رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الثالث 3 بقلم سارة فتحي
جسده يتهدل بمرض لم ينال منه سوى الاثر،
مرض لم يمس جسده لكنه ترك اثره، اعلنت حكمها
وهجرته دون وادع او حتى دفاع أى محكمة هذه
مر ثلاثة أيام ولم يعلم عنها شئ منذ أن رحلت
مع طاهر، فى قلبه حزنًا مضفور بوجع وعذاب
نهض من مكانه يقف أمام المطبخ بنظرات خاوية
فهى كانت تضيف إليه من بهجة روحها، الآن مع غيابها
اصبح مهجورًا كروحه يشعر بقلبه
يأن بوجع لم يدركه من قبل يشعر بالوهن
يقتحم خلاياه لكنها يكابر فهى ستعود
قريبًا لكنه سيعاقبها أولًا، بل سيضمها اولًا
سحب المقعد وجلس عليه يطالع المطبخ امامه
ويبتسم وكأنه يراها سمع طرق الباب توجه يفتح
بأمل أن تكون هى لكن خابت اماله عندما طالع
وجه والدته تركها وتقدم للداخل لحقته هى
قائلة :
- أيه اللى انت عاملوا فى نفسك دا
أنت اتجنتت يا "كنان"
ما تنزل تشوف المستشفى بتاعتك.. انت هتقعد كده
أنا مش قادرة اصدق نفسى أنت أيه اللى جرالك
حاول السيطرة على اعصابه بداخله ثورة من المشاعر
خوف وغضب وغيرة حارقة وظنونًا وافكار تنهش فؤاده اجابها بحدة طفيفة :
- عايزنى اعمل أيه ؟!
واحدة مراته ميعرفش فين وقاعد فى البيت متكتف
عايزنى أعمل أيه ؟!
زفرت بقوة ثم قالت بغضب مكتوم :
- مراتك دا أيه أنت تجننت ديه حرامية
بعدين أنت جاوبت على نفسك أهو فى واحدة محترمة
كده تطفش وجوزها ميعرفش مكانها أنت مش مكسوف
وانت بتقول جوزها انت عارف الهانم بتعمل ايه دلوقتى وحططت اسمك فى الطين ..
دا مش تصرف بنت أصول .. بعدين الاستاذ خاطب
بيسان ولا نسيت ؟!
أغمض عيناه بألم يبتلع اهانتها التى ذبحته ببطء
اجابها بإنهاك قائلًا :
- لو سمحتى متنسيش أنها مراتى مش مسموح
لأى حد يشكك فيها أو فى اخلاقها دا اولًا
ثم ده اختيارى وانا مش عيل صغير لو سمحتِ
أنا مش خاطب بيسان أنت اللى روحتى واتفقتى
مع صاحبتك يعنى الموضوع كله كلام .. أما كيان
هى اللى مراتى وبلاش ندخل فى مشادات عشان
صحتك ..وعن إذنك انا نازل لضياء
أولها ظهره وانصرف دون أن يسمع ردها، بينما هى
وقفت تنظر فى اثره مصدومة تتوعد له بداخلها
*****
هناك أباء وأمهات تجردوا من المشاعر الأنسانية
ليس فقط من مشاعر الأبوة والأمومة، فقط يسعون
فى الحياة من أجل انفسهم وغرائزهم الشهونية
يجلس عاصم على مكتبه فى محل المصوغات الخاص به وأمامه الاريجلة ويقوم بتدقيق الحسابات
ولج "حسين" اخيه بملامح جامدة وجلس أمامه ثم القى التحية على عليه، بينما خلع "عاصم" نظاراته الطبية يضعها جانبًا قائلًا بإستنكار :
- دا أيه المفاجأة
أوما له " حسين" فى صمت ثم طالعه بأسى وحزن متسائلًا :
- هو أنت مسمعتش صريخ من كام يوم فى البيت
ياعاصم
رمقه فى حيرة شديدة وهو يبحث فى طيات عقله
عن سبب زيارة اخيه المفاجئ، وما السبب هذا السؤال
فهو يعلم جيدًا أنه لم يهتم بما يصير فى المنزل
فأجابة بمرواغة قائلًا :
- أه سمعت بس قولت مش من عندك يعنى
ممكن يكون من البيوت اللى جنبنا
ابتسم "حسين" بتهكم قائلًا :
- إلا بالحق أنت بتسأل على بنتك
نظر لها بحدقتان مترددتان لوهلة مستغربًا ثم حدثة ::
- طبعًا أكيد بسأل على ميرا على طول
أيه سؤال دا
توسعت عيناه بمزيد من التهكم ليهمس ساخرًا :
- لأ بنتك التانية ياعاصم
- وانت بتسأل السؤال دا ليه دلوقتى ؟!
قاطعه "حسين" فى غضب كى لا يكمل كذبه قائلًا :
- منك لله يا عاصم منك لله
انت ازاى تعمل كده ؟!
رميت لحمك ؟! ليه كده ؟! قولتلك هاتها وأنا اربيها
مع عيالى
أطلق "عاصم" زفرة متهكمة بصوت مصحوب بسخرية :
- من أمته الحنية ديه ياحسين
مش أنت زمان مشيت مقموص عشان الموضوع دا
ورجعت تانى عشان الورث ونسيت كل حاجة لما اخدت
حقك... مالك داخل عليا حامى أوى كده
قاطعه بصراخ مما جذب انتبه العاملين بالمحل :
- لا وستين لا .. أنا مشيت عشان ظلمكم كلكم
ومرجعتش غير لما شوفت شهادة الميلاد بعينيا
وطلبت اشوفها قولت امها رفضت
بعدين انت بتحاسبنى على أيه ديه بنتك انت
رمقه فى بتهكم قائلًا :
- اديك قولتها بنتى أنا .. تاعب نفسك ليه ؟!
