اخر الروايات

رواية سلوان الفجر الفصل التاسع عشر 19

رواية سلوان الفجر الفصل التاسع عشر 19


التاسع عشر: ماضي لاذع

                                              
وتشاء أنت ما تشاء، ويشاء الله لك من الأقدار أجملها 

12


______________

+


الساعة الثامنة صباحا

+


منزل عائلة هارتبيور 

3


استيقظ الجميع متجهزين للذهاب لأشغالهم، حور، كلوديا وتليد الذي ينتظرها خارجا 

1


وبين سكون أجواء البيت ودفئ زواياه المنبعث من المدافئ يسمع صوت حديثهما وهما تخطوان أولى خطواتهما عبر السلالم 

+


" حور أريد تجربة شيئ " 

1


ابتسمت حور والتفتت ناحيتها 

+


" ماذا؟ "

+


" أن أصوم مثلكم، صيامنا مختلف عنكم، أريد تجربة ما تشعرون به والتوقف عن الأكل وشرب حتى المغرب، لكن لا تخبري تليد " 

5


" هل ستكونين بخير؟  لست معتادة"

+


أومأت رأسها بحماس وهمهمت موافقة

+


"نعم،لكن لا تخبري أحدا،ستكون مفاجئة"

4


أكملا طريقهما لخارج المنزل، حيث توجهت كلوديا لسيارة تليد وحور نحو سيارتها، وعندما كانت بصدد الركوب سمعت صوت إيلياء اللاهث وهو يسرع ناحيتها بينما يرتدي سترته بالمقلوب 

4


التفتت ناحيته مستغربة تحدق به منتظرة قول ما يريده 

+


لكنه تجاوزها وركب في مقعد السائق ثم شغل السيارة والتفت ناحيتها 

+


" لن نذهب؟ " 

+


اقتربت منه ووقفت أمامه ضامة ذراعيها لصدرها 

+


" ماذا تفعل؟ أين سياراتك؟ " 

1


" لا تذكريني، أُخذت مني لأنني معاقب " 

+


رفعت حاجبيها استغرابا ورمته بنظرات غير مصدقة ما يقوله 

+


"معاقب من طرف من؟" 

+


"أشار لها للركوب مرة أخرى ورد

+


" اركبي تأخرنا، سأخبرك في طريق " 

+


ضحكت ساخرة واقتربت منه أكثر، ثم وبحركة سريعة بدأت تضرب كتفه بقوة 

+


" هذه سيارتي، هيا اذهب للمقعد آخر "

2


ثنى شفتيه بطفولية ثم أمسك بيدها بقوة وقال راجيا 

+


" أرجوك أرجوك اشتقت للقيادة، هذه المرة فقط " 

+



       
نظرت إليه مطولا ولأنها الأخت الحنونة استطاعت نظراته خداعها، ما جعلها تتنهد وترخي عضلاتها ثم تنقر كتفه 

1


" حسنا  " 

+


انطلق بسيارة نحو الجامعة، حيث سبقهما تليد بمسافة صغيرة متجهين هو وكلوديا لعملهما 

+


مر نصف اليوم عاديا، كل منهم مشغول في عمله، وبينما تليد غارق وسط الأوراق المتراكمة على المكتب، رفع رأسه بعفوية لتتوقف نظراته على الموظفيين الذين كانوا يحملون هواتفهم ويتهامسون يبدو عليهم التفاجئ 

3


عقد حاجبيه لعدم فهمه لما يحدث، ماجعله ينادي يوسف 

1


" يوسف"

+


دخل يوسف المكتب وتقدم نحوه لكن لم يتفوه بحرف منتظرا ما يود تليد قوله 

+


" ماذا يحدث هناك؟ "

+


رمى يوسف الموظفين بنظرة جانبية ثم أعادها نحو تليد، حدق به مطولا باديا على ملامحه بعض التوتر وقال بصوت متقطع 

+


"حسنا..." 

