اخر الروايات

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الثاني 2 بقلم سارة فتحي

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الثاني 2 بقلم سارة فتحي


- ايه دا ؟!
تلك الكلمات اردفها والد بيلا وهو يقلب القرص المدمج بين يديه، تقدم ضياء بابتسامة واسعة قائلًا :
- ده حضرتك cv بتاعى وفى كل شئ يخصنى

نظر نحوه بغضب واردف :
- انتى جيلى الساعة واحده بليل وبترزع كده وبتخبط
عشان تجبلى cv بتاعك
هو فى أيه يا بيلا ؟!
مين دا اصلًا ؟!

نظرت بيلا لضياء بغضب وتوعدته بداخل عقلها ثم حدثت والدها قائلة :
-أنا اسفه يا بابى
انا مش فاهمه أيه اللى بيحصل

غمز لها ضياء ثم تجاوزهم جميعًا وجلس على الأريكة
قائلًا :
- تعالى أقعد ياعمى ونتكلم انا جاى وجايب cv بتاعى عشان اطلب ايد الانسة بيلا

جحظت عيناها بصدمة، بينما اتسعت ابتسامة والدتها وجلست على المقعد المقابل له
قائلة بسعادة :
- نورت يا دكتور واحنا نلاقى احسن منك

قلب والدها عيناه ساخرًا وهو يجلس على المقعد الآخر
قائلًا بحدة :
- ممكن تسكتى أنتِ .. بقى حضرتك جاى دلوقتى
وجايبلى cv عشان تخطب بنتى ؟!
ليه فاكر نفسك جاى تقدم فى شركة هنا

ابتسم ضياء ثم اردف بفخر :
- حضرتك cv دا لو قدمتوا فى أى مستشفى يقبلونى
هوا اللى مش عجبك دا

وقفت "بيلا" تتابع بغصة مريرة قلبها ينشطر إلى اشلاء
حاولت التمالك والثبات وتحولت ملامحها للجمود وزمجرت بغضب :
- ايه هو دا؟! وأنا مش موافقة واتفضل اطلع بره
خلى اليوم ده يخلص

طالعها بنظرات مشتاقة ثم وجه نظره نحو والدها قائلًا :
- ولا كأننا سمعنا حاجة .. انا عريس طول بعرض
بcv بتاعى حاجه لؤطة كده مترفضش

كان بتحدث مع والدها ويطالعها بنظراته عابثة إلا عندما اندمجت عيناها بعيناه، فشعرت به يخبرها شئٍ رسالة ما حاولت فك شفرته لكنها عجزت على تفسيره، فهو لا يعلم أمر اعاقتها، اردفت والدتها :
- محدش يقدر يقول غير كده حتى من غير cv
ولاد الناس بيبانوا على طول

صاح والدها بانفعال :
- حضرته جاى يخطب بنتى فى نص الليل
وجايب cv ما شاء الله
اومال فين الورد وشوكولا .. بلاش فين اهلك
انت جاى تهزر هنا

فرك ضياء وجه بارهاق قائلًا :
- مالقتش محلات فاتحه بس ليكم فى ذمتى
ورد وشوكولا من الفاخره .. والدتى واختى
فى دبى اكيد هيكون موجودين معايا قريب
اما بنسبة ل cv لقيته فى العربية ومحبتش ادخل
بايدى فاضية حضرتك لو معترض عليه ولا كأن
حضرتك شوفتوا .. نقرأ الفاتحة

بدأت تتصاعد ابخرة الغضب بداخلها لتتوجه تجلس
على الاريكة المقابلة وصاحت بغضب :
- اظن كفاية كده.. وتوقف المهزلة ديه ..فى حاجات
كتير أن متعرفهاش عنى وانا مش موافقة

اجابها بنبرة عاشقة :
- ومش عايز اعرف حاجه غير أنك بيلا ده كفاية عليا
انا بحبك وعايز اتجوزك ومش فارق أى حاجة معايا
واى حاجة فى دماغك فاكره هتبعدنى مستحيل

