رواية لمن القرار الفصل الرابع والاربعين 44 بقلم سهام صادق
الجزء الاول
********
هل فرت هاربة للتو من مشاعرها، وهل خانتها دموعها العزيزة حزناً وقهراً، وهل أندفعت نحو غرفة صغيرتها تُبحث فيها عن شيئاً تفقده؟
والإجابة كانت واضحة، بل واضحة للغاية..
استيقظت الصغيرة بعدما شعرت بضمه قوية حنونه ..، ظنته والدها كما اعتادت ولكن عيناها الناعستين سقطت على ملامح والدتها غير مصدقه إنها تضمها إليها
- مامي أنا بحبك اوي
همست الصغيرة بصوت ناعس، وعادت لغفوتها بعدما شعرت بالأطمئنان في أحضان والدتها..،
أزالت "شهيرة" دموعها، حتى تظهر لها بمظهرها المعتاد..، فوجدتها قد غفت بعدما منحتها أجمل عبارة، صغيرتها رغم هجرها لها وإهمالها تحبها دون أن تُطالبها بشئ غير حبها وعاطفتها.
عادت دموعها تُخانها، تتأمل ملامح صغيرتها التي تشبه والدها لحد كبير
- ليه هو محبنيش زي ما حبك يا خديجة؟
والصغيرة كانت غارقة في أحلامها، تدفن نفسها اكثر في احضانها.
...........
ضمها إليه بعدما أنتهت عاصفة حبهم، ابتسم وهو يراها تدفن رأسها بصدره..، تهمس له بخفوت وخجل ..، بأنها أسعد النساء..
ضحك وهو يُطالبها أن تعيد عبارتها عليه، فهو يحتاج سماعها منها
- قوليها يا حببتي بصوت واضح
ارتفعت وتيرة أنفاسها وقد شعر بانفاسها فوق عنقه، بعدما تشبثت به أكثر
- سليم
تعالت ضحكاته، وهو يسمعها تهتف اسمه حتى يتوقف عن إرباكها
- سليم مش هيسكت النهارده، غير لما تقولي بصوت عالي كنتِ بتقولي إيه؟
أصر ورفضت، فقرصها فوق ذراعها.. فابتعدت عنه تصرخ من الألم..؛ فطالعها بعبث ينظر لهيئتها التي سرعان ما ادركتها عندما ابتعدت عنه، عادت إليه تدفن جسدها بين ذراعيه
- عبري ليا عن مشاعرك يا فتون، عايز أحس إني فعلا وصلت لقلبك وقدرت ارجع بطلك زي زمان
علقت عيناها بعينيه، وقد افاقها حديثه من نشوتها واحساس الكمال الذي يجعلها تشعر به كلما تعانقت أرواحهم
- مافيش بطل يا سليم، مافيش راجل بطل ولا ست بتكون بطلة الحكاية
احتلي الذهول ملامحه، ونهض معتدلاً ينظر لها وقد ضاقت عيناه، يُركز في امرأته الصغيره التي بدأت تكبر وتنضج مع الأيام
- كنت زمان بطلك يا فتون، إيه اللي اتغير فجأة
- ومازلت بطل حكايتي
عقد حاجبيه، لا يستوعب انها أصبحت تجيد المراوغة اللذيذة والتلاعب معه بالعبارات، لم يكن بالرجل ذو الافق الضيقه.. بل كان بارع في التقاط الثغائر وفهم الملامح.. ،وصغيرته مهما نضجت وتعلمت فسيظل اكثر من يفهمها
- زمان كنت بشوفك بطل مبيغلطش، بطل لو غلط مش هيبقى بطل تاني وصورته هتضيع..، لكن كلنا بنغلط، كلنا لينا لحظات ضعف
- حياة جنات أثرت فيكي يا فتون مش كده؟
ترك كل حديثها خلفه..،وأمسك بالطرف الذي لم تظنه سيبحث فيه عن سبب تغيرها ..
طالعته في صمت، فالتقط كفيها يضمهما بين كفيه، يمسد فوقهما برفق
- الحاجة الوحيده اللي بتعلم الإنسان هي التجارب يا فتون
وهي لم تكن أهلاً للصمود، عندما تتأثر بحياة الغير
- جواز جنات دمرها يا سليم، جنات انطفت.. انا افتكرت نفسي زمان مع حسن
شعرت بقوة قبضته فوق كفيها، عندما ذكرت زوجها الأول الذي انتقم منه الله.. ومات بجرعة مخدرات زائدة بعد أن خدعته إحدى النساء الماكرات
- صحيح كاظم مش زي حسن، ومحدش عاش اللي أنا عشته
تعالت شهقاتها، وقد ازداد ضغطه فوق كفيها، فهو لا يحتمل سيرة هذا الرجل..
اغمض عيناه يُحاول بقدر استطاعته تمالك نفسه و غضبه
تألمت بخفوت وقد ازدادت الألم فوق يديها تهتف اسمه
- سليم، ايدي يا سليم
انتبه علي صوتها، ينظر نحو كفيها.. ،وقد اشتد احمرارهم,
شعر بالضيق من نفسه، فانسابت دموعها فوق خديها بعدما عانقت عيناه عينيها، ثم اسرع في ضمها إليه يُطمئنها أنه معها..،
ولكن الليلة كانت طويله بشدة وهي تُخبره عن ما عاشته مع "حسن" وهو يستمع في صمت وجمود
زفرت أنفاسها أخيراً، بعدما أنتهت من سرد بعض الذكريات.. تُطالع ملامحه التي أصبحت شديدة القتامة..، أرادت الابتعاد عنه خشية، فعاد وجذبها إليه يهتف بصلابه
- رايحه فين؟
وقبل أن تهتف بشئ، كان يُخرسها بقبلاته.. ،يخبره بأنه وحده زوجها، وأنه الأول في كل شئ.. كل جزءً بها يملكه..، أخرجت الوحش الكامن داخله.. ، و لم يكن لأول مرة نفس الرجل الذي عاهدته...الحنون في لمساته
ابتعد اخيراً عنها، يلهث أنفاسه بقوة..، وكأنه انتبه علي ما كان يفعله بها..
- فتون أنا آسف
ولم تكن تتطالعه إلا في صمت، اجتذبها لاحضانه، يعيد اعتذاره لها مجدداً، يُخبرها أنها السبب.. ،فقد ضغطت علي أكثر الأشياء التي يكره تذكرها والحديث فيها
- قولتلك يا فتون بلاش سيرته.. اتكلمي معايا في أي حاجة بعيداً عنه سيرته
- أنت كأنك كنت بتعاقبني يا سليم
ضمها إليه نادماً، يمدّ كفه نحو وجهها يمسح عليه برفق
- مكنتش حاسس بنفسي ، سيرته بتفكرني إزاي كنت غبي لما صدقته في يوم.. وكنت هأذيكي بسببه.. ،كان نفسي أخدلك حقك منه بأيدي
وهل تذكرها له كان شيئاً سهلاً عليها، ولكنه كان علامة في حياتها..، بصمه وضعت فوق جسدها وشوهت روحها.. في الوقت الذي كانت براعمها مازالت تتفتح
ابتعدت عنه، تنظر له بنظرة قد فهمها
- اطلبي يا فتون، اللي أنتِ عايزاه
طالعته في صمت ، حتى تجد البداية لتخبره عن طلبها
- جنات محتاجة ترجع الشغل تاني، أرجوك ساعدها يا سليم
انفرجت شفتيه في ضحكة قويه، مما جعلتها تعبس بملامحها، تقطب ما بين حاجبيها
- كل الدراما اللي كنا فيها ديه، عشان جنات عايزه ترجع الشغل..، وطبعا تجبيلي البدايه إزاي، فلازم نفتح الدفاتر القديمه ونقلبها حلقة نكد، وقد إيه هي طلعت مظلومه من جوازها من كاظم، رغم إني حذرتها، كاظم راجل معندهوش مشاعر، راجل بتاع شغل وبس
- واحمس يتدرب في المؤسسه
توقف عن الحديث، بعدما أستمع لطلبها الأخر، وقد طلبته بكل وضوح دون مماطله
- مش أنت لسا قايل اطلب، من غير ما اضطر ما الف وادور
ارتفع كلا حاجبيه متعجباً، من نظرتها العابثة له ..، فالقطه الصغيرة لم تعد دون مخالب
- ده أمر..، ولا طلب
وببراءة كانت تعود إليها، تهتف وهي تتسطح فوق الفراش مسترخية، تحت نظراته التي تلتهمها
- طلب و رجاء يا حبيبي
- جنات اه، أحمس لاء
اعترض، وهي كانت تفهم سبب اعتراضه..، طالعت ملامحه الجامدة، لا تستوعب كيف رجلاً مثله يشعر بالغيرة من شابً ك "أحمس"
- سليم، أحمس وجنات عيلتي التانيه، وقفوا معايا في اكتر وقت كنت محتاجه حد في ضهري وجانبي
امتقعت ملامحه وهو ينهض من جوارها، يرمقها من فوق كتفه، يهتف باقتضاب
- مش جنات برضوه، كنتِ زعلانه منها في بداية جوازنا..، لأنها اتعاونت معايا عشان اعرف اتجوزك
- ما أنا طلعت كسبانه اه، و لولا إنها اتعاونت معاك مكنتش عيشت السعاده اللي أنا عايشها
توقف مكانه، وعاد يلتف إليها بكامل جسده .. ،يرمقها بنظرات فاحصة طويلة وكأنه يدرس المخلوقة الجديده التي بدأت تُحادثه بحنكة
- شايف نسخة جديدة من مراتي..، بس يا تري التلميذ أول ما هيجي يتمرد.. هيتمرد علي أستاذه
- إطلاقا سيدي!
ضاقت عيناه ،وعاد إليها يلتقطها من فوق الفراش، فتمكنت من كتم ضحكتها بصعوبة
- هعترف وهقر بكل حاجة، أنا بدأت انضم لدورات تثقيفية في الجامعه مع احمس
- احمس تاني، بلاش تخليني احلف إنك تقطعي علاقتك بي
- سليم النجار، راجل عاقل..، بيعرف يفهم الناس كويس اوي ولا إيه يا سيدي
- موافق يا فتون، لحد ما اشوف آخرة عيلتك التانيه إيه
- وبمناسبة عيلتي الأولى، عايزه اسافر بعد الامتحانات
رمقها بملامح مبهمة، وهو يميل نحوها، يسألها عن طلباتهم الأخرى
- وإيه كمان
وببراعة كانت تنتشله من مشاعره في تغير شخصيتها ، تُخبره بتلقائيتها
- هبقي طماعه يا سيدي لو طلبت أكتر من كده
وبعنفوان أكبر كان يُدمغها بعشقه، يخبرها مراراً إنه يُحبها بل يعشقها، يعشق ضعفها وتمردها الجديد،يعشقها بكل ما فيها..، وهو لم يكن يوماً هكذا.. ،لم يكن يعشق إلا المميز في النساء واليوم علم كيف يكون العشق الحقيقي.
.......
كان هذا الصباح مختلفاً علي جنات وهي تتلقى المكالمة من "فتون" التي اخبرتها بمرح عن قبول سليم لعودتها للعمل، بل منح فرصة أيضا لأحمس
- أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا فتون..، لأول مرة هعترف ليكي، إن وجود سليم في حياتنا غير حاجات كتير
ابتسمت "فتون" وهي تستمع لحديث "جنات" عن زوجها، وكيف هو رجلاً حقيقياً
- فعلا يا جنات، نفسي اعمله حاجة تفرحه
- هاتيله طفل، وهو هيفرح
القتها "جنات" مازحة لا تقصد شئ من وراء مزحتها ، فتلاشت السعادة من فوق ملامحها.. و وقفت أعلي الدرج تزفر أنفاسها متنهدة بأسي
- باخد العلاج ومافيش حاجة يا جنات، وسليم مبقاش يهتم خلاص..
عادت المخاوف تطرق حصونها الضعيفة، فشعرت "جنات" بالحزن على حالها
- الدكتور قال مافيش سبب قوي يمنع، أنتِ بس محتاجه شوية علاج وكله هيكون تمام
دمعت عيناها،تتمنى داخلها ألا تُحرم من هذه السعادة التي تعيشها
- أسفه يا فتون، شوفي أنتِ اتصلتي تفرحيني.. ،وأنا زعلتك من غير ما أقصد
أسرعت في مسح دموعها، وعادت تبتسم وهي تُكمل هبوط الدرج، غير منتبها علي نظرات "شهيرة" السعيدة لما سمعته..
الخادمة الصغيرة لديها مشاكل بالحمل، لن يكون لابنتها أشقاء من هذه الخادمة، ولن تستمر هذه الزيجة بالتأكيد
عادت لغرفتها، تلتقط هاتفها.. تُريد أن تشارك أحداً بسعادتها لما سمعته بالمصادفة
- عندها مشاكل في الخلفة يا دينا، مش محتاجين موضوع الحبوب في حاجة خلاص..
و"دينا" كانت أكثر من سعيدة بالخبر، لقد وضعت شهيرة في الصوره، واصبحت تنتظر فرصتها من بعيد..، فلا شهيرة ولا الخادمة سيظلوا بحياته..، بعدما يبدء سليم بالضجر منهن... وسيبحث عن أخرى تُريحه وتنجب له ولداً كما يرغب الكثير من الرجال .
........
شهقت بفزع، وهي تراه يعقد ساعديه امام صدره..، ينظر إليها بنظرة لم تفهمها.. ،تجاهلته واتجهت نحو خزانة ملابسها تلتقط منها بعض الثياب..
انتقت الثوب الذي سترتديه واتجهت نحو المرحاض حتي تتمكن من ارتداءه وتذهب لعملها الذي عادت إليه
- لو أنا بقيت شفاف قدامك قوليلي يا مدام
قلبت شفتيها ممتعضة من حديثه..، وأكملت خطواتها، فاجتذبها بغضب
- رايحة فين يا مدام
وببساطة كانت تُجيبه عن الحديث الذي أستمع إليه منذ دقائق ، زوجته المصونة قد حصلت علي عمل دون أن تبلغه وتأخذ منه قرار موافقته
- رجعت لشغلي تاني..
وبملامح مسترخية ،اردفت ببرود وهي تتجاهل نظراته إليها
- الواحده مننا ملهاش غير شغلها
- مافيش شغل، فاهمه
دفعها من أمامه، صائحاً.. فتعالت ضحكاتها ،حتى آلمتها معدتها من شدة الضحك
- ضحكتني يا كاظم باشا، مش ده برضوة كان من اتفقانا زمان..، مافيش مشكلة اشتغل بس محدش يعرف إني مراتك..، ومتقلقش أنا مش لابسه دبلة ولا حاجة، الخاتم الالماظ اللي حسيت بالسعادة وانا بلبسه اتخلصت منه ورميته في حمام السباحة
التمعت عيناه بالجمود وهو يسمعها، فاسرعت بالابتعاد عنه، فلم يعد لديها متسع للحديث معه وإضاعة وقتها
- بلاش تلعبي معايا يا جنات، أنتِ جربتي اللعب معايا كان آخرته إيه
- أخرتها إنك رجعتني أقوى، خلتني أعرف إن قبل ما قلبك يذلك ومشاعرك تخونك إتجاه غريزتك..، تقتل نفسك قبل ما ترميها تحت رجلين راجل ميعرفش يعني إيه حب
هتفت بها بمراره وهي تتحاشي النظر إليه، رحل من أمامها في صمت تعجبته منه، لا تُصدق إنه انسحب هكذا دون أن يسمعها حديثه القاسي
خرج من المنزل وكأن إعصار قد اقتحمه، وصعد سيارته يضغط برأسه فوق عجلة القيادة، لا يعرف ما الشئ الذي بدء يتغير داخله، والإجابة كانت مفقودة وهو يتذكر حديث زوجة والده معه
" هتعيش طول عمرك وحيد، أنت شبه جودة النعماني لكن بصورة أقسي..، ظالم زيه"
وهل هي كانت بعيدة عن ما تصفه به، إنه امرأة مستغله تعشق المال، المال الذي باتوا يلحسون أقدامه ، يصمتون علي قراراته حتى لا يخرجهم من النعيم،
قسوته هي التي صنعته ولن يضعف يوماً لامرأة، النساء لا يستحقون المال، لا يستحقون إلا الأحتقار
ومع افكارة، كانت تشتد قبضته فوق عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصل يديه..
اتجهت عيناه نحو المنزل الخالي الواسع الذي لا يوجد به إلا سواهم ..،
ترجل من سيارته عائداً إليها ؛ فتوقفت عيناه علي جسدها، وقد أسقطت المنشفة عنها حتى ترتدي ثيابها، خرجت شهقتها بفزع وهي تراه يقف أمامها مجدداً.. ، فاسرعت في التقاط ملابسها ترتديها بعجالة.. ، وقد تلاقت عيناها المتوتره بعينيه التي تحول الغضب فيهما..، إلي عاصفة قوية من الرغبة
اقترب منها يجذبها إليها، يخبرها بغضب
- وجودك مش هينتهي من حياتي غير بمزاجي، وزي ما اجبرتيني اتجوزك..، هجبرك علي العيشة معايا يا جنات
.........
وقفت" بسمه" تتلقي الأوامر من السيدة سعاد مع بضعة من خادمات أخريات ، قد تم طلبهم من مكتب التوظيف..
اليوم هو حفلة نجاح الحملة الدعائية، والسيد "جسار" قرر الاحتفال مع موظفينه وشركاءه وبعضاً من معارفه، هتفت بهم السيدة "سعاد" بعدما القت اوامرها
- كل واحد يروح علي شغله
انصرف الجميع ووقفت هي تنتظر سيرها لتسير خلفها، فعملها سيكون بالمطبخ مع السيدة سعاد
- عايزين نكون جاهزين قبل ميعاد الحفلة، يا بسمه
حركت رأسها في صمت، وهي تتبعها وقبل أن تدلف خلفها للمطبخ.. ، التفت إليها
- أطلعي حطي البدلة اللي هيلبسها البيه علي السرير، واقفلي اوضته وهاتي مفتاحها..
صعدت لتنفذ ما أمرتها به، ضمت بذلته ومتعلقاتها إليها، تشم رائحتهم في حلماً بعيداً للغاية، فحتى هو لم يمنحها فرصة لتكون شخصاً أخر، شخصاً يحق له العيش ونيل الحياة التي يتمناها
أسرعت في وضع متعلقاته بعدما نفضت رأسها من أحلامها ، وفرت هاربه من مشاعرها.
