رواية اشلاء القلوب الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم ندي محمود
(( أشلاء القلوب ))
_ الفصل الواحد والعشرون _
أطالت النظر إليها وهي تتعجب من مجيئها في هذا الوقت وبخروجها من غرفتها فقد اعتكفت الغرفة منذ ما حدث ، خرج صوت سارة الضعيف وهي تقول :
_ أُسيد قاعد ؟
أجابت بريبة شديدة تندلي على قسمات وجهها :
_ أيوة قاعد ياسارة ، إنتي كويسة فيكي حاجة ؟
هزت رأسها بالنفي بهدوء لتعود تقول بخفوت :
_ اندهيه ياملاك معلش !
التفتت خلفها ليقع نظرها على المرحاض وكادت أن تذهب وتستعجله في الخروج فوجدته هو خرج ، وحين رآى سارة أتخذت الدهشة مكانها على وجهه وأسرع في خطاه نحوها يقول بقلق :
_ مالك ياسارة إنتي كويسة ؟
اكتفت بالإماءة في إيجاب لتتمتم بخوف دفين :
_ مراد قال لريان وبابا على مكان إسلام روح ألحقهم قبل مايعملوا حاجة أرجوك يا أُسيد ، أنا كدا كدا بلغت البوليس أصلًا بس برضوا إنت روح !
أثارت جنونه بجملتها الأخيرة ليزمجر بصوت شبه مرتفع :
_ بلغتي البوليس إيه ياسارة إنتي مجنونة احنا عايزين الموضوع ميوصلش لحد وبنحاول نخبيه تقومي تتصلي بالبوليس ، إنتي عايز تجننيني !!
شعر بيد زوجته على كتفه وهي ترمقه بنظرة حادة وكأنها تأمره أن يخفض نبرة صوته فهي في وضعها هذا لن تتحمل سخطه وخرج صوتها القوي تقول :
_ خلاص يا أُسيد روح البس والحقهم بعدين نبقى نشوف الموضوع ده
زفر النيران من بين شفتيه مستديرًا ومتجهًا للداخل يقول بضجر :
_ الحق أيه بقى ما البوليس هيسبقني خلاص !
تركته يرتدي ملابسه وأغلقت الباب واصطحبتها إلى غرفتها فرآت الدموع المتجمعة في عيناها يتسابقون حول من ينزل الأول فضمتها وعانقتها مغمغمة بصوت حنون :
_ سارة ياحبيبتي متزعليش من أُسيد هو ميقصدش غصب عنه اتعصب عليكي
تشبتت بملابسها وبدأت تشهق باكية ودموعها تنهمر كشلال مياه فظلت تحاول تهدئتها بكل الطرق حتى هتفت أخيرًا بارتجافة صوتها :
_ أنا مش مدايقة من أُسيد ده رد فعل طبيعي منه ياملاك ، أنا ببكي على حالي وفي نفس الوقت من خوفي على ريان ومراد وبابا مش عايزاهم يعملوا حركة متهورة بسببي أنا محتاجهم جمبي ومش حمل خسارة حاجة تاني علشان كدا اتصلت بالبوليس
مررت يدها على ظهرها برقة ثُم أبعدتها عنها هامسة بتفاءل جميل :
_ مفيش خسارة تاني كل اللي جاي بإذن الله انتصار وفرح ، وربنا هيعوضك خلي عندك ثقة في كدا ، أنا عايزاكي توعديني بحاجة لو رجعوا كويسين والحيوان ده أخد عقابه
حدجتها بحيرة في فضول تطلب منها الاسترسال في الحديث ، وعقلها يتساءل حول ماهو هذا الوعد فلبت طلب عقلها في التعرف عليه وهي تقول بحماس :
_ هقنع أُسيد وريان والباقي إننا نطلع في رحلة وإنتي هتطلعي معانا توعديني إنك توافقي لو حصل اللي قولتلك عليه ؟
همت بأن تجيبها بالرفض وحين وجدت محياها تحولت للغضب والضيق فسلمت أمرها لله وقالت بعدم حيلة :
_ أنا مش عايزة أروح أي مكان ياملاك ومش طايقة أشوف أي حد والله ، بس علشان خاطرك ماشي
فرحت بشدة لموافقتها فتلك هي أولى المراحل لخروجها من هذا الظلام ، ستخرجها من الحفرة المظلمة التي وقعت بها ، كانت كلما تنظر بجوراها لا ترى سوى الظلام ، حكّم عليها واقعها الأليم أن تدفن نفسها في الظلام ولكن لا يجب أن تستسلم له بسهولة ، فهي استسلمت له ولم يخرجها منه سوى أُسيد ، بقيت فيه سنوات حياتها حتى أوشك على قتلها بالفعل ، كان على وشك أن يدفنها بأرضها ولن تستطيع الخروج منه مهما حاولت ، والآن هي لا تريدها أن ترتكب نفس الجرم تريدها أن تحارب من أجل حياتها . عانقتها بحنان وقالت برقة :
_ جدعة هو ده القرار الصح ، يلا نامي وارتاحي ومتقلقيش عليهم إن شاء الله مش هيحصل حاجة
طالعتها بجمود ليس جمود ملامح فقط بل جمود فكري فقد انّشلت حركة عقلها وتوقف عن التفكير بأي شئ ، فقابلته هي بحبٌ وغادرت تاركة أياها تتخبط في ظلامها الدامس ! .
***
كأنه حيوان مفترس لا يعي شئ سوى الانقضاض على فريسته ، كان هو كذلك ينهال عليه بالصفعات والألفاظ لعلها تخفف من نيران العرض المشتعلة داخله وكان يشاركه في هذا أبيه الذي نيرانه لا تختلف في توهجها عنه ، ذلك الوغد الذي بين يديهم أفقد ابنتهم حياتها وشرفها إن كان أحدهم أنعم الله عليه بالعقل والرزانة فالأخر سُلب منه عقله ولن يخرج من هنا إلا حين يشبع ناظريه بدمائه ، دماء قتله ! . حاول مراد إبعاد أحدهم عنه ولكن فشله حيث كان ريان يدفعه بعنف بعيد عنه ويصرخ به قائلًا :
_ أبعد يامراد عني السعادي ال... مش هسيبه إلا لما أخد روحه بأيدي !
زفر بعدم حيلة واستدار ليمسح على شعره نزولًا إلى وجهه متأففًا وتصلب بأرضه حين سمع قول ريان الذي يحمل الحقد والغل :
_ أي كان اللي خلاك تعمل كدا سواء كنت متفق مع حد أو لإنك واحد ... دي حاجة متخصنيش كل اللي أعرفه دلوقتي إنك تتشاهد لعلَ وعسى ربنا يغفرلك !
استدار بجسده ناحيته فورًا وجحظت عيناه عندما وجده يخرج سلاحه من جيبه ويصوبه بإتجاه رأسه . حتمًا فقد عقله ، إن فعلها سيقضي ما تبقى من حياته في السجن خلف القضبان ! ، كان هو سيفعل مثله ولكن عاد لشرده وأدرك أن موته لن يفيده بشئ سيجعله يدفع الثمن ولكن بعذاب أصعب وأقسى . هرول نحوه وحاول انتزاع السلاح من يده صائحًا به بغضب :
_ ريان إنت اتجنيت نزل اللي في إيدك ده !
تحدث ثروت في تلك اللحظة قائلًا بازدراء :
_ إيه عايزنا نسيب شرفنا ينداس عليه بالرجلين على الأرض ولا إيه يامراد ، ده أقل حاجة نعملها مع ...
قطع حديثهم اقتحام الشرط المكان وبدون لحظة للتفكير حتى أنزل مراد يد ريان ونزع السلاح منه وخبئه خلف ظهره ، تبادلا الثلاثة النظرات المتحدثة " من الذي اتصل بالشرطة " وكانت نظراتهم تجيب بـ " لا نعرف " ، ماذا سيفعلا في ذلك الموقف العصيب ، سقطوا جميعهم في الوادي إن كانوا سيخبرون الشرطة فكان سيكون هناك تخطيط مسبق لكل شئ قبل أن يحدث هذا .. وجدوا الظابط يتحدث بحدة :
_ جالنا بلاغ إن في واحد متهم بقضية اغتصاب موجود هنا !
أتخذ مراد موضع الحديث ليقول بهدوء وهو يشير عليه بأصبعه :
_ أيوة فعلًا موجود أهو احنا مسكناه وحطناه هنا علشان ميهربش لغاية ماتيجوا
تطلع الظابط إلى منظره وحالته المزرية فقد كان شبه فاقد للوعي لا يعي أي شئ من حوله ، غارق في دماء وجهه ! ، ظهرت قسمات الزمجرة على محياه وهتف بغضب في صرامة :
_ مين اللي عمل فيه كدا
تحدث ريان ببرود أعصاب في برود مستفز لا يبالي لأي شئ :
_ أنا عملت كدا حاول يهرب ومسكناه ، ثم إن حضرتك مستني أيه منينا قدام واحد اعتدى على أختي !
_ ده ميدكمش الحق إنكم تعملوا كدا فيه
أجابه ثروت في غيظ وانفعال :
_ كيف يعني ميدناش الحق ده احنا لو نطول كنا قتلناه واصل !
