اخر الروايات

رواية سليم والمراهقة الفصل الثامن عشر 18 بقلم خضراء القحطاني

رواية سليم والمراهقة الفصل الثامن عشر 18 بقلم خضراء القحطاني


البارت الثامن عشر _سليم والمراهقة _
بعد الموقف، رجعت سلسبيل لشقتها وهي متوترة،مش عارفة تزعل ولا تخاف ولا تضحك على رد فعله الغريب.
جلست على طرف السرير، تخلع حجابها بهدوء ودموعها بتنزل من غير صوت.
كانت حاسة إنها اتكتمت، وإنه ما حاولش يفهمها.
بعد دقائق، سُمِع طرق خفيف على الباب.
ترددت، لكنها لما فتحت كان سليم واقف،وشكله متغير لا في عصبية، ولا في ق*سوة.
في إيده باقة ورد حمراء، وفي التانية كيس صغير.
قال بنبرة منخفضة: ممكن أدخل ولا لسه زعلانة؟
ما ردتش، فدخل بهدوء، حط الورد على الطاولة،وقعد على الكرسي المقابل، عينه ما بتفارقها.
أنا آسف، صوتي علا شوية.
رفعت نظرها ليه بصمت، فقال: يمكن مش بتعود أسيب اللي بحبه يت*أذي ولا حتى يسمع كلمة تزعله.
اقترب منها خطوة خطوة،
فتح الكيس، طلع منه علبة صغيرة فيها قلادة فضة بسيطة،شكلها راقي وناعم جدًا،
وقال بابتسامة خفيفة: دي مش تعويض عن الكلام، دي وعد إني أحاول أكون أهدى المرة الجاية.
حاولت تمسك دموعها، لكنها قالت بخفوت: أنا ما كنتش غلطانة يا سليم.
اقترب منها أكتر، رفع وجهها بإصبعه برقة
وقال: عارف بس الغيرة أوقات بتعميني، وده مش مبرر، أنا عارف.
نزل على ركبته أمامها، نظر في عينيها وقال بصدق: كل اللي بطلبه منك إنك تصبري عليّ شوية يمكن أتعلم إزاي أكون زوج كويس.
ابتسمت سلسبيل، ودمعة نزلت على خدها.
مد يده ومسحها بلطف وهو يقول: مبحبش أشوف دموعك، ولا عايزك تخافي مني تاني.
ثم وقف، ومد يده ناحيتها: تعالي، نطلع نمشي شوية في الجنينة، محتاج أسمع ضحكتك بدل الزعل.
نظرت له لحظة، ثم أمسكت يده بخجل.
وفي تلك اللحظة، كانت تحس لأول مرة أن الغموض اللي حواليه فيه دفء خفي دفء رجل قوي، لكنه حين يحب، يلين أمام من ملكت قلبه.
كانت الليلة هادئة، والنسيم بيهفهف برفق وسط أشجار الجنينة الواسعة حوالين القصر.
الممرات مضاءة بفوانيس صغيرة لونها ذهبي، والجو فيه ريحة ورد وياسمين.
سارت سلسبيل بجانب سليم، خطواتها بطيئة وحذرة، بتحاول تهرب من صمته اللي بيخلي قلبها يدق بسرعة.
كان لابس قميص أسود مفتوح من الأعلى، شعره متلخبط شوية، وعينه فيها نظرة مش مفهومة مزيج بين الشوق والحنين والهيبة.
قال وهو ماشي جنبها: كنت فاكر إنك هتطرديني بعد اللي حصل.
ابتسمت بخجل وقالت:كنت ناوية بصراحة بس الورد شفعلك.
ضحك بخفة، ضحكته كانت نادرة، دافئة لدرجة خلتها تنظر له بدون ما تحس.
يعني لو كل مرة زعلتي أجيب ورد، هتسامحيني؟
ردّت بابتسامة صغيرة: على حسب نوع الغلط.
