رواية انا وانت يساوي الفصل التاسع عشر 19 بقلم سارة محمد
لفصل التاسع عشر
كان القلق هو الشعور السائد في فيلا السويفي، اجتمع الجميع في صالة المنزل، أسدلت الستائر فغمر البيت الظلام قبل أوانه، ضمت هند شقيقتها كي تخفف عنها فيما تذرف دمعها في صمت، في حين جلست صابرين بجوار مرام من الجهة الأخرى تحاول تخفيف وطأة أصعب لحظات حياتها.
وقف أحمد بعيدا عن أصوات النواح؛ يقوم بمحاولات مختلفة مع أشخاص ذوي نفوذ، للوصول إلى مكان فريدة أو معرفة هوية خاطفها، فأحدهم شرطي وآخر يعمل لصالح المخابرات.
احتل آدم وأكرم إحدى الأرائك يتوسطهم مصطفى الذي وضع رأسه بين قبضتيه ناظرا للأرضية أسفل قدميه، الدموع تهطل منه دون توقف؛ تبدل حاله مع أكرم، عندما أطمئن الثاني لسلامة مرام عادت سيطرته على ذات، أما الأول فقد طارت أعصابه مع الريح منذ علم أنها صاحبة تلك الدماء التي رأها ولا يعلم ماذا حل بها .. "حبيبته الضائعة".
دخلت ندى كاسرة حاجز الصمت القائم في المكان: أخيرا سيف نام .. فضل يعيط ويقول ديدة لحد ما تعب ونام
تنهدت وجلست على مقعد جانبي، زفرت صابرين: إن شاء الله ترجع بالسلامة
دق جرس الفيلا يعلن قدوم زائر مفاجئ دون سابق ميعاد، أتجه ياسين يفتح الباب ويرى من الطارق؛ صدمه رؤية إيمان وعبدالرحمن بالإضافة إلى شحوب وجهيهما كالموتى؛ لقد ذهبا إلى أم جلال وأخبرتهم أنها لا تعلم أكثر مما قالت، لكن أتت زنوبه لترى إذا كانت هناك أخبار جديدة والتقتهم وأخبرتهم بأن الشابين أخذا مرام معهما، مما جعلهم يسرعوا فورا إلى منزل السويفي.
رحب بهما ياسين: أهلا أهلا .. اتفضلوا
بمجرد رؤية مرام لوالدتها؛ ركضت ترتمي بين أحضانها كما اتجهت هند إلى والدها، يتلمس كل منهما الراحة فوق صدر الآخر، كذلك الشعور بالاطمئنان والتخفيف من حدة غياب فريدة.
بعدما جلس الجميع وهدأت الأشواق، صرحت مرام باكية، تخفي وجهها خلف كفيها: أنا السبب .. أنا السبب
ربتت الأم على كتفها دون أن تمنع سيلان الدموع التي خطت أخاديدا فوق وجنتيها: ما تقوليش كدا يا بنتي
انفجرت: ما أقولش كدا إزاي بس .. الراجل كان هيضربني أنا بالسكينة بس هي فادتني ودافعت عني مع إني ما استاهلش .. كنت لسه مزعقه لها ومتريقه عليها، وحتى ما قولتلهاش تصبحي على خير .. سبتها ودخلت أوضتي .. كمان رزعت الباب ف وشها عشان ما تفكرش تكلمني ..كل دا ومش عايزاني أقول كدا ؟! .. عمرها ما غلطت ف حقي وكانت بتعاملني كأم أكتر منها أختي الكبيرة ..
تشدقت: عمرها ما غصبت عليا حاجه؛ حتى الحجاب .. كانت بتدعيلي ربنا يهديني وتنصحني، بس كنت بأركب دماغي .. ولما روحت قولتلها أنا هاتحجب فرحت لي أكتر من نفسي .. وف الآخر يحصلها دا كله بسببي
تدخل ياسين بعقلانية حتى يهدأها: دا حرامي .. بس نصيبه دخل أوضتك إنتي يا بنتي
اقترب منهم أحمد، توجه بحديثه لوالده قبل البقية، قال بجد: لا يا بابا .. دا كان قاصد مرام نفسها؛ الظابط قالي إن أوضة فريدة هي الأسهل ف دخولها .. عشان جنبها مواسير كبيرة يقدر يطلع منها ع أوضة فريدة على طول، لكن أوضة مرام أبعد .. غير كدا البيت ما أتسرقش منه حاجه
فغر عبدالرحمن فمه مذهولا: يعني هيكون عايز مننا إيه ؟ .. ومن مرام بالذات؟
فكرت ندى بصوت مرتفع: يمكن عشان يطلبوا فديه
حدقت بها إيمان بتعجب: بس إحنا معناش فلوس للدرجة دي ولا شكلنا يقول إن معانا وإننا مستعدين لدفع أي فدية
تساءلت صابرين: وبعدين ما اتصلوش ليه لحد دلوقتي مادام الموضوع كله فديه؟
شرد أحمد قبل أن يقول بعقل: أكيد بيدونا وقت عشان أعصابنا تتعب وبمجرد ما يتصلوا نوافق على أي مبلغ .. بأي شروط
انتفض مصطفى من مجلسه منفجرا: بس بقى، بس .. أنتوا قاعدين تتكلموا وتضربوا أخماس ف أسداس، وإحنا أصلا مش عارفين هي حيه ولا ميتة .. مش عارفين الحيوان دا حطها فين .. ولا جرحها عامل إزاي .. عالجها ولا سايبها تموت ؟!
