اخر الروايات

رواية اشلاء القلوب الفصل العشرين 20 بقلم ندي محمود

رواية اشلاء القلوب الفصل العشرين 20 بقلم ندي محمود 



(( أشلاء القلوب ))

_ الفصل العشرون _

_ مراد !

لاحظت في عيناه نظرات متوعدة ومريبة ، فتأكدت أنها سقطت في الوحل ولن تخرج منه إلا وهي ملطخة بالدماء فما فعلته جريمة وهي على علم مايُمكنه فِعله لها ، بدافع حقدها وسخطها أفقدت فتاة بريئة عذريتها بالإتفاق مع " إسلام " ، خشيته وليس كإي مرة سابقة خشيته فيها وجهه الناري وعيناه المتوجهة التي تطلق حجارة من نار قذفت الرعب في قلبها وازداد خوفها عندما رآت أخيه خلفه ولكنه يحدق بهم بريبة وحيرة وكأنه لا يفهم شئ ، وبينما هي منشغلة بالتحديق بأُسيد وجدت يده تقبض على رقبتها وترجع بها للوراء حتى اصطدمت بالحائط ويُخرج الهاتف على رقمها الذي سجل في قائمة الاتصالات السابقة ويصرخ بصوت جعل جسدها يرتجف:
_ رقمك بيعمل أيه هنا ردي ، هو إنتي فاكرة نفسك أيه ! ، متنسيش نفسك وأصلك ... ولسا مشوفتيش مراد الصاوي على حقيقته ياميار ورحمة أبويا لإخليكي تشربي بدل الميا دم ، بس دلوقتي هتقوليلي مكان إسلام فين بالذوق وبعدين هفضالك

دفع أُسيد يده عن رقبتها ليدع لها فرصة للتنفس ويصيح بأخيه مزمجرًا :
_ إنت بتعمل أيه ، ومين دي ماتفهمني يا أستاذ ؟!

وكأنه لا يرى أمامه شئ سوي تلك الشمطاء ، وضِعَ الغشاء على عينه وأفقد البصر لإي شئ ويكاد يفقد السمع حتى ، لن تهدأ عاصفته إلا حين يلقيه دورس جيدة في تعلم معني الرجولة إن خرج من تحت يديه حي فسيخرج مثلما خرجت سارة !!! ، دفع أخيه من أمامه وانهال عليها بصفعة أسقطتها أرضًا وهي تصرخ باكية فيماثلها الصراخ المرعب :
_ هتنطقي ولا إخد روحك بإيدي !

_ حا..ضر حاضر هنطق والله

قالتها وهي تشهق باكية وأُسيد يوشك على الانفجار بأخيه ولكنه ينتظر حين ينفرد به وسيريه السخط كيف يكون، قالت له العنوان بشفتين مرتجفتين وأعين زائغة فأخرج هاتفه وأجرى اتصال بأحد رجالهم وفي ظرف دقائق قصيرة كان أمامه وطلب منه أن يجلس بصحبتها ولا يتركها إلا حين يأتي هو ،فعارض أُسيد بشدة وبرز عن عروقه فسحبه من يده للخارج يقول بغلظة :
_ أُسيد إنت مش فاهم حاجة خلينا نمسك ... ده وبعدين هفهمك كل حاجة يلا

تأفف بقوة ودماءه تغلي في عروقه وقرر الانتظار حتى يفهم كل شئ كما قال له وبعد ذلك هو على يقين أنه سيخرج شحنة سخطه المكتظة لسبب قوي .

***
تقف في متنصف الشارع وبرغم المارة في الطريق من يساره ويمينه تخاف كطفل صغير يخشي أن يضيع أمه أو يخطتف على يد اللصوص ، وفي لحظة جال بخاطرها كل شئ منذ بداية حادثها وخطف معتز لها فسرت نفضة في جسدها من الخوف وكُلما تلوح لها مجموعة من الشباب تسير في الطريق من بعيد ترجع للوراء وتختبئ في إي ركن خشية من أن أحدًا يتعرض لها ، وتنظر يمينًا ويسارًا تتفقد السيارات لعلَ السائق الخاص بهم يكون بينهم ، حاولت الاتصال به وكان خارج التغطية بدأت عَبراتها بالسقوط وإخذت تحاول الاتصال بأخويه ولكنهم لا يجيبوا فبدأت بالاتصال بريان لعله يكون في المنزل ويأتي لها ، حاولت الاتصال بجميع المنزل حتى بأمها لم تجيبها فلم يكن عساها سوى ملاك عسى يكون أُسيد موجود ولم يسمع رنين هاتفه ، أجابتها ملاك بهدوء :
_ ألو

خرج صوتها الباكي والمرتعش قائلة :
_ ملاك أُسيد قاعد في البيت ؟

انقبض قلبها وتحولت ملامحها للخوف عند ذكرها لاسمه وأول ما جال بخاطرها أنه أصابه مكروه فقالت بترقب في قلق :
_ لا مش قاعد يا أسمى هو في حاجة ولا أيه ؟!

_ أنا برا والسواق مجاش لغاية دلوقتي وقاعدة في الشارع وخايفة جدًا ومفيش حد بيرد عليا حتى ريان !

وقفت على قدمها بفزع وبتلقائية قالت بخوف وإهتمام جلي ، برغم ما تفعله بها لم تكرهها حتى الآن :
_ هو محدش منهم قاعد أصلًا في البيت حتى عمي وجدي طلعوا ، أنا مش عارفة إزاي مبيردوش طيب بصي حاولي اتصلي بمروان يمكن يرد ولو جالك ابقي اتصلي بيا طمنيني هااا

ردت عليها بالموافقة وأغلقت الاتصال فورًا وأجرت اتصال بمروان لم يجيب في المرة الأولى فعاودت الاتصال به مُجددًا ، وحمدت ربها عندما أجاب عليها في المرة الثانية فأخبرته بوضعها وكان صوتها يرتجف في خوف فوجدته ينفعل عليها يلومها على خروجها في هذا الوقت وخرج فورًا من المنزل ليذهب لها ، ظلت هي متخفية خلف تلك الشجرة كلص يختبئ من الشرطة ويزيد نفضتها البرد فأخذت أسنانها تحتك ببعضها وتصدر صوتًا ، وأحمر وجهها من البرد والبكاء وهي تحتضن نفسها في محاولة لتتدفء، دقائق وكانت سيارته تقف على مسافة صغيرة منها وحين رآته يترجل فخرجت وأسرعت نحوه لتقابل نظراته الضجرة ، ولكنها فضّلت الشجار في السيارة حين تتدفء قليلًا فاستقلت بها واستقل هو بجوراها ليندفع نحوها سيل من البركان يصيح :
_ إنتي أيه اللي مخرجك دلوقتي !

_ أصل وحدة صحبتي تعبت خالص وأنا روحتلها على المغرب كدا وأتأخرت على أساس إن السواق هياجي ياخدني !

تدفق السيل من كل جهة ليقول لها بصياح أكثر :
_ وهي صحبتك دي مينفعش تروحيلها الصبح وتاجي قبل الليل إنتي عارفة الساعة كام دلوقتي الساعة داخلة على 12 يا أنسة يامحترمة

هتفت بضيق وصوت حزين وهي تطرق أسفل :
_ في أيه يامروان إنت هتخليني أندم إني كلمتك ليه ، أنا لو أعرف إن ده هيحصل مكنتش روحت أصلًا

_ تندمي ! ، ده على أساس إنك لو كلمتي حد من أخواتك كانوا هيرحموكي ، أول وآخر مرة تعمليها يا أسمى فاهمة !

التزمت الصمت لتوضح له امتثالها لأمره ، ومازالت نفضة البرد تعتريها وحين رآها بهذا الوضع شفق قلبه عليها ولم يتردد في نزع سترته عنه وجذْب منديلًا ورقيًا من جيبه يناولهم لها فشكرته بإمتنان ولفت السترة حولها وجففت بالمنديل دموعها ، فأصدر هو تنهيدة حارة في عدم حيلة وانطلق بالسيارة نحو المنزل .

***
دلفا المخزن الصغير وكان هو مكبل بالحبال في الأرض ، يحدق بهم بخوف وارتعاد ، وقف مراد يحملق به مبتسمًا بنظرات شيطانية أما أُسيد فاندفع نحوه ولقاه مايستحقه من الضرب واللكمات التي انهالت عليه بالإضافة إلى السباب والألفاظ اللأعنة ، أبتعد عنه بعد أن غرق وجهه بالدماء .. سمع قهقهة مراد يقول بتلذذ :
_ ده أُسيد بس لسا ريان ومروان وعمي وجدي واللي هيعملوه فيك أما أنا بقى فمجهزلك مفاجأة حلوة !