خفقاته متسارعة قلبها سينفجر حتمًا هل اعترف
بحبه لتو لكن لحظة هل علم بأمر اعاقتها حديثه
يؤكد ذلك، اغلقت عيناها بأسى والدموع بدأت
تتجمع نحو مقلتيها هى على حافة الجنة لكن
لا تقدر قدمها أن توطأ خطوة للداخل، لاحظ
هو حيرتها وتشتتها فطالع والدتها بتظرات متوسلة
كى تتدخل،
كانت تشفق بداخلها على حال ابنتها فوجهت
نظراتها لزوجها لتحسه على القبول من أجل
ابنتها وهى تطمئنه أن كل شئ سيكون بخير
بالأخير خرج صوت ضياء قائلًا :
- نقرأ الفاتحة

بعد الشد والجذب بينهم ونظرات "بيلا" المتناقضة
ونظرات والدتها المتوسلة تمت قراءة الفاتحة
ابتسم ضياء بتوسع قائلًا :
- مبروك يا عليكم .. المهم هنام فين يا جماعة ؟!

صوب الجميع نظراتهم عليه، بينما حدثه والدها مستنكرًا :
- نعم !!!!
تنام ايه ؟! هو انت طبيعى ياجدع أنت ؟!

ابتسم ببرود قائلًا :
- انا بقولك يتيم وانت زى ابويا وبقالى تلات
ايام منمتش منه لله اللى كان السبب، ده غير
النهارده كان يوم اكشن رهيب والله ما قادر
اتحرك لو سوقت ممكن اعمل حادثة والناس
لبعض ولا أيه يا حماتى

- طبعًا ياحبيبى هو فى أكتر من الأوض هنا جرى
يا مدحت يرضيك يعمل حادثه هو تعبان كده
بعد الشر عليه

طرق مدحت كفًا بكف قائلًا :
- كده كتير عليا
حاضر هجهزلك اوضة بس أنا هنام معاك

زفر ضياء ثم حدثه بيأس :
- مش بقولك يوم اكشن وهينتهى انى انام فى حضنك
كمان..
طب حيث كده شوفلى بيجامة انام بيها او حتى كلسون لأنى لازم اخد دش

نهضت والدتها بصحبة زوجها للأعلى لتجهيز الغرفة
فمال على زوجته متسائلًا :
- متأكديين ان البنى ادم ده دكتور

استمع ضياء إلى كلماته فأجابه هو بصوت مرتفع قائلًا :
- ال cv معاك ياعمى

يديها اصبحت مرتجفة، عقلها مشوش، حبست انفاسها عندما اصبحت فى مواجهته، بينما هو اقترب منها مثبت بصره على
زرقاوة عيناها الصافية المصاحبة ببريق لامع قائلًا :
- مبروك يا فرحة عمرى

زادت وتيرة انفاسها بسبب ذلك الوضع المهلك لِمَ
لا يرحمها ولو قليلًا فهمست بحزن :
- ضياء فى حاجة كتير لازم تعرفها

- بكرة اعرف وتعرفى اقولك وتقوليلى بس الصبح دلوقتى هنام .. هنام وبس
قال كلماته بارهاق جلى، بينما صدح صوت والدها من
الأعلى يصرخ بحدة مناديًا عليها زعرت هى وهرولت
للأعلى، التو ثغر ضياء قائلًا
- الرجل ده هيتعبنى شكله ويفرهدنى
بس مين امها فى صفى

****

ليلة مؤرق قضاها "كنان" ولم يغمض له جفن انتظر حلول الصباح حتى يطمئن على والدته، كى يذهب لمن سلبت لبه، يشعر بنخز فى قلبه يخشى فقدانها لن يسامح نفسه إذا حدث لها أى مكروه، تقلب والده فى نومته ثم هتف بنبرة خافتة وهو يفرق جفنيه قائلًا :
- أنت لسه صاحى يا كنان ؟!

- صباح الخير يا بابا

اعتدل والده من نومته ونهض واقفًا ليجلس بجوار كنان قائلًا :
- ليه يا كنان تعمل كل ده انا لسه محاسبتكش على
اللى عملتوا بس كل حاجة من الأول غلط

رفع "كنان" بصره لوالده بنظرة حزينة معاتبة وكأن يخبره أنه لم يفعل شئٍ خطأ قائلًا :
- على فكرة انا كنت هوصل للمقاول خلاص لولا
اللى حصل من حق الناس تاخد حقها.. اسف يابابا
بس انت نومت الموضوع بمعارفك عشان سمعتك
وحميت واحد حرامى ونصاب زى ده موت ناس
وشرد اسر ... اما بنسبة لجوازى أنا كنت هربان
من ضغطت ماما عشان جوزى من بيسان وكمان
احاسسى بذنب ناحية كيان ساعتها وخفت اكتب
الشقة ليها هى تشك وتدور على السبب ولاقتها
زى الغريق اللى كان بيتعلق فى قشه، ربنا هو اللى
الهمنى الحل عشان هى نصيبى وقسمتى جت
تتحامى فى بيتى قبل ما تبقى على ذمتى

اتسعت عين والده بصدمة قائلًا :
- واخرت كل ده ؟! امك كانت بتقول انها بنت..