أشار إلى أحد العساكر بأن يحملوه ويدخلوه في عربة الشرطة وطلب منهم القدوم معهم ، فحمد مراد ربه أنهم ام يروا السلاح وإلا كان الأمر سيكون أصعب مما هو الآن . ساروا أمامه وكان هو أخرهم ثم وضعه في بنطاله وخبأه أسفل ملابسه.
***
مضت ساعات مشحونة بجو من الرعب التوتر لدى ملاك ، ومتكظة بالغضب والسخط لديهم حول الفاعل الذي أخبر الشرطة ووضعهم في ذلك الوضع الصعب فقد تم سجنهم مؤقتًا بتهمة الخطف والشروع في قتل ، فإن كان بقي بين يديهم ثوانٍ أخرى لكان الآن بين التراب يترحمون على جثته إذا كان هناك من سيترحم عليه !! . كل منهم يغوص في تفكيره العميق المصاحب للانفعال والاشتعال من الداخل ، يفكر مراد في طريقة لخلاصهم من هذا الوحل ، وريان يستحوذ عليه التفكير حول من الذي أخبرهم ، وثروت يتحسر على عدم قتله والأخذ بحق ابنته وإزالة العار من على جبين الجميع الذي سيلحق بهم . لحظات صغيرة وجاء أحد العساكر يأمرهم بالخروج وأنهم تم إخلاء سبيلهم فلبوا أمره وخرجوا ليجدوا جلوس أُسيد على أحد المقاعد دافنًا رأسه بين كفيه وحين رفع نظره لهم هب واقفًا واندفع نحوهم ثائرًا يوجه حديثه لعمه :
_ طاب دول متهورين وعارفين ياعمي وإنت أيه متهور زيهم ، إنت اتجنيت ياريان بترفع السلاح عليه عايز تقتله وتودي نفسك في داهية
_ إنت عملت أيه ياولدي ؟
أجاب على سؤال عمه مندفعًا في غيظ :
_ عملت أيه يعني جبت المحامي وبالعافية قدرنا نقنع وكيل النيابة ونخليه يخلي سبيلكم بدل ما تتعرضوا على النيابة ، لأن مهما كان جريمته إنتوا كأنكم حاولتوا قتله ده كويس أنه ملقيش المسدس اللي كنت ماسكه يا أستاذ
ابتسم ريان بسخرية مردفًا باستنكار :
_ كنت منتظر منينا أيه يا أُسيد نطبطب عليه مثلًا ولا نسيبه يمشي
صر على أسنانه وقال منفعلًا في زمجرة عامرة :
_ أه وإنت طبعًا بقيت مجرم رايح تقتله ، على العموم أنا مس هتعب نفسي في الكلام المهم إن الزفت ده ودوه المستشفي ويفوق بس وهيعرضوه على النيابة بعد ما ياخدوا إفادة سارة طبعًا
وكأن ثروت لم يعجبه حديثه فغادر تجمعهم وتركهم ؛ فتأفف أُسيد بنفاذ صبر وانصرف خلفه ثم تبعوه هما ، لوهلة شعر مراد بالندم لأنه أخبرهم وكان يجب عليه أن ينهي الأمر بمفرده هو وأخيه ! . مازالت النيران تأكل في جسدهم من الغيظ لم تنطفِئ . ماعزم عليه صباح اليوم لم ينساه بعد وفي صباح الغد قبل مغادرتهم سيظهره للجميع ! .
***
استيقظت في صباح اليوم التالى بعد مساء طويل ومرهق قضته مستيقظة تنتظر عودته ومحاولات عديدة منها للاتصال به وهو لا يجيب ، لم تكن تعرف إن كان يتجاهلها أم لم يكن يملك الوقت ليجيب على الهاتف ، لا تعرف لماذا يفعل معها هكذا ، إن كانت فعلت شئ في حقه يخبرها ! ، هل يعقل جملة قالتها فعلت كل هذا ، جملة خرجت عن دون قصد من بين شفتيها . لم يدرك هو ما جعلها تعيشه بالأمس بسخريته واللعب على مشاعرها حتى وإن كان يعاندها ، في ثوانٍ أظهر لها وضعها من الإعراب وهو نكرة ، أو كجملة إعتراضية وضعت وسط الكلام أو وسط شطر بيت شعر ، إن زالها لن تؤثر على معنى الجملة مطلقًا ، سئمت من كل شئ إلى متى سيرتكب الآخرين أخطاء في حقها وتعود لمسامحتهم ؛ وهي تعود لسبب واحد وهو إنها لا تستطيع حمل كره وحقد تجاه أحد بالأخص إن كان ذلك الشخص تحبه . نظرت بجانبها لتجده نائم بسكون وأنفاس منتظمة ، فتنفست هي الصعداء بأسى وحزن ونهضت متجهة نحو الحمام ، خرجت فوقع نظرها على دواءها الذي أعلى المنضدة الصغيرة ، اقتربت منه والتقطته تحملق به بتردد ، تفكر في إلقاءه في القمامة وإن حدث شئ وفقدت الحياة فسيكون أفضل ، ولكن عقلها رفض الخضوع مُجددًا من أجل أحد ستعافر وتقاوم كل شئ كما كانت تفعل دومًا ليس هي من تستسلم بسهولة لواقعها وتجعله يحتم عليه الموت ، لم تستسلم إلا في الآوان الأخيرة والآن ستعود كما كانت قوية وتقف على أرض صلبة ستدعس على قلبها مسبب المتاعب هذا وحين يستيقظ ستطلب منه الطلاق ! . ارتدت حجابها وخرجت تقف على الشرفة تستنشق بعض الهواء النقي فرآت ريان يهم بالصعود بسيارته والرحيل فصاحت منادية عليه طالبة منه أن ينتظرها ستنزل له ، غادرت الغُرفة فورًا وهي لم تفعل هذا عن قصد لتثير جنونه فقد طلبت منه الانتظار بحسن نية كي تخبره بما وعدت سارة به ليلة أمس ، ولم تعرف أنه كان شبه نائم يسمع كل شئ وحين سمعها تطلب منه الانتظار وستنزل له هاجت عواصفه وتأججت الغيرة بداخله ، نهض مم فراشه ووقف يتابعهم من الشرفة .
وقفت أمامه وقالت بخشوع :
_ عامل أيه ياريان ؟
_ الحمدلله ياملاك بخير !
تنهدت بقوة ثم قالت بحماس في عذوبة :
_ أنا امبارح اتكلمت مع سارة والحمدلله قدرت أقنعها أنها توافق لو سافرنا في رحلة أو كدا تاجي معانا ، ودى حاجة كويسة جدًا هتخليها تطلع من اللي هي فيه شوية
ابتسم لها بصفاء في حنو ليقول باقتناع :
_ فكرة حلوة خلاص أنا هظبط موضوع السفر ده وأخدها
أتسعت ابتسامتها بقوة وتشدقت بفرح :
_ تمام وأنا هشوف كمان لو قدرت أروح معاكم ، إنتوا ماشين إمتى صح ؟
_ بليل بإذن الله
أماءت برأسها في هدوء بتفهم ثم ودعها وغادر ليلحق ما كان ذاهب إليه ! ، واستدارت هي وعادت إلى غرفتها لتقابل ثوران عاتي اندفع نحوها يقبض على ذراعها ويجذبها ليغلق الباب ويهتف بشبه صيحة عنيفة :
_ إنتي بتعانديني يعني يا ملاك ، مع إني مليون مرة قولتلك متعاندنيش وأعملي اللي بقولك وإنتي مش بيهمك حاجة ولم بتعصب عليكي بتزعلي !
دفعت يده بعنف وقالت بجفاء متصنع ولكن تلك المرة أتقنته بإحترافية :
_ أنا مبعاندش حد يا أُسيد ، كان في حاجة عايزة أقولها ليه وقولتها
جذبها من ذراعها مرة أخرى يقول بغضب :
_ حاجة دي اللي على الصبح ؟!
نزعت يده بعنف أشد وأردفت ببرود أعصاب :
_ حاجة متخصكش يا أُسيد بيه
_ نعم ياختي !!
قالت وهي تثبت نظرها في عينيه دون أن تحمل ذرة خوف وكأن ملاك الذي يعرفها ذهبت وحلت محلها أخرى ، تحدثه بجفاء وترد عليه بقوة ، من أين أتت بكل تلك القوة ! وزادته دهشة حين قالت بعدم مبالاة ظاهرية ومن الداخل تنزف دمًا وتسكت صوت قلبها الأحمق هذا الذي كان حتى الأمس يأمل أنه قد يستطيع أن يحصل على قلبه والآن هي أدركت كل الإدراك أنها إن حاولت سنين لن تحصل عليه فلماذا تهدر وقتها في شئ لا جدوى منه :
_ أه متخصكش لأن إنت طبيعي أساسًا هطلقني ، أنا مش عارفة إذا كان قولتلهالك قبل كدا ولا لا يا أُسيد بس أنا ندمانة فعلًا إني اتجوزتك واكتشفت إني ضيعت وقت من حياتي على الفاضي كنت قادرة في الوقت ده أعمل فيه حجات كتير بس أنا بغبائي ضيعته ، ودلوقتي أنا بطلب منك الطلاق لأن الصراحة وجودنا مع بعض ملوش أي لزمة وإنت عمرك ماهتقدر تنسى مراتك وحتى لو كملنا مع بعض هتكون عايش معايا جسد بس وقلب مش معايا وأنا أخدت بما فيه الكفاية من الإهمال لما كنت متجوزة أكرم مليت من إني أكون في الخانة التانية !
