رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم سارة فتحي
الفصل الثانى والعشرون
*****
روح بلا مأوى
*****
الجزء التانى
*******
وقف حسين أمام غرفة ابنه كرم وهو يفكر بتردد
أن يدخل إليه، لكن فى النهاية حسم امره حيث
طرق دقات خفيفة قبل أن يدخل إليه حزينًا،
كان كرم ممددًا على فراشه يعبث فى هاتفه، فاعتدال
من نومته، جلس حسين امامه على الفراش قبل أن يتساءل باهتمام
-عامل أيه ياكرم يابنى؟!
رمقه بنظرة قلقة قبل أن يسأله:
-مالك بس ياحاج؟! صحتك مش عجبانى
فى حاجة مضايقك؟!
قال جملته الاخيرة وقد ألتمعت عيناه بالحزن على والده، رد عليه بوهن:
-وهو فيه أيه بس ميضايقش
وفاة عمك مكنتش أحب أن يتوفى وهو شايل ذنبها حالة اخوك، بنت عمك اللى احنا مانعرفش
عنها حاجة حاسس أن كل حاجة بتحصل لينا ذنبها
رغم أن ربنا شاهد عليا وقتها عملت أيه عشانها
أغمض كرم عيناه وهو يهز رأسه بالسلب هاتفًا:
-ياحج وحد لله كدا، ومتقولش الكلام دا كله نصيب
بالنسبة لعمى ربنا يرحمه هو عند ربه وهو اللى بيحاسب
أما طاهر أن شاء الله يرجع زى ماكان واحسن كمان
طب يا حج تصدق علاقة هاجر وطاهر كانت مؤذية ليا أنا شخصيا
روق كدا وفك يا حاج بقى واضحك
اخرج تنهيدة حارة مردفًا:
-وبنت عمك؟!
رد عليه ببسمة صغيرة:
-ماتقلقش عليها هى فى أمانة اخوها دلوقتى وساهر قدها لدرجة أنه مش مبين حزنه وواقف جنبها على
قد ما هى سامحة ليه وشوية بشوية هتأخد علينا
كلنا متقلقش أنا عينى عليهم، ابن اخوك كل يوم
يأخدها يجرى بيها الصبح هايجيب اجلها قريب
رد عليه بحنو وهو يربت على كتفه قائلًا:
-يارب تعرفوا تعملوا اللى معرفناش نعملوا احنا زمان
-بقولك يا حاج افردها بقى احسن الحاجة مش طايقنا
خلقة وان استمريت كدا مش بعيد تكرشنا او تطفش هى
حرك رأسه بالإيجاب وهو يبتسم ثم نهض متجهًا
للخارج بينما تنهد كرم بحزن على حال أخيه
******
وقفت بيلا تنظر إلى السفرة التى اعدتها برضا فهى
أول مرة تعد عشاء رومانسى فى بيتها، فتحت علبة
الورد المجففة ونثرتها على الطاولة كلمسة أخيرة
ظلت تنظر امامها وعيناها مرتكزتين على مدخل
البيت، تارة تتحمس وتارة تخجل لم يستغرق الأمر
سوى دقائق لتجد ضياء يدخل من الباب وما أن ولج حتى تجمد مكانه
كانت ترتدى فستانًا بلون الأحمر عارى من الظهر
ألتف حول قوامها الممشوق بمثالية وشعرها الكهرمانى
صفف بمهارة وكان يتدلي على إحدى كتفاها، وشفتاها
كانت مطلية باللون الأحمر النارى
جذب انتباهه البسمة التى تزين ثغرها فركز على
شفتاها بدقةٍ كصقر متربص، حاولت التماسك أمام
نظراته وفى النهاية خرج صوتها الناعم:
-وحشتنى، حمدلله على السلامة
ازدرد ريقه وهو يتفحص ملامح وجهها وكان أكثر من
مرحبًا بمبادرتها فالتقط يدها الناعمة بين قبضته الضخمة، لاثمًا قبلة بباطن يدها وعيناه لا تفارق عيناها للحظة:
-انت اكتر، ايه الحلاوة دية، كل دا عشانى؟!
لمساته دغدغت مشاعرها فمنذ أول يوم لهم اصر ضياء
على هدم الحصون بينهم، تسلل إلى تلك الطبقة الجليدية التى تغلف بها قلبها واشعل بيها النيران
لتذوب، وتذوب هى أيضا فى بحور عشقه، هزت
رأسها بالايجاب قائلة:
-عشانك، انا اللى عملت الأكل كله ممكن تقعد تأكل
وتقول رايك
غمز لها بطرف عينه قائلًا:
- لأ دا احنا هنأكل ونحلى بإذن الله
ابتسمت بسعادة وقلبها ينبض بقوة كأنها تركض على
ألة السير، مد يده يلتقط الملعقة وبدأ يتذوق الطعام جلست امامه بترقب تطالع معالم وجه
لا زال يمضغ اللقمة ثم بلعها بصعوبة قائلًا:
-أية يا حبيبتى دا؟!
-بيكاتا بالشامبنيون
كان طعمها لاذع وقاسيًا على معدته فتناول محرمة
ورقية وبصق بها ما تبقى فى فمه قائلًا:
-متأكدة يابيلا أن دية بيكاتا
نظرت له بحزن ووجل هاتفة:
-أيه يا ضياء فى أيه ؟!
