اخر الروايات

رواية لمن القرار الفصل الثالث والاربعين 43 بقلم سهام صادق

رواية لمن القرار الفصل الثالث والاربعين 43 بقلم سهام صادق 




الجزء الاول
********
وفي أوقات تحتاج لأن تتلاشى كل شئ من حولك، أن تلقى ما تسمعه خلفك، أن تقف بثبات وترسم ابتسامتك..، وأن تتقدم لتُحارب في جبهتك، لتُحارب في منطقتك..، نحو طريق انت من سعيت لأجله.

تعلقت عيناها بذلك الذي نهض فور دلوفها، وقد رمقها صديقه بقوة، وابتلع باقية حديثه والتقط الماء يرتشق منه لعله يخرج من حرجه..،
رمقته "جنات"وهي تتمنى أن تقف رشفة الماء بحلقه ويموت من شدة سعاله.. ، وقد تحققت دعوتها وأخذ "جلال" يسعل بشدة.
تقدمت منه وعيناه لم تحيد عنها، ينظر مترقبً ردة فعلها، ومن نظرتها الواثقة...، خشي أن تحرجه أمام ضيوفه.. ،لم يفكر كيف جرح كرامتها ، بل فكر في وضعه أمام ضيوفه

- مساء الخير يا جماعه

القت تحيتها بابتسامة هادئه، واقتربت من ذلك الواقف..، تنظر لترقبه وانتظاره لرؤية ما سوف تفعله

- اسفه علي تأخيري، وعدم استقبالي ليكم

وبنبرة مازحه وهي تُسلط عيناها نحوهم، تتمتم بابتسامة واسعه

- المطبخ للأسف سرق اليوم كله مني، وملحقتش اجهز قبل وصولك

وببطئ كانت تلتف نحو الذي يجاورها، وقد تصلبت ملامحه

- اتمنى يكون الأكل عجبكم ، واكسب الرهان من كاظم.. إني طباخه هايله

امتدح الجميع طعامها وبالطبع عدا "جلال" الذي التقط أنفاسه اخيرا للتو من أثر السعال، واخذ يرمقها ويرمق صديقه.. ،منتظراً ردة فعله مع تلك التي يعرف مدى كره صديقه لها

- شايف يا حبيبي، صحابك بيشهدوا بطبخي..،بس بصراحه هو مبيحبش يتعبني في أي حاجة

ضحك الجميع، وبدأت الزوجات يتحدثن عن اطباع أزواجهم وحنقهم الدائم منهم لعدم اتقانهم للوصفات..

- مالك يا حبيبي لسا واقف مكانك كده

رمقها حانقاً، وعاد لجلوسه متمتماً لصديقه "جلال"، بعدما وجد ضيوفه ينتظرون جلوس سيدة المنزل اللطيفة

- جلال من فضلك..

لم يفهمه "جلال" في البدايه، ولكن سرعان ما تدارك حاله، ونهض من فوق المقعد يسمح لها بلباقه رغم حنقه الداخلي

- طبعا، طبعا.. اسف يا مدام جنات.. اتفضلي

جلست بينهم، وقد التمعت عيناها بثقه وهي تري نظراته المصوبه نحوها، ابتلعت غصتها وهي تشعر باستياءه من وجودها، ولكنه لم يكن يفكر إلا إنها بالتأكيد تسعي لتحقيق شيئاً ما، فباحثة مثلها علي الثراء لن تظل في حالة الضعف طويلاً
أصبحت الجلسة مواضيع لا تدور إلا عليها، كيف تعرفت علي كاظم، كيف جعلت هذا الرجل يتزوج أخيراً بعدما كان مضرباً عن الزواج

- اتقابلنا في شركة سليم النجار

التمعت عينين الجالسات، وقد جعلوا جميع حواسهم منصبه عليها.. ،يسمعون منها كيف كان اللقاء..،
نسجت في علقها حلماً بعيداً تمنته في مراهقتها.. ،قصت عليهم بعض مقتطفات استطاعت ترتيبها بواقعية..، وهو كان جالس يستمع في جمود، اما جلال ينظر إليها بنظرة ساخرة.. ،فهذه المرأة ليست سهله ولديه كل الحق في أن يجعل صديقه يكرهها

- مالك يا كاظم ساكت، ولا يا سيدي مكسوف تعترف لينا إنك اخيراً حبيت وجات الست اللي خليتك تفكر تتجوزها

القاها احد الأصدقاء مازحاً، فتنحنح بعدما قاوم مشاعر حنقه ومقته نحو تلك التي أصبحت هي محور الجلسه

- المدام حالمية شويه عن اللازم يا جماعه وبتحب تتكلم كتير
- أخص عليك يا حبيبي

التقطت كفه، فتجمدت عيناه علي فعلتها..وطالعت الجالسين ببراءة لا يعرف كيف اجادة اصطناعها

- ده مقليش بحبك غير يوم فرحنا
- صحيح يا مدام جنات ليه معزمتوش حد علي فرحكم، ولا عملتوا في أوتيل فخم

رمقها بتشفي، منتظراً سماع جوابها..، فهي من وضعت حالها في هذا الموقف

- كاظم مبيحبش الحفلات ولا الدوشة.. وبصراحه وانا كمان.. ف احتفلنا بجوازنا وسط بعض الأهل

طالعته بانتصار وهي تري نظراته القاتمة تخترقها، ابتسم "جلال" متهكماً، فكم هي ذكيه، ماكرة

- أنتِ لسا بتشتغلي في مجموعة النجار ولا دلوقتي طبعا انضميتي لمجموعة النعماني

واتبع الصديق عبارته ضاحكاً، وهو ينظر نحو "كاظم".. منتظراً جوابه حتى يُخبر زوجته أن الراجل معظمهم لا يحبون عمل زوجاتهم معهم

- لا كاظم سيبلي القرار، لكنه مرحب جدا إني اشتغل معاه

احتدت ملامحه، وقبض بقوة فوق شوكة طعامه، فقد تجاوزت جميع النقاط..، وجعلته يظهر أمام أصدقاءه وزوجاتهم، كم هو زوج محب، عطوف..، إنها تتلاعب به تلك الماكرة
تلاقت عيناه بعينين "جلال" الذي انتظر أن يتخلى صديقه عن صمته

- مش هنكمل اكلنا يا جماعه، ولا هتفضلوا مع حكايات المدام..

وبنرة حاول جاهداً، أن يُخرجها مازحاً تمتم، وهو يرمقها بوعيد

- اصل المدام بتاعتي مش هتسكت خالص

ضحك الجميع، كما ضحكت معهم، وابتسمت بزهو وهي تشعر برغبته في إنهاء هذه الضيافه بأسرع وقت.

