها، جلست أمامها على الفراش مصدرة تنهيدة راحة لما رأت فرحتها، أدركت أن الخبر قد وصلها.
- بتحبيه ؟
أخفضت نظرها بخجل فماتزال أمها من تجلس أمامها، عادت تحادثها: لو تعرفي عمل إيه مع أبوكي عشان يوافق
أسرت برفع ساقيها وثنتهما أسفلها، التقطت كفيّ والدتها مهللة، ترجتها أن تخبرها بالتفاصيل: بالله عليكي يا ماما إحكيلي .. عمل إيه ؟ .. هـــا ؟؟ .. إيه ؟؟
ضحكت أمها: طيب طيب، حلمك عليا
أضافت وهي تزجرها، ضربتها على كتفها: بقى مفهمة الواد إن سامر لسه متكلم عليكي وهتتخطبوا قريب ؟
تراجعت خجلى من فعلتها: أنا ... أ ...
قرعت مؤخرة رأسها: ليكي حق تأتأي، ما أصلك هتقولي إيه .. إنتي يا بت هتعقلي إمتى وتبطلي حركات العيال دي ؟
ضربت كفا بكف: والله قولت لأبوكي دي عايزه تكبر الأول .. مش تجوزها بكره
شهقت صائحة: بكره إيه ؟
مصمصت شفتيها مستنكرة العجلة التي أتفق عليها زوجها مع عريس ابنتها الصغرى: فرحك ياختي بكره مع أختك .. إيه رأيك بقى؟
انزلت قدميها أرضا ووقفت غير مصدقة: رأيي ف إيه ؟ .. ماعزمتش حد ولا حجزنا ف قاعة ولا اتفقنا على حاجه .. هأعيش فين
أردفت صارخة: والفستــــــــــــــــــــــــــــاان
فتحت فريدة الباب ودخلت حاملة علبة ضخمة، وضعتها على الفراش وفتحتها في صمت، أخرجت محتواها وبسطته أمام أعينهم: وأدي الفستان .. هدية العريس وذوقه
خطفته ووضعته أمام جسدها، ظلت ترقص وتترنح بينما تشاهد نفسها في مرآة الخزانة، دندنت بأغنية لا تسعها الأرض: ما تذوقين يا ماما، أوام يا ماما، دا عريسي هياخدني بالسلامة يا ماما
ضحكت فريدة وعقدت ذراعيها تراقبها، غمزت أمها: ما تذوقيها يا ماما
نهضت إيمان مقررة ترك الغرفة، سمعتها ابنتيها تطلب العوض فقد جُنّت كلتاهما، غرقت الأختين في نوبة من الضحك، ارتمت مرام فوق الفراش تضم الفستان إلى صدرها، لحقت بها شقيقتها، حدقتا في السقف.
سألتها مرام أخيرا: تعرفي إيه اللي حصل ؟
فهمت قصده فأوضحت: كان فاكر إنك لسه ناوية تتخطبي لسامر، ويوم ما جُم يطلبوني لمصطفى أكرم فتح الموضوع مع بابا وحاول يفهم منه وعرف إنك كنتي بتضحكي عليه، وبعد ما خلصوا كلام عن جوازي أنا ومصطفى .. أكرم خد بابا وقعدوا ف البلكونة واتكلموا
انقلبت مرام على جانبها واسندت وجنتها فوق باطن كفها: وبعدين ؟
- استغل الفرصة وطلب إيدك، بابا وافق بس أصر إنك ما تعرفيش حاجه لحد ما تخلصي إمتحانات عشان دي آخر سنة ليكي ومش عايز دراستك تتأثر بسبب الخطوبة أو التفكير ف الجواز، أكرم وافق وكان شرطه إنه يتجوزك معانا، يوم جوازي أنا ومصطفى
جلست صامتة لفترة، اسندت مرفقها فوق ركبتها: إممممم عشان كدا كنتي بتجيبي كميات كبيرة م الجهاز .. وماما تقول أصلها هتحتاج كتير
اعتدلت فريدة ضاحكة: أيوه يا ناصحة، الحاجات نصها ليا ونصها ليكي .. وعشان كدا كنت بأخد رأيك ساعات .. عشان دي حاجتك .. أومال فاكرة إني بأثق ف ذوقك للدرجة دي ؟؟
ضربتها بالوسادة مغتاظة: بقى كدا ؟!
