اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل العشرين 20 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل العشرين 20 بقلم سارة محمد


الفصل العشرون
هجر النوم أعين الجميع، مفسحا المجال أمام القلق ليؤدي وظيفته على أكمل وجه وبأحسن صورة، جلس ياسين مسندا رأسه بيده ومع ذلك كانت رأسه تسقط ليستيقظ من غفوته ويعتدل في جلسته ويعود إلى ذات الوضعية.
حثه عبدالرحمن: اتفضل أنت يا ياسين، ارتاح .. كفايه متقلين عليكوا وقاعدين ف بيتكوا مش معقول هنقلق راحتكوا كمان
علق أكرم مسرعا حتى يزيح عن الآخر أي حرج: البيت بيتك يا عم عبدالرحمن، ما تقولش كدا
عاتبه ياسين بنظراته: دا إن ما شالتكوش الأرض نشلكوا ف عينينا
أضافت صابرين تساند زوجها: أكيد يا ياسين، هو بيقول كدا بس عشان يعرف غلاوتهم عندنا
شكرت إيمان حماة ابنتها: الله يكرم أصلك .. أنتوا اللي ولاد أصول
نهضت صابرين تحاول إقناع زوجها: يلا يا ياسين؛ عشان ترتاح وتنام شويه
ياسين رافضا: لا لا أنا مش نعسان، دا الدوا هو السبب
عبدالرحمن: اطلع واسمع كلام مراتك
استسلم في النهاية وانصاع: طيب بس لو عرفتوا حاجه قولولي
أكد له أحمد: ما تقلقش يا بابا
غادر بصحبة زوجته كي ينال قسطا من الراحة، عاد مصطفى إلى المنزل ينضم إليهم ويشاركهم آخر المعلومات التي وصلتهم وقد بدا هادئا مسيطرا على أعصابه لدرجة استغربها الكل.
استفسر مصطفى بهدوء: في جديد؟
اختصر أحمد طول الكلام: لا
تصاعد رنين أحد الهواتف بنغمة عالية، كأنها وضعت الطير فوق رؤوسهم، سكت الجميع خوفا إذا نطق أحدهم تحل اللعنة عليهم، تصلهم أخبار سيئة مؤلمة، تلمس أكرم جيب سرواله حتى تأكد أن هاتفه هو الذي سبب تلك الحالة للجميع، حدق في شاشته مستغربا الرقم، أجاب متأففا، ليس وقت الدعابات: السلام عليكم
صوت غليظ: هههههه هو أنا هاخلص م الخضرة الشريفة اللي عندي هتطلعلي أنت كمان؟
تساءل بعدم فهم: أفندم؟
- لا ما تاخدش ف بالك .. وعليكم السلام يا سيدي
رد بملل: شكل حضرتك فايق وأنا مش فايقلك بصراحة
- ههههههههههه عشان السنيورة اللي ضاعت منكوا .. يــــــوووه قصدي اتخطفت منكوا؟
- فريدة ؟ وأنت عرفت منين؟ أنت مين؟
طرق ترديده لاسمها أذان البقية، انتبه الجميع واقترب مصطفى منه يحاول تقريب أذنيه من الهاتف ليسمع الحوار ويرى سبب ذكر اسمها.
- هههههههه حيلك حيلك يا عم .. أه هي .. عرفت منين؛ فعشان هي عندي .. لكن أنا مين دا مش مهم .. الأهم أنا عايز إيه
- وعايز إيه .. أكيد فلوس .. كام؟
- أهو كدا تعجبني .. ستة مليون جنيه، كل تلاته ف شنطة وطبعا مافيش بوليس
- إيه؟ مش كتير أوي المبلغ دا؟
- ما أعتقدش لو تهمك السنيورة اللي جوا هتعتبرهم كتير .. مش بيقولوا بردو، الغالي تمنه فيه
- وهاديهملك إمتى؟ وفين؟
- لا لا مش كله مرة واحدة يا خفيف .. استنى مني اتصال زي دا إنهارده .. بكره .. بعد بكره .. كمان أسبوع مش مهم .. سلام
أغلق الخط ثم نزع المنديل عن الهاتف، فقد أدت قطعة القماش مهمتها حين غيرت نبرة صوته، زادته غلظة وضاعفت قوته؛ فترك تأثيره المنشود.