انتهت الضيافه، كما كان يأمل.. ولكنها استنفذت منه طاقته،
غادر أصدقاءه بزوجاتهم، فوقف "جلال" معه بالخارج وضحكاته تتعالا بقوة

- ديه مطلعتش سهله خالص

تجهمت ملامح "كاظم" يتمتم بغضب

- اتفضل يا جلال أنت كمان، السهره خلصت وياريت بعد كده تحافط علي لسانك..، مهما كان هي مراتي

رمقه "جلال" وهو لا يُصدق حديثه

- مالك يا كاظم، هي بدأت تسيطر عليك ولا إيه.. ،مهما الستات كده يدحلبوا لحد ما يوصلوا لهدفهم

- أنت عارف كويس، إن مافيش ست تقدر تضحك عليا..، لكن بغباءك وبكل بساطه تقول إني مش معترف بيها زوجه قدام صحابنا ليه..

- هو أنت خايف منها يا كاظم.. عشان سمعتني.. ما هي ديه الحقيقة.. ،ده غير الحقيقة التانيه اللي أنا واثق إنك بتعاملها بلطف لحد ما تاخد اللي عايزه

- جلال، بلاش تلعب معايا يا جلال

صرخ به بحدة، فتراجع "جلال" للخلف قليلاً.. وقد علم إنه تعدي نقاطه مع صديقه

- خلاص يا كاظم، فاهم.. ولو عايزني اعتذر من المدام مافيش مشكله عندي

تجهمت ملامح " كاظم"، فاسرع جلال بالمغادرة مودعاً

- سلام يا باشا
..........

التف العم "جميل" حوله، بعدما جلس أمام طاولة الطعام الصغيرة التي اعدتها "سعاد" من أجل أن يتناولوا وجبتهم كعادتهم في المطبخ

- فين بسمة يا سعاد؟

وضعت " سعاد" الأطباق، وجلست فوق مقعدها، وشرعت في تناول طعامها

- بتنضف الفيلا

رمقها "جميل" وقد استعجب ما تخبره به، ف سعاد لم تحب أن تجعل بسمة تُعامل كخادمة بالمنزل..، كانت تُعاملها كالضيفة المرحب بها، ومهما عرضت من مساعده..، كانت تجعلها تُساعد باشياء بسيطة، ولكن أن تنظف وتمسح..، كان الأمر عجيب عليه فهذه كانت مهمة إحدى السيدات التي تأتي يومان بالأسبوع

- بتبصلي ليه يا جميل، مستغرب ليه يعني إنها بتنضف.. ،هو وجودها إيه هنا غير كده..، لا هي ضيفه ولا قريبة..، هي مجرد واحده جابها جسار بيه رفقاً بيها، و إكراماً لطليقته الست ملك

- خلصت أخيراً، البيت كبير ما شاء الله وتنضيفه صعب.. ،ده أنا كنت بكلم نفسي وأنا بنضف وأقول الله يعينها الست اللي بتنضفه
هتفت بها "بسمة" وهي تدلف المطبخ، بملامح مرهقة.. تمسح يديها في عباءتها المبتلة، علقت عيناها بالطعام وقد نغزها الجوع بشدة..، فهرولت نحو الطاوله تقبل وجنتي "سعاد"، التى تجهمت ملامحها من فعلتها ولكنها اخفت مشاعرها سريعاً

- تسلم ايدك يا احلي سوسو في الدنيا

ابتسم العم "جميل "وهو يراها تأكل بجوع، يُمازحها كعادته

- هتزوري يا بسمة، براحه يا بنتي

- جعانه اوي يا عم جميل، سوسو النهاردة حبت ترجعني للشقي ، بعد ما كنت بدأت اتعود علي الراحه

هتفتها بمزاح، ولكن "سعاد" لأول مرة كانت تراها شكوى..، وكأنها مرأة شريرة ظالمة

- ما ديه حياتنا، ولا أنتِ فاكرانا هوانم هنا .. إحنا بنشتغل عشان ناكل لقمتنا بالحلال

تمتم بها "سعاد" بحده، فطالعها جميل وقد توقف عن مضغ طعامه..، ينظر نحو ملامح "بسمة" التي سكنت

- مهمتك تنضفي البيت كل يومين، لحد ما ترجع العامله من تاني
.............

دلف للغرفه بملامح متجهمة، سرعان ما تحولت للذهول وهو يراها تلتقط متعلقاتها وتمر من جواره،
التقط ذراعها بعدما فاق من ذهوله يتسأل، وقد راودته الشكوك

- رايحة فين؟

نفضت ذراعها عنه، بطريقه صدمته.. تنظر إليه بتحدي

- هنقل حاجتي الاوضه التانيه، لحد ما يعدوا ست شهور علي جوازنا ومتقلقش هتصحي الصبح تلاقيني مشيت

ورغم المرارة التي علقت بحلقها وهي تهتف بها ، إلا إنها بدأت تفيق.. وكأنها الفترة الماضيه لم تكن هي

- نعم!

وباستنكار كان يتمتم عبارته، يلتقط منها حاجتها..، يلقيها أرضاً

- القرار ده أنا اللي اخده، مش أنتِ
- لا يا ابن جودة النعماني، لو كنت في البدايه ساكته ومتقبله إهانتك ليا، وإني مجرد ست في سريرك بتلبي ليك رغباتك..، فكان عشان اكسبك واخليك تعرف إني مش وحشه ولا طماعه

انسابت دموعها رغماً عنها، تنظر إليه وهي تتذكر كيف لم يرغب بها أن تستقبل ضيوفه، وكيف تحدث عنها صديقه

- يمكن لعبة معاك غلط، يمكن كنت طماعه..، يمكن حاجات كتير
أرادت أن تخبره، إنها ارادت أن تكون أمرأته.. ولكن لم تعد تُريد أن تظهر أمامه بالضعف..،فقد انتهت علاقتهما الفاشلة بكل المقاييس

- وبعترف إني استحق اللي حصدته، استحق إني أكون زوجة مهمشة.. ، استحق الوجع اللي أنا حساه دلوقتي

شعر برجفة قلبه، ولكن سرعان ما كان يعود لجمودة، فهو لا يتأثر بدموع أحد وخاصة النساء

- خلاص خلصتي الدراما اللي أنتِ فيها، بسبب كلمتين سمعتيهم من جلال

تجهمت ملامحها، واندلعت براكين الغضب داخلها، ولم تشعر بحالها إلا وهي تدفعه بكل قوتها

- أنت مريض، أنت إيه جبروت معندكش أي مشاعر

وببساطة كان يُجيبها، بعدما تحكم في قبضتيها

- ايوة مريض يا جنات، وزي ما قولتي أنتِ اللي اختارتي طريقك بنفسك

- هصلح غلطتي ونتطلق

احتدت عيناه، فلو كان راغب برحيلها , فهو من يطردها وليست هي من تقرر

- هعيش هنا ضيفه، لحد ما الايام تعدي..، ولولا كلام الناس كنت مشيت وسيبتلك بيتك اللي مفيهوش روح ولا حياة زيك