عاد البكاء يزداد مرة أخرى بعد كلمات مصطفى التي قلبت الأوجاع وألهبت الجروح المفتوحة، تلتقط ما يعيد وجعها من جديد، أتجه إليه آدم مهدئا: أهدى مش كدا .. يعني بإيدينا إيه ما عملنهوش ؟
صاح مصطفى بغضب من نفسه أكثر من غيره: ماهو دا اللي هيجنني .. إحنا قاعدين متكتفين .. ف المستشفيات مالهاش أثر يعني سيبها كدا تنزف عادي .. قلقان عليها وخايف بس مش عارف أعملها إيه .. حاسس إني متربط
دنى منه أحمد ووضع يده بقوة فوق أكتافه: أدعي ربنا يفرجها
ألجمته الجملة الأخيرة، جمع شتات نفسه وأنصرف خارجا، حاول أكرم اللحاق به لكنه لم يدركه؛ فقد أخذ سيارته منطلقا بها كأنه قد تذكر شيئا غاب عن باله أو أتاه خبر ما.
***
استغرقت في الصلاة والدعاء، تطلب من الله المغفرة والعفو عن أي ذنب اقترفته في حياتها قد يهلكها في آخرتها، فلا يعلم المرء بأي عمل يدخل الجنة وبأيها تأكله النار، رأت الباب يفتح عقب سلامها، ظل يتجه إليها ويمد يده كي تتمسك بها ثم يساعدها على النهوض، نظرت لوجه الغريب وتمعنت به حتى اتضحت معالمه أمامها، مصطفى يبتسم لها متشبثا بكفها، يحثها قائلا: يلا قومي معايا
نظرت إليه مصعوقة: أنت جيت هنا إزاي ؟ وعرفت مكاني منين ؟
محافظا على ابتسامته أجابها: قلبي ... قلبي دلني على مكانك
أحمرت وجنتيها: ومال قلبك ومالي؟
غمزها متبسما: يعني مش عارفه؟
استفسرت متهربة: يعني هتاخدني على فين؟
طمأنها: على مكان أحلى من هنا
أصرت بعدما سحبت يدها من كفه: أيوه .. يعني على فين؟
مد يده أكثر نحوها: تعالي وإنتي تعرفي
همت بإمساك يده لكن حال دون ذلك ظهور شبح أسود طويل خلف مصطفى، أفزعها فصرخت به محذرة: حـــــــــــــــــــــااسب
شعرت بيد تهزها: إنتي مش عايزه تقومي تصلي المغرب ولا إيه؟
فتحت عينيها بفزع ونظرت حولها، مازالت سجينة، سألته بينما تفرك جبينها لتفيق: هو أذن؟
- أيوه، ولما ما صحتيش لوحدك قولت أصحيكي مع إني كنت هأسيبك
- لا كتر خيرك
ناولها زجاجة مياه أخرى غير التي أنهتها: خدي أتوضي، وأنا هأخرج برا شويه وجاي
تركها تتأهب لتأدية فرضها، أفاقها ليس لتصلي فقط بل ليطمئن أنها ماتزال على قيد الحياة؛ فمنذ أغمي عليها بعد صلاة العصر وهي راقدة دون حركة سوى سماع بعض الهمهمات التي لم يفهم منها شيئا.
اخرج هاتفه وضغط عددا من مفاتيحه مرددا بصوته الغليظ: آلو
صوت أنثوي ناعس: آلو
ضحك متخابثا: تصدقي صوتك حلو وإنتي لسه صاحيه من النوم ؟
- عايز إيه؟ اخلص
- ما براحه يا جميل، مايبقاش قلبك حامي كدا
تأففت باريهان: يــــــــووه .. ما تخلص يا زفت
- زفت زفت مادام منك يا جميل .. ع العموم أنا كنت عايز اعرف إحنا هنتصل بيهم إمتى؟
- مش دلوقتي .. سيبهم على نار شوية
- يا قاسي أنت يا أبو قلب جامد ... وليه دا كله؟
بغل: أنت أه ما عرفتش تجيبلي البت اللي كنت عايزاها بس جبت أختها فأكيد دلوقتي هي عماله تاكل ف نفسها ومقطعة نفسها من العياط على أختها حبيبتها .. والبيه تلاقيه مضايق على حبيبة القلب، خليه يبقى يشبع بيها ويتحرق دمه ودمها أكتر
ضحك بغلظة: مش قولت قاسي
- المهم ع الفجر كدا أبقى اتصل بيهم .. أكيد مش هيجلهم نوم من غير ما يطمنوا على السنيورة اللي مرميه عندك .. بس أهو حتى ولو ناموا يقوموا مفزوعين
- شكلك مغلولة منهم أوي
صرحت: أكتر مما تتخيل
- طب سلام بقى لما ادخل أشوفها
- روح .. خلي عينك عليها
اغلق سعد الخط، كاد يدلف إلى الداخل عندما ارتفع رنين هاتفه من جديد قبل أن يغلقه، ردد متأففا: أيوه
-إيه يا ابني، فينك مختفي كدا؟ .. يومين لا حس ولا خبر؟
- ورايا شغل يا هشام .. عايز حاجه؟
هشام بقلق: شغل إيه دا؟ .. ما قولتليش يعني إن أنت لاقيت شغل
تأفف بملل وضيق: هو أنت كنت أمى .. ما تحل عن دماغي شوية
- أكيد حاجه مشبوهة تاني .. يا ابني أنت حالف لتودي نفسك ف داهيه ؟؟
- أروح ف داهيه .. أروح النار حتى .. مش شغلك
- طيب خلاص براحتك، أنت فين دلوقتي؟
- ليه؟
- عايز أشوفك يا أخي
- طيب طيب، هأجيلك بكره الصبح
سأله بشك: وليه مش دلوقتي؟
- يـــــــــــــووه، أنا هأقفل أحسن
أغلق الهاتف نهائيا؛ حتى لا يسمع إلحاح صديقه، دلف إليها، وجدها تصلي؛ فقد سمع آذان العشاء قبل اتصال هشام به، تركها تصلي وجلس بعيدا مخرجا سيجارة ملفوفة يدويا، حجمها كبير كأنها قرطاس لها رائحة غريبة لا يطيقها سوى من أعتاد عليها، بدأ يشربها ويتلذذ بزفرها في الهواء بينما يضحك بسعادة، فدائما المخدرات تجلب السعادة إلى قلبه ولو بشكل مؤقت.