تجهمت ملامحه وتأجج الغضب بداخلها مقاطعًا والده وهو يهتف بتحذير بنبرة مصحوبة بالحزم :
- كيان مراتى على اسمى أنا وبس
والكلام منتهى ماما تفوق وهروح اجبها وارجعها تانى
لو سمحتم تحترموا رغبتى ان مش عيل صغير

ربت والده على كتفه مردفًا :
- أنا معاك فى أى قرار تاخده ومعاك فى أى حاجه
وواثق فيك المهم هى

قبل أن يكمل جملته كانت الراقدة على الفراش امامهم
تصدر تأوه خافت فالتفتوا إليها، ثم قام كنان من مجلسه وخلفه والده يتقدموا نحوها ثم سألها كنان بتوتر :
- عاملة ايه دلوقتى احسن ؟!

اشاحت بوجهها جهة الأخرى رغم التعب الذى يغزو ملامحها إلا انها لم تتزحزح عن موقفها هتفت بنبرة
جامدة :
- طلقت البت ديه ولا لأ

قاطعها زهير وهو يرى اصرارها مغيرًا مجرى الحديث :
- بقى كده تخضينا عليكى يا قلبى انتِ ..دا انا و كنان منمناش لصبح.. كنت هتجنن عليكى يا قلبى

تبدلت ملامحها تهتف بنعومة قائلة :
- بجد يا زهير ؟!

تنحنح وهو يغمز لأبنه فهم "كنان" مغزاه ثم حدثه زهير :
- طب روح أنت يا كنان غير هدومك انا مع ماما محتاج
اطمن من دكاتره بنفسى قبل ما نروح

همت برفض فالتقط زهير يديها قائلًا :
- ينفع تخضينى كده بردو ولا عايزه تعرفي غلاوتك عندي

انصرف كنان مسرعًا فهو يشعر بضياع وهى
بعيدة عنه لم يتحمل اكثر من ذلك سيذهب
ويأخذها عنوة

******

تحرك رأسها يمينًا ويسارًا وهى نائمة ملامحها جلى عليها الذعر، تجرى وسط صحراء قاحلة تهرب من حيوانات مفترسة تتلفت يمينًا ويسارًا تبحث عن
مأوى لها طالعت كوخًا على بعد اميال ظلت تهرول
وهى تلهث حتى اختبأت به حاولت التقاط انفاسها
فوجدت ابريق من ماء توجهت لتروى عطشها
وفجأة ظهر ضوء قوى من الخارج اقتربت من
الباب لتفتحه لترى النور، وما أن خطت قدمها
للخارج وقعت فى حفرة عميقة حاولت الصعود
وجدت ايدى عدة تمتد لها إلا انها كانت تسمع
صوت مؤلف لها يمد يده لها لكنها لم ترى وجهه
فجأة انفلت يديها وسقطت فى البئر صرخت بفزع
وانتفضت من نومتها تستغفر ربها، شعرت بالآلآم
بسائر جسدها، لاحت احداث ليلة امس بعقلها
فنهضت مسرعة غير منتبهة لتلك الجالسة معاها
فى الغرفة فاقتربت منها نجات قائلة :
- أنتِ بخير يا بنتى ؟!

ابتعدت عنها بهلع قائلة :
- أنتِ مين ؟! أنا هنا فين ؟!

ابتسمت لها بحنان مشفقة على حالتها قائلة :
- أنا مامت طاهر مرات عمك حسين .. انتِ هنا فى بيت
عمك..

تأكدت أن ما سار امس كان حقيقة صرخة نابعة من قلبها النازف، ارتفع صراخها قائلة من بين شهقاتها :
- أنا ماليش اعمام
أنا ماليش اهل
عايزين منى أيه ؟!
سيبونى سيبونى حرام عليكم .. اوعى همشى من هنا

التقطت حجابها من على الكومود، فى هذه الاثناء ولج عمها وطاهر على صوت صراخها
توسعت عين طاهر بصدمة فاقترب منها محاولًا تهدئتها
دارت عينيها بينهم لكنها ارتكزت فوق عمها تتذكره
صرخت بقهر قائلة :
- أنت أنت .. أنت صح ؟!