فهم أُسيد مقصد أخيه فضحك باستمتاع ليجيب بمكر رجولي :
_ مفاجأة +18 ، بس أنا بقول خلينا نخيره تحب تموت ولا تشوف المفاجأة ؟

رمقهم برعب بعد أن وصل إلى زهنه مايقصداه ، وازدرد ريقه بخوف ، بعد أن اتخذ التوتر موضعه على وجهه ، ينقل نظره بينهما بارتعاد من مما يخططان له ، لم يكن يعتقد أنهم بسهولة سيصلون له هكذا في خلال يومين ، وقفت الكلمات في حلقه حين وجد مراد يهتف ضاحكًا :
_ واضح إنه متشوق يشوف المفاجأة !

صاح أُسيد على أحد الرجال ليأتي له ركضًا يقول برسمية:
_ أؤمر يابيه

رتب على كتفه ويغمغم بنبرة رجولية صارمة يصدر أمر لا رجعة فيه بلهجة خاصة لم يفهمه سواهم:
_ إنت عارف هتعمل أيه !

نظر الرجل إلى إسلام مبتسمًا بمكر يتذكر تلك الجملة عندما هتف بها له يامره بنفس الأمر عندما كان أكرم في نفس المكان ولكن اليوم يبدو أنه يوصي توصية خاصة وسيلبي أمر سيده ، اقترب مراد منه ولكمه بقدمه في معدته بقوة جعله يصرخ متألمًا ثُم اندفع خلف أخيه الذي غادر فورًا بعد أن أصدر الأمر،انتظره بالخارج وقال له بحزم:
_ مين اللي روحلتها دي يامراد

_ وحدة كنت أعرفها وأتضح أنها متفقة مع إسلام في اللي حصل

بوجه مترقب ونبرة ازدراء قال :
_ تعرفها إزاي يامراد ، نهارك طين لو طلع اللي في دماغي !

بعدم أكتراث قال وهو يقف بثبات :
_ بظبط هو ده اللي في دماغك ! ، بس كلام ده كان من فترة ودلوقتي خلاص

هاجت عواصفه ؛ لسماعه لتلك الكلمات التي يتفوه بها بثبات وعدم مبالة وكإنها شئ عادي ، يخبره أنه كان على علاقة بها وينطق بها أمامه بدون خجل ، كيف يفعل هذا ألا يخاف عقاب الله ! ، أم أنه انساق خلف شهواته بدون قيد بسبب ماحدث معه وكان فريسة سهلة لشيطانه ، لم يتمكن من حجب نفسه عنه فوجه له لكمة قادية كادت أن تبرح به أرضًا ، رمق مراد أخيه شرزًا وأنتصب في وقفته وهم بأن يجيبه ويتطاول عليه بالكلام جراء فعلته فنزلت يده بلكمة أخرى على وجهه سالت على أثرها دماء فمه وأنفه وهو يصيح به منفعلًا :
_ دي أقل حاجة ، وكان واضح إنك محتاج ده من زمان يمكن تفوق من ... اللي بتعملها دي

اقترب منه تلك المرة مراد وبدون سابق إندار ضرب أخيه بلكمة يسد ما أعطاه أياه وهو يهتف بغضب هادر :
_ حاجة متخصكش أعمل اللي أنا عايزه يا أُسيد أنا مش صغير فاهم !

ثارت نفسه أكثر وتوهجت نيرانه عندما مد يده عليه ، واغار عليه يوجه له لكمات متتالية حتى كاد أن يسقط أرضًا بدون شفقة منه ورحمة ليصرخ به بتحذير ونبرة مخيفة :
_ بتمد إيدك عليا يامراد ، هو ده اللي ناقص كمان ، وحياة أمي لو شميت خبر إن اللي كنت بتعمله ده رجعلته تاني لأكون كاسرلك رجلك المرة دي ومقعدك في السرير ومش هعمل حساب لا لقيمتك ولا مكانتك قدام حد لأن دي حاجة متتسكتش عليها ولو كنت صاحب بيت ومعاك عيال كنت هعمل فيك كدا قدامهم ، ده مش هزار يازفت الطين ده زنا فاهم يعني أيه وإنت مش هامك حاجة واحد زيك المفروض يقضي بقية حياته يستغفر ربه إنه يسامحه على الذنب ده ، ولغاية ماتعرف غلطك وتتوب لربك انسي إنك ليك أخ اسمه أُسيد !

***
ساعات قليلة وعاد للمنزل منه إلى غرفته، كانت تمدد جسدها على الأريكة انتظرته لساعات طويلة وهي تحارب سلطان النوم في معركة قوية وفي النهاية انتصر هو واستسلمت هي للهزيمة،تقدم نحوها وجلس على الطرف بجوراها يتأملها بتمعن،ارتكبت ذنب في حقه وتركته بين الحياة والموت في نصف الطريق وكان أمامه طريق الوسط مسدود لم يكن أمامه سوى اليسار أو اليمين،أما أن يكمل حياته ويعيش على ذكرى حبيبته وزوجته ويرفض الفرصة في أن يعيش حياة زوجية سعيدة ويصبح لديه ابناء ، وأما أن يسلم لها قلبه ويترك ذمام الأمور في يديها تحرك الرياح الربان وسفينته على مكان ما تريد حتى وإن كانت جزيرة معزولة لا يوجد بها سواهم ، بالفعل بدأت تتحكم الرياح به ولكن مازال الربان يعافرها ويرفض أن يضيع في البحر الواسع ليستقر به الأمر أن تستقر سفينته في أرض لا يعرفها ويجهل حتى لهجتها فتتحدث هي بالنيابة عنه وترشده للأماكن التي تريدها فقط ، الآن هو كمريض يرفض تناول الدواء الذي سيشفي قلبه ويلملم أشلاءه ، يرفض أن يدع الزمام في يدها تعالجه وتعيد لقلبه نشاطه وحيويته ، أن تجمع أشلاء قلبها المتبقية مع أشلاء قلبه الموجودة ويكونا قلب واحد نصف منها والنصف الآخر منه ، يرفض أن تجتمع روحهم في قلب واحد وأن يصبح بينهم حلقة وصل تدعى أطفال ، ولكن هل سيصمد القلب كثيرًا أمام هذا الإلحاح ! ، سيكفتي بقربه منها دون أن تلتحم روحهم معًا ، نعم سيواجه صعوبة في السيطرة على رغبته في قربه منها وأن تكون له وزوجته أمام الله قبل الجميع ولكن سيحاول في النجاح . مد يده لشعرها يمرر أصابعه عليه ولكنه تراجع يفكر بتردد للحظات ثُم لعن كل شئ وعاد بيده تلك المرة ليلمس شعرها برقة وينحني يطبع قبلة متألمة ومتحسرة على جبينها يبث بها كل شوقه وعشقه الذي كان نقطة فاصلة في حياته جعل حياته تنقلب رأسًا على عقب ، أكثر ما يزرف قلبه الدماء هو إنها زوجته وحلاله ولا يستطيع أن يقترب منها أو يتخطي الحاجز . حملها على ذراعيها ووضعها على الفراش برفق ثُم بدأ في تبديل في ملابسه فتململت هي في فراشها وفتحت عيناها لتقول بصوت يغالبه النعاس :
_ إنت إمتى جيت يا أُسيد ؟

_ دلوقتي ، كلتي وأخدتي العلاج ولا لا !

إماءت برقة وتمتمت بإهتمام :
_ وإنت أكلت ؟

هز رأسه بالنفي يجيبها بصلابة :
_ مش جعان كملي نوم ياملاك !

تعجبت من طريقته الحازمة ورجحت أن هناك شئ يزعجه ، نهضت من الفراش وتوجهت نحوه تقول بهدوء في تدقيق :
_ إنت مدايق من أيه ؟

وجد نفسه من دون أن يشعر يردف بقسوة عارمة غير مبالي لوضعها :
_ مش مدايق ، وأظن إنتي سمعتي قولت أيه روحي كملي نومك يلا ومتكتريش الكلام معايا

فتحت فمها تستعد لأن تجيب على كلامها في براءة وحسن نية فتابع هو بنبرة شبه مرتفعة وجافة :
_ ملاااك أنا مش عايز أزعلك مني اسمعي الكلام ونامي ولو مش عايزة تنامي يبقى مسمعش نَفسِك

طالعته بذهول من طريقته فليس من عادته أن يعاملها بقسوة هكذا إلا إذا كانت هي ارتكبت خطأ ويعاقبها عليه ، " هل أخطأت في شئ من دون أن انتبه له " كانت تسأل نفسها بحيرة ولكن كلامته كانت قاسية جدًا عليها فالتزمت الصمت وعادت لفراشها تتدثر بالغطاء لأعلى رأسها وتبدأ بالبكاء الصامت من أسفل الغطاء حتى غلبها النوم مُجددًا ونامت ، دقائق قصيرة وشعر هو بالندم لطريقته في الحديث معها وقرر أن يعتذر منها ولا يتركها تنام الليلة وهي تبكي ولكنه تأخر فقد غاصت في النوم ودموعها على وجنتيها لعن نفسه ألف مرة وهمس بداخله قائلًا " ماذا فعلت يا أحمق " .