***
ظل يقود السيارة بأقصى سرعة؛ كأنه يسابق الريح، أوقفها فجأة على أحد أجناب الطريق، طرق عقله كلام السيدة المسنة.
"صلي، صلي يا ابني وأدعيلها كتير ربنا ينجيها، هو وحده اللي عالم بحالها دلوقتي وهو القادر على كل شئ".
يليها كلمات أحمد" ادعي ربنا يفرجها".
أتجه إلى مسجد كان على بعد خطوات منه، توضأ وصلى كثيرا واستغرق في الدعاء .. يا الله كم نسيتك وكم عصيتك لقد ألهاني حزني عنك عوضا عن تقريبي إليك، سامحني يالله .. وأقبل توبتي يا رب؛ فأنت ارحم الراحمين .. أرجوك لا تحرمني منها؛ هي أملي في الحياة .. أمل حصولي على السعادة الحقيقة، أعدك يا ربي أن أطيعك منذ الآن، لن أفعل ما يغضبك وسوف اتقرب إليك وأفعل ما ترغبه وما يجعلك ترضى عني .. فإن كانت حبيبتي تحبك وتطيعك، فكيف لي ألا أفعل .. أنت من بيدك وحدك أن تعيدها إليّ؛ فأعدها يا الله سالمة معافاة.
صمم في عقله أنه بمجرد أن يجدها سيتزوجها، بعد رضا الله عنه، كفكف دموعه بينما يهم بالخروج، سمع شخصا من خلفه يناديه: يا ابني .. استنى
أشار إلى نفسه مستغربا: أنا؟
رجل ذو لحية بيضاء وعباءة بيضاء حتى سبحته كانت تبرق من البياض، لم يكن هناك غيره بالمسجد ولم يره مصطفى عند دخوله، قد يكون بسبب شروده أو إنهماكه في صلاته ودعاءه كذلك أفكاره التي تدور حولها وحدها.
ابتسم ابتسامة أضاءت وجهه : أيوه أنت .. تعالى
توجه إليه كأنه لا يستطيع الرفض وجلس بجانبه: خير يا حاج
محافظا على نفس بسمته: أنت كنت ماشي؟
أومأ بالإيجاب: أيوه
- مش هتستنى تصلي الفجر؟
دُهش: الفجر؟
- أيوه .. دا خلاص، كلها عشر دقايق ويآذن
رد بعفوية: بس أنا ما بأصليش الفجر
اتسعت ابتسامة الرجل: بتحب الحكايات؟
رفع حاجبيه عجبا ولكنه هذبهما احتراما للرجل الذي أمامه: ومين مش بيحبها؟
- طيب اسمع الحكاية دي مني
عشان أصلي الصبح جماعة ..... ظبطت المنبه قبل ما أنام
وقبل الفجر ما يجي بساعة ..... ضرب الساعة أربعة تمام
أتخضيت من صوته خضة ..... قعدت بعدها متضايق
غلبت الشيطان وقومت اتوضه .... لاقيت نفسي بعدها رايق
إتوضيت والوضوء عبادة.....وقوام فردت السجاده
وصليت الوتر بعد القيام ..... وحمدت ربي على الإسلام
وطلبت طلبات كتير ..... ماهو أنا ف التلت الأخير
مش كده بس لأ وكمان.....قعدت شوية أقرأ قرآن
بأحكامه كلها ومنها الغنة ..... وفجأة سمعت صوت الأدان
أنزل الجامع أصلي السنة؟.... ولا ف البيت هي كمان؟
هي ثوابها ف البيت أكبر ..... بس بصراحة خوفت اتأخر
صحيت اللي عندي ف البيت ..... وقوم ع الباب جريت
فتحت الباب جالي اكتئاب ..... ماشي لوحدي والسلم ضلمه
قوموا صلوا .... ي اناس يا ظلمه
أول ما خرجت م العمارة ..... قابلني واحد بسجارة
بصلي من فوق لتحت ..... وقالي: لو سمحت!