تركها، تُخرج كل ما تُريده.. ولم تكن عيناه إلا نحو شفتيها.. ،سيخرسها بطريقته، سيجعلها ترضخ تحت سطوته
قبلها بشراسة، واخذ يدفعها نحو الفراش.. حتى تهاوت فوقه بعدما قاومته بضراوة صارخة

وكلما كانت تصرخ وتدفعه عنها، كان عنفه يزداد.. ، شعر بملوحة دموعها التي تذرفها، فتوقف عن نيلها بتلك القسوة..، يهمس اسمها

- جنات

ولكن جنات التي كان يُخضعها بين ذراعيه قد أنتهت، وعادت "جنات" القديمة..، جنات الباردة، جنات التي لا تجعل قلبها يُسيطر عليها.. ،عاد يقبلها برفق.. ، يدمغها بجسده ككل ليلة، وعند فروغه منها.. وجد امرأة أخرى بين ذراعيه.. هادئة ،باردة تُطالعه في الصمت

- كسبت يا ابن النعماني، و دمرتني

تمتمتها بمراره، فنهض عنها وكأن عبارتها لسعته.. ،ينظر إليها وهي تُلملم ثوبها الممزق وتنهض من فوق الفراش تسير مترنحة, لتُغادر الغرفة تحت نظراته المصدومة
.............

اقترب من المطبخ، بعدما شعر بحركة ما داخله..، طالع الوقت، ف السيدة سعاد قد ذهبت لغرفتها , وقد ابلغته بعدما وضعت له فنجان قهوته الأخير.

دلف للمطبخ بخطوات حذرة، فعلقت عيناه بها.. وهي منحنية بعض الشئ تضع بيدها فوق بطنها..، وتنتظر غليان الماء الذي تضعه فوق الموقد...
تأوهت بألم وهي تغلق الموقد وتلتقط الركوة...، التقطت عيناه الكوب الموضوع جانباً، وقد وضعت به بعض الأعشاب كما يظهر إليه

- حاسبي أيدك

هتف عبارته، وهو يراها لا تتحكم في سكب الماء، و التقط منها الإناء.. ،وشرع في صب الماء متسائلاً

- أنتِ تعبانه

تخضبت وجنتاها خجلاً، فبماذا ستُجيب عليه.. ،صمتت دون جواب، فابتسم وقد تفهم الأمر وهو يُقلب لها مشروبها

- لو فضلتي تعبانه، خدي مسكن
- ده هو دور برد، وهشرب الأعشاب وهكون كويسه

أسرعت في إلقاء عبارتها، حتى تصرف عن ذهنه ما وصل إليه..، اتسعت ابتسامته وهو يري شدة ارتباكها

- ما أنا عارف إنه برد يا بسمه، اشربي الأعشاب وبعدين خدي مسكن، عشان البرد

ضغط بتأكيد علي عبارته الأخيرة, وهو يُطالع تورد وجنتاها، قطبت حاجبيها بألم.. ، واشاحت عيناها عنه.. واتجهت نحو طاولة المطبخ تحمل كوبها

- لازم تاخدي مسكن

سقطت دموعها من شدة آلامها، تخبره بصوت قد خذلها

- دورت، ومافيش مسكن في المطبخ
- إزاي، مش معقول.. ،ثواني وهطلع اجيبلك من أوضتي

اسرع في خطاه نحو غرفته، وعاد إليها.. فوجدها تتحامل علي حالها وتحتسي مشروبها الساخن لعله يُخفف عنها، انحني صوبها يعطيها حبة الدواء

- هتكوني كويسه متقلقيش

توقفت السيدة "سعاد" تلك المرة داخل المطبخ، تنظر إليهما وقد أنتبه إليها "جسار" ، ينظر لدورق الماء الفارغ الذي تحمله..، وكما يبدو له إنها نهضت بسبب العطش

- كويس إنك صحيتي يا دادة، خدي بالك منها

هتف بها قبل أن يغادر علي الفور، بعدما القى بنظرة سريعة نحو "بسمة" التي اخذت تطالع نظرات " السيدة سعاد" إليها

............

ظلت لساعات تنتظر قدومه حتى بدأت تفقد الأمل، عاد مشهد اليوم يسير أمامها، فسقطت دموعها وقد أدركت أن رحيلها قد أوشك..،ستعود "شهيرة" للمنزل رغم إنه لن يُعيدها لعصمته.. ،ولكن بالتأكيد خطوتها الأخرى ستكون العودة لعصمته، وستكون هي كما أخبروها مجرد نزوة.

انتفضت من فوق الفراش، بعدما ترددت تلك الكلمه داخل أذنيها..، فهي لن تكون نزوة ولن تظل ضعيفه ولن تتركه لغيرها...

أسرعت في ارتداء حذائها المنزلي، واسرعت في خطاها لأسفل.. تقصد مكانه المعتاد، ولم يكن إلا غرفة مكتبه

كان الظلام يعم الغرفة ، فبحثت عنه حولها ..، لتقع عيناها عليه وهو مسطح فوق الأريكة ويضع ذراعيه أسفل رأسه

اقتربت منه لتراه مغمض العينين، والأرهاق يحتل ملامحه، تألم قلبها من أجله وجثت فوق ركبتيها جوار الأريكة تمسح فوق خده تهتف اسمه بهمس

- سليم

فتح عيناه ببطئ، يرمقها متسائلاً عن سبب استيقاظها لهذا الوقت

- منمتيش ليه، اطلعي نامي.. أنا هفضل في المكتب

- مبقتش أعرف أنام غير وأنت جانبي

علقت عيناها به وهي تتمتم بعبارتها ، فطالعها غير مصدقاً.. ، فهي إلى الأن تخاف أن تحبه وتثق به..، تظن نفسها في حياته مجرد نزوة..، تراه ببشاعة وكأنه رجل خسيسً، ضعيف لشهواته..، حينا يشبع شبقه منها سيُلقي بها خارج حياته..

- شهيرة هتيجي تعيش معانا هنا

ظنها ستعترض، أو ستغضب ولكنها اجابتها بأخر شئ كان ينتظره منها

- هي هتيجي عشان خديجة، لكن متحلمش إنها هتاخد حاجة تانية

وبابتسامة لعوبة وعبث قد افتقدتهم منه، تسأل وهو يعتدل ويتفحص ما ترتديه أسفل مئزرها

- وإيه هي الحاجة ديه يا فتون

وهي لا تعرف المراوغة مثله، منحته الإجابه التي اطربت قلبه، وجعلته ينسى حنقه منها

- أنت
وبتملك تعجبه منها، لا يستوعب أنه يسمع تلك العبارة منها

- أنت ملكي أنا وبس يا سليم

ارتفعت أنفاسه المشتعلة بالرغبة، رغبة كان يقودها الحب..، ولم تشعر إلا وهي بين ذراعيه فوق الأريكة.. تطير فوق السحاب، تبادله الحب بنفس توقه
غفت فوق صدره، بعدما لثم رأسها بحنو يهمس لها

- أنا فعلا، ملكك أنتِ وبس يا فتون
..........