توقفت فجأة وتساءلت بشرود: وأهله ؟ .. رأيهم إيه ؟
أعادت ترتيب مظهرها، تلكأت في الإجابة لتزيد قلق شقيقتها إنتقاما منها ومداعبة: كانوا عارفين كل حاجه، يا بنتي أنتوا ما كنتوش شايفين نفسكوا .. بس كل حاجه كانت باينه .. قعدوا مع بعض واتفقوا ف اليوم كان عند مادة غريبة كدا بعد الضهر
هزت رأسها: إمممممم، استغليتوا غيبتي يعني
قفزت فوق قدميها منصرفة: أبقي قيسي الفستان عشان لو محتاج تظبيط .. خليني أرجع أكمل تظبيط الحاجه .. كفايه عطله بقى
استيقظت من استغراقها في الذكريات على اقتراب أكرم منها هامسا: مرام
ابتسمت: نعم
تنحنح محرجا: إنتي مضايقه إننا هنعيش مع أهلي ف نفس البيت ؟
امتلأت عيونها بالجدية: أنا مقتنعة إن أي زوجين ف بداية حياتهم لازم يعيشوا لوحدهم؛ لإن أول فترة بتبقى صعبة عشان مش متعودين على بعض وكدا .. كمان ماكانش فيه فترة خطوبة تسهل علينا الفترة دي
لاحظت حركة تفاحة آدم بحلقه المتوترة، شدت على يده تهدأه: بس طنط صابرين وأنكل ياسين حاجه تانية .. والفيلا واسعة وهنقدر نحقق الخصوصية اللي إحنا عايزينها
لثم كفها وعيونه تلمع فرحا: ربنا يخليكي ليا .. الحمدلله إنك ما اتعبرتيش الموضوع تدبيس
ضيقت عينيها: على فكرة لو أنت ما عملتش كدا .. كنت أنا اللي هأدبسك
اقترب بعض المهنئين فمنع كلماته التي أرادت التعبير عن سعادته بقبولها الزواج منه، رسم ابتسامة مرغمة في وجه الحضور وفي داخله يتميز غيظا؛ لا يستطيع الحديث معها بحريته لا قبل عقد القران ولا بعده.
***
جلست بجوار زوجها حول إحدى الطاولات الدائرية بالقرب من حوض السباحة، ظهر الضيق على ملامحها وبنبرة صوتها، طلبت منه بطريقة غير مباشرة التدخل والتعامل مع رئيس والدها صاحب الشركة، شرحت له: كاسر عينه بالشرط الزفت اللي حاطه دا، تخيل بيهدده عشان نزل مصر من غير إذنه ساعة ما عرفوا اللي حصل لفريدة وعايز يرفع كمان قضية عشان يسدد الشرط الجزائي
ربت على كفها المقبوض فوق الطاولة، طمأنه بثقة: هأتصرف .. ما تشغليش بالك
نهض من جانبها وقد انضمت إليها ندى تحاورها عن شيئ بخصوص العرس، بحث عن عبدالرحمن حتى لمحه، اقترب منه مزررا سترة بذلته، بعد حديث دام لدقائق ابتعد يضغط أزرار هاتفه ويلقي أوامره للطرف الأخر.
***
أوشك العُرس على الإنتهاء، دنى موعد رحيل العرسان إلى شهر العسل لبدء حياة زوجية بداية سعيدة مبهجة، شرع المدعون في الذهاب.