كلماتها أشبه بسكين مسموم نغزته في ثنايا قلبه ، تندم على زواجها منه بالرغم من أنه كان مازال جرحه ينزف على زوجته وكان يعاملها المعاملة الحسنة التي يجب أن تُعامل بها ، لم يؤذيها لهذا الحد الذي يجعلها تقول أنها تندم ! ، لم ينسى زوجته فعلًا ولكنها لم تكن في الخانة الثانية مطلقًا فقد فرضت نفسها على قلبه وجعلته يُحبها بالفعل فقد أتخذت لنفسها مكانًا لم يختلف عن زوجته ، أجبرته على الوقوع في شباكها عنوة وحتمت عليه حبها ، الآن هو يعيش معها جسد وروح ليس كما تتدعيه أن قلبه ليس معها ، والآن تطلب الطلاق ولكنه لم يسمح لها بتركه بعد أن استولت على قلبه . هتف بشئ من السخط :
_ مش هطلقك ياملاك
لاحت ابتسامة ساخرة على ثغرها تقول بقسوة :
_ واضح إنك بقيت زي أكرم أهو ، كنت بتحميني منه وإنت بتعمل زيه دلوقتي ، متجاهلني ومش في بالك أساسًا ومش عايز تطلقني ، أيه لتكون زيه كمان عايز تتسلى وتخليني خدامة عندك !!
جعلته ينفعل بشدة بتشبيها له بذلك الوغد ، الذي لم يشبهه هو ولو بذرة بسيطة . صاح بصوت جهوري في انفعال :
_ أنا لو زي أكرم مكنش ده هيبقى حالك ياملاك ، أيه بقيت زيه لم رفضت أطلقك ليه هو أنا بعذبك وأنا معرفش ، بس تمام طلاما إنتي شيفاني زيه فأنا زيه ومش هطلقك وأخبطي راسك في الحيط و أعتبريها زي ماتعتبريها بقى بتسلى ، بعتبرك خدامة مش هتفرق طلاما إنتي شايفة الأمور من المنظور ده
تركها واندفع نحو المرحاض ، فجلست هي على الفراش تبكي بحرقة وأسى ، هي تعلم أنه لم يشبهه قط ولن يكون مثله ولكنها اختارت الكلمات بقسوة كي تظهر له ما بداخلها من ألم ؛ كي تحاول إظهار ولو ذرة صغيرة من حبها له ورغبتها في شعورها على حبه المتبادل ، ولكنه كالعادة ألقمها بكلماته التي لا تعبر سوى عن أنها مجرد امرأة امتلكها ولا يحمل نحوها سوى الشفقة ! .
***
كانت شاردة في صفاء السماء تجلس على مقعدها الهزاز في مكانها المفضل بحديقة المنزل وبيدها كالعادة كوب الشاي خاصتها ، وتذهب بعقلها لأفكار كثير حتى كادت أن تجن من كثرة التفكير . حين رآها تجلس بمفردها هكذا وتولي ظهرها لكل من يمر من خلفها تنهد بعمق واقترب منها بخطواط بطيئة ، ثم وقف خلفها يحدج بتمعن ينشطر قلبه كلما ينظر لها وهي بعيدة عنه هكذا إلى متى سيظل يكتم ما بداخله ويخفيه عن الجميع بالأخص عنها ، يعشقها بكل ما تحمل الكلمة من معنى وكلما يفكر في إتخاذ خطوة والتقدم لخطبتها يحدث شئ يؤخره مُجددًا .. يتخيلها وهي زوجته وامرأته ، كيف سيستيقظ كل يوم على وجهها الجميل ! ، كيف ستكون معه في كل لحظة وكل يوم ! . أغمض عينيه بأسى ثُم فتحهمَ وغمغم بهدوء :
_ أسمى !
نظرت خلفها فورًا حين أصظر عقلها الإشارة لجسدها بأن يلتفت استجابة للصوت المألوف التي سمعته وحين وقع نظرها عليه قالت بمرح بسيط :
_ أيه يامروان مش تدى إندار حتى خضتني ياعم
لاحت ابتسامة خافتة على ثغره ، كان وجهه بادي عليه قسمات الحزن والتحسر وهو ينظر لها ، لم تراه هكذا من قبل فقطبت حاجبيها وأردفت بقلق :
_ مالك يامروان إنت مدايق من حاجة ولا أيه ؟
_ ياريتها حاجة وحدة بس !
قالها وهو يتأفف بخنق فازداد قلقها أكثر وهتفت بحيرة أشد :
_ طيب ماتقولي مالك مس يمكن أقدر أحل المشكلة دي معاك ماذا يقول ، أيقول أنه يعشقها ويحلم بها نهارًا وليلًا ، يقول أنه يريدها أن تكون معه وبين احضانه دائمًا ؟ ، لن يجد فائدة حتى وإن قال هذا سيكفتي بنظراته الذي يخطفها من الزمن ليتمتع بالنظر إليها ، إلى حين يتقدم لخطبتها من أخويها . تمتم مبتسمًا بشجن :
_ لا دي مشكلة في الشغل متشغليش بالك بيها إنتي
انحنت والتقطت الخاتم خاصته من على المقعد وهي تمد يدها له قائلة بمشاكسة :
_ جيت في وقتك أنا نزلته معايا قولت يمكن تاجي وادهولك وفعلًا جيت ، أمسك تلاقي صحبته طفشت
جذبه منها وأخذ يقلبه بين أصابعه ويقول في قرارة نفسه " من الواضح أن ذلك الخاتم سينتظر كثيرًا حتى يوضع في أصبع صاحبته ! " فارتسمت ابتسامة على وجهه تحمل من الحزن بما يكفي لإحزان قرية بحالها ، وجد أنه من الأفضل إن انصرف من أمامها وفر هاربًا قبل أن يفقد السيطرة على مشاعره الجياشة . فقال بشئ من الإيجاز :
_ طيب هروح أشوف مراد وأُسيد علشان في شغل لازم نخلصه قبل ما أمشي بليل !
هزت رأسها بالموافقة في وجه صافيٍ وجميل ، تتساءل عن سبب ضيقه لتلك الدرجة لأبد أنه أمر أشد خطورة من العمل .
***
غادرت ملاك الغرفة واتجهت إلى المطبخ كي تحضر طعام فطورهم هي وزوجها الذي حرصت على تحضيره بنفسها منذ مجيئها هنا ، ستحضر الطعام ولن تشاركه أياه لأول مرة منذ زواجهم بسبب المشاجرات التي حدثت للتو ، وبينما هي في طريقها قابلت في طريقها تلك الشيطانة المدعوة " أشجان " فتأففت بنفاذ صبر وقررت أن تفعل كما قال لها أُسيد أن تتجاهلها ولكن الأخرى لن تنهي المقابلة هكذا فقد قبضت على ذراعها وغرست شعاع عينها بعينها تهمس بنبرة تحمل التهديد والوعيد :
_ لسا يابنت فردوس مشوفتيش مني حاجة هعرفك مين أشجان على حقيقتها اصبري عليا بس
دفعت يدها بعنف حتى أوشكت على السقوط من قوتها وهي تهتف بتحذير مخيف لا بحمل مزاح مُطلقًا :
_ يابجاحتك ياشيخة وكمان ليكي عين تتكلمي وبتهدديني أنا سكت بس علشان ريان وسارة مش علشان خايفة منك ولا حاجة ، ملاك اللي خطفتيها زمان وحاولتي تقتليها وسكتت هي ماتت فعلًا واللي واقفة قدامك دلوقتي وحدة تاني ، وبقولك أهو مش هتنفدي بعملتلك يا أشجان وبحذرك لو حاولتي بس تقربيلي تاني سعتها مش هرحمك وأنا معايا الدليل اللي يثبت إنك حاولتي تقتليني فالأفضل إنك متحاوليش تخوفيني بكلامك ده اللي مش هيأثر معايا نهائي
تجهل من أين استمدت تلك القوة لتتحدث إليها هكذا حتى زوجها لم تخشاه ولم تراعي مشاعره بعكس مايفعله هو دائمًا ، ربما بسبب ما مرّت به سئمت أن تعيش ضعيفة بدون صوت ستدعس على كل من لا يعيرها أهتمام أو يحاول أذيتها بكعب حذائها ، من اليوم ستظهر ملاك بمظهرها الجديد ، القوي ، والصارم ، الذي لا يسامح بسهولة ولا يعفو في أي شئ ! . اصابتها الدهشة أشجان عندما سمعت كلماتها ورأت طريقتها في التكلم والتهديد ؛ فعُقد لسانها ومن دهشتها وقفت متصلبة بأرضها تشاهدها وهي تتجه نحو المطبخ تحاول استيعاب كلماتها الشرسة ! .