داعبت أشعة الشمس جفنيه وهو يُطالعها بسعادة وهي تغفو فوق صدره..، داعب خدها برفق، حتى بدأت تفتح عينيها بصعوبه، لا تُصدق إنها غفت جواره فوق الأريكة

- صباح الخير

بهمس يصحبه الخجل تمتمت

- صباح النور

وبمشاغبة ونشاط كان يصاحب جسده، داعبها بكلماته

- تعالي نطلع اوضتنا، قبل ما الخدم ينتشروا في البيت

طالعته بوداعة، وهي تومئ برأسها دون نطق شئ من شدة خجلها، ولكنه ضرب قراره في عرض الحائط..، وعاد ينالها مجدداً

ابتعد عنها بعدما أستمع صوت شهيرة، الذي أخذ يصدح بالمنزل.. تُخبر الخدم بأخذ حقائبها لإحدى غرف الجناح الأيمن، و تتسأل عنه.. تستعجب عدم نزوله من غرفته لهذا الوقت

- مش معقول يكون سليم لسا نايم، ده الساعه تسعة.. اكيد في اوضة المكتب

وقبل أن تخبرها الخادمة، بعدم استيقاظه بالفعل..، اتجهت شهيرة نحو غرفة مكتبه..، تُحرك مقبض الباب وتهتف باسمه

الجزء الثاني
************

وقفت جامدة في مكانها، وقد تعالت أصوات أنفاسها..، تتحكم جاهدة في ثباتها أمام أعين الخادمة التي وقفت أمامها مترقبة بعدما أندفعت لداخل غرفة المكتب، وخرجت منه علي الفور وكأن عقربً قد لدغها بالداخل

- ست شهيرة، أنتِ كويسه يا هانم

حدقت بها "شهيرة" وقد كان عقلها غائب في المشهد الذي رأته منذ لحظات في ثواني خاطفة..، سليم يلتقط قميصه بعجالة، يُعطيه لها حتى ترتديه فوق اللاشئ.. ،وهي تقف خلفه تتحامي بجسده..

اندلعت النيران داخل فؤادها وهي تقبض فوق كفيها..، حتى انغرزت أظافرها داخلهما ؛ ف المشهد لا يترك عقلها بل بدء عقلها يرسم لها اللحظات التي صارت بينهم بأتقان..
سليم والخادمة في غرفة المكتب..، هل وصل به الأمر أن يُعاشرها في مكتبه ..
اخذتها أفكارها لنقاط بعيدة ، تنظر حولها للمنزل..
تتخيل أين وصل بهم الحال...
هل لهذه الدرجة لا يتحمل رغبته بها؟.. ويتوق إليها بمجرد أن تتدلل عليه قليلاً.. وعند هذه النقطه كانت تُريد أن تصرخ عالياً

- روحي علي شغلك يا مجيدة

تجمدت جميع حواسها وهي تستمع لصوته بعدما غادر مكتبه أخيراً.. ،التفت بجسدها ببطئ لتري تلك التي لن تُشبهها إلا بالعاهرة الصغيرة

- فتون انجزي واطلعي من الأوضة، مش هنفضل كده وكأننا مش في بيتنا

هل يمزح ويضحك بفخر؟ كان أول شئ طرء في عقل "شهيرة" وهي تقف تحملق بهم..
وجدتها تخرج من الغرفة، ترتدي قميصه وتحمل ثيابها الأخرى..، فتعالت ضحكاته وهو يرمقها كيف وقفت تتلفت حولها.. ،حتى لا يراها أحداً من الخدم

- أنت السبب علي فكرة

وعندما وجدت نظرته المحذرة اللعوبه.. ركضت من أمامه تخشي أن يُنفذ وعيده ويعودوا للغرفة مجدداً.. ،فهو لا يعبأ بشئ وسيكون أكثر من سعيد.

تعالت ضحكته وهو يتحرك خلفها، فوقفت "شهيرة" مذهولة.. ، وقد انسحبت أنفاسها وهي لا تُصدق إنها تُشاهد "سليم" هكذا.. رجلاً مراهقاً ، ليس في الخامسة والثلاثون من عمره

- تقدري تطلعي لبنتك يا شهيرة، واتمنى فعلا تقربي منها وتعرفي تحتويها

حدقته بنظرات طويلة، قبل أن يلتف بجسده مجدداً ويُكمل خطواته نحو الأعلى، وكأنه أخيراً قد رآها

تجهمت ملامحها، وعادت لتوازنها بعدما فاقت من حالة ذهولها

- إحنا لازم نتكلم يا سليم، المهزله ديه مينفعش البنت تشوفها

توقف أعلى الدرج وهو يستمع لصوتها الذي تعالا

- صوتك يا شهيرة، متنسيش إنك في بيتي

التجم لسانها، لا تستوعب ما تسمعه منه، بل وأكمل خطواته دون أن يُعيرها أي التفافه أخرى، بحثت عن شئ حولها حتى تُخرج فيه حنقها ولكن لم تجد إلا الخادمة التي أتت إليها تُخبرها بأن أغراضها تم ترتيبهم.
.........

وضعت طعام الفطور بملامح بشوشة، رغم الإرهاق الظاهر فوق ملامحها.. ،ابتعدت عن الطاوله بعدما شعرت بخطواته قربها وقد تفاجأ بتحضيرها لطعام الفطور، وإسناد السيدة "سعاد" لبعض المهام لها

شرد في حديث السيدة سعاد معه ليلة أمس، عندما أتت مكتبه بفنجان قهوته

- محتاجة أتكلم معاك في كلمتين يا بني

طالعها "جسار" بعدما أغلق الملف الذي كان يُدقق فيه بتركيز، ارتبكت السيدة سعاد، فحدق بنظراتها المرتبكة

- أنت عارف قد إيه عندي ولاء ليك، ولعيلتك.. ،أنا اشتغلت سنين عند الست فاطمه الله يرحمها و والدك الله يرحمه ، وسيبت البلد وجيت اخدمك هنا

طالع حديثها عن حبها له ولعائلته وإخلاصها لهم، ولم تكن بحاجة لتخبره عن هذا..، فهو لا يعدها خادمة في منزله.. ،بل جزءً من عائلته

- دادة سعاد أتكلمي، أنتِ مش محتاجة تقولي كل الكلام ده لاني عارف ومتأكد من حبك لعيلتي