عايز منك كبريت ..... قولت: بأسيبه ف البيت
قالي: طب هات ولاعة ..... قولت له: بص في الساعه
ده معاد الصلاة تعالى صلي ..... الجامع قريب هنا قدام
سمعني بقول له صلي قال لي: ..... عليه الصلاة والسلام
وكان هيمشي قلت: استنى .... وكلمته عن النار والجنة
الراجل خاف م العذاب .... وحب الجنة؛ فاستجاب
حسيت بنشاطي اتجدد .... وخدته من إيده ع المسجد
لاقيت واحد صحبي ف بلكونته ..... شكله اتضايق لما شوفته
هو ساكن فوق الجامع لزق ..... قلت له: انزل، قال: لأ
قولت لصاحبنا اللي اهتدى: .... إنهارده عمرك ابتدى
ولو سمحت سيبنا لوحدنا ..... واسبقني أنت واتوضه
ومتنساش تقول لربنا ..... وعجلت إليك ربي لترضى
استجاب وراح ف ثواني ..... فبصيت لصاحبنا التاني
قولت له: الشيطان بيغويك ..... قال: صلي ع اللي هيشفع فيك
ومن الآخر ما تضايقنيش ..... لسه ربنا مهدانيش
قولت له: ربنا يهديك ..... بس أنت حاول تتوب
قال لي: ربنا يديك ..... ويصلح بيك القلوب
ومتوجعش دماغي ودماغك ..... وابقى خدني على جناحك
وأنا هأبقى أصلي بعد ساعة ..... قلت: لأ لازم ف جماعة
قعد يعيد لي ويزيد لي ..... ومبرراته أي كلام
مرة يقوللي كاللوا ف رجلي ..... ومرة تعويره ف الأبهام
وقال لي: طب إيه يضر .... لو صليت قبل الضهر
قولت له: لأ هنا بقى وحاسب ..... صلاة الجماعة شئ واجب
ومينفعش بعد شروق الشمس ..... فأنزل بقى وبطل هلس
قال لي: من الآخر أنا حر ..... والصبح معاده لحد الضهر
قولت له: طب فين أخوك ..... قال بيصلي بعد الشروق
مشيت وأنا بأضرب كف على كف ..... الناس خلاص عقلها خف
كنت من البرد هتجمد ..... وأنا واقف بأتكلم معاه
المهم دخلت المسجد ..... وعلى طول أقيمت الصلاة
يووووه فتتني السنه ..... ما إحنا قبل كده قولنا
نصلي على طول ف البيت ..... بس برضه وقتها حسيت
إن أنا بردو كسبان ..... ربنا هدى بيا إنسان
صليت وجنبي إتنين .... تلاتة بس، ورا الأمام
صلى بينا ركعتين ..... وحصل مشكلة بعد الختام
أنا بعد ما بعدت بعيد ..... واستغفرت ربنا على ذنبي
راح صاحبنا الجديد ..... يسلم ع اللي صلى جنبي
قال له: أتق الله يا مبتدع ..... ياللي بسلام بعد الصلاة منخدع
قال له: هو السلام بقى ذنب ؟ ..... قال له: أيوه ومرض ف القلب
رحت له وقلت له: براحه .... الراجل مايعرفش ده لسه جديد
قال: من الآخر كدا وبصراحه ..... أنت باين عليك مبتدع أكيد
بتشجعه على الفسق والفجور؟ ..... كلامه خلى دمي يفور
ومسكت نفسي بقدر إمكاني ..... وصاحبنا قال: مش جاي هنا تاني
وأخينا التاني ده مطنشه ..... مع إن هو اللي طفشه
فكلمت أخينا بكل هدوء ..... وسألته عن حكم ف الوضوء
فجأه لقيته سكت ومبلم ..... أنا قلت يا سلام سلم
بقى عامل فيها علامة ..... وأنت مش عارف تتوضه
قال لي: أخرج من هنا بالسلامة ..... طردني شر طرده
قلت: أنا قاعد للشروق ..... قال لي: أخرج من هنا بالذوق
عملت نفسي مش سامع ..... فجأة لاقيت أخوه بيندهله
أتاري العمارة اللي فيها الجامع ..... بتاعت حد من أهله
خرجت وأنا بأهرش ف دماغي ..... وحاسس إني مش متفائل
منهج الوسطية بقى لاغي ..... ده متشدد وده متساهل
بقى ينفع نحرق دمنا ..... وكل يوم نسأل بعضنا
البركة ليه راحت مننا؟؟ ..... ده إحنا بنفوت ف كل فرض
يا جماعة من رحمة ربنا ..... إنه ما خسفش بينا الأرض!*
بمجرد إنتهاء الرجل من سرد قصته حتى رفع الآذان، وضع يده على فخذ مصطفى يشجعه بابتسامته البشوشة: يلا نستعد لصلاة الفجر
رفع رأسه لذلك الرجل الذي يشع وجهه نورا غريبا، وجد نفسه يشعر براحة كبيرة تتسلل داخله ودب النشاط في جسده، نهش بابتسامة مشرقة تزين وجهه الوسيم ليتوضأ من جديد وقد أتخذ عهدا على نفسه بصلاة الفجر في وقتها ... في المسجد
كان القلق هو الشعور السائد في فيلا السويفي، اجتمع الجميع في صالة المنزل، أسدلت الستائر فغمر البيت الظلام قبل أوانه، ضمت هند شقيقتها كي تخفف عنها فيما تذرف دمعها في صمت، في حين جلست صابرين بجوار مرام من الجهة الأخرى تحاول تخفيف وطأة أصعب لحظات حياتها.