تعثرت قدماها وسقطت أرضاً فوق ذراعها تصرخ من الألم،
لم ينتبه أحداً علي صراخها، فالجميع كان منشغل بمهامه
عادت للمطبخ متألمه، فرمقتها السيدة سعاد بضيق من تأخرها عليها
- كل ده بتعملي اللي قولتلك عليه، يلا بسرعة خلينا نشوف شغلنا
- أنا محتاجه..
وقبل أن تُخبرها إنها بحاجة لثلج تضعه فوق كدمة ذراعها، كانت تناولها إحدى صواني الطهي الكبيرة
- حطيها في الفرن، وكملي بدالي الباقي..، لحد ما اروح اشوف بيعملوا إيه في الجنينه
حملت عنها الصينية، واتجهت تضعها في الفرن كما أمرت، لم يكن لديها وقتً.. لتهتم بألم ذراعها، كل ما كان عليها أن تفعل كل ما تؤمر به،
فهذا هو عملها الذي تنال بسببه العيش في منزله والطعام الذي تحصل عليه، وايضاً المال الذي سيرفر لها حياة كريمه وتشتري منه ما تُريده
انتهى اخيراً كل شئ، وبدء الضيوف في الحضور، حتى هو أتى منذ ساعة وصعد غرفته واتبعته السيدة سعاد حتى تُخبره بأن كل شئ يسير علي أكمل وجه.
كانت تشعر بالقلق، بأن تخرج لضيوفه ويتعرف عليها البعض، ويعلمون بموضعها الحقيقي، فما هي إلا خادمة في منزله
ولكن السيدة سعاد، أعطت اوامرها للاخريات، بأن يقوموا بمهمه الضيافة
اقتربت من شرفة المطبخ بملامح مرهقة ، تنظر لبعض الوافدين للحفل بملامح حزينه، تراه يقف ويستقبل البعض بابتسامة واسعه، جعلت قلبها الخائن يتوق لها، اختفى عن عينيها، فاطرقت رأسها بحزن... ،
وعادت تنشغل في الأشراف علي الوجبات والحلوي..، حتي اقتربت منها السيدة سعاد، تهتف بها بملامح جامدة
- جاسر بيه بيقولك إجهزي عشان الحفلة
التفت نحو السيدة سعاد، تشعر بالصدمة مما تطلبه منها ، فوجدت ملامحها ممتقعة ، وكأنها تلقت توبيخاً للتو
- أنا، طيب ليه
- الحفلة معموله علي شرفك يا بسمة
قالتها وابتعدت عنها، تهتف بأمر
- تعالي يلا ورايا يا بسمة، مش ناقصه كلام من جسار بيه
والسيدة سعاد رغم كل قسوتها التي تتعامل بها معها..، إلا إنها وقفت خلفها تتأمل جمالها البسيط في زينتها وثوبها الأنيق
- طالعه جميلة يا بنتي..
تمتمت بها بحنان، جعلت دموعها تتساقط، وهي تتمنى أن تسألها لما أصبحت تُعاملها بهذا الجفاء؟
ابتعدت عنها السيدة سعاد، وانسحبت من الغرفة.. فوقفت تمسح دموعها قبل أن تلتقط أنفاسها وتمسدّ فوق ذراعها لعلا الألم يهدء قليلاً
وعلي بضعة خطوات وقفت, تنظر للجميع بتوتر ..، ف السيدة سعاد دفعتها نحوهم وانصرفت قبل أن يراها أحداً
ألتف نحوها بعدما شعر بنظرات البعض نحو فرداً ما ، فعلقت عيناه بها بنظرات طويلة.. ، اقترب منها دون أن تحيد عيناه عنها وكلما كان يقترب، كانت تشعر بأن قدميها تتراجع رهبة وخوفاً
وهناك شيئاً خفياً كان يتغير هذه الليلة.
..........
تلاقت عيناها الشاردتين بشقيقها الذي عاد من سفرته اليوم هذا الصباح، وقد اقترب منها يضمها إليه
- ميادة، حاولي تنسى يا حببتي.. أنتِ كده هتحتاجي لدكتوره نفسية
نفت برأسها، فحركت له ملك رأسها حتى يتوقف عن حديثه.. نهضت من مكان جلوسها ، وظنوا إنها ستعود لغرفتها، ولكنها فاجأتهم بذهابها نحو المطبخ..
- رسلان ارجوك بلاش تمشي ورا كلام طنط كاميليا، ميادة هترجع احسن من الأول
تنهد بأرهاق، وقد بدء جفنيه يثقلان من شدة حاجته للنوم
- مين فينا اللي المفروض يعاقب يا ملك
حركت رأسها في يأس، تنظر نحو ناهد التي اخدت تحمل احد الصغار وتتجه به نحو غرفتهم, لتضعه جوار شقيقه الأخر
- مافيش أكبر عقاب علي الإنسان، غير لومه لنفسه وإحساسه بالذنب يا رسلان
اقترب منها وقد تجاهل حديثها ، بعدما رمق خالته، وقد ابتعدت عنهم
- ملك هانم الفليسوفه، مش هندخل أوضتنا بقى
توردت وجنتاها، واتحاشت النظر إليه.. ،بعدما فهمت مغزى كلماته، فارتفع صوت ضحكاته
- لا متخافيش، النهارده أنا بقولك اطمني، ويمكن لأسبوع قدام..، شكلي هتجوزك فعليا في الأخرة يا ملك هانم
انتبهت علي عبارته، التي جعلتها تنظر إليه متسائله
- أنت هتسافر تاني؟
فدلكَّ عنقه بأرهاق وهو يجد شقيقته تقترب منهم مجدداً، تحمل أكواب العصير، وقد علقت عيناهم بها..
وضعت الأكواب أمامهم والتقطت كوبها، وجلست شاردة تتابع ما تشاهده في التلفاز بذهن شارد
- إحتمال كبير أسافر أسوان، بدل زميل ليا
تنهدت بضجر، فضحك علي تذمرها يهمس لها بعدما التقط كأس العصير لها و له
- اللي يشوفك، يقول متقدريش تستغني عني
- رسلان
طالعها بنظرات عابسه، وقد أرتشف من كأس العصير
- رسلان محتاج ينام، وهيشرب العصير وينسحب من السهرة الجميلة
وضع الكوب بعدما أرتشف منه نصفه ، واتجه نحو شقيقته يُقبل رأسها بحنان
- خليكي متأكده، إن مهما غضبت منك هكون في ضهرك
انسحب من الجلسة، فعلقت عينين "ملك" بصديقتها واقتربت منها تُجاورها.. ،تقص عليها تفاصيل الفيلم
طالعتها ميادة، وهي ترتشف كأس العصير ببطئ، حتى انتهت من شرب الكأس بأكمله
- ميادة هي الدنيا حار، ولا أنا بيتهيألي
ولكن ميادة كانت جالسة في صمت..، لا تمنحها أي جواب..
أصبحت الحرارة تحتل جسدها، وافكاراً تطرق عقلها لا تُصدق إنها تفكر بها،
أسرعت في إنتشال حالها من جوارها، واتجهت نحو غرفتها.. ،حتى تنعم بحمام بارد
اغلقت باب الغرفة تلهث أنفاسها وقد تسارعت دقات قلبها ، وهي تظن أن رسلان قد غفا..، ولكن عيناها وقعت عليه وهو يخرج من المرحاض، يُجفف عنقه
- هو عصير الفراوله ده في حاجة غريبة
والسؤال لم يكن له جوابً منها، فالجواب كان يأخذه من نظراتها، وقد وقع في نفس الشرك ثانية ولكن ليست هي من فعلت
- ملك
هتف بها معترضًا، فهو يريد أن يجعل ليلتهم الأولى مميزة
- ملك، خلينا نقضي اول ليلة لينا في شهر العسل..، حببتي أنا كنت عامل حسابي نروح أسوان سوا
وهي كانت في عالم أخر.. ،عالم يقودها نحو ما لم تجربه يوماً
أراد مقاومتها كما حاول من قبل وصرفها عن أمر أن تتم ليلتهم الأولى حتى يصبح لها طفلاً منه
- ملك، فوقي أنتِ بتعملي إيه؟
واتسعت عيناه في صدمه وهو يراها تدفعه فوق الفراش، تخبره بأخر كلمه ظن أن يسمعها منها في حياته
يتبع بإذن الله (قراءة متتعة) &
********
هل فرت هاربة للتو من مشاعرها، وهل خانتها دموعها العزيزة حزناً وقهراً، وهل أندفعت نحو غرفة صغيرتها تُبحث فيها عن شيئاً تفقده؟
والإجابة كانت واضحة، بل واضحة للغاية..
استيقظت الصغيرة بعدما شعرت بضمه قوية حنونه ..، ظنته والدها كما اعتادت ولكن عيناها الناعستين سقطت على ملامح والدتها غير مصدقه إنها تضمها إليها
- مامي أنا بحبك اوي
همست الصغيرة بصوت ناعس، وعادت لغفوتها بعدما شعرت بالأطمئنان في أحضان والدتها..،
أزالت "شهيرة" دموعها، حتى تظهر لها بمظهرها المعتاد..، فوجدتها قد غفت بعدما منحتها أجمل عبارة، صغيرتها رغم هجرها لها وإهمالها تحبها دون أن تُطالبها بشئ غير حبها وعاطفتها.
عادت دموعها تُخانها، تتأمل ملامح صغيرتها التي تشبه والدها لحد كبير
- ليه هو محبنيش زي ما حبك يا خديجة؟
والصغيرة كانت غارقة في أحلامها، تدفن نفسها اكثر في احضانها.
...........
ضمها إليه بعدما أنتهت عاصفة حبهم، ابتسم وهو يراها تدفن رأسها بصدره..، تهمس له بخفوت وخجل ..، بأنها أسعد النساء..
ضحك وهو يُطالبها أن تعيد عبارتها عليه، فهو يحتاج سماعها منها
- قوليها يا حببتي بصوت واضح
ارتفعت وتيرة أنفاسها وقد شعر بانفاسها فوق عنقه، بعدما تشبثت به أكثر
- سليم
تعالت ضحكاته، وهو يسمعها تهتف اسمه حتى يتوقف عن إرباكها
- سليم مش هيسكت النهارده، غير لما تقولي بصوت عالي كنتِ بتقولي إيه؟
أصر ورفضت، فقرصها فوق ذراعها.. فابتعدت عنه تصرخ من الألم..؛ فطالعها بعبث ينظر لهيئتها التي سرعان ما ادركتها عندما ابتعدت عنه، عادت إليه تدفن جسدها بين ذراعيه
- عبري ليا عن مشاعرك يا فتون، عايز أحس إني فعلا وصلت لقلبك وقدرت ارجع بطلك زي زمان
علقت عيناها بعينيه، وقد افاقها حديثه من نشوتها واحساس الكمال الذي يجعلها تشعر به كلما تعانقت أرواحهم
- مافيش بطل يا سليم، مافيش راجل بطل ولا ست بتكون بطلة الحكاية
احتلي الذهول ملامحه، ونهض معتدلاً ينظر لها وقد ضاقت عيناه، يُركز في امرأته الصغيره التي بدأت تكبر وتنضج مع الأيام
- كنت زمان بطلك يا فتون، إيه اللي اتغير فجأة
- ومازلت بطل حكايتي
عقد حاجبيه، لا يستوعب انها أصبحت تجيد المراوغة اللذيذة والتلاعب معه بالعبارات، لم يكن بالرجل ذو الافق الضيقه.. بل كان بارع في التقاط الثغائر وفهم الملامح.. ،وصغيرته مهما نضجت وتعلمت فسيظل اكثر من يفهمها
- زمان كنت بشوفك بطل مبيغلطش، بطل لو غلط مش هيبقى بطل تاني وصورته هتضيع..، لكن كلنا بنغلط، كلنا لينا لحظات ضعف
- حياة جنات أثرت فيكي يا فتون مش كده؟
ترك كل حديثها خلفه..،وأمسك بالطرف الذي لم تظنه سيبحث فيه عن سبب تغيرها ..
طالعته في صمت، فالتقط كفيها يضمهما بين كفيه، يمسد فوقهما برفق
- الحاجة الوحيده اللي بتعلم الإنسان هي التجارب يا فتون
وهي لم تكن أهلاً للصمود، عندما تتأثر بحياة الغير
- جواز جنات دمرها يا سليم، جنات انطفت.. انا افتكرت نفسي زمان مع حسن
شعرت بقوة قبضته فوق كفيها، عندما ذكرت زوجها الأول الذي انتقم منه الله.. ومات بجرعة مخدرات زائدة بعد أن خدعته إحدى النساء الماكرات
- صحيح كاظم مش زي حسن، ومحدش عاش اللي أنا عشته
تعالت شهقاتها، وقد ازداد ضغطه فوق كفيها، فهو لا يحتمل سيرة هذا الرجل..
اغمض عيناه يُحاول بقدر استطاعته تمالك نفسه و غضبه
تألمت بخفوت وقد ازدادت الألم فوق يديها تهتف اسمه
- سليم، ايدي يا سليم
انتبه علي صوتها، ينظر نحو كفيها.. ،وقد اشتد احمرارهم,
شعر بالضيق من نفسه، فانسابت دموعها فوق خديها بعدما عانقت عيناه عينيها، ثم اسرع في ضمها إليه يُطمئنها أنه معها..،
ولكن الليلة كانت طويله بشدة وهي تُخبره عن ما عاشته مع "حسن" وهو يستمع في صمت وجمود
زفرت أنفاسها أخيراً، بعدما أنتهت من سرد بعض الذكريات.. تُطالع ملامحه التي أصبحت شديدة القتامة..، أرادت الابتعاد عنه خشية، فعاد وجذبها إليه يهتف بصلابه
- رايحه فين؟
وقبل أن تهتف بشئ، كان يُخرسها بقبلاته.. ،يخبره بأنه وحده زوجها، وأنه الأول في كل شئ.. كل جزءً بها يملكه..، أخرجت الوحش الكامن داخله.. ، و لم يكن لأول مرة نفس الرجل الذي عاهدته...الحنون في لمساته
ابتعد اخيراً عنها، يلهث أنفاسه بقوة..، وكأنه انتبه علي ما كان يفعله بها..
- فتون أنا آسف
ولم تكن تتطالعه إلا في صمت، اجتذبها لاحضانه، يعيد اعتذاره لها مجدداً، يُخبرها أنها السبب.. ،فقد ضغطت علي أكثر الأشياء التي يكره تذكرها والحديث فيها
- قولتلك يا فتون بلاش سيرته.. اتكلمي معايا في أي حاجة بعيداً عنه سيرته
- أنت كأنك كنت بتعاقبني يا سليم
ضمها إليه نادماً، يمدّ كفه نحو وجهها يمسح عليه برفق
- مكنتش حاسس بنفسي ، سيرته بتفكرني إزاي كنت غبي لما صدقته في يوم.. وكنت هأذيكي بسببه.. ،كان نفسي أخدلك حقك منه بأيدي
وهل تذكرها له كان شيئاً سهلاً عليها، ولكنه كان علامة في حياتها..، بصمه وضعت فوق جسدها وشوهت روحها.. في الوقت الذي كانت براعمها مازالت تتفتح
ابتعدت عنه، تنظر له بنظرة قد فهمها
- اطلبي يا فتون، اللي أنتِ عايزاه
طالعته في صمت ، حتى تجد البداية لتخبره عن طلبها
- جنات محتاجة ترجع الشغل تاني، أرجوك ساعدها يا سليم
انفرجت شفتيه في ضحكة قويه، مما جعلتها تعبس بملامحها، تقطب ما بين حاجبيها
- كل الدراما اللي كنا فيها ديه، عشان جنات عايزه ترجع الشغل..، وطبعا تجبيلي البدايه إزاي، فلازم نفتح الدفاتر القديمه ونقلبها حلقة نكد، وقد إيه هي طلعت مظلومه من جوازها من كاظم، رغم إني حذرتها، كاظم راجل معندهوش مشاعر، راجل بتاع شغل وبس
- واحمس يتدرب في المؤسسه
توقف عن الحديث، بعدما أستمع لطلبها الأخر، وقد طلبته بكل وضوح دون مماطله
- مش أنت لسا قايل اطلب، من غير ما اضطر ما الف وادور
ارتفع كلا حاجبيه متعجباً، من نظرتها العابثة له ..، فالقطه الصغيرة لم تعد دون مخالب
- ده أمر..، ولا طلب
وببراءة كانت تعود إليها، تهتف وهي تتسطح فوق الفراش مسترخية، تحت نظراته التي تلتهمها
- طلب و رجاء يا حبيبي
- جنات اه، أحمس لاء
اعترض، وهي كانت تفهم سبب اعتراضه..، طالعت ملامحه الجامدة، لا تستوعب كيف رجلاً مثله يشعر بالغيرة من شابً ك "أحمس"
- سليم، أحمس وجنات عيلتي التانيه، وقفوا معايا في اكتر وقت كنت محتاجه حد في ضهري وجانبي
امتقعت ملامحه وهو ينهض من جوارها، يرمقها من فوق كتفه، يهتف باقتضاب
- مش جنات برضوه، كنتِ زعلانه منها في بداية جوازنا..، لأنها اتعاونت معايا عشان اعرف اتجوزك
- ما أنا طلعت كسبانه اه، و لولا إنها اتعاونت معاك مكنتش عيشت السعاده اللي أنا عايشها
توقف مكانه، وعاد يلتف إليها بكامل جسده .. ،يرمقها بنظرات فاحصة طويلة وكأنه يدرس المخلوقة الجديده التي بدأت تُحادثه بحنكة
- شايف نسخة جديدة من مراتي..، بس يا تري التلميذ أول ما هيجي يتمرد.. هيتمرد علي أستاذه
- إطلاقا سيدي!