انت مش عاجبك أكلى وأنا اللى تعبت نفسى عشانك
صوتها المحتقن اشعره بالذنب لوهلة، تنحنح وهو يتقدم
منها قائلًا:
-أنا بقول منضيعش تعبك على الفاضي ونحلى على
طول
هزت رأسها نفيًا واردفت باصرار:
-لأ مفيش حلو طالما ماكلتش، اللى مياكلش من الأكل
بتاعى مش هايحلى
اقترب منها وهو يلعب فى خصلات شعرها وعيناه
مثبتة على شفتاها، تخضبت وجنتيها بالحمرة لكنها
سرعان ما ضيقت عيناها بغيظ هاتفة:
-وسع كدا أنا اللى هأكل اللى عملته
ابتسم بخفوت على عنادها، لم تر من ضحكته سوى
السخرية مما زاد اصرارها وتوجهت نحو الطاولة
والتقطت المعلقة ودستها فى فمها بكل ثقة وما أن
تذوقتها أخدت تسعل بقوة اقترب ضياء مسرعًا
يناولها كوب ماء فارتشفت منه ثم وضعتها بجوارها
قائلة بغرور زائف:
-واضح أن الأكل فى مكون زايد
- فى مكون واحد زايد بس يا حبيبتى
دا أسوء أكل بعد أكل مال اليتيم يا بيلا حرام
قضمت شفتاها باحراج ثم لفت ذراعيها حول عنقه
مردفة بدلال وهى تمرر عينيها على تقاسيم وجهه:
-أنا شايفة اننا نحلى على طول
كلماتها اشعلت الفتيل بداخله دون سابق انذار مال
على شفتيها ملتقطًا إياهم فى قبلة محمومة فهى
كانت كالمغناطيس تجذبه وهو بكل صدر رحب
لبى النداء حملها إلى غرفتهم بينما هى كانت
مستسلمة وتتدلل كقطة صغيرة تمتلك صاحبها
*******
فى اليوم التالى
اقترب منها وهى نائمة ليطبع قبلة رقيقة على وجنتها
هيئتها وهى نائمة قابلة للالتهام راقبها بأعين لاهفة
لكنه كتم تلك اللهفة داخله حتى لا يخرب ما يفعله
ليثبت لها قولًا وفعلًا انه جدير بها، اختلج قلبه عندما سمع أناتها وهى
نائمة اقترب مقبلًا جبهتها هامسًا بتحشرج قائلًا:
-متأكد إنى اخترت صح يا هاجر بس دا اختبار
ليكِ ويارب تكونِ عند حسن ظنى يا شريكة العمر
نهض نحو خزانته ليخرج ملابسه شعرت بحركة فى
الغرفة فرفعت رأسها تطالعه فاستدار وكانت تفرك
عينيها من النعاس دقيقة واحدة اخر خطر عليه
اولاها ظهره قائلًا:
-صباح الخير
اجابته باقتضاب:
-صباح الخير
-متعمليش غدا عشان الضيوف أنا هابعت غدا من بره
ظلت صامتة ولم تجيبه بينما هو لم يتفاجئ من ردة فعلها بل كان متيقنًا، تابعته بعينيها وهو يخرج من
الغرفة ارتمت على الفراش تطالع السقف بشرود
*****
-انت مش هتجرى النهارده ولا أيه يا كيان مجهزتيش؟!
كان هذا سؤال نهلة لكيان تحت مرأى وسمع كنان
فاجابتها بنبرة عادية وهى تنظر لها بوجه خالى من التعابير:
-لا، هافطر ورايحة استلم بيان النجاح بتاعى
قطب حاجبيه متسائلًا:
-بيان نجاح أيه؟!
هى النتيجة ظهرت؟!
نطقت بهدوء بعكس ما يجثم على صدرها قائلة:
-ظهرت من اسبوع، عن إذنكم
راقبا انصرافها نحو الغرفة فرمقته والدته والدهشة تحتل ملامحها متساءلة :
-هو انت ماكنتش تعرف أن نتيجتها ظهرت
ابتلع ريقه ثم اجابها:
-لأ ماعرفش، عن إذنك
*****
ولج الغرفة خلفها وهو يكتوى بنيران الذنب التى لم
تدخر وسعًا لتحرقه بنيران الندم، بينما هى كانت تشعر
بالقهر ذنب لم تفعله وعوقبت عليه
وقف خلفها يسألها:
-انتِ ليه مقولتليش النتيجة ظهرت؟!
لم تنظر إليه وكأنها لم تسمع شئ ظلت تجمع اشياءها
زفر بحدة قائلًا:
-لو سمحتِ لما أكلمك بصيلى
ألتفتت والدموع تجمعت فى مقلتيها هامسة باختناق:
-هتفرق؟!
-انتِ شايفة أيه ؟!
التقطت حقيبتها ثم اولته ظهرها قائلة:
-مجاتش مناسبة
جذبها من ذراعها وهو مصر على رؤية وجهها مردفًا:
-ممكن تقفى نتكلم زى الناس
ابتسمت ساخرة وهى تلوى شدقيها متأملة إياه
بوجع وقهر:
-اشمعنا دلوقتى هنتكلم أيه خلص العقاب
-بلاش الطريقة دية انتِ عارفة أنا كنت عامل ازاى
صرخت به تلك المرة وقد فاض بها الكيل:
-كفاية بقى، انت عارف انا كنت بحلم ازاى بيوم
النتيجة اخيرًا لقيت حد هافرح معاه، كنت بعرف
إن نجحت واقول عادى انجح اسقط هاتفرق يعنى
ولما ماما هدى ماتت كنت بشوف النتيجة واقفل
الفون وانام كأنى قرأت بوست عادى على الفيس
واشوف البنات حاطين حالات وبوستات وانا
بقول هما أيه شعورهم؟!