وقف أحمد بعيدا عن أصوات النواح؛ يقوم بمحاولات مختلفة مع أشخاص ذوي نفوذ، للوصول إلى مكان فريدة أو معرفة هوية خاطفها، فأحدهم شرطي وآخر يعمل لصالح المخابرات.
احتل آدم وأكرم إحدى الأرائك يتوسطهم مصطفى الذي وضع رأسه بين قبضتيه ناظرا للأرضية أسفل قدميه، الدموع تهطل منه دون توقف؛ تبدل حاله مع أكرم، عندما أطمئن الثاني لسلامة مرام عادت سيطرته على ذات، أما الأول فقد طارت أعصابه مع الريح منذ علم أنها صاحبة تلك الدماء التي رأها ولا يعلم ماذا حل بها .. "حبيبته الضائعة".
دخلت ندى كاسرة حاجز الصمت القائم في المكان: أخيرا سيف نام .. فضل يعيط ويقول ديدة لحد ما تعب ونام
تنهدت وجلست على مقعد جانبي، زفرت صابرين: إن شاء الله ترجع بالسلامة
دق جرس الفيلا يعلن قدوم زائر مفاجئ دون سابق ميعاد، أتجه ياسين يفتح الباب ويرى من الطارق؛ صدمه رؤية إيمان وعبدالرحمن بالإضافة إلى شحوب وجهيهما كالموتى؛ لقد ذهبا إلى أم جلال وأخبرتهم أنها لا تعلم أكثر مما قالت، لكن أتت زنوبه لترى إذا كانت هناك أخبار جديدة والتقتهم وأخبرتهم بأن الشابين أخذا مرام معهما، مما جعلهم يسرعوا فورا إلى منزل السويفي.
رحب بهما ياسين: أهلا أهلا .. اتفضلوا
بمجرد رؤية مرام لوالدتها؛ ركضت ترتمي بين أحضانها كما اتجهت هند إلى والدها، يتلمس كل منهما الراحة فوق صدر الآخر، كذلك الشعور بالاطمئنان والتخفيف من حدة غياب فريدة.
بعدما جلس الجميع وهدأت الأشواق، صرحت مرام باكية، تخفي وجهها خلف كفيها: أنا السبب .. أنا السبب
ربتت الأم على كتفها دون أن تمنع سيلان الدموع التي خطت أخاديدا فوق وجنتيها: ما تقوليش كدا يا بنتي
انفجرت: ما أقولش كدا إزاي بس .. الراجل كان هيضربني أنا بالسكينة بس هي فادتني ودافعت عني مع إني ما استاهلش .. كنت لسه مزعقه لها ومتريقه عليها، وحتى ما قولتلهاش تصبحي على خير .. سبتها ودخلت أوضتي .. كمان رزعت الباب ف وشها عشان ما تفكرش تكلمني ..كل دا ومش عايزاني أقول كدا ؟! .. عمرها ما غلطت ف حقي وكانت بتعاملني كأم أكتر منها أختي الكبيرة ..
تشدقت: عمرها ما غصبت عليا حاجه؛ حتى الحجاب .. كانت بتدعيلي ربنا يهديني وتنصحني، بس كنت بأركب دماغي .. ولما روحت قولتلها أنا هاتحجب فرحت لي أكتر من نفسي .. وف الآخر يحصلها دا كله بسببي
تدخل ياسين بعقلانية حتى يهدأها: دا حرامي .. بس نصيبه دخل أوضتك إنتي يا بنتي
اقترب منهم أحمد، توجه بحديثه لوالده قبل البقية، قال بجد: لا يا بابا .. دا كان قاصد مرام نفسها؛ الظابط قالي إن أوضة فريدة هي الأسهل ف دخولها .. عشان جنبها مواسير كبيرة يقدر يطلع منها ع أوضة فريدة على طول، لكن أوضة مرام أبعد .. غير كدا البيت ما أتسرقش منه حاجه
فغر عبدالرحمن فمه مذهولا: يعني هيكون عايز مننا إيه ؟ .. ومن مرام بالذات؟
فكرت ندى بصوت مرتفع: يمكن عشان يطلبوا فديه
حدقت بها إيمان بتعجب: بس إحنا معناش فلوس للدرجة دي ولا شكلنا يقول إن معانا وإننا مستعدين لدفع أي فدية
تساءلت صابرين: وبعدين ما اتصلوش ليه لحد دلوقتي مادام الموضوع كله فديه؟
شرد أحمد قبل أن يقول بعقل: أكيد بيدونا وقت عشان أعصابنا تتعب وبمجرد ما يتصلوا نوافق على أي مبلغ .. بأي شروط
انتفض مصطفى من مجلسه منفجرا: بس بقى، بس .. أنتوا قاعدين تتكلموا وتضربوا أخماس ف أسداس، وإحنا أصلا مش عارفين هي حيه ولا ميتة .. مش عارفين الحيوان دا حطها فين .. ولا جرحها عامل إزاي .. عالجها ولا سايبها تموت ؟!
