اخر الروايات

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم سارة فتحي

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم سارة فتحي


  

الفصل الخامس والعشرون
****
روح بلا مأوى
****
الجزء التانى
****

كان خارجًا باندفاع والدموع تغشى عيناه فاصطدم بها
دون قصد فرفع يده يعتذر وهى الأخرى شرعت
ترفع يدها باعتزار وما أن رأت بيلسان وجهه احتدت ملامحها
هاتفة كأنها امسكته بالجرم المشهود:

-أيه قلة الذوق دية؟!
انت قاصدها صح؟!

لم يكن لديه أى نية لنطق كلمة واحدة لكنه جاهد
ليخرج صوته قائلًا:

-أكيد لا طبعًا، على العموم أنا اسف

استشعرت من نبرة صوته حزنه ثبت نظرتها على عيناه
وجدتها تلتمع بالدموع بينما هو شعر انه لم يستطيع
تمالك اعصابه وتمالك دموعه اكثر سيهوى على ارض
ويصرخ باسم هاجر، انصرف من امامها مسرعًا حتى قبل
أن يسمع ردها، رمقته بنظرات صامتة ممزوج بالدهشة
لكنها رفعت كتفاها بعدم اكتراث وتوجهت للداخل

*****

كانت الصدمة فى البدء شديدة
الأجواء خيم عليها التوتر المشحون، اما هى اخذت تحدق فيه لدقائق وقلبها يخفق بعنف بين اضلاعها، شعرت بعيناه تخترقها وتلسع قلبها بسياط الخذلان رغبت فى أن تبعد بصرها عنه لكنها حتى لم تجرأ حدثت نفسها أن كل شئ قد انتهى تعلم أنه لم يتهاون ابدًا، لن يجديها نفعا اى كلام

تطايرات شرارت الغضب من عينين كنان حتى أنه لم
يلتفت إلى والده وظلت حرب نظرات بينه وبين تامر
الذى كان بدوره يطالعه بقدر من التصميم والعناد،
كور قبضة يده وهو يمضى نحوه، اغمضت عيناها فقد علمت القادم

فى نفس اللحظة نهض ضياء مسرعًا من مقعده
متجهًا نحو كنان ليوقفه قبل أن يصل لتامر

لف يده حول عنقه بحركة مشاكسة هاتفًا:

-بقى كدا يبقى البوص جاى ومتقوليش
والله ما اسيبك حتى دية عاملة مفاجأة

ثم اكمل بخفوت وهو يهمس فى اذنه:

-متضيعش اللى انت عملتوا، عديها وبلاش تنكد
عليها وعلى نفسك، عارف انها صعبة وانه مستفز
بس عشانها

حرر رقبته بمرح وهو يرمقه بنظرات تحذيرية ثم تجاوزه واسرع نحو زهير يلقى نفسه داخل صدره

زفر بحرقة وهو يغمض عيناه بخيبة أمل وكسرة خاطر
يشعر بداخله ألم العالم بأكمله، لم يعد يرغب بالحفل
او أى شئ يريد انهائها، لكنه اصطنع القوة متوجهًا
نحو والده ليرتمى بين ذراعيه فربت على ظهره بحنان
ابوى ثم تركه قائلًا:

-عاملين أيه؟!
عاملة اية يا نهلة وحشتينى

ابتسمت بسعادة وهى تقترب منه قائلة:

-وانت اكتر يا زهير ايه المفاجأة الحلوة دية

-حبيت اجى فجأة بس حظى حلوة لقيت مفاجاة قدامى

ثم وجه بصره نحو تامر يهتف ببراءة مصطنعة:

-انا سمعتك يابنى وانت بتقول الهدية مش قد المقام
الهدية بقيمتها وكفاية لو شخص بتعزه بيقدمها

رمقها تامر باشمئزاز وملامح وجهه زادت قسوة ولم
يعقب على حديثه ألتزام الصمت وهو يطالع كيان

اتسعت عينين كنان بصدمة كأن هناك من صعقه
لا يعلم ايصيح بما يشعر به ام يحتفظ به حتى
لا يخطئة احد، لكن لماذا يخطئه احد؟!
لأنه يغار على زوجته، كم يود قتله فى هذه اللحظة
لكنه حاول السيطرة على غضبه، قطع صمتهم ضياء
وهو يشير إلى الطعام:

-معلش يا كيان الأكل دا هنتفرج عليه ولا هنأكل
كمان انا عايز ادوق، انا اصلا بيلا مدلعانى اكلات
كتير بس اجرب عشان واحكم عليك

اسرع هاجد قائلًا:

-وانا كمان الريحة والشكل يجننوا ومينفعش تجروا
ريقنا من غير ما ندوق ونحكم

رفعت هاجر بصرها إليه سريعًا راقبت عيناه الصافية
لا تنكر اعجابها بهذا الجزء جديد الذى ظهر من شخصيته، ابتسمت بتلقائية وهى تتأمله

ابتلعت كيان بتوتر ثم اردفت:

-طبعًا تدوقوا

رفع ساهر يده هاتفًا بمزاح:

-وأنا عامل حسابى أنا إنهارده مساعد شيف الكل يقعد
مكانه وانا هوصل الطلبات

****

-يانهار ابيض دا انا ليا الجنة على الأكل اللى أنا بأكلوا

تلك الكلمات نطقها ضياء بينما رفعت بيلا حاجبيها
تحدجه بغيظ هاتفة:

-ضياء انت بتقول أيه؟!

مال عليها ضياء وعلى شفتياه ابتسامة ماكرة وهو يخبرها بمزايا طعامها:

-بقول أن الأكل مع حبيبتى بيلا فى بيتنا بيبقى جنة

انهى جملته بغمزة لكن اجفلته بنظرات العتاب المصوبة
ونبرتها الثلجية التى حدثته بها:

-والله، لما نروح بيتنا نبقى نشوف موضوع الجنة اللى تستاهلها ولا لا

-قماصة يا بيلا اوى دا انا بموت من أكلك
قصدى فى اكلك

****

قطبت هاجر حاجبيها بدهشة وهى تحول نظرها للقابع
بجانبها

-الأكل روعة ايه الحلوة دية

تلك الجملة اردفها هاجد اما هاجر كانت تلتفت حولها
ثم ثبت نظرها عليه رادفة:

-فى أيه هو انت بتأكل كدا اللى يشوف كدا يقول
طنط مقصرة معاك

التفت هاجد بابتسامة مردفًا:

-لا طبعًا بس الأكل جميل اوى، انت مش بتاكلى ليه
هيعجبك؟!

مازالت على وضعها المصدوم من تصرفاته ومن الجانب الجديد الذى اكتشفته من شخصياته، هزت رأسها بالنفى
قائلة:

-مش عايزة، انا عارفة ان اكلها جميل جربتوا كتير

توسعت عيناها بذهول وهرب الدم إلى وجنتها التى تخضبت باللون الوردى من حركته التلقائية، يده مرفوعة
امام ثغرها بالشوكة وهو يبتسم ليحثها أن تأكلها، هزت
رأسها سريعًا بينما هو اصر عليها، فقررت تنهى هذا الموقف متناولة الشوكة بين شفتاها مسرعة وهى
تلتفت حولها ما أن يكون رأها، لكن تأتى الرياح بما
لا تشتهى السفن، كانت نظرات طاهر مثبت عليهم
الذى بدوره ابتسامة لها بهدوء فاطرقت رأسها
ودقات قلبها تتعالى من الخجل، اما هو كان فى
قمة سعادته كانت كالقطة الوديعة عكس تلك
الشراسة التى يراها دائمًا

****

كانت تقف بجواره مطرقة الوجه تشعر بتأنيب الضمير
فهى بالفعل بين ناريين، وقف ساهر امامهم يمد يده
بصحن محاولًا تلطيف الاجواء قائلًا:

-اتفضل يا كنان رغم انك مش محتاج طبق زينا انت
عندك الشيف بحالها ليك لوحدك

ابتسم بتهكم قائلًا:

-ليا لوحدى؟!