كل محاولته لكظم غيظه بائت بالفشل فصرخ
به بانفعال وهو يضرب سطح المكتب :
- أنت أيه اللى بيجرى فى عروقك دا أيه ها
صوت الصريخ ده كان صوت بنتك بنتك اللى انت
رمتها دخلت فى انهيار عشان عملتك السود
بس ورب الكعبة يا عاصم أنا طول عمرى
باعد عنك وساكت على تصرفاتك بس المره ديه لأ
وكيان هتأخد حقها واللى هى تقولوا ويرضيها
صرخ "عاصم" هو الأخر بحدة :
- أنا اصلًا مش واثق انها بنتى
- ياريتها يا اخى ما كانت بنتك بس للأسف
بنتك كربون منك اللى يشوفها يقول أنت
انا ماشى وراجع نفسك قبل ما تندم
******
نهضت "بيلا" من على مقعدها لتتجه لتحضير قهوتها هى و"ضياء" لا تدرى إلى متى سيظل هكذا حزين
على غير عادته، قلبها يحثها على الركض إليه ومعانقته
لعلها تخفف من وجعه، تنهدت بيأس ثم سكبت القهوة التى نضجت فى الأكواب واستدارت
تجلس فى المقعد امامه، ترمقه بنظرات مطولة
ثم حدثته :
- ضياء أنت هتفضل كده حتى الافتتاح أجلته
دام الصمت الصمت للحظات ليتحدث بصوت غاب وسط تفكيره ثم اجابها بنبرة غلب عليها الأرهاق الشديد :
- يعنى ابن*** ده هيكون اختفى فين ومعاه كيان
انعقد حاجبيها فى هول ولاح الغضب على ملامحها
لتمتم :
- ضياء !!!
وبعدين حاسب على كلامك
ارتشف رشفة من كوب القهوة ثم زم شفتيه بحنك قائلًا :
- أنتِ مش شفتى حالة كنان
مش شفتى الزفت وهو بيقولوا جوزك باطل
أنت عارف أيه احساس رجل مراته ميعرفش
مكانها وهى مع راجل تانى
رمقته فى قلة حيلة وهى ترى تشنج ملامحه
تنهدت وملامح الحزن لاحت على وجهها قائلة :
- ايوه بس شوف الموضوع بنظرة تانيه طاهر
عرف انها بنت عمه والطريقة اللى عرف بيها جوزهم
مش لطيفه هو اكيد متخيل أنه بيحاول يحميها
كاد "ضياء" أن ينفجر من غضبه اللاذع وهو يسأله
بنبرة اتهام قائلًا :
- ولما أنتِ عرفتى أنها هى بنت عمه مقولتيلش ليه ؟!
اجابته ببساطة :
- هقولك ليه ؟!
أنا ماكنتش أعرف طبيعة علاقة كنان بكيان
وكمان طاهر حد محترم وكويس جدًا ولما تعرفوا اكتر هتحبوا وكمان عيلته ناس محترمين جدًا بس هو تعقيد المواقف
اشتعلت عيناه بنظرات نارية حدثة بنبرة شابهت اللظى
الذى يلتهم كل شئ امامه :
- حد كويس ومحترم وهحبه كمان لا والله
كل ده فى طاهر أنا اللى وحش ومش بفهم أنت
مش واخده بالك من كلامك أنت بتتغزلى فى راجل
تانى قدامى
كل كلمة يقولها اثرها قويًا عليها، قلبها يرقص فرحًا
هو يغار وبشدة حتى بعد أن علم اعاقته فهى دائما كانت تدرك أن بسبب اعاقته ستفقد الكثير واهمها الحب همست :
- أنا بتكلم على العموم مش قصدى حاجه عشان
كان زميل
ملامحه لم تتغير أنشًا واحدًا ثم صر اسنانه قائلًا :
- متفكرنيش بلزقته وفيكِ وطريقة ردك عليا
فى الأول .. وكفاية إنى مستحمل دلوقتى
ترنى عليه وتبعتى ليه مسدج على أمل أنه يرد
عليكِ كفاية ضغط على اعصابى كده
قضمت شفتاها متسائلة سؤال يرضى روح الأنثى بداخلها :
- ضياء أنت بتغير ؟!!
أغمض عيناه يسحب نفسًا عميقًا ليهدئ ثوراته الداخليه
قائلًا بصوت رخيم :
- مش هقولك أى رجل بغير بس أنا بحبك لدرجة مش
مستحمل أى حد يقرب منك
ابتسمت وهزت رأسها بخنوع واستسلام لذلك الحب
مستسلمة لتلك المشاعر .
ليس كل من قال أحبک قد قالها بقلبه فبعض الكلمات ينطقها اللسان كذبًا فاحذر، إنما الحب لمن أحبنا بعيوبنا وتقبلنا بنقصنا، لمن رأى جمال ما بداخلنا فى أسوأ حالاتنا، الحب لمن لا يتركك لتسقط، يمسك بيدك أو يهوى معك، الحب بلا سبب يا رفيق فإن كان بسبب فبمجرد زوال السبب سيزول
****
تجلس على الرمال أمام البحر تنظر إلى
الأمواج المتضاربة؛ متضاربة كحال قلبها
بداخلها أمواج من الغضب، الألم، الخوف والقهر
عقلها أيضا يدور فى حلقات متشابكة تنتهى عند
نقطة واحدة لماذا هى ؟!
أليس هناك أمل وحيد أن تحيا حياة هادئة؟!
ليس لها أى ملاذ فى هذه الحياة
تساقطت دموعها بحرقة وبداخله مزيج من مشاعر المتناقضه تريده الآن أن يضمها بين ذراعيه
ويربت على ظهره ليطمئنها، وهو أيضًا اخر شخص
تتمنى رؤيته، لا هى فقط تتمنى الموت والراحة
الابدية من كل ما تمر به
على نحيبها فهى اعتدت أن تعيش مجهولة الهوية
لا تعلم شئٍ عن أهلها، ولم تطلب بابسط حقوقها فى
الحياة كيف تقع فى العشق هكذا، انتفضت فجأة
على يد تربت على كتفها رفعت وجهها وهى تجفف
دموعها فطالعت هاجر، جلست بجوارها قائلة :
- حمدلله سلامه أخيرًا خرجتى من أوضتك
نظرت لها بمقلتين يصرخ منهم الألم ثم عودت
تنظر لأمواج البحر ثانيةٍ وهى تهمس بصوت مبحوح :
- الله يسلمك
رمقتها هاجر بقلة حيلة قائلة :
- أنا هاجر بنت عمتك .. ممكن تقوليلى يا جوجو
انا عرفت اللى حصل من خالى ممكن تعتبرينى
اختك أنا عارفه أنك مش هتتقبلينا بسهولة
عشان مواقف ماما بس نحاول أيه رأيك؟!
