رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الرابع 4 بقلم سارة فتحي
فى أحدى بقاع الأرض وبأخص دبى تجلس سيده فى أواخر عقدها الرابع وامامها فتاة
فى اوائل العشرينات ذو شعر قصير وملامح ناعمة
لكن من يطالعها من بعيد يظن أنها مشلولة، ساكنه
تحدق فى اللاشئ تلعن غبائها وسذاجتها تشعر
بقلبها يعتصر بين ضلوعها مما فرطت فى حق نفسها
كيف حدث لها هذا ؟!
- كارما انتِ معايا ؟!
انتشلتها والدتها من شرودها فانتبهت لها قائلة :
- أسفه يا مامى بس سرحت شوية
كنت بتقولى أيه ؟!
زفرت والدتها انفاسها ثم اردفت :
- بقولك جوزك هينزل معانا مصر ولا أيه ؟!
ضياء قال ننزل كلنا
هزت رأسها بنفى قائلة :
- لأ باهر هيقد هنا عندوا شغل
كانت تحمد ربها فى سرها فهى عندما اخبرته بشأن السفر
رفض شعرت بقليل من الراحة نسبيًا،
فهى بحاجة لهذه الهدنة ثم حدثت والدتها بتوتر :
- مامى كنت محتاجه فلوس اجيب حاجات
قبل ما انزل القاهره اصلى الفيزا بتاعتى عايزه
تتجدد..
رمقتها بغير تصديق بينما الأخرى تهربت بنظرها بعيدًا
*****
توسعت عين كنان بفزع حين رأى والده يقف أمام
الباب وهو يحمل حقيبة ثيابه بيده ويدير مقبض
الباب انتفض كنان يأخذ الحقيبة من يد والده
ويجذبه للداخل وهو يطالعه مدهوشًا :
- أيه دا يا بابا .. واخد شنطتك ورايح على فين ؟!
اوعى تقول عشان كلام ماما .. أنت عارفها مش
بيبقى قصدها حاجة
بادله بابتسامة باهتة يخفى خلفها شجونه
وكأنه رجل مهموم بعظائم الامر فحدثة :
- طول عمرى بستحمل مزاجها المتقلب وحدتها
وبقول طبعها وانا بحبها، تحكمات، وفرض رأى
وبفوت.. لكن توصل أنها تحط طلاقنا قدام
طلاقك أنت لأ يا كنان بتحط عشرة سنين
قدام سعادة ابنها.. بتحطنا قدام معادلة
صعبة لكن أنا اللى بنسحب
شد كنان منبت شعره قائلًا بوهن :
- يا بابا لو سمحت أنا مش حمل اللى بيحصل
دلوقتى بلاش تمشى .. متحسنيش
إنى السبب فى اللى بيحصل بينك وبين ماما
هز زهير رأسه بالنفى وهو يربت على كتف كنان قائلًا :
- لا مش أنت السبب خالص اللى حصل ده كان لازم
يحصل من زمان، كان لازم عشان منوصلش النهارده
للحيطة السد ديه، متحملش نفسك ذنب مالكش
فيه، بلاش كل حاجه تحطها على كتفك كده
جذب الحقيبة من يديه واندفع للخارج، اطلق كنان
زفرة مطولة، لم يكن الأمر هينًا عليه فى تلك الظروف
نهائيًا
****
فى المساء مازالت كما هى منكمشة
على الأريكة تطالع هاجر وهى تقوم بصنع العشاء
واحدثت فوضى حولها فى كل مكان بالمطبخ
وطاهر يجلس على المقعد المجاور لها يطالع هاجر
بغيظ، بذهول، التقطت هاجر قطع البطاطس
والقتها فى زيت دفعه واحده بتلقائية مما جعل السنة اللهب تتصاعد للأعلى ارتدت للوراء بذعر بينما
انتفض طاهر صوب المطبخ يهرول عليها فابتسمت
بذعر جلى قائلة ::
- شفت شغل الشيفات
تناول طاهر نفس طويلًا محاولًا تهدئت نفسه لا يود أن ينفجر بها ثانية قائلًا :
- شغل شيفات أيه دول شوية بطاطس وبانية
جاهزين على التحمير وكنتى هتولعى فينا
ما كنت جبت جاهز اسهل واضمن بعدين ليه كل
ديه طلبات طالما هتحمرى بطاطس
اشاحت وجهها بعيدًا ترفض التحدث معه وبدأت
فى تقليب البطاطس فى زيت، توسعت عيناه بذهول
من حركاتها لكن سرعان ما تلاشى غيظه ليتبدل
بسعادة حقيقة وهو يرى كيان تقف أمامه وهى تهمس :
- ممكن تطلعوا أنتوا الاتنين بره
التفت هاجر لتقابل اعين طاهر التى تطالع كيان
بعشق، تقهقرت للخلف مفسحه لها مجال بقلب
يأن من الألم قبضة فولاذية تعتصر صدرها
خرجت تجلس على الأريكة ومن خلفها طاهر
ليجلس بدوره على المقعد المقابل للمطبخ
ظلت هاجر تختلس نظرات إليه وهو يطالع كنان
مرت ساعة وكانت قد اعدت كيان الطعام
وسكبت الطعام فى الصحون، شرعت هاجر
فى تحهيز الطاولة ثم جلست معهم بابتسامة
زائفة بينما طاهر تناول الطعام ثم صفق قائلًا :
- شابو تسلم ايديكِ
كلماته تراقصت بحرفية على اوتار الوجع ثم ابتسمت
بخفوت قائلة :
- الأكل جامد بجد يا كيان
هزت كيان رأسها بابتسامة مجاملة ثم ساد الصمت
وسبحوا كل منهم فى بحر تفكيره حتى همست
كيان :
- أنا عايزه ارجع القاهرة
تبادلت أعينها الهازلة بأعين طاهر الحائرة، هل
اشتاقت لكنان ؟! لماذا ترفض العودة إلى بيته؟!