اقترب أحمد من حميه، كان يتوسط زوجته وابنته، مد يده بورقة بهدوء: اتفضل يا عمي
تناولها منه وابتسم بارتباك: إيه دا يا ابني؟
أجابه بإيجاز: دا تنازل من صاحب الشركة عن حقه ف الشرط الجزائي
حدق بالورقة بين يديه، قرأها مرة ومرات، رفع نظره إلى زوج ابنته الوسطى، ترقرق الدمع في عيونه ولُجم لسانه، أدرك أحمد حالته فقال: مايهونش عليا تسيب مصر وبناتك تبعد عنهم من غير رضاك
تحركت هند ووقفت بجوار زوجها، لم تدرِ كيف تعبر عن شكرها، طوقت خصره بذراعيها شاكرة: حبيبي ربنا يخليك ليا
دعت له والدتها: ربنا يحفظك يا حبيبي
قال والد هند أخيرا: كتر خيرك .. أنا مش عارف من غيرك كنت عملت إيه
حاول أحمد رفع الحرج عنه: ما تقولش كدا يا عمي .. إحنا أهل
احاطت ذراع أحمد بخصر زوجته، انخفض يهمس في أذنها: المهم إن الجميل يكون فرحان
ضغط بسبابته بين حاجبيها: والـ111 تروح لحالها بعيد عن الوش الحلو دا
ثنت سبابتها عدة مرات حتى يهبط برأسه قليلا، اقتربت من أذنه وهمهمت بحب: لما نروح هأوريك فرحانة قد إيه
ابتسم بخبث ثم عاود الهمس: أه، ما أنا لاحظت إن الفستان دا من النوع أبو سوسته مش كدا ؟
لكزته في كتفه بخجل: أنت قليل الأدب
وسع ما بين جفنيه ببراءة: أنا باسأل سؤال برئ
زمت شفتيها: لا يا شيخ
أخفى ابتسامته خلف مجموعة من التعبيرات الجدية: كلام ف سرك مش بأحب الزراير .. مقرفة وبتضيع وقت، لكن السوست .. يا سلام ع السوست .. ياريت كل الهدوم بسوست
كتمت ضحكتها: أتلم .. أصلا موضوع السوستة دا مش هيطول كتير
قطب: ليه إن شاء الله ؟
أعلمته بغنج ودلال: عشان السوست اللي عندي مش هتقفل عليا لما بطني تبقى قدامي كدا بعد سبع شهور ونص
فبض على أعلى ذراعيه: يعني .. يعني إنتي حامل؟
هزت رأسها بخجل: بالظبط كدا
منع قدميه من القفز عاليا، وأحباله الصوتية من الصراخ بعلو صوته، بعدما تقبل التهاني ورد بأحر منها من حميه وحماته، أمسك على يد زوجته بشدة وأسرع إلى والديه يبشرهما.
انتشر الخبر بين الحضور وتوجهت المباركات للثلاث شقيقات، تشاركن السعادة والفرحة، كل منهما تسعد لشقيقتها كسعادتها لنفسها.
انتهى العرس والغبطة تعم المكان؛ فقد بدأت حياتان جديدتان بالتأسس وقد جمع بينهما الله –سبحانه وتعالى- بالحلال،كذلك حياة ثالثة بدأت بالتكون في الرحم، انطلق العرسان في رحلة شهر العسل بمرسى مطروح كما اختارت فريدة، لأنها أحبتها نتيجة سماعها عن جمالها وروعتها دون حتى زيارتها، تحمل ياسين تكاليف شهر العسل كهدية بمناسبة زواجهم.
***
وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة، التقطت أحد الفنجانين وسلمته لزوجها ثم أخذت الفنجان الخاص بها، شاركته الأريكة متابعة الحديث الذي بدء منذ عادا إلى منزلهما.
