رواية انقضاض الاسود الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم ندي محمود
( انقضاض الاسود )
_ الفصل التاسع والثلاثون _
هبطت الدرج راكدة الى اسفل لترى من مَن يأتى ذلك الصراخ ، فتوقفت فجأة فى صدمة عندما وجدت عمتها ملقية على الارض وبتول جاثية على قدميها امامها وتصرخ باكية محاولة افاقتها ... هرولت نحوها وجثت الاخيرة امامها وهى تتمتم قائلة فى هلع :
_ فى ايه يابتول حصل ايه لعمتى !؟
اجابتها فى بكاء بنبرة متشنجة :
_ معرفش معرفش مرة وحدة وقعت اكده وبحاول افوقها مش عارفة
رؤية فى نبرة متعلثمة :
_ طيب وليث مش قاعد
هزت رأسها لها بالنفى فتابعت مسرعة فى لهفة :
_ طيب قومى البسى اى حاجة بسرعة وانا هلبس عباية وناخدها على المستشفى
انصاعت لها فوراً وصعدت الى غرفتها وارتدت عبائة لها سريعاً ووضعت حجابها على شعرها بعشوائية وكذلك رؤية ......................
من داخل المستشفى ..............
كان كل من رؤية وبتول جالسين على احد المقاعد منتظرين خروج الطبيب واعضائهم ترتجف من الخوف والفزع .. خرج الطبيب بعد لحظات قصيرة فوثبوا واقفين وهتفت بتول فى لهفة شديدة وخوف :
_ طمنى يادكتور امى كويسة
زم الطبيب شفتيه بحزن شديد وعبوس وهو يتمتم فى خفوت :
_ البقاء لله !! ... جاتلها غيبوبة سكر واتوفت فى الطريق للاسف ، ربنا يرحمها
ارتفعت صوت صرخة بتول المرتفعة فضمتها رؤية اليها مانعة اياها من الصراخ محاولة تهدئتها وعباراتها انهمرت على وجنتيها حارقة ، وجدت جسدها يتراخى بين يديها فنظرت لها وجدتها فقدت وعيها !! ..................
***
كانت جالسة امامها على الفراش وصوت بكائها مرتفع وتصدر شهقات متتالية فى حرقة امسكت الهاتف بيد مرتعشة واجرت اتصال بامصعب فأجابها قائلاً فى صوت هادئ :
_ الو يارؤية
اجابته فى صوت محاولة ثباته ونبرة متقطعة :
_ تعالى يامصعب على مستشفى ( ........ ) بسرعة
اصابه القلق عندما سمع نبرة صوتها تلك وتمتم فى خوف بسيط :
_ فى ايه يارؤية انتو كويسين فى البيت !!؟
لم تستطيع الثبات اكثر فهتفت باكية :
_ تعالى ولما تاجى هتعرف وجيب ليث معاك
انهى الاتصال معها فوراً وغادر الشركة مسرعاً بصحبة اخيه ................
دلفوا الى غرفة الكامنة بها بتول وبمجرد مارأى ليث زوجته على الفراش هكذا هرول نحوها وهتف فى هلع :
_ فى ايه يارؤية مالها بتول ؟!
استمرت فى البكاء الشديد بصمت فوجدت مصعب صاح بها منفعلاً من شدة قلقه :
_ ماتتكلمى حصل ايه
اجابتهم بنبرة متشنجة وصوت ضعيف :
_ عمتى جاتلها غيبوبة سكر وجبناها على المستشفى الدكتور قال انها اتوفت فى الطريق قبل ما نوصل بيها للمستشفى وبتول مستحملتش واغمى عليها
اصاب كل منهم حالة من الصدمة فصاح ليث فى انفعال بغضب :
_ ايه سكر عمتى معندهاش سكر اصلا جالها امتى
رؤية فى بكاء حار :
_ عندها جالها من حوالى شهر بس مردتش تقول ليك او لمصعب
كان هو متسمراً بمكانه وكأن دلو من المياه المثلج سكب عليه فها هو فقد امه للمرة الثانية من جديد يخسر احد احبائه وكأن تلك الحياة لا تريد ان تجعله سعيداً ابداً !!
افاقت بتول وفتحت عينها تدريجياً حتى ادركت كل شئ من حولها وتذكرت اخر ماسمعته قبل ان تفقد وعيها فصرخت قائلة :
_ امى ... امى
جلس بجانبها سريعاً محاولاً تهدئتها بصوت ضعيف وهو يتمتم :
_ اهدى يابتول اهدى ياحبيبتى
عانقته بشدة وهى تصرخ قائلة فى صوت مرتجف :
_ امى ياليث مقدرش اعيش من غيرها امى
زرفت مقلتيه بالعبارات ولكن شد على محابس دموعه وهو يربت على ظهرها ويتمتم فى صوت حانى و مبحوح :
_ هششششششش
شعر مصعب وان عبراته تعطيه الانذار له بالهبوط فغادر الغرفة مسرعاً حاولت رؤية اللحاق به لم تستطيع .....................
***
داخل المنزل ...........
وسط حشد من النساء المتراصين والملابس السوداء كانت بتول تجلس على احد المقاعد فى صمت تام وكأنها داخل عالم اخر لا تجيب على احد لا تشعر بأحد وكأنها فقدت جميع حواسها ، اما بالاعلى فكان صوت صراخ مودة مرتفعاً يهز اركان المنزل بأكمله وكل من رؤية وحياة يحاولون تهدئتها وسط بكائهم الشديد ... وجدوا من يفتح الباب على مصراعيه ويدلف منه بهيئته المرعبة وهو يهتف بنظرات جعلت الجميع يصمت فوراً وهو يصيح بهم :
_ اللى هسمع نفسها ولا صوت صريخها هتحصل عمتى فاهميييين يارب اسمع صوت صريخ تانى
اخذت مودة تبكى فى صوت مرتفع بحرقة شديدة .............................
***
فى مساء ذلك اليوم .................
دلف هو الى غرفته ونزع سترته السوداء عنه فى خنق شديد وجلس على الفراش واضعاً وجهه بين راحتى يديها وانهمرت عبراته غزيرة على وجنتيه فهى كانت بالنسبة له امه هى من قامت بتربيته نشب وكبر على يديها .... دلفت رؤية اليه عندما وجدته هكذا جلست بجانبه ولامست على شعره الغزير بحنو وسط دموعها التى تملاً وجهها ضمته الى صدرها وهى تمسح على شعره بنعومة فتشبت بها بشدة وكأنه وجد ملاذ له من ذلك العذاب الذى فيه !!
***
دلف ليث الغرفة الى زوجته وجلس بجانبها ووضع امامها صينية بها بعض انواع الاطعمة وتمتم فى حنو :
_ بتول انتى من الصبح مكالتيش حاجة كلى ياحبيبتى مينفعش تقعدى من غير اكل كده خطر عليكى
نظرت له بصمت واشاحت بوجهها عنه فى وجه جامد خالى من اى تعابير فتابع هو فى رجاء :
_ طيب كلى لقمتين حتى اسندى نفسك بيهم علشان خاطر ابننا حتى يلا ياحبيبتى اسمعى الكلام ابوس ايدك متتعبنيش معاكى
هتفت بصوت مبحوح يكاد لا يسمع :
_ مش عايزة !!
امسك بقطعة طعام بيده وادخلها الى فمها عنوة وهو يتمتم بحدة بسيطة :
_ مفيش حاجة اسمها مش عايزة هتاكلى يلا
رفضت فى البداية تناول اى شئ ولكن مع اصراره وحدته معها استسلمت له حدق بها بأعين حزينة ومنكسرة ................
***
لم تتوقف مودة عن البكاء للحظة ... كانت جالسة على فراشها وبين حين وحين تعتريها نفضة تنفضها نفضاً ، دلف مؤيد لها وجلس بجانبها على الفراش لامس على شعرها برقة وانحنى اليها وقبل شعرها وقلبه يتمزق من رؤيته لها بتلك الحالة تمتم فى خفوت حانى :
_ ادعيلها ياحبيبتى البكا والصريخ مش هيفيدها بحاجة الدعاء بس هو اللى هيفيدها ، هنزل اجبلك حاجة تاكليها انتى مكالتيش حاجة من الصبح
هتفت فى حدة شديدة ببكاء :
_ مش هاكل يامؤيد ولا هحط لقمة فى بوقى متتعبش نفسك
اصدر تنهيدة حارة فى حزن دفين وعبوس ...................
اما بمكان اخر عند حياة كانت ساكنة داخل احضان زوجها وصوت بكائها مرتفع بشدة اما هو فكان يحملق فى اللاشئ بشرود فى شجن دفين اخذت هى تتأؤه قائلة بألم شديد فى قلبها :
_ أااااه ياعمتى
لامس على شعرها بحنو وهو يتمتم فى صوت رجولى ضعيف :
_ هششش اهدى ياحياة ياحبيبتى ربنا يرحمها يارب بطلى عياط انتى بتعذبيها كده
اجابته فى صوت متقطع وحسد مرتجف :
_ مش قادرة يافهد انا متخليتش انها تسيبنا فجأة كده
فهد فى ألم دفين :
_ الموت كتب على كل انسان مسيرنا احنا كمان هياجى علينا يوم ، دايما رددى كده (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ))
تمتمت فى صوت مرتعش :
_ يا الله !
