اخر الروايات

رواية سليم والمراهقة الفصل السابع عشر 17 بقلم خضراء القحطاني

رواية سليم والمراهقة الفصل السابع عشر 17 بقلم خضراء القحطاني

البارت السابع عشر _ سليم والمراهقة _
كانت كريمة قاعدة في البلكونة الصغيرة بعد ما الأولاد ناموا، النسمة الباردة بتداعب طرحتها وهي شايلة فنجان الشاي.
سمعت خطوات محروس وهو داخل بهدوء، جايب كرسي وقعد جنبها من غير ما يتكلم.
فضلوا ساكتين شوية، لحد ما قال بصوت واطي: بقالنا كتير ما قعدناش كده من غير زع*ل ولا خ*صام.
ردت وهي تبص قدامها:اللي بينّا وج*ع كبير يا محروس، مش سهل يتنسي.
قال بأسى: عارف بس يمكن لو الزمن رجع، كنت اخترت أفضّل معاكي مهما حصل.
بصت له بنظرة فيها خليط من الدهشة والحنين وقالت:وانت فاكر الكلام ده سهل عليا؟ أنا اللي شلت الحمل كله لوحدي، وانت كنت في دنيا تانية.
سكت لحظة وقال وهو يمدّ إيده فوق الطاولة
الصغيرة:خلاص يا كريمة، ما تفتحيش وج*ع القديم، خلينا نبدأ من أول وجديد يمكن ربنا يرضى علينا.
نزلت دمعة على خدها وقالت بخفوت: يا رب تكون صادق المرة دي.
ابتسم بخفة وقال: والله صادق، ومش عايز أشوف في عينيك غير الراحة.
فابتسمت هي كمان، لأول مرة من سنين.
أما في قصر سليم، الجو مختلف تمامًا.
كانت سلسبيل قاعدة في الصالة، تقلب في مجلة وهي بتحاول تتجاهله،
بينما هو واقف بيكلمها بنبرة فيها لعب واضح:إيه يا سلسبيل؟ هو الجواز منك خلّاك متكبرة عليا ولا إيه؟
رفعت عينيها له وقالت ببرود: أنا مش متكبرة، بس مش فاضية لمشاكساتك يا سليم.
قرب منها خطوة بخطوة، لحد ما بقت المسافة بينهم صغيرة جدًا وقال بنغمة ماكرة: مشاكسات إيه؟ أنا راجل هادي خالص.
ضحكت بسخرية: هادي؟ إنت آخر حاجة ممكن تتوصف بيها الهدوء!
ابتسم وقال:يمكن، بس معاكي بحاول أكون مختلف.
سكتت، قلبها دق بسرعة، مش عارفة ترد، فغيّرت الموضوع بسرعة وقالت: مش المفروض عندك شغل؟
قال بثقة:خلّصته، عشان أفضى أضايقك شوية.
هزت راسها وهي تكتم ابتسامة صغيرة،
وسابها ومشى، بس ضحكته كانت باينة هو عارف إنها بدأت تتأثر بيه، حتى لو بتحاول تخبي.
وفي الجهة التانية، كان أيهم ومريم قاعدين على الشرفة الكبيرة،
القمر منور المكان وصوت البحر بعيد يوصل خفيف.
مريم قالت بخجل: إنت عارف، عمري ما كنت أتخيل إنك تبقى بالشكل ده، هادي وكريم كده.
ضحك وقال: وأنا عمري ما كنت أتخيل إن ربنا يرزقني بواحدة زيك.
بطل تقول كده.
ليه؟ أنا مبسوط، وده مش ذن*ب.
مدّ إيده على شعرها بلطف وقال:ربنا عوضني بيكي، يا مريم.
ابتسمت هي والدمعة في عينها وقالت:وأنا كمان، يمكن كنت فاقدة الأمان لحد ما جيت.
ضمها بخفة وقال وهو ينظر للسماء: الأمان مش في المكان يا مريم، الأمان في الناس وأنا ناوي أكون أمانك لآخر يوم في عمري.