3


"حسنا ماذا؟ هل ابتلع القط لسانك سيد يوسف، لم أعتد عليك هكذا" 

+


أخذ يوسف نفسا عميقا ثم زفر الكلمات دون تقطع ولا فاصل 

+


" حسنا، أظنك تعرف الممثل بارون نواه حتى لو لم تكن تعرف هو ممثل مشهور..... "

1


قاطعه تليد قبل أن ينتهي

+


"ما دخلي به، هل حدث له شيئ لدرجة انشغال موظفين به؟" 

+


حرك رأسه يمينا وشمالا ثم بلع ريقه وأغمض عينيه وبدأ يتحدث بسرعة 

+


" تابع حساب السيدة كلوديا على أنستغرام وأعحب بمنشوراتها كما أنه علق على صورة لها بأن عيناها مميزتين، فازداد عدد المتابعين على صفحة كلوظيا بشكل سريع، لهذا الجميع مذهولون "

22


تنفس الصعداء عند آخر كلمة وتنهد براحة لكنه لم يفتح عينيه، أما تليد وقف بحركة سريعة ضاربا سطح المكتب بكلتى يديه

+


"ماذا؟؟؟؟" 

19


فتح يوسف عينيه ببطئ بالعا ريقه بقلق 

+


" تليد تحكم بغضبك"

1


ابتسم بزيف مرطبا الأجواء 

+


" لكن سيدة كلودبا لم تبدي أي ردة فعل، ولم ترد عليه حتى، يبدو أنها لا تعرفه "

+


ضحك ساخرا لكنه صمت وبلع ريقه عندما لمح تلك النظرات الحارقة والملامح الغاضبة والتي يعرف ما يكون بعدها 

+



        

Queen
Sponsored by LORD
أغلي منتج هديه لما تشتري
Read More

          

                
" لماذا لا أملك حسابها؟ "

8


كان سؤالا غريبا، ما جعل يوسف يرفع حاجبيه بغير فهم ويهمس

+


"ماذا؟" 

+


رفع تليد صوته قليلا وقال بنبرة غاضبة 

+


" حساب كلوديا، لماذا لا أملك حسابها على أنستغرام "

2


" ربما لأنك لا تستخدم الأنستغرام وتلك المواقع!!! " 

8


مرر أنامله عبر خصلات شعره واستقام بجسده بينها يتمم وهو يتحرك بعشوائية 

+


" صحيح، لماذا لا أملك حسابا على انستغرام؟ " 

24


" أستغفر الله " 

+


حمل هاتفه وقدمه ليوسف 

+


" هيا افتح لي واحدا، ودعني أرى ما الذي يحدث "

10


فعل يوسف ذلك، وأخذ منه الوقت عشر دقائق فقط، بحث عن حساب كلوديا في مجموعة موظفي الشركة ودخله ثم قدم الهاتف لتليد 

+


راح يتفحص الحساب والمنشورات، وكانت أغلبيتها صور لعينيها، وبعض ملامحها وملابسها، بالإضافة إلى صور من شهر عسلهما، وتنزهاتهما ، وما أثار غضبه أنه غير موجود في أي واحدة منهم، وكأنه لم يكن موجودا في تلك الذكريات أبدا 

13


عض باطن شفاهه ووضع الهاتف على المكتب بقوة 

4


" نادي كلوديا فورا "

17


فعل يوسف ذلك، لتدخل تتبعها أعين الجميع، وبأن الكل أصبح يعرف أنها زوجته، تقدم ليغلق الستائر ويخلو بها 

+


اقترب منها قليلا ورغم غضبه لكن ملامحه بدت ألين 

+


" اسمعي لا أحب اجبارك على شيئ، لكن هذه مرة الأمر فوق طاقتي "

+


أشار لهاتفها الذي تمسكه بيدها وأضاف

+


" لديك خيارين لا ثالث لهما، ستحذفين الصور أو تحذفين الحساب "

6


رفعت حاجبيها بغير فهم ثم نظرت إليه مطولا وهمست بصوت شبه مسموع 

+


"ماذا؟" 

+


" كما سمعت"

+


لاحظ قلقها ما جعله يتنهد بعمق متحكما في انفعاله، اقترب أكثر وانحنى لمستواها قليلا، ثم مد يده وضع بعض خصلات شعرها خلف أذنها 

+


"سواسية العيون قانون، وعيناك خالفا القانون، فلا عديل ولا ند لهما، لذا لا يباح لشخص غيري إطرابهما بالغزل" 