أنا متضايقة جدًا عشانك ونفسى اروح أمسك
رقبة خالى والله
ظلت صامته، ساكنه، شاحبة كالأموات تنظر أمامها
بشرود، تنهدت هاجر عازمة على كسر الحاجز بينهم
قائلة :
- تعرفى أن ربنا يعتبر خلص ليكِ حقك من ماما
أنا بنت وحيدة، ماما حاولت كتير تخلف تانى
معرفتش مع إن مفيش ما يمنع
ده غير انها كانت طول عمرها شديدة أنا عمرى
ما جربت حنان الأم ولا خدتنى فى حضنها وضمتنى
حتى بابا كان على طول مسافر بيحاول يبعد
و كام اسبوع اللى كان بيجى فيهم مش بيبطل
مشاكل مع ماما كان بيقرب منى بس كنت بحس
أنه يأس من الحياة ماكنش عندوا حيل يدى حنان
وأنا كنت عايشة فى أوضتى لوحدى على طول
ليل ونهار لما اتوفت خالى عرض على بابا ننقل
فى البيت عشان مبقاش لوحدى لو هو سافر
انا اصريت على بابا اصلى تعبت من الوحدة
ومرات خالى نجات مقصرتش معايا بس لسه
موجوعة بحاول اخبى وجعى فى الضحك والهزار
كما هى تنظر إلى البحر لكنها مدت يديها تربت
على ساقها ابتسمت هاجر والدموع تتلألأ بعيناها
كل هذا وطاهر يقف على بعد خطوات لا بأس به
يستمع كلام اغلق عيناه بأسى وبداخله ندم على
معاملته لها بقسوة تنهد وهو يهمس لنفسه قائلًا :
- ماشاء الله بنات العيلة طلعوا مرضى نفسيين
تقدم طاهر خطوات يجلس بجوارهم فى صمت
مسحت هاجر عبراتها سريعًا حتى لا يلاحظها
ولكنه استمع لكل شئ، فنهضت واقفة وهى
تقول :
- هعملكم قهوة
وهرولت هاجر للداخل فهى لا تحدثه منذ أن أتت معهم إلا فى اضيق الحدود كما لاحظت لهفته ونظرات العشق بعيناه لكيان فقررت الابتعاد، فقد كان أملها أنه لم يدق قلبه لأى انثى أما الآن فالوضع واضح كوضوح الشمس فى شهر اغسطس
بينما نهض طاهر يجلس امامها مباشرة يحجب عنها رؤية الأمواج وقلبه يعتصر من الألم عليها يود ضمها
ليس فقط لأنها بحاجته لكن ليهدأ قلبه الملتاع هو الأخر
فحدث عيونها قائلًا :
- بقيتى احسن
رمقته بعيون زابلة اثر البكاء، وهى تهز رأسها
بالثبات ما زالت تتدعى الثبات رغم كل ما مرت
به، ثم باغته بسؤال مفاجئ :
- من أمته ؟!
فهم مغزى سؤالها فتنهد قائلًا :
- من ساعة لما اعتذرتى يوم مضى العقد
لما روحت سألت بابا وقالى كل حاجه
أنا كنت عايز أجى من ساعتها وأقولك بس
بابا قال نستنى نتكلم مع عمى عشان نفهم
هو عارف بوجودك فى القاهرة ولا لأ
ابتسمت بتهكم وشيعته بنظرات معاتبة قائلة :
- ولا استنيتوا تشوفوا اخلاقى الأول
عشان كده باباك جه السخنه عشان يشوفنى
وانت كنت بتراقبنى
كالملدوغ هز رأسه مسرعًا برفض قائلًا :
- أبدًا بابا جه عشان كان نفسه يشوفك حاسس
بذنب من ناحيتك أنه صدق عمى وعمتى زمان
هو هيقعد ويحكى ليكِ كل حاجة ...
بس أنا والله ماكنتش برقبك أنا كنت جاى لواحد
صحبى هنا فى السخنه ولم شفتك مع كنان
متحملتش
أنتِ شايفه لينا شاليه هنا وليا
أصحاب والله انا كنت هقولك ساعتها بس كنتى منهاره حبيت امهد الموضوع الأول
رعشة سرت فى جسدها عند ذكر اسم كنان
كل حلقات تؤدى فى نهاية إلى كنان أول
رجل بحياتها، هل هى ما زالت بحياته أم
سمع كلام والدته وطلقها، نعم هذا هى ماتريده
فقط تريد الشقة، كاذبة تريده، تريد أن تبقى
بجواره إلى سرمد، قطع شرودها طاهر قائلًا :
- لما نروح وتقعدى مع بابا كل حاجة هتوضح
والدنيا هتبقى أحسن وكل حقك هيرجعلك
اجابته بنبرة خالية من الحياة لا تحسم النقاش :
- مش بسهولة .. مش بسهولة ديه اللى عشتوا
مش هيعدى كدا
كمان عايزه ارجع القاهرة
أوما لها قائلًا :
- تمام نرجع زمان بابا قلقان عليكِ
هزت رأسها بالنفى مسرعة قائلة :
- لأ الشقة بتاعتى وهرجع اقعد فيها ومش هقعد
عند حد
غلت دماؤها كفققيع المياه المغلية تريد أن ترجع
شقة ذلك الوغد هو من استغل حالتها وتزوجها، توقف عند هذه النقطة يود يسألها إلى مدى وصلا زواجهم هل
زواج على الورق فقط من أجل مصلحة أو أتم
زواجه منها هتف بغضب :
- شقة أيه اللى ترجعيها بتاعت كنان وأمه لأ طبعًا
لو على الشقق فى كتير لو مش عايزه ترجعى البيت
عندنا أنتِ لسه متعرفيش امكانيات عيلتك
هزت رأسها بنفى قائلة :
- شقتى مش شقة كنان .. الامكانيات ديه متخصنيش
ولا عايزه وهتفضل متحرمة عليا طول الحياة
انا تعبت من الشمس هدخل جوه
نهضت واولته ظهر منصرفه بدون أن تستمع لتعقيبه أما هو ظل مكانه وبداخله نيران عيناها تفضح عشقها
هز رأسه سريعًا قائلًا :
- لا هى بس مش طايقه ابوها ولا حاجة تخصه
هجبلك حقك لو أخر يوم فى عمرى
اخرج الهاتف من سرواله ليقوم بتشغيله فهو اغلق
جميع الهواتف منذ أن وصلا السخنة
****
- اهدى يا كنان أنت كده بتدمر نفسك
تلك الكلمات التى تفوه بها ضياء وهو جالس مع كنان فى المكتب
زمجر كنان واجابه بعواصف من الغضب :
- حط نفسك مكانى يا اخى.. أيه الكل بينصح بس محدش حاسس بالنار اللى جوايا.. الكل شايف أن الموضوع عادى
اغمض عيناه بأسى على حال صديقة متجاهلًا صراخه
به قائلًا :
- والله حاسس بيك، بس كده يا صاحبى
لا نوم ولا أكل ارحم نفسك حتى عشان نعرف نفكر
ابتسم كنان بسخرية قائلًا :
- مش بقولك محدش مكانى ومحدش حاسس
عايزنى أكل وانام كمان
كان التفاهم معه صعب للحد الذى قرر فيه الصمت
عن الحديث، مر ما يقارب ساعة وصدح رنين
هاتف ضياء باسم بيلا فأخذ هاتفه وتوجه خارج
المكتب ليجيب على هاتفه، مررت دقائق ثم
عاد للمكتب ثانية والغضب يتمالكه هو ايضًا حيث
اشتعل رأسه غيظًا فحدثه بريبة من رد فعله قائلًا :
- ديه كانت بيلا بتقول طاهر كلمها وقال انهم بخير
انتفض كالملدوغ وهو يسأله :
- كلمها ازاى التليفونات كلها مقفولة.. تليفون كيان
متفتحش كان جالى اشعار .. هما فين ؟!