علق السماعة مكانها، خرج من كابينة الهاتف العمومي وانطلق واضعا يديه في جيبه، أحكم وضع القلنسوة فوق رأسه الخاص بالجاكت الذي يرتديه، وقد تدلت قليلا لتخفي أطراف وجهه وأغلب ملامحه في ظلالها، سار في الشارع الخالي إلا من كلب ضال وعمود إنارة وحيدة في الطريق المهجور، كأنه بلا نهاية.
***
سمع طرقا على الباب، أتجه إليه حتى يرى الطارق، فتحه مصدوما؛ لقد غاب عنه فترة طويلة لم يفكر أنه سيقطعها قبل أشهر فتلك عادته: سعد؟
أجاب بينما يدخل المنزل: مالك مستغرب ليه؟ ما أنا قايلك إني جاي؟
أغلق الباب: ما أنت قفلت ف وشي فجأة؛ فقولت زعلت مني ومش هتيجي
ارتمى فوق أريكة كانت فيما سبق مذهبة الأطراف: لا وأنا أقدر بردو
- تشرب شاي؟
- ياريت، أحسن دماغي بتودي وتجيب
وقف يعد الشاي في المطبخ الذي لا يبعد سوى خطوتين عن مجلس ضيفه: خير في حاجه؟
- أبدا الشغل مش أكتر
- ما قولتليش .. شغل نوع إيه ؟
- مش مهم نوعه .. المهم مكسبه
- لا المهم نوعه .. أنت شايف إن اللي أنت بتعمله صح؟
شخر ساخرا: حوش حوش .. لتكون فاكر نفسك أحسن مني يابا، لا اصحى وشوف أنت عايش وبتصرف من فلوس مين
وافقه نادما: عارف وتوبت وياريت أنت كمان تتوب
تراجع في جلسته ضاحكا: توبة .. يا ابني أنا ما تنفعنيش الكلمة دي خلاص
أسرع يحاول تغيير رأي صديقه حتى يعود للدرب الصحيح: ليه بتقول كدا؟ دا ربنا كبير
تنهد بينما يحدق في السجادة يُحصي ثقوبها: أنت لو شوفت البت اللي خاطفها وإزاي بتصلي وتدعي لحد ما تتعب ويغمى عليها وتصحى تصلي وتدعي .. هتعرف إننا مهما عملنا لربنا عمره ما هيجي جنبها حاجه
أدار ظهره بحذر؛ حتى لا يكتشف زلة لسانه عن غير قصد: بس اللي بيغلط ويتوب ثوابه كبير، حتى يمكن أكبر من اللي ما غلطش كمان
- دا كلام بنصبر بيه نفسنا
- وهتخلص الشغلانه دي إمتى؟
ارتشف من كوبه بعضا من الشاي، هز كتفيه: على حسب ما اللي أمرتني تقول
- هي واحدة كمان؟
اكتشف تهوره فنهض: أنا هأمشي؛ عشان ورايا مشاوير لازم اعملها .. عايز حاجه يا صاحبي
- سلمتك يا صاحبي
تأكد من تقدمه مسافة كافية، تناول مفاتيحه وغادر المنزل لاحقا به؛ مهما حدث فهو صديقه ولن يستطيع أن يتركه يهوى من فوق الحافة إلى أعماق الخطيئة وقيعان الذنوب دون أن يحاول مساعدته ولو على الأقل محاولة فاشلة، حتى ولو على حساب نفسه.
***
الوقت يتجاوز منتصف الليل بساعة، لم يأتِهم أي خبر أو اتصال من ذلك الرجل مرة أخرى، جهزوا الأموال المطلوبة وجلسوا يذوقون مرارة الانتظار، ترقبا لأمره كي ينطلقوا إليه فيتم تحرير فريدة من بين يديه القذرتين، لكن الانتظار طال والترقب فاق الاحتمال وليس هناك أخبار.
