اخر الروايات

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل السادس والعشرين 26 بقلم سارة فتحي

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل السادس والعشرين 26 بقلم سارة فتحي


  

الفصل السادس والعشرون
****
روح بلا مأوى
****
الجزء التانى
****
قبل بضع ساعات
كانوا فى السيارة يشاهدوا اشعة الشمس المتوهجة وهى تنبثق لتتلاقى مع امواج البحر المتلاطمة
مشهد يسلب الانفاس ويا له من مشهد، مشهد الشروق
ورائحة نسيم البحر

كانت كل حواسها مشدوهة ومنبهرة اما هو كان يتمعن
بتلك المعالم الطفولية الانثوية ابتداءًا من الأبتسامة
المشرقة التى ترتسم على محياها والنظرة البريئة
التى تطالع بها شروق الشمس، واعينها السوداء
بحار العقيق الأسود، ظل يراقبها بأعين لامعة
لتنتبه له اخيرًا ابتسمت بهدوء مصحوب بالخجل
وهى تهمس:

-مش بتبص على الشروق ليه مش كنت جايبنا لأسكندرية عشان نشوفه

عيناها فقط
فقط عيناها تغنيه عن العالم كله، واه من عيناها مدن
وقد غفلت عنها كتب التاريخ
تحدث وعيناه لا زالت تتفحصها:

-عشان مغفل

قطبت حاجبيها بإستنكار متسائلة:

-مش فاهمة مغفل ليه؟!

-عشان مفيش اجمل من عينيك وهى صافية وبتضحك

رمشت بأهدابها عدة مرات ثم رفعت عيناها تطالغ عيناه التى كانت مغموسة بدفء غريب يشل اطرافها حاولت ابتعاد نظراتها بعيداً
عنه ثم همست:

-مُبالغ أوى

هبطت عيناه على شفتاها ثم على ثوبها الزهرى
الانثوى الذى يبرز انوثتها وتحديداً خصرها حدثها بصوته
الأجش وعيناه تلتهمها التهامًا:

-دا عشان مش شايفة نفسك بعينى انا شايفك اجمل
بنت فى العالم كل حاجة فيك حلوة

ابتلعت، خجلت من مغزى حديثه وفرت الدماء منها وشعرت بالبرودة تجتاح اوصالها فركت يدها بتوتر
مد يده يتناول يدها قائلًا:

-الجو بقى برد صح هزت رأسها بالنفى وهى تشعر
بفصول السنة دفعة واحدة بالبرودة والسخونة فى آن واحد
لكلامه ودفء عينيه تأثير السحر عليها فهمس:

-انا شايف ان يوم صد رد مش كفاية
ايه رأيك نحجز اوضة فى فندق هنا وادفيكِ انا بطريقتى

سحبت يدها سريعا واجابته وهى تتلعثم:

-اا..عيب كده اتلم

ضحك بسخرية وهو يهز رأسه:

-اتلم اكتر من كدا دا احنا بقينا اخوات
لو متعرفيش يعنى احب اعرفك ان فى ليفيل بعد
الاحضان والبوس

انفلتت شهقة من بين شفتاها ثم اشاحت ببصرها تنظر للجهة الأخرى وتسارعت انفاسها وتوترت وتلعثمت:

-أا .لو سمحت لو سمحت كدا مينفعش هو مينفعش كده

قهقة وهو يقول:

-خلاص خلاص

ثم تمتم بصوت بالكاد أن يكن مسموع

-دا يا شماتة الزفت ضياء فيا

ثم تابع قائلًا بجدية عازمًا على اقناع ذلك العقل الصلد:

-كيان انتِ لازم تقبلى العرض التلفزيوني انتِ
ممتازة دية فرصة حلوة اوى
انا لو عليا رافض شغلك كله بس انتِ محتاجة
الخطوة دية تدخلى بين الناس اكتر عشان تشيلى
اى حاجز جواكِ واظنى امبارح اثبت ان المطبخ دا
لعبتك وايه رأيك يبقى اسم البرنامج "مطبخك كيانك"

-بس انا عندى اوردارات ملتزمة بيها

-وقفى الجديد وخلصى القديم

همت بالاعتراض ثانيةٍ لكن تراجعت، فهم مغزى ترددها
فابتلع غصة فى حلقه ثم حدثها قائلًا:

-لو على شغل تامر احنا محتاجين حد فى الاستعلامات
معانا هنا ايه رايك تكلميه

اجلت حلقها وهى تقول بحزن:

-انت مش مضطر تعمل حاجة زى دية ياكنان انا عارفة
انك مش بتقبل تامر

اندفع مسرعًا يبرر موقفه:

-لا، انا مش بقبل وجوده جنبك وقربه منك نظراته ليكِ لكن
هو انا مفيش مشكلة معاه يا كيان انت مش عايزة
تفهمى يا كيان انى انا فاهم نظراته والأيام الأخيرة
بقى قلبى ينقبض منه

-خلاص بلاش يا كنان ليه تغصب نفسك

زفر كنان وهو يقول:

-متقلقيش مش هضايقه ولا هنعمل مشاكل احنا مش
عيال يلا بقى الوقت سرقنا شكلنا مش هنفطر هنتغدا
على طول هأكلك اكلت سمك روعة

هزت رأسها بحماس وهى تصفق بيدها طالعة بقلب
أب يعشق طفلته

*******

انتِ كويسة؟!

التقطت اذنيها هذه الكلمات فاغمضت عيناها بألم سافر
ازاحت بيدها دمعاتها ثم استدارات امواج تموج بداخلها
حزن وخزى تغرق بينهما بلا رحمة، لينال الحزن من روحها ويغتالها شيئًا فشيئاً، انفاسها تضيق،
دقات قلبها هادرة لأدراكها أنه سمع بكاها وضعفها
فتلك النظرات تؤذيها وتؤلم روحها

احكمت على ما يعتمل صدره وارتسمت التبلد والجمود
فمن رحم الخذلان يولد التبلد وتصحر الروح، ماجت
عيناها بالغضب من فعلته تلك قائلة:

-انت أيه اللى موقفك هنا؟!
ايه قلة الذوق دية؟!

لم يتفاجئ طاهر بردة فعلها بل على النقيض كان متوقعًا منها رفع حاجب متسلى لها وهو يقول:

-أنا هنا فى شغلى يا مديرة
بعدين انا حبيت اساعد واطمن مش اكتر

-انت بتتريق بقى

اراد التخفيف من الحدة الموقف قائلًا:

-طب خلينا نبدأ من الأول كناس متحضرين ومتفاهمين
وننسى اللى عدى

طاهر حسين مهندس
وشغال عند دكتورة عشان اشطب ليها العيادة وشغالة
عليا تهزيق تقوليش واخدانى اسير عندها

ارتسمت على محياها ابتسامة باهتة ولا زالت بقايا
الدموع بأهدابها، ظلت صامتة دون ان تتفوه بكلمة
شاعرة بألم يفتك بها لكن ليس ألم جسدى ألم نفسى
عيناها يموج بهم الحزن والاسى

جابت عين طاهر المكان ليجد بعض شكائر الاسمنت
المغطاة فتوجه نحوها ليجلس عليها ورفع بصره
ليحثها على الجلوس بجواره، رمقته باستنكار
مد ذراعه وهو يشير إليها بجلوس:

-بلاش البصة دية خلى البساط احمدى يا دكتورة

مضت بخطواتها نحوه قائلة:

-على فكرة عادى، بس هدومى هتتبهدل وانا عندى مستشفى مش قصدى تكبر ولا غرور

-بس انا مقولتش كدا

لوت ثغرها بتهكم قائلة:

-لا عادى انا اى حد بيقابلنى اول مرة بيقول كدا

أومأ براسه مؤكدًا على حديثها:

-هو الصراحة مش كدا بس

طوت يدها بغيظ هاتفة:

-نعم بقى

-الصراحة عليكِ نبرة صوت وطريقة تستفز برودة دب القطب الشمالى

نهضت واقفة وهى تطالعه بشراسة قائلة:

-تصدق أنا غلطانة اصلًا انى قعدت مع واحد بربرى زيك

جذبها من ذراعها ليجلسها ثانيةٍ ثم سحب شهيق يلا
زفير قائلًا:

-متقمصيش كدا الحال من بعضه نفس الإنطباع بتاع
اول مرة

-دية حقيقة

رمقها بصدمة ثم انفجرا من الضحك سويًا ثم سألها:

-مش هتقولى مالك؟!