السنة دية عرفت شعورهم وأن فى حد يبقى
مهتم بيا وأنا حابة افرح معاه، وممكن نتصور
واعمل علامة النصر كدا مثلًا زى البنات أو نخرج
بمناسبة النجاح، بصراحة أنا كان سقف طموحى
عالى حلمت بحضن واشوف فى عينيك فرحة
بيا، بس هو اللى زى مش مكتوب ليهم الفرحة
يوم ما شفت النتيجة لأول مرة اعيط وأنا بدور
على حاجة نقصانى، أول مرة مقفلش الفون
واروح انام أو اكل بقيت بعيط ومستنياك هاتيجى
واقولك، بس ماجيتش اصلى أنا كنت متعاقبة
اول مرة احس أن قلبى محتاج حد معين وعايز
يفرح معاه، ودلوقتى بتسألنى ليه مقولتش
كان نفسى اقول بس انت عارف
انا مش عايزة اتعود على حد معايا
أول مرة يرى بعيناها هذه النظرة الخذلان ممزوج
بعتاب قاسى شعر بانه خذلها، داخله يئن هو يستحق ذلك همس بصوت متحشرج:
-أنا مستاهلش القسوة دية يا كيان ولا كلامك اللى
يدبح دا، أنا زى أى رجل غار على مراته غصب
عنى انتِ حتة منى، أحنا بقالنا اد ايه متجوزين
حتى كلمة بحبك مسمعتهاش
منك
-انت عاقلة وقدرتى ظروف تامر وأنه صعب تتخلى
عنه طب واحساس جوزك، ما أنا ماعرفش اعمل أيه
لما اسمع مراتى واحد بيقولها انتِ قمر راجل بيتغزل
فيها والله عملت المستحيل عشان مامدش ايدى
عليه وانتِ تزعلى، على فكرة الواد دا قاصد وانا
راجل زيه وفاهمه، طب ليه لما انتِ بتراعى ظروفه
وحالته ليه هو ميراعيش انك ست متجوزة وأنه
مايصحش يقولك كدا، ليه عايزانى اتحرق بالنار
وماتكلمش، ودلوقتى بتحرقينى بكلامك دا
همت بالرد عليه لكنه اوقفها قائلًا:
-استنى أنا عارف ردك كويس وطبعا هو مش قولتلك اننا ماننفعش لبعض
طلقنى دا ردك تدوسى عليا أنا صح انا ممكن تتخلى
عنى بس هو صعب عشان ظروفه، انتِ قاسية اوى
يا كيان طب حطى نفسك مكانى مرة، بس انا مع
كل دا كنت بصحى بدرى وامشى قبلك عشان اقف
بره اطمن عليكِ واشوفك وصلتى لأخوكِ وامشى
وارجع تانى بليل اقف بره زى العيل الصغير استنى
رجوعك واشوفك وصلتى واستنى تكونى نمتى
عشان اعرف اخدك فى حضنى، لكن انت مكلفتيش
نفسك حتى مرة واحدة بالسؤال عليا، تفتكرى كام
مرة كلمتى تامر وكنتِ خايفة عليه
كانت تراقب انفعاله بقلب مفطور ودمعاتها تنهمر
على وجهها كشلالات ونظراتها تحرقه بنظرات العتاب وشظايا الخذلان، لم يكن يريد البوح بأى شئ
لم يكن يريد احزانها، لكن ماذا يفعل في غيرته التى
نهشت قلبه يثور فور اقتراب أى رجل منها، فجذبها
لصدره لعلها ترتاح فدموعها زلزلت كيانه
ضاعت بين احضانه المشبعة بعاطفته الجياشة
يده استباحت خصرها ليضمها اكثر وعيناها
مغلقتين لقد اشتاقت لدفئ احضانه، تضعف
امامه مرة اخرى
لا تعرف كيف تكون فى حضرته مسلوبة الارادة
كان يربت على خصلاتها يهدهدها كطفلة صغيرة
هامسًا:
-أنا اسف، أنا غلطان ياكيان، بس بحبك لا والله بعشقك
اخترق عشقه اوردتها وطيب ندبات روحها بلمساته
المشتاقة ثم همس بجوار اذنيها قائلًا:
-انا شايف اننا نروح نجيب بيان النجاح احسن
مافيش خروج من هنا لمدة سنة لقدام
-خليك انت عشان انا هاروح لهاجر عشان اباركلها
نطق بخبث وهو يمسح دمعاتها:
-وأحنا امتي هيباركوا لينا
-كنان
كان يتحدث بأمل ينبثق من عيناه، ابتسمت من بين
دموعها حتى تصبح انثي بمظهر طفولى بحت، زفر
بقوة محاولًا أن يخرج كل ما فى صدره من حزن
وألم وشوق فهمس:
-خمس دقايق وتكونى برا احسن مافيش خروج النهارده
*****
وقفت أمام المرآة تنظر لنفسها بسخرية تشعر بتخدر فى اطرافها والدموع تحجرت فى مقلتيها، تغلفها كرة جليدية حتى أنها منذ أن حدثها أمس لم تعقب بل
انعزلت فى غرفتها اصابتها خيبة الأمل من طريقته
لكنها عندما استيقظت صباحًا كانت لا تعرف شعورها
تضحك، تنهار، تبكى، لكن ما تعلمه ويطفو بحلقها
كالعلقم هو مرارة الخذلان
باتت لا تعرف مرداها تشعر بالضياع
ماذا تريد؟!
من هى؟!