دمعت عينين السيدة سعاد، وهي تتذكر الراحلين
- الله يرحمهم يا بني

و ازالت دموعها، لا تعرف من أين تبدء حتى تُخبره عن قلقها نحوه، أم عن ما اخبرتها به صديقة بسمة، أم عن تلك النظرات التي تراها في عينين بسمة نحوه والصدف التي باتت تجمعهما وتثير الشكوك داخلها

استند بمرفقيه فوق سطح مكتبه، وانتظر سماعها..، تقوس حاجبيه في دهشة وهو يراها تتحدث عن "بسمة" ولم يكن الحديث منصفاً، بل بدأت تتغير نظرة" السيدة سعاد" نحوها، القت كل ما بجبعتها ، تنظر إليه وهي لا تعلم
هل مخاوفها في محلها، أم إنها تظلمها؟

- مبقتش عارفه يا بني، البنت فعلا طيبه وقليلة الحيله، ولا زيها وزي ناس كتير.. بيظهروا الغلب وهما قلوبهم سودا

واطرقت رأسها وهي تُذكره بطليقته "جيهان" التي كانت مثالا للنقاء والوفاء..، ليكتشف بعدها ما هي إلا ماكرة

- أنا عارفه إنها من طرف ست ملك، لكن الست ملك طيبه وعلي نيتها..، هي لو مكنتش طيبة كانت سابتك لواحده غيرها وانسحبت

تجمدت عيناه وهو يستمع لحديث ... لا يُريد التطرق إليه، ولكنه كان يعلم أن السيدة "سعاد" تتحدث بصفاء نية وعلي سجيتها
انتبهت السيدة سعاد علي حديثها، فتمتمت معتذرة

- اعذرني يا بني

- بسمة عملت إيه يخليكي تغيري نظرتك عنها، مش غريبه يا دادة

طالعته في صمت، تتذكر مشهدها معه في غرفته..، نهض عن مقعده واقترب من "السيدة سعاد" يسألها بسؤال أخر أكثر وضوحاً

- شوفتي إيه يا داده، لو في حاجة شوفتيها بعينك..قوليها

عادت السيدة سعاد، تطرق رأسها.. ،ف بماذا ستخبره
هل تخبره إنها تخشي عليه منها؟ ، وهو رجلا تتمناه الكثيرات
دار بعقلها الكثير، حتى انتبهت علي ما تفوه به

- بلاش تظلميها يا داده، البنت فعلا غلبانه

ارتبكت " السيدة سعاد"، وهي تخشي بالفعل ظلمها لها، فطالعته بقلة حيله

- أنت عارفني يا بني، مش بعاشر ناس كتير.. ،بتعامل مع الناس بفطرتي.. ،بس أنا خايفه عليك ليكون كلام صاحبتها صح وهي اللي غوت الراجل

- داده

تمتم بحده، عندما بدء الحديث يتطرق نحو الأعراض

- والله يا بني أنا مش عارفه بقول إيه

التفت بجسدها راحله، بعدما شعرت بالخزي.. ولكن توقفت مكانها تستمع إليه

- أنا هدور ورا البنت ديه وأعرف إذا كان كلامها صحيح ولا لاء

استرخت ملامح " السيدة سعاد"، وقد تأكدت إنها اوصلت إليه رسالتها، بألا يثق في النساء بسهولة ..، فبعد زوجته الراحله والسيدة ملك.. جميعهن خادعات..

غادرت السيدة سعاد، فاحتدت عيناه.. ،وهو يتذكر الحديث الذي اخبرته به للتو، فهل هي بالفعل من أغوت عنتر، أم كان هو خسيسً بالفعل..،
فما يعلمه عن عنتر إنه فاسق لكنه ليس مغتصبً ولا يجبر النساء علي معاشرته، فهو يجدهم بسهوله في الأماكن التي يرتاد عليها.

فاق من شروده وهو يستمع لتحيتها، وقد ارتسمت فوق ملامحها ابتسامة واسعه، و علي ما يبدو إنها بدأت تري لطفه معها بنظرة أخرى

- صباح الخير

لم يُجيب علي تحيتها، فشعرت بالتوتر وهي تطرق رأسها أرضاً بحرج ، تشعر بالندم لأنها تحدثت، ولكن لم تهتف بشئ إلا تحية الصباح، فعن أي جرم أجرمت.

جلس فوق مقعده، يلتقط بشوكته بعض قطع الخضار والجبن..، فهو يُحافظ علي وجبة فطوره بعناية
انسحبت في صمت وقد علقت الدموع بأهدابها ، ولكن وقفت مكانها بعدما أخيراً قرر محادثتها

- الإعلان الترويجي محقق نجاح هايل

التفت إليه، وهي تراه يمدّ لها بهاتفه، في دعوة منه أن تشاهد المقطع..
نظرت إليه وقد عاد بريق عيناها ، وضاعت جميع قراراتها في الرحيل

التقطت منه الهاتف، تُحدق بالأعلان الخاص بالحملة الدعائية صوت وصورة..، لكن مهلاً إنها لا تري صورتها واضحه

ملامحها كانت مشوشه حتى اسمها كان مجرد اسم وهمي..، ظهرت للجمهور بالفعل ولكن بهوية مخفية، ف الحملة تدعم إحترام المرأة وتقديرها ، بضعة عبارات تم اقتناءها بعناية، بدء بها الإعلان الترويجي ثم بعدها بدأت الحكاية وانتهت بدعم الشركة لنماذج أخرى، وقد وصلت الحكاية للناس لمصدقيتها

- جسار بيه، أنا مش عارفه أقولك إيه...

وانسابت دموعها فوق خديها لا تعرف كيف تشكره، هي لا تكره حياتها وفقرها، ولكنها لا تُريد أن ينظر إليها الناس بشفقة إذا تذكروها يوماً

ارتسمت فوق شفتيه ابتسامه صغيرة ، فارتفعت دقات قلبها وهي لا تُصدق إنه بات يُعاملها بهذا الرفق

- ديه رغبتك يا بسمة ولازم تُحترم، والموضوع مخسرش الحملة حاجة ، بل بالعكس الناس اتبسطت جداً من طريقة العرض

اتسعت ابتسامتها وهي تزيل عنها دموعها، تنظر إليه بسعادة وشكر

- مع بداية السنة الجديدة، هتبدأي دراسه في كلية التجارة..

عادت عيناها تلك المرة, تلمع بدموع سعادتها، لا تستوعب ما تسمعه وانتظرته طويلاً

- اما بالنسبة لموضوع الشغل، فعلي الاقل تكوني بدأت دراسة فعلية في جامعتك، وساعتها هقدر اساعدك تشتغلي في مكان محترم

وبتوتر احتلي ملامحها، تسألت.. ،بعدما ضاع حلمها أن تحصل علي وظيفه لديه بشركته

- طيب هشتغل فين؟

ببساطة كان يمنحها الجواب، بل يمنحها الحقيقة التي تناستها مع أحلامها

- تقدري تساعدي، دادة سعاد في شغل البيت يا بسمة..، واعتبريه وضع مؤقت..