أغمضت عيناها تشعر بألم حاد من كلماته قلبها يقطر
دمًا على نبرته الحزينة، تنهد ساهر وهو يقف بجوارها
هامسًا بصوت بالكاد يكون مسموع:

-أنا لو منه كنت وقعت صف سنان تامر بسماجته ديه
وكنت طلعت عينيك بإيدى عشان تتدمع اوى على هديته
يلا اتصرفى بقى وشوفى هتراضيه ازاى؟!

توسعت عيناها بصدمة ثم رفعت بصرها إليه، فهمس
لها:

-انتِ لسه هتنحى انجزى

رحل ليتركهم لعل ما فعله تامر يمر بسلام حاولت أن تستجمع شجعاتها قائلة:

-ممكن تدوق لأن رأيك الوحيد اللى هيفرق معايا
إنهاردة

اجابها بنفاذ صبر وهو يعتدل فى وقفته حتى اصبح امامها:

-أنا الوحيد اشمعنا

ابتلعت ثم اجابته بدلال

-ممكن عشان جوزى وانا مراتك

دغدغت الكلمة قلبه واطربت اذنيه أول مرة تنطقها لكن الموقف ليس مناسب ليتذوق عذوبتها من على شفتاها
لكنه نظر إليه نظره جامدة خالية من المشاعر ليخفى
ما يشعر به قائلًا:

-جوزك!!
معلش بامارة اية جوزك؟!

-بامارة انه هيخرجنى إنهاره فى حفلة لينا لوحدنا
عشان ألبس الفستان اللى جابوا ليا، ولا عندك شغل
بيتهيألى أن المفروض اليوم دا بتاعى، بتاع مراتك
وبس

لثانى مرة تنطقها، ابتلع ريقًا وهو يرى دلالها ونعومتها التى تتحدث بها
زفر بنفاذ صبر متسائلًا:

-انتِ امتى اتعلمتى المكر دا

تنهدت وهى تبتسم ابتسامة شاحبة:

-مش مكر خالص بس مش حابة اليوم ينتهى بخناقة
خصوصًا بعد كل دا وتعبك

-هو بيفرق تعبى معاك؟!

ترقرت الدموع بعيناها وحاولت كبحها بصعوبة
وهمست بصوت متحشرج:

-بيفرق اكيد

كانت كورقة هشة فى فصل الخريف لم يستطيع
أن يقسو عليها اكثر من ذلك حاوط خصرها بيده
ليضمها لصدره وهو يربت على ظهرها يهدهدها برفق وهو يهمس لها بكلمات مهدئة:

-اوعى دموعك تنزل بعدين عينيك تورم نخرج ازاى

على فكرة كنتِ احلى شيف والموضوع مش مستاهل
تفكير اكتر، انا اخدت القرار عنك انتِ لازم توفقى

ابتسمت بخجل ليبتعد عنها متأملًا اياها بشغف قائلًا:

-لا أنا كدا هاخدك واطلع ونقفل علينا وهما مع نفسهم

-كنان ممكن تبطل شوية، بعدين الكل بيبصوا علينا

-مايبصوا مش مراتى وانا جوزك

مبروك يا دكتور كنان
صدحت تلك الجملة من خلفهم فانزل كنان يده وابتسم
بترحاب قائلًا:

-اهلًا يا دكتور شاهندة، مبسوطة أنك عرفتى تيجى

عينيها كانت تلتهم كيان من اعلاه لادناه ثم ابتسمت قائلة:

-معقول يا دكتور مجيش

-انتِ جيتى حسبى لله ونعم الوكيل فيكِ

نطق ضياء هذه الجملة التى وقعت كالصاعقة عليها
ثم استدارت تنطق بغل واضح من عينيها قائلة:

-انت بتقول أية؟!

تحمحم ضياء مردفًا:

-انا برد على كنان وبقول انتِ جيت على حسب اكيد
مفيش شغل، خير يا دكتورة مالك؟!