هى صاحبة الروح الخاوية أما هى التى تنشر
البهجة حولها، اصبحت مشوهة من الداخل لا تقو
على اسعاد نفسها حتى، طرق على الباب قاطع
شرودها رمقت نفسها بنظرة اخيرة امام المرآة
لتجد حماتها والابتسامة تزين ثغرها قائلة:
-اللهم بارك عروستنا قمر
اعذرينى يا هاجر ماكنتش موجودة امبارح ساعة
عمات هاجد أما جم
هو حصل حاجة ياحبيتى عشان جايين ومعزومين
النهارده
نبرة صوتها ولهفتها كالأم قلقة على حال ابنتها قضمت
شفتاها وتذكرت أنها وعدته ستبقى ما بينهما سرًا
لا يتخطى اعتاب غرفتهما، تصنعت الابتسامة
فعلقت ذراعها بذراعها ثم سارت تتأبطها للخارج
وهى تقول:
-قولى كنتِ فين وسبتينى أمبارح طول اليوم
فهمت انها تريد تغيير مجرى الحديث حتى ابتسامتها
لم تصل إلى عينيها فأردفت:
-زيارة مريض، اتصلت بعمات هاجد قالوا هايجوا بليل
ولما رجعت اتصدمت انهم جم ومشيوا وهاجد عزمهم
حتى الأكل قالى هطلبه من برا
-قالى الصبح أنه هيطلب الأكل من برا
تسلم ايديكِ تعبتى معايا من الصبح
ربتت على كتفاها قائلة:
-ولا تعب ولا حاجة انتِ بقيتى بنتى، ولعلمك لو هاجد
مضايقك أنا اخدلك حقك منه واوعى تفكرى انى
عشان امه هاكون فى صفه، وغير كدا انتِ لازم
تاخدى حقك من عينه
فى هذه الاثناء دق جرس الباب فتوجهت والدة هاجد
تفتح الباب وهى تعلم أن هذه المقابلة لم تمر بسلام
فتحت الباب لتجد هاجد يتقدمهم، قبل جبينها
وولج للداخل وهم خلفه ألقوا التحية قابلتهم
هاجر وسلمت عليهم سلاما فاترًا، تمتم هاجد:
-يلا ياجماعة الغدا
جلسوا حول طاولة الطعام وكان هاجد يترأس الطاولة
وبجواره على اليمين والدته، فتوجهت هاجر لتجلس
بجوارها لكنها اوقفتها:
-مكانك جنب جوزك يا حبيبتى
تابعها هاجد بعينيه كانت ملامحها مرهقة وما أن جلست
حتى قال:
-ابدأوا يا جماعة انتوا مش غرب
لوت احدى عامته ثغرها قائلة:
-هى عروستنا مش بتعرف تطبخ؟ كل الأكل كدا جاهز
رفعت والدته حاجبيها بإستنكار وهمت بالرد عليها لكن
اوقفها هاجد وهو يقول:
-عروسة يا عمتى
وبعدين الصراحة حتى لو مش عروسة أنا هاجر مش
بيهون عليا تعبها
رفعت عينيها من صحنها تطالعه بذهول فردت عمته
الأخرى قائلة :
-ما كنا عرايس وبنعمل أكل من اول يوم ، حتى
مايسة اللهم بارك استاذة فى المطبخ
تنفست والدته الصعداء عندما فهمت ما يرنو إليه ابنها
فاردفت:
-وعروستنا شيف أد الدنيا بس أهو زى ما هاجد
قالك كدا مش بتهون عليه حتى يدخلها المطبخ
جاهدت عمته لرسم الابتسامة ثم حدثتهم:
-شوف والنبى اللى يشوف كدا يقول قصة حب
مش جوازة فى شهرين
لايوجد اسباب للوقوع فى العشق هكذا يقتحم قلبك ويدخل دون استئذان فلا قوانين فى الحب
فأجابها وبعينين تضخان كل العشق:
-والله وكأنها قصة عشق من قديم الأزل مش قصة
حب ، اتسربت جوايا فى يوم وليلة، صوتها أول
مرة سمعته صحى قلبى من نومة كانت اشبه
بأهل الكهف فى نومتهم لحد أول مرة اشوف هاجر
بسمتها بس بتدخل السرور على قلبى
واخيرا رفع عيناه لتغرق فى عيناها كانت هاجر كالمصعوقة تكاد تذوب من فرط الخجل
يغرقها بكلماته امام الجميع، اطرقت رأسها فى
محاولة بائسة لالتقاط انفاسها
ساد الصمت لثوانٍ بينما كانت والدته ستنفجر رئتيها
من السعادة، انتهوا من الطعام فنهضت هاجر مسرعة
تتوجه نحو المطبخ قائلة:
-هاجيب الحلو
-مفيش داعى أحنا اتاخرنا ولازم نروح
نهضوا ليرحلوا وجوههم واجمة كأن القط أكل عشائهم
فذهبت والدته خلفهم ثم توقفت تربت على كتفه
قائلة:
-ربنا يرضي عنك ياابن بطنى
انصرفوا جميعًا ولا زالت هى بالمطبخ فتسلل هو خلفها
*******
حمدلله على سلامة ياباشا نورت مصر
تلك الجملة قالها احد رجال زهير، بينما الأخر عقب
على جملته قائلًا
-مش عايز حد يعرف انى هنا دلوقتى فاهم
طأطأ الرجل رأسه بخنوع قائلًا:
-اللى تأمر بيه سعادتك
-انا مش حتت عيله هتقف فى مصلحى مع الوزير
*****
يتبع
*****
روح بلا مأوى
*****
الجزء التانى
*******
وقف حسين أمام غرفة ابنه كرم وهو يفكر بتردد
أن يدخل إليه، لكن فى النهاية حسم امره حيث
طرق دقات خفيفة قبل أن يدخل إليه حزينًا،
كان كرم ممددًا على فراشه يعبث فى هاتفه، فاعتدال
من نومته، جلس حسين امامه على الفراش قبل أن يتساءل باهتمام
-عامل أيه ياكرم يابنى؟!