هز رأسه بأسى وخزن قلبه ينزف قهرًا على ابنة اخيه وما وصلت إليه، بينما هو وصل إلى اقصى مراحل الغضب والجنون من اخيه وفعلته

حاول تهدئتها وما زادها إلا هياج وصراخ أكثر فى هذه الاثناء صدح صوت الجرس بالحاح فانصرف هو يفتح الباب فطالع هاجر
سألته برعب :
- أيه يا خالى الصريخ دا ؟!

- تعالى جوه انا عايزك يا هاجر

بينما هى اندفعت من الداخل ثائرة تصرخ :
- ابعد عنى انا همشى من هنا يعنى همشى مش
عايزه اعرف حد منكم أنا بكره نفسى عشان
جيت الدنيا كفاية بقى حتى هو طلع زيكم
كداب وغدار وخاين ارحمونى لأجل لله كفاية

وقف طاهر مهشم من الداخل لرؤيتها هكذا ضعيفة
متألمة، عاجزة يود أن يداخلها بين احضانه فحدثها بحروف ضعيفة متحشرجه :
- اهدى يا كيان اهدى لو سمحتى احنا لازم نقعد
ونتكلم مع بعض فى حاجات لازم تفهميها

همست نجات بأسى على حالتها :
- احنا اهلك يا بنتى واللى فات يتصلح

وزعت نظراتها بينه وبين الباب قائلة بهستريا :
- أنا لو قعدت هنا عندكم يوم واحد هموت
نفسى انا ماليش اهل فاهمين ؟!
هموت نفسى وارتاح واريحكم من وجودى

اندفعت نحو الباب تفتحه اوقفها طاهر قائلًا :
- طب نتكلم انتى لسه تعبانة

ضربت صدره بقوة وهى مازالت تصرخ :
- وعمرى ما هخف هفضل كده طول عمرى
هفضل كده جوايا نار، هفضل اخاف كل ليلة
هفضل كده عشان الرجل اللى خلفنى شكك
فى نسبى هفضل الناس شايفين بنت حرام
آه هفضل موجوعه ابعد عن طريقى بقى

قبض من نار تقبض على خافقه بسبب حالتها تنحى
"طاهر" جانبًا لتفتح هى الباب وتهبط الدرج وهو
خلفها لن يتوانى على أن يكون سندًا وداعم لها

*****

فى اسفل البناية

تحرك قدميها بصعوبة اصبحت كخراقة بالية
لا يكفى ما عاشته حتى تمنحها الحياة ندبات
جديدة، وقف امامها طاهر وهو يفتح باب
سيارته هزت رأسها بنفى وهمت تتجاوزه إلا
انها وجدت يد تحوطها من الخلف استدارت
بفزع فطالعت وجه فتاة تقاربها فى العمر
فهزت رأسها لها تطمئنها تحثها على الركوب
قائلة :
- اركبى متقلقيش أنا "هاجر"
بنت عمتك اركبى متقلقيش

خرت قواها ولم تقدر على المقاومة اكثر سارت بألية
تستقل السيارة فى المقعد الخلفى بصمت فالحياة قررت أن تعاقبها على ثقتها وبراءة قلبها فلم تملك إلا الصمت والخذلان .. استقلت بجوارها "هاجر"
أما هو جلس علي مقعد القيادة وانطلق مسرعًا

****

فى الأعلى جلس عاصم على طاولة الفطار صامت
وضعت علياء زوجته أخر صحن بيديها وبدأوا فى
تناول الطعام فى صمت، فاصبحت حياتهم تمر برتابة
فى الآوان الأخيرة يتشاجرون فقط، لم تعد بينهم
مواضيع مشتركة حياة بلا طعم ولا لون كل منهم
فى وادٍ منعزل، اخيرًا خرج صوته متسائلًا :
- هو الصريخ ده كان من البيت بس ما اظنش
حد من عند حسين هيصوت كده

غمغمت بعدم اكتراث قائلًة :
-ممكن تكون بنت اختك المجنونة هاجر
من ساعة ما جت البيت هنا وهى عاملة مهرجانات

هز رأسه بدون التعقيب على حديثها فهو يعلم مدى
كرهها لأهله، خرجت ميرا من الغرفة متبخترة ترتدى
شورت بالكاد يصل لأعلى فخذيها وتقدمت صوب
الطاولة وسحبت مقعدًا قائلة بتوسع :
- صباح الخير يا بابى يا حبيبى
صباح الخير يا لولو

بادلتها والدتها الابتسامة، اجابها والده بصوت رخيم :
- صباح الفل يا قلب بابى
ثم سألها مستفسرًا :
- أومال فين ساهر ؟!