- المهم إن شغل أستاذ خالد عجبك
ارتشف من فنجانه: مش بطال
مالت عليه بكتفها: أهو أحسن من واحدة تدلع عليك
رفع أحد حاجبيه: دي غيرة بقى
انسحبت إلى طرف الأريكة غامزة: دي نصاحة ستات يا قلبي ..
أردفت بعدما شربت قليلا من فنجانها: كلها كام شهر وبطني تكبر .. وشكلي يتغير .. ولو السكرتيرة حلوة وشايفه نفسها شوية ما عودتش تبص ف وشي
أردفت بشهقة: ولا ف مرة تفكر تستحمى ف المكتب وتشوفك زي ما شوفتك .. ولا تفضل تدور معاك ع النضارة تحت أكوام الورق .. لا لا يا سيدي السكرتير الراجل أرحم .. الواحد هيفضل على نار كدا
ضحك بسعادة واضعا رأسه فوق ركبتيها وبسط جسده فوق الأريكة: بس مهما راحت ولا جات مش هتبقى زيك .. لا هتكون أول ولا آخر سكرتيرة .. لكن إنتي اللي دخلتي عقلي وقلبي
قبل بطنها المسطحة عبر القماش الناعم، داعبت خصلات شعره حتى راح في سبات عميق، استرخت للخلف شاردة والبسمة على ثغرها، تقلبت عيونها في الحجرة حولها؛ تتخيل طفلا يقفز هنا وآخر يلعب هناك وفتاة تمشط شعر دميتها الصناعي.
***
وصلوا مرسى مطروح والوقت قد تجاوز منتصف الليل، تفرقوا كل ثنائي في شاليه منفصل، صحب مصطفى زوجته إلى الشاليه الخاص بهم.
تقدمته فريدة إلى الداخل، بحثت عن مكبس الإضاءة وأنارت المكان، تطلعت حولها بينما تأكدت من إنغلاق الباب بشكل آمن.
وقف بجوارها يجيل بصره في الأرجاء مرددا: نورتي شاليهك يا شابة
قهقهت للهجته التي تشبه ريا: إيه دور ريا وسكينة دا ؟
غمزها بطرف عينه: مش المفروض أدبحلك القطة يوم الفرح عشان تخافي؟ .. إنتي أصلا عايشه ع الدبح والتشفيه والسلخ، فقولت أسلوب ريا وسكينة مافيش غيره
زمت شفتيها مستنكرة: أنت هتذلني إكمني دكتورة بيطرية ؟ .. اللي مش عجباك دي هي اللي هتمشيلك شغلك وحيوانات مزرعتك
غازلها: هو أنا أقدر أقول عليك كلمة يا جميل
ضربته على كتفه بخفة: أيوه كدا .. أتعدل
اعتدل في وقفته: تصدقي ماخدتش بالي إني معوج
نفخت بحنق: اللهم طولك يا روح
- ما تيجي نصلي
- ماشي، بس قول الدعاء دا الأول
أمسكت يده ووضعتها فوق رأسها، سمعته يردد الدعاء مغمض العينين: اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه
توجهوا إلى الغرفة كي يأدوا صلاتهم، صلت خلفه حامدة؛ فلقد حققت أحد أحلامها، كانت تحلم باليوم الذي تصلي فيه خلف زوجها وشريك دربها وتحقق هذا اليوم أخيرا مع زوجها الذي تذوب عشقا به.