رمقه بنظرة قلقة قبل أن يسأله:
-مالك بس ياحاج؟! صحتك مش عجبانى
فى حاجة مضايقك؟!
قال جملته الاخيرة وقد ألتمعت عيناه بالحزن على والده، رد عليه بوهن:
-وهو فيه أيه بس ميضايقش
وفاة عمك مكنتش أحب أن يتوفى وهو شايل ذنبها حالة اخوك، بنت عمك اللى احنا مانعرفش
عنها حاجة حاسس أن كل حاجة بتحصل لينا ذنبها
رغم أن ربنا شاهد عليا وقتها عملت أيه عشانها
أغمض كرم عيناه وهو يهز رأسه بالسلب هاتفًا:
-ياحج وحد لله كدا، ومتقولش الكلام دا كله نصيب
بالنسبة لعمى ربنا يرحمه هو عند ربه وهو اللى بيحاسب
أما طاهر أن شاء الله يرجع زى ماكان واحسن كمان
طب يا حج تصدق علاقة هاجر وطاهر كانت مؤذية ليا أنا شخصيا
روق كدا وفك يا حاج بقى واضحك
اخرج تنهيدة حارة مردفًا:
-وبنت عمك؟!
رد عليه ببسمة صغيرة:
-ماتقلقش عليها هى فى أمانة اخوها دلوقتى وساهر قدها لدرجة أنه مش مبين حزنه وواقف جنبها على
قد ما هى سامحة ليه وشوية بشوية هتأخد علينا
كلنا متقلقش أنا عينى عليهم، ابن اخوك كل يوم
يأخدها يجرى بيها الصبح هايجيب اجلها قريب
رد عليه بحنو وهو يربت على كتفه قائلًا:
-يارب تعرفوا تعملوا اللى معرفناش نعملوا احنا زمان
-بقولك يا حاج افردها بقى احسن الحاجة مش طايقنا
خلقة وان استمريت كدا مش بعيد تكرشنا او تطفش هى
حرك رأسه بالإيجاب وهو يبتسم ثم نهض متجهًا
للخارج بينما تنهد كرم بحزن على حال أخيه
******
وقفت بيلا تنظر إلى السفرة التى اعدتها برضا فهى
أول مرة تعد عشاء رومانسى فى بيتها، فتحت علبة
الورد المجففة ونثرتها على الطاولة كلمسة أخيرة
ظلت تنظر امامها وعيناها مرتكزتين على مدخل
البيت، تارة تتحمس وتارة تخجل لم يستغرق الأمر
سوى دقائق لتجد ضياء يدخل من الباب وما أن ولج حتى تجمد مكانه
كانت ترتدى فستانًا بلون الأحمر عارى من الظهر
ألتف حول قوامها الممشوق بمثالية وشعرها الكهرمانى
صفف بمهارة وكان يتدلي على إحدى كتفاها، وشفتاها
كانت مطلية باللون الأحمر النارى
جذب انتباهه البسمة التى تزين ثغرها فركز على
شفتاها بدقةٍ كصقر متربص، حاولت التماسك أمام
نظراته وفى النهاية خرج صوتها الناعم:
-وحشتنى، حمدلله على السلامة
ازدرد ريقه وهو يتفحص ملامح وجهها وكان أكثر من
مرحبًا بمبادرتها فالتقط يدها الناعمة بين قبضته الضخمة، لاثمًا قبلة بباطن يدها وعيناه لا تفارق عيناها للحظة:
-انت اكتر، ايه الحلاوة دية، كل دا عشانى؟!
لمساته دغدغت مشاعرها فمنذ أول يوم لهم اصر ضياء
على هدم الحصون بينهم، تسلل إلى تلك الطبقة الجليدية التى تغلف بها قلبها واشعل بيها النيران
لتذوب، وتذوب هى أيضا فى بحور عشقه، هزت
رأسها بالايجاب قائلة:
-عشانك، انا اللى عملت الأكل كله ممكن تقعد تأكل
وتقول رايك
غمز لها بطرف عينه قائلًا:
- لأ دا احنا هنأكل ونحلى بإذن الله
ابتسمت بسعادة وقلبها ينبض بقوة كأنها تركض على
ألة السير، مد يده يلتقط الملعقة وبدأ يتذوق الطعام جلست امامه بترقب تطالع معالم وجه
لا زال يمضغ اللقمة ثم بلعها بصعوبة قائلًا:
-أية يا حبيبتى دا؟!
-بيكاتا بالشامبنيون
كان طعمها لاذع وقاسيًا على معدته فتناول محرمة
ورقية وبصق بها ما تبقى فى فمه قائلًا:
-متأكدة يابيلا أن دية بيكاتا
نظرت له بحزن ووجل هاتفة:
-أيه يا ضياء فى أيه ؟!