ضاقت عيناه ،وعاد إليها يلتقطها من فوق الفراش، فتمكنت من كتم ضحكتها بصعوبة
- هعترف وهقر بكل حاجة، أنا بدأت انضم لدورات تثقيفية في الجامعه مع احمس
- احمس تاني، بلاش تخليني احلف إنك تقطعي علاقتك بي
- سليم النجار، راجل عاقل..، بيعرف يفهم الناس كويس اوي ولا إيه يا سيدي
- موافق يا فتون، لحد ما اشوف آخرة عيلتك التانيه إيه
- وبمناسبة عيلتي الأولى، عايزه اسافر بعد الامتحانات
رمقها بملامح مبهمة، وهو يميل نحوها، يسألها عن طلباتهم الأخرى
- وإيه كمان
وببراعة كانت تنتشله من مشاعره في تغير شخصيتها ، تُخبره بتلقائيتها
- هبقي طماعه يا سيدي لو طلبت أكتر من كده
وبعنفوان أكبر كان يُدمغها بعشقه، يخبرها مراراً إنه يُحبها بل يعشقها، يعشق ضعفها وتمردها الجديد،يعشقها بكل ما فيها..، وهو لم يكن يوماً هكذا.. ،لم يكن يعشق إلا المميز في النساء واليوم علم كيف يكون العشق الحقيقي.
.......
كان هذا الصباح مختلفاً علي جنات وهي تتلقى المكالمة من "فتون" التي اخبرتها بمرح عن قبول سليم لعودتها للعمل، بل منح فرصة أيضا لأحمس
- أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا فتون..، لأول مرة هعترف ليكي، إن وجود سليم في حياتنا غير حاجات كتير
ابتسمت "فتون" وهي تستمع لحديث "جنات" عن زوجها، وكيف هو رجلاً حقيقياً
- فعلا يا جنات، نفسي اعمله حاجة تفرحه
- هاتيله طفل، وهو هيفرح
القتها "جنات" مازحة لا تقصد شئ من وراء مزحتها ، فتلاشت السعادة من فوق ملامحها.. و وقفت أعلي الدرج تزفر أنفاسها متنهدة بأسي
- باخد العلاج ومافيش حاجة يا جنات، وسليم مبقاش يهتم خلاص..
عادت المخاوف تطرق حصونها الضعيفة، فشعرت "جنات" بالحزن على حالها
- الدكتور قال مافيش سبب قوي يمنع، أنتِ بس محتاجه شوية علاج وكله هيكون تمام
دمعت عيناها،تتمنى داخلها ألا تُحرم من هذه السعادة التي تعيشها
- أسفه يا فتون، شوفي أنتِ اتصلتي تفرحيني.. ،وأنا زعلتك من غير ما أقصد
أسرعت في مسح دموعها، وعادت تبتسم وهي تُكمل هبوط الدرج، غير منتبها علي نظرات "شهيرة" السعيدة لما سمعته..
الخادمة الصغيرة لديها مشاكل بالحمل، لن يكون لابنتها أشقاء من هذه الخادمة، ولن تستمر هذه الزيجة بالتأكيد
عادت لغرفتها، تلتقط هاتفها.. تُريد أن تشارك أحداً بسعادتها لما سمعته بالمصادفة
- عندها مشاكل في الخلفة يا دينا، مش محتاجين موضوع الحبوب في حاجة خلاص..
و"دينا" كانت أكثر من سعيدة بالخبر، لقد وضعت شهيرة في الصوره، واصبحت تنتظر فرصتها من بعيد..، فلا شهيرة ولا الخادمة سيظلوا بحياته..، بعدما يبدء سليم بالضجر منهن... وسيبحث عن أخرى تُريحه وتنجب له ولداً كما يرغب الكثير من الرجال .
........
شهقت بفزع، وهي تراه يعقد ساعديه امام صدره..، ينظر إليها بنظرة لم تفهمها.. ،تجاهلته واتجهت نحو خزانة ملابسها تلتقط منها بعض الثياب..
انتقت الثوب الذي سترتديه واتجهت نحو المرحاض حتي تتمكن من ارتداءه وتذهب لعملها الذي عادت إليه
- لو أنا بقيت شفاف قدامك قوليلي يا مدام
قلبت شفتيها ممتعضة من حديثه..، وأكملت خطواتها، فاجتذبها بغضب
- رايحة فين يا مدام
وببساطة كانت تُجيبه عن الحديث الذي أستمع إليه منذ دقائق ، زوجته المصونة قد حصلت علي عمل دون أن تبلغه وتأخذ منه قرار موافقته
- رجعت لشغلي تاني..
وبملامح مسترخية ،اردفت ببرود وهي تتجاهل نظراته إليها
- الواحده مننا ملهاش غير شغلها
- مافيش شغل، فاهمه
دفعها من أمامه، صائحاً.. فتعالت ضحكاتها ،حتى آلمتها معدتها من شدة الضحك
- ضحكتني يا كاظم باشا، مش ده برضوة كان من اتفقانا زمان..، مافيش مشكلة اشتغل بس محدش يعرف إني مراتك..، ومتقلقش أنا مش لابسه دبلة ولا حاجة، الخاتم الالماظ اللي حسيت بالسعادة وانا بلبسه اتخلصت منه ورميته في حمام السباحة
التمعت عيناه بالجمود وهو يسمعها، فاسرعت بالابتعاد عنه، فلم يعد لديها متسع للحديث معه وإضاعة وقتها
- بلاش تلعبي معايا يا جنات، أنتِ جربتي اللعب معايا كان آخرته إيه
- أخرتها إنك رجعتني أقوى، خلتني أعرف إن قبل ما قلبك يذلك ومشاعرك تخونك إتجاه غريزتك..، تقتل نفسك قبل ما ترميها تحت رجلين راجل ميعرفش يعني إيه حب
هتفت بها بمراره وهي تتحاشي النظر إليه، رحل من أمامها في صمت تعجبته منه، لا تُصدق إنه انسحب هكذا دون أن يسمعها حديثه القاسي
خرج من المنزل وكأن إعصار قد اقتحمه، وصعد سيارته يضغط برأسه فوق عجلة القيادة، لا يعرف ما الشئ الذي بدء يتغير داخله، والإجابة كانت مفقودة وهو يتذكر حديث زوجة والده معه
" هتعيش طول عمرك وحيد، أنت شبه جودة النعماني لكن بصورة أقسي..، ظالم زيه"
وهل هي كانت بعيدة عن ما تصفه به، إنه امرأة مستغله تعشق المال، المال الذي باتوا يلحسون أقدامه ، يصمتون علي قراراته حتى لا يخرجهم من النعيم،
قسوته هي التي صنعته ولن يضعف يوماً لامرأة، النساء لا يستحقون المال، لا يستحقون إلا الأحتقار
ومع افكارة، كانت تشتد قبضته فوق عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصل يديه..
اتجهت عيناه نحو المنزل الخالي الواسع الذي لا يوجد به إلا سواهم ..،
ترجل من سيارته عائداً إليها ؛ فتوقفت عيناه علي جسدها، وقد أسقطت المنشفة عنها حتى ترتدي ثيابها، خرجت شهقتها بفزع وهي تراه يقف أمامها مجدداً.. ، فاسرعت في التقاط ملابسها ترتديها بعجالة.. ، وقد تلاقت عيناها المتوتره بعينيه التي تحول الغضب فيهما..، إلي عاصفة قوية من الرغبة
اقترب منها يجذبها إليها، يخبرها بغضب
- وجودك مش هينتهي من حياتي غير بمزاجي، وزي ما اجبرتيني اتجوزك..، هجبرك علي العيشة معايا يا جنات
.........
وقفت" بسمه" تتلقي الأوامر من السيدة سعاد مع بضعة من خادمات أخريات ، قد تم طلبهم من مكتب التوظيف..
اليوم هو حفلة نجاح الحملة الدعائية، والسيد "جسار" قرر الاحتفال مع موظفينه وشركاءه وبعضاً من معارفه، هتفت بهم السيدة "سعاد" بعدما القت اوامرها
- كل واحد يروح علي شغله
انصرف الجميع ووقفت هي تنتظر سيرها لتسير خلفها، فعملها سيكون بالمطبخ مع السيدة سعاد
- عايزين نكون جاهزين قبل ميعاد الحفلة، يا بسمه
حركت رأسها في صمت، وهي تتبعها وقبل أن تدلف خلفها للمطبخ.. ، التفت إليها
- أطلعي حطي البدلة اللي هيلبسها البيه علي السرير، واقفلي اوضته وهاتي مفتاحها..
صعدت لتنفذ ما أمرتها به، ضمت بذلته ومتعلقاتها إليها، تشم رائحتهم في حلماً بعيداً للغاية، فحتى هو لم يمنحها فرصة لتكون شخصاً أخر، شخصاً يحق له العيش ونيل الحياة التي يتمناها
أسرعت في وضع متعلقاته بعدما نفضت رأسها من أحلامها ، وفرت هاربه من مشاعرها.
تعثرت قدماها وسقطت أرضاً فوق ذراعها تصرخ من الألم،
لم ينتبه أحداً علي صراخها، فالجميع كان منشغل بمهامه
عادت للمطبخ متألمه، فرمقتها السيدة سعاد بضيق من تأخرها عليها
- كل ده بتعملي اللي قولتلك عليه، يلا بسرعة خلينا نشوف شغلنا
- أنا محتاجه..
وقبل أن تُخبرها إنها بحاجة لثلج تضعه فوق كدمة ذراعها، كانت تناولها إحدى صواني الطهي الكبيرة
- حطيها في الفرن، وكملي بدالي الباقي..، لحد ما اروح اشوف بيعملوا إيه في الجنينه
حملت عنها الصينية، واتجهت تضعها في الفرن كما أمرت، لم يكن لديها وقتً.. لتهتم بألم ذراعها، كل ما كان عليها أن تفعل كل ما تؤمر به،
فهذا هو عملها الذي تنال بسببه العيش في منزله والطعام الذي تحصل عليه، وايضاً المال الذي سيرفر لها حياة كريمه وتشتري منه ما تُريده
انتهى اخيراً كل شئ، وبدء الضيوف في الحضور، حتى هو أتى منذ ساعة وصعد غرفته واتبعته السيدة سعاد حتى تُخبره بأن كل شئ يسير علي أكمل وجه.
كانت تشعر بالقلق، بأن تخرج لضيوفه ويتعرف عليها البعض، ويعلمون بموضعها الحقيقي، فما هي إلا خادمة في منزله
ولكن السيدة سعاد، أعطت اوامرها للاخريات، بأن يقوموا بمهمه الضيافة
اقتربت من شرفة المطبخ بملامح مرهقة ، تنظر لبعض الوافدين للحفل بملامح حزينه، تراه يقف ويستقبل البعض بابتسامة واسعه، جعلت قلبها الخائن يتوق لها، اختفى عن عينيها، فاطرقت رأسها بحزن... ،
وعادت تنشغل في الأشراف علي الوجبات والحلوي..، حتي اقتربت منها السيدة سعاد، تهتف بها بملامح جامدة
- جاسر بيه بيقولك إجهزي عشان الحفلة
التفت نحو السيدة سعاد، تشعر بالصدمة مما تطلبه منها ، فوجدت ملامحها ممتقعة ، وكأنها تلقت توبيخاً للتو
- أنا، طيب ليه
- الحفلة معموله علي شرفك يا بسمة
قالتها وابتعدت عنها، تهتف بأمر
- تعالي يلا ورايا يا بسمة، مش ناقصه كلام من جسار بيه
والسيدة سعاد رغم كل قسوتها التي تتعامل بها معها..، إلا إنها وقفت خلفها تتأمل جمالها البسيط في زينتها وثوبها الأنيق
- طالعه جميلة يا بنتي..
تمتمت بها بحنان، جعلت دموعها تتساقط، وهي تتمنى أن تسألها لما أصبحت تُعاملها بهذا الجفاء؟
ابتعدت عنها السيدة سعاد، وانسحبت من الغرفة.. فوقفت تمسح دموعها قبل أن تلتقط أنفاسها وتمسدّ فوق ذراعها لعلا الألم يهدء قليلاً
وعلي بضعة خطوات وقفت, تنظر للجميع بتوتر ..، ف السيدة سعاد دفعتها نحوهم وانصرفت قبل أن يراها أحداً
ألتف نحوها بعدما شعر بنظرات البعض نحو فرداً ما ، فعلقت عيناه بها بنظرات طويلة.. ، اقترب منها دون أن تحيد عيناه عنها وكلما كان يقترب، كانت تشعر بأن قدميها تتراجع رهبة وخوفاً
وهناك شيئاً خفياً كان يتغير هذه الليلة.
..........
تلاقت عيناها الشاردتين بشقيقها الذي عاد من سفرته اليوم هذا الصباح، وقد اقترب منها يضمها إليه
- ميادة، حاولي تنسى يا حببتي.. أنتِ كده هتحتاجي لدكتوره نفسية
نفت برأسها، فحركت له ملك رأسها حتى يتوقف عن حديثه.. نهضت من مكان جلوسها ، وظنوا إنها ستعود لغرفتها، ولكنها فاجأتهم بذهابها نحو المطبخ..
- رسلان ارجوك بلاش تمشي ورا كلام طنط كاميليا، ميادة هترجع احسن من الأول
تنهد بأرهاق، وقد بدء جفنيه يثقلان من شدة حاجته للنوم
- مين فينا اللي المفروض يعاقب يا ملك
حركت رأسها في يأس، تنظر نحو ناهد التي اخدت تحمل احد الصغار وتتجه به نحو غرفتهم, لتضعه جوار شقيقه الأخر
- مافيش أكبر عقاب علي الإنسان، غير لومه لنفسه وإحساسه بالذنب يا رسلان
اقترب منها وقد تجاهل حديثها ، بعدما رمق خالته، وقد ابتعدت عنهم
- ملك هانم الفليسوفه، مش هندخل أوضتنا بقى
توردت وجنتاها، واتحاشت النظر إليه.. ،بعدما فهمت مغزى كلماته، فارتفع صوت ضحكاته
- لا متخافيش، النهارده أنا بقولك اطمني، ويمكن لأسبوع قدام..، شكلي هتجوزك فعليا في الأخرة يا ملك هانم
انتبهت علي عبارته، التي جعلتها تنظر إليه متسائله
- أنت هتسافر تاني؟
فدلكَّ عنقه بأرهاق وهو يجد شقيقته تقترب منهم مجدداً، تحمل أكواب العصير، وقد علقت عيناهم بها..
وضعت الأكواب أمامهم والتقطت كوبها، وجلست شاردة تتابع ما تشاهده في التلفاز بذهن شارد
- إحتمال كبير أسافر أسوان، بدل زميل ليا
تنهدت بضجر، فضحك علي تذمرها يهمس لها بعدما التقط كأس العصير لها و له
- اللي يشوفك، يقول متقدريش تستغني عني
- رسلان
طالعها بنظرات عابسه، وقد أرتشف من كأس العصير
- رسلان محتاج ينام، وهيشرب العصير وينسحب من السهرة الجميلة
وضع الكوب بعدما أرتشف منه نصفه ، واتجه نحو شقيقته يُقبل رأسها بحنان
- خليكي متأكده، إن مهما غضبت منك هكون في ضهرك
انسحب من الجلسة، فعلقت عينين "ملك" بصديقتها واقتربت منها تُجاورها.. ،تقص عليها تفاصيل الفيلم
طالعتها ميادة، وهي ترتشف كأس العصير ببطئ، حتى انتهت من شرب الكأس بأكمله
- ميادة هي الدنيا حار، ولا أنا بيتهيألي
ولكن ميادة كانت جالسة في صمت..، لا تمنحها أي جواب..
أصبحت الحرارة تحتل جسدها، وافكاراً تطرق عقلها لا تُصدق إنها تفكر بها،
أسرعت في إنتشال حالها من جوارها، واتجهت نحو غرفتها.. ،حتى تنعم بحمام بارد
اغلقت باب الغرفة تلهث أنفاسها وقد تسارعت دقات قلبها ، وهي تظن أن رسلان قد غفا..، ولكن عيناها وقعت عليه وهو يخرج من المرحاض، يُجفف عنقه
- هو عصير الفراوله ده في حاجة غريبة
والسؤال لم يكن له جوابً منها، فالجواب كان يأخذه من نظراتها، وقد وقع في نفس الشرك ثانية ولكن ليست هي من فعلت
- ملك
هتف بها معترضًا، فهو يريد أن يجعل ليلتهم الأولى مميزة
- ملك، خلينا نقضي اول ليلة لينا في شهر العسل..، حببتي أنا كنت عامل حسابي نروح أسوان سوا
وهي كانت في عالم أخر.. ،عالم يقودها نحو ما لم تجربه يوماً
أراد مقاومتها كما حاول من قبل وصرفها عن أمر أن تتم ليلتهم الأولى حتى يصبح لها طفلاً منه
- ملك، فوقي أنتِ بتعملي إيه؟
واتسعت عيناه في صدمه وهو يراها تدفعه فوق الفراش، تخبره بأخر كلمه ظن أن يسمعها منها في حياته
يتبع بإذن الله (قراءة متتعة) &
الجزء الثاني
*********
ضمت جسدها من شدة البرودة التي أخذت تقتحم روحها قبل أن تشعر بها تسير بين أضلعها ، وقد بدء جسدها يرتجف.. ، تنظر نحو الضيوف وقد نبذها الجميع بعدما نالوا منها أجوبة عن أسألتهم،
وهل بالفعل تركت مدينتها وبحثت عن مكاناً أخر حتى تستطيع العيش فيه.
شدَّت الضغط فوق شفتيها، كلما ابتلعت غصتها بمرارة وهي تنظر إليهم كيف يتمازحون مع رئيسهم ومع بعضهم،
فحتى هو لم يهتم لأمرها بعدما افتتح الحفل بها وقدمها لضيوفه ومدحها بينهم ببضعة كلمات ظنتها إنه يخصها بها وحدها، ولكن الكلمات لم تكن إلا خطابً منمقًا اعتاد علي الهتاف به مع كل نموذج اضاف لشركته شيئاً.
تلاقت عيناه بها ولكن سرعان ما كان يندمج مع مدراء الأقسام، وخاصه تلك التي أتت من قبل المنزل مع فريق التسويق والتصقت به الليلة كالعلكة.