عاد البكاء يزداد مرة أخرى بعد كلمات مصطفى التي قلبت الأوجاع وألهبت الجروح المفتوحة، تلتقط ما يعيد وجعها من جديد، أتجه إليه آدم مهدئا: أهدى مش كدا .. يعني بإيدينا إيه ما عملنهوش ؟
صاح مصطفى بغضب من نفسه أكثر من غيره: ماهو دا اللي هيجنني .. إحنا قاعدين متكتفين .. ف المستشفيات مالهاش أثر يعني سيبها كدا تنزف عادي .. قلقان عليها وخايف بس مش عارف أعملها إيه .. حاسس إني متربط
دنى منه أحمد ووضع يده بقوة فوق أكتافه: أدعي ربنا يفرجها
ألجمته الجملة الأخيرة، جمع شتات نفسه وأنصرف خارجا، حاول أكرم اللحاق به لكنه لم يدركه؛ فقد أخذ سيارته منطلقا بها كأنه قد تذكر شيئا غاب عن باله أو أتاه خبر ما.
***
استغرقت في الصلاة والدعاء، تطلب من الله المغفرة والعفو عن أي ذنب اقترفته في حياتها قد يهلكها في آخرتها، فلا يعلم المرء بأي عمل يدخل الجنة وبأيها تأكله النار، رأت الباب يفتح عقب سلامها، ظل يتجه إليها ويمد يده كي تتمسك بها ثم يساعدها على النهوض، نظرت لوجه الغريب وتمعنت به حتى اتضحت معالمه أمامها، مصطفى يبتسم لها متشبثا بكفها، يحثها قائلا: يلا قومي معايا
نظرت إليه مصعوقة: أنت جيت هنا إزاي ؟ وعرفت مكاني منين ؟
محافظا على ابتسامته أجابها: قلبي ... قلبي دلني على مكانك
أحمرت وجنتيها: ومال قلبك ومالي؟
غمزها متبسما: يعني مش عارفه؟
استفسرت متهربة: يعني هتاخدني على فين؟
طمأنها: على مكان أحلى من هنا
أصرت بعدما سحبت يدها من كفه: أيوه .. يعني على فين؟
مد يده أكثر نحوها: تعالي وإنتي تعرفي
همت بإمساك يده لكن حال دون ذلك ظهور شبح أسود طويل خلف مصطفى، أفزعها فصرخت به محذرة: حـــــــــــــــــــــااسب
شعرت بيد تهزها: إنتي مش عايزه تقومي تصلي المغرب ولا إيه؟
فتحت عينيها بفزع ونظرت حولها، مازالت سجينة، سألته بينما تفرك جبينها لتفيق: هو أذن؟
- أيوه، ولما ما صحتيش لوحدك قولت أصحيكي مع إني كنت هأسيبك
- لا كتر خيرك
ناولها زجاجة مياه أخرى غير التي أنهتها: خدي أتوضي، وأنا هأخرج برا شويه وجاي
تركها تتأهب لتأدية فرضها، أفاقها ليس لتصلي فقط بل ليطمئن أنها ماتزال على قيد الحياة؛ فمنذ أغمي عليها بعد صلاة العصر وهي راقدة دون حركة سوى سماع بعض الهمهمات التي لم يفهم منها شيئا.
اخرج هاتفه وضغط عددا من مفاتيحه مرددا بصوته الغليظ: آلو
صوت أنثوي ناعس: آلو
ضحك متخابثا: تصدقي صوتك حلو وإنتي لسه صاحيه من النوم ؟
- عايز إيه؟ اخلص
- ما براحه يا جميل، مايبقاش قلبك حامي كدا
تأففت باريهان: يــــــــووه .. ما تخلص يا زفت
- زفت زفت مادام منك يا جميل .. ع العموم أنا كنت عايز اعرف إحنا هنتصل بيهم إمتى؟
- مش دلوقتي .. سيبهم على نار شوية
- يا قاسي أنت يا أبو قلب جامد ... وليه دا كله؟
بغل: أنت أه ما عرفتش تجيبلي البت اللي كنت عايزاها بس جبت أختها فأكيد دلوقتي هي عماله تاكل ف نفسها ومقطعة نفسها من العياط على أختها حبيبتها .. والبيه تلاقيه مضايق على حبيبة القلب، خليه يبقى يشبع بيها ويتحرق دمه ودمها أكتر
ضحك بغلظة: مش قولت قاسي
- المهم ع الفجر كدا أبقى اتصل بيهم .. أكيد مش هيجلهم نوم من غير ما يطمنوا على السنيورة اللي مرميه عندك .. بس أهو حتى ولو ناموا يقوموا مفزوعين
- شكلك مغلولة منهم أوي
صرحت: أكتر مما تتخيل
- طب سلام بقى لما ادخل أشوفها
- روح .. خلي عينك عليها
اغلق سعد الخط، كاد يدلف إلى الداخل عندما ارتفع رنين هاتفه من جديد قبل أن يغلقه، ردد متأففا: أيوه
-إيه يا ابني، فينك مختفي كدا؟ .. يومين لا حس ولا خبر؟
- ورايا شغل يا هشام .. عايز حاجه؟
هشام بقلق: شغل إيه دا؟ .. ما قولتليش يعني إن أنت لاقيت شغل
تأفف بملل وضيق: هو أنت كنت أمى .. ما تحل عن دماغي شوية
- أكيد حاجه مشبوهة تاني .. يا ابني أنت حالف لتودي نفسك ف داهيه ؟؟
- أروح ف داهيه .. أروح النار حتى .. مش شغلك
- طيب خلاص براحتك، أنت فين دلوقتي؟
- ليه؟
- عايز أشوفك يا أخي
- طيب طيب، هأجيلك بكره الصبح
سأله بشك: وليه مش دلوقتي؟
- يـــــــــــــووه، أنا هأقفل أحسن
أغلق الهاتف نهائيا؛ حتى لا يسمع إلحاح صديقه، دلف إليها، وجدها تصلي؛ فقد سمع آذان العشاء قبل اتصال هشام به، تركها تصلي وجلس بعيدا مخرجا سيجارة ملفوفة يدويا، حجمها كبير كأنها قرطاس لها رائحة غريبة لا يطيقها سوى من أعتاد عليها، بدأ يشربها ويتلذذ بزفرها في الهواء بينما يضحك بسعادة، فدائما المخدرات تجلب السعادة إلى قلبه ولو بشكل مؤقت.