***
فتح عيناه بانزعاج عندما تسللت أشعة الشمس لعينه عبر النافذة ففرك عيناه بيده قائلًا بخنق :
_ اقفلي الشباك ده ياملاك ؟

اجابته بامتعاض :
_ لا مش هقفله و أساسًا ده معاد شغلك إنت مش رايح ولا أيه ؟!

تأفف بضيق ونهض من الفراش متوجهًا نحو المرحاض ليأخذ حمامه الصباحي ثُم خرج وهو يجفف شعره بالمنشفة يتعمد سؤالها وخلق حديث معها وهو يقول :
_ صحيتي إمتى ؟

لم تنظر له وشغلت نفسها بترتيب الفراش لتتشدق بمضض :
_ من ساعة ، أحضرلك الفطار ؟

ابتسم بلؤم بعد أن تأكد من غضبها منه وقال بنعومة :
_إنتي لو بتقوليها بالطريقة دي يبقى مش عايز أكل خلاص ، ثانية إنتي بتعملي أيه أصلًا اقعدي ومتعمليش حاجة ياملاك

تعمدت تجاهله وأكملت ما بدأت به دون أن تجيبه فاقترب منها بعد أن تنهد بقوة ووقف خلفها يحملق بها بهدوء ثُم انحنى لمستواها وبنيتها القصيرة طابعًا قبلته على وجنتها ويهمس بحنو :
_ أنا أسف متزعليش مني عارف إني غلطت امبارح لما كلمتك كدا بس غصب عني كنت مدايق طبيعي ومقدرتش أتحكم في نفسي

أربكتها قبلته وجعلت الحمرة تصعد لوجهها فورًا وتتسارع أنفاسها ، نعم لم تكن المرة الأولى التي يقبلها من وجنتها ولكن تلك المرة مختلفة عن سابقها ، أحكمت مشاعرها والتفتت له تصيح منذرة بغضب :
_ كنت قادر تقولي أنا مدايق ياملاك وسبيني وحدي ، ومتقربش مني لو سمحتي تاني!

اقترب أكثر بنظرات شيطانية فتراجعت هي للخلف وسمعته يردف بتلذذ لئيم :
_ براحتي أقرب مقربش إنتي متقدريش تمنعيني

ارتجفت باضطراب من نظراته ونبرته فجحظت عيناها وهي تطالعه بترقب وخوف بسيط لتقول بصوت شبه مرتعش :
_ أقدر يا أُسيد وأبعد من فضلك !

يفقد سيطرته في التحكم بمشاعره حين يكون أمامها ، في غيابها يقسم ويعطي الوعود بأنه سيضع حدود بينهم ولكنه ينهزم شر هزيمة أمامها ولن يتمكن من حجب نفسه عن ذلك الملاك ! .. تراجعت هي للخلف أكثر حتى اصطدمت بالفراش فسقطت جالسة تطالعه بارتباك وحين وجدته ينحني نحوها فشهقت بهلع وظنت بعقليتها الطفولية أنه سيقبلها فدفنت وجهها بين كفيها من فرط خجلها ، وحين سمعت صوت ضحكته الرجولية وهو يقول ضاحكًا :
_ مالك ياملاك مش هضربك متقلقيش يعني !

رفعت نظرها له وقالت بتوتر وهي تهز رأسها بتنافر وخنق :
_ لا لا مش كدا أصل أنا اتوقعت حاجة تاني متاخدش في بالك

دقق النظر بها لبرهة يحاول اختراق عقليتها حتى تمكن من فهم مقصدها فاقترب منها أكثر حتى كاد أن يلتصق بها ليجيبها باستمتاع بخجلها :
_ اتوقعتي أيه بقى !؟

رفعت سبابتها في وجهه تتخذ طريقة التهديد الفاشلة تتصنع السخط والازدراء منه :
_ أُسيد أبعد عني لو سمحت ، أنا مكنتش بزعل منك لما تتعصب عليا لإني عارفة إن أنا اللي غلطانة لكن امبارح إنت اللي غلطان ، أبعد يلا !

طريقتها أثارت غيظة وهيجت عاطفته في معاندتها أكثر ، تتطلع له بتحدى وينعكس من ثنايا تلك العينان العسليتين نظرات رغبة وشغف وحده تمكن من رؤيتهم ، تعاند قلبها قبل معاندته هو ، في الواقع هي لا تختلف عنه كثيرًا فكلاهما يعقدان الوثائق لإقامة الحرب ضد بعضهم ، ولكنها تحارب قلبها لخوفها من أن تستمر في هذه الكذبة وتنتهي بالنهاية بأنها تغادر أول فرد في الفريق خاسرة ، وهو يحارب اضطرابه بين نسيان زوجته أو تأسيس حياة جديدة .. تقول الآن أنه أخطأ الأمس وهو لا يستطيع حتى تركها حزينة منه وإن كانت هي المخطئة يذهب ويعتذر منها ، ألا تستطيع تحمله في وقت شدته وغضبه إن لم تكن هي جانبه من سيكون ، شعر بكلماتها في ثنايا فؤاده تنغزه نغز وقرر عدم الضغط عليها فانتصب في وقفته بصلابة وقال بخشونة :
_ماشي ياملاك براحتك !

تابعته وهو يتجه للمرحاض وانشطر قلبها بشدة وراودها شعور بالندم ، كانت تريد أن تشعر بدلاله ورغبته بها أن ترى حنانه ومشاكسته ، كان سيكفيها منذ البداية حين إعتذر منها ولكن أصرت على معاندته حتى تخلق جوًا لطيف بينهم وفي النهاية كانت ستعلن انهزامها من البداية ! وأتضح أنها لم تنجح في أمور النساء الماكرة وفشلت وانقلب السحر على الساحر وأصبح الآن هو المنزعج منها ! .

***
يتأمل هيئته ووجه الذي ظهرت البقع الحمراء أسفل عيناه وبجانب فمه بسبب ماتلقاه على يد أخيه ، كان فعل قاسيًا منه وبرغم ما فعله به لم يتمكن من رد الصاع صاعين لم تطاوعه يده بأن يعادي أخيه ، فهو كان له الصديق والأخ والأب ولكنه لم يحجب غضبه منه وزمجرته حتى وإن لم يظهرهها بالعنف مثله فسيظهرها بطريقته ، ارتدي سترته وغادر غرفته فرأى زوجة عمه تخرج من غرفة سارة فيقول لها بهدوء :
_ سارة عاملة أيه دلوقتي !

_ زينة الحمدلله بدأت تاكل وتتكلم شوية

_ طيب أقدر أدخل عايزة أكلمها في حاجة ضروري معلش يامرات عمي

حملقت بهيئته ومنظره بريبة تتساءل بداخلها بمكر " ترى من فعل هذا به ؟! " ولكن لم تسأله ماذا به فقد فضلت عدم التدخل ورمقته من أعلاه إلى أحمص قدمه بتدقيق ثُم دخلت لابنتها وبعد ثوانٍ سمحت له بالدخول ، فجذب مقعد وجلس أمام فراشها وقع نظرها عليه ورأت العلامات في وجهه فبتلقائية خرج صوت ضعيف يكاد لا يسمع وهي تهمس بتساءل :
_ مال وشك ؟

تراقص قلبه وأعلن الفرح لسماعه لصوتها الذي تحرق شوقًا لسماعه ، تلك دعوة صريحة منها لجعله يضمها بقوة يظهر مدى سعادته بتحسن حالتها قليلًا ولكن أتت الدعوة في غير معادها المناسب فاكتفى بابتسامته الجميلة يقول :
_ مفيش حاجة ياسارة أنا كويس !

تنهد الصعداء ليكمل بجدية :
_ أنا وعدتك إني في خلال يومين هجبلك ... اللي عمل كدا سواء سمعتي وعدي أو لا بس أنا وعدتك ووفيت بوعدي مش حابة تاجي تشوفيه وهو بيتعذب قدامك ؟

رآت قسمات وجه أمها المندهشة ولكنها سرعان ماهطلت عبراتها بغزارة وهزت رأسها بإعتراض عنيف تقول ببكاء :
_ مش عايزة أشوف حد يامراد ، كفاية إن البني إدم ده يفضل بعيد عني

ثبت نظره في عينها يردف بثقة ونبرة رجولية صارمة :
_ مفيش حد هيقدر يقربلك بعد كدا طول ما احنا موجدين ، على العموم براحتك مش هغصب عليكي

هب واقفًا واستدار لتوقفه أشجان قبل أن يغادر تقول بغل :
_ ريان وعمك عرفوا بمكان اللي ميتسمى ده

_ هقولهم دلوقتي يامرات عمي ، أنتوا هترجعوا البلد إمتى ؟

_ بكرة إن شاء الله

الوقت يضيق عليه سينهي ماعزم عليه ليلة أمس اليوم قبل أن يغادروا لن يسمح بضياع وقت أكثر من هذا .

***
هرولت زمردة نحو الباب عندما سمعت الرنين لتفتح وصدمت بجدها أمامها ، تمسىت تحملق به بصمت للحظات حتى قال هو بحنو :
_ كيفك يابتي ؟!