كانت سلسبيل واقفة قدام المراية في غرفتها،
بتسرّح شعرها بعصبية، وكل شوية تبص لوشها كأنها بتحاول تقرأ في ملامحها حاجة مش مفهومة.
همست لنفسها:إيه اللي بيحصلي؟ ليه كل مرة يبصلي كده قلبي يدق بالشكل ده؟
قعدت على طرف السرير، واخدت نفس عميق وهي تفكر في كل موقف بينهم كلامه المبطّن، ضحكته اللي بتغلبها،
وغيرته اللي بتظهر في أبسط التفاصيل حتى من غير ما يقولها صراحة.
لسه بتفكر، لما سمعت الباب يخبط.
صوته جه من ورا الباب، هادي وواثق كالعادة:ممكن أدخل؟
ترددت لحظة وقالت:اتفضل.
دخل سليم بخطوات ثابتة، لابس قميص مفتوح الزرار الأول، وريحة عطره غطت المكان.
قال بابتسامة جانبية:شكلك كنتِ بتفكري فيا، صح؟
نظرت له بسرعة وقالت بتوتر: متخيل نفسك محور الكون ولا إيه؟
ضحك وقال: لا، بس في حاجات بتتقال من غير كلام.
قلبها دق بقوة، فحاولت تغيّر نغمة الحوار: كنت عايز إيه يا سليم؟
قال وهو يقف قريب منها أكتر مما يلزم:بس كنت عايز أطمن إنك بخير بعد اللي حصل امبارح في العشا، واضح إنك اتضايقت.
أنا بخير، وما فيش داعي تتدخل في كل حاجة تخصني.
رد بهدوء: لما تخصك تبقى تخصني برضه.
اتجمدت في مكانها، وابتلعت ريقها بصعوبة.
إنت ليه دايمًا بتتكلم كده؟
قال بنبرة فيها صدق نادر: يمكن عشان بحاول أوضح اللي مش قادر أقوله بصراحة.
وساعتها يعني؟ أصدق إيه؟
أصدق إنك بقيتِ تهميني أكتر من اللي كنت متخيل.
سكتت سلسبيل، عيونها ارتبكت، ودمها سخن في عروقها.
حاولت تتكلم لكن صوتها اختفى.
هو لاحظ ده، فابتسم وقال بلطف:خلاص، مش لازم تقولي حاجة.
استدار وخرج بهدوء، تارك ورا صمته أثر كبير.
لما الباب اتقفل، لمّت نفسها على السرير، وضغطت على صدرها بإيديها،
وقالت بصوت واطي مرتعش:لأ أنا مش هقع في حبه. مش ممكن أكرّر نفس الغلط.
لكن جوّاها كانت عارفة إن قلبها بدأ فعلاً يتكسر أمامه،
وإن الهروب بقى مستحيل.
مرّت الأيام بهدوء غريب، وبدأت سلسبيل تلاحظ تغيّر سليم.
بقى أكثر لطفًا، صوته ناعم لما يكلمها،
يتحجج دايمًا بقربه منها خايف عليكِ، الجو برد، متتعبيش نفسك كلام بسيط، لكن في كل مرة كانت تحسّ بدفا غريب يتسلل لقلبها،
وتتساءل بين نفسها: هو بيهتم بيّا كده ليه؟
وفي خضم كل ده،
جت أخبار زواج فارس من ابنة عمه ليلى.
الكل انشغل بالتحضيرات، البيت امتلأ زينة وضحك،
وسليم رغم سعادته لصاحبه، كان حاسس بحاجة ناقصة.
في ليلة الفرح، لبست سلسبيل فستان هادي بلون السماء،
بسيط لكنه أبرز ملامحها الهادئة.
ولما دخلت القاعة، كان سليم واقف بيتكلم مع أيهم،
بس أول ما شافها الوقت وقف.
نسي كل حاجة حواليه الزفة، الموسيقى، الضيوف.