وقف قدامها، قرب منها خطوة،
وصوته بقى أهدى: طب والغلط اللي أنا فيه دلوقتي؟
قالتها بخفوت: أنت عامل إيه دلوقتي؟
همس وهو بيبصلها بعينين سكنها الحب لأول مرة: بغلط إني ببصلك كده بس مش قادر أبطل.
احمرّ وجهها، وحاولت تغيّر الموضوع بسرعة: الجو جميل النهارده.
ضحك وقال: وانتي الأجمل فيه.
مشت قدامه شوية بخجل،
وفي لحظة وقفت لما شافت فراشة نازلة على وردة قدامها.
مدت إيدها برقة، والفراشة وقفت على كفها،
ابتسمت، والضوء الذهبي كان بينعكس على ملامحها النقية.
اقترب سليم بهدوء،
نظر إليها كأن الزمن وقف،
وقال بصوت خافت: عمري ما شفت حاجة بريئة بالشكل ده لا الفراشة، ولا انتي.
التفتت له،
ولوهلة حسّت إن كل خ*وفها القديم تلاشى،كأنها بتحس بالأمان وسط هيبته، وكأن العتمة اللي في قلبه بدأت تذوب مع ابتسامتها.
ظلوا كده لدقايق طويلة،صمت بينه وبينها، لكنه مليان كلام مش قادرين يقولوه.
وبينما القمر بينعكس على الممرات،
قال سليم بهدوء: يمكن الليلة دي تكون بداية جديدة لينا يا سلسبيل.
ردت بصوت خافت وهي تبص له بعينيها
اللامعتين: يمكن لو أنت فعلاً ناوي تبدأها بصدق.
قال وهو بيقرب منها بخطوة واحدة: صدقيني، أنا أول مرة في حياتي عايز أبدأ صح.
كانت شمس الصبح بتتسلل من شبابيك القصر،وسكون لطيف مغلف المكان بعد ليلة طويلة مليانة مشاعر.
استيقظت سلسبيل لوحدها، مددت يدها ناحية السرير،
لكن ما كانش فيه حد نظرت حوالينها، كل حاجة مرتبة، كأن سليم اختفى بهدوء،بس ريحته كانت لسه عالوسادة قوية، رجولية، مطمئنة.
قامت ولفّت الشال على كتفها، مشت في الممرات،البيت كان ساكت بس قلبها كان مليان فراغ.
همست وهي تمشي: أول شهر بعد الجواز والبيت فاضي؟
وفي اللحظة دي،كان سليم الجندي راكب عربيتُه السودا، متجه لشغله،
وجهه جامد لكن ملامحه فيها أثر سهر،وأفكاره لسه معلقة بضحكتها اللي ما فارقته من امبارح.
على الجانب التاني من المدينة،في شقة صغيرة دافية،كان أيهم الراوي قاعد جنب مريم اللي بتضحك بخجل،وإيده على بطنها برقة.
قال بفرحة خالصة:يعني خلاص؟ متأكدة يا مريم؟
ضحكت وهي تمسح دمعة من فرحتها: أيوه يا أيهم، أنا حامل.
وقف فجأة، ضحك من قلبه،قرب منها وقبّل جبينها وقال:الحمد لله يا رب ده أحلى خبر سمعته في حياتي.
ثم جلس جنبها، حط إيده على بطنها وقال: ربنا يتمملك بخير يا مريم هعلمه يحب ربنا زيي، ويحبك أكتر مني.
ابتسمت وهي تهمس: وأنا هعلمه يبقى حنين زيك.
في اللحظة نفسها تقريبًا،في أحد مكاتب الأمن الاقتصادي،
كانت الأصوات عالية،والضباط بيتكلموا بحزم: قبضنا عليه يا فندم، نادر الدهشان في الإيد.
اتقفل الملف بختم أحمر،وانتهت أسطورة رجل الأعمال اللي ماحدش قدر يلمسه.