قبل رأسها قبلة مطولة فى رقة ثم اصدر زفيراً قوى فى خنق شديد .....................
***
استيقظ فى صباح اليوم التالى وجد نفسه جالساً على احد المقاعد فى غرفته ويبدو وكأن عينه غفلت فجأة من دون ان يشعر لساعات قليلة من شدة ارهاقه ، مسح على شعره نزولاً الى وجهه وهو يزفر بخنق شديد ، القى نظرة الى زوجته وجدها نائمة فى فراشهم بهدؤء ، هب واقفاً واتجه نحو المرحاض ... اخذ حماماً دافئ لعله يخفف من حرارة اشتعال النيران الموقدة فى صدره منذ ليلة امس ....... استيقظت هى على صوت رذاذ المياه بالمرحاض ففركت عينيها بأصابعها بأرهاق شديد ووجه شاحب .... انزلت قدمها من الفراش ووقفت عليها بصعوبة فقد شعرت بدوار شديد يروادها ، توقف فوراً ووضعت يدها على رأسها حتى يهدأ ذلك الدوار قليلاً فوجدته خرج من المرحاض وهو يلف المنشفة حول عنقه وعندما رائها هكذا تمتم بصوت باهت قائلاً :
_ مالك !؟
اجابته بصوت مجهد وهى تعتدل فى وقفتها محاولاً التغلب على ذلك الشعور :
_ مفيش حاجة انا تمام !!
دقق النظر بها بتفحص ثم اشاح بوجهه عنها وبدأ فى ارتداء قمصيه وبنطاله الاسود ، كان وجهه لونه يشبه تلك الملابس الذى يرتديها شفتاه بات لونها هكذا ايضا ، الدماء فرت من وجهه ، وكأنه اصبح جسد بلا روح !!
هم بالرحيل فوجدها تقبض على ذراعه وهى تتمتم قائلة متوسلة :
_ مصعب انت مكلتش حاجة من امبارح مش شايف شكلك بقى ازاى كل اى حاجة تسند نفسك بيها
لامس على وجنتها بحنو فى نظرات دافئة سابحة بهم الشجن والحزن وغادر من دون ان ينطق بحرف واحد .... تنهدت هى بيأس وانسابت عبراتها الحارقة على وجنتيها من جهة فقدان عمتها الذى تعد بمثابة الام للجميع ومن جهة اخرى زوجها فكلما تنظر الى وجهه وتراه هكذا قلبها يحترق من الالم اكثر ............
***
كان ليث يرتدى ملابسه ليستعد للذهاب الى مكان العزاء ، بينما هو يرتدى ملابسه صك سمعه صرخة بتول النائمة وهى تصيح قائلة :
_ امى ... امى !!!
هرول نحوها مهرولاً وجلس بجانبها استيقظت هى من نومها وانتابتها حالة من البكاء الشديد فضمها الى صدره واخذ يمسح على شعرها بنعومة وهو يرتل بعض أيات القرأن الكريم وجدها تهتف متشنجة من بين بكائها :
_ لييـــ ... ث ... لـــــ .. يث
شدد من ضمها اليه وتمتم بصوت حانى :
_ هششش اهدى انا جنبك ياحبيبتى انا جنبك اهو اهدى
غمغمت بصوت متقطع وقد اصبح حلقها جاف لدرجة انها لم تستطيع اخراج الكلمات منه :
_ مـــ ... اما وحشتنى اوى ياليث أااااه
دفن وجهه بين خصلات شعرها ، وقد عجز عن حجز دموعه اكثر من ذلك ففرت دمعات متتالية معبرة عن حرقة قلبه والمه على حالة زوجته ! ..............
ليث بصوت مبحوح لا يكاد يخرج :
_ اهدى ياحبيبتى اهدى ادعيلها بالرحمة
ازداد صوت بكائها بقوة ومعه يزداد اشتعال النيران بقلبه ............................
***
كان يقف كل من مودة وحياة وصفا بالمطبخ وكانت مودة تقوم يعمل شئ لبتول عندما شعرت بألم يروادها فى احشائها هتفت صفا بصوت رزين :
_ سبيها يامودة هعملها انا
تركت مابيدها وهى تكاد لا تشعر بنفسها ولا بقدمها التى تحملها فسقطت على الارض فاقدة الوعى تماماً .... هبطوا اليها سريعاً وسط شهقاتهم المرتفعة ، حاولوا افاقتها بعد لحظات طويلة افاقت واجبروها على تناول الطعام عنوة ثم صعدت الى غرفتها بأعلى لترتاح بها قليلاً بصحبة صفا .................
كانت تمر تلك الايام على الجميع كالكابوس الذى لا يريد ان ينتهى كل منهم فى حالة لا يرسى بهم ولكن لحسن الحظ ان لكل منهم نصفه الاخر الذى يهون عليه المه وحزنه ................
***
مر ثلاث ايام وانتهى العزاء ولكن لم يختلف حال اى منهم بهم وبالاخص مصعب الذى كان يتظاهر امام الجميع بالقوة والثبات كعادته وهو على حافة الهاوية ان عصفت به اى رياح اخرى سيسقط لا محال !! ...........
داخل مكتبه كان يجلس يطالع بعض اعماله فدلف اليه مؤيد وجلس على المقعد المقابل له فتمتم مصعب بصوت اجشَّ :
_ ايه اخبار الشغل كان فى غيابى يامؤيد
اجابه مؤيد بصوت رجولى قوى :
_ تمام انت هترجع الشغل من بكرة ؟
غمغم وهو يومئ برأسه :
_ بأذن الله ، انت عملت اللى قولتلك عليه كله كويس ؟
مؤيد بإيجاب بنبرة رسمية :
_ ايوة متقلقش
مصعب بنبرة خشنة :
_ تمام اوى .. عاملة ايه مودة ؟
اجابه بوجه عابس :
_ الحمدلله هديت شوية عن ايام العزا الاول مكنتش بتاكل اصلا دلوقتى بدأت تاكل شوية
تمتم مصعب بحزم :
_ اغصب عليها تاكل بالغصب يامؤيد فى حجات مينفعش تدادى فيها
اصدر تنهيدة قوية فى يأس وتمتم :
_ ان شاء الله
***
بعد مرور ساعات قليلة صعد الى غرفته وجدها جالسة على الفراش تضم قدميها الى ساقها بوضعية طفل صغير حزين !! ... رفعت نظرها له ورمقته بنظرات عتاب سابحة بها الدموع ، اصدر تنهيدة حارة ثم توجه نحوها وجلس بجوارها وهو يتمتم قائلاً :
_ مالك يارؤية !؟
اجابته بنبرة مختقنة :
_ مليش مدايقة عليك انت !! ... بتقعد اغلب الوقت بره البيت ولو قعدت فى البيت بتنزل تقعد فى مكتبك ولما بحاول اتكلم معاك بحسك انك مش طايقانى او مش عايز تتكلم معايا مش عارفة ........ من ساعة بتول وليث ماسافروا بقيت اقعد وحدى !
اقترب منها وقبل جبينها برقة وهو يتمتم بصوت هادئ :
_ انا اليومين دول يارؤية مليش نفس لاى حاجة غير موضوع عمتى الله يرحمها فى مشاكل فى الشغل غيرها كتير فاغصب عنى هتلاقينى كده معاكى الفترة دى
عانقته بشدة وهى تتمتم فى أعين دامعة :
_ انا مش عايزاك تقول عليا انى مش حاسة بيك او مش مقدرة الموقف بس انت كمان حس بيا وبخوفى عليك انتى بقيت مش بتاكل غير مرة فى اليوم وبتاكل لقمتين وتقوم مش عايزة اشوفك كده
ابعدها عنه برفق وهو يحيط بوجهها بين كفيه ويهتف بصوت رجولى :
_ متقلقيش انا متعود على كده .. المهم انتى اكلتى حاجة ؟!
هزت رأسها له بالنفى وهى تزم شفتيها للامام بحزن طفولى فتابع بصرامته المألوفة :
_ طاب قومى يلا كلى متقعديش كده
تمتمت فى تهجم واقتضاب :
_ هتاكل معايا بس !!
اجابها فى صلابة :
_ انا مش عايز اكل يارؤية ملكيش دعوة بيا كلى انتى
غمغمت باصرار حاسم :
_ لو مكلتش مش هاكل !!!!
حدقها بأعين قوية فى نفاذ صبر فعقدت هى ذراعيها امام صدرها لتؤكد له موقفهاً فهتف متنهداً :
_ طيب قومى يلا !