انت مش عاجبك أكلى وأنا اللى تعبت نفسى عشانك
صوتها المحتقن اشعره بالذنب لوهلة، تنحنح وهو يتقدم
منها قائلًا:
-أنا بقول منضيعش تعبك على الفاضي ونحلى على
طول
هزت رأسها نفيًا واردفت باصرار:
-لأ مفيش حلو طالما ماكلتش، اللى مياكلش من الأكل
بتاعى مش هايحلى
اقترب منها وهو يلعب فى خصلات شعرها وعيناه
مثبتة على شفتاها، تخضبت وجنتيها بالحمرة لكنها
سرعان ما ضيقت عيناها بغيظ هاتفة:
-وسع كدا أنا اللى هأكل اللى عملته
ابتسم بخفوت على عنادها، لم تر من ضحكته سوى
السخرية مما زاد اصرارها وتوجهت نحو الطاولة
والتقطت المعلقة ودستها فى فمها بكل ثقة وما أن
تذوقتها أخدت تسعل بقوة اقترب ضياء مسرعًا
يناولها كوب ماء فارتشفت منه ثم وضعتها بجوارها
قائلة بغرور زائف:
-واضح أن الأكل فى مكون زايد
- فى مكون واحد زايد بس يا حبيبتى
دا أسوء أكل بعد أكل مال اليتيم يا بيلا حرام
قضمت شفتاها باحراج ثم لفت ذراعيها حول عنقه
مردفة بدلال وهى تمرر عينيها على تقاسيم وجهه:
-أنا شايفة اننا نحلى على طول
كلماتها اشعلت الفتيل بداخله دون سابق انذار مال
على شفتيها ملتقطًا إياهم فى قبلة محمومة فهى
كانت كالمغناطيس تجذبه وهو بكل صدر رحب
لبى النداء حملها إلى غرفتهم بينما هى كانت
مستسلمة وتتدلل كقطة صغيرة تمتلك صاحبها
*******
فى اليوم التالى
اقترب منها وهى نائمة ليطبع قبلة رقيقة على وجنتها
هيئتها وهى نائمة قابلة للالتهام راقبها بأعين لاهفة
لكنه كتم تلك اللهفة داخله حتى لا يخرب ما يفعله
ليثبت لها قولًا وفعلًا انه جدير بها، اختلج قلبه عندما سمع أناتها وهى
نائمة اقترب مقبلًا جبهتها هامسًا بتحشرج قائلًا:
-متأكد إنى اخترت صح يا هاجر بس دا اختبار
ليكِ ويارب تكونِ عند حسن ظنى يا شريكة العمر
نهض نحو خزانته ليخرج ملابسه شعرت بحركة فى
الغرفة فرفعت رأسها تطالعه فاستدار وكانت تفرك
عينيها من النعاس دقيقة واحدة اخر خطر عليه
اولاها ظهره قائلًا:
-صباح الخير
اجابته باقتضاب:
-صباح الخير
-متعمليش غدا عشان الضيوف أنا هابعت غدا من بره
ظلت صامتة ولم تجيبه بينما هو لم يتفاجئ من ردة فعلها بل كان متيقنًا، تابعته بعينيها وهو يخرج من
الغرفة ارتمت على الفراش تطالع السقف بشرود
*****
-انت مش هتجرى النهارده ولا أيه يا كيان مجهزتيش؟!
كان هذا سؤال نهلة لكيان تحت مرأى وسمع كنان
فاجابتها بنبرة عادية وهى تنظر لها بوجه خالى من التعابير:
-لا، هافطر ورايحة استلم بيان النجاح بتاعى
قطب حاجبيه متسائلًا:
-بيان نجاح أيه؟!
هى النتيجة ظهرت؟!
نطقت بهدوء بعكس ما يجثم على صدرها قائلة:
-ظهرت من اسبوع، عن إذنكم
راقبا انصرافها نحو الغرفة فرمقته والدته والدهشة تحتل ملامحها متساءلة :
-هو انت ماكنتش تعرف أن نتيجتها ظهرت
ابتلع ريقه ثم اجابها:
-لأ ماعرفش، عن إذنك
*****
ولج الغرفة خلفها وهو يكتوى بنيران الذنب التى لم
تدخر وسعًا لتحرقه بنيران الندم، بينما هى كانت تشعر
بالقهر ذنب لم تفعله وعوقبت عليه
وقف خلفها يسألها:
-انتِ ليه مقولتليش النتيجة ظهرت؟!
لم تنظر إليه وكأنها لم تسمع شئ ظلت تجمع اشياءها
زفر بحدة قائلًا:
-لو سمحتِ لما أكلمك بصيلى
ألتفتت والدموع تجمعت فى مقلتيها هامسة باختناق:
-هتفرق؟!
-انتِ شايفة أيه ؟!
التقطت حقيبتها ثم اولته ظهرها قائلة:
-مجاتش مناسبة
جذبها من ذراعها وهو مصر على رؤية وجهها مردفًا:
-ممكن تقفى نتكلم زى الناس
ابتسمت ساخرة وهى تلوى شدقيها متأملة إياه
بوجع وقهر:
-اشمعنا دلوقتى هنتكلم أيه خلص العقاب
-بلاش الطريقة دية انتِ عارفة أنا كنت عامل ازاى
صرخت به تلك المرة وقد فاض بها الكيل:
-كفاية بقى، انت عارف انا كنت بحلم ازاى بيوم
النتيجة اخيرًا لقيت حد هافرح معاه، كنت بعرف
إن نجحت واقول عادى انجح اسقط هاتفرق يعنى
ولما ماما هدى ماتت كنت بشوف النتيجة واقفل
الفون وانام كأنى قرأت بوست عادى على الفيس
واشوف البنات حاطين حالات وبوستات وانا
بقول هما أيه شعورهم؟!