كان التوتر يسود الأجواء لما دخل عليهم سيف بابتسامته الطفولية متجها إلى مجلس مرام؛ كفكف دموعها التي ما إن تتوقف حتى تعاود الهطول بغزارة أكبر: مش تعيطي يا مرمر
ضمته إلى صدرها: إزاي بس؟
تساءل ببراءة: وإنتي بتعيطي ليه أصلا؟
تجذبه ندى بقربها: تعالى يا سيف وسيب مرام ف حالها
كرر بإصرار: طب هي بتعيط ليه؟
آدم مغيرا الحديث: وأنت مالك بقيت مبسوط كدا فجأة .. ما تفرحنا معاك
هتف بفرح: عشان شوفت ديده
صدمة حطت فوق رؤوسهم، قيدت تفكيرهم وأطلقت صراح تساؤلاتهم، تهيؤات وهلاوس أصابت الصغير من شوقه إليها أم حقيقية، وإن كان واقعا فكيف رأها قبلهم، لم يتزحزح من غرفته إلا للجلوس معهم .. فكيف حدث؟
أفاقوا عند إنطلاق مصطفى إليه، حمله ووضعه فوق ركبتيه: شوفتها فين يا سيف؟
- ف الحلم
تنهد مصطفى بخيبة أمل: حلم؟
نظرت له ندى بأسف ثم سألت ابنها: وشوفت إيه ف الحلم يا سيف؟
- كانت نايمه وفيه حواليها دم كتير أوي .. بس بعدين جه واحد كدا أنا ما أعرفوش وشالها وجابها هنا
دارت العيون، كل واحدة تحدق في نظيرتها، تتلمس الإنقباض الذي أحسته في عيون الغير، تشارك الجميع مزيجا عجيبا من المشاعر، الأول هو الحزن وزيادة الخوف على حالها أما الثاني فهو الفرحة والغبطة بعودتها القريبة، تقاسموا الحيرة متمنين تحقق الحلم وعودتها إليهم.
***
حاول مجددا، مرارا وتكرارا أن يجعلها تستيقظ وتفيق، حتى من أجل الصلاة، أن تشرب، لكن لا حياة لمن تنادي.
وجد حرارتها شديدة الارتفاع، النار تتأجج بجسدها، لقد مضى على نزيفها وجرحها وقتا طويلا دون علاج أو مداوة، أوشكت جسدها على الدخول في صدمة دون مجيب، تلهث الجفاف الذي أصاب بدنها، وتتعرق ذنبا لم تقترفه فقط لدفاعها عن شقيقتها وطفل صغير السن، حاول الإنصات ليجدها تهذي بكلمات غير مفهومة، فكر كثيرا: أكيد الجرح، ربنا يستر وما يحصلهاش أكتر من اللي هي في دا
خَلّفها وراءه، ترتعش من الحمى فيما العرق يتصبب من كل أنحاء جسدها، زاد العرق في انتفاضه عبر خلايا جسدها، صنبور ماء تُرِكَ يُفرغ ما بداخله دون أن يعبأ بإغلاقه أحد.
اتصل سعد بمن وضعته في هذا الموقف يلتمس المساعدة: الحقيني
صاحت بفزع: في إيه ؟! هببت إيه المرة دي ؟
- البت بتتنفض م السخونية، أنا خايف لتموت بسبب الجرح
تنهدت تأخذ أنفاسها المسحوبة منها: خضتني .. ما تموت ولا تتحرق بجاز .. المهم الفلوس
- أه ماهو إنتي بتقولي كدا؛ عشان إنتي بعيد .. لكن أنا اللي هأروح فيها
- والله أنا قولتلك أخطف بس، لكن أنت اللي طولت إيدك بالسلاح
- على العموم لو اتمسكت هأجيبك معايا مش هأرحمك .. أه ماهو يا نعيش إحنا الكل يا نموت إحنا الكل
- عليا وعلى أعدائي يعني؟
- الله ينور عليكي .. فساعديني أحسنلك
- خلاص خلاص.. تعالى لي البيت ماما مش هنا وهنعرف نتكلم براحتنا
- كدا تعجبيني .. مسافة السكة وتلاقيني قدامك يا حلاوة
أغلق الخط، نظر إلى الجسد الذي استنزفت دماؤه ويطرد سوائله، وجده على نفس الحال، فغادر متجها إلى منزل باريهان؛ حتى يجد حلا لتلك المعضلة وفكاكا من هذه الجريمة.