رجعوا عند عمها ؟!
اقتصر حديثه قائلًا :
- كل ده سألته وهى قالت طمنها بس وقالها
على شغل وقفل على طول حاولت تانى غير
متاح
قهقة كنان بهستريا وهو يدور حول نفسه قائلًا :
- كتر خيروا بيطمنى على مراتى، وأنا قاعد هنا
هو اللى بيخلى باله منها
ركل المقعد بقدمه والتقط سلسال المفاتيح متوجهًا
للخارج بينما جز ضياء على اسنانه متوعدًا لبيلا قائلًا :
- ماشى يا بيلا هشوف يعنى أيه يرد عليكِ انتِ بس
اما اللزج دا فعلًا الضرب مش مأثر دا لازمه تحويل مسار عشان اعصابنا اللى بتحرق ديه
******
فى الشاليه
كانت كيان تجلس على الاريكة منكمشة فى صمت
بعد حديثها مع طاهر تقدمت منها هاجر بخطوات
سلحفية ثم قفزت مرة واحدة تجلس بجوارها
على الاريكة فانتفضت كيان برعب ثم همست
- خضتينى
لوت هاجر ثغرها ثم تلاعبت بحاجبيه قائلة :
- لأ بقولك أيه انتِ من ساعة ما جينا هنا وانتِ
حابسه نفسك وانا زيك وهيجيلى تواحد اكتر
ما أنا عندى يرضيكى
رمقتها بنظرات قلقة ثم هتفت مستفهمة :
- أيوه انتِ عايزه أيه مش فاهمه ؟!
انتِ بتعملى كده ليه بحواجبك ؟!
اجابتها هاجر متأففة :
- يعنى زهقت واتخنقت عايزين نعمل حاجه
مع بعض أن شالله نعمل أكل كفاية دليفرى
والأكل اللى بيجيبه طاهر كله اللى مش بحبه
رفعت كيان كتفاها بلامبالاة قائلة :
- المطبخ قدامك حد مسكك قومى اعملى اكل
انكمشت ملامح هاجر على مضض ثم ابتسمت بتوسع قائلة :
- فكك من الأكل شكلك مالكيش فى دخول المطبخ
ما تيجى نرقص
- نرقص !!!
أومات هاجر مؤكده على كلامها قائلة :
- أه نرقص ونفرفش كده ونفك
مالك ؟!
نظرت لها بعيون زابلة معارضة :
- لأ رقص أيه انا مبعرفش وماليش فيه
التو فم هاجر بتهكم ثم لوحت بذراعها وهى تهز غوايشها امامها قائلة :
- الواحدة مننا مالهاش غير دهبها وسطها ياحبيتى
صحصحى كده معايا دول رأس مالك
توسعت عين كيان بصدمة قائلة :
- يا نهار ابيض انتِ عايزينى اشتغل رقاصة
رمقتها هاجر بسخرية قائلة :
- هشش، رقاصة أيه ده اللى فهمتيه من كلامى
بعدين أيه ازاى متعرفيش ترقصى، بصى
اكتئبى اسهل فرهدتينى
كان طاهر واقفًا خلف الأريكة يصتنت بذهول
فهمس لنفسه مردفًا :
- يخربيتك يا هاجر دهبها و وسطها
قطم وسطك بالانحراف اللى بتعلميه للبت ده
******
جاءت نسائم الليل المعبأة بالأتربة والوجع والحزن
صف كنان سيارته أمام باب الفيلا التى يمكث بها
والده والدتها بعد الحاح من والده أنه يريد
رؤيته على الفور وما أن دخل وجدهم كنان
بانتظاره بالبهو ألقى التحية وتوجه ليجلس
موجهًا حديثه لوالده :
- خير يا بابا ؟!
اسرعت والدته تجيبه بتحدٍ :
- مش بابا اللى عايزك ده أنا طلقت البت ديه ولا
لأ ؟!