ابتسمت في داخلها بسخرية ياله من ظالم لم تختلف عن ملاك ومن يرى معاملته لملاك يقول أنهم أعداء وأبيها تزوج أمها بدون علم أحد ، ولكنه من الغريب أنه لم يبدي ردة فعل قاسية نحوها مثل ملاك .. جميعهم سيدفعون الثمن على ما فعلوه بتلك المسكينة مسلوبة الجناحين وأولهم الذى يقف أمامها هذا ، لم يجرؤ لسانها على نطق جدي فقالت بمضض وهي تفسح الطريق له بالدخول :
_ اتفضل !

_ مروان قاعد ؟

_ قاعد في الحمام ثانية هستعجله

تركته وغادرت تاركة أياه يحملق في المنزل بتفحص ويجوله يتفحص كل شئ به أما أحلام فرفضت الخروج له وفضلت المكوث في غرفتها . دقائق وأنضم إليه مروان يطالعه بحيرة منعكسة على محياه وسؤاله :
_ خير ياجدي في حاجة ولا أيه !

اجابه بهدوء تام :
_ لا مفيش ياولدي اقعد عايز أكلمك في موضوع إكده

جلس بجوراه يحجده بريبة يحثه على البدء في الموضوع بسرعة فقد انتابه الفضول حوله ، ما الذى سيجلبه لهم في الصباح الباكر هكذا إلا إذا مان أمر هام . تنفس الصعداء باسترخاء ثم طفق يقول منخرطًا في جوف الحديث :
_ مش كفياك عاد ولا أيه ياولدي مش ناوي ترجع بيت أبوك ، تعالَ واقعدوا وسطينا بدل ما أنتوا قاعدين وحديكم إكده

لم يكن الأمر بتلك الخطورة كما كان يظن فزفر بخنق وقال بأصرار :
_ احنا اتكلمنا في الموضوع ده ياجدي وأنا مش مستعد أهين أمي علشان حد قعادنا إهنه أفضل لينا

_ ياولدي إهانة أيه بس ، طاب وعد مني لو حصل أي حاجة من مرات عمك لأمك لأكون أنا االي متصدرلها لكن تعالوا البيت تاني وحتى أختك تعيش وسطينا ولا أيه رأيك إنت ؟

أيقن أنه لم يتمكن من الهروب من جده بأي شكل أو طريقة حتى فقال بنفاذ صبر ممزوج بالاقتضاب :
_ جدي متغصبش عليا ، أنا مش عايز مشاكل مابين حد بسببنا خلينا بعاد إكده أحسن ورغم كدا هشوف أمي لو وافقت أوعدك هنرجع لأن أمي هي اللي هتقرر في الموضوع ده مش أنا

هب واقفًا يضرب بعصاه الغليظة الأرض مبتسمًا وهو يرتب على كتفه قائلًا بسعادة :
_ ماشي ياولدي رد عليا بليل علشان لو إكده ترجعوا معانا الصبح

نغزه بنظره المختنق ولم يود إظهار سخطه وضجره منهم جميعًا ولكن سيفعل مثلما قال إن وافقت أمه فهو لن يكن لديه مشكلة من الأثاث معهم ، غادر بسببها وإن عاد سيعود بسببها أيضًا ! .

***
انتظرته الليل كله وهو لم يأتي بعد قاربت الساعة على الثانية عشر بعد منتصف الليل ، هل يتعمد التأخير ياترى أم أنه لديه أعمال بالفعل قدت الدقائق الطويلة وهي تتساءل عن سبب تأخره روادتها فكرة سخيفة بعقلها أن تتصل به ولكنها رفضتها تمامًا ، ظلت تسير يمينًا ويسارًا بغيظ وانفعال .. أقسمت أنها ستلقنه الدرس على مايفعله معها عمدًا ، إن كان هو يعاقبها فسيكون عقابها أقسى ، بدأت بتبديل ملابسها وارظت شئ أنثوي رقيق يظهر قوتها ونضارتها وتركت شعرها ينسدل على كتفيها بانسيابية ، بدت كحورية شديدة البياض والجمال والرقة ، ستتخذ طريقًا مغايرًا في معاملتها معه ستكون هي صاحبة التجاهل وليس هو ستعلمه كيف يعاندها ويتجاهلها كنكرة في وسط السطر والكلام ، جلست على فراشها تقرأ في أحد كتب الروايات القديمة ومرت ساعة أخرى وهي تجلس على جمرة نار تنهشها الوساوس كلما يمر الوقت أكثر حتى وصل بها الأمر إلى التفكير في الزواج مُجددًا وهي تقول في قرارة نفسها " هل تزوج علىّ وهو معها الآن ! " عادت تلعن تلك الفكرة الحمقاء مثلها لا يعقل أن يتزوج عليها . مرت نصف ساعة أخرى وفقدت كل دقائب الانتظار لديها فقضبت على هاتفها وهمت بالاتصال به وإذا هو يهل عليها من خلف الباب أنزلت الهاتف من على أذنها بتوتر بسيط جين سألها بخفوت :
_ بتتصلي بمين ؟

لم تجد ما تسعفه من الكلمات وكأن جميع الكلمات سقطت ضريحة في طريقها لشفتيها ، ولكن أسعف عقلها بعض الكلمات السليمة لعقلها فنقولهم بثبات في خنق :
_ هكون بتصل بمين يعنى كنت بتصل بزمردة أطمن عليها !

لا تعرف أنها تفشل في كل شئ وأولهم الكذب فلا تستطيع الكذب وبالأخص عليه ، بدون أن تقول علم أنها كانت تتصل به فحجب ابتسامته وطالعه بتفحص لهيئتها الجذابة ومن نظرته رجحت أنه سيحاول مداعبتها والاقتراب منها وهنا سيأتي دورها هي ، ولكنها لم تعرف أن ما أمامها رجل لا تؤثر به أغلب المثيرات الخارجية وأولهم مثير اللذة والرغبة الذي تتخذه طريقًا ، لا تثيره سوى منبهات معينة بإرادته وإن أثارته فبمهارة يتحكم بها وبالفعل هي كانت مثير جيد جدًا لتحريك جميع حواسه ولكن أظهر الجمود وعدم الإهتمام لها ، خرج شعاع ناري من عيناها لبروده المستفز وجلست على الفراش وأمسكت بالكتاب تدفن نظرها به تتصنع القراءة وقدماها تخبط في الأرض بحركة لا إرداية منها من فرط غيظها ، كاد أن ينفجر ضاحكًا وهو يخطف نظرات في لؤم فيرى منظرها هذا ، حك ذقنه الكثيفة وهتف بمكر دفين :
_ لكن أيه المناسبة ياملاك هانم متشيكة كدا قوليلي

_ وهو لازم يكون في مناسبة

التفت وسار نحوها قائلًا بنبرة ماكرة :
_ لا اصلك ما شاء الله زي القمر

خدعها بسهولة وفرحت لنجاح خطتها لم تكن تعرف أنه يستدرجها لمصلحته الشخصية رفعت رأيها بشموخ وأخفت خجلها لتجيبه بثقة :
_ أنا طول عمري قمر أساسًا مش النهردا بس !

التوى فمه بابتسامة خبيثة فاقترب منها بشدة وانحنى نحوها بنظرات ثابتة فتراجعت هي للخلف فورًا في إرتعاد وهتفت بغضب :
_ في أيه أبعد عني كدا !

نزع ساعة اليد خاصته ووضعها على المنضدة بجوراها ليقول ببراءة مزيفة :
_ إنتي اللي في أيه أنا بحط الساعة ! ، إنتي دايمًا بتفهميني غلط كدا صفي النية ياروحي

حدجته شرزًا أوشكت على أن تقبض على رقبته وتخنقه حتى الموت ذلك الماكر ، يلعب على أوتارها ويخدعها بمهارته الخبيثة ، ككل مرة ينتصر عليها إنتصارًا عظيمًا ، وأتضح أنها لا تساوي شئ أمام لؤمه ومهارته ستتعلم منه من الآن وصاعدًا فهو أفضل شخص تأخذ منه المعلومة . وجدته بنتصب في وقفته ويقول مبتسمًا بنعومة :
_ لا بس عجبتني ثقتك في نفسك استمري على الوضع ده خليكي دايمًا كدا واثقة من نفسك ليكي مستقبل عظيم فيما بعد !

كاد صف أسنانه أن يتكسر كله من شدة الضغط عليه وعقلها يعطي إشارات متتالية ليدها بأن تقبض على رقبته وتخنقه ولم تختفي بهذا بل تنعز أسنانها المتشوقة لا إلتهام فريستها في أي جزء تطوله منه ! .. رآته وهو يبتسم بمكر متجهًا للمرحاض فتوعدت له تلك المرة بشئ لم يستطيع الصمود أمامه ستجعله يشتعل بنيران الغيرة ! .

***
دقائق وسمعت ملاك صوت طرق على الباب ، تعجبت بشدة فمن سيكون مستيقظ لتلك الساعة في المنزل ، ارتدت عبائه سريعًا ووضعت حجابها على شعرها وذهبت لتفتح لتنصدم بها أمامها تقف بتعب واضح على محياها فهتفت بدهشة :
_ سارة !!