قلبت ميرا شفتيها قائلة :
- نزل يجرى كالعادة

غمغم عاصم بنبرة حازمة قائلًا :
- مش عجبنى طريقتك مع اخوكِ هو بردو راجل البيت
ده غير موضوع سهرك كتر

قاطعته زوجته معترضة قائلة :
-بس ساهر مزودها ده ناقص يقولى أنا استئذنه
على العموم هو سن مراهقة وعايز يطلعوا علينا

هز رأسه وهو يقول بنبرة حادة :
- لا يا هانم بنتك هى اللى خروجتها كترت وسهر
وعلى فكرة ساهر هنا بدالى سامعة يا ميرا اخوكِ
وخايف عليكِ فاهمه

هزت رأسها على مضض بينما علياء ألتو ثغرها بتهكم
شعر بالاختناق لا يستطيع المكوث فى البيت اكثر
فنهض منصرف ولم يكمل فطاره

*****

عيناها مثبت على الطريق منكمشة على نفسها تطالعها
" هاجر" بشفقة أما هى لازالت الصدمة تسيطر عليها ترتجف بشدة حتى انها فقدت السيطرة على اعصابها
غير قادرة على ترجمة مشاعرها ولم تجد غير البكاء
لتنفس عن مشاعرها، تحدث طاهر وهو يطالع الطريق
امامه :
- هاجر هرجعك أنتِ لأننا هنتأخر

- اجابته باصرار وهى تتحاشى النظر إليها :
- مش هسابها شوف رايحين فين واتكل على الله
ومش تشيل همى

أوما لها بصمت فهى بالفعل تحتاج لداعم من بنات جنسها أن يظل معاها

******

- ما تجيبى يا بيلا حضن
لكزه والدها فى كتفه لكزه قوية بغيظ قائلًا :
- تصدق بالله انت يومك مش معدى واعتبر قرايت
الفاتحة اتلغت

فتح ضياء عيناه بتكاسل وعندما طالع والدها تذكر
حلمه وصوت والدها الذى افزغهم فتحمحم بحرج
قائلًا :
- صباح الخير يا حمايا بتصحينى بدرى ليه ؟!
بعدين انا اعملكم قلق هى شوية قرايت الفاتحة

صر اسنانه بغضب وهو يقول :
- كنت بتقول أيه وانت نايم ؟!

نهض ضياء واقفًا قائلًا :
- النوم سلطان هو حد بيفتكر كان بيقول ايه هو ونايم
المهم حضرتوا الفطار ولا أيه ؟!

- دقيقين وتكون تحت ورانا شغل ومش فاضين ليك

مرت ربع ساعة وهبط الدرج طالعهم يجلسوا على مائدة
الافطار فابتسم قائلًا :
- صباح الخير يا حماتى .. لو بيلا خلصتى فطار يلا
اوصلك فى طريقى

قالت والدتها باهتمام :
- يا حبيبى لازم تفطر

- اسف يا طنط سامحينى المرات الجاية كتير
بس كنان عنده مشاكل ومينفعش اسيبه اكتر
من كده

نهضت بيلا تحمل حقيبتها فهى عزمت على مواجهته
ووضع حد لهذه المهزلة سارت امامه حتى وصلت
للحديقة وتوقفت فجأة وهى تحاول تمنع دموعها من الهطول قائلة :
- أنت عرفت صح ؟!