رؤية فى لهفة :
_ هتاكل معايا ؟
اجابها وهو يومئ برأسه :
_ ايوة قومى يلا
نهضت من الفراش فوراً وهبطت الى اسفل لكى تقوم بتحضير الطعام لهم بينما هو فهبط خلفها وجلس على احد المقاعد فى الصالة الخارجية الكبيرة للمنزل فأمسك بهاتفه واجرى اتصال بأخيه ................
ليث فى هدؤء :
_ الو يامصعب
اجابه قائلاً :
_ ايوة ياليث عامل ايه انت وبتول ؟
ليث فى نبرة واضح عليه الارهاق :
_ تمام الحمدلله وانتو ؟
مصعب بنبرة شاكرة :
_ الحمدلله كويسين ايه عملت زى ماقولتلك
ليث بإيجاب وصوت حزين :
_ ايوة اهو بحاول الهيها على قد ما اقدر وانسيها شوية ، اتحسنت شوية عن الاول الحمدلله
تمتم متسائلاً باهتمام :
_ هترجعوا امتى ؟
ليث فى نبرة رخيمة :
_ لسا ممكن نقعد الاسبوع ده كله
مصعب بنبرة اخوية جادة :
_ طيب ولو احتجت اى حاجة ابقى اتصل بيا
_ بأذن الله
انهى الاتصال معه واتجه الى رؤية فى المطبخ وجدها مازالت تقوم بتحضير الطعام ، جلس على طاولة الطعام الصغيرة التى تتوسط فى نصف المطبخ وهو يتابعها بنظراته وعينها تتحرك معها بتحركها وتنقلها من هنا وهنا بخفة كالفراشة ، حتى وهى ترتدى الاسود كان يراها بعينه ملكة جمال !! ...كان يتأملها بشرود تام وكأنها سحر اغشى على عينيه ولا يستطيع رؤية اى شئ سواها او يسمع اى صوت حتى كأنه فقد حواسه جميعاً !!! ... انتهت هى من تحضير الطعام بعد مرور دقائق قصيرة وتمتمت فى صوت رقيق :
_ هناكل هنا ولا بره ؟
لم يجيبها فقد كان منشغل بالتحديق بها بشرود واعين عاشقة ، تائهة ، مشتاقة !
رؤية فى نبرة مرتفعة قليلاً :
_ مصـــعب !!
انتبه لها اخيراً وتمتم فى خفوت :
_ هااا كنت بتقولى ايه مسمعتكيش
اجابته بصوت هادئ تماماً :
_ بقولك هناكل هنا ولا بره ؟
تمتم فى صوت اجشَّ :
_ لا هنا
بدأت فى وضع الاصحن على الطاولة ثم جلست قباله وبدأ كل منهم بتناول الطعام فى صمت مميت حتى تمتم هو من بين تناوله للطعام :
_ رؤية كنت بفكر فى موضوع كده
هتفت بصوت انثوى رقيق متسائلة :
_ موضوع ايه !؟
اصدر تنهيدة حارة ثم تمتم بصلابة :
_ ايه رأيك نطلع عمرة !!
سابت اصابع يدها ووقعت ( المعلقة ) منهم من صدمتها ثم تمتمت بعدم استيعاب بخفوت تام :
_ بتتكلم جد يامصعب !!!
اجابه بجدية تامة وهو يهتف بخشونة :
_ ايوة طبعا امال بهزر بكرة هشوف الموضوع واحدد المعاد واظبط كل حاجة
زرفت عيناها بالعبارات من شدة سعادتها فكم تمنت زيارة بيت الله الحرام وها هو قد حقق الله لها امنيتها ، هطلت عبراتها على وجنتيها غزيرة فنهض هو من مقعده واتجه نحوها وجلس امامها على المقعد المقابل لها وتمتم فى صوت خاشع وهو يمد يده ليجفف لها عبراتها :
_ رؤية انا مقولتلكيش كده علشان اشوفك بتبكى !!
أرتمت داخل احضانه وهى تلف ذراعيها حول عنقه وتهتف باكية :
_ اصل انت متعرفش انا كنت بتمناها ازاى من زمان اوى .. ربنا يخليك ليا يارب
شدد عليها وضمها اليه اكثر وهو يدفن وجهه فى عنقها ويتمتم بنبرة جديدة تماماً ! وكأنه مغيب عن الوعى :
_ ويخليكى ليا يارب !!!!!
أستمعت الى جملته تلك وتوقفت عن البكاء فوراً وهى تحاول التأكد مما سمعته للتو واستيعابه فأبتعدت عنه وهى تحدق به باستغراب ممزوج بالسعادة فوجدته يتابع بنفس نبرته محاولاً الهرب من نظراتها وكأنه ادرك ماقاله للتو :
_ كملى اكلك يلا ، انا هقوم اعمل مكالمة بره وراجع
اجابته بأعين مدققة :
_ وانت مش هتكمل اكلك
اجابها وهو يهز رأسه بالنفى بصوت شبه خافض :
_ لا انا شبعت كلى انتى !!
ثم استدار وغادر المطبخ ، ظلت هى تحدق فى اللاشى بشرود ثم نظرت الى الطعام امامها وتناولت القليل منه ثم نهضت وقامت بوضعه فى مكانه ( الثلاجة ) ، عندما شعرت وانها سوف تتقئ ان استمرت فى تناول الطعام !!!
***
كانت تقوم بتحضير الطعام وتشعر بألم شبه شديد بأحشائها انتابها الرعب خشية من ان يصيب طفلها شئ وتفقده مجدداً ، وجدت طارق ينضم اليها وعندما رأى قسمات وجهها تمتم فى استغراب متسائلاً :
_ مالك ياصفا !!؟
اجابته بصوت متألم :
_ فى الم جايينى ياطارق معرفش
امسك بيدها وهو يهم بجذبها معه وتمتم فى صوت رجولى هادئ :
_ طيب تعالى ياحبيبتى ارتاحى فى الاوضة شوية ، قولتلك الف مرة متوقفيش كتير ومتعمليش مجهود مبتسمعيش الكلام
سارت معه نحو الغرفة ثم تسطحت بجسدها على الفراش وتمتمت متذمرة :
_ لازم اوقف فى المطبخ ياطارق لازم اعمل الاكل واصبن المواعين
اجابها فى حدة بسيطة :
_ ياستى متعمليش أكل غير لمالك وليكى بس وانا هبقى اعمل لنفسى ، اسمعى انتى بس الكلام واستكنى كده
صفا فى ابتسامة خافتة :
_ هتعمل انت اكل لنفسك !
جلس بجانبها وتمتم فى ابتسامة مداعبة :
_ اهاا ده انا كانوا مسمينى الشيف طارق ياحبيبتى
اتسعت ابتسامتها اكثر وتمتمت بصوت رقيق :
_ اشك فى كده !!
طارق فى مشاكسة :
_ دوقيه الاول بعدين احكمى
ثم تابع بنبرة مهتمة :
_ ايه الاخبار بقيتى احسن
اجابته وهى تؤمى برأسها بصوت انثوى :
_ ايوة الحمدلله
لاحظ حزنها البادئ على محياها ووجهها الشاحب وشرودها غالباً فتمتم متسائلاً فى خفوت :
_ مالك ياصفا شكلك مش مريحنى !؟
اجابته بنبرة منكسرة :
_ انا يمكن مش زعلانة على عمتى قد مازعلانة على مصعب هو اكتر واحد حالته صعبة فينا انت لو شفته ياطارق هتتخض من منظره !!
مد يده ولامس على شعرها بحنو وهو يتمتم بنعومة :
_ شفته ، متقلقيش اظن ان مصعب متعود على الصدمات دى هياخدله يومين وهيرجع زى الاول
صفا نافية :
_ لا لا ياطارق عمتى مصعب بيعتبرها امه بظبط ومودة وبتول بيعتبرهم اخواته لانه يعتبر اتربى معاهم
قبل رأسها وغمغم بهدؤء :
_ ربنا يصبره ياحبيبتى
صفا بصوت منبعث من صميم قلبها :
_ امين يارب
***
فى المساء ................
كان يقف فى احد صالات الالعاب الرياضية وهو يمارس رياضيته كان يرتدى سروال قصير يصل الى ركبتيه ، عارى الصدر ، وبدأ بتوجيه الضربات المتتالية الى تلك وسادة الملاكمة بشراسة وكأنه يفرغ شحنة الغضب والحزن المكتظه بداخله بها ، مرت مايقارب نصف ساعة لم يشعر بهم بأى ارهاق بل كان يستمر فى ضربه وكأنه بدأ به للتو !! .. واخيراً توقف قليلا وهو يلهث انفاسه بسرعة وصدره يعلو ويهبط بشدة ، اغمض عينه محاولا تناسى ذلك الواقع الاليم مازال يجاهد فى الظهور امام الجميع بالقوة والثبات وانه لا يحتاج لاحد وهو اكثر من يحتاج الى المواسة ووجود الجميع بجانبه ، القى بجسده على الاريكة التى بجانبه والتقط كأس النبيذ الذى بجانبه وبدأ فى تناوله جرعة واحدة وكأنه غير واعى لما يفعله !! ولكن الشئ الوحيد الواعى له هو انه يريد ان ينسى ذلك الواقع !!!