35



        
          

                
استقام مجددا لتعود ملامحه الجدية للظهور على وجهه ثانية 

+


" لذلك ستحذفين تلك صور أو الحساب "

+


ابتعدت عنه بخطوات وابتسمت بمكر تريد اثارة غضبه أكثر لأخذه سيارتها وهذا ما استوطن أفكارها 

+


" لن أفعل "

6


"ماذا!؟" 

+


حسابها لم يكن مهما لتلك الدرجة وكانت قادرة على حذف الصور بسهولة، ولكن فكرة إثارة غضبه جعلتها تعانده أكثر 

2


" لن أفعل، إنه حسابي الرسمي أملكه منذ زمن لا أستطيع الاستغناء عنه "

+


خرجت مباشرة عندما رأته يقترب منها غير تاركة له المجال للرد، أما هو وقف مصدوما غير مستوعبا ما فعلته قبل قليل، ولثواني معدودة عاد لواقعه وصرخ

+


"يوسف" 

15


دخل يوسف المكتب مسرعا ليكمل 

+


" أريد أمهر خبير أمن سيبراني من شركة آمندا الآن " 

15


تحرك يوسف للخروج ثم توقف عندما أضاف تليد

+


"أخبرها أن يكون ذو ثقة" 

+


" حسنا "

+


*
*
*

+


جامعة الملوك

+


في أحد كراسي الحديقة، كانت بريجيت جالسة بجانب آرثر يتبدلان الحديث 

+


" مر وقت كثير  "

+


قال آرثر مخاطبا بريحيت بنبرة مسها الحنين فبادلته الابتسامة ولكن ملامحها بدت غريبة 

6


"  ربما، لكن ذكريات تجعلك تعيش الأوقات وكأنها البارحة "

+


" ماذا فعلت في غيابي؟ "

+


" لا شيئ يذكر ، الدراسة فقط"

+


"لكنك تغيرت حقا" 

+


" حسنا الوقت يغير الانسان إما للأفضل أو الأسوء"

+


رفع حاجبيه بينما هو يحاول قراءة تعابير وجهها 

+


" أيهما اخترت إذن؟ الأفضل أم الأسوء! "

2


"كلاهما، أميل إلى المساواة أنت تعرف ذلك" 

+


كانت جملة جادة لكنه ضحك على جوابها ورد

+


"حسنا لك تتغيري من هذه ناحية اذن، كنت ومازلت فتاة جادة تتحدث دون تفكير ولا خوف من ردة فعل الغير" 

+



        
          

                
"ويبدو أنك ما زلت متذاكٍ يظن أنه يفهم نية الآخرين وتصرفاتهم" 

4


ضحك بصوت عالي بينما يتحدث 

+


"حسنا سأعتربه مدحا" 

+


بادلته الضحكة رغم أنه لم تكن تمدحه 

+


" ليس مدحا "

3


في تلك اللحظة مر إيلياء على المكان واضعا كلتى يديه في جيبه، لكنه توقف عندما سمع صوتها ورأى تلك الضحكة تتغنى على تضاريح وجهها، ولأول مرة يرى ضحكتها فقد كانت طوال وقت ترتدي ثوب الجدية 

1


حدق بها لثواني ثم همس 

+


" هل هذه أول مرة أرى ضحكتها"

5


أراد أن يكمل طريقه لكنه توقف مجددا بينما يمرر نظراته بينها وبين آرثر 

+


" أليس هذا استاذ جديد، لماذا تضحك معه؟  لم تبتسم يوما لأحد وهي تضحك معه الآن، من يكون؟ "

6


حرك رأسه طاردا كل تلك الأفكار 

+


" ما دخلي أنا؟ " 

12


لسانك قال ذلك لكن جسده دفعه للإقتراب منهما، ام يشعر حتى وجد نفسه واقفا أمامها لينتشله صوت آرثر وهو يسأله

+


"ماذا؟" 

+


نظر إليهما بتعحب وهمس 

+


"ماذا أفعل هنا؟" 