بس هي، بخجلها وبسمتها الخفيفة، كانت كفاية تخليه ينسى العالم.
اقترب منها ببطء وقال بصوت واطي:انتي دايمًا تعرفي إزاي تسرقي الأنظار من غير ما تعملي حاجة.
ابتسمت في خجل: أنا؟ ده فارس هو العريس مش أنا.
ضحك بخفة وقال:العريس محظوظ إنه شافك النهارده.
مرّت اللحظات، والليلة كانت مليانة فرح،
لكن في عيون فارس، كان فيه شيء مختلف.
بين السعادة والارتباك، كأنه بيتزوج بعقله مش بقلبه.
أما ليلى فكانت بتحبه من زمان، بس ما قالتش،
وسعيده إنها أخيرًا أصبحت زوجته حتى لو هو مش واقع في حبها بعد.
في نهاية الفرح، وقف سليم مع فارس برا القاعة،
قال له وهو يربت على كتفه: مبروك يا فارس، تستاهل كل خير.
ابتسم فارس وقال: شكلي الوحيد اللي متجوز ومش مصدق اللي حصل.
رد سليم بابتسامة فيها معنى: ساعات النصيب بييجي من غير ما نحس بس المهم نحافظ عليه.
رجع سليم بعدها بيته، ووقف قدام باب أوضته،
سمع ضحكة سلسبيل جايه من المطبخ وهي بتحكي لمريم عن الفرح.
ابتسم لنفسه وقال: يمكن أنا اللي دوري جاي.
كانت سلسبيل في اليوم التالي بعد الفرح بمزاج رايق،
قررت تروح مع مريم للمول يشتروا شوية حاجات.
ضحك وبساطة البنات ملوا الجو،
وسليم كان في مكتبه، لكن عينه على هاتفه كل شوية
من غير سبب واضح أو يمكن السبب كان واضح جدًا.
رن هاتفها، رقم مجهول، ترددت لكنها أجابت.
صوت شاب قال بابتسامة متوددة:مساء الخير، أنا سامر كنا مع بعض في الفرح امبارح، فاكرة؟
تفاجأت سلسبيل: آه، بس إزاي عرفت رقمي؟
ضحك وقال: بسيطة، كنت محتاجة مساعدتي في التصوير، فخدت الرقم من فارس.
كانت ناوية تنهي المكالمة، لكن القدر خلّى سليم يدخل المكان في نفس اللحظة.
وقف وراها بدون ما تتنبه، وسمع جزء من المكالمة.
عيونه اتسعت، نبرة صوته اتغيرت: سامر؟!
انتفضت سلسبيل وأغلقت الهاتف بسرعة.
سليم! إنت هنا من إمتى؟
قال وهو يعقد ذراعيه: من وقت كفاية أسمع اسم واحد مش المفروض يتقال.
اتلخبطت كلماتها: ده مجرد مكالمة عادية.
قاطعها بحدة، وصوته نازل بهدوء يخفي ناره:مفيش حاجة اسمها مكالمة عادية لما فيها راجل بيكلم مراتي.
اتجمدت سلسبيل، قلبها يدق بقوة.
هو نطقها للمرة الأولى: مراتي.
نظرت له بدهشة ممزوجة بخوف: سليم، إنت بتبالغ.
اقترب منها خطوة، عيونه سوداء فيها بريق غيرة شرسة: يمكن بس أنا راجل مش بعرف أشارك اللي ليا، فاهمة؟
حاولت ترد، لكنه أكمل بصوت أخف: أنا مش زعلان منك، بس عايزك تفهمي إنك من اللحظة دي ليّ أنا.
مرت لحظة صمت طويلة،
نظراتهم تلاقت، ما بين الخ*وف والدفا، بين الغضب والحنين.
كانت سلسبيل تشعر إنه غاض*ب لكنه في العمق خائ*ف عليها.
وهي لأول مرة، ما قدرتش ترد عليه،
فقط تمتمت بخفوت: حاضر يا سليم.
وابتسم بخفة وقال:كده أحسن.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close