بينما على الجانب الاخر كانت هى تجلس بمكتبه على اريكته وتنظر من نافذة المكتب الى الخارج منتظرة عودته .. مر مايقارب الساعة وهى مازالت جالسة هكذا امام النافذة حتى وجدت سيارته ترتص بحديقة المنزل ويترجل منها .. وثبت واقفة فوراً وغادرت المكتب وجدته يصعد الدرج متجهاً الى غرفته تبعته مسرعة ، دلفت خلفه فلاحظت هيئته الغير منتظمة وكأنه يتحرك بثقل غير قادر على الوقوف على قدميه ، ولاحظت ايضا عدم توازنه وهو يتمايل يميناً ويساراً ، ضيقت عينها وقطبت حاجبيها ثم تقدمت نحوه وتمتمت فى تعجب شديد :
_ مالك يامصعب !؟
القى بجسده على الاريكة وارجع رأسه للخلف وهو مغمض العينين ويتمتم بصوت يكاد لا يسمع :
_ هيكون مالى يعنى !!؟
توجهت نحوه وجلست بجانيه ثم اقتربت منه بشدة عندما أنتابها شعور بالشك ، قربت وجهها من وجهه او من فمه بالاخص !! .. ثم ابتعدت عنه عندما تأكدت من ظنونها وتمتمت شبه منفعلة وهى تلوى فمها :
_ انت شارب يامصعب مش كده !!!
فتح عينه وحدقها بنظرات جامدة للحظات عابرة بصمت ثم اغلقهم مجدداً بهدؤء .. أزداد غضبها اكثر من هدؤءه هذا فقبضت على ذراعه وجذبته خلفها ودلفت به إلى المرحاض ، قامت بفتح صنبور الماء على اَخره وهتفت بنبرة حادة شبه أمر ! :
_ حط راسك تحت الميا يمكن تفوق شوية وبعدين خدلك دش كده واغتسل من الخمر اللى شربته ده وانا هجبلك الهدوم وبعدين نبقى نتكلم !!
ثم استدارت وانصرفت بعد ان اغلقت الباب خلفها ، رفع نظره الى المرأة امامه متأملاً وجهه الذى اصبح شاحباً لونه يميل الى السواد !! شفتاه اصبحت ذابلتان وعينيه كذلك !! ، وضع رأسه تحت الماء للحظات طويلة ثم بدأ بأخذ حمامه البارد !!!
خرج بعد مرور دقائق عديدة وجدها تجلس على الفراش وهى تحدق به بنظرات ساخطة وشرسة ، القى هو بالمنشفة على الاريكة والقى بجسده على الفراش وهو عارى الصدر فهتفت هى مندفعة :
_ انت ازاى تشرب هاااا ، قولى ، مهما كان حزنك والمك ده ميدكش الحق انك تشرب ومتقولش انك عايز تنسى زى اى حد لما بيكون مخنوق بيلتجأ للشرب والفاحشة بحجة ان الدنيا داقت بيه او مخنوق ده مش مبرر ومش هيريحك بالعكس هيتعبك اكتر لان اى حاجة ربنا منعنا عنها بتكون بتضرنا مش بتفيدنا
حملق بها فى صمت لثوانى ثم اشاح بوجهه عنها وتمتم بهدؤء مشجع :
_ بس الخمر مفيد انتى متعرفيش كده ولا ايه
رؤية فى نظرات شرسة :
_ لا طبعا ربنا قال (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )) .. هو ليه منافع فعلا بس اثمه اكبر من منافعه والرسول صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها
كان يحدق فى اللاشى بصمت تام فصاحت به غاضبة :
_ ماتتكلم ساكت ليه ... استغفر ربك كده وتكون اخر مرة يامصعب فاهم !!!
اعاد كلمتها الاخيرة بنظرات شبه مخيفة :
_ فاهم !!!
هتفت مؤكدة بشجاعة شديدة دون ان تشعر بأى خوف :
_ ايوة لما تكون بتعمل حاجة تضرك يبقى لازم اعمل كده ان تعرف ان الخمر ده فيه نسبه كحول مثيلى وده من اقوى المواد العضوية اللى بتنزل على المعدة بتعمل التهاب فى الكلى والمعدة وبتدمر خلايا وبيجيب امراض ربنا يجيرنا منها
صاح بها بصوت جهورى :
_ عايزانى اعمل ايه يعنى .. مستنية ايه من واحد فقد امه للمرة التانية ، اتخمدى يارؤية ومتتكلميش معايا ولا كلمة بدل ماتشوفى مصعب اللى كنتى بتكرهيه ده تانى
اقتربت منه وعانقته بقوة وهى تتمتم قائلة بصوت انوثى رقيق وخافت :
_ عايزاك تقوم تصلى وتقرى شوية قراءن كده صدقنى هترتاح والله انت ليه مش عايز تفهم خوفى وقلقى عليك
اجابها بصوت رجولى قوى :
_ فاهم يارؤية وعارف متخافيش مش هموت يعنى متشغليش بالك بيا
ابتعدت عنه وتمتمت فى نبرة متحمسة :
_ طيب ايه رأيك نروح نقعد فى بيتنا القديم كام يوم يمكن نفسيتك تتعدل شوية اهو نغير جو
اجابها فى هدؤء :
_ ماشى
ابتسمت له ثم اقتربت منه وخطفت قبلة سريعة من وجنته وتمتمت مبتسمة :
_ انا محضرة العشا من بدرى زمانه برد يلا علشان ناكل
هم بأن يجيبها بالاعتراض فهتفت هى بحدة مزيفة :
_ ده مش اختيارى ده اجبارى بعدين انا كل ما اعمل اكل هقعد اتحنسك علشان تاكل زى العيال اخلص بقى !!
ارتسمت ابتسامة باهتة على ثغره وهب واقفاً وهو يضمها الى يصدره ويتمتم بحنو :
_ طيب يلا ياختى
***
كانت تقف امام خزانتها تقوم بترتيب ملابسها فشعرت بيد تطوق خصرها من الخلف وتحتضنها فتمتم هو فى صوت رخيم :
_ بتعملى ايه ياروحى
مودة بوجه خالى من اى تعابير :
_ برتب الهدوم
مؤيد فى نبرة شبه مداعبة :
_ مرتبتيش دولابى يعنى !!
التفتت بجسدها له وتمتمت بهدؤء :
_ رتبته اكيد
اقترب منها اكثر وتمتم بمكر وهو يغمز لها بعينه :
_ وملقتيش فيه حاجة كده ولا كده !!
ظهرت بشائر ابتسامة خفيفة على ثغرها وهى تخرج امامه عقد :
_ لقيت ده .. ده جايبة ليا صح ؟
مؤيد مشاكساً :
_ شطورة .. ايه رأيك فيه بقى ؟
ارتمت داخل احضانه وهى تتمتم شبه باسمة :
_ ربنا يخليك ليا يارب وميحرمينش منك
ابعدها عنه وقبل رأسها وباطن يدها وهو يتمتم :
_ ويخليكى ليا ياروحى ابتسامتك اللى بعشقها دى وحشتنى اوى
بدأت تتلاشى تدريجياً عندما تذكرت والدتها فالاحظ هو تحولها فأسرع قائلاً محاولا انسائها للامر والهاهها وهو يتمتم متشوقاً :
_ تعالى بقى البسهولك
ولته ظهرها فأزاح هو شعرها عن عنقها والبسها العقد ثم وضع قبلة حانية بجانب عنقها فابدلته هى ابتسامه باهتة !! ............
مؤيد فى خبث وهو يغمز لها بعينه :
_ ايه القمر ده بس ياناس
مودة متهكمة :
_ هتفضل طول عمرك بكاش وكداب !!
ازدادت ابتسامته اتساعاً ثم اشار الى وجهها بالمرأة وهو يتمتم بصدق :
_ طاب انا راضى زمتك ده شكل وحدة يقول عليكى واحد قمر ويبقى بيكدب !!!
ابتسمت ابتسامة بسيطة فقبل هو جبينها برقة فى نظرات دافئة ......................
***
فى صباح اليوم التالى ..............
كان يقف امام المرأة يهندم ملابسه ويستعد للذهاب الى العمل بينما هى فخرجت من المرحاض بعد ان غسلت وجهها كان شعور الدوار يروادها مجدداً ولكن كان اقوى من ذى قبل فقد بدأت ترى الصورة مشوشة امامها والاشياء من حولها تهتز بشدة وكأن هناك زلزال !!!! ... رمقها هو بنظرات دقيقة وتمتم بنبرة قلقة بسيطة :
_ مالك يارؤية انتى كويسة
لم يجد اجابة منها ولكن فجأة وجد جسدها يهوى على الارض ركد نحوها و ................