رفعت احدى حاجبيها وسألته هى ايضًا بفضول:

-وانت كان مالك امبارح وانت خارج من الحفلة ؟!

يشعر بألم غائر وضعت الملح على جرحه عاد بذاكرته وصورتهم امام عيناها وهى تتخضب بالحمرة خجلة من همساته، تنهد بحرقة راغبًا بالبوح بكل خبايا قلبه حتى يزيح ذلك الثقل الجاثم على صدره لكنه فضل تغيير
الحديث قائلًا:

-كدا واحد واحد
تفطرى أيه؟!

طالعته بعدم استيعاب:

-فطار ايه لأ طبعا

-بحب لما اعرف حد جديد اكل معاه عيش وملح

رفعت ساعة معصمها تطالع ساعتها، فتابع طاهر بحزم
قائلًا:

-هى نص ساعة مش اكتر انا هطلب بسرعة

رفع هاتفه على اذنه ليطلب الطعام فقد حسم قراره
وانتهى الأمر، شردت و لازال الحزن ينبعث منها
تشتعل على مراجل من الداخل، وقد تلألأت الدموع بعيناها غافلة على من يجلس بجوارها يراقبها بحزن
لحالتها بعد ماسمعه

قد يأتى العشق متخفيًا يتوارى خلف حفنة من مشاعر
حتى يتمكن من القلب وسيتوطنه ثم ينفضح امره.

******

-ضياء قوم، قوم ياضياء

تلك الجملة صرخت بها بيلا وهى تلف فراش السرير
حولها بإحكام ثم لكزته فى كتفه بحدة، فرق جفونه
وهو يمط ذراعيه بتكاسل قائلًا:

-صباح الخير يا حبيبى

-بلا حبيبى بلا بتاع انت قولت على اكلى وحش صح
وبعدين انا فاكرة اننا كنا بنتخانق مش فاكرة ايه
اللى وصلنا لكده

ابتسم بمشاكسة وهو يغمز لها قائلًا:

-بقى فاكرة الخناقة ومش فاكرة اللى حصل
بعد كدا دا حتى عيب والله ونكران جميل

تجلى الغضب على ملامحها وارتسم به وجهها قائلة:

-مش هتبطل وقاحة، انا اكلي وحش

نهض من نومته ليجلس على الفراش عارى الصدر قائلًا:

-يا حبيبتى انت اكلك مش اكل شيف، بس انا ببقى فى قمة سعادتى أنك دخلتى المطبخ عشانى وفكرتى فيا
يكفى أنك بتحاولى عشانى انا حقيقى حبيت
طعم الأكل وهو كدا عشان من ايديكِ، اللى بعشق
صاحبتهم اللى اتكرمت وادتنى من وقتها

كلماته تلك كانت لها تأثير على قلبها لا يوصف شعرت بمفرقعات والعاب نارية تشتعل بداخلها، تناول يدها يقبلهم بنعومة بالغة جعلها تذوب تحت انفاسه ثم
اقترب يحاوط خصرها مما جعلها تلتصق بعضلات صدره العارى، يقبل كتفها العارى بشغف
كادت أن تخلق لها جناحات وتحلق من فرط السعادة
لكنها فجأة دفعته فى صدره وهى تهمس من بين
اسنانه بوعيد:

-اوعى كدا نفسى اعرف هى طنط هويدا متعبتش فى تربيتك، كله وقاحة كدا

ضحك بمشاكسة وهو ينهض من على الفراش قائلًا:

-التربية دية غير دية وكدا هى تبقى ربتنى ها

تناولت الطرف الصناعى وارتدته سريعًا ثم ارتدت
ملابسها وذهبت خلفه إلى المرحاض كان يقف امام
المرآة يغسل اسنانه فولجت فطالعها بطرف عيناه وهو يتمضمض ثم قال:

-أيه طنط لبنى فلتت منها شوية تربية

تناولت ماكينة الحلاقة ثم اقتربت منه بخطوات بطيئة وحاذرة لتبث الرعب بداخله وهى تقول:

-اخرس، بس انا قررت بما انِ مش نافعة فى المطبخ اجرب الحلاقة ممكن انفع

ابتعد للخلف خطوتين وهو يهمس برعب:

-حبيبتى السلاح يطول طب جربى فى حاجة تانية
ايه رأيك فى المكواة وفداكى كل القمصان

-لأ هحلقلك يعنى هاحلقلك ياضياء اثبت

-انا كمان بتثبت يا خسارة الشقاوة

جزت على اسنانها وهى تقوم بضغط على زر التشغيل

-انجز خلينا نخلص بقى

-عندك حق الواحد يلحق يموت بدرى احسن ما يدفن بليل

حاوط خصرها رافعًا اياها كى يجلسها على الرخامة امامه، وبدأت هى تعمل بتركيز بينما هو غارق فى
ملامحها وعيناها الفيروزتين، فجأة صرخ عاليًا

-آه، اه

رمت ماكينة الحلاقة بفزع واخذت تتفحص وجهه وهى
تتمتم بالأعتذار وغامت عيناها قائلة:

-اسفة ماكنش قصدى يا حبيبى انت كويس

-انا ايه قوليها تانى كدا

توسعت عيناها وهى ترمقه بصدمة قائلة:

-انت مفيش فيك حاجة وبتضحك عليا

قالت جملتها بغيظ وهى تلكزه فى صدره، فكبل يدها
ثم مد يده تحت صنبور الماء ومسح وجهها وهو يهمس:

-طب كدا تضربينى، انت بطلتى تحبينى بقى

-دا انا بموت فيك كل يوم اكتر من اللى قبله
قالت جملتها مندفعة ثم اطرقت رأسها باستيحاء
فمال على شفتاها يلتقطهما فى قبلة محمومة
قاطعهم رنين الباب تأفف ضياء وهو يسب تحت
انفاسه قائلًا:

-مين الرخم السمج اللى جاى دلوقتى

حاولت تعديل خصلاتها، خرجا سويًا قام بارتداء ملابسه
سريعًا وهبط للأسفل فتح الباب ليجد هاشم فى وجه
امتعضت ملامحه وهو يقول:

-عايز أيه؟!

انهى جملته تزامنًا مع وصول بيلا التى توسعت عيناها بذهول وسقط فاهها حتى كاد أن يلامس صدرها من طريقته لحظات واستعادت تركيزها فاقتربت سريعًا تحتضن والدها هاتفة:

-بابى صباح الخير يا حبيبى تعالى ايه المفاجأة الحلوة
دية تعالى

تأبطت ذراع والدها وتجاوزته وهى ترمقه بنظرات حادة التو ثغره بتهكم ثم اغلق الباب وذهب خلفهم
وجلس امامهم قائلًا:

-نورتنا يا حمايا على الصبح كدا

كان يتحدث متظاهرًا عدم الإنتباه لملامح بيلا المحتقنة
حتى اجابه هاشم ببرود:

-اصلى إلنهاردة عندى اتفاقية جديدة وانا مش بعرف
امضى اى عقد جديد غير لما اشوف وش بيلا

قبلت وجنته وهى تربت علي يده هاتفة:

-بالتوفيق يا حبيبى، حيث كدا انا هاحضر فطار لازم
تفطر معانا

حاول ضياء كتم ضحكاته وهو يتمتم:

-احسن تستاهل

-ضياااء

عقد هاشم حاجبيه قائلًا:

-لو الاكل بتاعك يا قلب بابى مش جاى على معدة
ضياء ممكن تيجى وتقعدى مع بابى تانى وتعملى اللى
انتِ عايزاه،

-هتموت وترجعها تانى لأ عاجبنى الأكل ومش بس
الأكل الحلو بعد الأكل كمان

انهى كلمته وهو يغمز لها فتوردت وجنتها باحراج ثم نهضت مسرعة تستئذن لتحضر الطعام، بضع دقائق
كانت اعدت الطاولة من جميع الاصناف وكان ضياء
يساعدها ابتسم والدها بداخله فكان ضياء خير
السند ونعم العوض، شعر والدها بتلك الراحة التى
تسللت لقلبه فهو منذ امس لم يغمض له جفن خوفًا
أن يكون مشاكسته مع ضياء جلبت لها مشكلة مع
زوجها، لكن للرجال شيم وقد تجسدت فى ضياء