انسحبت في صمت، بعدما رأت إنها لو وقفت لمائة عاماً لن يهتم بها أحداً، أندفعت بخطوات سريعة نحو الغرفة التي تُقيم بها مع السيدة سعاد، ودست رأسها أسفل وسادتها تنتحب بقهر، تسأل نفسها متي سيأتي اليوم الذي ستشعر فيه إنها تشبه هؤلاء القوم، هل لأنها فقيرة ام لأنها حاله يشفق عليها الجميع؟
شعرت بلمسة حانية فوق ذراعها وهمس خافت حزين خرج من السيدة سعاد، تلك المرأة التي مهما قست عليها فهي لا تراها إلا كوالدة لها
- متعيطيش يا بسمة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تحتضن السيدة سعاد بقوة بعد عبارتها الحانيه، تسألها كما كانت تسأل نفسها منذ دقائق معدودة
- هفضل لحد أمتى الناس تشوفني حالة بتشفق عليها دادة، هو الفقر عيب، ليه الناس بتشوفنا إننا تحت أوي
- الفقر عمره ما كان عيب يا بسمة، اهم حاجة عزة النفس يا بنتِ
ابتعدت عن ذراعيها، تنظر إليها في صمت دون أن تتوقف عن ذرف دموعها، ثم هتفت متحسرة
- معندناش غيرها يا دادة، هي والشرف.. معنديش حاجة تانيه املكها
توقفت دموعها، ثم عادت تنساب فوق خديها وهي تتذكر تلك الليلة التي أراد فيها عنتر أن يغتصبها
- لو كان ليا أخ عارف يعني إيه عرضه وشرفه، مكنش رماني للناس والبهدلة
دمعت عينين السيدة سعاد تأثراً، فهي ظلت لأيام تدعو علي هذا الأخ الذي أراد بيع عرضه بمال بخس، بل أراد أن يجعلها عاهرة ترضي الزبائن بجسدها
وبخفوت اخذت تتأوه من وجع ذراعها وقد عاد الألم يشتدَّ عليها، طالعتها السيدة سعاد في ذعر وهي ترى نفس الذراع الذي ظلت طيلة اليوم تدلكه وتمسد فوقه وقد ظنت إنها مجرد ألم طفيف تشعر به، بعدما عاد جسدها للأعمال الشاقة في الخدمة
- ماله دراعك يا بسمة، من قبل الحفله وأنا واخده بالي بتدلكيه
والتقطت ذراعها، فخرجت صرختها، فاسرعت السيدة سعاد تنهض من جوارها
- هروح اجيبلك حاجة تسكن الألم يا بنتِ، لحد ما اشوف عمك جميل وناخدك المستوصف
.............
هل صرحت له برغبتها في امتلاكها، هل تخبره للتو إنها تُريده، تُريد أن تكون امرأته، وأن تتعانق أرواحهم وأجسادهم ؟
وحده الذهول ما كان يعيشه، رغم الشعور الذي يحرقه نحوها..
- ملك أنتِ مش في وعيك
وبانفاس مسلوبة لاهثة كانت تُخبره بوعده لها،قبل رحلة سفره..، لقد أخبرها إنه سيتمم زيجتهم حينا عودته
- أنت وعدتني
سألها وهو ينهل منها، وكأنه يقنع عقله بضرورة التوقف والأبتعاد عنها
- أنتِ عايزانا نقرب من بعض، عشان يكون عندنا طفل يا ملك
- لا أنا عايزاك أنت يا رسلان
ابتعد عنها، بعدما ألجمته عبارتها.. ،طالع ملامحها المتوهجة.. لا يستوعب ما نطقته.. فهل عاد حبهم مجدداً؟
سألها وهو غارق في النظر في بحور عينيها، يزدرد لعابه
- يعني مش هتندمي في يوم يا ملك، رجعتي تشوفي رسلان حبيبك من تاني
لم تدعه يُكمل عبارته، بل جاوبته بتوقها الشديد إليه، إنها تُريد الرجل الذي لم تري غيره طيلة سنوات عمرها، الرجل الذي نالته شقيقتها قبلها، الرجل الذي عاد القدر وجمعها به، جمعها به وهو اب لأولاد شقيقتها.., ستأخذ ما سلب منها يوماً وستنال احقيتها فيه
سكنت الأنفاس وتعانقت الأجساد، وها هو يبتعد عنها.. يضمها إليه يمسح فوق ظهرها يهمس إليها وكأنه لا يُصدق إنها أصبحت له قولا وفعلا، بل وبين ذراعيه تتنفس عبق رائحته ويتنفس عبقها
- أنا اسعد راجل في الدنيا، حاسس أني اخدت نصيبي كله من الحياة
طالعته في صمت وهي تُحرك يدها فوق ملامحه التي طالما عشقتها
- كان نفس أحساسك مع مها
هتفت بها بمرارة تسأله وهي تتذكر ذلك اليوم، الذي علمت بخبر حمل مها ، ذلك اليوم الذي ندمت فيه ميادة علي ذلة لسانها وإخبارها أنهم ينتظرون طفلين، علمت يومها أن الحبيب قد نساها وعاش حياته بين أحضان شقيقتها
انسابت دمعتها، فاسرع في مسحها وهو يميل نحوها
- بلاش تفكري في الماضي يا ملك، كفايه اللي ضاع
- أنا ليه مشوها من جوه يا رسلان، ليه أنا كده
سألته بمرارة تبحث عن جوابً منه، ولكنه لم يكن يعرف بما يخبرها به
- بتنفذي تعليمات الطبيبه
تذكرت طبيبتها النفسيه، التي أصبحت دائما الذهاب إليها مرة أسبوعياً، حركت رأسها بأسف لأنها لم تذهب إليها الاسبوع الماضي
- معرفتش اروح ميعاد الجلسه اللي فاتت، عزالدين كان تعبان
كان يداعب خدها بأنامله، ولكن يده توقفت عما كانت منشغله به..، عندما أخبرته إنها لم تذهب في موعدها لطبيبتها..
رأت نظرات الامتعاض فوق ملامحه، وقبل أن يهتف بشئ كانت تضع يدها فوق شفتيه، تهمس له برغبه
- ممكن تحبني يا رسلان، حبني وبس
وهل كانت تنتظر منه أن يخبرها بحبه، أو حتى تري شدة توقه إليها
كانت ليلة لن تُنسى، رغم إنه كان يعلم أن ما يُحركها إليه بهذه الشدة والجراءة ما هي إلا الرغبة التي انتجها هذا العقار الذي اجادت شقيقته اختياره، سيشكرها غدا علي صنيعها وهذه الليلة التي لن ينساها أبدا بحياته.
.............
انتهي الحفل، وقد عاد كل شئ بالمنزل كما كان..، القت السيدة سعاد بنظرة فاحصة علي المنزل ثم سارت عائدة للمطبخ حتى تري هل تم إنهاء كل ما أمرت به المستخدمات قبل انصرافهم..،
ولكن توقفت مكانها تلتف نحو "جسار" الذي تسأل بعدما اخذ يُطالع ساعة يده
- بقالهم أد إيه في المستشفى ، وليه مقولتيش ليا كنت اخدتها المستشفى يا دادة سعاد
طالعت قلقه، ولكنها لم تعد تراه إلا قلقاً نابع من مسئوليته عليها، أو ربما إكراماً لطليقته السيدة ملك التي توصيه نحوها دوماً
- كنت مشغول مع ضيوفك يا بني، واه عمك جميل اتصرف، زمانهم علي وصول
اماء لها "جسار" برأسه وهو يدلك عنقه من شدة إرهاقه، ثم تحرك من أمامها متجهاً نحو غرفته في الأعلي، وقبل أن يضع بأول خطواته فوق الدرج أستمع لصوت السيدة سعاد وهي تهتف متسائلة
- ايدها كويسه، طمني يا جميل
ابتسم جميل وهو يطالع بسمة التي ابتسمت هي الأخرى بملامح مرهقة
- أنتِ بس ريحيها كام يوم من شغل البيت ، وهي هتبقى زي الفل
ضمتها إليها السيدة سعاد، تهتف به حانقة
- يعني عايز تقول إني مفترية يا جميل أفندي
ضحكوا ثلاثتهم، فعلقت عيناها بذلك الواقف علي احدي درجات الدرج، ثم التف بجسده و أكمل صعوده نحو غرفته, بعدما اماء لها برأسه وكأنه يخبرها إنه اطمئن عليها ولم يعد هناك داعي ليسألها هل هي بخير أم لا ؟
ابتلعت غصتها في حزن..، فابعدتها السيدة سعاد عن حضنها، والتفت بنظراتها نحو المكان الذي كان يقف فيه جسار منذ لحظات، ولكنها لم تجده..
شعرت بالراحة وهي تري خلو المكان، وقد أكد لها الموقف أن جسار لا يحمل مشاعر لبسمة بتاتاً، ولو كانت فتاة مراوغة لتمكنت من إقامة علاقه مع رب عملها الأعزب
- تعالي يا بنتي عشان ترتاحي
تحركت معها "بسمة" في صمت، ولم تكن عينيها إلا عالقة بالدرج الذي صعده للتو
رثت حالها هذه الليلة في بكاءً صامت، تتسأل كيف أصبحت بهذا الضعف، وكيف رسمت في خيالها للحظه إنها ستحظى بقصة خيالية ومع من..، مع رجلاً بعيداً عنها تماماً في كل شئ، رجلاً فرضت عليه عبئها، رجلاً يعرف كل شيئاً عنها، رجلاً إذا أراد أن يحظى بعائلة يوماً سيختار المرأة التي تُشرفه وليست هي التي لا أصل لها.
........
في الصباح، كانت تفتح عيناها بصعوبة.. تنظر لذلك الراقد جوارها بتشتت بعض الشئ، حتى بدأت ذاكرتها تعيد لها المشاهد التي كانت واعية لها تماماً لكنها لم تكن تستطيع مقاومة ما ترغبه وتتوق إليه غريزتها
خرجت شهقة مصدومة، وقد أقتحم ذهنها كل شئ بأدق التفاصيل..، انسحبت من فوق الفراش وهي تشعر بصعوبة الحركة ولكنها أسرعت في النهوض واتجهت نحو المرحاض تستند خلف الباب وتلتقط أنفاسها مصدومه من إلحاحها وإصرارها عليه في إتمام زيجتهم
- مش معقول تكون ميادة حطت لينا حاجة في العصير، لا لا ميادة متعملش كده
شعرت بالسخونة تتدفق فوق خديها، فاتجهت نحو المرآة التي تحتلها دورة المياة، تنظر نحو وجهها لا تصدق أن معالم السعاده مرتسمه فوق ملامحها، حتى عيناها تحتلهما السعادة
- معقول أكون فرحانه، أنا ليه بنكر شعوري..، معقول حبِ لرسلان لسا بيغزو كياني ومعرفتش اتخطاه من حياتي
أسئلة كثيرة كانت تأسر عقلها، حتى وقعت عيناها علي بضعة علامات تؤكد ملكيته له وغزوه الضاري ليلة أمس..
ارتسمت ابتسامة واسعة فوق شفتيها وهي تسير بأناملها فوق علامات ملكيته، تتذكر شعورها بين ذراعيه، إنها كانت راغبه بشدة علي منحه نفسها
انفتح باب المرحاض ، فشهقت مذعووة وهي تراه يقف علي اعتابه يُطالعها بقلق
- خوفت يكون حصلك حاجة، مافيش صوت للمية فقلقت
ابتسمت بتوتر، وسرعان ما اطرقت رأسها أرضاً
- أنا كويسه يا رسلان
اقترب منها بعدما شعر بتوترها، وقبضتها القوية فوق مئزرها الرقيق، ولكن توقف مكانه وهو يسمع همسها الخافت
- ممكن متتكلميش فأي حاجة حصلت امبارح
انفرجت شفتيه في ضحكة خافته وهو يرمقها.. ، يسألها بمراوغة
- هو إيه اللي حصل أمبارح، أنا مش فاكر حاجة
رفعت عيناها إليه، وقبل أن تفكر في شئ..، كان يُعانقها بمشاعره الهائجة
- خليني احبك وبس يا ملك، خليني اعوضك عن كل حاجة عشتيها، محبتش ولا هحب ست في حياتي أد ما حبيتك..، أنتِ حلم عمري
........
وقفت "ناهد" محدقة بباب الغرفة، وقد تجاوزوا وقت الظهيرة.. قاومت رغبتها في الأقتراب من الباب، وحقيقة واحدة كانت تقتحمها..
فاغمضت عيناها وهي تعود بذاكرتها نحو الماضي.. ، يوم أن أنجبت مها وبدأت تهتف اسمها وتخطو أول خطواتها..، وملك كانت تُحاول جاهدة أن تنال منها ابتسامة او حضناً تخصها به، ولكنها لم تكن تفعل ذلك إلا في المناسبات وأمام العائلة..، حتى تريهم كم هي أمرأة مثالية، ومازالت تمنح الفتاة التي انتشلتها من فوق الرصيف تلك الليلة حبها وحنانها رغم إنجابها لصغيرتها
لم تحب أن تظهر أمام عائلتها بالصورة التي حذروها منها، أن تجلب طفلاً ليس من احشائها وتربيه في بيتها ثم بعدها تكتشف فداحة خطأها وتلفظه من حياتها .. ،فتصبح أمام المجتمع المرأة الشريرة، وأكثر الأشياء التي تحافظ عليها عائلتها هو مظهرهم أمام المجتمع ..،
يحبون مدح الناس لهم عن اخلاقهم وكرمهم النابع من أصولهم العريقة..
اخذتها الذكريات والمشاهد ، فالطفله التي انتشلتها من فوق الرصيف.. لم يكن الأمر بالصدفه بل كان من تخطيط زوجها الذي ظنته الرجل المخلص الذي كانت تتعجب من حبه الشديد لملك وإخباره لها دوماً إنها أبنته ك مها وهي كانت تصرخ به تخبره أن ابنتهم الوحيده هي "مها"
لم تكن تشعر بتحرك ساقيها للأمام ، ولا بقبضتها القوية فوق كفيها.. إلا عندما انفتح الباب وتلاقت عيناها برسلان الذي رمقها بنظرة تعرفها تماماً، نظرة محذرة، متربصة نحو كل شئ،
انتبهت علي ملامحه المبتسمة البشوشة.. وخصلاته الرطبة ثم سؤاله الذي جعلها تفيق من شرودها
- مش معقول ناهد هانم، حاسه بشعور الأم وقلقانه علي بنتها.. وجاية تخبط علي باب الأوضة عشان تعرف سبب التأخير
ازدردت ناهد لعابها، وبهتت ملامحها.. ،تخشي أن تسمع ما لم تنتظر حدوثه..، اقترب منها وعيناه لا تحيد عنها وقد لمع المكر في عينيه، يميل نحوها هامساً
- قريب ممكن تسمعي خبر يسعدك، وتبقى جدة للحفيد التالت من ملك
..........
طالعته في تسأل، بعدما دفع مقعدها قليلاً حتي تنتبه علي تلك التي اقتربت منهما بملامح غاضبة وكأنها تلقت توبيخاً للتو، فوقعت عيناها نحو "كارمن" التي أندفعت صوبها واقتربت منها
- علي أخر الزمن اتطرد بسبب واحدة زيك متسواش شئ
وارتفع صوتها عالياً وسط الجميع تنظر نحوهم
- بكرة تطرد كل واحد فيكم مش عجبها، أصل الهانم مرات المدير
شعرت بالصدمة من تدافق العبارات، فهي لم تعد تفهم شيئاً، ولماذا اصرفها السيد حازم عن العمل، هل سليم بالفعل وراء ما حدث
تقدم أحمس ووقف بينهم، يصرفها بيده
- والله مش معنى إنك اخدتي تهزئ جامد او طرد تيجي تطلعي علينا
- شوفوا اللي بيتكلم، واحد متعين عشان صاحب المدام
واردفت ساخرة وهي تطالع زملائها
- ماهي المؤسسة بقت ماشية بالواسطه دلوقتي، ومجرد عيال لسا متخرجوش بقوا وسطينا
- كارمن
صاح بها "حازم" بعدما أستمع لحديثها الذي صدح في أرجاء المؤسسة، صحيح هو ضد ما يفعله سليم خصوصا في منح زوجته فرصة تدريب وبعدها ذلك الشاب الذي تم تعينه منذ أيام
- أستاذة كارمن، ياريت تجمعي حاجتك في هدوء
تلاقت عينين "كارمن" بمديرها الذي لم يمنحها فرصة اخري بعدما اعترفت له بندمها عما فعلته، من سرقة الملف وإتهام فتون بالأمر
- كل واحد يرجع علي شغله، إحنا في مكان محترم.. وخدوا بالكم المؤسسة هتفضل طول عمرها نزيهة وبتكافأ كل فرد علي قد ما بيقدم، والخاين ملهوش مكان وسطينا
تعالت ثرثرة الواقفين وصدمتهم في خيانة كارمن للمؤسسة، فمديرهم بالتأكيد يُشير بحديثه نحوها
شحبت ملامح "كارمن" وهي تستمع لحديث زملائها عنها، فاسرعت في التقاط متعلقاتها وقبل أن تنصرف وقفت أمام "فتون" التي أصبحت الصورة واضحة لها، لا تستوعب لما تحقد عليها ولم يجمعهما إلا تعامل بالعمل فقط
- سليم النجار مر في حياته ستات كتير، وانتِ واحدة من حريمه، ومسير السلطان يزهق ويرمي الجارية ويدور علي غيرها
صعق "أحمس" مما سمعه، فقد كان قربها يتحدث معها عن حقد هذه الفتاة نحوها وألا تعبأ بحديثها، وجد ملامحها جامده فهتف ممتعضاً
- فتون مش معقول وقفتي ساكته لكلامها
عادت لعملها بعدما نفضت حديثها عنها
- هما هيفضلوا طول عمرهم شايفني مستحقش سليم، فخلاص يا أحمس خليهم متمسكين بالصورة ديه
حدقها بصدمه، وهو يستمع لعباراتها، فحرك مقعده قرب مقعدها
- لازم توقفي كل واحد عند حده، سليم النجار جوزك أنتِ دلوقتي...
توقف عن الحديث، وسرعان ما كانت تتعلق عيناه بها يسألها وهو يخشى الإجابه
- اوعي تقوليلي إنك مجرد ست في قايمة حريمة يا فتون
............
دفع الباب بغضب قبل أن تغلقه بوجهه، فتراجعت للخلف بسبب دفعته للباب صارخة
- أنت أتجننت
كل بالفعل قد أصابه الجنون، بعدما غادرت البلد في رحلة لا يعلم إلى أين ذهبت فيها
- أيوة أتجننت..