عادت للمبطخ بعدما علمت بوظيفتها الجديدة، فطالعتها
" السيدة سعاد" بنظراتها الصامته ولكنها شعرت بالفضول، لتعرف لما طال وجودها هناك، وهي أمرتها بوضع الفطور ثم العودة لمساعدتها

- كل ده بترتبي الفطار علي السفرة
التقت عينين "بسمة" بملامح السيدة سعاد الواجمة، وقد ظنتها غاضبه منها لتأخرها عليها

- الحملة نجحت و جسار بيه قدملي ورقي في كلية التجارة

تعالت السعادة فوق ملامح السيدة سعاد، واقترب منها تضمها نحوها سعيدة بما تسمعه وقد تغلبت طيبتها علي ظنونها

- مبروك يا بنتي، حلمك أتحقق أخيرا

دمعت عيناها، ورغم السعادة التي تشعر بها إلا أن هناك شئ خفي كان يؤلمها

وقبل أن تسألها، عن حياتها الجديده وإلى أين ستذهب وستعمل..، دلف "جسار" المطبخ ينظر إليهما

- بسمة هتشتغل تحت إشرافك يا دادة، بشكل مؤقت

القي بقرارة، ورحل فعلقت عينين السيدة سعاد بها بوجوم وقد عادت الظنون تقتحم عقلها مجدداً.
......

اتجهت نحو باب المنزل تفتحه بملامح شاحبه، تنظر للواقفان أمامها بملامح حزينه.. ،ارتمت بين ذراعين" فتون" التي ضمتها إليها بدورها تشعر بالصدمه

- مالك يا جنات، فيكي إيه؟

تجهمت ملامح "أحمس" الذي وقف خلفهم، يشعر بالغضب.. فها هي النتيجة باتت واضحة

- قولتلك بلاش يا جنات، قولتلك الراجل ده هيدمرك..، لكنك عاندتي واصريتي إنك تتجوزيه.. ،قوليلي كسبتي إيه

تعالت شهقات "جنات" وهي تستمع لحديثه، الذي أخبرها به من قبل ولم تهتم به، بل عاندت واصرت أن تُكمل ما اختارته، فهي لا تخرج من معاركها إلا منتصرة

- كفاية يا أحمس، أنت مش شايفها عامله إزاي

هتفت بها "فتون"، وهي تشعر بالحزن عليها، ف لأول مرة تري "جنات" بهذا الضعف..، لطم "أحمس " كفيه وهو يتحرك خلفهما

- الراجل ده أنا مرتحتش ليه، من أول يوم شوفته فيه

رمقته "فتون" بنظرات قوية، حتي يصمت قليلاً، ولكنه كان حانق بشدة منها وعليها

- كان عندك حق يا أحمس

خرج صوتها أخيراً، وهي تطالعهما بعدما مسحت عنها دموعها

- قريب هرجع تاني لبيتي، ولحياتي وهرجع جنات القديمة

طالعاها بأعين متسعة، فهل بهذه السرعه أنتهت هذه الزيجة

- جنات، أنتوا هتنفصلوا
- أنتِ لسا بتسأليها، ما بتقولك هترجع لبيتها وحياتها من تاني

تجاهلته "فتون" تنظر إليها، تنتظر سماعها

- كاظم عمره ما هيحبني، أنا فرضت وجودي عليه

انتفض "أحمس"، من مقعده الذي جلس عليه للتو

- و نصيبك في الأرض اللي ضيعتي نفسك عشانها، و بقيتي شريكة فعلا في الاسهم اللي هيتبني عليها المنتجع...
واردف حانقاً، وهو يستمع لتصليح فتون له عن المشروع الذي سيتم فوق الأرض

- مصنع ولا مجمع سكني.. خلينا في المهم.. هتاخدي الفلوس ولا الاسهم اتكتبت باسمك

- اتنزلت عنهم ليه

وبمرارة كانت تخبرهم، عما فعله هو قبل أن تفعله هي..

- ابن..

لفظ "أحمس" قولاً بذيئاً، أجفلهم. ،و اندفع صوبها لا يصدق إنها سعت خلف سرابً

- قوليلي أنتي استفدتي إيه من الجوازة ديه، كنتي مجرد ست بتمتع الباشا

- كفاية يا أحمس، ما أحنا كنا متوقعين ده يحصل

اطبقت فوق جفنيها بقوة، تستمع للشجار الذي أصبح دائر بين "فتون" و "أحمس"، لم يكذب أحمس في شئ، فهي لم تكن إلا امرأة اشبع رغباته بها..

- إيه اللي بيحصل في بيتي؟

توقفوا عن شجارهم، وهم يستمعون لأخر صوت توقعوا سماعه، حتى هي شحبت ملامحها وهي تراه واقف بملامح جامده ينظر إليها، وأكثر ما اخافت منه أن يُهينها أمامهم أو يُقلل من وجودهم ويطردهم من بيته.

.............

حملت الصغير بعدما فحصته الطبيبة التي لم تكن إلا من زملاء "رسلان"، رسلان الذي اكتشفت أنها افتقدت غيابه بل واشتاقت إليه

خرجت من المصعد الخاص بالبناية الراقية التي بها عيادة الطبيبة، وقد أخذ الصغير يبكي بين ذراعيها..
وقفت قليلاً تُهدئه، وتحاول إخراج منديلاً له من حقيبتها حتي تمسح عنه سيلان أنفه

اقتربت منها إحداهن، وقد اوقفها المشهد وهي تري ربكتها في تهدئته والبحث داخل حقيبتها عن علبة المحارم..
استمعت لصوت المرأة وهي تُخبرها أن تحمله عنها حتى تجد ما تبحث عنه

- ممكن اساعدك واشيله عنك، لحد ما تلاقي اللي بتدوري عليه

التفت نحوها "ملك" ببطئ حتى تُشكرها علي مساعدتها اللطيفة، ولكن سرعان ما كانت تُدقق النظر بتلك الواقفه أمامها غير مصدقة إنها هي

- أمينة المحمدي

طالعتها الواقفه وهي تزيل عن عينيها نظارتها، تدقق النظر بها أيضا

- ملك

اتسعت ابتسامة ملك وهي تري التغير القوي الذي حدث لها،
" أمينة" كانت رفيقة لها منذ أيام الجامعه، وقد تزوجت بعد تخرجهم مباشرة، وسافرت إليه لأحدي دول الأوربية

التمعت عينين "أمينة" وهي ترى جمال الصغير الذي تحمله

- ابنك ده يا ملك

الجواب كان دوماً حاضر علي لسانها، وهي تُحرك رأسها بإيجاب

- ما شاء الله عليه، اتجوزتي ابن خالتك الوسيم.. بقى

هتفت "أمينة" مازحه، فكم كانت ملك فتاة حالمة، عاشقه لابن خالتها، لا تسمح لاحد بالاقتراب منها.. فلم تكن لا تري إلا غيره

- اتجوزنا، ومعانا عبدالله و عزالدين

اخبرتها بالحقيقة التي تراها، حتي لو لم يكونوا من رحمها فهي تعتبرهم طفليها، و أول فرحتها..