_ يتبع ..............
_ الفصل التاسع والثلاثون _
هبطت الدرج راكدة الى اسفل لترى من مَن يأتى ذلك الصراخ ، فتوقفت فجأة فى صدمة عندما وجدت عمتها ملقية على الارض وبتول جاثية على قدميها امامها وتصرخ باكية محاولة افاقتها ... هرولت نحوها وجثت الاخيرة امامها وهى تتمتم قائلة فى هلع :
_ فى ايه يابتول حصل ايه لعمتى !؟
اجابتها فى بكاء بنبرة متشنجة :
_ معرفش معرفش مرة وحدة وقعت اكده وبحاول افوقها مش عارفة
رؤية فى نبرة متعلثمة :
_ طيب وليث مش قاعد
هزت رأسها لها بالنفى فتابعت مسرعة فى لهفة :
_ طيب قومى البسى اى حاجة بسرعة وانا هلبس عباية وناخدها على المستشفى
انصاعت لها فوراً وصعدت الى غرفتها وارتدت عبائة لها سريعاً ووضعت حجابها على شعرها بعشوائية وكذلك رؤية ......................
من داخل المستشفى ..............
كان كل من رؤية وبتول جالسين على احد المقاعد منتظرين خروج الطبيب واعضائهم ترتجف من الخوف والفزع .. خرج الطبيب بعد لحظات قصيرة فوثبوا واقفين وهتفت بتول فى لهفة شديدة وخوف :
_ طمنى يادكتور امى كويسة
زم الطبيب شفتيه بحزن شديد وعبوس وهو يتمتم فى خفوت :
_ البقاء لله !! ... جاتلها غيبوبة سكر واتوفت فى الطريق للاسف ، ربنا يرحمها
ارتفعت صوت صرخة بتول المرتفعة فضمتها رؤية اليها مانعة اياها من الصراخ محاولة تهدئتها وعباراتها انهمرت على وجنتيها حارقة ، وجدت جسدها يتراخى بين يديها فنظرت لها وجدتها فقدت وعيها !! ..................
***
كانت جالسة امامها على الفراش وصوت بكائها مرتفع وتصدر شهقات متتالية فى حرقة امسكت الهاتف بيد مرتعشة واجرت اتصال بامصعب فأجابها قائلاً فى صوت هادئ :
_ الو يارؤية
اجابته فى صوت محاولة ثباته ونبرة متقطعة :
_ تعالى يامصعب على مستشفى ( ........ ) بسرعة
اصابه القلق عندما سمع نبرة صوتها تلك وتمتم فى خوف بسيط :
_ فى ايه يارؤية انتو كويسين فى البيت !!؟
لم تستطيع الثبات اكثر فهتفت باكية :
_ تعالى ولما تاجى هتعرف وجيب ليث معاك
انهى الاتصال معها فوراً وغادر الشركة مسرعاً بصحبة اخيه ................
دلفوا الى غرفة الكامنة بها بتول وبمجرد مارأى ليث زوجته على الفراش هكذا هرول نحوها وهتف فى هلع :
_ فى ايه يارؤية مالها بتول ؟!
استمرت فى البكاء الشديد بصمت فوجدت مصعب صاح بها منفعلاً من شدة قلقه :
_ ماتتكلمى حصل ايه
اجابتهم بنبرة متشنجة وصوت ضعيف :
_ عمتى جاتلها غيبوبة سكر وجبناها على المستشفى الدكتور قال انها اتوفت فى الطريق قبل ما نوصل بيها للمستشفى وبتول مستحملتش واغمى عليها
اصاب كل منهم حالة من الصدمة فصاح ليث فى انفعال بغضب :
_ ايه سكر عمتى معندهاش سكر اصلا جالها امتى
رؤية فى بكاء حار :
_ عندها جالها من حوالى شهر بس مردتش تقول ليك او لمصعب
كان هو متسمراً بمكانه وكأن دلو من المياه المثلج سكب عليه فها هو فقد امه للمرة الثانية من جديد يخسر احد احبائه وكأن تلك الحياة لا تريد ان تجعله سعيداً ابداً !!
افاقت بتول وفتحت عينها تدريجياً حتى ادركت كل شئ من حولها وتذكرت اخر ماسمعته قبل ان تفقد وعيها فصرخت قائلة :
_ امى ... امى
جلس بجانبها سريعاً محاولاً تهدئتها بصوت ضعيف وهو يتمتم :
_ اهدى يابتول اهدى ياحبيبتى
عانقته بشدة وهى تصرخ قائلة فى صوت مرتجف :
_ امى ياليث مقدرش اعيش من غيرها امى
زرفت مقلتيه بالعبارات ولكن شد على محابس دموعه وهو يربت على ظهرها ويتمتم فى صوت حانى و مبحوح :
_ هششششششش
شعر مصعب وان عبراته تعطيه الانذار له بالهبوط فغادر الغرفة مسرعاً حاولت رؤية اللحاق به لم تستطيع .....................
***
داخل المنزل ...........
وسط حشد من النساء المتراصين والملابس السوداء كانت بتول تجلس على احد المقاعد فى صمت تام وكأنها داخل عالم اخر لا تجيب على احد لا تشعر بأحد وكأنها فقدت جميع حواسها ، اما بالاعلى فكان صوت صراخ مودة مرتفعاً يهز اركان المنزل بأكمله وكل من رؤية وحياة يحاولون تهدئتها وسط بكائهم الشديد ... وجدوا من يفتح الباب على مصراعيه ويدلف منه بهيئته المرعبة وهو يهتف بنظرات جعلت الجميع يصمت فوراً وهو يصيح بهم :
_ اللى هسمع نفسها ولا صوت صريخها هتحصل عمتى فاهميييين يارب اسمع صوت صريخ تانى
اخذت مودة تبكى فى صوت مرتفع بحرقة شديدة .............................
***
فى مساء ذلك اليوم .................
دلف هو الى غرفته ونزع سترته السوداء عنه فى خنق شديد وجلس على الفراش واضعاً وجهه بين راحتى يديها وانهمرت عبراته غزيرة على وجنتيه فهى كانت بالنسبة له امه هى من قامت بتربيته نشب وكبر على يديها .... دلفت رؤية اليه عندما وجدته هكذا جلست بجانبه ولامست على شعره الغزير بحنو وسط دموعها التى تملاً وجهها ضمته الى صدرها وهى تمسح على شعره بنعومة فتشبت بها بشدة وكأنه وجد ملاذ له من ذلك العذاب الذى فيه !!
***
دلف ليث الغرفة الى زوجته وجلس بجانبها ووضع امامها صينية بها بعض انواع الاطعمة وتمتم فى حنو :
_ بتول انتى من الصبح مكالتيش حاجة كلى ياحبيبتى مينفعش تقعدى من غير اكل كده خطر عليكى
نظرت له بصمت واشاحت بوجهها عنه فى وجه جامد خالى من اى تعابير فتابع هو فى رجاء :
_ طيب كلى لقمتين حتى اسندى نفسك بيهم علشان خاطر ابننا حتى يلا ياحبيبتى اسمعى الكلام ابوس ايدك متتعبنيش معاكى
هتفت بصوت مبحوح يكاد لا يسمع :
_ مش عايزة !!
امسك بقطعة طعام بيده وادخلها الى فمها عنوة وهو يتمتم بحدة بسيطة :
_ مفيش حاجة اسمها مش عايزة هتاكلى يلا
رفضت فى البداية تناول اى شئ ولكن مع اصراره وحدته معها استسلمت له حدق بها بأعين حزينة ومنكسرة ................
***
لم تتوقف مودة عن البكاء للحظة ... كانت جالسة على فراشها وبين حين وحين تعتريها نفضة تنفضها نفضاً ، دلف مؤيد لها وجلس بجانبها على الفراش لامس على شعرها برقة وانحنى اليها وقبل شعرها وقلبه يتمزق من رؤيته لها بتلك الحالة تمتم فى خفوت حانى :
_ ادعيلها ياحبيبتى البكا والصريخ مش هيفيدها بحاجة الدعاء بس هو اللى هيفيدها ، هنزل اجبلك حاجة تاكليها انتى مكالتيش حاجة من الصبح
هتفت فى حدة شديدة ببكاء :
_ مش هاكل يامؤيد ولا هحط لقمة فى بوقى متتعبش نفسك
اصدر تنهيدة حارة فى حزن دفين وعبوس ...................
اما بمكان اخر عند حياة كانت ساكنة داخل احضان زوجها وصوت بكائها مرتفع بشدة اما هو فكان يحملق فى اللاشئ بشرود فى شجن دفين اخذت هى تتأؤه قائلة بألم شديد فى قلبها :
_ أااااه ياعمتى
لامس على شعرها بحنو وهو يتمتم فى صوت رجولى ضعيف :
_ هششش اهدى ياحياة ياحبيبتى ربنا يرحمها يارب بطلى عياط انتى بتعذبيها كده
اجابته فى صوت متقطع وحسد مرتجف :
_ مش قادرة يافهد انا متخليتش انها تسيبنا فجأة كده
فهد فى ألم دفين :
_ الموت كتب على كل انسان مسيرنا احنا كمان هياجى علينا يوم ، دايما رددى كده (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ))
تمتمت فى صوت مرتعش :
_ يا الله !