***
ساعات عديدة مرت حتى قاربت الشمس على الغروب ، منذ أن استيقظ لم ينهض من على مكتبه ينهي أعماله ، تأكدت أنه يخرج شحنة غضبه وسخطه بتلك الأعمال لعلها تلهيه عن الحجارة التى ألقتها عليها صباح اليوم واصابت أجزاء متفرقة من جسده ، تعلم أنها كانت قاسية جدًا ولكن أن كتمتها في ثنايا قلبها أكثر من ذلك ستكتم على نفسها وتخنقها . أشفقت عليه وحضرت قهوته له وصحبتها لمكتبه ، وقفت تحملق به بعد أن فتحت الباب ببطء ، رأته منغمس في الأوراق التي أمامه ، وقسمات وجهه تنم عن نفس غير مطمئنة ، نفس متفجرة من الغيظ والغضب ، وكأن نظراته في تلك الأوراق وعقله في مكان أخر . أصدرت تنهيدة حارة سمعها وتعرف على صاحبها ولكن تجاهلها ولم يرفع نظره حتى ، تقدمت نحوه ووضعت الكوب أمامه وهتفت بمضض :
_ عملتلك قهوة
خرج صوته الرجولي بجفاء حقيقي وحزم :
_ شيليه مش عايز حاجة منك !
بعد كل ماقالته مازال مُصمم على تجاهلها واستخدام أسلوب الجفاء معها ، وكأن كلماتها لم تؤثر به ، تعلم أنها لربما جرحته ولكن جرحه كان أكبر ، تعشقه وتتمني قربه وهو يعاملها بكل قسوة ولامبالة ، توقعت أن بعد ماحدث سيعرف خطأه ويحاول إصلاحه ولكنه يفعل العكس . يكفي ستفصح عن كل ماخُفى بين ثنايا قلبها وتنفجر به وأن كانت تلك الكلمات هي أخر ما ستتفوه به ! :
_ بعد ده كل ومش عايز مني حاجة ، إنت مش ملاحظ إنك عامل موضوع من مفيش ، بس أنا اللي غلطانة أنا اللي استحملت ده كله من البداية أنا اللي متخلفة إني وافقت على جوازي منك وأنا كنت متأكدة إنك مستحيل تحبني بس أديت لنفسي أمل من مفيش وبنيت حبي ليك على وهم وفي الأخر زي ما انت شايف الوهم اختفى وطلعت الخسرانة للمرة المليون ، وافقت وقولت هحاول يمكن أقدر اخليك تحبني زي ما أنا كنت بحبك وفشلت للأسف ، من الأخر كدا أنا مش عايزة أكمل في العلاقة دي طلقني !
أصابته الدهشة وألجمت لسانه فانعقد ولم يعرف بماذا يجيبها حتى ، كشفت للتو عن حبها له الذي كان يريده منذ البداية ! ، أتخذ الأمر بجدية في بداية الأمر ؛ لكي يستفزها ويجعلها تقرّ بكل شئ وبعد كلماتها القاسية صباح اليوم تحول غضبه المزيف لحقيقي ، وفي النهاية وصل لمبتغاه واعترفت ، كان بحاجة لاعترافها الصريح هذا كي يتخذ هو الأخر خطوة جريئة ، لم ينكر شعوره بالسعادة الغامرة وفي ذات اللحظة عدم نسيانه لما قالته وتشبيهها له بأكرم عكر صفو سعادته . التفتت هي وهمت بالرحيل ولكن هوى جسدها على الأرض كطائر كسرت جناحيه ووقع جرحيًا على الأرض ! .
***
ودّع الطبيب الخاص بها وشكره بامتنان على مجيئه ، وتلقى تعليمات صارمة منه هو أهملها برغم علمه بها وألزمه بالإلتزام بها حتى لا يسوء وضعها . بقيت سارة بجوراها حتى استعادت وعيها وكان ريان ينتظر أُسيد بالخارج فهدأت نفسه حين اطمئن عليها أما أسمى وليلي والباقية لم يهتموا لأمرها حتى ! ، فعاد هو لها بعد مايقارب النصف ساعة من رحيل الطبيب وكانت سارة قد عادت لغرفتها فوجدها مستلقية على الفراش تحملق في اللأشئ بأسى ، فتنهد بخنق واقترب ثُم جلس بجانبها مد يده ومررها على شعرها يقول بنعومة :
_ عاملة إيه دلوقتي ؟
دفعت يده بنفس تنم عن نفورها منه وعدم رغبتها في اقترابه منها حتى لتجيب بامتعاض وصوت يحمل القليل من المرارة :
_ كويسة زي ما انت شايف لسا ممتش !
تمتم بنبرة صادقة ونادمة يلتمس فيها السماح :
_ أنا آسف ، يمكن أنا زودتها فعلًا شوية معاكي بس اللي قولتيه مكنش سهل خالص عليا إنك تقوليلي إنك ندمتي على حوازك منك كأني كنت بعذبك إنك تشبهيني بالزفت أكرم ده كفاية أنه يخليني أخد موقف منك ، إنتي مش شايفة إن بعد كل اللي قولتيه ده أقل حاجة كان إني أخد موقف منك وأزعل !
هتفت بانفعال في استياء :
_ إنت أساسًا من قبل كدا وانت ماخد موقف مني على إيه معرفش
_ في الواقع إنتي اللي بدأتي ده كله اتعصبت عليكي وصحيت تاني يوم واعتذرت منك ورفضتي اعتذاري وبرغم اللي قولتيه وقتها برضوا أنا مرضيتش أمسك في حجات صغيرة زي كدا وطنشت وكنت ناوي أنهي الموضوع بس بعد اللي عملتيه الصبح أنا بجد مقدرتش أتغاطى عنه
قالت ساخرة :
_ طلعت أنا اللي غلطانة دلوقتي !
تنهد الصعداء بعدم حيلة واقترب منها أكثر يمسك بكف يدها ويقبل باطنه يهمس بحنو :
_ لا أنا اللي غلطان ياجميل ، حقك عليا متزعليش ، إنتي هبلة لينا شهرين وأكتر متجوزين ولسا مفهمتنيش ، إنتي كان بدل ماتعانديني تمشي الدنيا بكلمتين حلوين وكنت هنسى كل حاجة
تشدقت بغطرسة وهي تشيح بنظرها عنه ، ترفض مسامحته حتى يحقق لها ما طلبته :
_ وأنا أجي اصالحك ليه وإنت اللي غلطان ، أنا ممكن أسامحك في حالة وحدة بس إنك تطلقني !
ثارت نفسه وانعكس ما بداخله على وجهه الذي أصبح كجمرة نيران مشتعلة فيقول لها مندفعًا :
_ وأنا سبق وقولتلك إني مش هطلق ياملاك ، ومتتكلميش في الموضوع تاني قدامي
_ تمام يبقى لغاية ماتوافق حضرتك أنا وإنت هتفضل علاقتنا على الوضع ده كل واحد منينا في جمب
صر على أسنانه بشراسة كلما يحاول إصلاح الأمور بينهم لتعود كما كانت ترفض هي بكل قسوة ، ففضل عدم الحديث معها الآن ويعود مُجددًا في محاولاته الشبه فاشلة حين يهدأ هو قبل أن تتحول المناقشة لمشاجرة أخرى ؛ نتيجة لغضبه وضجره منها ، تابعته وهو ينهض من جانبها مُتأففًا بشدة ثم ينصرف تاركًا ساحة الغُرفة كلها لها ! .
***
ساعات قليلة وقبل عودتهم إلى الصعيد تجمع مراد بجميع الراجل في مكتب أُسيد بحجة أنه أمر طارئ لا يمكن التأخر عنه ، ظل ينقل نظره بين الجميع في تردد لا يعرف من أين يبدأ الحديث فساعده في هذا جده حين هتف بحيرة :
_ ماتقول ياولدي في إيه ؟ ، وموضوع إيه ده اللي مهم ومينفعش نتأخر عنه
أخذ شهيقًا قوي وأخرجه زفيرًا على تمهل ليوجه حديث أولًا إلى عمه هاتفًا بثبات رجولي :
_ يمكن يكون بالنسبالكم ده مش وقته بس أنا بنسبالي إن ده أنسب وقت أقول فيه حاجة زي كدا ، أنا عايز أتجوز سارة ياعمي !
***
فتحت عيناها بصعوبة وتألم ، ثُم أخذت دقائق تستوعب ما يحدث وحتى تتذكر ما حدث وأخر شئ تتذكره قبل فقدانها لوعيها وهو خطفها على إيدي رجل تجهله تمامًا ، وفورًا عندما تذكرت هذا انتفضت جالسة تدور بنظرها في كل مكان بارتيعاد تتفقد ثنايا المنزل القديم برعب ، حاولت تحرير نفسها من الحبال الخشنة التي تلتف حول قدميها ويديها ولكنها فشلت ، فزحفت على الأرض ناحية حقيبتها لعلها تستطيع إخراج الهاتف وتتصل بأخيها وبينمت هي في قاربت الوصول للحقيبة وجدت من يجذبها من الأرض ويلقيها بعيدًا عنها ، رفعت نظرها له وشهقت بفزع حين رأته فتخرج حرزف اسمه من بين شفتيها بحركة لا إرادية :
_ أكرم !!