3


حك فروة رأسه من خلف، وقال بينما يحرك يده بعشوائية متوترا

+


"حسنا أنا شخص فضولي، لذا أريد أن أسأل، أنت جديد هنا، كيف تعرفان بعضكما؟" 

7


أراد آرثر الإجابة لكن بريجيت صرخت منفعلة 

+


"ما دخلك، اهتم بشؤونك، يبدو أنك نسيت العقد" 

4


"العقد ينص على ألا أكلمك، كنت أسأله هو وليس أنت" 

+


"لكن موضوع يخصني" 

+


" لكنك تخصينني "

36


توقف متصنما لما تفوه به بغير ادراك، حدق بها لثواني متعجبا متمنيا أنها لم تسمعه، أما هي انفرج فاهها من فرط صدمة وهمست 

+


"ماذا!" 

+


بسط كلى يديه أمامها وقال مبتمسا بتوتر 

+


"أقصد أنك لا تخصينني أنا فقط مهتم بالأستاذ" 

9


رفعت حاجبيها استغرابا ورأى ملامح الشك يها ثم تذكر إشاعة أنه شاذ التي أطلقتها عليه في بداية لقائهما 

3



        
          

                
"انتظري الموضوع ليس كما فهمته" 

+


 من فرط توتر أضاف متهربا من الموضوع

+


"لماذا أشرح موقفي لغبية مثلك حتى" 

+


نهضت من مكانها غاضبة وأشارت له بسبابتها

+


"لماذا أكلم طفلا صغيرا سترته بالمقلوب" 

+


"ماذا؟" 

+


همس ينظر لنفسه ثم أضاف 

+


" لماذا لم يخبرني أحد " 

5


ذهبت بعدما قالت ساخرة

+


"غبي"

+


ذهب هو الآخر في الجهة المعاكسة وهو يقلب سترته

+


"يبدو أنني جننت" 

+


أما آرثر جلس متحكما في ضحكته يحرك نظراته بينهما ثم ضحك وقال 

6


" يبدو أنه جاء من سيغيرها"

15


*
*
*

+


في الشركة

+


بعد ساعتين 

+


وبينما كلوديا مشغولة بعملها، وتدوين بعض المقابلات التي قامت بتسجيلها، أصبح الجميع يتهامسون مرة أخرى منهم من رسمت على ملامحه الغيرة ومنهم من نمت على ثغره ابتسامة اعجاب، والبعض يكبتون ضحكتهم والقليل غير مهتم 

+


" هل غيرت صور حسابك بسبب ما حدث!؟ "

4


قالت زميلتها بجانبها فرفعت كلوديا حاجبيها استغرابا محدقة بها بغير فهم 

+


حملت كلوديا هاتفها وراحت تتفحص حسابها على الأنستغرام، ولثواني تغيرت ملامح الاستفهام إلى أخرى حيث توسع بؤبؤ عينيها وانفرج فاهها قليلا تعبيرا عن صدمتها 

6


راحت تمرر سبابتها للأعلى والأسفل، حيث وجدت أن كل صورها حذفت ووضع مكانها بعض صور لتليد وهو بجانبها، وكل ما يظهر منها بعض تفاصيل مثل يديهما أو نصف وجهيهما وتركت صور الأماكن كما هي 

+


حذفت صورة الغلاف وتغيرت إلى صورة لهما يوم الزفاف لكن دون أن يظهر وجهاهما 

9


أما بايو الحساب أصبح عبارة عن « متزوجة لا أقبل الرجال»، كانت جملة تافهة بالنسبة لها جعلتها تشعر بالإحراج وتنحني أكثر نحو هاتفها وكأنها تحاول الاختباء من نظرات الجميع نحوها 

13


وقعت عيناها على اسم حسابه المذكور على بايو حسابها ولكنها تجاهلت الأمر ودخلت قصصها والتي كانت عبارات عن صور وتعبيرات عن حبها لزوجها وغير ذلك، وضعت يديها كغطاء لعينيها وتلطخت وجنتاها بالوردي، التفتت ليمينها تمتم بكلمات غير مفهومة ثم استقامت بحركة سريعة وتوجهت نحو مكتبه مباشرة 

3



        
          