رمقته بازدراء ثم استدرات تمد يده لكيان هاتفة:

-مبروك يا دكتورة التخرج

قالت جملته ضاغطة على كل حرف تلفظه، صافحتها
كيان وبداخلها نفور منها مردفة:

-الله يبارك فيكِ، بس أنا مش دكتوره

نظرت لها ببراءة مزيفة لتنقل بصرها لكنان قائلة:

-بجد يا دكتور انا ماكنتش اعرف
اصل العيلة كلها دكاترة فقلت أنك انت كمان بتكمل
الطاقم الطبى

امتعضت ملامح ضياء من مزحتها السخيفة فهز رأسه
وهو يتمتم:

-لا لا صعب هزارها اسوء من اكل بيلا ودا فى حد ذاته
انجاز

تشدقت وهى ترمق ضياء:

-خير يا دكتور بتقول حاجة

كانت كيان تحاول كتم ضحكاتها، بينما هو اشار لنفسه
ببراءة قائلًا:

-ابدًا يا دكتور متركزيش معايا

ثم حمحم:

-كنان ممكن خمسه على جنب

****

يرى حياته فى عينيها حتى لو كان سيرافقه الألم
سيرضى به مفضلًا أن يحيى فى جحيم عشقها
على ان ينعم بسعادة بعيدة عنها، فهو لفظته الحياة كخرقة بالية، وهى من تقبلته
لم ولن يتركها مهما كلفه الامر سينتزعها أولًا ثم
يبدأ بحساب رأس الأفعى الذى بخ سمه بوجهها
واحزنها، كان يشتعل وعيناه يملأها الغضب بسبب
قربه منها يود أن يسحبها من معصمها ويغادر فالأمر
اشبة بمسرحية هزلية:

-انت ايه اللى جابك يا تامر؟!

ابتسم بسخرية ثم استدار له قائلًا:

-انت مالك

تخضبت ملامحه بحمرة الغضب واظلمت عيناه:

-أنا اخوها على فكرة، ولازم اعترضت على طريقتك
دية

-ما تكبرهاش فى حق نفسك وتعيش دور الأخ اوى
مش شهرين هيخلوك تبقى اخوها

برزت عروق ساهر بطريقة توحى غضبه قائلًا:

-هو انت ليه مش عايز تستوعب فكرة ان ماكنتش
اعرف واستحالة كنت اسابها

اجابه تامر ببرود:

-ماشى يا سيدى استوعبت انك ماكنتش هتتخلى عنها
استوعب انت بقى اللى هقولوا أى حاجة تخص كيان
تخصنى أى مناسبة تخصنى أى فرحة تخصنى
اى حزن بقى مش يخصنى دا مسئوليتى أنا اشيلوا
عنها، ومتنساش أن الست اللى ربتنا واحدة، وأن
لما انت والدكتور كنان كنتوا فى حضن اهلكم ومش
عارفين حاجة عن ناس عايشين فى عالم موازى
كنت انا وهى بنواسى بعض على مرار ايامنا، مش
هبعد عنها لمجرد أن واحد اتجوزها عشان يمر بتجربة
جديدة وبعدين لقى نفسه ان بيحبها وبلاش تركز
معايا ركز مع اختك على فكرة كيان اللى بتجرى
معاك الصبح فى جواها كيان تانى انت متعرفهاش
ولا جوزها حتى يعرفها

ثم ضحك باستفزاز مسترسلًا:

-بعدين عيب عليك تعمل كل دا ومتعزمنيش

رمقه بنظرات سخط وتهكم:

-ايوة وانا عارف كل اللى قولتوا بس هى بتحب كنان
بتعشقه افهم وهو كمان والمفروض اننا نساعدها

-متقلقش انا بساعدهم، ياريت كل واحد فينا يساعد
فى صمت

*****

سحبه ضياء بعيد عن التجمع وهو يرمقه شزرا وهمس
له من بين اسنانه قائلًا:

-جرى أيه يا جدع انت؟!

قطب كنان حاجبيه متسائلًا:

-مالك فى أية؟!