****

فى محل المجواهرت

مر الليل دون أن يغمض جفنه بينما ظل عقله يعيد
عليه شريط تلك اللحظة مرات ومرات وهى تدفعه
فى صدره بحدة بسبب قربه منها، مجرد احرف
وكلمات لكنها كانت سياط من الجمر يرجم روحه، بالنسبة
له غضبها وثورتها غير مبررة، او مبرر لكنه لا يريد
أن ينسحب لدوامة الشك، اغمض عيناه بألم وهو
يرتكن بظهره على مقعده، شعور الخذلان يتأجج
بداخله اضعاف مضاعفة،بينما كاد قلبه يشق صدره
متمردًا عليه انه قد احزنها، حزنه يختلجه لكنها
آلمت كرامته، افكار سوداء تدور برأسه بلا هوادة
هل ثارت من اجله حفاظًا على مشاعره؟!
هل مازالت لا تكن له مشاعر مثله والتى ظهرت جلية
عليه؟! إلى هنا وانتفض يستعيذ من الشيطان الذى
يوسوس له لكنه قرر سيبتعد حتى تهتدى لمشاعرها
ولن يتوسل عشقها همس بصوت متحشرج:

-وجعتى قلبى اوى يا هاجر

جوارحى التى تشتاق إلى تؤلمنى

*****

هو طفل تائة يتلاعب به القدر ليسقط كل مرة على
ارض صلبة حادة اقوى من ذى قبل، لفظته كل
الاوطان كخرقة بالية إلا وطنها هى الذى تقبله،
ماذا يفعل؟!
الآن بين عقله وقلبه مشتت، يسير فى طريقه
ويكمل خطته إما يخبرها بالحقيقة، يعريها
امام نفسها انها شخص منبوذ لكنه لا يتحمل
رؤية حزنها، هو امام خيارين الانسحاب باقل
خسائر، او المتابعة لنتيجة مجهولة
لِمَا الحياة لم ترحم ضعفهم وقلة
حيلتهم، سرقوا طفولتهم وخذلوا احلامهم
ووقعوا فى براثن الذئاب، لكنه استجمع
شجاعته ولن يتركها لقمة سائغة لهم سيفعل
ما بوسعه كى ينتشلها

*****

بعد مرور عدة ايام

وما أن انهت نقش اسمها على الورقة التى امامها نهضت مسرعة ترتمى بين ذراعي كنان انتفض قلبه بل واضحى مجنونًا يهدر بقوة حتى اوشك ان يحطم قفصه الصدرى، زخم من المشاعر اثر لمساتها وتعلقها برقبته كان لهذه الحركة تأثير السحر كان يضمها اكثر واكثر منفصلًا عن العالم حوله حتى اجفل على
صوت الجالس امامهم قائلًا:

-مبروك يا مدام كيان

ابتعدت عنه بخجل وهى مطرقة رأسها تهمس بخفوت:

-الله يبارك فى حضرتك

حاول كنان ان يستعيد انفاسه المسلوبة قائلًا:

-مبروك يا حبيبتى

اجابته بابتسامة دافئة:

-الله يبارك فيك

نظرت للمبلغ المدون بالعقد الذى بيدها تطالعه بعدم تصديق ستحصل على مبلغ كهذا، وهى من كانت تتجول
بالشوارع ولم تجد مأوى لها هى من باتت ليالِ دون
طعام اليوم ستحصل على هذا المبلغ كل شهر، اينعم
كنان لم يقصر معاها بل فتح لها حساب واعطاها البطاقة
لكن هذا له مذاق خاص رفعت عيناها التى امتلئت بالدموع له ابتسم بسعادة على فرحتها

******

فى المساء
روتينها اليومى تهبط لتجلس مع حماتها حتى لا تشعر بالوحدة؛ مضت الأيام دون جديد عليها تستيقظ صباحًا ولا تجده وفى المساء يعود متأخرًا ولا تراه تشعر بالنقمة على حياتها،
ثمة غصة اعتملت قلبها فهى لا تريد أن تحيا نفس الحياة ثانيةً؛ حياة والديها، لتقضى عمرها غارقة فى محاولة التأقلم مع حياة بائسة لاحاضر ولا مستقبل
صدمة جديدة تتعايشها تشعر انها دائمًا شخص غير
مرغوب فيه، بالغت فى رد فعلها ربما لكن لا تستحق
مثل هذا عقاب