                
أنزلت الستار كي لا يراهم أحد وتقدمت منه ترشقه بنظرات حادة، أما هو كان يرمي بثقله على الكرسي ورأسه يتدلى إلى الخلف قليلا 

+


" تليد"

+


قالت اسمه بنبرة حازمة تخللها بعض الصراخ ولكنه لم يأبه لذلك وابتسم ابتسامة ماكرة بينما يعدل جلسته 

1


"نعم سيدة كلوديا؟" 

+


أخذت نفسا عميقا ثم وضعت هاتفها أمام مرأى عينيه 

+


"ما هذا؟" 

+


حرك بصره عبر الهاتف محاولا إخفاء ضحكته، ثم فرك ذقنه مدعيا التفكير 

+


أشار لهاتفها ورفع حاجبيه ثم همهم ساخرا 

+


" حسنا مكتوب اسمك، يعني أنه حسابك على انستغرام "

10


صمت قليلا ثم فتح ثغره معبرا عن اندهاشه وتابع

+


"ولكن يبدو أنه تغير لم يكن هكذا قبل ساعتين" 

+


ابتسم بملء شدقيه وكأنه لا يعرف شيئا مما حدث 

+


"لا تقولي أنك غيرته من أجلي، لم أكن أعلم أنك تحبينني لهذه درجة!" 

8


وكأن شخصية إيلياء دخلت في تليد فأصبح يتحدث بطفولية ويتصرف مثله فجأة 

10


"تليد" 

+


زجت على أسنانها بغيظ وأكدت على حروف اسمه بصوت مرتفع وهذا ما جعل تضاريح وجهه تنكمش وتتغير من السخرية إلى الجدية، حيث زم شفاهه وأصبح نظرته أكثر قتامة 

+


"عودي لعملك سيدة هيمستيد" 

4


وقفت متصنمة تحدق به وعرفت أنها لو تحدث ستصب الناء على زيت ساخن فصمتت وخرجت مباشرة

+


مر اليوم صامتا بينهما هو يؤدي عمله كرئيس شركة وهي كموظفة  ثم عادا للمنزل ولم يتجرأ أحدهم على الحديث مع الآخر 

+


بعد مدة دقت ساعة الواحدة بعد الظهر 

+


كانت رقية وبعض الخادمات يحضرن الفطور، بينما حور جالسة تقابلهن حيث تتبادل الحديث معهن، لحظتها انضمت كلوديا لهن بعدما غيرت ملابسها 

+


" ماذا تفعلن "

+


ابتسمت لها رقية وهي تقطع الخضار وأجابت 

+


"نجهز الفطور" 

+


"هل يمكنني المساعدة!؟" 

+


"طبعا" 

+


اقتريت منها حور وهمست في أذنها 

+



        
          

                
"هل أنت صائمة حقا؟ هل أنت بخير؟" 

1


أومأت كلوديا برأسها قبولا ونمت على ثغرها ابتسامة شبيهة بغصن يابس حاول أن يورق في فصل الخريف. توقفت نظراتها لثواني على حور، لكن حقيقة كان عقلها في مكان آخر ثم ضحكت والغصة تلتصق بحلقها كشوكة أبت أن تنتزع 

+


"حسنا واحدة من عقوبات أبي كانت منعي من الأكل يوما كاملا، لذا أنا معتادة على هذا" 

20


بدت هادئة، هادئة جدا رغم الكلمات التي تهد جبلا، لكن خلف ذلك الهدوء قلب نزف ألما، ودموع جفت أو حاولت أن لا تظهر، جمل خرجت من تلك الجهة التي يسكنها الشجى ، وتنام فيها ذكريات ككابوس أبى أن يتوقف .لم تكن ضحكتها نابعة عن فرح، بل انحناءة روحٍ أرهقها التذكر ،وميضٌ خافت من زمن مضى،كأنّ عبق الماضي مر أمام عينيها كطيف عابر ترك أثره على روحها 

2


بقيت حور تحدق بها لا تعرف ما تتفوه به، علمها بقذارة والدها كان معروفا، ولكن لحد ما لم تصدق ولم تستطع تخيل ما مرت به هذه الفتاة ذو الملامح الهادئة 