فرك وجهه بكفه بحنق قائلًا :
- تانى تانى
نهضت واقفة وهى تصرخ :
- تانى وتالت لحد ما تطلق البلوه ديه وتخلصنا
تدخل والده قائلًا بحكمة :
- اظنى يا نهلة كنان كبر بما فيه الكفاية ويعرف
يختار حياته وكفاية تدخل فى حياته
صرخت بهياج قائلة :
- طبعًا محدش ضيعه غير نزول مصر بتاعك اللى كنت
بتاخد معاك شايف النتيجة
انفجر بها كقنبلة يصرخ بوجهها :
- مسألتيش نفسك كنت بأصر اخده ليه عشان اهربوا
منك اخلق ليه مساحة من الحرية مش حابب يبقى نسخه منى
دا انتِ فى قاعدة شاى مع صاحبتك خطبتي بنتها
أيه يا نهلة هو انا عشان سكتلك
حدجته بعدم تصديق قائلة :
- وأيه كمان يا زهير شيل فى قلبك
طب اسمع بقى طالما أنا كده وابنك من حقه
يختار وأنا كمان حقى اختار
طلاق البت ديه يا طلاقى أنا وانت
وانتوا الاتنين ليكم حرية الاختيار ومش هتنزل عن قررى
****
مرض لم يمس جسده لكنه ترك اثره، اعلنت حكمها
وهجرته دون وادع او حتى دفاع أى محكمة هذه
مر ثلاثة أيام ولم يعلم عنها شئ منذ أن رحلت
مع طاهر، فى قلبه حزنًا مضفور بوجع وعذاب
نهض من مكانه يقف أمام المطبخ بنظرات خاوية
فهى كانت تضيف إليه من بهجة روحها، الآن مع غيابها
اصبح مهجورًا كروحه يشعر بقلبه
يأن بوجع لم يدركه من قبل يشعر بالوهن
يقتحم خلاياه لكنها يكابر فهى ستعود
قريبًا لكنه سيعاقبها أولًا، بل سيضمها اولًا
سحب المقعد وجلس عليه يطالع المطبخ امامه
ويبتسم وكأنه يراها سمع طرق الباب توجه يفتح
بأمل أن تكون هى لكن خابت اماله عندما طالع
وجه والدته تركها وتقدم للداخل لحقته هى
قائلة :
- أيه اللى انت عاملوا فى نفسك دا
أنت اتجنتت يا "كنان"
ما تنزل تشوف المستشفى بتاعتك.. انت هتقعد كده
أنا مش قادرة اصدق نفسى أنت أيه اللى جرالك
حاول السيطرة على اعصابه بداخله ثورة من المشاعر
خوف وغضب وغيرة حارقة وظنونًا وافكار تنهش فؤاده اجابها بحدة طفيفة :
- عايزنى اعمل أيه ؟!
واحدة مراته ميعرفش فين وقاعد فى البيت متكتف
عايزنى أعمل أيه ؟!
زفرت بقوة ثم قالت بغضب مكتوم :
- مراتك دا أيه أنت تجننت ديه حرامية
بعدين أنت جاوبت على نفسك أهو فى واحدة محترمة
كده تطفش وجوزها ميعرفش مكانها أنت مش مكسوف
وانت بتقول جوزها انت عارف الهانم بتعمل ايه دلوقتى وحططت اسمك فى الطين ..
دا مش تصرف بنت أصول .. بعدين الاستاذ خاطب
بيسان ولا نسيت ؟!
أغمض عيناه بألم يبتلع اهانتها التى ذبحته ببطء
اجابها بإنهاك قائلًا :
- لو سمحتى متنسيش أنها مراتى مش مسموح
لأى حد يشكك فيها أو فى اخلاقها دا اولًا
ثم ده اختيارى وانا مش عيل صغير لو سمحتِ
أنا مش خاطب بيسان أنت اللى روحتى واتفقتى
مع صاحبتك يعنى الموضوع كله كلام .. أما كيان
هى اللى مراتى وبلاش ندخل فى مشادات عشان
صحتك ..وعن إذنك انا نازل لضياء
أولها ظهره وانصرف دون أن يسمع ردها، بينما هى
وقفت تنظر فى اثره مصدومة تتوعد له بداخلها
*****
هناك أباء وأمهات تجردوا من المشاعر الأنسانية
ليس فقط من مشاعر الأبوة والأمومة، فقط يسعون
فى الحياة من أجل انفسهم وغرائزهم الشهونية
يجلس عاصم على مكتبه فى محل المصوغات الخاص به وأمامه الاريجلة ويقوم بتدقيق الحسابات
ولج "حسين" اخيه بملامح جامدة وجلس أمامه ثم القى التحية على عليه، بينما خلع "عاصم" نظاراته الطبية يضعها جانبًا قائلًا بإستنكار :
- دا أيه المفاجأة
أوما له " حسين" فى صمت ثم طالعه بأسى وحزن متسائلًا :
- هو أنت مسمعتش صريخ من كام يوم فى البيت
ياعاصم
رمقه فى حيرة شديدة وهو يبحث فى طيات عقله
عن سبب زيارة اخيه المفاجئ، وما السبب هذا السؤال
فهو يعلم جيدًا أنه لم يهتم بما يصير فى المنزل
فأجابة بمرواغة قائلًا :
- أه سمعت بس قولت مش من عندك يعنى
ممكن يكون من البيوت اللى جنبنا
ابتسم "حسين" بتهكم قائلًا :
- إلا بالحق أنت بتسأل على بنتك
نظر لها بحدقتان مترددتان لوهلة مستغربًا ثم حدثة ::
- طبعًا أكيد بسأل على ميرا على طول
أيه سؤال دا
توسعت عيناه بمزيد من التهكم ليهمس ساخرًا :
- لأ بنتك التانية ياعاصم
- وانت بتسأل السؤال دا ليه دلوقتى ؟!
قاطعه "حسين" فى غضب كى لا يكمل كذبه قائلًا :
- منك لله يا عاصم منك لله
انت ازاى تعمل كده ؟!
رميت لحمك ؟! ليه كده ؟! قولتلك هاتها وأنا اربيها
مع عيالى
أطلق "عاصم" زفرة متهكمة بصوت مصحوب بسخرية :
- من أمته الحنية ديه ياحسين
مش أنت زمان مشيت مقموص عشان الموضوع دا
ورجعت تانى عشان الورث ونسيت كل حاجة لما اخدت
حقك... مالك داخل عليا حامى أوى كده
قاطعه بصراخ مما جذب انتبه العاملين بالمحل :
- لا وستين لا .. أنا مشيت عشان ظلمكم كلكم
ومرجعتش غير لما شوفت شهادة الميلاد بعينيا
وطلبت اشوفها قولت امها رفضت
بعدين انت بتحاسبنى على أيه ديه بنتك انت
رمقه فى بتهكم قائلًا :
- اديك قولتها بنتى أنا .. تاعب نفسك ليه ؟!