قبل رأسها قبلة مطولة فى رقة ثم اصدر زفيراً قوى فى خنق شديد .....................
***
استيقظ فى صباح اليوم التالى وجد نفسه جالساً على احد المقاعد فى غرفته ويبدو وكأن عينه غفلت فجأة من دون ان يشعر لساعات قليلة من شدة ارهاقه ، مسح على شعره نزولاً الى وجهه وهو يزفر بخنق شديد ، القى نظرة الى زوجته وجدها نائمة فى فراشهم بهدؤء ، هب واقفاً واتجه نحو المرحاض ... اخذ حماماً دافئ لعله يخفف من حرارة اشتعال النيران الموقدة فى صدره منذ ليلة امس ....... استيقظت هى على صوت رذاذ المياه بالمرحاض ففركت عينيها بأصابعها بأرهاق شديد ووجه شاحب .... انزلت قدمها من الفراش ووقفت عليها بصعوبة فقد شعرت بدوار شديد يروادها ، توقف فوراً ووضعت يدها على رأسها حتى يهدأ ذلك الدوار قليلاً فوجدته خرج من المرحاض وهو يلف المنشفة حول عنقه وعندما رائها هكذا تمتم بصوت باهت قائلاً :
_ مالك !؟
اجابته بصوت مجهد وهى تعتدل فى وقفتها محاولاً التغلب على ذلك الشعور :
_ مفيش حاجة انا تمام !!
دقق النظر بها بتفحص ثم اشاح بوجهه عنها وبدأ فى ارتداء قمصيه وبنطاله الاسود ، كان وجهه لونه يشبه تلك الملابس الذى يرتديها شفتاه بات لونها هكذا ايضا ، الدماء فرت من وجهه ، وكأنه اصبح جسد بلا روح !!
هم بالرحيل فوجدها تقبض على ذراعه وهى تتمتم قائلة متوسلة :
_ مصعب انت مكلتش حاجة من امبارح مش شايف شكلك بقى ازاى كل اى حاجة تسند نفسك بيها
لامس على وجنتها بحنو فى نظرات دافئة سابحة بهم الشجن والحزن وغادر من دون ان ينطق بحرف واحد .... تنهدت هى بيأس وانسابت عبراتها الحارقة على وجنتيها من جهة فقدان عمتها الذى تعد بمثابة الام للجميع ومن جهة اخرى زوجها فكلما تنظر الى وجهه وتراه هكذا قلبها يحترق من الالم اكثر ............
***
كان ليث يرتدى ملابسه ليستعد للذهاب الى مكان العزاء ، بينما هو يرتدى ملابسه صك سمعه صرخة بتول النائمة وهى تصيح قائلة :
_ امى ... امى !!!
هرول نحوها مهرولاً وجلس بجانبها استيقظت هى من نومها وانتابتها حالة من البكاء الشديد فضمها الى صدره واخذ يمسح على شعرها بنعومة وهو يرتل بعض أيات القرأن الكريم وجدها تهتف متشنجة من بين بكائها :
_ لييـــ ... ث ... لـــــ .. يث
شدد من ضمها اليه وتمتم بصوت حانى :
_ هششش اهدى انا جنبك ياحبيبتى انا جنبك اهو اهدى
غمغمت بصوت متقطع وقد اصبح حلقها جاف لدرجة انها لم تستطيع اخراج الكلمات منه :
_ مـــ ... اما وحشتنى اوى ياليث أااااه
دفن وجهه بين خصلات شعرها ، وقد عجز عن حجز دموعه اكثر من ذلك ففرت دمعات متتالية معبرة عن حرقة قلبه والمه على حالة زوجته ! ..............
ليث بصوت مبحوح لا يكاد يخرج :
_ اهدى ياحبيبتى اهدى ادعيلها بالرحمة
ازداد صوت بكائها بقوة ومعه يزداد اشتعال النيران بقلبه ............................
***
كان يقف كل من مودة وحياة وصفا بالمطبخ وكانت مودة تقوم يعمل شئ لبتول عندما شعرت بألم يروادها فى احشائها هتفت صفا بصوت رزين :
_ سبيها يامودة هعملها انا
تركت مابيدها وهى تكاد لا تشعر بنفسها ولا بقدمها التى تحملها فسقطت على الارض فاقدة الوعى تماماً .... هبطوا اليها سريعاً وسط شهقاتهم المرتفعة ، حاولوا افاقتها بعد لحظات طويلة افاقت واجبروها على تناول الطعام عنوة ثم صعدت الى غرفتها بأعلى لترتاح بها قليلاً بصحبة صفا .................
كانت تمر تلك الايام على الجميع كالكابوس الذى لا يريد ان ينتهى كل منهم فى حالة لا يرسى بهم ولكن لحسن الحظ ان لكل منهم نصفه الاخر الذى يهون عليه المه وحزنه ................
***
مر ثلاث ايام وانتهى العزاء ولكن لم يختلف حال اى منهم بهم وبالاخص مصعب الذى كان يتظاهر امام الجميع بالقوة والثبات كعادته وهو على حافة الهاوية ان عصفت به اى رياح اخرى سيسقط لا محال !! ...........
داخل مكتبه كان يجلس يطالع بعض اعماله فدلف اليه مؤيد وجلس على المقعد المقابل له فتمتم مصعب بصوت اجشَّ :
_ ايه اخبار الشغل كان فى غيابى يامؤيد
اجابه مؤيد بصوت رجولى قوى :
_ تمام انت هترجع الشغل من بكرة ؟
غمغم وهو يومئ برأسه :
_ بأذن الله ، انت عملت اللى قولتلك عليه كله كويس ؟
مؤيد بإيجاب بنبرة رسمية :
_ ايوة متقلقش
مصعب بنبرة خشنة :
_ تمام اوى .. عاملة ايه مودة ؟
اجابه بوجه عابس :
_ الحمدلله هديت شوية عن ايام العزا الاول مكنتش بتاكل اصلا دلوقتى بدأت تاكل شوية
تمتم مصعب بحزم :
_ اغصب عليها تاكل بالغصب يامؤيد فى حجات مينفعش تدادى فيها
اصدر تنهيدة قوية فى يأس وتمتم :
_ ان شاء الله
***
بعد مرور ساعات قليلة صعد الى غرفته وجدها جالسة على الفراش تضم قدميها الى ساقها بوضعية طفل صغير حزين !! ... رفعت نظرها له ورمقته بنظرات عتاب سابحة بها الدموع ، اصدر تنهيدة حارة ثم توجه نحوها وجلس بجوارها وهو يتمتم قائلاً :
_ مالك يارؤية !؟
اجابته بنبرة مختقنة :
_ مليش مدايقة عليك انت !! ... بتقعد اغلب الوقت بره البيت ولو قعدت فى البيت بتنزل تقعد فى مكتبك ولما بحاول اتكلم معاك بحسك انك مش طايقانى او مش عايز تتكلم معايا مش عارفة ........ من ساعة بتول وليث ماسافروا بقيت اقعد وحدى !
اقترب منها وقبل جبينها برقة وهو يتمتم بصوت هادئ :
_ انا اليومين دول يارؤية مليش نفس لاى حاجة غير موضوع عمتى الله يرحمها فى مشاكل فى الشغل غيرها كتير فاغصب عنى هتلاقينى كده معاكى الفترة دى
عانقته بشدة وهى تتمتم فى أعين دامعة :
_ انا مش عايزاك تقول عليا انى مش حاسة بيك او مش مقدرة الموقف بس انت كمان حس بيا وبخوفى عليك انتى بقيت مش بتاكل غير مرة فى اليوم وبتاكل لقمتين وتقوم مش عايزة اشوفك كده
ابعدها عنه برفق وهو يحيط بوجهها بين كفيه ويهتف بصوت رجولى :
_ متقلقيش انا متعود على كده .. المهم انتى اكلتى حاجة ؟!
هزت رأسها له بالنفى وهى تزم شفتيها للامام بحزن طفولى فتابع بصرامته المألوفة :
_ طاب قومى يلا كلى متقعديش كده
تمتمت فى تهجم واقتضاب :
_ هتاكل معايا بس !!
اجابها فى صلابة :
_ انا مش عايز اكل يارؤية ملكيش دعوة بيا كلى انتى
غمغمت باصرار حاسم :
_ لو مكلتش مش هاكل !!!!
حدقها بأعين قوية فى نفاذ صبر فعقدت هى ذراعيها امام صدرها لتؤكد له موقفهاً فهتف متنهداً :
_ طيب قومى يلا !