- لا، ده احنا محتاجين نقعد مع بعض.. ونرجع الذكريات

اشارت "أمينة" نحو المصعد حتى تصعد معاها، نحو شركتها الصغيرة التي أسستها

- تعالي اطلعي معايا المكتب فوق

تعلقت عينين "ملك" بصغيرها الذي بدء يغفو فوق كتفها، من شدة تعبه

- مرة تانيه بقى يا أمينه، الولد تعبان..

انتبهت "أمينة" علي حماقة، ما نطقت به، فمسحت فوق شعر الصغير

- يبقى علي الاقل ناخد أرقام بعض، وهتصل بيكي.. لازم يكون بينا لقاء تاني، ياملك

غادرت "ملك" البنايه، وهي لا تُصدق أن المرأة الواثقة ، شديدة الجمال والأناقة.. كانت "أمينة" التي كان أغلب الجميع يتضاحك علي هيئتها التي تظهرها بعمر أكبر.

اتجهت نحو السيارة، وهي سعيدة بهذا اللقاء..، و وضعت الصغير في مكانه المخصص، وصعدت سيارة "رسلان" التي أصبحت لها منذ أن سافر لمؤتمره الطبي.
.........

غادرت " كاميليا" الغرفة التي تقيم بها ابنتها، بعدما ضجرت من صمتها.. وكأنها تُعاقبها بحالتها ،
قابلتها عينين "ناهد" التي أنشغلت في فحص الصغير الأخر، خوفً عليه أن يمرض كما مرض توأمه

- الولد كويس يا ناهد، بلاش الخوف المرضى عليهم اللي بقيتي فيه..، ملك لو زهقت من اسلوبك ده..، هتسيب البيت وتمشي..

طالعتها "ناهد" وكأنها لم تسمع عبارتها، فهي لن تقضي لحظة واحده بعيداً عن الصغار.. حتى ترحل لابنتها التي اشتاقت إليها
، زفرت "كاميليا" أنفاسها في يأس وجلست فوق احد المقاعد..، تضع بوجهها بين راحتي كفيها

- أنا مش عارفه ليه وصلنا لكده

تمتمت بها "كاميليا"، فهتفت "ناهد" وكأنها في عالم أخر

- السحر، مها ماتت .. كنت عايزاه يحبها وميشوفش غيرها

تجمدت عينين "كاميليا" وهي تتذكر الجرم الذي شاركة فيه شقيقتها بمعرفتها للأمر دون ردعها، رغم إنها عارضتها في المرة الأولى، لكن رحيل رسلان عنهم وتركه لهم البلد،
جعلها تقتنع بتنفيذ الأمر، فهم يسعون لتقريب زوجين من بعضهم..
اخدت "كاميليا" تعيد شريط حياتها منذ ذلك اليوم، فلم تجد إلا التعاسة التي دخلت حياتها وحياة أولادها، حتي علاقتها ب "عزالدين" زوجها أصبحت باردة،
"مها" ماتت وتركت صغيريها، "ناهد" أصبحت كالعجوز الخرفاء لا تعي لشئ حولها، و رسلان عاد بصعوبة لحياتهم

- أنا إزاي طاوعتك ساعتها، إزاي مشيت وراكي
- هيرجعوا لبعض، ولاد مها مش هيلاقوا اللي يحبهم..
هيحصل فيهم زي ما أنا عملت.. ،هترميهم في الملجأ زي ما عملت فيها زمان..، مينفعش تخلف من رسلان

اخذت تهذي بحديث متقطع، كانت " كاميليا" تفهمه تماماً، ولكن ميادة التي استمعت لمحادثتهم لم يكن ما تسمعه إلا صدمة
فعن أي ملجأ وضعوا به " ملك" بالتأكيد عندما كانت صغيرة وانجبت خالتها مها

دلفت "ملك" المنزل، وهي تحمل الصغير.. ،تنظر نحوهم.. فحدقت بملامح حماتها الشاحبه، و لم تمهلها "ناهد" لحظة فاسرعت نحو الصغير تأخذه منها.. تفحص كل جزءً فيه،
ثم ابتعدت به
لم تتعجب " ملك" من الأمر..، ف ناهد كل يوم يزداد تعلقها بالصغار ولم تفسر ذلك إلا بسبب مرضها وصعوبة شفاءها منه، وكأنها بطريقتها هذه تشبع منهم قبل رحيلها

حاولت "كاميليا" تلاشي ما تشعر به، تزدرد لعابها متسائلة

- الولد كويس

اقتربت "ملك" من أحد المقاعد تهوى فوقه، تُخبرها بما أخبرتها به الطبيبه وطمئنتها علي صحته

طالعتهم "ميادة" من فتحت بابها الذي لم توصده كاميليا خلفها...
"ملك" التي اخدت تُجيب والدتها وتطمئنها علي حفيدها الغالي ابن الغاليه مها، لكن ملك ما هي إلا البديل وقد اعادوها لحياتهم حتى تربى الصغار، العائلة المثالية ظهرت صورتها الحقيقية، ويتسألون لما أصبحوا يحصدون من حزن، بعدما كانت الحياة تمتعهم بالسعادة..
..........

ضجرت " شهيرة" من إنتظار تلك التي لا تعرف كيف استطاعت إغواء رجلاً ك سليم النجار، هل وصل بها الزمن أن تنتظر علي طاولة العشاء.. الخادمة، من لا اصل لها

طالعته وهو يتحرك نحو الردهة، يسير بضيق ويضع هاتفه فوق أذنه ينتظر جوابها علي هاتفها

انتفخت اوداجها حنقاً، ولم تنتبه علي صوت صغيرتها وهي تُطالبها بسكب الطعام لها
هبطت الصغيرة من فوق مقعدها واسرعت نحوه، تجذبه من بنطاله لعله ينتبه إليها

- بابي، أنا جعانه

التف نحوها بلهفة ، وانحني صوبها.. يرفعها بذراعيه ويضمها إليه، وقد وقعت عيناه علي "شهيرة" متهكماً ، اتجهت إليهم وهي تعلم بما يدور داخله..، فهي لن تخسر فرصتها الأخيرة، وتتركه للخادمة، كما تركته من قبل، وها هي تعض يدها ندماً

- البنت مش راضيه تاكل من غيرك

حاولت أن تظهر له هدنتها، وتغيرها.. ،ولكنه لم يكن يوماً بالمغفل..