كل محاولته لكظم غيظه بائت بالفشل فصرخ
به بانفعال وهو يضرب سطح المكتب :
- أنت أيه اللى بيجرى فى عروقك دا أيه ها
صوت الصريخ ده كان صوت بنتك بنتك اللى انت
رمتها دخلت فى انهيار عشان عملتك السود
بس ورب الكعبة يا عاصم أنا طول عمرى
باعد عنك وساكت على تصرفاتك بس المره ديه لأ
وكيان هتأخد حقها واللى هى تقولوا ويرضيها
صرخ "عاصم" هو الأخر بحدة :
- أنا اصلًا مش واثق انها بنتى
- ياريتها يا اخى ما كانت بنتك بس للأسف
بنتك كربون منك اللى يشوفها يقول أنت
انا ماشى وراجع نفسك قبل ما تندم
******
نهضت "بيلا" من على مقعدها لتتجه لتحضير قهوتها هى و"ضياء" لا تدرى إلى متى سيظل هكذا حزين
على غير عادته، قلبها يحثها على الركض إليه ومعانقته
لعلها تخفف من وجعه، تنهدت بيأس ثم سكبت القهوة التى نضجت فى الأكواب واستدارت
تجلس فى المقعد امامه، ترمقه بنظرات مطولة
ثم حدثته :
- ضياء أنت هتفضل كده حتى الافتتاح أجلته
دام الصمت الصمت للحظات ليتحدث بصوت غاب وسط تفكيره ثم اجابها بنبرة غلب عليها الأرهاق الشديد :
- يعنى ابن*** ده هيكون اختفى فين ومعاه كيان
انعقد حاجبيها فى هول ولاح الغضب على ملامحها
لتمتم :
- ضياء !!!
وبعدين حاسب على كلامك
ارتشف رشفة من كوب القهوة ثم زم شفتيه بحنك قائلًا :
- أنتِ مش شفتى حالة كنان
مش شفتى الزفت وهو بيقولوا جوزك باطل
أنت عارف أيه احساس رجل مراته ميعرفش
مكانها وهى مع راجل تانى
رمقته فى قلة حيلة وهى ترى تشنج ملامحه
تنهدت وملامح الحزن لاحت على وجهها قائلة :
- ايوه بس شوف الموضوع بنظرة تانيه طاهر
عرف انها بنت عمه والطريقة اللى عرف بيها جوزهم
مش لطيفه هو اكيد متخيل أنه بيحاول يحميها
كاد "ضياء" أن ينفجر من غضبه اللاذع وهو يسأله
بنبرة اتهام قائلًا :
- ولما أنتِ عرفتى أنها هى بنت عمه مقولتيلش ليه ؟!
اجابته ببساطة :
- هقولك ليه ؟!
أنا ماكنتش أعرف طبيعة علاقة كنان بكيان
وكمان طاهر حد محترم وكويس جدًا ولما تعرفوا اكتر هتحبوا وكمان عيلته ناس محترمين جدًا بس هو تعقيد المواقف
اشتعلت عيناه بنظرات نارية حدثة بنبرة شابهت اللظى
الذى يلتهم كل شئ امامه :
- حد كويس ومحترم وهحبه كمان لا والله
كل ده فى طاهر أنا اللى وحش ومش بفهم أنت
مش واخده بالك من كلامك أنت بتتغزلى فى راجل
تانى قدامى
كل كلمة يقولها اثرها قويًا عليها، قلبها يرقص فرحًا
هو يغار وبشدة حتى بعد أن علم اعاقته فهى دائما كانت تدرك أن بسبب اعاقته ستفقد الكثير واهمها الحب همست :
- أنا بتكلم على العموم مش قصدى حاجه عشان
كان زميل
ملامحه لم تتغير أنشًا واحدًا ثم صر اسنانه قائلًا :
- متفكرنيش بلزقته وفيكِ وطريقة ردك عليا
فى الأول .. وكفاية إنى مستحمل دلوقتى
ترنى عليه وتبعتى ليه مسدج على أمل أنه يرد
عليكِ كفاية ضغط على اعصابى كده
قضمت شفتاها متسائلة سؤال يرضى روح الأنثى بداخلها :
- ضياء أنت بتغير ؟!!
أغمض عيناه يسحب نفسًا عميقًا ليهدئ ثوراته الداخليه
قائلًا بصوت رخيم :
- مش هقولك أى رجل بغير بس أنا بحبك لدرجة مش
مستحمل أى حد يقرب منك
ابتسمت وهزت رأسها بخنوع واستسلام لذلك الحب
مستسلمة لتلك المشاعر .
ليس كل من قال أحبک قد قالها بقلبه فبعض الكلمات ينطقها اللسان كذبًا فاحذر، إنما الحب لمن أحبنا بعيوبنا وتقبلنا بنقصنا، لمن رأى جمال ما بداخلنا فى أسوأ حالاتنا، الحب لمن لا يتركك لتسقط، يمسك بيدك أو يهوى معك، الحب بلا سبب يا رفيق فإن كان بسبب فبمجرد زوال السبب سيزول
****
تجلس على الرمال أمام البحر تنظر إلى
الأمواج المتضاربة؛ متضاربة كحال قلبها
بداخلها أمواج من الغضب، الألم، الخوف والقهر
عقلها أيضا يدور فى حلقات متشابكة تنتهى عند
نقطة واحدة لماذا هى ؟!
أليس هناك أمل وحيد أن تحيا حياة هادئة؟!
ليس لها أى ملاذ فى هذه الحياة
تساقطت دموعها بحرقة وبداخله مزيج من مشاعر المتناقضه تريده الآن أن يضمها بين ذراعيه
ويربت على ظهره ليطمئنها، وهو أيضًا اخر شخص
تتمنى رؤيته، لا هى فقط تتمنى الموت والراحة
الابدية من كل ما تمر به
على نحيبها فهى اعتدت أن تعيش مجهولة الهوية
لا تعلم شئٍ عن أهلها، ولم تطلب بابسط حقوقها فى
الحياة كيف تقع فى العشق هكذا، انتفضت فجأة
على يد تربت على كتفها رفعت وجهها وهى تجفف
دموعها فطالعت هاجر، جلست بجوارها قائلة :
- حمدلله سلامه أخيرًا خرجتى من أوضتك
نظرت لها بمقلتين يصرخ منهم الألم ثم عودت
تنظر لأمواج البحر ثانيةٍ وهى تهمس بصوت مبحوح :
- الله يسلمك
رمقتها هاجر بقلة حيلة قائلة :
- أنا هاجر بنت عمتك .. ممكن تقوليلى يا جوجو
انا عرفت اللى حصل من خالى ممكن تعتبرينى
اختك أنا عارفه أنك مش هتتقبلينا بسهولة
عشان مواقف ماما بس نحاول أيه رأيك؟!