قلبه من الداخل يؤلمه على ألم قلبها وعلى روحها
المحترقة اقترب منها متسائلًا :
- بتحبينى ؟!
قلبك حبنى زى ما قلبى حبك ولا لا

ساد الصمت، لن يشعر احد بكم الألم الذى يعصف بها حاليًا التقط
كفها وضعه فوق صدره اعلى اليسار موضع قلبه
قائلًا :
- أنا اتسرمحت كتير مع بنات وروحت وجيت
عشت حياتى على الاخر بس لما شفتك قلبى
بقى مجنون طلتك عليا زى شمس نورت قلبى
حاسه بيه

صمتت وهى تستشعر خفقاته المجنونه
وهمساته تطرب اذنيها، كان شوقها يفتك به حتى همست هى :
- وانت أيه يجبرك تقبل بحاجة زى ديه

حاول رسم الجدية قائلًا :
- انا اصلى امى دعتلى قالتلى ربنا يرزقك بالجنة
وكنتِ أنتِ، ابويا ميت راضى عنى وهو كمان دعى ليا
بمتاع الدنيا وكنتِ انتِ .. "بيلا" لو مش بتحبينى
وفى حد تانى ابعد هى ديه الحالة الوحيدة اللى
هتبعدنى رغم إنى هموت بالبطئ

تلألأت الدموع بعيناها هى تهز رأسه بنفى هتف
ببحة رجولية أثر تأثره بهيئتها قائلًا :
- طب نمسح دموعنا كده وتبعدى عنى خلاص
احسن مش مسئول على اللى هيحصل وربنا
وهيخرج شايب الكوتشينه اللى هو ابوكِ من جوه ويعلقنى مكان المرجيحة

توسعت عيناها بذهول من لقب والدها ثم انفجرت
بضحك وهى تهز رأسها بيأس من طريقته كل
كان يطالعها وكأنها فريدة من نوعها
كل هذا تحت نظرات والدتها التى كانت تضع يدها
على صدرها تتضرع لله بأن يتم السعادة على
ابنتها وهى تثبت نظرها عليهم

فكانت عيونهم تغزل قصيدة للعشاق اولها لهفة لكن ليس لها اخر

******

بعد ليلة من التعب والشوق كانت نيران تلتهم كل خلاياه
فهى زوجته لا يعلم كيف تركها؟!
ولا يعلم كيف مرت الليلة عليه وحده الله يعلم ما مر به تنفس بعمق محاولًا تسكين نبضات فؤاده الراكض اصبحت عشقه الازلى، طرق الباب طرقات متتالية فتح الباب وحدجه عمها بنظرات
مرتبكة وتنحى جانبًا فتجازوه "كنان" للداخل
وهو يستشعر وجود خطب فجلى صوته متسائلًا :
- كيان عاملة ايه دلوقتى ؟!

اطرق "حسين" رأسه بأسف قائلًا :
- اول ما فاقت جتلها نوبات صراخ وكانت فى حالة
هستريا حاولنا نهديها معرفناش

ابتلع ريقًا كحنظل ومخزونه من الطاقة قد نفذ وتبدلت ملامحه بخوف جلى فقال بتوجس:
- ايوة يعنى كيان كويسه ؟!
أيه اللى حصل ليها ؟!
اوعوا يكون حد اتعرض ليها ؟!

هز "حسين" رأسه بنفى قائلًا باشفاق على حالته ::
- لا يا بنى محدش عملها حاجه هى مدتش لحد فرصة
يتكلم معاها ابدًا كانت فى حالة هزيان فاخدها طاهر
ومشى بيها

ماذا يعنى بهذه الكلمات أن زوجته مع طاهر هو من
يواسيها ويخفف عنها ألمها ربما ضمها، فليحترق
طاهر بنيران الجحيم كما طالت النيران قلبه صاح
بحدة :
- راحوا فين ؟!

- معرفش أنا بتصل من ساعة وكل التليفونات
غير متاح

القلق جلى عليه ينهش قلبه، لكن هذا لم يمنع غضبه
منها منذ الأمس لم تروى ظمأه بنظرة واحدة
وهى الآن مع طاهر داخله بركان ثائرًا لن يغفر
لها ما تفعله به

انقضى النهار واسدل الليل ستائره واصبحت الساعة الحادى عشر مساءًا وهو مازال يجلس فى بيت
عمها لن يرحل بدونها عاودا الاتصال بها للمرة
التى لا يعلم عددها لأياتى سوى رسالة مسجلة :
- ربما الهاتف غير متاح

او ربما لنا فى طرق الغياب الف قصة وقصة
قصة تنطوى وقصة تبدء وتظل قلوبنا
معلقة بين ضروب الهوى،
ربما نجد من يدواى كسرتنا

*********


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close