السنة دية عرفت شعورهم وأن فى حد يبقى
مهتم بيا وأنا حابة افرح معاه، وممكن نتصور
واعمل علامة النصر كدا مثلًا زى البنات أو نخرج
بمناسبة النجاح، بصراحة أنا كان سقف طموحى
عالى حلمت بحضن واشوف فى عينيك فرحة
بيا، بس هو اللى زى مش مكتوب ليهم الفرحة
يوم ما شفت النتيجة لأول مرة اعيط وأنا بدور
على حاجة نقصانى، أول مرة مقفلش الفون
واروح انام أو اكل بقيت بعيط ومستنياك هاتيجى
واقولك، بس ماجيتش اصلى أنا كنت متعاقبة
اول مرة احس أن قلبى محتاج حد معين وعايز
يفرح معاه، ودلوقتى بتسألنى ليه مقولتش
كان نفسى اقول بس انت عارف
انا مش عايزة اتعود على حد معايا
أول مرة يرى بعيناها هذه النظرة الخذلان ممزوج
بعتاب قاسى شعر بانه خذلها، داخله يئن هو يستحق ذلك همس بصوت متحشرج:
-أنا مستاهلش القسوة دية يا كيان ولا كلامك اللى
يدبح دا، أنا زى أى رجل غار على مراته غصب
عنى انتِ حتة منى، أحنا بقالنا اد ايه متجوزين
حتى كلمة بحبك مسمعتهاش
منك
-انت عاقلة وقدرتى ظروف تامر وأنه صعب تتخلى
عنه طب واحساس جوزك، ما أنا ماعرفش اعمل أيه
لما اسمع مراتى واحد بيقولها انتِ قمر راجل بيتغزل
فيها والله عملت المستحيل عشان مامدش ايدى
عليه وانتِ تزعلى، على فكرة الواد دا قاصد وانا
راجل زيه وفاهمه، طب ليه لما انتِ بتراعى ظروفه
وحالته ليه هو ميراعيش انك ست متجوزة وأنه
مايصحش يقولك كدا، ليه عايزانى اتحرق بالنار
وماتكلمش، ودلوقتى بتحرقينى بكلامك دا
همت بالرد عليه لكنه اوقفها قائلًا:
-استنى أنا عارف ردك كويس وطبعا هو مش قولتلك اننا ماننفعش لبعض
طلقنى دا ردك تدوسى عليا أنا صح انا ممكن تتخلى
عنى بس هو صعب عشان ظروفه، انتِ قاسية اوى
يا كيان طب حطى نفسك مكانى مرة، بس انا مع
كل دا كنت بصحى بدرى وامشى قبلك عشان اقف
بره اطمن عليكِ واشوفك وصلتى لأخوكِ وامشى
وارجع تانى بليل اقف بره زى العيل الصغير استنى
رجوعك واشوفك وصلتى واستنى تكونى نمتى
عشان اعرف اخدك فى حضنى، لكن انت مكلفتيش
نفسك حتى مرة واحدة بالسؤال عليا، تفتكرى كام
مرة كلمتى تامر وكنتِ خايفة عليه
كانت تراقب انفعاله بقلب مفطور ودمعاتها تنهمر
على وجهها كشلالات ونظراتها تحرقه بنظرات العتاب وشظايا الخذلان، لم يكن يريد البوح بأى شئ
لم يكن يريد احزانها، لكن ماذا يفعل في غيرته التى
نهشت قلبه يثور فور اقتراب أى رجل منها، فجذبها
لصدره لعلها ترتاح فدموعها زلزلت كيانه
ضاعت بين احضانه المشبعة بعاطفته الجياشة
يده استباحت خصرها ليضمها اكثر وعيناها
مغلقتين لقد اشتاقت لدفئ احضانه، تضعف
امامه مرة اخرى
لا تعرف كيف تكون فى حضرته مسلوبة الارادة
كان يربت على خصلاتها يهدهدها كطفلة صغيرة
هامسًا:
-أنا اسف، أنا غلطان ياكيان، بس بحبك لا والله بعشقك
اخترق عشقه اوردتها وطيب ندبات روحها بلمساته
المشتاقة ثم همس بجوار اذنيها قائلًا:
-انا شايف اننا نروح نجيب بيان النجاح احسن
مافيش خروج من هنا لمدة سنة لقدام
-خليك انت عشان انا هاروح لهاجر عشان اباركلها
نطق بخبث وهو يمسح دمعاتها:
-وأحنا امتي هيباركوا لينا
-كنان
كان يتحدث بأمل ينبثق من عيناه، ابتسمت من بين
دموعها حتى تصبح انثي بمظهر طفولى بحت، زفر
بقوة محاولًا أن يخرج كل ما فى صدره من حزن
وألم وشوق فهمس:
-خمس دقايق وتكونى برا احسن مافيش خروج النهارده
*****
وقفت أمام المرآة تنظر لنفسها بسخرية تشعر بتخدر فى اطرافها والدموع تحجرت فى مقلتيها، تغلفها كرة جليدية حتى أنها منذ أن حدثها أمس لم تعقب بل
انعزلت فى غرفتها اصابتها خيبة الأمل من طريقته
لكنها عندما استيقظت صباحًا كانت لا تعرف شعورها
تضحك، تنهار، تبكى، لكن ما تعلمه ويطفو بحلقها
كالعلقم هو مرارة الخذلان
باتت لا تعرف مرداها تشعر بالضياع
ماذا تريد؟!
من هى؟!