واقترب منها يلتقط ذراعها، يُحدقها بجنون
- سافرتي، ولا كأن ليكي زوج.. ولا خديجة هانم الجواز
بالنسبه ليها خانة زيادة وقت ما تحب تمسحها, تمسحها علطول
دفعته عنها، ثم تعالت ضحكاتها بصخب وهي تُطالعه بنظرة فاحصة
- بالظبط، وهي خلاص ليلة وأنتهت.. ،ياريت نتطلق بهدوء يا أمير
ازداد جنونه وهو يراها بهذا البرود، وكأنها ليست مخطئة بحقه
- مين اللي لمسك قبلي يا خديجة
- كتير، أرتحت كده
جاوبته بهدوء تخفي خلفه بؤسها، فحتى الرجل الذي ظنته سيقبل الأمر في صمت..، كان أكثر الرجال اهتماماً بالعذرية وكأنه يختار عروساً من سنوات عمره، وليست امرأة بالغة في منتصف الأربعون
- كدابه
هتف بها وهو يقترب منها، ثم قبض فوق كتفيها يُخبرها ببطئ
- عارفة ليه كدابه، عشان الست اللي لمستها كانت زي الزهره... بتتفتح أوراقها لأول مره
سقطت دموعها رغماً عنها ، وقد عصفت بها المشاعر وهي تتذكر تلك الليلة التي جمعتهم وقد تعانقت أرواحهم وامتزجت علي نغمات الحب
- وما دام أنت شايفني كده، ليه شوفتني ست رخيصه بسلم لنفسي للرجالة من غير جواز
- من حقي يا خديجة.. ،اعرف مين الراجل اللي كان في حياتك ومحدش عرف عنه حاجة
عادت لقوتها وثباتها، بعدما دفعت عنها المشاعر السلبية التي احاطتها
- وأنا من حقي مجاوبش يا أمير، وياريت ننفصل في هدوء زي ما اتجوزنا
وهل لحديثها معنى، بعد أن أصبحت بين ذراعيه يضمها له فوق الفراش، ينظر لها بملامح عابثه يهمس لها بتملك
- أمير النعماني مش بيتخلي عن ممتلكاته بسهولة
ضحكت بقوة وهي تبتعد عنه، فعاد وجذبها إليه
- بسهولة بعرف أبيع يا ابن النعماني، متنساش أنا مين
وبسهولة كان يستطيع إغراقها في متعه اللذة، يُخبرها إنه أيضا قادر علي إعادتها إليه،
وهي لأول مرة تكون ضعيفة أمام رجلاً ، رجلاً رغم فارق العمر بينهم إلا إنها وللأسف أحبته
همست إليه بعدما أنتهت عاصفة حبهم
- أنا محدش خدني بأرادتي يا أمير، هو حرمني سنين طويله من إن يكون ليا حق اتجوز راجل ميفتكرنيش زي ما أنت أفتكرتني مجرد خاطية
والصدمة كانت ترتسم فوق ملامحه، وهو يستمع إليها..، لا يُصدق أن خديجة النجار أغتصبت يوماً.
...........
هل وقعت في حب رجلاً إذا أراد أمتلاك شئ، يضعه تحت أسره.. وكأنه أسيراً لديه
كانت حانقة وهي تعود لغرفتها، بعدما منعها الحارسين الواقفين أمام البوابة من الخروج وهذا أمر سيدهم، وقد أعاد أيضاً الخدم اليوم
التقطت ثياباً أخرى تستطيع القفز بها من السور الخلفي للقصير والذهاب لعملها...
تنهدت بضيق وهي تختار الثوب الملائم، وسرعان ما كانت ترتديه، وتسير عائدة بخطي محترسه نحو المكان الذي تعلم سهولة القفز منه،
فقد أصبحت تحفظ كل ركناً في هذا المنزل، فلم يكن لديها شئ أخر من قبل إلا هذا وبالطبع جعله يستمتع بجسدها وينال ما يُريده منها، ولخزيها كانت مستمتعه مرحبة
قفزت من السور القصير بعض الشئ، فخرجت منها آه خافته، ولكن أسرعت في النهوض ونفض بنطالها
- ماشي يا كاظم، يعني فاكر نفسك هتمنعني من الخروج
اكملت خطواتها نحو الشارع الرئيسي وهي تشعر بانتصارها عليه، فلن تخسر العمل الذي اعادها إليه سليم النجار مجدداً, ولن تخسر ذاتها من أجل أن تكون برفقة رجل لا يراها إلا في صورة العشيقه...،لن تكون زوجة بائسه ولن تُهان ثانية حتى يتم طلاقهم في يسر وتبتعد تماماً عن حياته.
بدء هاتفها بالرنين، فوقفت تخرجه من حقيبتها..، تنظر لاسمه الذي أخذ يضئ فوق شاشته، قررت ألا تُجيب ولكن عاد الرنين ثانية، فالتقطت أنفاسها وقررت أن تُجيبه بقوة، وقبل أن يخرج صوتها كانت تجد الحارسين يقتربان منها وهو يهتف متوعداً عبر الهاتف
- ارجعي البيت بهدوء يا مدام واسمعي الكلام
............
تراجعت الخادمة للخلف، بعدما دفعها الوافدين واندفعوا داخل المنزل
حدقت الخادمة... بالسيدة التي دلفت بجلبابها البسيط، تصرخ باطفاله بأن يكفوا عن المشاغبة ولمس أي شئ، ولكن الصغار منهم اندفعوا غازين المنزل سعداء بمجيئهم لشقيقتهم الكبرى
طالع الحاج عبدالحميد الخادمة الواقفة بملامحه البشوشة ، يُعطيها البؤجة التي يحمل بها كل ما لذا وطاب حتى يُشرف أبنته أمام زوجها
- خدي يا بنتي شيلي عني
طالعتهم الخادمة في صدمة وصمت، فمن هؤلاء الناس وقبل أن تهتف بشئ وتسألهم هل يعرفوا سيدها أم اخطأوا بالعنوان
- فين فتون بتِ
*********
ضمت جسدها من شدة البرودة التي أخذت تقتحم روحها قبل أن تشعر بها تسير بين أضلعها ، وقد بدء جسدها يرتجف.. ، تنظر نحو الضيوف وقد نبذها الجميع بعدما نالوا منها أجوبة عن أسألتهم،
وهل بالفعل تركت مدينتها وبحثت عن مكاناً أخر حتى تستطيع العيش فيه.
شدَّت الضغط فوق شفتيها، كلما ابتلعت غصتها بمرارة وهي تنظر إليهم كيف يتمازحون مع رئيسهم ومع بعضهم،
فحتى هو لم يهتم لأمرها بعدما افتتح الحفل بها وقدمها لضيوفه ومدحها بينهم ببضعة كلمات ظنتها إنه يخصها بها وحدها، ولكن الكلمات لم تكن إلا خطابً منمقًا اعتاد علي الهتاف به مع كل نموذج اضاف لشركته شيئاً.
تلاقت عيناه بها ولكن سرعان ما كان يندمج مع مدراء الأقسام، وخاصه تلك التي أتت من قبل المنزل مع فريق التسويق والتصقت به الليلة كالعلكة.
انسحبت في صمت، بعدما رأت إنها لو وقفت لمائة عاماً لن يهتم بها أحداً، أندفعت بخطوات سريعة نحو الغرفة التي تُقيم بها مع السيدة سعاد، ودست رأسها أسفل وسادتها تنتحب بقهر، تسأل نفسها متي سيأتي اليوم الذي ستشعر فيه إنها تشبه هؤلاء القوم، هل لأنها فقيرة ام لأنها حاله يشفق عليها الجميع؟
شعرت بلمسة حانية فوق ذراعها وهمس خافت حزين خرج من السيدة سعاد، تلك المرأة التي مهما قست عليها فهي لا تراها إلا كوالدة لها
- متعيطيش يا بسمة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تحتضن السيدة سعاد بقوة بعد عبارتها الحانيه، تسألها كما كانت تسأل نفسها منذ دقائق معدودة
- هفضل لحد أمتى الناس تشوفني حالة بتشفق عليها دادة، هو الفقر عيب، ليه الناس بتشوفنا إننا تحت أوي
- الفقر عمره ما كان عيب يا بسمة، اهم حاجة عزة النفس يا بنتِ
ابتعدت عن ذراعيها، تنظر إليها في صمت دون أن تتوقف عن ذرف دموعها، ثم هتفت متحسرة
- معندناش غيرها يا دادة، هي والشرف.. معنديش حاجة تانيه املكها
توقفت دموعها، ثم عادت تنساب فوق خديها وهي تتذكر تلك الليلة التي أراد فيها عنتر أن يغتصبها
- لو كان ليا أخ عارف يعني إيه عرضه وشرفه، مكنش رماني للناس والبهدلة
دمعت عينين السيدة سعاد تأثراً، فهي ظلت لأيام تدعو علي هذا الأخ الذي أراد بيع عرضه بمال بخس، بل أراد أن يجعلها عاهرة ترضي الزبائن بجسدها
وبخفوت اخذت تتأوه من وجع ذراعها وقد عاد الألم يشتدَّ عليها، طالعتها السيدة سعاد في ذعر وهي ترى نفس الذراع الذي ظلت طيلة اليوم تدلكه وتمسد فوقه وقد ظنت إنها مجرد ألم طفيف تشعر به، بعدما عاد جسدها للأعمال الشاقة في الخدمة
- ماله دراعك يا بسمة، من قبل الحفله وأنا واخده بالي بتدلكيه
والتقطت ذراعها، فخرجت صرختها، فاسرعت السيدة سعاد تنهض من جوارها
- هروح اجيبلك حاجة تسكن الألم يا بنتِ، لحد ما اشوف عمك جميل وناخدك المستوصف
.............
هل صرحت له برغبتها في امتلاكها، هل تخبره للتو إنها تُريده، تُريد أن تكون امرأته، وأن تتعانق أرواحهم وأجسادهم ؟
وحده الذهول ما كان يعيشه، رغم الشعور الذي يحرقه نحوها..
- ملك أنتِ مش في وعيك
وبانفاس مسلوبة لاهثة كانت تُخبره بوعده لها،قبل رحلة سفره..، لقد أخبرها إنه سيتمم زيجتهم حينا عودته
- أنت وعدتني
سألها وهو ينهل منها، وكأنه يقنع عقله بضرورة التوقف والأبتعاد عنها
- أنتِ عايزانا نقرب من بعض، عشان يكون عندنا طفل يا ملك
- لا أنا عايزاك أنت يا رسلان
ابتعد عنها، بعدما ألجمته عبارتها.. ،طالع ملامحها المتوهجة.. لا يستوعب ما نطقته.. فهل عاد حبهم مجدداً؟
سألها وهو غارق في النظر في بحور عينيها، يزدرد لعابه
- يعني مش هتندمي في يوم يا ملك، رجعتي تشوفي رسلان حبيبك من تاني
لم تدعه يُكمل عبارته، بل جاوبته بتوقها الشديد إليه، إنها تُريد الرجل الذي لم تري غيره طيلة سنوات عمرها، الرجل الذي نالته شقيقتها قبلها، الرجل الذي عاد القدر وجمعها به، جمعها به وهو اب لأولاد شقيقتها.., ستأخذ ما سلب منها يوماً وستنال احقيتها فيه
سكنت الأنفاس وتعانقت الأجساد، وها هو يبتعد عنها.. يضمها إليه يمسح فوق ظهرها يهمس إليها وكأنه لا يُصدق إنها أصبحت له قولا وفعلا، بل وبين ذراعيه تتنفس عبق رائحته ويتنفس عبقها
- أنا اسعد راجل في الدنيا، حاسس أني اخدت نصيبي كله من الحياة
طالعته في صمت وهي تُحرك يدها فوق ملامحه التي طالما عشقتها
- كان نفس أحساسك مع مها
هتفت بها بمرارة تسأله وهي تتذكر ذلك اليوم، الذي علمت بخبر حمل مها ، ذلك اليوم الذي ندمت فيه ميادة علي ذلة لسانها وإخبارها أنهم ينتظرون طفلين، علمت يومها أن الحبيب قد نساها وعاش حياته بين أحضان شقيقتها
انسابت دمعتها، فاسرع في مسحها وهو يميل نحوها
- بلاش تفكري في الماضي يا ملك، كفايه اللي ضاع
- أنا ليه مشوها من جوه يا رسلان، ليه أنا كده
سألته بمرارة تبحث عن جوابً منه، ولكنه لم يكن يعرف بما يخبرها به
- بتنفذي تعليمات الطبيبه
تذكرت طبيبتها النفسيه، التي أصبحت دائما الذهاب إليها مرة أسبوعياً، حركت رأسها بأسف لأنها لم تذهب إليها الاسبوع الماضي
- معرفتش اروح ميعاد الجلسه اللي فاتت، عزالدين كان تعبان
كان يداعب خدها بأنامله، ولكن يده توقفت عما كانت منشغله به..، عندما أخبرته إنها لم تذهب في موعدها لطبيبتها..
رأت نظرات الامتعاض فوق ملامحه، وقبل أن يهتف بشئ كانت تضع يدها فوق شفتيه، تهمس له برغبه
- ممكن تحبني يا رسلان، حبني وبس
وهل كانت تنتظر منه أن يخبرها بحبه، أو حتى تري شدة توقه إليها
كانت ليلة لن تُنسى، رغم إنه كان يعلم أن ما يُحركها إليه بهذه الشدة والجراءة ما هي إلا الرغبة التي انتجها هذا العقار الذي اجادت شقيقته اختياره، سيشكرها غدا علي صنيعها وهذه الليلة التي لن ينساها أبدا بحياته.
.............
انتهي الحفل، وقد عاد كل شئ بالمنزل كما كان..، القت السيدة سعاد بنظرة فاحصة علي المنزل ثم سارت عائدة للمطبخ حتى تري هل تم إنهاء كل ما أمرت به المستخدمات قبل انصرافهم..،
ولكن توقفت مكانها تلتف نحو "جسار" الذي تسأل بعدما اخذ يُطالع ساعة يده
- بقالهم أد إيه في المستشفى ، وليه مقولتيش ليا كنت اخدتها المستشفى يا دادة سعاد
طالعت قلقه، ولكنها لم تعد تراه إلا قلقاً نابع من مسئوليته عليها، أو ربما إكراماً لطليقته السيدة ملك التي توصيه نحوها دوماً
- كنت مشغول مع ضيوفك يا بني، واه عمك جميل اتصرف، زمانهم علي وصول
اماء لها "جسار" برأسه وهو يدلك عنقه من شدة إرهاقه، ثم تحرك من أمامها متجهاً نحو غرفته في الأعلي، وقبل أن يضع بأول خطواته فوق الدرج أستمع لصوت السيدة سعاد وهي تهتف متسائلة
- ايدها كويسه، طمني يا جميل
ابتسم جميل وهو يطالع بسمة التي ابتسمت هي الأخرى بملامح مرهقة
- أنتِ بس ريحيها كام يوم من شغل البيت ، وهي هتبقى زي الفل
ضمتها إليها السيدة سعاد، تهتف به حانقة
- يعني عايز تقول إني مفترية يا جميل أفندي
ضحكوا ثلاثتهم، فعلقت عيناها بذلك الواقف علي احدي درجات الدرج، ثم التف بجسده و أكمل صعوده نحو غرفته, بعدما اماء لها برأسه وكأنه يخبرها إنه اطمئن عليها ولم يعد هناك داعي ليسألها هل هي بخير أم لا ؟
ابتلعت غصتها في حزن..، فابعدتها السيدة سعاد عن حضنها، والتفت بنظراتها نحو المكان الذي كان يقف فيه جسار منذ لحظات، ولكنها لم تجده..
شعرت بالراحة وهي تري خلو المكان، وقد أكد لها الموقف أن جسار لا يحمل مشاعر لبسمة بتاتاً، ولو كانت فتاة مراوغة لتمكنت من إقامة علاقه مع رب عملها الأعزب
- تعالي يا بنتي عشان ترتاحي
تحركت معها "بسمة" في صمت، ولم تكن عينيها إلا عالقة بالدرج الذي صعده للتو
رثت حالها هذه الليلة في بكاءً صامت، تتسأل كيف أصبحت بهذا الضعف، وكيف رسمت في خيالها للحظه إنها ستحظى بقصة خيالية ومع من..، مع رجلاً بعيداً عنها تماماً في كل شئ، رجلاً فرضت عليه عبئها، رجلاً يعرف كل شيئاً عنها، رجلاً إذا أراد أن يحظى بعائلة يوماً سيختار المرأة التي تُشرفه وليست هي التي لا أصل لها.
........
في الصباح، كانت تفتح عيناها بصعوبة.. تنظر لذلك الراقد جوارها بتشتت بعض الشئ، حتى بدأت ذاكرتها تعيد لها المشاهد التي كانت واعية لها تماماً لكنها لم تكن تستطيع مقاومة ما ترغبه وتتوق إليه غريزتها
خرجت شهقة مصدومة، وقد أقتحم ذهنها كل شئ بأدق التفاصيل..، انسحبت من فوق الفراش وهي تشعر بصعوبة الحركة ولكنها أسرعت في النهوض واتجهت نحو المرحاض تستند خلف الباب وتلتقط أنفاسها مصدومه من إلحاحها وإصرارها عليه في إتمام زيجتهم
- مش معقول تكون ميادة حطت لينا حاجة في العصير، لا لا ميادة متعملش كده
شعرت بالسخونة تتدفق فوق خديها، فاتجهت نحو المرآة التي تحتلها دورة المياة، تنظر نحو وجهها لا تصدق أن معالم السعاده مرتسمه فوق ملامحها، حتى عيناها تحتلهما السعادة
- معقول أكون فرحانه، أنا ليه بنكر شعوري..، معقول حبِ لرسلان لسا بيغزو كياني ومعرفتش اتخطاه من حياتي
أسئلة كثيرة كانت تأسر عقلها، حتى وقعت عيناها علي بضعة علامات تؤكد ملكيته له وغزوه الضاري ليلة أمس..