وشوارع القاهرة كلها كانت بتحكي عن سقوطه،اللي حاول ينافس سليم الجندي وانتهى به المطاف ورا القضبان.
أما بعيد عن كل ده،
في بيت كبير تاني،
كانت ليلى زوجة فارس بتقف قدام المراية،تحاول تضبط شعرها، وتختار فستان جديد.
بصت لنفسها وقالت بخفوت: يمكن النهارده يلاحظني يمكن المرة دي يبصلي مش يعدّي كأني مش موجودة.
دخل فارس، لابس بدلة رمادية، ماسك ملف بيده.
رفعت عينيها بسرعة وقالت بخجل مصطنع: رايح الشغل بدري كده؟
قال بدون ما يطّلع فيها: عندي شغل مهم، متأخريش على الدكتور.
سكتت لحظة، ثم قالت: نفسي مرّة تسألني عن نفسي، عن اللي بحبه أو بزعل منه.
وقف مكانه، اتنهد وقال: ليلى أنا بحاول أظبط حياتنا، مش عايز مشاكل.
قالت وهي تحبس دمعتها: وأنا عايزة اهتمام مش أكتر.
خرج من غير كلمة، وهي فضلت تبص وراه لحد ما اختفى،تحاول تفهم هو ليه دايمًا بعيد كده،
هو اتجوزها بعقله بس قلبه لسه مش ليها.
رجع الليل بهدوءه، والهواء كان بارد خفيف بيداعب ستاير الشقة الكبيرة.
كانت سلسبيل قاعدة في الصالون، لابسة فستان بسيط بلون السما، شعرها مفكوك ووشها باين عليه التردد من ساعة ما خرج سليم وهي حاسة بحاجة غريبة، مش عارفة هي اشتياق ولا خوف.
سمعت صوت الباب الخارجي،
خطوات تقيلة، ثابتة، وريحة العطر اللي بقت تعرفها كويس.
دخل سليم الجندي، ملامحه مرهقة بس العيون العيون فيها شرارة دفء نادرة الظهور.
قال بصوته العميق: كنتِ مستنياني؟
حاولت تخبي توترها، قامت بسرعة وقالت وهي تبتسم ابتسامة صغيرة: لأ كنت بشوف التلفزيون.
ضحك بخفوت، بص لها وهو بيخلع الجاكيت: التلفزيون بيفرحك كده؟
سكتت لحظة وقالت بخجل:هو اللي قدامي.
قرب منها بخطوات بطيئة،وقف قريب جدًا لدرجة إنها سمعت أنفاسه،
قال وهو بينظر ليها بعينين فيها شيء جديد عليها: وأنا مش كفاية اللي قدامك؟
حست بدقات قلبها بتجري جري،بعدت خطوة وقالت بهمس:أنا مش عارفة أرد.
ضحك بخفة وقال: مترديش، بس خدي بالك أنا مش بحب التجاهل.
قعد على الكرسي المقابل ليها،مسك كوب العصير اللي كانت حطاه على الطاولة وقال:بتفكرى ف إيه يا سلسبيل؟
قالت وهي تبص في الأرض: في حاجات كتير في اللي فات، واللي جاي، وفي نفسي خايفة من المستقبل.
ابتسم وقال: الخوف ده طبيعي، بس طول ما أنا حواليك محدش يقدر ي*ؤذيك.
رفعت عينيها ببطء، شافت في نظرته صدق غريب، فيه قوة بس كمان فيه حنية مخفية.
قالت بخفوت: حتى لو اللي هي*ؤذيني هو أنت؟
سكت لحظة، ابتسم ابتسامة صغيرة وقال:ساعتها هأحميك مني قبل أي حد.
مرت لحظة صمت، فيها كلام كتير متقالش.
قامت وقالت وهي بتضحك بخفة:هجهزلك العشا، أكيد جعان.
رد بنبرة دافية: لأ، جعان لحاجة تانية.