هل سيتركها تعود لتلك الشقة مع كنان ؟!
اشتعلت البراكين بداخله لكنه حاول التمالك
تجاهل ما يدور فى خلجات قلبه قائلًا :
- هنتحرك بعد الأكل،
على العموم انا شبعت وطالع بره شوية
اطرقت هاجر رأسها فى صحنها متحاشيه النظر إليه
متجاهلة صليل قلبها بينما كيان اغمضت عيناها
بتضرع تسأل الله أن يكون معاها فى القادم
***
تدثرت الساعات بالعتمة صف كنان سيارته أمام النيل واسترجل منها لعله يتخلص من ثقل روحه، صمتت الأجواء من حوله إلا من صوت انفاسه تشق سكون الليل، يتجرع مرارة الخذلان عزيز تلو الاخر فوالدته وضعته فى خانة اليك حاصرته بطريقتها فأصبح قاب قوسين، وموقف والده يشعر بإنهيار كل شئ فوق رأسه فمن ظنهم
الملاذ والأمان خذلوا واصبح الآن عليه الاختيار
أما أن يضحى ويتنازل هو أما سيخوض الحرب من اجلها فهى تستحق هى لا تهون، اغمض جفنيه صورة كيان عائدة تائقة لا تفارقه، يستشعر ملوحة دموعه بحلقه، جحيمه لا ينطفئ ولن ينطفئ سوى بعودتها
استدار يستقل سيارته ثانيةٍ فى طريقه للعودة
لعلها تأتى وتريح نيران قلبه بعد مرور ساعه
صف سيارته اسفل المسكن الخاص بهم وصعد
للأعلى وولج للداخل وارتمى بجسده على الأريكة
احيانا تفرض علينا الحياة المضى فى طريق مملوء
بالعقبات دون أن نتعثر أو نتذمر، نمضى فقط على
بترقب بزوغ الفجر قريب بعد ليالِ داجيه نتشبث بالأمل
*****
حاول حسن التحكم فى تعابير وجهه باحترافيه
قائلًا بسعادة :
- بجد يا بيبى حامل ؟!
نهضت من مكانها حتى تجلس بجواره واجابته بتوتر جلى على نبرة صوتها :
- ايوه يا حسن أنا خايفه اوى... هو أنت مش زعلان ؟!