ارتسمت ابتسامة واسعة فوق شفتيها وهي تسير بأناملها فوق علامات ملكيته، تتذكر شعورها بين ذراعيه، إنها كانت راغبه بشدة علي منحه نفسها
انفتح باب المرحاض ، فشهقت مذعووة وهي تراه يقف علي اعتابه يُطالعها بقلق
- خوفت يكون حصلك حاجة، مافيش صوت للمية فقلقت
ابتسمت بتوتر، وسرعان ما اطرقت رأسها أرضاً
- أنا كويسه يا رسلان
اقترب منها بعدما شعر بتوترها، وقبضتها القوية فوق مئزرها الرقيق، ولكن توقف مكانه وهو يسمع همسها الخافت
- ممكن متتكلميش فأي حاجة حصلت امبارح
انفرجت شفتيه في ضحكة خافته وهو يرمقها.. ، يسألها بمراوغة
- هو إيه اللي حصل أمبارح، أنا مش فاكر حاجة
رفعت عيناها إليه، وقبل أن تفكر في شئ..، كان يُعانقها بمشاعره الهائجة
- خليني احبك وبس يا ملك، خليني اعوضك عن كل حاجة عشتيها، محبتش ولا هحب ست في حياتي أد ما حبيتك..، أنتِ حلم عمري
........
وقفت "ناهد" محدقة بباب الغرفة، وقد تجاوزوا وقت الظهيرة.. قاومت رغبتها في الأقتراب من الباب، وحقيقة واحدة كانت تقتحمها..
فاغمضت عيناها وهي تعود بذاكرتها نحو الماضي.. ، يوم أن أنجبت مها وبدأت تهتف اسمها وتخطو أول خطواتها..، وملك كانت تُحاول جاهدة أن تنال منها ابتسامة او حضناً تخصها به، ولكنها لم تكن تفعل ذلك إلا في المناسبات وأمام العائلة..، حتى تريهم كم هي أمرأة مثالية، ومازالت تمنح الفتاة التي انتشلتها من فوق الرصيف تلك الليلة حبها وحنانها رغم إنجابها لصغيرتها
لم تحب أن تظهر أمام عائلتها بالصورة التي حذروها منها، أن تجلب طفلاً ليس من احشائها وتربيه في بيتها ثم بعدها تكتشف فداحة خطأها وتلفظه من حياتها .. ،فتصبح أمام المجتمع المرأة الشريرة، وأكثر الأشياء التي تحافظ عليها عائلتها هو مظهرهم أمام المجتمع ..،
يحبون مدح الناس لهم عن اخلاقهم وكرمهم النابع من أصولهم العريقة..
اخذتها الذكريات والمشاهد ، فالطفله التي انتشلتها من فوق الرصيف.. لم يكن الأمر بالصدفه بل كان من تخطيط زوجها الذي ظنته الرجل المخلص الذي كانت تتعجب من حبه الشديد لملك وإخباره لها دوماً إنها أبنته ك مها وهي كانت تصرخ به تخبره أن ابنتهم الوحيده هي "مها"
لم تكن تشعر بتحرك ساقيها للأمام ، ولا بقبضتها القوية فوق كفيها.. إلا عندما انفتح الباب وتلاقت عيناها برسلان الذي رمقها بنظرة تعرفها تماماً، نظرة محذرة، متربصة نحو كل شئ،
انتبهت علي ملامحه المبتسمة البشوشة.. وخصلاته الرطبة ثم سؤاله الذي جعلها تفيق من شرودها
- مش معقول ناهد هانم، حاسه بشعور الأم وقلقانه علي بنتها.. وجاية تخبط علي باب الأوضة عشان تعرف سبب التأخير
ازدردت ناهد لعابها، وبهتت ملامحها.. ،تخشي أن تسمع ما لم تنتظر حدوثه..، اقترب منها وعيناه لا تحيد عنها وقد لمع المكر في عينيه، يميل نحوها هامساً
- قريب ممكن تسمعي خبر يسعدك، وتبقى جدة للحفيد التالت من ملك
..........
طالعته في تسأل، بعدما دفع مقعدها قليلاً حتي تنتبه علي تلك التي اقتربت منهما بملامح غاضبة وكأنها تلقت توبيخاً للتو، فوقعت عيناها نحو "كارمن" التي أندفعت صوبها واقتربت منها
- علي أخر الزمن اتطرد بسبب واحدة زيك متسواش شئ
وارتفع صوتها عالياً وسط الجميع تنظر نحوهم
- بكرة تطرد كل واحد فيكم مش عجبها، أصل الهانم مرات المدير
شعرت بالصدمة من تدافق العبارات، فهي لم تعد تفهم شيئاً، ولماذا اصرفها السيد حازم عن العمل، هل سليم بالفعل وراء ما حدث
تقدم أحمس ووقف بينهم، يصرفها بيده
- والله مش معنى إنك اخدتي تهزئ جامد او طرد تيجي تطلعي علينا
- شوفوا اللي بيتكلم، واحد متعين عشان صاحب المدام
واردفت ساخرة وهي تطالع زملائها
- ماهي المؤسسة بقت ماشية بالواسطه دلوقتي، ومجرد عيال لسا متخرجوش بقوا وسطينا
- كارمن
صاح بها "حازم" بعدما أستمع لحديثها الذي صدح في أرجاء المؤسسة، صحيح هو ضد ما يفعله سليم خصوصا في منح زوجته فرصة تدريب وبعدها ذلك الشاب الذي تم تعينه منذ أيام
- أستاذة كارمن، ياريت تجمعي حاجتك في هدوء
تلاقت عينين "كارمن" بمديرها الذي لم يمنحها فرصة اخري بعدما اعترفت له بندمها عما فعلته، من سرقة الملف وإتهام فتون بالأمر
- كل واحد يرجع علي شغله، إحنا في مكان محترم.. وخدوا بالكم المؤسسة هتفضل طول عمرها نزيهة وبتكافأ كل فرد علي قد ما بيقدم، والخاين ملهوش مكان وسطينا
تعالت ثرثرة الواقفين وصدمتهم في خيانة كارمن للمؤسسة، فمديرهم بالتأكيد يُشير بحديثه نحوها
شحبت ملامح "كارمن" وهي تستمع لحديث زملائها عنها، فاسرعت في التقاط متعلقاتها وقبل أن تنصرف وقفت أمام "فتون" التي أصبحت الصورة واضحة لها، لا تستوعب لما تحقد عليها ولم يجمعهما إلا تعامل بالعمل فقط
- سليم النجار مر في حياته ستات كتير، وانتِ واحدة من حريمه، ومسير السلطان يزهق ويرمي الجارية ويدور علي غيرها
صعق "أحمس" مما سمعه، فقد كان قربها يتحدث معها عن حقد هذه الفتاة نحوها وألا تعبأ بحديثها، وجد ملامحها جامده فهتف ممتعضاً
- فتون مش معقول وقفتي ساكته لكلامها
عادت لعملها بعدما نفضت حديثها عنها
- هما هيفضلوا طول عمرهم شايفني مستحقش سليم، فخلاص يا أحمس خليهم متمسكين بالصورة ديه
حدقها بصدمه، وهو يستمع لعباراتها، فحرك مقعده قرب مقعدها
- لازم توقفي كل واحد عند حده، سليم النجار جوزك أنتِ دلوقتي...
توقف عن الحديث، وسرعان ما كانت تتعلق عيناه بها يسألها وهو يخشى الإجابه
- اوعي تقوليلي إنك مجرد ست في قايمة حريمة يا فتون
............
دفع الباب بغضب قبل أن تغلقه بوجهه، فتراجعت للخلف بسبب دفعته للباب صارخة
- أنت أتجننت
كل بالفعل قد أصابه الجنون، بعدما غادرت البلد في رحلة لا يعلم إلى أين ذهبت فيها
- أيوة أتجننت..
واقترب منها يلتقط ذراعها، يُحدقها بجنون
- سافرتي، ولا كأن ليكي زوج.. ولا خديجة هانم الجواز
بالنسبه ليها خانة زيادة وقت ما تحب تمسحها, تمسحها علطول
دفعته عنها، ثم تعالت ضحكاتها بصخب وهي تُطالعه بنظرة فاحصة
- بالظبط، وهي خلاص ليلة وأنتهت.. ،ياريت نتطلق بهدوء يا أمير
ازداد جنونه وهو يراها بهذا البرود، وكأنها ليست مخطئة بحقه
- مين اللي لمسك قبلي يا خديجة
- كتير، أرتحت كده
جاوبته بهدوء تخفي خلفه بؤسها، فحتى الرجل الذي ظنته سيقبل الأمر في صمت..، كان أكثر الرجال اهتماماً بالعذرية وكأنه يختار عروساً من سنوات عمره، وليست امرأة بالغة في منتصف الأربعون
- كدابه
هتف بها وهو يقترب منها، ثم قبض فوق كتفيها يُخبرها ببطئ
- عارفة ليه كدابه، عشان الست اللي لمستها كانت زي الزهره... بتتفتح أوراقها لأول مره
سقطت دموعها رغماً عنها ، وقد عصفت بها المشاعر وهي تتذكر تلك الليلة التي جمعتهم وقد تعانقت أرواحهم وامتزجت علي نغمات الحب
- وما دام أنت شايفني كده، ليه شوفتني ست رخيصه بسلم لنفسي للرجالة من غير جواز
- من حقي يا خديجة.. ،اعرف مين الراجل اللي كان في حياتك ومحدش عرف عنه حاجة
عادت لقوتها وثباتها، بعدما دفعت عنها المشاعر السلبية التي احاطتها
- وأنا من حقي مجاوبش يا أمير، وياريت ننفصل في هدوء زي ما اتجوزنا
وهل لحديثها معنى، بعد أن أصبحت بين ذراعيه يضمها له فوق الفراش، ينظر لها بملامح عابثه يهمس لها بتملك
- أمير النعماني مش بيتخلي عن ممتلكاته بسهولة
ضحكت بقوة وهي تبتعد عنه، فعاد وجذبها إليه
- بسهولة بعرف أبيع يا ابن النعماني، متنساش أنا مين
وبسهولة كان يستطيع إغراقها في متعه اللذة، يُخبرها إنه أيضا قادر علي إعادتها إليه،
وهي لأول مرة تكون ضعيفة أمام رجلاً ، رجلاً رغم فارق العمر بينهم إلا إنها وللأسف أحبته
همست إليه بعدما أنتهت عاصفة حبهم
- أنا محدش خدني بأرادتي يا أمير، هو حرمني سنين طويله من إن يكون ليا حق اتجوز راجل ميفتكرنيش زي ما أنت أفتكرتني مجرد خاطية
والصدمة كانت ترتسم فوق ملامحه، وهو يستمع إليها..، لا يُصدق أن خديجة النجار أغتصبت يوماً.
...........
هل وقعت في حب رجلاً إذا أراد أمتلاك شئ، يضعه تحت أسره.. وكأنه أسيراً لديه
كانت حانقة وهي تعود لغرفتها، بعدما منعها الحارسين الواقفين أمام البوابة من الخروج وهذا أمر سيدهم، وقد أعاد أيضاً الخدم اليوم
التقطت ثياباً أخرى تستطيع القفز بها من السور الخلفي للقصير والذهاب لعملها...
تنهدت بضيق وهي تختار الثوب الملائم، وسرعان ما كانت ترتديه، وتسير عائدة بخطي محترسه نحو المكان الذي تعلم سهولة القفز منه،
فقد أصبحت تحفظ كل ركناً في هذا المنزل، فلم يكن لديها شئ أخر من قبل إلا هذا وبالطبع جعله يستمتع بجسدها وينال ما يُريده منها، ولخزيها كانت مستمتعه مرحبة
قفزت من السور القصير بعض الشئ، فخرجت منها آه خافته، ولكن أسرعت في النهوض ونفض بنطالها
- ماشي يا كاظم، يعني فاكر نفسك هتمنعني من الخروج
اكملت خطواتها نحو الشارع الرئيسي وهي تشعر بانتصارها عليه، فلن تخسر العمل الذي اعادها إليه سليم النجار مجدداً, ولن تخسر ذاتها من أجل أن تكون برفقة رجل لا يراها إلا في صورة العشيقه...،لن تكون زوجة بائسه ولن تُهان ثانية حتى يتم طلاقهم في يسر وتبتعد تماماً عن حياته.
بدء هاتفها بالرنين، فوقفت تخرجه من حقيبتها..، تنظر لاسمه الذي أخذ يضئ فوق شاشته، قررت ألا تُجيب ولكن عاد الرنين ثانية، فالتقطت أنفاسها وقررت أن تُجيبه بقوة، وقبل أن يخرج صوتها كانت تجد الحارسين يقتربان منها وهو يهتف متوعداً عبر الهاتف
- ارجعي البيت بهدوء يا مدام واسمعي الكلام
............
تراجعت الخادمة للخلف، بعدما دفعها الوافدين واندفعوا داخل المنزل
حدقت الخادمة... بالسيدة التي دلفت بجلبابها البسيط، تصرخ باطفاله بأن يكفوا عن المشاغبة ولمس أي شئ، ولكن الصغار منهم اندفعوا غازين المنزل سعداء بمجيئهم لشقيقتهم الكبرى
طالع الحاج عبدالحميد الخادمة الواقفة بملامحه البشوشة ، يُعطيها البؤجة التي يحمل بها كل ما لذا وطاب حتى يُشرف أبنته أمام زوجها
- خدي يا بنتي شيلي عني
طالعتهم الخادمة في صدمة وصمت، فمن هؤلاء الناس وقبل أن تهتف بشئ وتسألهم هل يعرفوا سيدها أم اخطأوا بالعنوان
- فين فتون بتِ
الجزء الثالث
********
استمعت الخادمتان لاوامر السيدة "ألفت" ومازالوا يشعرون بالذهول من هوية هؤلاء الناس الجالسين بالخارج،
كانوا يعلمون ان زوجة رب عملهم تعود أصولها لعائلة بسيطه حتى إنها سبق لها الزواج من قبل في سن صغير، وقد تجاوزوا صدمة نشائتها وحياتها بعد فترة من دلوفها للمنزل برفقة سيدهم يُعلنها لهم إنها سيدة هذا المنزل، وقد أصبحوا منذ ذلك اليوم يصدقون الحكايات،
ولكن عاد ذهولهم وصدمتهم مجدداً بعدما عادت سيدتهم الاستقراطيه لمنزلتها في المنزل حتى لو كانت عودتها مؤقتة من أجل أن تظل جوار صغيرتها
- أنتوا مالكم واقفين كده ليه، مش في حاجات قولت تتنفذ عشان الضيوف
ارتبكت الخادمتان ونظروا نحو رئيستهم الأكبر سنًا، فطالعتهم السيده ألفت بضجر لعدم تحركهم من أمامها
- اهل الهانم اوامرهم مجابه، يتعاملوا بكل احترام.. ديه أوامر سليم بيه
حذرتهم بعينيها، فاندفعت احداهن نحو الطابق العلوي لتجهيز الغرف، وتركت زميلتها في ذهولها
- أنتِ لسا واقفه يا إشراق
توترت الخادمة وهي تفرك كلتا يديها، وقد أخذها الفضول لتتسأل للمرة التي لا تعد
- هو الباشا قدر ازاي يناسب ناس من المستوى ده بعد ما كان متجوز شهيرة هانم
- إشراق
صرخت بها السيدة ألفت بعدما قطعت استرسالها في الحديث، فاطرقت الواقفة رأسها
- أسئلة كتير مش عايزه اسمعها، واتعودي متسأليش كتير.. إحنا هنا مجرد مستخدمين بناخد مرتبنا أخر الشهر، لكن حياة الباشا ملناش علاقه بيها
حركت الواقفة رأسها، واسرعت في خطواتها متمته
- هروح أنفذ المطلوب مني
...........
القت "شهيرة" هاتفها بعنف فوق الطاولة، بعدما علمت منه بوجود أهل زوجته، أندفعت الدماء إلى وجهها وقد علقت عينين رفيقتها بها متسائلة
- مالك يا شهيرة؟
طالعتها شهيرة بملامح جامده، لا تصدق إنها بعدما ظنت إنه يُهاتفها من أجل أن يفي بوعده لها ويأتي لتناول الغداء في النادي الرياضي معها ومع ابنتهما..، يُخبرها أن أهل من جعلها سيدة في منزلها ومنزل ابنتها هناك في ضيافته, وإذا لم ترغب في العودة.. فلتذهب لمنزلها لكن إذا أرادت العودة مع أبنته يجب عليها احترامهم، فالحساب هذه المرة سيكون عسير بينهم إذا تعاملت بأساليبها الجديدة عليه معهم
- ماشي يا سليم
أخرجت حنقها في تمتمتها ثم قضمت فوق شفتيها لعلها تطرد ذلك شعور الذي تشعر به، فهناك نيران ولا تستطيع اخمادها.. ،
"شهيرة الأسيوطي" تؤمر ويجب عليها الطاعه وكل هذا من أجل أن تعيد زوجها الذي ضل عن احضانها واتجه لأخرى ماكرة أظهرت له ضعفها
- تاني سليم يا شهيرة، أنا نفسي افهم ازاي عايشه معاه ومع مراته.. ، وقابله على نفسك الوضع ده
- بلاش كلامك ده يا سوزان، مش كل مرة تفضلي تسألي نفس السؤال
زفرت الجالسة أنفاسها بضيق، تطالع صديقتها التي أصبحت متباعده عنها بشدة في الأوان الأخيرة
- ليه بتعملي في نفسك كده؟
- عايزة جوزي، عايزه سليم من تاني... سليم من حقي وحق بنته
- عمرك ما كنتِ ضعيفة كده يا شهيرة
تمتمت بها سوزان، فاشاحت شهيرة عينيها عنها.. فلن تصمت صديقتها عن الحديث نحو كرامتها المهدورة منذ أن تعرفت علي سليم وتزوجوا سراً إلى أن حملت بطفلتها ورحلت من البلد حتى تستعيد قوتها ولكنها عادت لنفس النقطة.. امرأة عاشقة لرجل لم يراها يوماً إلا لاشباع غريزته
- لو علي احتياجاتك ك ست، تقدري تتجوزي تاني يا شهيرة.. الف واحد يتمناكِ
امتقعت ملامح شهيرة من كلماتها، فعن أي زواج أخر تتحدث عنه صديقتها، فرمقتها في جمود محاوله قدر استطاعتها تلاشي حديثها في أمور خاصة التي لا تحبذ الحديث عنها
- وأنا من أمتي كنت بجري ورا شهوتي يا سوزان، سليم ابو بنتِ ومش معنى إني فوقت وبحاول ارجعه ليا من تاني يبقى بفكر اتجوز من تاني راجل غيره
استمعت سوزان لمبررها الذي لم تقتنع به، بل تُقنع نفسها بما تفعله بحالها وحال ابنتها مع طليقها الذي يسعى جاهداً في نجاح زيجته الأخرى و كونه أب لطفله من أمرأه اخري،
سليم النجار ليس أحمق ليخسر جبهتيه، وحدها صديقتها من ستخرج من معركتها خاسرة إلا إذا فاق هذا الرجل وادرك أن الزوجة الأخري لا تناسبه، أو بدأت تظهر ذلاتها إليه كأغلب النساء وعلم أن كفته الرابحه مع ام أبنته وحدها..