_ يتبع ....(( أشلاء القلوب ))

_ الفصل العشرون _

_ مراد !

لاحظت في عيناه نظرات متوعدة ومريبة ، فتأكدت أنها سقطت في الوحل ولن تخرج منه إلا وهي ملطخة بالدماء فما فعلته جريمة وهي على علم مايُمكنه فِعله لها ، بدافع حقدها وسخطها أفقدت فتاة بريئة عذريتها بالإتفاق مع " إسلام " ، خشيته وليس كإي مرة سابقة خشيته فيها وجهه الناري وعيناه المتوجهة التي تطلق حجارة من نار قذفت الرعب في قلبها وازداد خوفها عندما رآت أخيه خلفه ولكنه يحدق بهم بريبة وحيرة وكأنه لا يفهم شئ ، وبينما هي منشغلة بالتحديق بأُسيد وجدت يده تقبض على رقبتها وترجع بها للوراء حتى اصطدمت بالحائط ويُخرج الهاتف على رقمها الذي سجل في قائمة الاتصالات السابقة ويصرخ بصوت جعل جسدها يرتجف:
_ رقمك بيعمل أيه هنا ردي ، هو إنتي فاكرة نفسك أيه ! ، متنسيش نفسك وأصلك ... ولسا مشوفتيش مراد الصاوي على حقيقته ياميار ورحمة أبويا لإخليكي تشربي بدل الميا دم ، بس دلوقتي هتقوليلي مكان إسلام فين بالذوق وبعدين هفضالك

دفع أُسيد يده عن رقبتها ليدع لها فرصة للتنفس ويصيح بأخيه مزمجرًا :
_ إنت بتعمل أيه ، ومين دي ماتفهمني يا أستاذ ؟!

وكأنه لا يرى أمامه شئ سوي تلك الشمطاء ، وضِعَ الغشاء على عينه وأفقد البصر لإي شئ ويكاد يفقد السمع حتى ، لن تهدأ عاصفته إلا حين يلقيه دورس جيدة في تعلم معني الرجولة إن خرج من تحت يديه حي فسيخرج مثلما خرجت سارة !!! ، دفع أخيه من أمامه وانهال عليها بصفعة أسقطتها أرضًا وهي تصرخ باكية فيماثلها الصراخ المرعب :
_ هتنطقي ولا إخد روحك بإيدي !

_ حا..ضر حاضر هنطق والله

قالتها وهي تشهق باكية وأُسيد يوشك على الانفجار بأخيه ولكنه ينتظر حين ينفرد به وسيريه السخط كيف يكون، قالت له العنوان بشفتين مرتجفتين وأعين زائغة فأخرج هاتفه وأجرى اتصال بأحد رجالهم وفي ظرف دقائق قصيرة كان أمامه وطلب منه أن يجلس بصحبتها ولا يتركها إلا حين يأتي هو ،فعارض أُسيد بشدة وبرز عن عروقه فسحبه من يده للخارج يقول بغلظة :
_ أُسيد إنت مش فاهم حاجة خلينا نمسك ... ده وبعدين هفهمك كل حاجة يلا

تأفف بقوة ودماءه تغلي في عروقه وقرر الانتظار حتى يفهم كل شئ كما قال له وبعد ذلك هو على يقين أنه سيخرج شحنة سخطه المكتظة لسبب قوي .

***
تقف في متنصف الشارع وبرغم المارة في الطريق من يساره ويمينه تخاف كطفل صغير يخشي أن يضيع أمه أو يخطتف على يد اللصوص ، وفي لحظة جال بخاطرها كل شئ منذ بداية حادثها وخطف معتز لها فسرت نفضة في جسدها من الخوف وكُلما تلوح لها مجموعة من الشباب تسير في الطريق من بعيد ترجع للوراء وتختبئ في إي ركن خشية من أن أحدًا يتعرض لها ، وتنظر يمينًا ويسارًا تتفقد السيارات لعلَ السائق الخاص بهم يكون بينهم ، حاولت الاتصال به وكان خارج التغطية بدأت عَبراتها بالسقوط وإخذت تحاول الاتصال بأخويه ولكنهم لا يجيبوا فبدأت بالاتصال بريان لعله يكون في المنزل ويأتي لها ، حاولت الاتصال بجميع المنزل حتى بأمها لم تجيبها فلم يكن عساها سوى ملاك عسى يكون أُسيد موجود ولم يسمع رنين هاتفه ، أجابتها ملاك بهدوء :
_ ألو

خرج صوتها الباكي والمرتعش قائلة :
_ ملاك أُسيد قاعد في البيت ؟

انقبض قلبها وتحولت ملامحها للخوف عند ذكرها لاسمه وأول ما جال بخاطرها أنه أصابه مكروه فقالت بترقب في قلق :
_ لا مش قاعد يا أسمى هو في حاجة ولا أيه ؟!

_ أنا برا والسواق مجاش لغاية دلوقتي وقاعدة في الشارع وخايفة جدًا ومفيش حد بيرد عليا حتى ريان !

وقفت على قدمها بفزع وبتلقائية قالت بخوف وإهتمام جلي ، برغم ما تفعله بها لم تكرهها حتى الآن :
_ هو محدش منهم قاعد أصلًا في البيت حتى عمي وجدي طلعوا ، أنا مش عارفة إزاي مبيردوش طيب بصي حاولي اتصلي بمروان يمكن يرد ولو جالك ابقي اتصلي بيا طمنيني هااا

ردت عليها بالموافقة وأغلقت الاتصال فورًا وأجرت اتصال بمروان لم يجيب في المرة الأولى فعاودت الاتصال به مُجددًا ، وحمدت ربها عندما أجاب عليها في المرة الثانية فأخبرته بوضعها وكان صوتها يرتجف في خوف فوجدته ينفعل عليها يلومها على خروجها في هذا الوقت وخرج فورًا من المنزل ليذهب لها ، ظلت هي متخفية خلف تلك الشجرة كلص يختبئ من الشرطة ويزيد نفضتها البرد فأخذت أسنانها تحتك ببعضها وتصدر صوتًا ، وأحمر وجهها من البرد والبكاء وهي تحتضن نفسها في محاولة لتتدفء، دقائق وكانت سيارته تقف على مسافة صغيرة منها وحين رآته يترجل فخرجت وأسرعت نحوه لتقابل نظراته الضجرة ، ولكنها فضّلت الشجار في السيارة حين تتدفء قليلًا فاستقلت بها واستقل هو بجوراها ليندفع نحوها سيل من البركان يصيح :
_ إنتي أيه اللي مخرجك دلوقتي !

_ أصل وحدة صحبتي تعبت خالص وأنا روحتلها على المغرب كدا وأتأخرت على أساس إن السواق هياجي ياخدني !

تدفق السيل من كل جهة ليقول لها بصياح أكثر :
_ وهي صحبتك دي مينفعش تروحيلها الصبح وتاجي قبل الليل إنتي عارفة الساعة كام دلوقتي الساعة داخلة على 12 يا أنسة يامحترمة

هتفت بضيق وصوت حزين وهي تطرق أسفل :
_ في أيه يامروان إنت هتخليني أندم إني كلمتك ليه ، أنا لو أعرف إن ده هيحصل مكنتش روحت أصلًا

_ تندمي ! ، ده على أساس إنك لو كلمتي حد من أخواتك كانوا هيرحموكي ، أول وآخر مرة تعمليها يا أسمى فاهمة !

التزمت الصمت لتوضح له امتثالها لأمره ، ومازالت نفضة البرد تعتريها وحين رآها بهذا الوضع شفق قلبه عليها ولم يتردد في نزع سترته عنه وجذْب منديلًا ورقيًا من جيبه يناولهم لها فشكرته بإمتنان ولفت السترة حولها وجففت بالمنديل دموعها ، فأصدر هو تنهيدة حارة في عدم حيلة وانطلق بالسيارة نحو المنزل .

***
دلفا المخزن الصغير وكان هو مكبل بالحبال في الأرض ، يحدق بهم بخوف وارتعاد ، وقف مراد يحملق به مبتسمًا بنظرات شيطانية أما أُسيد فاندفع نحوه ولقاه مايستحقه من الضرب واللكمات التي انهالت عليه بالإضافة إلى السباب والألفاظ اللأعنة ، أبتعد عنه بعد أن غرق وجهه بالدماء .. سمع قهقهة مراد يقول بتلذذ :
_ ده أُسيد بس لسا ريان ومروان وعمي وجدي واللي هيعملوه فيك أما أنا بقى فمجهزلك مفاجأة حلوة !

فهم أُسيد مقصد أخيه فضحك باستمتاع ليجيب بمكر رجولي :
_ مفاجأة +18 ، بس أنا بقول خلينا نخيره تحب تموت ولا تشوف المفاجأة ؟

رمقهم برعب بعد أن وصل إلى زهنه مايقصداه ، وازدرد ريقه بخوف ، بعد أن اتخذ التوتر موضعه على وجهه ، ينقل نظره بينهما بارتعاد من مما يخططان له ، لم يكن يعتقد أنهم بسهولة سيصلون له هكذا في خلال يومين ، وقفت الكلمات في حلقه حين وجد مراد يهتف ضاحكًا :
_ واضح إنه متشوق يشوف المفاجأة !