كسر الصمت وهو يضمها إلى صدره محاولًا ايجاد
الكلمات المناسبه :
- ديه حاجه تزعل بردو يا بيبى .. وأيه اللى مخاوفك
باغته بسؤالها ونظراتها المهتمة تسبر اغواره :
- يعنى أنت مش عارف وضعنا طب وبابا تبقى مصيبه
لو عرف
اجابها بمكر ويده تلهو على ظهرها صعودًا وهبوطًا :
- متقلقيش كل شئ هيتصلح.. أنا اقدر اضحى بيكِ
أنتِ و ولى العهد يا قلبى المهم أنك وحشتينى
رمقته بنظرات مستكينه وتجاوبت معه سريعًا مستسلمة
لمساته
****
على صعيدًا اخر فى دبى زفرت كارما بتعب وهى تخرج
المفتاح الممغنط الخاص بشقتها ثم ولجت للداخل
رائحته التى تعبق المكان تعطيها انذار بوجوده
تشنج جسدها وعقلها يكاد يصاب بجلطة من كونها
احبته بجنون وتمنته زوجًا لها وقفت امام اخيها
ووالدتها، كانت ترتدى غيمة سوادء اعمت قلبها
قبل عيناها، سحبت نفسًا عميقًا تحاول تهدئة
نفسها؛ لبدء حربها الخاصة التى لا أحد يعلم
عنها شئٍ حتى اصبحت هزيلة للغاية، مجرد طفلة
معذبة تريد العودة لأمها، ثوانٍ وكان يخرج من
الداخل يطلعها من اعلاها لأدناه باشمئزاز مردافًا :
- البرنسيسه شرفت اخيرًا
لحظات من الصمت تمنت لو أن يصيبها الصم ولا
تسمع صوته اجابته باقتضاب وهى تتجه للداخل :
- اه
اسرع يقبض على فكها بعنف وهو يصر أسنانه قائلًا :
- تكلمينى عدل فاهمه ولا أفهمك يا برنسيسه
جبتى الفلوس
دفعها للخلف حتى اختلال توازنها وكادت أن تسقط
لكنها وقفت ودموع بعيناها تفتح حقيبتها وتخرج
النقود وتضعها على المنضدة امامه قائلة :
- اتفضل .. على فكره مامى اخدت بالها ومش
هعرف اتصرف بعد كدا
التو ثغره يجيبها بتهكم :
- ديه مشكلتك أنتِ ولا تحبى اتصرف أنا
استمعت لحديثه بقهر واندفعت لغرفتها بينما هو
سال لعابه وهو يعد المال ويبتسم بتوسع
****
مع بزوغ أول خيط من خيوط الفجر توقفت سيارة
طاهر أمام البناية التى بها الشقة، تيقظت جميع حواسها
كأنها قد ضربها تيار كهربائى، قلبها يرتجف كعصفوره
رقيقة فى موسم الشتاء، ابتلعت بمرارة اجتاحت حلقها وتماسكت إلا تتساقط منها عبره واحده التى كتمتها
بقوة وحاصرتها بمشقة بين جفنيها حتى كسر طاهر
الصمت قائلًا :
- أنا مش هسيبك لوحدك يا كيان
- ولا أنا خلينى اطلع معاكِ
لتهمس بعد تنهيده طويلة :
- لو سمحتوا يا جماعه تحترموا رغبتى، يلا روحوا
كفايه وقوف هنا .. انا متشكره على اللى عملتوا معايا
فتحت باب السياره وضعت قدميها على الارض
بثبات ثم هبطت من السيارة تغلق الباب خلفها
رمقها طاهر بنظرة عتاب وحزن تجاهلت نظراته
وولجت للداخل هى لما تأخذ مفتاحها معاها لكن لا بأس ، بينما داس طاهر على المقود بعنف وانطلق ليتمكن من العودة من عالمها التى تجذبه إليها بانين قلبه كل ذلك تحت نظرات هاجر، بعد مرور عدة دقائق طالع وجهها فى
المرأة ثم تحمحم قائلًا :
- هاجر انا بعتذر على اللى حصل منى
أديكِ شوفتى حالة كيان عامله ازاى ودا خلانى
فقدت اعصابى
هزت راسها واجابته :
- حصل خير يا طاهر
حك مؤخرة رأسه بيده بينما الاخرى تتابع القيادة قائلًا :
- مش من قلبك، بعدين ما أنتِ ياما طلعتى عينى
قلبك ابيض بقى، نبدء صفحة جديده
نعم لابد من صحفه جديده لكن بعيدًا عنه تستعيد روحها وكرامتها وتتركه ليبدء هو فى صفحته الجديده مع كيان جاهدت أن تخفى حزنها قائلة :
- اشطا يا طاهر نبدء صفحه جديده
******
وقفت أمام باب الشقه تمر امام عينيها ذكريات أول
مرة وقفت هنا وهى تبحث فقط عن مأوى لفتاه
مثلها ستكون مطمع للجميع لم يرحمها أحد هذا
الباب كان خلفه أمانها وملاذها من النوم فى شوارع
اغمضت عيناها تعيد نفس التفاصيل تمد يدها
تحت حجابها تخرج دبوس شعرها، فتحت