أنا متضايقة جدًا عشانك ونفسى اروح أمسك
رقبة خالى والله
ظلت صامته، ساكنه، شاحبة كالأموات تنظر أمامها
بشرود، تنهدت هاجر عازمة على كسر الحاجز بينهم
قائلة :
- تعرفى أن ربنا يعتبر خلص ليكِ حقك من ماما
أنا بنت وحيدة، ماما حاولت كتير تخلف تانى
معرفتش مع إن مفيش ما يمنع
ده غير انها كانت طول عمرها شديدة أنا عمرى
ما جربت حنان الأم ولا خدتنى فى حضنها وضمتنى
حتى بابا كان على طول مسافر بيحاول يبعد
و كام اسبوع اللى كان بيجى فيهم مش بيبطل
مشاكل مع ماما كان بيقرب منى بس كنت بحس
أنه يأس من الحياة ماكنش عندوا حيل يدى حنان
وأنا كنت عايشة فى أوضتى لوحدى على طول
ليل ونهار لما اتوفت خالى عرض على بابا ننقل
فى البيت عشان مبقاش لوحدى لو هو سافر
انا اصريت على بابا اصلى تعبت من الوحدة
ومرات خالى نجات مقصرتش معايا بس لسه
موجوعة بحاول اخبى وجعى فى الضحك والهزار
كما هى تنظر إلى البحر لكنها مدت يديها تربت
على ساقها ابتسمت هاجر والدموع تتلألأ بعيناها
كل هذا وطاهر يقف على بعد خطوات لا بأس به
يستمع كلام اغلق عيناه بأسى وبداخله ندم على
معاملته لها بقسوة تنهد وهو يهمس لنفسه قائلًا :
- ماشاء الله بنات العيلة طلعوا مرضى نفسيين
تقدم طاهر خطوات يجلس بجوارهم فى صمت
مسحت هاجر عبراتها سريعًا حتى لا يلاحظها
ولكنه استمع لكل شئ، فنهضت واقفة وهى
تقول :
- هعملكم قهوة
وهرولت هاجر للداخل فهى لا تحدثه منذ أن أتت معهم إلا فى اضيق الحدود كما لاحظت لهفته ونظرات العشق بعيناه لكيان فقررت الابتعاد، فقد كان أملها أنه لم يدق قلبه لأى انثى أما الآن فالوضع واضح كوضوح الشمس فى شهر اغسطس
بينما نهض طاهر يجلس امامها مباشرة يحجب عنها رؤية الأمواج وقلبه يعتصر من الألم عليها يود ضمها
ليس فقط لأنها بحاجته لكن ليهدأ قلبه الملتاع هو الأخر
فحدث عيونها قائلًا :
- بقيتى احسن
رمقته بعيون زابلة اثر البكاء، وهى تهز رأسها
بالثبات ما زالت تتدعى الثبات رغم كل ما مرت
به، ثم باغته بسؤال مفاجئ :
- من أمته ؟!
فهم مغزى سؤالها فتنهد قائلًا :
- من ساعة لما اعتذرتى يوم مضى العقد
لما روحت سألت بابا وقالى كل حاجه
أنا كنت عايز أجى من ساعتها وأقولك بس
بابا قال نستنى نتكلم مع عمى عشان نفهم
هو عارف بوجودك فى القاهرة ولا لأ
ابتسمت بتهكم وشيعته بنظرات معاتبة قائلة :
- ولا استنيتوا تشوفوا اخلاقى الأول
عشان كده باباك جه السخنه عشان يشوفنى
وانت كنت بتراقبنى
كالملدوغ هز رأسه مسرعًا برفض قائلًا :
- أبدًا بابا جه عشان كان نفسه يشوفك حاسس
بذنب من ناحيتك أنه صدق عمى وعمتى زمان
هو هيقعد ويحكى ليكِ كل حاجة ...
بس أنا والله ماكنتش برقبك أنا كنت جاى لواحد
صحبى هنا فى السخنه ولم شفتك مع كنان
متحملتش
أنتِ شايفه لينا شاليه هنا وليا
أصحاب والله انا كنت هقولك ساعتها بس كنتى منهاره حبيت امهد الموضوع الأول
رعشة سرت فى جسدها عند ذكر اسم كنان
كل حلقات تؤدى فى نهاية إلى كنان أول
رجل بحياتها، هل هى ما زالت بحياته أم
سمع كلام والدته وطلقها، نعم هذا هى ماتريده
فقط تريد الشقة، كاذبة تريده، تريد أن تبقى
بجواره إلى سرمد، قطع شرودها طاهر قائلًا :
- لما نروح وتقعدى مع بابا كل حاجة هتوضح
والدنيا هتبقى أحسن وكل حقك هيرجعلك
اجابته بنبرة خالية من الحياة لا تحسم النقاش :
- مش بسهولة .. مش بسهولة ديه اللى عشتوا
مش هيعدى كدا
كمان عايزه ارجع القاهرة
أوما لها قائلًا :
- تمام نرجع زمان بابا قلقان عليكِ
هزت رأسها بالنفى مسرعة قائلة :
- لأ الشقة بتاعتى وهرجع اقعد فيها ومش هقعد
عند حد
غلت دماؤها كفققيع المياه المغلية تريد أن ترجع
شقة ذلك الوغد هو من استغل حالتها وتزوجها، توقف عند هذه النقطة يود يسألها إلى مدى وصلا زواجهم هل
زواج على الورق فقط من أجل مصلحة أو أتم
زواجه منها هتف بغضب :
- شقة أيه اللى ترجعيها بتاعت كنان وأمه لأ طبعًا
لو على الشقق فى كتير لو مش عايزه ترجعى البيت
عندنا أنتِ لسه متعرفيش امكانيات عيلتك
هزت رأسها بنفى قائلة :
- شقتى مش شقة كنان .. الامكانيات ديه متخصنيش
ولا عايزه وهتفضل متحرمة عليا طول الحياة
انا تعبت من الشمس هدخل جوه
نهضت واولته ظهر منصرفه بدون أن تستمع لتعقيبه أما هو ظل مكانه وبداخله نيران عيناها تفضح عشقها
هز رأسه سريعًا قائلًا :
- لا هى بس مش طايقه ابوها ولا حاجة تخصه
هجبلك حقك لو أخر يوم فى عمرى
اخرج الهاتف من سرواله ليقوم بتشغيله فهو اغلق
جميع الهواتف منذ أن وصلا السخنة
****
- اهدى يا كنان أنت كده بتدمر نفسك
تلك الكلمات التى تفوه بها ضياء وهو جالس مع كنان فى المكتب
زمجر كنان واجابه بعواصف من الغضب :
- حط نفسك مكانى يا اخى.. أيه الكل بينصح بس محدش حاسس بالنار اللى جوايا.. الكل شايف أن الموضوع عادى
اغمض عيناه بأسى على حال صديقة متجاهلًا صراخه
به قائلًا :
- والله حاسس بيك، بس كده يا صاحبى
لا نوم ولا أكل ارحم نفسك حتى عشان نعرف نفكر
ابتسم كنان بسخرية قائلًا :
- مش بقولك محدش مكانى ومحدش حاسس
عايزنى أكل وانام كمان
كان التفاهم معه صعب للحد الذى قرر فيه الصمت
عن الحديث، مر ما يقارب ساعة وصدح رنين
هاتف ضياء باسم بيلا فأخذ هاتفه وتوجه خارج
المكتب ليجيب على هاتفه، مررت دقائق ثم
عاد للمكتب ثانية والغضب يتمالكه هو ايضًا حيث
اشتعل رأسه غيظًا فحدثه بريبة من رد فعله قائلًا :
- ديه كانت بيلا بتقول طاهر كلمها وقال انهم بخير
انتفض كالملدوغ وهو يسأله :
- كلمها ازاى التليفونات كلها مقفولة.. تليفون كيان
متفتحش كان جالى اشعار .. هما فين ؟!