انتفخت اوداجه من الغضب قائلًا:

-ما تخلص يابنى وتقفل الليلة دية انت حالف تقفل بمصيبة انجز كدا هو انت ناوى تنوم الجمع دا معاك
هنا تامر وشاهندا دا ناقص انك تولع فينا

ثم التو ثغر ضياء قائلًا بمشاكسة:

-نفسى افرح بيك قبل ما اموت واشوف عيالك
احسن كدا بقى والله هبتدى اشك فيك

جز على شفتاه قائلًا بشراسة:

-ضياء

اكمل حديثه متجاهلًا غضبه قائلًا:

-يابنى احنا ستر وغطا على بعض متقلقش العلم
اتطور عرفنى

قاطعه بحدة قابضًا على تلابيب قميصه:

-تصدق بالله انا لازم اهين كرامتك

اختنقت انفاسه فحدثه بنبرة متحشرجة:

-صوتك العالى دليل على ضعف موقفك يابيه ممكن
تسبنى بقى وانا هدورلك على الحل

-هموتك ياضياء والله

حدثه ضياء بجدية مصطنعة:

-خلاص خلاص سبنى بقى وروح لما فراشة الحج احمد
دية والله قلبى بيقول هتقلب بنكد انجز كفاية كدا
يكش ربنا يسهلك ويفك نحسك

******

فى المساء

وما أن وطأت قدمها شقتها فكت حجابها مسرعة تلقى به على الأريكة بجوارها ثم انحنت تخلع حذائها
نهضت واقفة تتوجه للداخل لكنه اعترض طريقها
وعيناه مثبت على خصرها كانت فاتنة واكثر اغواءًا
لم يتفوه بكلمة واحدة بل اكتفى بمقلتيه التى تحدق
بها مما اشعرها بالخجل، مد يده يحاوط خصرها لكنها
دفعته بحدة ليقبض براحتيه الخشنة مانعًا أياها
كانت تتلوى بين يدها بقسوة تحدث هاجد بحدة

-مالك فيكِ أية؟!
مش طبيعية من أول الطريق

نظرت له بغضب قائلة:

-شوف انت عملت ايه؟!

تنهد قائلًا بهدوء:

-انا مش فاكرة إنى صدرت منى حاجة تضايقك

دفعته براحتيها بحدة فى صدره وهى تبتعد عنه قائلة:

-أيه تأكلنى فى بؤى قدام الناس ديه ها؟!

اخذت انفاسه تتسارع فهتف بعصبية:

-دا كل اللى مضايقك عادى يعنى فيها أية
مراتى واكلتها بإيدى محصلش حاجة فين المشكلة
مش فاهمك

-أنا مبحبش كدا اتكسفت ثم ايه ايدك اللى كنت كل
شوية تلفها حوالين وسطى وتشدنى ليك انت ناسى
اننا مش فى بيتنا

توحشت عيناه وقاطعها بعصبية وهو يلهث امام وجهها:

-لا مش ناسى بس عادى بردو مراتى ومعملتش حاجة
غلط تستدعى كل العصبية دية

-انت هتجننى انا مش متعودة على كدا، وانت اصريت
تيجى معايا وانا ماكنش فيه مشكلة لازمتها ايه الحركة
دية

تملك من عينيه الحزن وهو يشعر بنفورها من قربه
منها فهمس بخفوت متألم:

-انا اصريت هو للدرجة دية وجودى مضايقك
طب كنت عرفينى

شعرت بالخجل من نفسها ومن ثورتها لكنها بالفعل كانت
تشعر بالخجل وان النظرات مصوبة عليها، ابتلع غصة
بحلقه عندما طال الصمت؛ كان صمت مؤلم اشبه
بطعنات السكين التى تتوالى تباعدًا وكل واحدة اكثر
عمقًا من سابقتها

زادت التكهنات والسيناريوهات ربما لم تريد أن يرها ابن خالها هكذا عند هذه النقطة جن جنونه ضرب الحائط
بجوار رأسها لتنفض وتغلق جفنيها بخوف ولم تفتح
مقلتيها وظلت مكانها تنتفض، قلبه يحثه أن يضمها جاهد نفسه وألجمها ثم خرج مندفعًا، لم تفتح عيناها
إلا عندما اهتزت الجدران من صفعة الباب خرج وهو
وهو يتألم من جمر كلماتها التى نزلت على قلبه دون
رحمة، لِم حبها حارقًا هكذا

جراح الصمت احيانًا يكون أقوى من الكلمات فينحفر بجدارن القلب ويبقى عالقًا

اغمضت عيناها بوهن ثم جلست على الأرض تضم ركبته
لصدرها تبكى بحرقة هامسة:

-ماكنش قصدى بس والله كنت مكسوفة انت فهمت
غلط

هزت رأسها بيأس كيف ألجم لسانها عن الكلام وظلت تحدق
به فقط جرحت كرامته

*****

فى صباح اليوم التالى

دلف طاهر لذلك المبنى الضخم فهو استلم عمله بالكامل
وعليه معاينة الموقع الذى ستقوم الشركة بتشطيبه
وافتتاحه قريب، كان المكان سيجهز ليصبح عيادة
طبية دلف داخل الشقة وبدأ بأخذ جولة سريعة
حتى تأتى صاحبة المكان ثوانٍ وسمع صوت خلفه
فاستدار لتتوسع عيناه بصدمة:

-انتِ أية اللى جابك هنا؟!

ازاحت خصلاتها للوارء وهى تردف بعدم استيعاب:

-معلش تانى كدا، انت اية اللى جابك هنا
انا صاحبة المكان

صمت، صمت خيم على المكان حولهم ثم نظر لها بتعابير
متذمرة هاتفًا:

-انا المهندس المسئول عن التشطيب
وشكل شركتنا غلطت وهنرجع فى كلامنا استحالة اكمل

هتفت بحدة قائلة:

-مش بمزاجك دا شغل وهتكملوا الشركة ملزومة بيه

-مفيش حاجة تلزمنا احنا ماخدناش حسابنا ومش لازمنا
الشغل هنا

طوت ذراعيها امام صدرها قائلة:

-اه قول كدا انت عايز فلوس يعنى

رفع حاجبه باستنكار وهو يقول بحدة:

-خلى فلوسك انا مش هشتغل هنا اصلا

قلبت عيناها للأعلى وهى تنفخ بنفاذ صبر قائلة:

-ما هو لو كل حد معجبوش مديرة فى الشغل مشى
وساب الشغل محدش هيشتغل

-نعم!! مين دية اللى مديرة وانا شغال عند مين؟!
عندك انتِ

التو ثغرها ببرود قائلة:

اسمى الدكتور بيلسان

طرق كفًا بالاخر قائلًا:

لا معلش دكتورة على نفسك

نظرت له ببرود لترفع هاتفها مجرية إتصالا ثم مدت
يده لها بالهاتف:

-كلم كدا

رمقها باستنكار ثم تناول الهاتف ليرد على الطرف الاخر
كانت بيلا فتنهد قائلة:

-تمام يا بيلا، تمام خلاص متقلقيش

انهى الاتصال ثم ناولها الهاتف قائلًا:

-انا همسك المكان عشان بيلا هتقولى اللى حابة والباقى
مالكيش دخل فيه

نظرت له فى صمت ولم تتحدث قاطعها صوت الهاتف
الذى بيدها اخذته ودخلت احدى الغرف وتلاشت ابتسامتها ببطئ وهى تغمض عيناها بقهر هاتفة:

-انتِ بتصرخى كل دا ليه عشان رنيت وانتِ فى شات
جماعى مع صحباتك، انا هنا بقالى اد اية ولا يوم فكرتى
انتِ او بابا حد يسأل عليا مش يمكن بعمل حاجة غلط

صرخت بحدة:

-يعنى ايه مش صغيرة، طب حتى اتصال واحد عليا
واحد بس تقدرى تعدى يومين من غير صديقاتك
والنادى ليه كدا حرام عليكِ

اكملت بنفس النبرة:

-فين اختى؟!

متعرفيش يعنى اية؟! يعنى اية؟!

انزلت الهاتف من على اذنها ترمقها بصدمة اغلقت والدتها
الهاتف بوجهها، ضربت صدرها بحرقة غالفة على من
يقف خلفها شهقاتها كانت تعلو اكثر واكثر

لديها عزت نفس تكفى لتخوض حروب ومعارك بمفردها
لا تطلب ابدًا شئٍ بدخلها رضا ليست مغرورة بل طفلة صغيرة
مشتتة لكنها ايضًا ستدهشك بكبريائها الممزوج العظمة
لكنها اكثر من يتتوق للحنان

****

يتبع



السادس والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close