سلما من صلاتهما، استدار إليها بثغر باسم: أنا وإنتي بقينا ف بيت واحد .. نبدأ حياتنا سوا ونبنيها م الأول، إيدي ف إيدك هنعدي كل المشاكل بس ف يوم يا فريدة لو زعلتي مني أوعي ما تقوليليش سبب زعلك أو تقولي مادام ماعرفش لوحده أنا مش هأقوله، لا، نبهيني .. يمكن أكون غلطت ف حقك من غير قصد أو تكوني فهمتيني غلط .. كل شئ وارد، مش عايزك تنامي ف يوم زعلانه مني، ولا أنا هأنام زعلان منك .. نصفي قلوبنا ناحية بعض قبل ما ننام؛ لإنه يا عالم هنصحى نلاقي بعض ولا ... هيكون واحد فينا ف القبر
توقف لما رأى الدموع تتجمع في مآقيها، طغى الحنان على نظراته: ما تقلقيش؛ هنفضل مع بعض أطول فترة .. ربنا يجعل يومي قبل يومك
فاضت الدموع على وجنتيها وأغرقتهما، مد كفه يمسح شلالات الماء الفياضة، سألها قلقا: في إيه بس ؟
حاولت كتم شهقاتها حتى تستيطع الرد، قالت قبل أن تعاود البكاء من جديد: رجلي .. رجلي نملت
حدق بها في بلاهة: نعم؟
كررت: رجلي نملت ومش قادرة أحركها .. مش حاسه بيها
نفخ بغيظ: بقى عامل أكلمك جد، ويومي قبل يومك ورومانسيه وشويه شويه هأجيبلك لبن العصفور وجنابك تقوليلي رجلي نملت، وأنا اللي فاكر إنك قشعرتي من كلامي
على صوتها بحدة وغضب: رجلي يا بني آدم .. فك التنميل بعدين أرغي، أنا بأتعذب ودا نازل لوك لوك لوك لوك .. إيه مافيش دم ؟
نهض واقفا على قدميه وصرح أمامها: تصدقي حلال فيكي اللي إنتي فيه
أضاف: بس قلبي الصغير لا يتحمل .. أعمل خير وأرميه البحر، هأساعدك، أمري لله
نجح في حملها بهدوء وروية دون أن يزيد ألمها، لقد تيبست قدميها وأمتنع الدم عن السريان في شرايينها إلى ساقيها نتيجة جلوسها في وضع التسليم من الصلاة لفترة طويلة، فقد استغرقها الإصغاء لحديثه بينما جلس أمامها مشبكا قدميه أسفل جسده في وضع أكثر راحة.
وضعها على الفراش متمهلا كأنها قطعة من الزجاج يخشى عليه من الخدش، مد يده محاولا رفع ثوبها الصيفي الطويل عن ساقيها، دفعت الثوب ليكسو ساقها من جديد وضربت يده تبعدها.
شهقت بقلق: بتعمل إيه ؟
تنهد بفروغ صبر وقد دفع يدها بعيدا مكملا ما يفعله: بأرفع الفستان
أمسكت يده بغيظ وعناد: أيوه .. ليه يعني؟
فهم سبب قلقها: عشان أفكلك التنميل، ولا ناويه تقضي ليلتك دي منمله .. كانت واقعة إيه المقندله دي، أسيب كل بنات الدنيا وأتجوز المنملة
رغم غيظها من كلماته إلا أنها لم تستطع مقاومة رغبتها العارمة في الضحك: تكفير ذنوب بقى بعيد عنك
- بقى بزمتك إنتي .. ف العروق دي أي دم ؟
أومأت وقد ألجمته بردها: أه، دمك .. ولا نسيت لما أتبرعتلي بيه ؟
رفع يديه إلى السماء: يا رب كان داسني تروماي قبل ما أعملها
استفزته: مافيش تروماي ف القاهرة يا حبيبي
حدق في وجهها بهيام: يا إيه ؟ .. قوليها تاني كدا
أخرجت لسانها: يا مسهوك
- لا لا مش دي، قولي يلا؛ عشان أفكلك التنميل .. بســـــــــــــــــــــــــــــــــــرعة
كررت بخجل: يا .. حبيبي
- يا قوة الله .. أخيرا سمعتها من بؤك يا سكر
ذكرته: رجلي
- طيب أهو .. حاضر يا بــــــــــــــااي
ارتاحت قدميها فتركها، وقف إلى جوارها يحل ربطة عنقه، لقد بدلت ملابسها قبل السفر على عكسه لأن فستان العرس كان يعيق حركاتها،كذلك خشيت عليه من التلف نتيجة السفر الطويل والجلسة المقيدة في السيارة.