صاح أُسيد على أحد الرجال ليأتي له ركضًا يقول برسمية:
_ أؤمر يابيه

رتب على كتفه ويغمغم بنبرة رجولية صارمة يصدر أمر لا رجعة فيه بلهجة خاصة لم يفهمه سواهم:
_ إنت عارف هتعمل أيه !

نظر الرجل إلى إسلام مبتسمًا بمكر يتذكر تلك الجملة عندما هتف بها له يامره بنفس الأمر عندما كان أكرم في نفس المكان ولكن اليوم يبدو أنه يوصي توصية خاصة وسيلبي أمر سيده ، اقترب مراد منه ولكمه بقدمه في معدته بقوة جعله يصرخ متألمًا ثُم اندفع خلف أخيه الذي غادر فورًا بعد أن أصدر الأمر،انتظره بالخارج وقال له بحزم:
_ مين اللي روحلتها دي يامراد

_ وحدة كنت أعرفها وأتضح أنها متفقة مع إسلام في اللي حصل

بوجه مترقب ونبرة ازدراء قال :
_ تعرفها إزاي يامراد ، نهارك طين لو طلع اللي في دماغي !

بعدم أكتراث قال وهو يقف بثبات :
_ بظبط هو ده اللي في دماغك ! ، بس كلام ده كان من فترة ودلوقتي خلاص

هاجت عواصفه ؛ لسماعه لتلك الكلمات التي يتفوه بها بثبات وعدم مبالة وكإنها شئ عادي ، يخبره أنه كان على علاقة بها وينطق بها أمامه بدون خجل ، كيف يفعل هذا ألا يخاف عقاب الله ! ، أم أنه انساق خلف شهواته بدون قيد بسبب ماحدث معه وكان فريسة سهلة لشيطانه ، لم يتمكن من حجب نفسه عنه فوجه له لكمة قادية كادت أن تبرح به أرضًا ، رمق مراد أخيه شرزًا وأنتصب في وقفته وهم بأن يجيبه ويتطاول عليه بالكلام جراء فعلته فنزلت يده بلكمة أخرى على وجهه سالت على أثرها دماء فمه وأنفه وهو يصيح به منفعلًا :
_ دي أقل حاجة ، وكان واضح إنك محتاج ده من زمان يمكن تفوق من ... اللي بتعملها دي

اقترب منه تلك المرة مراد وبدون سابق إندار ضرب أخيه بلكمة يسد ما أعطاه أياه وهو يهتف بغضب هادر :
_ حاجة متخصكش أعمل اللي أنا عايزه يا أُسيد أنا مش صغير فاهم !

ثارت نفسه أكثر وتوهجت نيرانه عندما مد يده عليه ، واغار عليه يوجه له لكمات متتالية حتى كاد أن يسقط أرضًا بدون شفقة منه ورحمة ليصرخ به بتحذير ونبرة مخيفة :
_ بتمد إيدك عليا يامراد ، هو ده اللي ناقص كمان ، وحياة أمي لو شميت خبر إن اللي كنت بتعمله ده رجعلته تاني لأكون كاسرلك رجلك المرة دي ومقعدك في السرير ومش هعمل حساب لا لقيمتك ولا مكانتك قدام حد لأن دي حاجة متتسكتش عليها ولو كنت صاحب بيت ومعاك عيال كنت هعمل فيك كدا قدامهم ، ده مش هزار يازفت الطين ده زنا فاهم يعني أيه وإنت مش هامك حاجة واحد زيك المفروض يقضي بقية حياته يستغفر ربه إنه يسامحه على الذنب ده ، ولغاية ماتعرف غلطك وتتوب لربك انسي إنك ليك أخ اسمه أُسيد !

***
ساعات قليلة وعاد للمنزل منه إلى غرفته، كانت تمدد جسدها على الأريكة انتظرته لساعات طويلة وهي تحارب سلطان النوم في معركة قوية وفي النهاية انتصر هو واستسلمت هي للهزيمة،تقدم نحوها وجلس على الطرف بجوراها يتأملها بتمعن،ارتكبت ذنب في حقه وتركته بين الحياة والموت في نصف الطريق وكان أمامه طريق الوسط مسدود لم يكن أمامه سوى اليسار أو اليمين،أما أن يكمل حياته ويعيش على ذكرى حبيبته وزوجته ويرفض الفرصة في أن يعيش حياة زوجية سعيدة ويصبح لديه ابناء ، وأما أن يسلم لها قلبه ويترك ذمام الأمور في يديها تحرك الرياح الربان وسفينته على مكان ما تريد حتى وإن كانت جزيرة معزولة لا يوجد بها سواهم ، بالفعل بدأت تتحكم الرياح به ولكن مازال الربان يعافرها ويرفض أن يضيع في البحر الواسع ليستقر به الأمر أن تستقر سفينته في أرض لا يعرفها ويجهل حتى لهجتها فتتحدث هي بالنيابة عنه وترشده للأماكن التي تريدها فقط ، الآن هو كمريض يرفض تناول الدواء الذي سيشفي قلبه ويلملم أشلاءه ، يرفض أن يدع الزمام في يدها تعالجه وتعيد لقلبه نشاطه وحيويته ، أن تجمع أشلاء قلبها المتبقية مع أشلاء قلبه الموجودة ويكونا قلب واحد نصف منها والنصف الآخر منه ، يرفض أن تجتمع روحهم في قلب واحد وأن يصبح بينهم حلقة وصل تدعى أطفال ، ولكن هل سيصمد القلب كثيرًا أمام هذا الإلحاح ! ، سيكفتي بقربه منها دون أن تلتحم روحهم معًا ، نعم سيواجه صعوبة في السيطرة على رغبته في قربه منها وأن تكون له وزوجته أمام الله قبل الجميع ولكن سيحاول في النجاح . مد يده لشعرها يمرر أصابعه عليه ولكنه تراجع يفكر بتردد للحظات ثُم لعن كل شئ وعاد بيده تلك المرة ليلمس شعرها برقة وينحني يطبع قبلة متألمة ومتحسرة على جبينها يبث بها كل شوقه وعشقه الذي كان نقطة فاصلة في حياته جعل حياته تنقلب رأسًا على عقب ، أكثر ما يزرف قلبه الدماء هو إنها زوجته وحلاله ولا يستطيع أن يقترب منها أو يتخطي الحاجز . حملها على ذراعيها ووضعها على الفراش برفق ثُم بدأ في تبديل في ملابسه فتململت هي في فراشها وفتحت عيناها لتقول بصوت يغالبه النعاس :
_ إنت إمتى جيت يا أُسيد ؟

_ دلوقتي ، كلتي وأخدتي العلاج ولا لا !

إماءت برقة وتمتمت بإهتمام :
_ وإنت أكلت ؟

هز رأسه بالنفي يجيبها بصلابة :
_ مش جعان كملي نوم ياملاك !

تعجبت من طريقته الحازمة ورجحت أن هناك شئ يزعجه ، نهضت من الفراش وتوجهت نحوه تقول بهدوء في تدقيق :
_ إنت مدايق من أيه ؟

وجد نفسه من دون أن يشعر يردف بقسوة عارمة غير مبالي لوضعها :
_ مش مدايق ، وأظن إنتي سمعتي قولت أيه روحي كملي نومك يلا ومتكتريش الكلام معايا

فتحت فمها تستعد لأن تجيب على كلامها في براءة وحسن نية فتابع هو بنبرة شبه مرتفعة وجافة :
_ ملاااك أنا مش عايز أزعلك مني اسمعي الكلام ونامي ولو مش عايزة تنامي يبقى مسمعش نَفسِك

طالعته بذهول من طريقته فليس من عادته أن يعاملها بقسوة هكذا إلا إذا كانت هي ارتكبت خطأ ويعاقبها عليه ، " هل أخطأت في شئ من دون أن انتبه له " كانت تسأل نفسها بحيرة ولكن كلامته كانت قاسية جدًا عليها فالتزمت الصمت وعادت لفراشها تتدثر بالغطاء لأعلى رأسها وتبدأ بالبكاء الصامت من أسفل الغطاء حتى غلبها النوم مُجددًا ونامت ، دقائق قصيرة وشعر هو بالندم لطريقته في الحديث معها وقرر أن يعتذر منها ولا يتركها تنام الليلة وهي تبكي ولكنه تأخر فقد غاصت في النوم ودموعها على وجنتيها لعن نفسه ألف مرة وهمس بداخله قائلًا " ماذا فعلت يا أحمق " .

***
فتح عيناه بانزعاج عندما تسللت أشعة الشمس لعينه عبر النافذة ففرك عيناه بيده قائلًا بخنق :
_ اقفلي الشباك ده ياملاك ؟

اجابته بامتعاض :
_ لا مش هقفله و أساسًا ده معاد شغلك إنت مش رايح ولا أيه ؟!