اتسعت عينيها بدهشة وارتباك،لكن قبل ما تتكلم، قام هو، قرب منها ولمس خدها بإيده وقال: جعان راحة، جعان هدوء جعان وشك اللي بيخليني أنسى تعب الدنيا.
اتسمرت مكانها، أول مرة تشوف سليم الجندي بالشكل ده،
مش الزعيم اللي الكل بيخاف منه لكن الراجل اللي جواه طفل تايه بيدور على دفء بسيط.
قرب منها وقال بخفوت: وعد، ما تسيبينيش زي ما الدنيا كلها سابتني.
ردت وهي تبكي من غير ما تحس:طول ما قلبي بيرف لما أشوفك، مش ممكن أسيبك.
مد إيده بهدوء ومسح دمعتها،وقال: وأنا وعد، مش هخلي دمعة تاني تنزل منك وهو يضمها بحنان ويقب*ل وجهها وبعد ذلك غابوا في عالمهما الخاص.
كانت ليلى قاعدة على طرف السرير، ويديها مضمتين في حجرها،
والصمت مالي أوضة النوم اللي بدأت تحس إنها أبرد مكان في البيت.
الساعة عدّت منتصف الليل، وفارس لسه في مكتبه، كالعادة،مشغول بشغله، أو يمكن متعمد يبعد عنها هي ما عادتش قادرة تفرّق.
تنهدت بصوت خافت، ودمعة نزلت على خدها من غير ما تحس،
حاولت تمسحها بسرعة، كأنها بتخاف حد يشوف ضعفها،حتى وهو مش معاها.
فتح الباب، ودخل فارس بهدوء.
كان ماسك ملفات بإيده، وعينيه راكزة على الأرض،
ولا كأنه شايفها.
قال بجفاف: لسه صاحية؟
ردت وهي بتحاول تثبت نبرتها: مستنياك.
رفع عينيه ليها، فيها تعب واضح بس برده فيها برود.
قلت لك ما تستنيش، نامي بدري.
قالتها بصوت مهزوز: يعني خلاص؟ حتى وجودي بقي عبء؟
اتسع صدره بتنهد طويل، حط الملف على الطاولة
وقال: ليلى، أنا مش ناقص جدال اليوم كان طويل ومليان مشاكل.
وقفت فجأة، صوتها خرج متقطع: وأنا؟ أنا مش مشكلة؟
كل يوم بترجع متعب، ما بتبصليش، ما بتسألش عني،
ولا حتى بتحاول تسمعني أنا مراتك يا فارس، مش قطعة أثاث في البيت!
سكت فارس، وشها المليان حزن كان كفاية يك*سره لو بس سمح لنفسه يحس.
لكنه اختار يهرب كالعادة.
قال بنبرة منخفضة لكنها قاس*ية: ليلى، في حاجات أهم من الكلام الفاضي ده.
سكتت، ودموعها بدأت تنزل بصمت.
همست وهي بتبص في الأرض: ما فيش حاجة أهم من قلب بيحبك.
لكن هو ما ردش.
راح ناحية الدولاب، طلع بيجامته،
وقال: بكرة عندي اجتماع بدري، خليكي نامي.
دخل الحمّام، والباب اتقفل وراه بهدوء،لكن الهدوء ده كان أسوأ من أي صرخة.
ليلى وقفت قدام المراية، بصت لنفسها،وقالت وهي تمسح دموعها:يمكن لو كنت غيري كنت شفتني.
لمست بطنها بخفة، كأنها بتحاول تستمد منه القوة،وقالت
بهمس: حتى لو ما حبنيش، هحب اللي جاي مننا يمكن يغيره.
وفي اللحظة دي، كانت قررت حاجة جواها،إنها مش هتستسلم للحزن،بس كمان مش هتفضل دايمًا تنتظر منه نظرة تعطف.
هتبدأ تحب نفسها، وتخلي الأيام تثبت لفارس
إن اللي ضيّعه مش مجرد حب دي كانت حياة.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close