_ يتبع ..........
_ الفصل الواحد والعشرون _
أطالت النظر إليها وهي تتعجب من مجيئها في هذا الوقت وبخروجها من غرفتها فقد اعتكفت الغرفة منذ ما حدث ، خرج صوت سارة الضعيف وهي تقول :
_ أُسيد قاعد ؟
أجابت بريبة شديدة تندلي على قسمات وجهها :
_ أيوة قاعد ياسارة ، إنتي كويسة فيكي حاجة ؟
هزت رأسها بالنفي بهدوء لتعود تقول بخفوت :
_ اندهيه ياملاك معلش !
التفتت خلفها ليقع نظرها على المرحاض وكادت أن تذهب وتستعجله في الخروج فوجدته هو خرج ، وحين رآى سارة أتخذت الدهشة مكانها على وجهه وأسرع في خطاه نحوها يقول بقلق :
_ مالك ياسارة إنتي كويسة ؟
اكتفت بالإماءة في إيجاب لتتمتم بخوف دفين :
_ مراد قال لريان وبابا على مكان إسلام روح ألحقهم قبل مايعملوا حاجة أرجوك يا أُسيد ، أنا كدا كدا بلغت البوليس أصلًا بس برضوا إنت روح !
أثارت جنونه بجملتها الأخيرة ليزمجر بصوت شبه مرتفع :
_ بلغتي البوليس إيه ياسارة إنتي مجنونة احنا عايزين الموضوع ميوصلش لحد وبنحاول نخبيه تقومي تتصلي بالبوليس ، إنتي عايز تجننيني !!
شعر بيد زوجته على كتفه وهي ترمقه بنظرة حادة وكأنها تأمره أن يخفض نبرة صوته فهي في وضعها هذا لن تتحمل سخطه وخرج صوتها القوي تقول :
_ خلاص يا أُسيد روح البس والحقهم بعدين نبقى نشوف الموضوع ده
زفر النيران من بين شفتيه مستديرًا ومتجهًا للداخل يقول بضجر :
_ الحق أيه بقى ما البوليس هيسبقني خلاص !
تركته يرتدي ملابسه وأغلقت الباب واصطحبتها إلى غرفتها فرآت الدموع المتجمعة في عيناها يتسابقون حول من ينزل الأول فضمتها وعانقتها مغمغمة بصوت حنون :
_ سارة ياحبيبتي متزعليش من أُسيد هو ميقصدش غصب عنه اتعصب عليكي
تشبتت بملابسها وبدأت تشهق باكية ودموعها تنهمر كشلال مياه فظلت تحاول تهدئتها بكل الطرق حتى هتفت أخيرًا بارتجافة صوتها :
_ أنا مش مدايقة من أُسيد ده رد فعل طبيعي منه ياملاك ، أنا ببكي على حالي وفي نفس الوقت من خوفي على ريان ومراد وبابا مش عايزاهم يعملوا حركة متهورة بسببي أنا محتاجهم جمبي ومش حمل خسارة حاجة تاني علشان كدا اتصلت بالبوليس
مررت يدها على ظهرها برقة ثُم أبعدتها عنها هامسة بتفاءل جميل :
_ مفيش خسارة تاني كل اللي جاي بإذن الله انتصار وفرح ، وربنا هيعوضك خلي عندك ثقة في كدا ، أنا عايزاكي توعديني بحاجة لو رجعوا كويسين والحيوان ده أخد عقابه
حدجتها بحيرة في فضول تطلب منها الاسترسال في الحديث ، وعقلها يتساءل حول ماهو هذا الوعد فلبت طلب عقلها في التعرف عليه وهي تقول بحماس :
_ هقنع أُسيد وريان والباقي إننا نطلع في رحلة وإنتي هتطلعي معانا توعديني إنك توافقي لو حصل اللي قولتلك عليه ؟
همت بأن تجيبها بالرفض وحين وجدت محياها تحولت للغضب والضيق فسلمت أمرها لله وقالت بعدم حيلة :
_ أنا مش عايزة أروح أي مكان ياملاك ومش طايقة أشوف أي حد والله ، بس علشان خاطرك ماشي
فرحت بشدة لموافقتها فتلك هي أولى المراحل لخروجها من هذا الظلام ، ستخرجها من الحفرة المظلمة التي وقعت بها ، كانت كلما تنظر بجوراها لا ترى سوى الظلام ، حكّم عليها واقعها الأليم أن تدفن نفسها في الظلام ولكن لا يجب أن تستسلم له بسهولة ، فهي استسلمت له ولم يخرجها منه سوى أُسيد ، بقيت فيه سنوات حياتها حتى أوشك على قتلها بالفعل ، كان على وشك أن يدفنها بأرضها ولن تستطيع الخروج منه مهما حاولت ، والآن هي لا تريدها أن ترتكب نفس الجرم تريدها أن تحارب من أجل حياتها . عانقتها بحنان وقالت برقة :
_ جدعة هو ده القرار الصح ، يلا نامي وارتاحي ومتقلقيش عليهم إن شاء الله مش هيحصل حاجة
طالعتها بجمود ليس جمود ملامح فقط بل جمود فكري فقد انّشلت حركة عقلها وتوقف عن التفكير بأي شئ ، فقابلته هي بحبٌ وغادرت تاركة أياها تتخبط في ظلامها الدامس ! .
***
كأنه حيوان مفترس لا يعي شئ سوى الانقضاض على فريسته ، كان هو كذلك ينهال عليه بالصفعات والألفاظ لعلها تخفف من نيران العرض المشتعلة داخله وكان يشاركه في هذا أبيه الذي نيرانه لا تختلف في توهجها عنه ، ذلك الوغد الذي بين يديهم أفقد ابنتهم حياتها وشرفها إن كان أحدهم أنعم الله عليه بالعقل والرزانة فالأخر سُلب منه عقله ولن يخرج من هنا إلا حين يشبع ناظريه بدمائه ، دماء قتله ! . حاول مراد إبعاد أحدهم عنه ولكن فشله حيث كان ريان يدفعه بعنف بعيد عنه ويصرخ به قائلًا :
_ أبعد يامراد عني السعادي ال... مش هسيبه إلا لما أخد روحه بأيدي !
زفر بعدم حيلة واستدار ليمسح على شعره نزولًا إلى وجهه متأففًا وتصلب بأرضه حين سمع قول ريان الذي يحمل الحقد والغل :
_ أي كان اللي خلاك تعمل كدا سواء كنت متفق مع حد أو لإنك واحد ... دي حاجة متخصنيش كل اللي أعرفه دلوقتي إنك تتشاهد لعلَ وعسى ربنا يغفرلك !
استدار بجسده ناحيته فورًا وجحظت عيناه عندما وجده يخرج سلاحه من جيبه ويصوبه بإتجاه رأسه . حتمًا فقد عقله ، إن فعلها سيقضي ما تبقى من حياته في السجن خلف القضبان ! ، كان هو سيفعل مثله ولكن عاد لشرده وأدرك أن موته لن يفيده بشئ سيجعله يدفع الثمن ولكن بعذاب أصعب وأقسى . هرول نحوه وحاول انتزاع السلاح من يده صائحًا به بغضب :
_ ريان إنت اتجنيت نزل اللي في إيدك ده !
تحدث ثروت في تلك اللحظة قائلًا بازدراء :
_ إيه عايزنا نسيب شرفنا ينداس عليه بالرجلين على الأرض ولا إيه يامراد ، ده أقل حاجة نعملها مع ...
قطع حديثهم اقتحام الشرط المكان وبدون لحظة للتفكير حتى أنزل مراد يد ريان ونزع السلاح منه وخبئه خلف ظهره ، تبادلا الثلاثة النظرات المتحدثة " من الذي اتصل بالشرطة " وكانت نظراتهم تجيب بـ " لا نعرف " ، ماذا سيفعلا في ذلك الموقف العصيب ، سقطوا جميعهم في الوادي إن كانوا سيخبرون الشرطة فكان سيكون هناك تخطيط مسبق لكل شئ قبل أن يحدث هذا .. وجدوا الظابط يتحدث بحدة :
_ جالنا بلاغ إن في واحد متهم بقضية اغتصاب موجود هنا !
أتخذ مراد موضع الحديث ليقول بهدوء وهو يشير عليه بأصبعه :
_ أيوة فعلًا موجود أهو احنا مسكناه وحطناه هنا علشان ميهربش لغاية ماتيجوا
تطلع الظابط إلى منظره وحالته المزرية فقد كان شبه فاقد للوعي لا يعي أي شئ من حوله ، غارق في دماء وجهه ! ، ظهرت قسمات الزمجرة على محياه وهتف بغضب في صرامة :
_ مين اللي عمل فيه كدا
تحدث ريان ببرود أعصاب في برود مستفز لا يبالي لأي شئ :
_ أنا عملت كدا حاول يهرب ومسكناه ، ثم إن حضرتك مستني أيه منينا قدام واحد اعتدى على أختي !
_ ده ميدكمش الحق إنكم تعملوا كدا فيه
أجابه ثروت في غيظ وانفعال :
_ كيف يعني ميدناش الحق ده احنا لو نطول كنا قتلناه واصل !