هى صاحبة الروح الخاوية أما هى التى تنشر
البهجة حولها، اصبحت مشوهة من الداخل لا تقو
على اسعاد نفسها حتى، طرق على الباب قاطع
شرودها رمقت نفسها بنظرة اخيرة امام المرآة
لتجد حماتها والابتسامة تزين ثغرها قائلة:
-اللهم بارك عروستنا قمر
اعذرينى يا هاجر ماكنتش موجودة امبارح ساعة
عمات هاجد أما جم
هو حصل حاجة ياحبيتى عشان جايين ومعزومين
النهارده
نبرة صوتها ولهفتها كالأم قلقة على حال ابنتها قضمت
شفتاها وتذكرت أنها وعدته ستبقى ما بينهما سرًا
لا يتخطى اعتاب غرفتهما، تصنعت الابتسامة
فعلقت ذراعها بذراعها ثم سارت تتأبطها للخارج
وهى تقول:
-قولى كنتِ فين وسبتينى أمبارح طول اليوم
فهمت انها تريد تغيير مجرى الحديث حتى ابتسامتها
لم تصل إلى عينيها فأردفت:
-زيارة مريض، اتصلت بعمات هاجد قالوا هايجوا بليل
ولما رجعت اتصدمت انهم جم ومشيوا وهاجد عزمهم
حتى الأكل قالى هطلبه من برا
-قالى الصبح أنه هيطلب الأكل من برا
تسلم ايديكِ تعبتى معايا من الصبح
ربتت على كتفاها قائلة:
-ولا تعب ولا حاجة انتِ بقيتى بنتى، ولعلمك لو هاجد
مضايقك أنا اخدلك حقك منه واوعى تفكرى انى
عشان امه هاكون فى صفه، وغير كدا انتِ لازم
تاخدى حقك من عينه
فى هذه الاثناء دق جرس الباب فتوجهت والدة هاجد
تفتح الباب وهى تعلم أن هذه المقابلة لم تمر بسلام
فتحت الباب لتجد هاجد يتقدمهم، قبل جبينها
وولج للداخل وهم خلفه ألقوا التحية قابلتهم
هاجر وسلمت عليهم سلاما فاترًا، تمتم هاجد:
-يلا ياجماعة الغدا
جلسوا حول طاولة الطعام وكان هاجد يترأس الطاولة
وبجواره على اليمين والدته، فتوجهت هاجر لتجلس
بجوارها لكنها اوقفتها:
-مكانك جنب جوزك يا حبيبتى
تابعها هاجد بعينيه كانت ملامحها مرهقة وما أن جلست
حتى قال:
-ابدأوا يا جماعة انتوا مش غرب
لوت احدى عامته ثغرها قائلة:
-هى عروستنا مش بتعرف تطبخ؟ كل الأكل كدا جاهز
رفعت والدته حاجبيها بإستنكار وهمت بالرد عليها لكن
اوقفها هاجد وهو يقول:
-عروسة يا عمتى
وبعدين الصراحة حتى لو مش عروسة أنا هاجر مش
بيهون عليا تعبها
رفعت عينيها من صحنها تطالعه بذهول فردت عمته
الأخرى قائلة :
-ما كنا عرايس وبنعمل أكل من اول يوم ، حتى
مايسة اللهم بارك استاذة فى المطبخ
تنفست والدته الصعداء عندما فهمت ما يرنو إليه ابنها
فاردفت:
-وعروستنا شيف أد الدنيا بس أهو زى ما هاجد
قالك كدا مش بتهون عليه حتى يدخلها المطبخ
جاهدت عمته لرسم الابتسامة ثم حدثتهم:
-شوف والنبى اللى يشوف كدا يقول قصة حب
مش جوازة فى شهرين
لايوجد اسباب للوقوع فى العشق هكذا يقتحم قلبك ويدخل دون استئذان فلا قوانين فى الحب
فأجابها وبعينين تضخان كل العشق:
-والله وكأنها قصة عشق من قديم الأزل مش قصة
حب ، اتسربت جوايا فى يوم وليلة، صوتها أول
مرة سمعته صحى قلبى من نومة كانت اشبه
بأهل الكهف فى نومتهم لحد أول مرة اشوف هاجر
بسمتها بس بتدخل السرور على قلبى
واخيرا رفع عيناه لتغرق فى عيناها كانت هاجر كالمصعوقة تكاد تذوب من فرط الخجل
يغرقها بكلماته امام الجميع، اطرقت رأسها فى
محاولة بائسة لالتقاط انفاسها
ساد الصمت لثوانٍ بينما كانت والدته ستنفجر رئتيها
من السعادة، انتهوا من الطعام فنهضت هاجر مسرعة
تتوجه نحو المطبخ قائلة:
-هاجيب الحلو
-مفيش داعى أحنا اتاخرنا ولازم نروح
نهضوا ليرحلوا وجوههم واجمة كأن القط أكل عشائهم
فذهبت والدته خلفهم ثم توقفت تربت على كتفه
قائلة:
-ربنا يرضي عنك ياابن بطنى
انصرفوا جميعًا ولا زالت هى بالمطبخ فتسلل هو خلفها
*******
حمدلله على سلامة ياباشا نورت مصر
تلك الجملة قالها احد رجال زهير، بينما الأخر عقب
على جملته قائلًا
-مش عايز حد يعرف انى هنا دلوقتى فاهم
طأطأ الرجل رأسه بخنوع قائلًا:
-اللى تأمر بيه سعادتك
-انا مش حتت عيله هتقف فى مصلحى مع الوزير
*****
يتبع