***
ظل يقود السيارة بأقصى سرعة؛ كأنه يسابق الريح، أوقفها فجأة على أحد أجناب الطريق، طرق عقله كلام السيدة المسنة.
"صلي، صلي يا ابني وأدعيلها كتير ربنا ينجيها، هو وحده اللي عالم بحالها دلوقتي وهو القادر على كل شئ".
يليها كلمات أحمد" ادعي ربنا يفرجها".
أتجه إلى مسجد كان على بعد خطوات منه، توضأ وصلى كثيرا واستغرق في الدعاء .. يا الله كم نسيتك وكم عصيتك لقد ألهاني حزني عنك عوضا عن تقريبي إليك، سامحني يالله .. وأقبل توبتي يا رب؛ فأنت ارحم الراحمين .. أرجوك لا تحرمني منها؛ هي أملي في الحياة .. أمل حصولي على السعادة الحقيقة، أعدك يا ربي أن أطيعك منذ الآن، لن أفعل ما يغضبك وسوف اتقرب إليك وأفعل ما ترغبه وما يجعلك ترضى عني .. فإن كانت حبيبتي تحبك وتطيعك، فكيف لي ألا أفعل .. أنت من بيدك وحدك أن تعيدها إليّ؛ فأعدها يا الله سالمة معافاة.
صمم في عقله أنه بمجرد أن يجدها سيتزوجها، بعد رضا الله عنه، كفكف دموعه بينما يهم بالخروج، سمع شخصا من خلفه يناديه: يا ابني .. استنى
أشار إلى نفسه مستغربا: أنا؟
رجل ذو لحية بيضاء وعباءة بيضاء حتى سبحته كانت تبرق من البياض، لم يكن هناك غيره بالمسجد ولم يره مصطفى عند دخوله، قد يكون بسبب شروده أو إنهماكه في صلاته ودعاءه كذلك أفكاره التي تدور حولها وحدها.
ابتسم ابتسامة أضاءت وجهه : أيوه أنت .. تعالى
توجه إليه كأنه لا يستطيع الرفض وجلس بجانبه: خير يا حاج
محافظا على نفس بسمته: أنت كنت ماشي؟
أومأ بالإيجاب: أيوه
- مش هتستنى تصلي الفجر؟
دُهش: الفجر؟
- أيوه .. دا خلاص، كلها عشر دقايق ويآذن
رد بعفوية: بس أنا ما بأصليش الفجر
اتسعت ابتسامة الرجل: بتحب الحكايات؟
رفع حاجبيه عجبا ولكنه هذبهما احتراما للرجل الذي أمامه: ومين مش بيحبها؟
- طيب اسمع الحكاية دي مني
عشان أصلي الصبح جماعة ..... ظبطت المنبه قبل ما أنام
وقبل الفجر ما يجي بساعة ..... ضرب الساعة أربعة تمام
أتخضيت من صوته خضة ..... قعدت بعدها متضايق
غلبت الشيطان وقومت اتوضه .... لاقيت نفسي بعدها رايق
إتوضيت والوضوء عبادة.....وقوام فردت السجاده
وصليت الوتر بعد القيام ..... وحمدت ربي على الإسلام
وطلبت طلبات كتير ..... ماهو أنا ف التلت الأخير
مش كده بس لأ وكمان.....قعدت شوية أقرأ قرآن
بأحكامه كلها ومنها الغنة ..... وفجأة سمعت صوت الأدان
أنزل الجامع أصلي السنة؟.... ولا ف البيت هي كمان؟
هي ثوابها ف البيت أكبر ..... بس بصراحة خوفت اتأخر
صحيت اللي عندي ف البيت ..... وقوم ع الباب جريت
فتحت الباب جالي اكتئاب ..... ماشي لوحدي والسلم ضلمه
قوموا صلوا .... ي اناس يا ظلمه
أول ما خرجت م العمارة ..... قابلني واحد بسجارة
بصلي من فوق لتحت ..... وقالي: لو سمحت!