علق عقلها في حياة صديقتها تشعر وكأنها تعيش دراما جديده عليها، خاصه أن المرأة التي وضعت علي الهامش..، اكثر النساء عزة وثراء وقوة
- سوزان أنا هقضي اليوم عندك أنا وديدا، ماليش مزاج اروح عند حامد ...
ابتسمت إليها سوزان وقد تفهمت طلبها الذي لم تصرح به إلا بعد هذه المكالمه التي أتتها ولم تفهم ما دار فيها ولكن مزاج صديقتها قد تبدل تماماً بعدها، إنها حقاً تمقت هذا الرجل وجبروته
- اكيد هكون مبسوطه يا شهيرة، و مروان هيكون مبسوط اوي كمان بخديجه
واتجهت بنظراتها نحو صغيرها الذي اندمج باللعب مع ابنه صديقتها الجميلة الناعمة
- شكلي أنا واحمد جوزي هنطلب ايديها منكم من دلوقتي، اهو نكون حجزناها قبل ما العرسان يقفوا بالدور
تعالت ضحكات شهيرة وقد تغير مزاجها وهي تنظر نحو صغيرتها التي تجذب أعين الجميع نحوها
- اه لو سليم سمعك دلوقتى
ثم اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر أفعال زوجها الجنونية وغضبه، حينا يري صغيرته قريبه من اي ذكر صغير، أو حينا يتسأل أحداً.. ماذا سوف يفعل عندما تكبر صغيرته ويتوافد الطالبين عليها
- مجنون بالبنت..وكل ما بتكبر تعلقوا بيها بيزيد
فتعلقت عينين "سوزان" بها تُخبرها دون توقع ردة فعلها الغاضبه من حديثها
- هما كلهم كده مع أول طفل، خصوصا لو كانت بنت
ثم تابعت ضاحكة
- بعد كده الاهتمام بيتوزع علي الباقين، وتقدري تقولي بيكونوا خلاص جربوا الأبوة
تجهمت ملامح "شهيره" وقد احتقنت ، فهي حتى لو عادت إليه لن تنجب ثانية، ولن تقبل أن يكون لابنتها أخوة من تلك الخادمة ومن حسن حظها أن لديها مشاكل بالأنجاب
- سليم مكتفي بس بخديجة، يعني كل حنانه واهتمامه ليها لوحدها
قررت سوزان ابتلاع باقي عباراتها، ولكن خانها لسانها في زلة منها دون قصد
- ليه هو مش ناوي يخلف من مراته الجديدة
وقد ضغطت فوق النقطه التي لا تتحملها شهيرة وخاصه إنها حاولت أن تنجب منه ثانيه قبل طلاقهم ولكنها فشلت بسبب تقدم سنوات عمرها وقد اقتربت من تخطي الخامسه والأربعون
- سليم لو كان عايز يخلف منها، مكنش صبر الشهور ديه عليها.. ،وخلينا نقوم لأن الولاد تعبوا من كتر اللعب
وها هو الحظ حليفها، وقد اصبح لديها مقدره لتثبت لصديقاتها في الوسط.. أن الزوجة الأخرى مجرد زيجة مؤقته لا أكثر
...........
احتقنت ملامحه وهو يراها تلتف نحو ذلك الذي يجب عليه تحمله لأنه من أفراد العائلة ومن غيره الصديق العزيز أحمس..
علقت عيناه بالمشهد الصغير وهو يراه يمنحها كشكولاً، واخبرها ببضعة كلمات ثم لاح لها بيده وعاد لداخل المؤسسة..، ولولا تحايلها عليه بتلك الطريقه الماكرة التي أصبحت تجيدها واصبح يحبها خاصة انها تنتهي بليلة تضاف لاحد لياليهم الخاصة، ليله تشاركه فيها حبه وتتجاوب معه بتوق علي عكس ما كانت تفعله من قبل تُسلم له حالها في طاعه وكأنه واجب يؤديه
دلفت لداخل السيارة مبتسمه، تنظر إليه متسائلة وقد أصابها بعض الحماس بسبب ما هاتفها من أجله واخبرها إنه أتي إليها ليصطحبها
- إيه هي المفاجأة يا سليم؟
- خرج وراكِ ليه؟
قطبت حاجبيها دون فهم لما يتسأل عنه، ولكن سرعان ما كانت تفهم سؤاله خاصه بعدما رمقها بضيق
- أنت تقصد أحمس، كان عايز يديني كشكول المحاضرات
أستمع إليها وهي تفسر له الأمر ببساطة، فظلت عيناه نحو الطريق دون أن يُجيب بشئ.. وبعدما انتهت من تفسير سبب اعطاءها لكشكوله الذي يُلخص فيه هذه المادة تمتم متهكماً
- طبعا الأستاذ نسي يدهولك ومفتكرش غير وأنا مستنيكِ برة
ارتفع حاجبها في دهشة، تخبره دون تصديق عما وصل إليه عقله
- أحمس يعمل كده، لا أنت ظالم احمس يا سليم
وقد بدأت جلسة الدفاع عن جدعنة وطيبة أحمس وكيف هو يقف في ضهرها بل ويتحدث عنه دائما بفخر متمنياً أن يصبح يوماً مثله
رمقها بعدما أنتهت من جلستها الدفاعية، متسائلاً ببعض الضيق
- وتفتكري أنا برضوه بعد كلامك عنه، هستلطفه
امتعضت ملامحها، وزفرت أنفاسها بضيق
- ما أنا مش قادرة اقتنع إنك ممكن تغير من أحمس يا سليم، غير إني اكبر من أحمس بسنه ونص
قبض فوق عجلة القيادة بضيق من عبارتها
- ومغيرش ليه يا هانم، ولا أنا مش راجل..، ومش كل ما اتكلم تقوليلي انا اكبر منه وهو اخويا الصغير.. ،ما أنا أعجبت بشهيره واتجوزتها وهي اكبر مني بعشر سنين..
ثم اردف ساخراً من نظريتها
- مش سنه ونص واخويا الصغير
ألجمها حديثه، ولم تكن تتوقع أن الحديث سيأخذهم لتلك النقطه..، طالعت ملامحه المتجهمه بعض الشئ تحاول أن تخذه لحديث أخر
- لكن برضوه مقولتليش إيه هي المفاجأة
رمقها بإحدى عينيه وهو يراها تغير محور حديثهم
- أهلك في البيت
اتسعت عيناها ذهولاً وسرعان ما كانت ترتسم السعاده فوق ملامحها
- أزاي، ومحدش قالي ليه فيهم.. ده أنا كلمتهم أمبارح بليل
ابتسم إليها وهو يري سعادتها
- حبوا يعملوها مفاجأه لينا
اتسعت ابتسامتها شيئاً فشئ، فاخيرا أتوا أهلها إليها.. أتوا بعدما ظنت أنهم تناسوها كما من قبل في زيجتها السابقة.. هي لا تلومهم.. ف والديها يعيشون كما عاش أهلهم..، لا اهتمام بالفتيات خاصة بعد زواجها وتحمل رجلاً اخر عبئها.. فتعيش راضيه صامته وقد انتهت مهمتهم معها
- أنت اللي طلبت منهم يجيوا عشان منسافرش زيارة
هتفت بها وقد تلاشت سعادتها، عندما ظنت إنه فعل ذلك حتى لا يذهب بها لأهلها
وقفت السيارة أخيرا داخل حديقه المنزل، فنظر إليها يمنحها الجواب بوجوم
- اهلك جاين زيارة ليكي من نفسهم يا فتون..، مش زي ما عقلك وصلك
وقبل أن يترجل من سيارته، قبضت فوق ذراعه
- سليم
ولكنه دفع يدها عنه برفق ، منهياً اي حديث
- اهلك مستنيك من ساعه، نأجل أي كلام بعدين
..........
داعب النسيم خديها، فاستندت إلى الشرفة حتى تتمكن من رؤية تفاصيل المكان عن قرب..
فندق علي التلال في أسوان نحو اطلاله ساحرة على نهر النيل..و رغم إنها أتت أسوان من قبل لكن لأول مرة تنبهر بمكان كهذا.. لقد خطف المكان فؤادها منذ اول وهلة ببساطة تصميمه وحسن الضيافة
اغمضت عينيها وهي تشعر بتطويقه لخصرها وضمها لصدره ، ثم دفنه لرأسه في تجويف عنقها
- مش قولتلك متبعديش عن حضني
داعب صوته جميع حواسها، فالتفت إليه تنظر لعينيه
- أنت مش ملاحظ إن بقالي يومين في حضنك واخرى اشوف المكان من هنا...، وعودك طلعت كدابة يا دكتور
انفرجت شفتيه في ضحكة رجولية جذابه، يجذبها نحو الداخل
- بعوض السنين... ، ومتحلميش أني اخرجك من حضني بسهوله
التمعت عيناها وهي تسمعه، وفي ظل حديثه المفعم بالمشاعر كان يغزوا حصونها بمهارة.. ، ابتعد عنها اخيرا ينظر نحو ملامحها المسترخية منتشياً بسعادة
- ده أنا هفضل طول عمري أشكر ميادة
..........
طالعت "ناهد" صغار أبنتها في غرفتهم بمنزل شقيقتها، وقد أصر رسلان علي بقائهم في منزل عائلته ليكون اكثر أطمئناناً، فلا وضع شقيقته يسمح لرعاية صغيريه ولا وجودهم بالقرب من ناهد يطمئنه ولولا القرابة والدم ومرضها لكان اعادها للمصحة النفسيه مجدداً
- هيرميكم زي ما أنا حاولت احطها في ملجأ زمان ..، هتخلف ليه ولاد يحبهم لأنهم منها وهيرميكم عشان انتوا ولاد مها
ونظرت حولها تبحث عن طيف ابنتها الحبيبه، ولكنه كالعادة لا تجد شئ..، فهي حتى هذا اليوم لا تصدق أن الموت أخذ ابنتها منها
اقترب منها احد الصغار متمتماً
- بابا، ماما
ثم سرعان ما هتف الصغير باسم "ملك" وكأنه يؤكد عليها أن ملك هي من يدعوها بهذا اللقب
- ملك مش ماما.. ، ملك مش ماما
بكى الصغير بعدما صرخت به بجنون يصيبها حينا يهتف احدهم باسم ملك ويكونوا بعيداً عن الأعين..، شاركه الأخر في البكاء.. ف اندفعت كاميليا لداخل الغرفة بعدما استمعت لبكاء أحفادها ترمق شقيقتها وهي تضمهم إليها دون حديث
- مالهم يا ناهد
وناهد كالعاده صامته وإذا تحدثت.. تهتف ببضعة كلمات متقطعة لا أكثر
دلفت المربية للغرفة، فرمقتها كاميليا صارخه بها
- مش منبها عليكي كذا مره متسبيش الولاد لوحدهم
اطرقت المربية رأسها تنظر نحو طبق الفاكهة المهروس الذي اعدته للصغار
- كنت بحضر ليهم طبق الفاكهة..، زي ما ملك هانم موصية
انشغلت كاميليا في إسكات الصغار، بعدما صبت غضبها فوق الخادمة.., ولكنهم لم يكفوا عن الصراخ، حتى ميادة خرجت من عزلتها وحاولت اسكاتهم ولكن ظل الصغار يبكون لا يهتفون إلا باسم ملك
- خلاص خلينا نكلم اخوكِ
وميادة لا تتحدث مع والدتها إلا بتحريك رأسها، فضاقت عينين كاميليا بضيق وقد ازداد حنقها
- أنا نفسي افهم مين يعاقب مين..، مش كفايه جوازك اللي كان في السر ولولا موته كنا اتفضحنا وسط الناس
ارتخت ذراعي مياده عن الصغار وانسحبت نحو غرفتها.. ، لتنظر كاميليا نحو أحفادها.. وتحمل هاتفها حتى تهاتف ابنها لعله يستطيع إسكات صغاره حينا يستمعون لصوته.
.......
دفعته عنها هاربه من أسر ذراعيه تُخاطبه بعدما اغلقت باب المرحاض خلفها
- ولا دقيقه تانيه في الأوضة..
فتعالت ضحكات رسلان وهو يلتقط المنشفة الصغيره التي كان يجفف بها خصلات شعره وقد القاها جانباً.. بعدما أذابته هيئتها فوق الفراش..؛ فظمأه منها لا يرتوي ولم يعد يريد إلا أن يتأكد أنها بالفعل أصبحت له.. وجولات حبهم لم تكن حلماً يعيشه في خياله كما كان يفعل من قبل
- ماشي يا ملك، بس اتأكدي انك الخسرانه وصهيب باشا هيجي متأخر هو واخواته بسببك
عانقت عبارته روحها المشتاقة لتلك اللحظه التي ستضم فيها أحشائها طفلا ..،فاستندت بظهرها فوق باب المرحاض المغلق واغمضت عيناها تهتف بذلك الاسم الذي اختاره بتلذذ
- صهيب
فاقت من شعورها وتلك النقطه التي أصبحت تستحوذ عليها.. ، تستمع لصوته مع والدته ... فاسرعت في نيل حمامها حتى تتمكن من لحاق المكالمه والاطمئنان علي الصغار
- مبسوط يا حبيبي، كل حاجة تمام
تناست كاميليا كل شئ حولها، وهي تري معالم السعادة مرتسمه فوق ملامح ابنها
- الجواب باين يا كاميليا هانم
هتف عبارته مازحاً، فاتسعت ابتسامتها
-والعنوان بيقول..، كنت غرقان في العسل يا دكتور
تعالت ضحكاته بقوة، وقد ضحك الصغار علي سماع صوت ضحكات والدهما وقد وضعتهم جدتهم قربها
- حبايب بابا بيضحكوا ومبسوطين، اومال ليه تيته بتقول انكم تعبينها وبتعيطوا
رفعوا الصغار يديهم نحو الشاشه، لعلهم يستطيعون الوصول لوالدهما
- بابا... ملك
- قولوا كده عايزين ماما
كانت ناهد تجلس علي بعداً من شقيقتها تستمع للحديث الدائر، الذي استمر لدقائق طويله جعلتها تتأكد أن ابنتها أصبحت تحت التراب وقد ضاع ذكراها
- ملك، حببتي..
وملك تقترب منه، بعدما خرجت من المرحاض وارتدت ثيابها بعجالة.. تُحادث الصغار بحب
اندمجت كاميليا في الحديث معهم، ولم تنتبه علي تلك النظرات التي كانت ترمقها بها ناهد حتى اقترابها منها و وقوفها خلفها وقد علقت عيناها بعينين رسلان
وها هي الحقيقة تضربها مرة أخرى، لقد تمت العلاقه بينهم وقد حدث ما اخبرتها به العرافة منذ سنوات
...........
اتسعت حدقتيها ذهولاً بعد فتحت باب المنزل.. وعلقت عيناها بعينين الواقف أمامها تهتف اسمه بصعوبة وقد عادت بشاعة تلك الليلة لذهنها
- عنتر
رمق عنتر ثوب العمل الذي ترتديه، ثم تعمق بالنظر إليها من رأسها لأخمص قدميها واقترب منها خطوة بعدما تراجعت بخطواتها للداخل
- ده أنا قولت غرقانه في العسل مع الباشا، الاقيه مشغلك خدامه عنده في البيت
يتبع بإذن الله (قراءة متتعة)
********
استمعت الخادمتان لاوامر السيدة "ألفت" ومازالوا يشعرون بالذهول من هوية هؤلاء الناس الجالسين بالخارج،
كانوا يعلمون ان زوجة رب عملهم تعود أصولها لعائلة بسيطه حتى إنها سبق لها الزواج من قبل في سن صغير، وقد تجاوزوا صدمة نشائتها وحياتها بعد فترة من دلوفها للمنزل برفقة سيدهم يُعلنها لهم إنها سيدة هذا المنزل، وقد أصبحوا منذ ذلك اليوم يصدقون الحكايات،
ولكن عاد ذهولهم وصدمتهم مجدداً بعدما عادت سيدتهم الاستقراطيه لمنزلتها في المنزل حتى لو كانت عودتها مؤقتة من أجل أن تظل جوار صغيرتها
- أنتوا مالكم واقفين كده ليه، مش في حاجات قولت تتنفذ عشان الضيوف
ارتبكت الخادمتان ونظروا نحو رئيستهم الأكبر سنًا، فطالعتهم السيده ألفت بضجر لعدم تحركهم من أمامها
- اهل الهانم اوامرهم مجابه، يتعاملوا بكل احترام.. ديه أوامر سليم بيه
حذرتهم بعينيها، فاندفعت احداهن نحو الطابق العلوي لتجهيز الغرف، وتركت زميلتها في ذهولها
- أنتِ لسا واقفه يا إشراق
توترت الخادمة وهي تفرك كلتا يديها، وقد أخذها الفضول لتتسأل للمرة التي لا تعد
- هو الباشا قدر ازاي يناسب ناس من المستوى ده بعد ما كان متجوز شهيرة هانم
- إشراق
صرخت بها السيدة ألفت بعدما قطعت استرسالها في الحديث، فاطرقت الواقفة رأسها
- أسئلة كتير مش عايزه اسمعها، واتعودي متسأليش كتير.. إحنا هنا مجرد مستخدمين بناخد مرتبنا أخر الشهر، لكن حياة الباشا ملناش علاقه بيها
حركت الواقفة رأسها، واسرعت في خطواتها متمته
- هروح أنفذ المطلوب مني
...........