رجعوا عند عمها ؟!
اقتصر حديثه قائلًا :
- كل ده سألته وهى قالت طمنها بس وقالها
على شغل وقفل على طول حاولت تانى غير
متاح
قهقة كنان بهستريا وهو يدور حول نفسه قائلًا :
- كتر خيروا بيطمنى على مراتى، وأنا قاعد هنا
هو اللى بيخلى باله منها
ركل المقعد بقدمه والتقط سلسال المفاتيح متوجهًا
للخارج بينما جز ضياء على اسنانه متوعدًا لبيلا قائلًا :
- ماشى يا بيلا هشوف يعنى أيه يرد عليكِ انتِ بس
اما اللزج دا فعلًا الضرب مش مأثر دا لازمه تحويل مسار عشان اعصابنا اللى بتحرق ديه
******
فى الشاليه
كانت كيان تجلس على الاريكة منكمشة فى صمت
بعد حديثها مع طاهر تقدمت منها هاجر بخطوات
سلحفية ثم قفزت مرة واحدة تجلس بجوارها
على الاريكة فانتفضت كيان برعب ثم همست
- خضتينى
لوت هاجر ثغرها ثم تلاعبت بحاجبيه قائلة :
- لأ بقولك أيه انتِ من ساعة ما جينا هنا وانتِ
حابسه نفسك وانا زيك وهيجيلى تواحد اكتر
ما أنا عندى يرضيكى
رمقتها بنظرات قلقة ثم هتفت مستفهمة :
- أيوه انتِ عايزه أيه مش فاهمه ؟!
انتِ بتعملى كده ليه بحواجبك ؟!
اجابتها هاجر متأففة :
- يعنى زهقت واتخنقت عايزين نعمل حاجه
مع بعض أن شالله نعمل أكل كفاية دليفرى
والأكل اللى بيجيبه طاهر كله اللى مش بحبه
رفعت كيان كتفاها بلامبالاة قائلة :
- المطبخ قدامك حد مسكك قومى اعملى اكل
انكمشت ملامح هاجر على مضض ثم ابتسمت بتوسع قائلة :
- فكك من الأكل شكلك مالكيش فى دخول المطبخ
ما تيجى نرقص
- نرقص !!!
أومات هاجر مؤكده على كلامها قائلة :
- أه نرقص ونفرفش كده ونفك
مالك ؟!
نظرت لها بعيون زابلة معارضة :
- لأ رقص أيه انا مبعرفش وماليش فيه
التو فم هاجر بتهكم ثم لوحت بذراعها وهى تهز غوايشها امامها قائلة :
- الواحدة مننا مالهاش غير دهبها وسطها ياحبيتى
صحصحى كده معايا دول رأس مالك
توسعت عين كيان بصدمة قائلة :
- يا نهار ابيض انتِ عايزينى اشتغل رقاصة
رمقتها هاجر بسخرية قائلة :
- هشش، رقاصة أيه ده اللى فهمتيه من كلامى
بعدين أيه ازاى متعرفيش ترقصى، بصى
اكتئبى اسهل فرهدتينى
كان طاهر واقفًا خلف الأريكة يصتنت بذهول
فهمس لنفسه مردفًا :
- يخربيتك يا هاجر دهبها و وسطها
قطم وسطك بالانحراف اللى بتعلميه للبت ده
******
جاءت نسائم الليل المعبأة بالأتربة والوجع والحزن
صف كنان سيارته أمام باب الفيلا التى يمكث بها
والده والدتها بعد الحاح من والده أنه يريد
رؤيته على الفور وما أن دخل وجدهم كنان
بانتظاره بالبهو ألقى التحية وتوجه ليجلس
موجهًا حديثه لوالده :
- خير يا بابا ؟!
اسرعت والدته تجيبه بتحدٍ :
- مش بابا اللى عايزك ده أنا طلقت البت ديه ولا
لأ ؟!
فرك وجهه بكفه بحنق قائلًا :
- تانى تانى
نهضت واقفة وهى تصرخ :
- تانى وتالت لحد ما تطلق البلوه ديه وتخلصنا
تدخل والده قائلًا بحكمة :
- اظنى يا نهلة كنان كبر بما فيه الكفاية ويعرف
يختار حياته وكفاية تدخل فى حياته
صرخت بهياج قائلة :
- طبعًا محدش ضيعه غير نزول مصر بتاعك اللى كنت
بتاخد معاك شايف النتيجة
انفجر بها كقنبلة يصرخ بوجهها :
- مسألتيش نفسك كنت بأصر اخده ليه عشان اهربوا
منك اخلق ليه مساحة من الحرية مش حابب يبقى نسخه منى
دا انتِ فى قاعدة شاى مع صاحبتك خطبتي بنتها
أيه يا نهلة هو انا عشان سكتلك
حدجته بعدم تصديق قائلة :
- وأيه كمان يا زهير شيل فى قلبك
طب اسمع بقى طالما أنا كده وابنك من حقه
يختار وأنا كمان حقى اختار
طلاق البت ديه يا طلاقى أنا وانت
وانتوا الاتنين ليكم حرية الاختيار ومش هتنزل عن قررى
****