أشار إلى أحد العساكر بأن يحملوه ويدخلوه في عربة الشرطة وطلب منهم القدوم معهم ، فحمد مراد ربه أنهم ام يروا السلاح وإلا كان الأمر سيكون أصعب مما هو الآن . ساروا أمامه وكان هو أخرهم ثم وضعه في بنطاله وخبأه أسفل ملابسه.
***
مضت ساعات مشحونة بجو من الرعب التوتر لدى ملاك ، ومتكظة بالغضب والسخط لديهم حول الفاعل الذي أخبر الشرطة ووضعهم في ذلك الوضع الصعب فقد تم سجنهم مؤقتًا بتهمة الخطف والشروع في قتل ، فإن كان بقي بين يديهم ثوانٍ أخرى لكان الآن بين التراب يترحمون على جثته إذا كان هناك من سيترحم عليه !! . كل منهم يغوص في تفكيره العميق المصاحب للانفعال والاشتعال من الداخل ، يفكر مراد في طريقة لخلاصهم من هذا الوحل ، وريان يستحوذ عليه التفكير حول من الذي أخبرهم ، وثروت يتحسر على عدم قتله والأخذ بحق ابنته وإزالة العار من على جبين الجميع الذي سيلحق بهم . لحظات صغيرة وجاء أحد العساكر يأمرهم بالخروج وأنهم تم إخلاء سبيلهم فلبوا أمره وخرجوا ليجدوا جلوس أُسيد على أحد المقاعد دافنًا رأسه بين كفيه وحين رفع نظره لهم هب واقفًا واندفع نحوهم ثائرًا يوجه حديثه لعمه :
_ طاب دول متهورين وعارفين ياعمي وإنت أيه متهور زيهم ، إنت اتجنيت ياريان بترفع السلاح عليه عايز تقتله وتودي نفسك في داهية
_ إنت عملت أيه ياولدي ؟
أجاب على سؤال عمه مندفعًا في غيظ :
_ عملت أيه يعني جبت المحامي وبالعافية قدرنا نقنع وكيل النيابة ونخليه يخلي سبيلكم بدل ما تتعرضوا على النيابة ، لأن مهما كان جريمته إنتوا كأنكم حاولتوا قتله ده كويس أنه ملقيش المسدس اللي كنت ماسكه يا أستاذ
ابتسم ريان بسخرية مردفًا باستنكار :
_ كنت منتظر منينا أيه يا أُسيد نطبطب عليه مثلًا ولا نسيبه يمشي
صر على أسنانه وقال منفعلًا في زمجرة عامرة :
_ أه وإنت طبعًا بقيت مجرم رايح تقتله ، على العموم أنا مس هتعب نفسي في الكلام المهم إن الزفت ده ودوه المستشفي ويفوق بس وهيعرضوه على النيابة بعد ما ياخدوا إفادة سارة طبعًا
وكأن ثروت لم يعجبه حديثه فغادر تجمعهم وتركهم ؛ فتأفف أُسيد بنفاذ صبر وانصرف خلفه ثم تبعوه هما ، لوهلة شعر مراد بالندم لأنه أخبرهم وكان يجب عليه أن ينهي الأمر بمفرده هو وأخيه ! . مازالت النيران تأكل في جسدهم من الغيظ لم تنطفِئ . ماعزم عليه صباح اليوم لم ينساه بعد وفي صباح الغد قبل مغادرتهم سيظهره للجميع ! .
***
استيقظت في صباح اليوم التالى بعد مساء طويل ومرهق قضته مستيقظة تنتظر عودته ومحاولات عديدة منها للاتصال به وهو لا يجيب ، لم تكن تعرف إن كان يتجاهلها أم لم يكن يملك الوقت ليجيب على الهاتف ، لا تعرف لماذا يفعل معها هكذا ، إن كانت فعلت شئ في حقه يخبرها ! ، هل يعقل جملة قالتها فعلت كل هذا ، جملة خرجت عن دون قصد من بين شفتيها . لم يدرك هو ما جعلها تعيشه بالأمس بسخريته واللعب على مشاعرها حتى وإن كان يعاندها ، في ثوانٍ أظهر لها وضعها من الإعراب وهو نكرة ، أو كجملة إعتراضية وضعت وسط الكلام أو وسط شطر بيت شعر ، إن زالها لن تؤثر على معنى الجملة مطلقًا ، سئمت من كل شئ إلى متى سيرتكب الآخرين أخطاء في حقها وتعود لمسامحتهم ؛ وهي تعود لسبب واحد وهو إنها لا تستطيع حمل كره وحقد تجاه أحد بالأخص إن كان ذلك الشخص تحبه . نظرت بجانبها لتجده نائم بسكون وأنفاس منتظمة ، فتنفست هي الصعداء بأسى وحزن ونهضت متجهة نحو الحمام ، خرجت فوقع نظرها على دواءها الذي أعلى المنضدة الصغيرة ، اقتربت منه والتقطته تحملق به بتردد ، تفكر في إلقاءه في القمامة وإن حدث شئ وفقدت الحياة فسيكون أفضل ، ولكن عقلها رفض الخضوع مُجددًا من أجل أحد ستعافر وتقاوم كل شئ كما كانت تفعل دومًا ليس هي من تستسلم بسهولة لواقعها وتجعله يحتم عليه الموت ، لم تستسلم إلا في الآوان الأخيرة والآن ستعود كما كانت قوية وتقف على أرض صلبة ستدعس على قلبها مسبب المتاعب هذا وحين يستيقظ ستطلب منه الطلاق ! . ارتدت حجابها وخرجت تقف على الشرفة تستنشق بعض الهواء النقي فرآت ريان يهم بالصعود بسيارته والرحيل فصاحت منادية عليه طالبة منه أن ينتظرها ستنزل له ، غادرت الغُرفة فورًا وهي لم تفعل هذا عن قصد لتثير جنونه فقد طلبت منه الانتظار بحسن نية كي تخبره بما وعدت سارة به ليلة أمس ، ولم تعرف أنه كان شبه نائم يسمع كل شئ وحين سمعها تطلب منه الانتظار وستنزل له هاجت عواصفه وتأججت الغيرة بداخله ، نهض مم فراشه ووقف يتابعهم من الشرفة .
وقفت أمامه وقالت بخشوع :
_ عامل أيه ياريان ؟
_ الحمدلله ياملاك بخير !
تنهدت بقوة ثم قالت بحماس في عذوبة :
_ أنا امبارح اتكلمت مع سارة والحمدلله قدرت أقنعها أنها توافق لو سافرنا في رحلة أو كدا تاجي معانا ، ودى حاجة كويسة جدًا هتخليها تطلع من اللي هي فيه شوية
ابتسم لها بصفاء في حنو ليقول باقتناع :
_ فكرة حلوة خلاص أنا هظبط موضوع السفر ده وأخدها
أتسعت ابتسامتها بقوة وتشدقت بفرح :
_ تمام وأنا هشوف كمان لو قدرت أروح معاكم ، إنتوا ماشين إمتى صح ؟
_ بليل بإذن الله
أماءت برأسها في هدوء بتفهم ثم ودعها وغادر ليلحق ما كان ذاهب إليه ! ، واستدارت هي وعادت إلى غرفتها لتقابل ثوران عاتي اندفع نحوها يقبض على ذراعها ويجذبها ليغلق الباب ويهتف بشبه صيحة عنيفة :
_ إنتي بتعانديني يعني يا ملاك ، مع إني مليون مرة قولتلك متعاندنيش وأعملي اللي بقولك وإنتي مش بيهمك حاجة ولم بتعصب عليكي بتزعلي !
دفعت يده بعنف وقالت بجفاء متصنع ولكن تلك المرة أتقنته بإحترافية :
_ أنا مبعاندش حد يا أُسيد ، كان في حاجة عايزة أقولها ليه وقولتها
جذبها من ذراعها مرة أخرى يقول بغضب :
_ حاجة دي اللي على الصبح ؟!
نزعت يده بعنف أشد وأردفت ببرود أعصاب :
_ حاجة متخصكش يا أُسيد بيه
_ نعم ياختي !!
قالت وهي تثبت نظرها في عينيه دون أن تحمل ذرة خوف وكأن ملاك الذي يعرفها ذهبت وحلت محلها أخرى ، تحدثه بجفاء وترد عليه بقوة ، من أين أتت بكل تلك القوة ! وزادته دهشة حين قالت بعدم مبالاة ظاهرية ومن الداخل تنزف دمًا وتسكت صوت قلبها الأحمق هذا الذي كان حتى الأمس يأمل أنه قد يستطيع أن يحصل على قلبه والآن هي أدركت كل الإدراك أنها إن حاولت سنين لن تحصل عليه فلماذا تهدر وقتها في شئ لا جدوى منه :
_ أه متخصكش لأن إنت طبيعي أساسًا هطلقني ، أنا مش عارفة إذا كان قولتلهالك قبل كدا ولا لا يا أُسيد بس أنا ندمانة فعلًا إني اتجوزتك واكتشفت إني ضيعت وقت من حياتي على الفاضي كنت قادرة في الوقت ده أعمل فيه حجات كتير بس أنا بغبائي ضيعته ، ودلوقتي أنا بطلب منك الطلاق لأن الصراحة وجودنا مع بعض ملوش أي لزمة وإنت عمرك ماهتقدر تنسى مراتك وحتى لو كملنا مع بعض هتكون عايش معايا جسد بس وقلب مش معايا وأنا أخدت بما فيه الكفاية من الإهمال لما كنت متجوزة أكرم مليت من إني أكون في الخانة التانية !