فاقت من شرودها على صوت انذار الغلاية الكهربائية
سكبت المياه الساخنة فى الاكواب لعمل شاى
لعمة هاجد وابنتها، بأى طريقة كانت تريد هذه
الزيارة المفاجئة ان تنتهى؛ التى بالتأكيد لم تخلى
من كلمات ثقيلة الدم، بدايةٍ من معرفة انجازت
عمته وهى فتاة وتتفاخر بشدة حين تذكر انجازات ابنتها، والأمر لا يخلو أن تتطرق بالأحاديث حول
علاقتهم بهاجد وأنه من كان يُحفظ ابنتها وهى
صغيرة القرآن، تنهدت بحزن وابتلعت ملوحة
الدموع فى حلقها وحملت صينية الأكواب
متوجهة للخارج

بعد مرور عدة دقائق ولج هاجد إلى منزل والدته
وجدهم يجلسون فى الاستقبال ومعهم عمته وابنتها
فكانت رؤيتها كقطرات الماء على صحراء قلبه العاشق المشتاق لها، فتقدم مُرحبًا بهم، اما هى ارتعش ساعدها وكاد ان يسقط كوب الشاى من يديها

اقترب من والدته وتناول يدها يطبع قبلة عليها
فربتت على كتفه بحنو، اقترب من هاجر حتى لا يظهر لهم خلافهم ومال عليها يقبل جبينها قبلة سريعة

رجفه انتابتها، وخفقة هدر بها قلبها اثر ملامسته لها
مشاعر متضاربة داهمتها تشعر بداخلها شئ مجهول
الهوية لكن لا تعلم ما هو ، اما هو لم تفٌت عليه رجفتها بمجرد لمسها رغم تلك الغصة التى سكنت قلبه إلا إنه اشتاق إليها، تنفس الصعداء قائلًا:

-منورة يا عمتى مقولتيش ان انتِ جاية ليه كنت
جيت قعدت معاكِ من بدرى

ابتسمت له بسعادة هاتفة:

-قلب عمتك، لا والله يا هاجد انا كنت رايحة لعمتك
نعمة بقعد عندها لحد ما مايسة تخلص دروس القرآن
ما انت عارف حاولت اخليها تبطل راكبة دماغها تقولى
هاجد موصينى مبطلش حفظ

اومأت مايسة قائلة بهدوء:

-طبعًا هو شيخى الاول ولازم اسمع كلامه انا قربت
اختم القرأن

-يا ستى انا مش شيخ، انتِ يا مايسة اللى مجتهدة وانامتأكد انك هتفرحينا
قريب بحفظ القرأن كله وساعاتها ليكِ هدية كبيرة
عندى بجد هابهرك

تراقب ما يحدث بألم وحزن كلماته وصقيع نظراته جعلتها تُحرق من داخلها شاعرة بالإختناق من هذا المكان

اغضبها تجاهله فرمقته بنظرات حانقة غاضبة ثم اردفت بتشدق:

-ما شاء لله، ربنا يتم عليكِ، ونفرح بيك عروسة كدا
مع ابن الحلال اللى من نصيبك

ابتسمت مايسة بهدوء، بينما حماتها تضرعت بدعاء وهى تؤكدا على كلام هاجر بينما رفعت عمت هاجد احدى حاجبيها وهى تجيبها

-يا حبيبتى دول عليها اد كدا بس ديه مايسة
مش أى حد ياخدها

ابتسمت هاجر بسماجة بينما نهضت مايسة قائلة:

-مش يلا ياماما اتأخرنا

اسرعت والدة هاجد قائلة:

-ما لسه بدرى ياجماعة

-يدوب نلحق يا مرات خالى، يلا ياماما

تناول هاجد سلسال المفاتيح واستقام واقفًا هاتفًا:

-يلا هوصلكم أنا

-خليك يا حبيبى لسه هاروح عند عمتك نعمة ومايسة
هتكمل هى

-يا سلام يا عمتى اوصل مايسة الاول وبعد كدا انتِ
دا شرف ليا

كانت تصرفاته تصيبها بالدهشة نظرات عيناها لا تحيد
عنه، نظراتها اخترقت قلبه كانت كالجمر ترجم روحه
وتهشم قلبه؛ نظرات اعين يقف الحزن على
اعتابها، سهام تخترق صدره وهو يقرأ العتاب بهم
غامت عيناها بالدموع فانحنت مسرعة تجمع اكواب
الشاى على الصينية وتتوجه للمطبخ حتى تتوارى
داخله شعر بروحه تتمزق حينها، لكن كيف هى
تغافلت عنه تلك الايام، ظلت عيناها معلقة على
المطبخ ثم رسم ابتسامة شاحبة على وجهه بينما
تقدمت عمته وابنتها للخارج فجذبته والدته قائلة:

-صوانى البقلاوة يا قلب امك مش بتستحمل النار كتير
وبتشيط على طول وطعمها بيبوظ وبتمرر اعقل
كده

ابتلع غصة بحلقه وهو على اعتاب الباب قائلًا:

-مش فارقة كتير يا امى

اغلق الباب خلفه، اما فى الداخل ازاحت دمعة فرت هاربة على وجنتها وتنفست بعمق، نيران نشبت وتسعير
بداخلها اندفعت خارج المطبخ

***

-طاهر موجود يا مرات عمى

تلك الكلمات قالها ساهر بينما اجابته زوجة عمه بترحاب

-تعالى يا ساهر يا حبيبى ادخل طاهر جوه ومعاه كرم

فتحت له باب الغرفة فولج للداخل والقى عليهم التحية
ثم جلس امامهم متسائلًا بقهر وخزى:

-طاهر عملت ايه فى موضوع الواد بتاع قضية ميرا
من ساعتها وانت بتقول انك متابع مفيش جديد

ابتلع طاهر وهو يجيبه:

-لأ مفيش جديد لسه انا بتابع متشغلش بالك انت
انا عارف ان الموضوع صعب وميرا اختى واللى
يخصها يخصنى

اغمض ساهر عيناه بحرقة وهو يقول:

-الاصعب ان ال*** دا لسه مش عارفين نوصلهُ
بكرة هاروح القسم وهادور على اى حد ادفعلهُ فلوس
يحاول يوصلنى لطرف الخيط

اندفع طاهر مسرعاً وهو يهز رأسه:

-لا لا، متعملش كدا

ثم تدارك نفسه وكلا من ساهر وكرم يطالعوا باستغراب

-قصدى يعنى عشان ميحسش اننا بندور فيهرب مننا

هز ساهر رأسه باقتناع اما كرم شعر بوجود خطب ما
من تشنج جسد اخيه وتلعثمه

بعد مرور وقت ليس بقصير وقد رحل ساهر حدج
كرم اخيه وهو يسأله بشك:

-هو ايه الموضوع

-مفيش بس مش عايزه يدخل فى الحوار دا عشان نفسيته

طالعه بعدم تصديق وهو يقول:

-طاهر عارف لو اللى فى بالى صح يبقى القيامة هتقوم
اوعى يكون اللى حصل زمان لسه فى دماغك ، انت
لما سافرت ساعة خطوبة هاجر مروحتش الشغل
كنت فين يا طاهر

صاح بحدة وهو يتناول سلسال مفاتيح قائلًا:

-انت مالك؟!
بطل هبل يا كرم انا اللى فيا مكفينى مش ناقص

*******

وقف تامر مع كيان اسفل البناية وصدح رنين هاتفها بالحاح خبطت رأسها هاتفة:

-كنان بيستعجلنى ومش هيبطل رن
بص يا تامر انا هطلع اجيب الاوردار من فوق وانت
عارف المكان صح

-تمام متقلقيش

صعدت للأعلى وبدأت فى اخراج الطعام على اعتاب باب
الشقة حتى تقوم بانزاله دفعة واحدة فى المصعد ثوان
ووجدت تامر امامها قطبت حاجبيها متسائلة:

-طلعت ليه انا كنت هنزل اهو

-قولت اساعدك بس ممكن اشرب

ابتسامة باهتة ثم توجهت للداخل ووضعت الهاتف
وحقيبتها على الطاولة دخل خلفها يتسلل بخفة
وجد هاتفها لازال يرن بالحاح فتناوله ليجيب
قائلًا:

-الو

-لا متقلقش انا مش حد غريب

- انا تامر مع كيان
فى الشقة بس هى مشغولة بتجهز الطلبات فقولت
ارد عليك يا دكتور

*****
يتبع



السابع والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close