رؤية فى لهفة :
_ هتاكل معايا ؟
اجابها وهو يومئ برأسه :
_ ايوة قومى يلا
نهضت من الفراش فوراً وهبطت الى اسفل لكى تقوم بتحضير الطعام لهم بينما هو فهبط خلفها وجلس على احد المقاعد فى الصالة الخارجية الكبيرة للمنزل فأمسك بهاتفه واجرى اتصال بأخيه ................
ليث فى هدؤء :
_ الو يامصعب
اجابه قائلاً :
_ ايوة ياليث عامل ايه انت وبتول ؟
ليث فى نبرة واضح عليه الارهاق :
_ تمام الحمدلله وانتو ؟
مصعب بنبرة شاكرة :
_ الحمدلله كويسين ايه عملت زى ماقولتلك
ليث بإيجاب وصوت حزين :
_ ايوة اهو بحاول الهيها على قد ما اقدر وانسيها شوية ، اتحسنت شوية عن الاول الحمدلله
تمتم متسائلاً باهتمام :
_ هترجعوا امتى ؟
ليث فى نبرة رخيمة :
_ لسا ممكن نقعد الاسبوع ده كله
مصعب بنبرة اخوية جادة :
_ طيب ولو احتجت اى حاجة ابقى اتصل بيا
_ بأذن الله
انهى الاتصال معه واتجه الى رؤية فى المطبخ وجدها مازالت تقوم بتحضير الطعام ، جلس على طاولة الطعام الصغيرة التى تتوسط فى نصف المطبخ وهو يتابعها بنظراته وعينها تتحرك معها بتحركها وتنقلها من هنا وهنا بخفة كالفراشة ، حتى وهى ترتدى الاسود كان يراها بعينه ملكة جمال !! ...كان يتأملها بشرود تام وكأنها سحر اغشى على عينيه ولا يستطيع رؤية اى شئ سواها او يسمع اى صوت حتى كأنه فقد حواسه جميعاً !!! ... انتهت هى من تحضير الطعام بعد مرور دقائق قصيرة وتمتمت فى صوت رقيق :
_ هناكل هنا ولا بره ؟
لم يجيبها فقد كان منشغل بالتحديق بها بشرود واعين عاشقة ، تائهة ، مشتاقة !
رؤية فى نبرة مرتفعة قليلاً :
_ مصـــعب !!
انتبه لها اخيراً وتمتم فى خفوت :
_ هااا كنت بتقولى ايه مسمعتكيش
اجابته بصوت هادئ تماماً :
_ بقولك هناكل هنا ولا بره ؟
تمتم فى صوت اجشَّ :
_ لا هنا
بدأت فى وضع الاصحن على الطاولة ثم جلست قباله وبدأ كل منهم بتناول الطعام فى صمت مميت حتى تمتم هو من بين تناوله للطعام :
_ رؤية كنت بفكر فى موضوع كده
هتفت بصوت انثوى رقيق متسائلة :
_ موضوع ايه !؟
اصدر تنهيدة حارة ثم تمتم بصلابة :
_ ايه رأيك نطلع عمرة !!
سابت اصابع يدها ووقعت ( المعلقة ) منهم من صدمتها ثم تمتمت بعدم استيعاب بخفوت تام :
_ بتتكلم جد يامصعب !!!
اجابه بجدية تامة وهو يهتف بخشونة :
_ ايوة طبعا امال بهزر بكرة هشوف الموضوع واحدد المعاد واظبط كل حاجة
زرفت عيناها بالعبارات من شدة سعادتها فكم تمنت زيارة بيت الله الحرام وها هو قد حقق الله لها امنيتها ، هطلت عبراتها على وجنتيها غزيرة فنهض هو من مقعده واتجه نحوها وجلس امامها على المقعد المقابل لها وتمتم فى صوت خاشع وهو يمد يده ليجفف لها عبراتها :
_ رؤية انا مقولتلكيش كده علشان اشوفك بتبكى !!
أرتمت داخل احضانه وهى تلف ذراعيها حول عنقه وتهتف باكية :
_ اصل انت متعرفش انا كنت بتمناها ازاى من زمان اوى .. ربنا يخليك ليا يارب
شدد عليها وضمها اليه اكثر وهو يدفن وجهه فى عنقها ويتمتم بنبرة جديدة تماماً ! وكأنه مغيب عن الوعى :
_ ويخليكى ليا يارب !!!!!
أستمعت الى جملته تلك وتوقفت عن البكاء فوراً وهى تحاول التأكد مما سمعته للتو واستيعابه فأبتعدت عنه وهى تحدق به باستغراب ممزوج بالسعادة فوجدته يتابع بنفس نبرته محاولاً الهرب من نظراتها وكأنه ادرك ماقاله للتو :
_ كملى اكلك يلا ، انا هقوم اعمل مكالمة بره وراجع
اجابته بأعين مدققة :
_ وانت مش هتكمل اكلك
اجابها وهو يهز رأسه بالنفى بصوت شبه خافض :
_ لا انا شبعت كلى انتى !!
ثم استدار وغادر المطبخ ، ظلت هى تحدق فى اللاشى بشرود ثم نظرت الى الطعام امامها وتناولت القليل منه ثم نهضت وقامت بوضعه فى مكانه ( الثلاجة ) ، عندما شعرت وانها سوف تتقئ ان استمرت فى تناول الطعام !!!
***
كانت تقوم بتحضير الطعام وتشعر بألم شبه شديد بأحشائها انتابها الرعب خشية من ان يصيب طفلها شئ وتفقده مجدداً ، وجدت طارق ينضم اليها وعندما رأى قسمات وجهها تمتم فى استغراب متسائلاً :
_ مالك ياصفا !!؟
اجابته بصوت متألم :
_ فى الم جايينى ياطارق معرفش
امسك بيدها وهو يهم بجذبها معه وتمتم فى صوت رجولى هادئ :
_ طيب تعالى ياحبيبتى ارتاحى فى الاوضة شوية ، قولتلك الف مرة متوقفيش كتير ومتعمليش مجهود مبتسمعيش الكلام
سارت معه نحو الغرفة ثم تسطحت بجسدها على الفراش وتمتمت متذمرة :
_ لازم اوقف فى المطبخ ياطارق لازم اعمل الاكل واصبن المواعين
اجابها فى حدة بسيطة :
_ ياستى متعمليش أكل غير لمالك وليكى بس وانا هبقى اعمل لنفسى ، اسمعى انتى بس الكلام واستكنى كده
صفا فى ابتسامة خافتة :
_ هتعمل انت اكل لنفسك !
جلس بجانبها وتمتم فى ابتسامة مداعبة :
_ اهاا ده انا كانوا مسمينى الشيف طارق ياحبيبتى
اتسعت ابتسامتها اكثر وتمتمت بصوت رقيق :
_ اشك فى كده !!
طارق فى مشاكسة :
_ دوقيه الاول بعدين احكمى
ثم تابع بنبرة مهتمة :
_ ايه الاخبار بقيتى احسن
اجابته وهى تؤمى برأسها بصوت انثوى :
_ ايوة الحمدلله
لاحظ حزنها البادئ على محياها ووجهها الشاحب وشرودها غالباً فتمتم متسائلاً فى خفوت :
_ مالك ياصفا شكلك مش مريحنى !؟
اجابته بنبرة منكسرة :
_ انا يمكن مش زعلانة على عمتى قد مازعلانة على مصعب هو اكتر واحد حالته صعبة فينا انت لو شفته ياطارق هتتخض من منظره !!
مد يده ولامس على شعرها بحنو وهو يتمتم بنعومة :
_ شفته ، متقلقيش اظن ان مصعب متعود على الصدمات دى هياخدله يومين وهيرجع زى الاول
صفا نافية :
_ لا لا ياطارق عمتى مصعب بيعتبرها امه بظبط ومودة وبتول بيعتبرهم اخواته لانه يعتبر اتربى معاهم
قبل رأسها وغمغم بهدؤء :
_ ربنا يصبره ياحبيبتى
صفا بصوت منبعث من صميم قلبها :
_ امين يارب
***
فى المساء ................
كان يقف فى احد صالات الالعاب الرياضية وهو يمارس رياضيته كان يرتدى سروال قصير يصل الى ركبتيه ، عارى الصدر ، وبدأ بتوجيه الضربات المتتالية الى تلك وسادة الملاكمة بشراسة وكأنه يفرغ شحنة الغضب والحزن المكتظه بداخله بها ، مرت مايقارب نصف ساعة لم يشعر بهم بأى ارهاق بل كان يستمر فى ضربه وكأنه بدأ به للتو !! .. واخيراً توقف قليلا وهو يلهث انفاسه بسرعة وصدره يعلو ويهبط بشدة ، اغمض عينه محاولا تناسى ذلك الواقع الاليم مازال يجاهد فى الظهور امام الجميع بالقوة والثبات وانه لا يحتاج لاحد وهو اكثر من يحتاج الى المواسة ووجود الجميع بجانبه ، القى بجسده على الاريكة التى بجانبه والتقط كأس النبيذ الذى بجانبه وبدأ فى تناوله جرعة واحدة وكأنه غير واعى لما يفعله !! ولكن الشئ الوحيد الواعى له هو انه يريد ان ينسى ذلك الواقع !!!