كلماتها أشبه بسكين مسموم نغزته في ثنايا قلبه ، تندم على زواجها منه بالرغم من أنه كان مازال جرحه ينزف على زوجته وكان يعاملها المعاملة الحسنة التي يجب أن تُعامل بها ، لم يؤذيها لهذا الحد الذي يجعلها تقول أنها تندم ! ، لم ينسى زوجته فعلًا ولكنها لم تكن في الخانة الثانية مطلقًا فقد فرضت نفسها على قلبه وجعلته يُحبها بالفعل فقد أتخذت لنفسها مكانًا لم يختلف عن زوجته ، أجبرته على الوقوع في شباكها عنوة وحتمت عليه حبها ، الآن هو يعيش معها جسد وروح ليس كما تتدعيه أن قلبه ليس معها ، والآن تطلب الطلاق ولكنه لم يسمح لها بتركه بعد أن استولت على قلبه . هتف بشئ من السخط :
_ مش هطلقك ياملاك
لاحت ابتسامة ساخرة على ثغرها تقول بقسوة :
_ واضح إنك بقيت زي أكرم أهو ، كنت بتحميني منه وإنت بتعمل زيه دلوقتي ، متجاهلني ومش في بالك أساسًا ومش عايز تطلقني ، أيه لتكون زيه كمان عايز تتسلى وتخليني خدامة عندك !!
جعلته ينفعل بشدة بتشبيها له بذلك الوغد ، الذي لم يشبهه هو ولو بذرة بسيطة . صاح بصوت جهوري في انفعال :
_ أنا لو زي أكرم مكنش ده هيبقى حالك ياملاك ، أيه بقيت زيه لم رفضت أطلقك ليه هو أنا بعذبك وأنا معرفش ، بس تمام طلاما إنتي شيفاني زيه فأنا زيه ومش هطلقك وأخبطي راسك في الحيط و أعتبريها زي ماتعتبريها بقى بتسلى ، بعتبرك خدامة مش هتفرق طلاما إنتي شايفة الأمور من المنظور ده
تركها واندفع نحو المرحاض ، فجلست هي على الفراش تبكي بحرقة وأسى ، هي تعلم أنه لم يشبهه قط ولن يكون مثله ولكنها اختارت الكلمات بقسوة كي تظهر له ما بداخلها من ألم ؛ كي تحاول إظهار ولو ذرة صغيرة من حبها له ورغبتها في شعورها على حبه المتبادل ، ولكنه كالعادة ألقمها بكلماته التي لا تعبر سوى عن أنها مجرد امرأة امتلكها ولا يحمل نحوها سوى الشفقة ! .
***
كانت شاردة في صفاء السماء تجلس على مقعدها الهزاز في مكانها المفضل بحديقة المنزل وبيدها كالعادة كوب الشاي خاصتها ، وتذهب بعقلها لأفكار كثير حتى كادت أن تجن من كثرة التفكير . حين رآها تجلس بمفردها هكذا وتولي ظهرها لكل من يمر من خلفها تنهد بعمق واقترب منها بخطواط بطيئة ، ثم وقف خلفها يحدج بتمعن ينشطر قلبه كلما ينظر لها وهي بعيدة عنه هكذا إلى متى سيظل يكتم ما بداخله ويخفيه عن الجميع بالأخص عنها ، يعشقها بكل ما تحمل الكلمة من معنى وكلما يفكر في إتخاذ خطوة والتقدم لخطبتها يحدث شئ يؤخره مُجددًا .. يتخيلها وهي زوجته وامرأته ، كيف سيستيقظ كل يوم على وجهها الجميل ! ، كيف ستكون معه في كل لحظة وكل يوم ! . أغمض عينيه بأسى ثُم فتحهمَ وغمغم بهدوء :
_ أسمى !
نظرت خلفها فورًا حين أصظر عقلها الإشارة لجسدها بأن يلتفت استجابة للصوت المألوف التي سمعته وحين وقع نظرها عليه قالت بمرح بسيط :
_ أيه يامروان مش تدى إندار حتى خضتني ياعم
لاحت ابتسامة خافتة على ثغره ، كان وجهه بادي عليه قسمات الحزن والتحسر وهو ينظر لها ، لم تراه هكذا من قبل فقطبت حاجبيها وأردفت بقلق :
_ مالك يامروان إنت مدايق من حاجة ولا أيه ؟
_ ياريتها حاجة وحدة بس !
قالها وهو يتأفف بخنق فازداد قلقها أكثر وهتفت بحيرة أشد :
_ طيب ماتقولي مالك مس يمكن أقدر أحل المشكلة دي معاك ماذا يقول ، أيقول أنه يعشقها ويحلم بها نهارًا وليلًا ، يقول أنه يريدها أن تكون معه وبين احضانه دائمًا ؟ ، لن يجد فائدة حتى وإن قال هذا سيكفتي بنظراته الذي يخطفها من الزمن ليتمتع بالنظر إليها ، إلى حين يتقدم لخطبتها من أخويها . تمتم مبتسمًا بشجن :
_ لا دي مشكلة في الشغل متشغليش بالك بيها إنتي
انحنت والتقطت الخاتم خاصته من على المقعد وهي تمد يدها له قائلة بمشاكسة :
_ جيت في وقتك أنا نزلته معايا قولت يمكن تاجي وادهولك وفعلًا جيت ، أمسك تلاقي صحبته طفشت
جذبه منها وأخذ يقلبه بين أصابعه ويقول في قرارة نفسه " من الواضح أن ذلك الخاتم سينتظر كثيرًا حتى يوضع في أصبع صاحبته ! " فارتسمت ابتسامة على وجهه تحمل من الحزن بما يكفي لإحزان قرية بحالها ، وجد أنه من الأفضل إن انصرف من أمامها وفر هاربًا قبل أن يفقد السيطرة على مشاعره الجياشة . فقال بشئ من الإيجاز :
_ طيب هروح أشوف مراد وأُسيد علشان في شغل لازم نخلصه قبل ما أمشي بليل !
هزت رأسها بالموافقة في وجه صافيٍ وجميل ، تتساءل عن سبب ضيقه لتلك الدرجة لأبد أنه أمر أشد خطورة من العمل .
***
غادرت ملاك الغرفة واتجهت إلى المطبخ كي تحضر طعام فطورهم هي وزوجها الذي حرصت على تحضيره بنفسها منذ مجيئها هنا ، ستحضر الطعام ولن تشاركه أياه لأول مرة منذ زواجهم بسبب المشاجرات التي حدثت للتو ، وبينما هي في طريقها قابلت في طريقها تلك الشيطانة المدعوة " أشجان " فتأففت بنفاذ صبر وقررت أن تفعل كما قال لها أُسيد أن تتجاهلها ولكن الأخرى لن تنهي المقابلة هكذا فقد قبضت على ذراعها وغرست شعاع عينها بعينها تهمس بنبرة تحمل التهديد والوعيد :
_ لسا يابنت فردوس مشوفتيش مني حاجة هعرفك مين أشجان على حقيقتها اصبري عليا بس
دفعت يدها بعنف حتى أوشكت على السقوط من قوتها وهي تهتف بتحذير مخيف لا بحمل مزاح مُطلقًا :
_ يابجاحتك ياشيخة وكمان ليكي عين تتكلمي وبتهدديني أنا سكت بس علشان ريان وسارة مش علشان خايفة منك ولا حاجة ، ملاك اللي خطفتيها زمان وحاولتي تقتليها وسكتت هي ماتت فعلًا واللي واقفة قدامك دلوقتي وحدة تاني ، وبقولك أهو مش هتنفدي بعملتلك يا أشجان وبحذرك لو حاولتي بس تقربيلي تاني سعتها مش هرحمك وأنا معايا الدليل اللي يثبت إنك حاولتي تقتليني فالأفضل إنك متحاوليش تخوفيني بكلامك ده اللي مش هيأثر معايا نهائي
تجهل من أين استمدت تلك القوة لتتحدث إليها هكذا حتى زوجها لم تخشاه ولم تراعي مشاعره بعكس مايفعله هو دائمًا ، ربما بسبب ما مرّت به سئمت أن تعيش ضعيفة بدون صوت ستدعس على كل من لا يعيرها أهتمام أو يحاول أذيتها بكعب حذائها ، من اليوم ستظهر ملاك بمظهرها الجديد ، القوي ، والصارم ، الذي لا يسامح بسهولة ولا يعفو في أي شئ ! . اصابتها الدهشة أشجان عندما سمعت كلماتها ورأت طريقتها في التكلم والتهديد ؛ فعُقد لسانها ومن دهشتها وقفت متصلبة بأرضها تشاهدها وهي تتجه نحو المطبخ تحاول استيعاب كلماتها الشرسة ! .