عيناها تضع طرف الدبوس بالباب ثم ثنت الطرف
الأخر وبدأت بتحريك
بالداخل كان ممددًا على الاريكه رافعًا معصمه على
رأسه ما أن التقطت اذنيه صوت على الباب انتفض
مسرعًا كقلبه يقرع كطبول ادار المقبض توسعت
عيناها حين رأها امامه شقت عتمة روحه، رفعت رأسها إليه وتجاوزته
للداخل اغلق الباب خلفها وهرواله نحوها أوقفته
بحركة من يديها، قلبه يقتداد نار مثل الجمر كل
هذه المدة بعيده عنها، فى بعدها كان كله شوق
كله شغف كله ألم، لكن الآن ما يهم انها بخير
حاول الاقتراب منها لكنها تراجعت للخلف
ابتلع قائلًا :
- كيان .. انتِ بخير .. انا كنت هتجنن عليكِ فى حاجات
لازم تفهميها
التو فمها ترسم البرود لتكمل دور القوية :
- لا ما أنا عرفتها خلاص ومفيش داعى لكدب اكتر
من كده كتر خيرك، مرمتنيش فى الشارع ساعتها
الشقة ديه هى التعويض وانا موافقه استوب لحد
كدا ومع السلامه كل واحد فينا من طريق تطلقنى
وانا هرجع لحياتى واتفضل اطلع بره ومتنساش
تطلقنى
تحاول أن تثير غضبه لكنه يعلم أنها بداخلها رخوة
محطمة، اقترب منها يسحبها لصدره لكنها دفعته
بحدة، اكتوى بنار بعدها أما الآن عليه أن يذوق
اضعافه فى قربها، وهى تحاول أن تعيش دور
الشراسة فهمس :
- أنا غلطت بس حبيبتك يا كيان
لم تستطيع أن تتحكم اكثر بنفسها وتتحلى بالبرود انهارت ارضًا :
- كداب، كداب، متكملش بس الاحساس بذنب وتعاطفك
معايا مش حب لو سمحت كفايا أنا الدنيا لوحدها جايه عليا
ابعد وسبنى كفايه عليا كدا .. ابعدوا كلكم سبونى
فى حالى .. انا معملتش حاجه لكل دا ليه بقى
ليه انا صدقتك عشان غبيه
يرمش بعيناه وهو يطالع رعشة اطرافها وانتفاض جسدها يطلبه بعناق اهتز قلبه بل ارتعشت روحه
اقترب منها يضمها إلى صدره ويربت على ظهرها
استكانت بين احضانه وصدرها يعلو ويهبط
كانت تحتاج لعناق بينما هو بين نارين
هل ضمهاطاهر هكذا ليهدئها؟!
هل وضعها بين ذراعيه وصدره هكذا ؟!
نار مشتعلة بداخله بينما هى دفعته بحدة فى صدره
وانفاسها هادره تصيح بغضب :
- امشى اطلع بره مش عايزه اشوف وشك أنا
بكرهك أنت اكتر حد اذانى
صر اسنانه ويده تنقبض بعنف قائلًا :
- انتِ تعرفى أيه عن الاذى، واحد قاعد هنا ومراته
مع واحد تانى هاا حضرتك فكرتى لحظه فيا
وطاهر بيقولى مش هتشوفها تانى، ازاى تسمحى
لنفسك تمشى مع راجل غريب عارفه دا اسمه ايه
صرخت به بحده قائلة :
- ااه اعرف يعنى ست شمال مش مظبوطه
ما هى كدا اللى متجوزه ومع واحد تانى
والمفروض متخلنيش على ذمتك واحده مشكوك فى
نسبها مش دا اللى عايز تقولوا صح
برزت عروق رقبته وانقض عليها يكمم فمها صارخًا :
- اسكتى .. اسكتى كفايه اللى استحملتوا مش
هستحمل كلامك كمان مش بتحسى
- ايوه مش بحس ومش عندى قلب من زمان
خليك فى شقتك طالما مش عايز تسبها بس
انا هطلق بالغصب
قالت كلامها واندفعت صوب الباب، قبض على معصمها
قائلًا :
- أنا اللى ماشى خليكِ
التقط هاتفه وسلسال مفاتيحه واندفع صوب الباب
بعد حرب الضروس مع النفس المهتاجه قرر تركها فى الشقه على الاقل يعلم مكانها
رمقها وهو على حدود الباب بنظرات لائمة، غاضبه،
متألمة تلك النظرات التى اغرقت العين بوجع مدمج
بالحزن ولا سبيل للخلاص منه اغلق الباب خلفه
وهبط يستقل سيارته ويقود بشرود وقلبه يعتصر من الألم أنها جنته التى لم تكتب له خرج منها طريدًا
فجأة انتبه للطريق ولم يعى أنه يسير عكس الاتجاه
انصدمت سيارته وانقلبت عدة مرات تجمعت
المارة وتوقفت حركت السير الكل يطرق
كفًا بالاخر ويتهمسون :
- لا حول ولا قوة إلا بالله دا لسه صغير
هناك بعض حالات الحب لا يمكن التخلص منها إلا
بندوب أو خلاص الروح
*****
يتبع