- أنتِ جعانه أوي يا حببتي
سأل صغيرته بلطف، وقد تجاهل حديث "شهيرة" التي امتقعت ملامحها..

اماءت له صغيرته، فلثم كفها الصغير معتذراً منها

- ما دام حبيبت بابي جعانه، لازم ناكل فوراً.. عشان العصفوره متزعلش

تعالت ضحكات الصغيرة من حديث والدها ودغدغته لها، فالتمعت عينين "شهيرة" بالسعادة، وهي تري الدلال الذي تنعم به صغيرتها من والدها..
شعرت بالندم لأنها جعلت طموحها يسرق منها لحظاتها السعيدة مع عائلتها..، والإصرار كان يزداد داخلها..، إنها ستسعي جاهدة لتعيده لها ولأبنتها وحدهم

اخذت ضحكاتهم تتعالا، خاصه بعدما بدأت الصغيرة تُخبرهم بمقتطفات يومها في الروضه

- البنت كبرت يا سليم وبقي في معجبين بيها

ابتسم "سليم"، رغم ضيقه..، مما تخبره به صغيرته من تقبيل أحد الصغار لها فوق خدها حتي يُصالحها عندما اسقطها أرضاً، رمق "شهيرة" ممتعضاً.. ،فاتخذت دور الصمت علي الفور

- ديدا أميرة بابي، مش هتخلي حد يلمسها تاني..، صح يا حببتي

اماءت له الصغيرة برأسها، تهتف إليه بوعد

- ديدا شاطرة وبتسمع الكلام يا بابي، ومش هتعمل كده تاني

طالعها بحب، وبابتسامة واسعه.. قد انتقلت لشهيرة التي كانت راضيه تماماً، عما يحدث.. فهي تحب حبه لصغيرتهما ..، حبه الذي يعد نقطه ضعفه.

لهثت "فتون" أنفاسها، بعدما فتحت لها الخادمه الباب، لقد تغافلت عن تغيير خاصية هاتفها من وضع الصامت، فلم تري مكالماته العديدة إلا عندما اقتربت من المنزل
- مساء الخير

هتفت عبارتها وهي تقترب منهم، فحدقتها "شهيرة" بملامح ممتعضه واتجهت بعينيها نحو طبقها، فلو علقت عيناها بها.. سيتصاعد غضبها ،و ربما تفعل شيئاً يضيع اول خطواتها نحو استقرارها في البيت مجدداً وعودتها زوجة ل سليم

رد تحيتها، بملامح واجمه.. يُخبرها بجمود أن تجلس وتتناول الطعام..
لم تكن جائعه، ولكنها جلست حتى لا تعطي الفرصه لشهيره لتشعر بالنصر

انتهى العشاء الذي أصبح الصمت يتخلله، فاسرعت بالصعود لأعلى، بعدما بدأت مناقشات "شهيرة" معه في عيد ميلاد أبنتهما الذي اقترب

- شهيرة، عيد ميلاد البنت فاضل عليه شهر، فلما يجي وقته نتكلم

شعرت بالضيق، وهي تراه يُحاول قدر استطاعته الفكاك منها و الصعود لغرفته

- عايزه أتكلم معاك واخد رأيك في حاجات خاصه بالشغل

- بكرة يا شهيرة

تمتم بها وهو يُغادر غرفة الضيافه، بعدما انحني صوب أبنته الغافية في أحضان والدتها، والتي تعد أول مرة يري فيها شهيرة تقوم بمهامها كأم

تجهمت ملامحها وهي تراه...يُسرع في خطواته، وكأنه لا يطيق صبراً بعدها عنه..

وجدها تُغادر المرحاض، بعدما انعشت جسدها بحماماٍ دافئ
والسؤال الذي صبر عليه، حتى ينفردوا بغرفتهما، قد حان وقته

- كنتِ فين؟

وقبل أن تُجيبه، جذبها من ذراعها يُخبرها، من أين أتت

- روحتي بيت كاظم النعماني

وبتعلثم تمتمت وهي تعلم بفداحة خطأها
- جنات اتصلت بيا و أنا.. في الجامعه وكانت منهارة
رمقها متهكماً، وقد توهجت عيناه بالغضب.. وهو يتذكر إتصال "كاظم" به، يسأله حانقاً عن أمر الشاب الذي رأه في بيته، وعلي ما يبدوا أن علاقة زوجاتهم به قوية للغاية

- وطبعا حضرتك، مبتروحيش مكان، غير والأستاذ معاكي
- أحمس

هتفت اسمه، وهي لا تعلم لما يكرهه سليم هكذا، هي وجنات يعتبرونه شقيقاً لهم، تربطهم علاقه أخوة قوية ببعضهم

- قولت مليون مره، متنطقيش اسمه قدامي

تعالا صراخه، فاقتربت "شهيرة" من غرفتهما بعدما أعطت صغيرتها للخادمة لتضعها فوق فراشها ، اتسعت ملامح شهيرة فرحاً، تتمنى صفعه لها

- أعرف مراتي، بتلف من هنا لهنا، وانا اخر من يعلم..، ما الهانم بتتعامل مع الحرية اللي سيبها تتمتع بيها في كل حاجة في حياتها، وفاكرة نفسها مش زوجة

اطرب الشجار والحديث فؤاد "شهيرة"، وسمعتها وهي تتوسله أن يعطيها فرصه للتحدث

- مش طايق اسمع اي كلمه منك..، فالاحسن اسيبلك الاوضه كلها

تجمدت عيناها وهي تراه، يتحرك نحو الباب، لتبتعد شهيرة بخطواتها، ولكنها توقفت مكانها وتلاشت سعادتها وهي تسمعها، تعتذر إليه بكل عبارات الندم

- أنا أسفة، مش هيتكرر ده تاني

واسرعت إليه تُعانقه، لا تضع امامه مجال للحديث..

- بتستغلي ،حبي ليكي

قبضة "شهيرة" فوق كفيها، وهي تستمع لعبارته، فهل بهذه السهوله استطاعت الخادمة تلينه نحوها

- اوعدك مش هتمتع بكل امتيازات الحرية

شاكسته بطريقه جعلته يضحك، فاحتدت عينين " شهيرة" وهي تستمع لنبرة صوته الضاحكة

تعالا الغضب فوق ملامح شهيرة وقد عادت مقتربة من الباب، تضع بأذنها فوقه.. تستمع لاصواتهم ثم همساتهم التي لم تكن غافلة عن معناها
لم تشعر بحالها إلا وهي تضع بيدها فوق مقبض الباب..، ونيران الغيرة تشتعل داخلها

يتبع بإذن الله (قراءة ممتعة)


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close