عايز منك كبريت ..... قولت: بأسيبه ف البيت
قالي: طب هات ولاعة ..... قولت له: بص في الساعه
ده معاد الصلاة تعالى صلي ..... الجامع قريب هنا قدام
سمعني بقول له صلي قال لي: ..... عليه الصلاة والسلام
وكان هيمشي قلت: استنى .... وكلمته عن النار والجنة
الراجل خاف م العذاب .... وحب الجنة؛ فاستجاب
حسيت بنشاطي اتجدد .... وخدته من إيده ع المسجد
لاقيت واحد صحبي ف بلكونته ..... شكله اتضايق لما شوفته
هو ساكن فوق الجامع لزق ..... قلت له: انزل، قال: لأ
قولت لصاحبنا اللي اهتدى: .... إنهارده عمرك ابتدى
ولو سمحت سيبنا لوحدنا ..... واسبقني أنت واتوضه
ومتنساش تقول لربنا ..... وعجلت إليك ربي لترضى
استجاب وراح ف ثواني ..... فبصيت لصاحبنا التاني
قولت له: الشيطان بيغويك ..... قال: صلي ع اللي هيشفع فيك
ومن الآخر ما تضايقنيش ..... لسه ربنا مهدانيش
قولت له: ربنا يهديك ..... بس أنت حاول تتوب
قال لي: ربنا يديك ..... ويصلح بيك القلوب
ومتوجعش دماغي ودماغك ..... وابقى خدني على جناحك
وأنا هأبقى أصلي بعد ساعة ..... قلت: لأ لازم ف جماعة
قعد يعيد لي ويزيد لي ..... ومبرراته أي كلام
مرة يقوللي كاللوا ف رجلي ..... ومرة تعويره ف الأبهام
وقال لي: طب إيه يضر .... لو صليت قبل الضهر
قولت له: لأ هنا بقى وحاسب ..... صلاة الجماعة شئ واجب
ومينفعش بعد شروق الشمس ..... فأنزل بقى وبطل هلس
قال لي: من الآخر أنا حر ..... والصبح معاده لحد الضهر
قولت له: طب فين أخوك ..... قال بيصلي بعد الشروق
مشيت وأنا بأضرب كف على كف ..... الناس خلاص عقلها خف
كنت من البرد هتجمد ..... وأنا واقف بأتكلم معاه
المهم دخلت المسجد ..... وعلى طول أقيمت الصلاة
يووووه فتتني السنه ..... ما إحنا قبل كده قولنا
نصلي على طول ف البيت ..... بس برضه وقتها حسيت
إن أنا بردو كسبان ..... ربنا هدى بيا إنسان
صليت وجنبي إتنين .... تلاتة بس، ورا الأمام
صلى بينا ركعتين ..... وحصل مشكلة بعد الختام
أنا بعد ما بعدت بعيد ..... واستغفرت ربنا على ذنبي
راح صاحبنا الجديد ..... يسلم ع اللي صلى جنبي
قال له: أتق الله يا مبتدع ..... ياللي بسلام بعد الصلاة منخدع
قال له: هو السلام بقى ذنب ؟ ..... قال له: أيوه ومرض ف القلب
رحت له وقلت له: براحه .... الراجل مايعرفش ده لسه جديد
قال: من الآخر كدا وبصراحه ..... أنت باين عليك مبتدع أكيد
بتشجعه على الفسق والفجور؟ ..... كلامه خلى دمي يفور
ومسكت نفسي بقدر إمكاني ..... وصاحبنا قال: مش جاي هنا تاني
وأخينا التاني ده مطنشه ..... مع إن هو اللي طفشه
فكلمت أخينا بكل هدوء ..... وسألته عن حكم ف الوضوء
فجأه لقيته سكت ومبلم ..... أنا قلت يا سلام سلم
بقى عامل فيها علامة ..... وأنت مش عارف تتوضه
قال لي: أخرج من هنا بالسلامة ..... طردني شر طرده
قلت: أنا قاعد للشروق ..... قال لي: أخرج من هنا بالذوق
عملت نفسي مش سامع ..... فجأة لاقيت أخوه بيندهله
أتاري العمارة اللي فيها الجامع ..... بتاعت حد من أهله
خرجت وأنا بأهرش ف دماغي ..... وحاسس إني مش متفائل
منهج الوسطية بقى لاغي ..... ده متشدد وده متساهل
بقى ينفع نحرق دمنا ..... وكل يوم نسأل بعضنا
البركة ليه راحت مننا؟؟ ..... ده إحنا بنفوت ف كل فرض
يا جماعة من رحمة ربنا ..... إنه ما خسفش بينا الأرض!*
بمجرد إنتهاء الرجل من سرد قصته حتى رفع الآذان، وضع يده على فخذ مصطفى يشجعه بابتسامته البشوشة: يلا نستعد لصلاة الفجر
رفع رأسه لذلك الرجل الذي يشع وجهه نورا غريبا، وجد نفسه يشعر براحة كبيرة تتسلل داخله ودب النشاط في جسده، نهش بابتسامة مشرقة تزين وجهه الوسيم ليتوضأ من جديد وقد أتخذ عهدا على نفسه بصلاة الفجر في وقتها ... في المسجد