سألته بريبة: مالك ؟ خلعت الكرافته ليه ؟
حدق بها كأنها جُنّت: لاهو إنتي عايزاني أفضل مخنوق بيها كمان ؟!، إنتي مفتريه كدا إزاي ؟ .. أشوف فيكي يوم يا بعيدة
هتفت بغضب: بتدعي عليا يا مصطفى
رفع حاجبيه ببراءة: لا بأدعي ع البعيدة .. إنما إنتي قريبة، قريبة أوي
وضع يده فوق حجابها يريد حلّه، أوقفته مقطبة: بتشيلها ليه ؟
أراد إغاظتها فقال: عشان أشوف الليفة اللي تحت .. من شوية منملة ودلوقتي ليفة .. وأسجد ركعتين شكر لله، وأموت مشلول بقى
قهقهت: طب شيلها .. شيلها
تنهد ومد يده من جديد، نزع الدبابيس التي ثبتت الحجاب فوق رأسها ثم نزع القماش ليتحرر شعرها البني الحرير وانساب كغدير بديع.
صاح بصدمة: يا قـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــووي .. دا شعرك ولا سلفاه
عقدت ذراعيها مستهزءة: لا سلفاه
مثل الجدية: أنا قولت كدا بردو .. من بكره يرجع يا هانم
ضحكت: جرا إيه يا مصطفى، طبعا شعري
وضع الحجاب فوق الطاولة المجاورة للسرير، جلس إلى جوارها وأصابعه تتخلل شعرها في حركة رتيبة حنونة، استرخت على ملمس يديه السحري، سمعته يقول بالقرب من أذنها وعينيه معلقة بعيونها: تعرفي إنك حلوة أوي
أردف بعدما لمح الخجل في احمرار خديها: ماكنتش أعرف إن دمك هيكون خفيف وبتحبي الهزار، أه كلهم قالوا كدا .. لكن بردو فضلت شايفك فريدة اللي بتشخط وتتكلم جد وبس .. اللي ماعندهاش غير الوش الخشب، ومع ذلك حبيتك وأتمنيتك .. بس طلعتي أحلى بكتير
أخبرته بحياء: وأنا كمان حبيتك
لمعت عيونه بصدمة: أومال مابينتيش ليه ؟ صديتيني ليه ؟
تنهدت: لإنه ماكانش ينفع أعمل غير كدا .. فكرت إنك لو عاوزني هتعمل زي أحمد وتدخل البيت من بابه على طول
أسرع يبرر موقفه: كنت هأعمل كدا، بس لو حسيت بحُبِك، لكن إنتي كنتي بتصديني ف افتكرت إني مش فارق معاكي، وفضلت أحاول أخليكي تحبيني
- وإيه اللي غير رأيك؟
- لما أتخطفتي كنت هأتجنن، عايز أجيبك وخلاص .. قولت لما هألاقيها .. هأتجوزها يعني هأتجوزها .. حتى لو رفضتني
ضحكت بغبطة: هو بالغصب ؟
اقترب منها ناظرا في عيونها بخليط من القوة والشغف: لا مش غصب .. دا حب يا ديده
دنى بوجهه أكثر مغمضا عينيه استعدادا لتقبيلها لكنها دفعته بعيدا على حين غرة: لا
عاد إلى الواقع مضروبا على رأسه، قطب سائلا: في إيه؟
كررت: لا
هتف: نعم ياختي!؟ .. دا إنتي مراتي حلالي بلالي
- أيوه بس لازم تقول دعاء الأول
تنهد ملتقطا أنفاسه، ردد الدعاء: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
قبلها على شفتيها متمتعا باستسلامها وقد رفعت رايتها البيضاء أخيرا، مد يده يُطفئ ضوء الأباجورة المجاورة للفراش فغمر الغرفة الظلام التام. 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close