القت "شهيرة" هاتفها بعنف فوق الطاولة، بعدما علمت منه بوجود أهل زوجته، أندفعت الدماء إلى وجهها وقد علقت عينين رفيقتها بها متسائلة
- مالك يا شهيرة؟
طالعتها شهيرة بملامح جامده، لا تصدق إنها بعدما ظنت إنه يُهاتفها من أجل أن يفي بوعده لها ويأتي لتناول الغداء في النادي الرياضي معها ومع ابنتهما..، يُخبرها أن أهل من جعلها سيدة في منزلها ومنزل ابنتها هناك في ضيافته, وإذا لم ترغب في العودة.. فلتذهب لمنزلها لكن إذا أرادت العودة مع أبنته يجب عليها احترامهم، فالحساب هذه المرة سيكون عسير بينهم إذا تعاملت بأساليبها الجديدة عليه معهم
- ماشي يا سليم
أخرجت حنقها في تمتمتها ثم قضمت فوق شفتيها لعلها تطرد ذلك شعور الذي تشعر به، فهناك نيران ولا تستطيع اخمادها.. ،
"شهيرة الأسيوطي" تؤمر ويجب عليها الطاعه وكل هذا من أجل أن تعيد زوجها الذي ضل عن احضانها واتجه لأخرى ماكرة أظهرت له ضعفها
- تاني سليم يا شهيرة، أنا نفسي افهم ازاي عايشه معاه ومع مراته.. ، وقابله على نفسك الوضع ده
- بلاش كلامك ده يا سوزان، مش كل مرة تفضلي تسألي نفس السؤال
زفرت الجالسة أنفاسها بضيق، تطالع صديقتها التي أصبحت متباعده عنها بشدة في الأوان الأخيرة
- ليه بتعملي في نفسك كده؟
- عايزة جوزي، عايزه سليم من تاني... سليم من حقي وحق بنته
- عمرك ما كنتِ ضعيفة كده يا شهيرة
تمتمت بها سوزان، فاشاحت شهيرة عينيها عنها.. فلن تصمت صديقتها عن الحديث نحو كرامتها المهدورة منذ أن تعرفت علي سليم وتزوجوا سراً إلى أن حملت بطفلتها ورحلت من البلد حتى تستعيد قوتها ولكنها عادت لنفس النقطة.. امرأة عاشقة لرجل لم يراها يوماً إلا لاشباع غريزته
- لو علي احتياجاتك ك ست، تقدري تتجوزي تاني يا شهيرة.. الف واحد يتمناكِ
امتقعت ملامح شهيرة من كلماتها، فعن أي زواج أخر تتحدث عنه صديقتها، فرمقتها في جمود محاوله قدر استطاعتها تلاشي حديثها في أمور خاصة التي لا تحبذ الحديث عنها
- وأنا من أمتي كنت بجري ورا شهوتي يا سوزان، سليم ابو بنتِ ومش معنى إني فوقت وبحاول ارجعه ليا من تاني يبقى بفكر اتجوز من تاني راجل غيره
استمعت سوزان لمبررها الذي لم تقتنع به، بل تُقنع نفسها بما تفعله بحالها وحال ابنتها مع طليقها الذي يسعى جاهداً في نجاح زيجته الأخرى و كونه أب لطفله من أمرأه اخري،
سليم النجار ليس أحمق ليخسر جبهتيه، وحدها صديقتها من ستخرج من معركتها خاسرة إلا إذا فاق هذا الرجل وادرك أن الزوجة الأخري لا تناسبه، أو بدأت تظهر ذلاتها إليه كأغلب النساء وعلم أن كفته الرابحه مع ام أبنته وحدها..
علق عقلها في حياة صديقتها تشعر وكأنها تعيش دراما جديده عليها، خاصه أن المرأة التي وضعت علي الهامش..، اكثر النساء عزة وثراء وقوة
- سوزان أنا هقضي اليوم عندك أنا وديدا، ماليش مزاج اروح عند حامد ...
ابتسمت إليها سوزان وقد تفهمت طلبها الذي لم تصرح به إلا بعد هذه المكالمه التي أتتها ولم تفهم ما دار فيها ولكن مزاج صديقتها قد تبدل تماماً بعدها، إنها حقاً تمقت هذا الرجل وجبروته
- اكيد هكون مبسوطه يا شهيرة، و مروان هيكون مبسوط اوي كمان بخديجه
واتجهت بنظراتها نحو صغيرها الذي اندمج باللعب مع ابنه صديقتها الجميلة الناعمة
- شكلي أنا واحمد جوزي هنطلب ايديها منكم من دلوقتي، اهو نكون حجزناها قبل ما العرسان يقفوا بالدور
تعالت ضحكات شهيرة وقد تغير مزاجها وهي تنظر نحو صغيرتها التي تجذب أعين الجميع نحوها
- اه لو سليم سمعك دلوقتى
ثم اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر أفعال زوجها الجنونية وغضبه، حينا يري صغيرته قريبه من اي ذكر صغير، أو حينا يتسأل أحداً.. ماذا سوف يفعل عندما تكبر صغيرته ويتوافد الطالبين عليها
- مجنون بالبنت..وكل ما بتكبر تعلقوا بيها بيزيد
فتعلقت عينين "سوزان" بها تُخبرها دون توقع ردة فعلها الغاضبه من حديثها
- هما كلهم كده مع أول طفل، خصوصا لو كانت بنت
ثم تابعت ضاحكة
- بعد كده الاهتمام بيتوزع علي الباقين، وتقدري تقولي بيكونوا خلاص جربوا الأبوة
تجهمت ملامح "شهيره" وقد احتقنت ، فهي حتى لو عادت إليه لن تنجب ثانية، ولن تقبل أن يكون لابنتها أخوة من تلك الخادمة ومن حسن حظها أن لديها مشاكل بالأنجاب
- سليم مكتفي بس بخديجة، يعني كل حنانه واهتمامه ليها لوحدها
قررت سوزان ابتلاع باقي عباراتها، ولكن خانها لسانها في زلة منها دون قصد
- ليه هو مش ناوي يخلف من مراته الجديدة
وقد ضغطت فوق النقطه التي لا تتحملها شهيرة وخاصه إنها حاولت أن تنجب منه ثانيه قبل طلاقهم ولكنها فشلت بسبب تقدم سنوات عمرها وقد اقتربت من تخطي الخامسه والأربعون
- سليم لو كان عايز يخلف منها، مكنش صبر الشهور ديه عليها.. ،وخلينا نقوم لأن الولاد تعبوا من كتر اللعب
وها هو الحظ حليفها، وقد اصبح لديها مقدره لتثبت لصديقاتها في الوسط.. أن الزوجة الأخرى مجرد زيجة مؤقته لا أكثر
...........
احتقنت ملامحه وهو يراها تلتف نحو ذلك الذي يجب عليه تحمله لأنه من أفراد العائلة ومن غيره الصديق العزيز أحمس..
علقت عيناه بالمشهد الصغير وهو يراه يمنحها كشكولاً، واخبرها ببضعة كلمات ثم لاح لها بيده وعاد لداخل المؤسسة..، ولولا تحايلها عليه بتلك الطريقه الماكرة التي أصبحت تجيدها واصبح يحبها خاصة انها تنتهي بليلة تضاف لاحد لياليهم الخاصة، ليله تشاركه فيها حبه وتتجاوب معه بتوق علي عكس ما كانت تفعله من قبل تُسلم له حالها في طاعه وكأنه واجب يؤديه
دلفت لداخل السيارة مبتسمه، تنظر إليه متسائلة وقد أصابها بعض الحماس بسبب ما هاتفها من أجله واخبرها إنه أتي إليها ليصطحبها
- إيه هي المفاجأة يا سليم؟
- خرج وراكِ ليه؟
قطبت حاجبيها دون فهم لما يتسأل عنه، ولكن سرعان ما كانت تفهم سؤاله خاصه بعدما رمقها بضيق
- أنت تقصد أحمس، كان عايز يديني كشكول المحاضرات
أستمع إليها وهي تفسر له الأمر ببساطة، فظلت عيناه نحو الطريق دون أن يُجيب بشئ.. وبعدما انتهت من تفسير سبب اعطاءها لكشكوله الذي يُلخص فيه هذه المادة تمتم متهكماً
- طبعا الأستاذ نسي يدهولك ومفتكرش غير وأنا مستنيكِ برة
ارتفع حاجبها في دهشة، تخبره دون تصديق عما وصل إليه عقله
- أحمس يعمل كده، لا أنت ظالم احمس يا سليم
وقد بدأت جلسة الدفاع عن جدعنة وطيبة أحمس وكيف هو يقف في ضهرها بل ويتحدث عنه دائما بفخر متمنياً أن يصبح يوماً مثله
رمقها بعدما أنتهت من جلستها الدفاعية، متسائلاً ببعض الضيق
- وتفتكري أنا برضوه بعد كلامك عنه، هستلطفه
امتعضت ملامحها، وزفرت أنفاسها بضيق
- ما أنا مش قادرة اقتنع إنك ممكن تغير من أحمس يا سليم، غير إني اكبر من أحمس بسنه ونص
قبض فوق عجلة القيادة بضيق من عبارتها
- ومغيرش ليه يا هانم، ولا أنا مش راجل..، ومش كل ما اتكلم تقوليلي انا اكبر منه وهو اخويا الصغير.. ،ما أنا أعجبت بشهيره واتجوزتها وهي اكبر مني بعشر سنين..
ثم اردف ساخراً من نظريتها
- مش سنه ونص واخويا الصغير
ألجمها حديثه، ولم تكن تتوقع أن الحديث سيأخذهم لتلك النقطه..، طالعت ملامحه المتجهمه بعض الشئ تحاول أن تخذه لحديث أخر
- لكن برضوه مقولتليش إيه هي المفاجأة
رمقها بإحدى عينيه وهو يراها تغير محور حديثهم
- أهلك في البيت
اتسعت عيناها ذهولاً وسرعان ما كانت ترتسم السعاده فوق ملامحها
- أزاي، ومحدش قالي ليه فيهم.. ده أنا كلمتهم أمبارح بليل
ابتسم إليها وهو يري سعادتها
- حبوا يعملوها مفاجأه لينا
اتسعت ابتسامتها شيئاً فشئ، فاخيرا أتوا أهلها إليها.. أتوا بعدما ظنت أنهم تناسوها كما من قبل في زيجتها السابقة.. هي لا تلومهم.. ف والديها يعيشون كما عاش أهلهم..، لا اهتمام بالفتيات خاصة بعد زواجها وتحمل رجلاً اخر عبئها.. فتعيش راضيه صامته وقد انتهت مهمتهم معها
- أنت اللي طلبت منهم يجيوا عشان منسافرش زيارة
هتفت بها وقد تلاشت سعادتها، عندما ظنت إنه فعل ذلك حتى لا يذهب بها لأهلها
وقفت السيارة أخيرا داخل حديقه المنزل، فنظر إليها يمنحها الجواب بوجوم
- اهلك جاين زيارة ليكي من نفسهم يا فتون..، مش زي ما عقلك وصلك
وقبل أن يترجل من سيارته، قبضت فوق ذراعه
- سليم
ولكنه دفع يدها عنه برفق ، منهياً اي حديث
- اهلك مستنيك من ساعه، نأجل أي كلام بعدين
..........
داعب النسيم خديها، فاستندت إلى الشرفة حتى تتمكن من رؤية تفاصيل المكان عن قرب..
فندق علي التلال في أسوان نحو اطلاله ساحرة على نهر النيل..و رغم إنها أتت أسوان من قبل لكن لأول مرة تنبهر بمكان كهذا.. لقد خطف المكان فؤادها منذ اول وهلة ببساطة تصميمه وحسن الضيافة
اغمضت عينيها وهي تشعر بتطويقه لخصرها وضمها لصدره ، ثم دفنه لرأسه في تجويف عنقها
- مش قولتلك متبعديش عن حضني
داعب صوته جميع حواسها، فالتفت إليه تنظر لعينيه
- أنت مش ملاحظ إن بقالي يومين في حضنك واخرى اشوف المكان من هنا...، وعودك طلعت كدابة يا دكتور
انفرجت شفتيه في ضحكة رجولية جذابه، يجذبها نحو الداخل
- بعوض السنين... ، ومتحلميش أني اخرجك من حضني بسهوله
التمعت عيناها وهي تسمعه، وفي ظل حديثه المفعم بالمشاعر كان يغزوا حصونها بمهارة.. ، ابتعد عنها اخيرا ينظر نحو ملامحها المسترخية منتشياً بسعادة
- ده أنا هفضل طول عمري أشكر ميادة
..........
طالعت "ناهد" صغار أبنتها في غرفتهم بمنزل شقيقتها، وقد أصر رسلان علي بقائهم في منزل عائلته ليكون اكثر أطمئناناً، فلا وضع شقيقته يسمح لرعاية صغيريه ولا وجودهم بالقرب من ناهد يطمئنه ولولا القرابة والدم ومرضها لكان اعادها للمصحة النفسيه مجدداً
- هيرميكم زي ما أنا حاولت احطها في ملجأ زمان ..، هتخلف ليه ولاد يحبهم لأنهم منها وهيرميكم عشان انتوا ولاد مها
ونظرت حولها تبحث عن طيف ابنتها الحبيبه، ولكنه كالعادة لا تجد شئ..، فهي حتى هذا اليوم لا تصدق أن الموت أخذ ابنتها منها
اقترب منها احد الصغار متمتماً
- بابا، ماما
ثم سرعان ما هتف الصغير باسم "ملك" وكأنه يؤكد عليها أن ملك هي من يدعوها بهذا اللقب
- ملك مش ماما.. ، ملك مش ماما
بكى الصغير بعدما صرخت به بجنون يصيبها حينا يهتف احدهم باسم ملك ويكونوا بعيداً عن الأعين..، شاركه الأخر في البكاء.. ف اندفعت كاميليا لداخل الغرفة بعدما استمعت لبكاء أحفادها ترمق شقيقتها وهي تضمهم إليها دون حديث
- مالهم يا ناهد
وناهد كالعاده صامته وإذا تحدثت.. تهتف ببضعة كلمات متقطعة لا أكثر
دلفت المربية للغرفة، فرمقتها كاميليا صارخه بها
- مش منبها عليكي كذا مره متسبيش الولاد لوحدهم
اطرقت المربية رأسها تنظر نحو طبق الفاكهة المهروس الذي اعدته للصغار
- كنت بحضر ليهم طبق الفاكهة..، زي ما ملك هانم موصية
انشغلت كاميليا في إسكات الصغار، بعدما صبت غضبها فوق الخادمة.., ولكنهم لم يكفوا عن الصراخ، حتى ميادة خرجت من عزلتها وحاولت اسكاتهم ولكن ظل الصغار يبكون لا يهتفون إلا باسم ملك
- خلاص خلينا نكلم اخوكِ
وميادة لا تتحدث مع والدتها إلا بتحريك رأسها، فضاقت عينين كاميليا بضيق وقد ازداد حنقها
- أنا نفسي افهم مين يعاقب مين..، مش كفايه جوازك اللي كان في السر ولولا موته كنا اتفضحنا وسط الناس
ارتخت ذراعي مياده عن الصغار وانسحبت نحو غرفتها.. ، لتنظر كاميليا نحو أحفادها.. وتحمل هاتفها حتى تهاتف ابنها لعله يستطيع إسكات صغاره حينا يستمعون لصوته.
.......
دفعته عنها هاربه من أسر ذراعيه تُخاطبه بعدما اغلقت باب المرحاض خلفها
- ولا دقيقه تانيه في الأوضة..
فتعالت ضحكات رسلان وهو يلتقط المنشفة الصغيره التي كان يجفف بها خصلات شعره وقد القاها جانباً.. بعدما أذابته هيئتها فوق الفراش..؛ فظمأه منها لا يرتوي ولم يعد يريد إلا أن يتأكد أنها بالفعل أصبحت له.. وجولات حبهم لم تكن حلماً يعيشه في خياله كما كان يفعل من قبل
- ماشي يا ملك، بس اتأكدي انك الخسرانه وصهيب باشا هيجي متأخر هو واخواته بسببك
عانقت عبارته روحها المشتاقة لتلك اللحظه التي ستضم فيها أحشائها طفلا ..،فاستندت بظهرها فوق باب المرحاض المغلق واغمضت عيناها تهتف بذلك الاسم الذي اختاره بتلذذ
- صهيب
فاقت من شعورها وتلك النقطه التي أصبحت تستحوذ عليها.. ، تستمع لصوته مع والدته ... فاسرعت في نيل حمامها حتى تتمكن من لحاق المكالمه والاطمئنان علي الصغار
- مبسوط يا حبيبي، كل حاجة تمام
تناست كاميليا كل شئ حولها، وهي تري معالم السعادة مرتسمه فوق ملامح ابنها
- الجواب باين يا كاميليا هانم
هتف عبارته مازحاً، فاتسعت ابتسامتها
-والعنوان بيقول..، كنت غرقان في العسل يا دكتور
تعالت ضحكاته بقوة، وقد ضحك الصغار علي سماع صوت ضحكات والدهما وقد وضعتهم جدتهم قربها
- حبايب بابا بيضحكوا ومبسوطين، اومال ليه تيته بتقول انكم تعبينها وبتعيطوا
رفعوا الصغار يديهم نحو الشاشه، لعلهم يستطيعون الوصول لوالدهما
- بابا... ملك
- قولوا كده عايزين ماما
كانت ناهد تجلس علي بعداً من شقيقتها تستمع للحديث الدائر، الذي استمر لدقائق طويله جعلتها تتأكد أن ابنتها أصبحت تحت التراب وقد ضاع ذكراها
- ملك، حببتي..
وملك تقترب منه، بعدما خرجت من المرحاض وارتدت ثيابها بعجالة.. تُحادث الصغار بحب
اندمجت كاميليا في الحديث معهم، ولم تنتبه علي تلك النظرات التي كانت ترمقها بها ناهد حتى اقترابها منها و وقوفها خلفها وقد علقت عيناها بعينين رسلان
وها هي الحقيقة تضربها مرة أخرى، لقد تمت العلاقه بينهم وقد حدث ما اخبرتها به العرافة منذ سنوات
...........
اتسعت حدقتيها ذهولاً بعد فتحت باب المنزل.. وعلقت عيناها بعينين الواقف أمامها تهتف اسمه بصعوبة وقد عادت بشاعة تلك الليلة لذهنها
- عنتر
رمق عنتر ثوب العمل الذي ترتديه، ثم تعمق بالنظر إليها من رأسها لأخمص قدميها واقترب منها خطوة بعدما تراجعت بخطواتها للداخل
- ده أنا قولت غرقانه في العسل مع الباشا، الاقيه مشغلك خدامه عنده في البيت
يتبع بإذن الله (قراءة متتعة)