لم يلحظ أثناء اسراعه بالمغادرة تلك العيون المختبئة تراقبه، انتهز المتلصص فرصة خروجه من المكان واتجه بخطوات سريعة إلى الصبية الملقاة أرضا، تهذي من الحمى، ركع بقربها يساعدها على النهوض: أبوس إيدك قومي معايا بسرعة قبل ما يرجع لو عايزه تفضلي عايشه وترجعي لأهلك
حاولت فتح عينيها المطبقة لترى المتحدث، لكنها لا ترى بوضوح، فقط شخص، حال الضباب أمام حدقتيها من رؤية معالم وجهه، لكنها تعلم صاحب الصوت، نعم تعرفه، دققت أكثر في وجهه مجبرة عيونها على تمييز خلجاته ثم همست تتساءل عن صحت من رأت: هشام؟
تعجب من معرفتها به، دقق هو الآخر بها؛ فلم يكن مهتما بمعرفة شخصية المرأة التي خطفها صديقه، كما أن الدماء وحالتها الجسدية البالية لم تجعل من السهل معرفة هويتها، صرخ: إنتي ؟! .. فريدة
لم يتلقَ الرد؛ فقد غابت عن الوعي، حملها راكضا إلى الطريق العام، بعد ما يقرب من ربع الساعة مرت سيارة، أخبر سائقها أن زوجته جاءت لزيارة قبر أحد والديها وفجأه سقطت مغشيا عليها، رأى الرجل بقع الدم على ملابسه، كذلك ما كان يتقطر من جسد فريدة، لمعت عيونه بشك.
فهم هشام ما يدور برأس الرجل فسارع يتابع كذباته: أصلها كانت حامل
هدأ روع الرجل وبدأ يتفهم الظرف الطارئ، قبل مساعدتهم فقد أشفق على حاله حيث بدت المعاناة جلية عليها، حملهم إلى قلب المدينة، تساءل: تحب أوديكوا المستشفى؟
أسرع يرفض عرضه الشهم: لا لا أمشي وأنا هأوصفلك الطريق
هاجمه الرجل رأفة بها: بس دي شكلها تعبان أوي
ارتبك هشام، يترجى عقله أن يؤلف كذبة أخيرة تبرر مطلبه: أه .. أصل البيت اللي هأخدها عليه فيه دكتورة قريبتنا .. أصل أنا ما بأخليش راجل يكشف على مراتي، وأكيد مافيش دكاتره ستات دلوقتي ف المستشفيات
دعى أن يتقبل الرجل عذره، تقبل الله دعائه، فلقد كان الكثير من معارفه يمتلكون ذات العقلية ونفس الطابع، أضطر إلى الصمت أمام محاضرة طويلة يفضها الرجل الكبير في أذنيه عن ضرورة التخلي عن العقليات المتخلفة ومواكبة التحضر، زفر حينما أوقف سيارة النقل أمام المنزل المقصود، قرأ الرجل على اللوحة المثبتة فوق الجدار الصخري المحاوط للمنزل بصعوبة "فيلا السويفي".
هبط هشام وحمل فريدة من المقعد الخلفي، أشار للرجل أن ينتظره متحججا باحتمالية حاجة زوجته إلى بعض الأغراض من المشفى، أطاعه؛ فقد منحه مبلغا من المال ليس بالقليل.
أتجه إلى باب المنزل حاملا فريدة بين ذراعيه، همس في أذنها: كان نفسي أعملك أكتر من كدا، بس مش بإيدي سامحيني
بسط جسدها البالي من كثرة التخبط والإنهاك، هبط السلالم بعيدا عن الباب الداخلي للمنزل بعدما دق جرس الباب، نظر إليها بألم للحظة ثم أنطلق يعدو إلى السائق المنتظر، الذي ما إن رأه حتى أدار المفتاح بالسيارة وسار به حالما ركب إلى البعيد


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close