تأفف بضيق ونهض من الفراش متوجهًا نحو المرحاض ليأخذ حمامه الصباحي ثُم خرج وهو يجفف شعره بالمنشفة يتعمد سؤالها وخلق حديث معها وهو يقول :
_ صحيتي إمتى ؟

لم تنظر له وشغلت نفسها بترتيب الفراش لتتشدق بمضض :
_ من ساعة ، أحضرلك الفطار ؟

ابتسم بلؤم بعد أن تأكد من غضبها منه وقال بنعومة :
_إنتي لو بتقوليها بالطريقة دي يبقى مش عايز أكل خلاص ، ثانية إنتي بتعملي أيه أصلًا اقعدي ومتعمليش حاجة ياملاك

تعمدت تجاهله وأكملت ما بدأت به دون أن تجيبه فاقترب منها بعد أن تنهد بقوة ووقف خلفها يحملق بها بهدوء ثُم انحنى لمستواها وبنيتها القصيرة طابعًا قبلته على وجنتها ويهمس بحنو :
_ أنا أسف متزعليش مني عارف إني غلطت امبارح لما كلمتك كدا بس غصب عني كنت مدايق طبيعي ومقدرتش أتحكم في نفسي

أربكتها قبلته وجعلت الحمرة تصعد لوجهها فورًا وتتسارع أنفاسها ، نعم لم تكن المرة الأولى التي يقبلها من وجنتها ولكن تلك المرة مختلفة عن سابقها ، أحكمت مشاعرها والتفتت له تصيح منذرة بغضب :
_ كنت قادر تقولي أنا مدايق ياملاك وسبيني وحدي ، ومتقربش مني لو سمحتي تاني!

اقترب أكثر بنظرات شيطانية فتراجعت هي للخلف وسمعته يردف بتلذذ لئيم :
_ براحتي أقرب مقربش إنتي متقدريش تمنعيني

ارتجفت باضطراب من نظراته ونبرته فجحظت عيناها وهي تطالعه بترقب وخوف بسيط لتقول بصوت شبه مرتعش :
_ أقدر يا أُسيد وأبعد من فضلك !

يفقد سيطرته في التحكم بمشاعره حين يكون أمامها ، في غيابها يقسم ويعطي الوعود بأنه سيضع حدود بينهم ولكنه ينهزم شر هزيمة أمامها ولن يتمكن من حجب نفسه عن ذلك الملاك ! .. تراجعت هي للخلف أكثر حتى اصطدمت بالفراش فسقطت جالسة تطالعه بارتباك وحين وجدته ينحني نحوها فشهقت بهلع وظنت بعقليتها الطفولية أنه سيقبلها فدفنت وجهها بين كفيها من فرط خجلها ، وحين سمعت صوت ضحكته الرجولية وهو يقول ضاحكًا :
_ مالك ياملاك مش هضربك متقلقيش يعني !

رفعت نظرها له وقالت بتوتر وهي تهز رأسها بتنافر وخنق :
_ لا لا مش كدا أصل أنا اتوقعت حاجة تاني متاخدش في بالك

دقق النظر بها لبرهة يحاول اختراق عقليتها حتى تمكن من فهم مقصدها فاقترب منها أكثر حتى كاد أن يلتصق بها ليجيبها باستمتاع بخجلها :
_ اتوقعتي أيه بقى !؟

رفعت سبابتها في وجهه تتخذ طريقة التهديد الفاشلة تتصنع السخط والازدراء منه :
_ أُسيد أبعد عني لو سمحت ، أنا مكنتش بزعل منك لما تتعصب عليا لإني عارفة إن أنا اللي غلطانة لكن امبارح إنت اللي غلطان ، أبعد يلا !

طريقتها أثارت غيظة وهيجت عاطفته في معاندتها أكثر ، تتطلع له بتحدى وينعكس من ثنايا تلك العينان العسليتين نظرات رغبة وشغف وحده تمكن من رؤيتهم ، تعاند قلبها قبل معاندته هو ، في الواقع هي لا تختلف عنه كثيرًا فكلاهما يعقدان الوثائق لإقامة الحرب ضد بعضهم ، ولكنها تحارب قلبها لخوفها من أن تستمر في هذه الكذبة وتنتهي بالنهاية بأنها تغادر أول فرد في الفريق خاسرة ، وهو يحارب اضطرابه بين نسيان زوجته أو تأسيس حياة جديدة .. تقول الآن أنه أخطأ الأمس وهو لا يستطيع حتى تركها حزينة منه وإن كانت هي المخطئة يذهب ويعتذر منها ، ألا تستطيع تحمله في وقت شدته وغضبه إن لم تكن هي جانبه من سيكون ، شعر بكلماتها في ثنايا فؤاده تنغزه نغز وقرر عدم الضغط عليها فانتصب في وقفته بصلابة وقال بخشونة :
_ماشي ياملاك براحتك !

تابعته وهو يتجه للمرحاض وانشطر قلبها بشدة وراودها شعور بالندم ، كانت تريد أن تشعر بدلاله ورغبته بها أن ترى حنانه ومشاكسته ، كان سيكفيها منذ البداية حين إعتذر منها ولكن أصرت على معاندته حتى تخلق جوًا لطيف بينهم وفي النهاية كانت ستعلن انهزامها من البداية ! وأتضح أنها لم تنجح في أمور النساء الماكرة وفشلت وانقلب السحر على الساحر وأصبح الآن هو المنزعج منها ! .

***
يتأمل هيئته ووجه الذي ظهرت البقع الحمراء أسفل عيناه وبجانب فمه بسبب ماتلقاه على يد أخيه ، كان فعل قاسيًا منه وبرغم ما فعله به لم يتمكن من رد الصاع صاعين لم تطاوعه يده بأن يعادي أخيه ، فهو كان له الصديق والأخ والأب ولكنه لم يحجب غضبه منه وزمجرته حتى وإن لم يظهرهها بالعنف مثله فسيظهرها بطريقته ، ارتدي سترته وغادر غرفته فرأى زوجة عمه تخرج من غرفة سارة فيقول لها بهدوء :
_ سارة عاملة أيه دلوقتي !

_ زينة الحمدلله بدأت تاكل وتتكلم شوية

_ طيب أقدر أدخل عايزة أكلمها في حاجة ضروري معلش يامرات عمي

حملقت بهيئته ومنظره بريبة تتساءل بداخلها بمكر " ترى من فعل هذا به ؟! " ولكن لم تسأله ماذا به فقد فضلت عدم التدخل ورمقته من أعلاه إلى أحمص قدمه بتدقيق ثُم دخلت لابنتها وبعد ثوانٍ سمحت له بالدخول ، فجذب مقعد وجلس أمام فراشها وقع نظرها عليه ورأت العلامات في وجهه فبتلقائية خرج صوت ضعيف يكاد لا يسمع وهي تهمس بتساءل :
_ مال وشك ؟

تراقص قلبه وأعلن الفرح لسماعه لصوتها الذي تحرق شوقًا لسماعه ، تلك دعوة صريحة منها لجعله يضمها بقوة يظهر مدى سعادته بتحسن حالتها قليلًا ولكن أتت الدعوة في غير معادها المناسب فاكتفى بابتسامته الجميلة يقول :
_ مفيش حاجة ياسارة أنا كويس !

تنهد الصعداء ليكمل بجدية :
_ أنا وعدتك إني في خلال يومين هجبلك ... اللي عمل كدا سواء سمعتي وعدي أو لا بس أنا وعدتك ووفيت بوعدي مش حابة تاجي تشوفيه وهو بيتعذب قدامك ؟

رآت قسمات وجه أمها المندهشة ولكنها سرعان ماهطلت عبراتها بغزارة وهزت رأسها بإعتراض عنيف تقول ببكاء :
_ مش عايزة أشوف حد يامراد ، كفاية إن البني إدم ده يفضل بعيد عني

ثبت نظره في عينها يردف بثقة ونبرة رجولية صارمة :
_ مفيش حد هيقدر يقربلك بعد كدا طول ما احنا موجدين ، على العموم براحتك مش هغصب عليكي

هب واقفًا واستدار لتوقفه أشجان قبل أن يغادر تقول بغل :
_ ريان وعمك عرفوا بمكان اللي ميتسمى ده

_ هقولهم دلوقتي يامرات عمي ، أنتوا هترجعوا البلد إمتى ؟

_ بكرة إن شاء الله

الوقت يضيق عليه سينهي ماعزم عليه ليلة أمس اليوم قبل أن يغادروا لن يسمح بضياع وقت أكثر من هذا .

***
هرولت زمردة نحو الباب عندما سمعت الرنين لتفتح وصدمت بجدها أمامها ، تمسىت تحملق به بصمت للحظات حتى قال هو بحنو :
_ كيفك يابتي ؟!