***
ساعات عديدة مرت حتى قاربت الشمس على الغروب ، منذ أن استيقظ لم ينهض من على مكتبه ينهي أعماله ، تأكدت أنه يخرج شحنة غضبه وسخطه بتلك الأعمال لعلها تلهيه عن الحجارة التى ألقتها عليها صباح اليوم واصابت أجزاء متفرقة من جسده ، تعلم أنها كانت قاسية جدًا ولكن أن كتمتها في ثنايا قلبها أكثر من ذلك ستكتم على نفسها وتخنقها . أشفقت عليه وحضرت قهوته له وصحبتها لمكتبه ، وقفت تحملق به بعد أن فتحت الباب ببطء ، رأته منغمس في الأوراق التي أمامه ، وقسمات وجهه تنم عن نفس غير مطمئنة ، نفس متفجرة من الغيظ والغضب ، وكأن نظراته في تلك الأوراق وعقله في مكان أخر . أصدرت تنهيدة حارة سمعها وتعرف على صاحبها ولكن تجاهلها ولم يرفع نظره حتى ، تقدمت نحوه ووضعت الكوب أمامه وهتفت بمضض :
_ عملتلك قهوة
خرج صوته الرجولي بجفاء حقيقي وحزم :
_ شيليه مش عايز حاجة منك !
بعد كل ماقالته مازال مُصمم على تجاهلها واستخدام أسلوب الجفاء معها ، وكأن كلماتها لم تؤثر به ، تعلم أنها لربما جرحته ولكن جرحه كان أكبر ، تعشقه وتتمني قربه وهو يعاملها بكل قسوة ولامبالة ، توقعت أن بعد ماحدث سيعرف خطأه ويحاول إصلاحه ولكنه يفعل العكس . يكفي ستفصح عن كل ماخُفى بين ثنايا قلبها وتنفجر به وأن كانت تلك الكلمات هي أخر ما ستتفوه به ! :
_ بعد ده كل ومش عايز مني حاجة ، إنت مش ملاحظ إنك عامل موضوع من مفيش ، بس أنا اللي غلطانة أنا اللي استحملت ده كله من البداية أنا اللي متخلفة إني وافقت على جوازي منك وأنا كنت متأكدة إنك مستحيل تحبني بس أديت لنفسي أمل من مفيش وبنيت حبي ليك على وهم وفي الأخر زي ما انت شايف الوهم اختفى وطلعت الخسرانة للمرة المليون ، وافقت وقولت هحاول يمكن أقدر اخليك تحبني زي ما أنا كنت بحبك وفشلت للأسف ، من الأخر كدا أنا مش عايزة أكمل في العلاقة دي طلقني !
أصابته الدهشة وألجمت لسانه فانعقد ولم يعرف بماذا يجيبها حتى ، كشفت للتو عن حبها له الذي كان يريده منذ البداية ! ، أتخذ الأمر بجدية في بداية الأمر ؛ لكي يستفزها ويجعلها تقرّ بكل شئ وبعد كلماتها القاسية صباح اليوم تحول غضبه المزيف لحقيقي ، وفي النهاية وصل لمبتغاه واعترفت ، كان بحاجة لاعترافها الصريح هذا كي يتخذ هو الأخر خطوة جريئة ، لم ينكر شعوره بالسعادة الغامرة وفي ذات اللحظة عدم نسيانه لما قالته وتشبيهها له بأكرم عكر صفو سعادته . التفتت هي وهمت بالرحيل ولكن هوى جسدها على الأرض كطائر كسرت جناحيه ووقع جرحيًا على الأرض ! .
***
ودّع الطبيب الخاص بها وشكره بامتنان على مجيئه ، وتلقى تعليمات صارمة منه هو أهملها برغم علمه بها وألزمه بالإلتزام بها حتى لا يسوء وضعها . بقيت سارة بجوراها حتى استعادت وعيها وكان ريان ينتظر أُسيد بالخارج فهدأت نفسه حين اطمئن عليها أما أسمى وليلي والباقية لم يهتموا لأمرها حتى ! ، فعاد هو لها بعد مايقارب النصف ساعة من رحيل الطبيب وكانت سارة قد عادت لغرفتها فوجدها مستلقية على الفراش تحملق في اللأشئ بأسى ، فتنهد بخنق واقترب ثُم جلس بجانبها مد يده ومررها على شعرها يقول بنعومة :
_ عاملة إيه دلوقتي ؟
دفعت يده بنفس تنم عن نفورها منه وعدم رغبتها في اقترابه منها حتى لتجيب بامتعاض وصوت يحمل القليل من المرارة :
_ كويسة زي ما انت شايف لسا ممتش !
تمتم بنبرة صادقة ونادمة يلتمس فيها السماح :
_ أنا آسف ، يمكن أنا زودتها فعلًا شوية معاكي بس اللي قولتيه مكنش سهل خالص عليا إنك تقوليلي إنك ندمتي على حوازك منك كأني كنت بعذبك إنك تشبهيني بالزفت أكرم ده كفاية أنه يخليني أخد موقف منك ، إنتي مش شايفة إن بعد كل اللي قولتيه ده أقل حاجة كان إني أخد موقف منك وأزعل !
هتفت بانفعال في استياء :
_ إنت أساسًا من قبل كدا وانت ماخد موقف مني على إيه معرفش
_ في الواقع إنتي اللي بدأتي ده كله اتعصبت عليكي وصحيت تاني يوم واعتذرت منك ورفضتي اعتذاري وبرغم اللي قولتيه وقتها برضوا أنا مرضيتش أمسك في حجات صغيرة زي كدا وطنشت وكنت ناوي أنهي الموضوع بس بعد اللي عملتيه الصبح أنا بجد مقدرتش أتغاطى عنه
قالت ساخرة :
_ طلعت أنا اللي غلطانة دلوقتي !
تنهد الصعداء بعدم حيلة واقترب منها أكثر يمسك بكف يدها ويقبل باطنه يهمس بحنو :
_ لا أنا اللي غلطان ياجميل ، حقك عليا متزعليش ، إنتي هبلة لينا شهرين وأكتر متجوزين ولسا مفهمتنيش ، إنتي كان بدل ماتعانديني تمشي الدنيا بكلمتين حلوين وكنت هنسى كل حاجة
تشدقت بغطرسة وهي تشيح بنظرها عنه ، ترفض مسامحته حتى يحقق لها ما طلبته :
_ وأنا أجي اصالحك ليه وإنت اللي غلطان ، أنا ممكن أسامحك في حالة وحدة بس إنك تطلقني !
ثارت نفسه وانعكس ما بداخله على وجهه الذي أصبح كجمرة نيران مشتعلة فيقول لها مندفعًا :
_ وأنا سبق وقولتلك إني مش هطلق ياملاك ، ومتتكلميش في الموضوع تاني قدامي
_ تمام يبقى لغاية ماتوافق حضرتك أنا وإنت هتفضل علاقتنا على الوضع ده كل واحد منينا في جمب
صر على أسنانه بشراسة كلما يحاول إصلاح الأمور بينهم لتعود كما كانت ترفض هي بكل قسوة ، ففضل عدم الحديث معها الآن ويعود مُجددًا في محاولاته الشبه فاشلة حين يهدأ هو قبل أن تتحول المناقشة لمشاجرة أخرى ؛ نتيجة لغضبه وضجره منها ، تابعته وهو ينهض من جانبها مُتأففًا بشدة ثم ينصرف تاركًا ساحة الغُرفة كلها لها ! .
***
ساعات قليلة وقبل عودتهم إلى الصعيد تجمع مراد بجميع الراجل في مكتب أُسيد بحجة أنه أمر طارئ لا يمكن التأخر عنه ، ظل ينقل نظره بين الجميع في تردد لا يعرف من أين يبدأ الحديث فساعده في هذا جده حين هتف بحيرة :
_ ماتقول ياولدي في إيه ؟ ، وموضوع إيه ده اللي مهم ومينفعش نتأخر عنه
أخذ شهيقًا قوي وأخرجه زفيرًا على تمهل ليوجه حديث أولًا إلى عمه هاتفًا بثبات رجولي :
_ يمكن يكون بالنسبالكم ده مش وقته بس أنا بنسبالي إن ده أنسب وقت أقول فيه حاجة زي كدا ، أنا عايز أتجوز سارة ياعمي !
***
فتحت عيناها بصعوبة وتألم ، ثُم أخذت دقائق تستوعب ما يحدث وحتى تتذكر ما حدث وأخر شئ تتذكره قبل فقدانها لوعيها وهو خطفها على إيدي رجل تجهله تمامًا ، وفورًا عندما تذكرت هذا انتفضت جالسة تدور بنظرها في كل مكان بارتيعاد تتفقد ثنايا المنزل القديم برعب ، حاولت تحرير نفسها من الحبال الخشنة التي تلتف حول قدميها ويديها ولكنها فشلت ، فزحفت على الأرض ناحية حقيبتها لعلها تستطيع إخراج الهاتف وتتصل بأخيها وبينمت هي في قاربت الوصول للحقيبة وجدت من يجذبها من الأرض ويلقيها بعيدًا عنها ، رفعت نظرها له وشهقت بفزع حين رأته فتخرج حرزف اسمه من بين شفتيها بحركة لا إرادية :
_ أكرم !!
_ يتبع ..........