بينما على الجانب الاخر كانت هى تجلس بمكتبه على اريكته وتنظر من نافذة المكتب الى الخارج منتظرة عودته .. مر مايقارب الساعة وهى مازالت جالسة هكذا امام النافذة حتى وجدت سيارته ترتص بحديقة المنزل ويترجل منها .. وثبت واقفة فوراً وغادرت المكتب وجدته يصعد الدرج متجهاً الى غرفته تبعته مسرعة ، دلفت خلفه فلاحظت هيئته الغير منتظمة وكأنه يتحرك بثقل غير قادر على الوقوف على قدميه ، ولاحظت ايضا عدم توازنه وهو يتمايل يميناً ويساراً ، ضيقت عينها وقطبت حاجبيها ثم تقدمت نحوه وتمتمت فى تعجب شديد :
_ مالك يامصعب !؟
القى بجسده على الاريكة وارجع رأسه للخلف وهو مغمض العينين ويتمتم بصوت يكاد لا يسمع :
_ هيكون مالى يعنى !!؟
توجهت نحوه وجلست بجانيه ثم اقتربت منه بشدة عندما أنتابها شعور بالشك ، قربت وجهها من وجهه او من فمه بالاخص !! .. ثم ابتعدت عنه عندما تأكدت من ظنونها وتمتمت شبه منفعلة وهى تلوى فمها :
_ انت شارب يامصعب مش كده !!!
فتح عينه وحدقها بنظرات جامدة للحظات عابرة بصمت ثم اغلقهم مجدداً بهدؤء .. أزداد غضبها اكثر من هدؤءه هذا فقبضت على ذراعه وجذبته خلفها ودلفت به إلى المرحاض ، قامت بفتح صنبور الماء على اَخره وهتفت بنبرة حادة شبه أمر ! :
_ حط راسك تحت الميا يمكن تفوق شوية وبعدين خدلك دش كده واغتسل من الخمر اللى شربته ده وانا هجبلك الهدوم وبعدين نبقى نتكلم !!
ثم استدارت وانصرفت بعد ان اغلقت الباب خلفها ، رفع نظره الى المرأة امامه متأملاً وجهه الذى اصبح شاحباً لونه يميل الى السواد !! شفتاه اصبحت ذابلتان وعينيه كذلك !! ، وضع رأسه تحت الماء للحظات طويلة ثم بدأ بأخذ حمامه البارد !!!
خرج بعد مرور دقائق عديدة وجدها تجلس على الفراش وهى تحدق به بنظرات ساخطة وشرسة ، القى هو بالمنشفة على الاريكة والقى بجسده على الفراش وهو عارى الصدر فهتفت هى مندفعة :
_ انت ازاى تشرب هاااا ، قولى ، مهما كان حزنك والمك ده ميدكش الحق انك تشرب ومتقولش انك عايز تنسى زى اى حد لما بيكون مخنوق بيلتجأ للشرب والفاحشة بحجة ان الدنيا داقت بيه او مخنوق ده مش مبرر ومش هيريحك بالعكس هيتعبك اكتر لان اى حاجة ربنا منعنا عنها بتكون بتضرنا مش بتفيدنا
حملق بها فى صمت لثوانى ثم اشاح بوجهه عنها وتمتم بهدؤء مشجع :
_ بس الخمر مفيد انتى متعرفيش كده ولا ايه
رؤية فى نظرات شرسة :
_ لا طبعا ربنا قال (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )) .. هو ليه منافع فعلا بس اثمه اكبر من منافعه والرسول صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها
كان يحدق فى اللاشى بصمت تام فصاحت به غاضبة :
_ ماتتكلم ساكت ليه ... استغفر ربك كده وتكون اخر مرة يامصعب فاهم !!!
اعاد كلمتها الاخيرة بنظرات شبه مخيفة :
_ فاهم !!!
هتفت مؤكدة بشجاعة شديدة دون ان تشعر بأى خوف :
_ ايوة لما تكون بتعمل حاجة تضرك يبقى لازم اعمل كده ان تعرف ان الخمر ده فيه نسبه كحول مثيلى وده من اقوى المواد العضوية اللى بتنزل على المعدة بتعمل التهاب فى الكلى والمعدة وبتدمر خلايا وبيجيب امراض ربنا يجيرنا منها
صاح بها بصوت جهورى :
_ عايزانى اعمل ايه يعنى .. مستنية ايه من واحد فقد امه للمرة التانية ، اتخمدى يارؤية ومتتكلميش معايا ولا كلمة بدل ماتشوفى مصعب اللى كنتى بتكرهيه ده تانى
اقتربت منه وعانقته بقوة وهى تتمتم قائلة بصوت انوثى رقيق وخافت :
_ عايزاك تقوم تصلى وتقرى شوية قراءن كده صدقنى هترتاح والله انت ليه مش عايز تفهم خوفى وقلقى عليك
اجابها بصوت رجولى قوى :
_ فاهم يارؤية وعارف متخافيش مش هموت يعنى متشغليش بالك بيا
ابتعدت عنه وتمتمت فى نبرة متحمسة :
_ طيب ايه رأيك نروح نقعد فى بيتنا القديم كام يوم يمكن نفسيتك تتعدل شوية اهو نغير جو
اجابها فى هدؤء :
_ ماشى
ابتسمت له ثم اقتربت منه وخطفت قبلة سريعة من وجنته وتمتمت مبتسمة :
_ انا محضرة العشا من بدرى زمانه برد يلا علشان ناكل
هم بأن يجيبها بالاعتراض فهتفت هى بحدة مزيفة :
_ ده مش اختيارى ده اجبارى بعدين انا كل ما اعمل اكل هقعد اتحنسك علشان تاكل زى العيال اخلص بقى !!
ارتسمت ابتسامة باهتة على ثغره وهب واقفاً وهو يضمها الى يصدره ويتمتم بحنو :
_ طيب يلا ياختى
***
كانت تقف امام خزانتها تقوم بترتيب ملابسها فشعرت بيد تطوق خصرها من الخلف وتحتضنها فتمتم هو فى صوت رخيم :
_ بتعملى ايه ياروحى
مودة بوجه خالى من اى تعابير :
_ برتب الهدوم
مؤيد فى نبرة شبه مداعبة :
_ مرتبتيش دولابى يعنى !!
التفتت بجسدها له وتمتمت بهدؤء :
_ رتبته اكيد
اقترب منها اكثر وتمتم بمكر وهو يغمز لها بعينه :
_ وملقتيش فيه حاجة كده ولا كده !!
ظهرت بشائر ابتسامة خفيفة على ثغرها وهى تخرج امامه عقد :
_ لقيت ده .. ده جايبة ليا صح ؟
مؤيد مشاكساً :
_ شطورة .. ايه رأيك فيه بقى ؟
ارتمت داخل احضانه وهى تتمتم شبه باسمة :
_ ربنا يخليك ليا يارب وميحرمينش منك
ابعدها عنه وقبل رأسها وباطن يدها وهو يتمتم :
_ ويخليكى ليا ياروحى ابتسامتك اللى بعشقها دى وحشتنى اوى
بدأت تتلاشى تدريجياً عندما تذكرت والدتها فالاحظ هو تحولها فأسرع قائلاً محاولا انسائها للامر والهاهها وهو يتمتم متشوقاً :
_ تعالى بقى البسهولك
ولته ظهرها فأزاح هو شعرها عن عنقها والبسها العقد ثم وضع قبلة حانية بجانب عنقها فابدلته هى ابتسامه باهتة !! ............
مؤيد فى خبث وهو يغمز لها بعينه :
_ ايه القمر ده بس ياناس
مودة متهكمة :
_ هتفضل طول عمرك بكاش وكداب !!
ازدادت ابتسامته اتساعاً ثم اشار الى وجهها بالمرأة وهو يتمتم بصدق :
_ طاب انا راضى زمتك ده شكل وحدة يقول عليكى واحد قمر ويبقى بيكدب !!!
ابتسمت ابتسامة بسيطة فقبل هو جبينها برقة فى نظرات دافئة ......................
***
فى صباح اليوم التالى ..............
كان يقف امام المرأة يهندم ملابسه ويستعد للذهاب الى العمل بينما هى فخرجت من المرحاض بعد ان غسلت وجهها كان شعور الدوار يروادها مجدداً ولكن كان اقوى من ذى قبل فقد بدأت ترى الصورة مشوشة امامها والاشياء من حولها تهتز بشدة وكأن هناك زلزال !!!! ... رمقها هو بنظرات دقيقة وتمتم بنبرة قلقة بسيطة :
_ مالك يارؤية انتى كويسة
لم يجد اجابة منها ولكن فجأة وجد جسدها يهوى على الارض ركد نحوها و ................
_ يتبع ..............