ابتسمت في داخلها بسخرية ياله من ظالم لم تختلف عن ملاك ومن يرى معاملته لملاك يقول أنهم أعداء وأبيها تزوج أمها بدون علم أحد ، ولكنه من الغريب أنه لم يبدي ردة فعل قاسية نحوها مثل ملاك .. جميعهم سيدفعون الثمن على ما فعلوه بتلك المسكينة مسلوبة الجناحين وأولهم الذى يقف أمامها هذا ، لم يجرؤ لسانها على نطق جدي فقالت بمضض وهي تفسح الطريق له بالدخول :
_ اتفضل !

_ مروان قاعد ؟

_ قاعد في الحمام ثانية هستعجله

تركته وغادرت تاركة أياه يحملق في المنزل بتفحص ويجوله يتفحص كل شئ به أما أحلام فرفضت الخروج له وفضلت المكوث في غرفتها . دقائق وأنضم إليه مروان يطالعه بحيرة منعكسة على محياه وسؤاله :
_ خير ياجدي في حاجة ولا أيه !

اجابه بهدوء تام :
_ لا مفيش ياولدي اقعد عايز أكلمك في موضوع إكده

جلس بجوراه يحجده بريبة يحثه على البدء في الموضوع بسرعة فقد انتابه الفضول حوله ، ما الذى سيجلبه لهم في الصباح الباكر هكذا إلا إذا مان أمر هام . تنفس الصعداء باسترخاء ثم طفق يقول منخرطًا في جوف الحديث :
_ مش كفياك عاد ولا أيه ياولدي مش ناوي ترجع بيت أبوك ، تعالَ واقعدوا وسطينا بدل ما أنتوا قاعدين وحديكم إكده

لم يكن الأمر بتلك الخطورة كما كان يظن فزفر بخنق وقال بأصرار :
_ احنا اتكلمنا في الموضوع ده ياجدي وأنا مش مستعد أهين أمي علشان حد قعادنا إهنه أفضل لينا

_ ياولدي إهانة أيه بس ، طاب وعد مني لو حصل أي حاجة من مرات عمك لأمك لأكون أنا االي متصدرلها لكن تعالوا البيت تاني وحتى أختك تعيش وسطينا ولا أيه رأيك إنت ؟

أيقن أنه لم يتمكن من الهروب من جده بأي شكل أو طريقة حتى فقال بنفاذ صبر ممزوج بالاقتضاب :
_ جدي متغصبش عليا ، أنا مش عايز مشاكل مابين حد بسببنا خلينا بعاد إكده أحسن ورغم كدا هشوف أمي لو وافقت أوعدك هنرجع لأن أمي هي اللي هتقرر في الموضوع ده مش أنا

هب واقفًا يضرب بعصاه الغليظة الأرض مبتسمًا وهو يرتب على كتفه قائلًا بسعادة :
_ ماشي ياولدي رد عليا بليل علشان لو إكده ترجعوا معانا الصبح

نغزه بنظره المختنق ولم يود إظهار سخطه وضجره منهم جميعًا ولكن سيفعل مثلما قال إن وافقت أمه فهو لن يكن لديه مشكلة من الأثاث معهم ، غادر بسببها وإن عاد سيعود بسببها أيضًا ! .

***
انتظرته الليل كله وهو لم يأتي بعد قاربت الساعة على الثانية عشر بعد منتصف الليل ، هل يتعمد التأخير ياترى أم أنه لديه أعمال بالفعل قدت الدقائق الطويلة وهي تتساءل عن سبب تأخره روادتها فكرة سخيفة بعقلها أن تتصل به ولكنها رفضتها تمامًا ، ظلت تسير يمينًا ويسارًا بغيظ وانفعال .. أقسمت أنها ستلقنه الدرس على مايفعله معها عمدًا ، إن كان هو يعاقبها فسيكون عقابها أقسى ، بدأت بتبديل ملابسها وارظت شئ أنثوي رقيق يظهر قوتها ونضارتها وتركت شعرها ينسدل على كتفيها بانسيابية ، بدت كحورية شديدة البياض والجمال والرقة ، ستتخذ طريقًا مغايرًا في معاملتها معه ستكون هي صاحبة التجاهل وليس هو ستعلمه كيف يعاندها ويتجاهلها كنكرة في وسط السطر والكلام ، جلست على فراشها تقرأ في أحد كتب الروايات القديمة ومرت ساعة أخرى وهي تجلس على جمرة نار تنهشها الوساوس كلما يمر الوقت أكثر حتى وصل بها الأمر إلى التفكير في الزواج مُجددًا وهي تقول في قرارة نفسها " هل تزوج علىّ وهو معها الآن ! " عادت تلعن تلك الفكرة الحمقاء مثلها لا يعقل أن يتزوج عليها . مرت نصف ساعة أخرى وفقدت كل دقائب الانتظار لديها فقضبت على هاتفها وهمت بالاتصال به وإذا هو يهل عليها من خلف الباب أنزلت الهاتف من على أذنها بتوتر بسيط جين سألها بخفوت :
_ بتتصلي بمين ؟

لم تجد ما تسعفه من الكلمات وكأن جميع الكلمات سقطت ضريحة في طريقها لشفتيها ، ولكن أسعف عقلها بعض الكلمات السليمة لعقلها فنقولهم بثبات في خنق :
_ هكون بتصل بمين يعنى كنت بتصل بزمردة أطمن عليها !

لا تعرف أنها تفشل في كل شئ وأولهم الكذب فلا تستطيع الكذب وبالأخص عليه ، بدون أن تقول علم أنها كانت تتصل به فحجب ابتسامته وطالعه بتفحص لهيئتها الجذابة ومن نظرته رجحت أنه سيحاول مداعبتها والاقتراب منها وهنا سيأتي دورها هي ، ولكنها لم تعرف أن ما أمامها رجل لا تؤثر به أغلب المثيرات الخارجية وأولهم مثير اللذة والرغبة الذي تتخذه طريقًا ، لا تثيره سوى منبهات معينة بإرادته وإن أثارته فبمهارة يتحكم بها وبالفعل هي كانت مثير جيد جدًا لتحريك جميع حواسه ولكن أظهر الجمود وعدم الإهتمام لها ، خرج شعاع ناري من عيناها لبروده المستفز وجلست على الفراش وأمسكت بالكتاب تدفن نظرها به تتصنع القراءة وقدماها تخبط في الأرض بحركة لا إرداية منها من فرط غيظها ، كاد أن ينفجر ضاحكًا وهو يخطف نظرات في لؤم فيرى منظرها هذا ، حك ذقنه الكثيفة وهتف بمكر دفين :
_ لكن أيه المناسبة ياملاك هانم متشيكة كدا قوليلي

_ وهو لازم يكون في مناسبة

التفت وسار نحوها قائلًا بنبرة ماكرة :
_ لا اصلك ما شاء الله زي القمر

خدعها بسهولة وفرحت لنجاح خطتها لم تكن تعرف أنه يستدرجها لمصلحته الشخصية رفعت رأيها بشموخ وأخفت خجلها لتجيبه بثقة :
_ أنا طول عمري قمر أساسًا مش النهردا بس !

التوى فمه بابتسامة خبيثة فاقترب منها بشدة وانحنى نحوها بنظرات ثابتة فتراجعت هي للخلف فورًا في إرتعاد وهتفت بغضب :
_ في أيه أبعد عني كدا !

نزع ساعة اليد خاصته ووضعها على المنضدة بجوراها ليقول ببراءة مزيفة :
_ إنتي اللي في أيه أنا بحط الساعة ! ، إنتي دايمًا بتفهميني غلط كدا صفي النية ياروحي

حدجته شرزًا أوشكت على أن تقبض على رقبته وتخنقه حتى الموت ذلك الماكر ، يلعب على أوتارها ويخدعها بمهارته الخبيثة ، ككل مرة ينتصر عليها إنتصارًا عظيمًا ، وأتضح أنها لا تساوي شئ أمام لؤمه ومهارته ستتعلم منه من الآن وصاعدًا فهو أفضل شخص تأخذ منه المعلومة . وجدته بنتصب في وقفته ويقول مبتسمًا بنعومة :
_ لا بس عجبتني ثقتك في نفسك استمري على الوضع ده خليكي دايمًا كدا واثقة من نفسك ليكي مستقبل عظيم فيما بعد !

كاد صف أسنانه أن يتكسر كله من شدة الضغط عليه وعقلها يعطي إشارات متتالية ليدها بأن تقبض على رقبته وتخنقه ولم تختفي بهذا بل تنعز أسنانها المتشوقة لا إلتهام فريستها في أي جزء تطوله منه ! .. رآته وهو يبتسم بمكر متجهًا للمرحاض فتوعدت له تلك المرة بشئ لم يستطيع الصمود أمامه ستجعله يشتعل بنيران الغيرة ! .

***
دقائق وسمعت ملاك صوت طرق على الباب ، تعجبت بشدة فمن سيكون مستيقظ لتلك الساعة في المنزل ، ارتدت عبائه سريعًا ووضعت حجابها على شعرها وذهبت لتفتح لتنصدم بها أمامها تقف بتعب واضح على محياها فهتفت بدهشة :
_ سارة !!

_ يتبع ....



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close