+


أما كلوديا ابتعدت عنها وراحت تحضر المواد التي تحتاجها للطبخ 

+


مر جل الوقت وهن في المطبخ حتى حان وقت الفطور حيث جهزت الطاولة في غرفة الأكل وأخذ الكل مكانه، وعندما رفع المؤذن صوته وحان وقت الأكل حمل كل منه تمرا وكأس ماء، ثم توجهوا للصلاة 

+


كان أباد وتليد وإيلياء في المقدمة خلفهم حور ورقية وحتى أبرار، أما كلوديا جلست تتأملهم من بعيد بذهن شاغل، وحين الانتهاء عادوا لأماكنهم، لحظتها صرخت حور 

+


"حسنا وقت المفاجئة الجميلة" 

+


ابتسمت ثم أشارت لكلوديا 

+


"كلوديا صامت اليوم" 

+


"حقا" 

+


همس الجميع بإعجاب غير تليد الذي رفع حاجبيه بغير تصديق ثم التفت إليها وراح يحدق بها مستغربا حتى قاطعته 

+


"ماذا؟" 

+


" رأيتك تشربين الماء صباحا "

3


نمت على ثغرها ابتسامة مستقيمة وحكت فروة شعرها خجلا 

+


" نسيت أنني صائمة لكنني شربت  وأكلت القليل من الكعك ثم أكملت صيامي، ألا يعد هذا صياما؟ "

10


خرجت من الحلق الجميع ضحكة ساخرة ليس لما فعلته، بل لردة فعلها وردة فعل تليد تلك لتجيبها رقية 

+


" صومك يعد صحيحا فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» "

+



        
          

                
ابتسمت لها وأضافت 

+


" يلزمك أن تصبحي مسلمة فقط ليكتمل صيامك  "

2


هزت لها رأسها بتفهم وانشغل الآخرون بالأكل، أما تليد قال هامسا بينما يأكل 

+


"آسف على ما فعلته صباحا، أرجو أن تتفهمس الوضع" 

+


وصل همسه لها، ولكنها لم تجبه وأكملت أكلها،بعد ذلك توجه الجميع لصلاة التراويح،أما كلوظيا صعدت كلوديا لغرفتها 

5


بعد الانتهاء من الصلاة دخل تليد الغرفة  فتصادمت نظراته بابتسامة كلوديا عبر الهاتف 

+


حدق بها لثواني معدودة فانتقلت ابتسماتها لثغره معجبا بعفويتها ما جعله يهمس

+


" هل أنت بشر أم قطعة من الجنة! "

4


لم تسمعه فكان يحادث نفسه، لكنه اقترب منها أكثر وسأل بعفوية 

+


" مالذي جعلك تبتسمين هكذا "

+


رفعت نظراتها نحوه، حدقت به قليلا وكأنها تفكر بشيئ ما ثم تغيرت ابتسامتها لأخرى ساخرة 

+


"معجب" 

9


كانت تضحك لسبب آخر لكن شيئ ما بداخلها أخبرها بأن تقوم بإثارة غضبه، وهذا ما حدث فعلا، تلاشت ابتسامته عندما تذكر تعليق ذلك الممثل وهذا ما جعل يمد هاتفه

+


"اعطني الهاتف" 

+


بحركة سريعة لم يستوعبها هربت منه وانتقلت إلى طرف السرير الآخر 

+


" لا أريد، هاتفي شيئ خاص بي " 

+


ضحك ساخرا بنبرة غاضبة

+


"حقا!" 

+


"نعم" 

+


تحرك نحوها قليلا وراح يتحدث 

+


"من المعجب الذي تتكلمين عنه؟" 

+


رفعت مقلتيها للسقف وراحت تفكر لثواني، ثم رفعت يدها وراحت تعدد على أصابعها 

+


" شخص ثري، وسيم، مشهور، وجريئ "

+


قال ساخرا بتعالي 

+


" هل تقصدينني بهذا؟ وكأنها صفاتي "

12


في الحقيقة كانت تعدد صفاته حقا ولكن لإثارة غضبه أكثر كبتت ضحكتها وردت 

+


"قلت جريئ، أنت لست جريئا" 

13


"حقا!" 

1



        
          

                
تنهد بنفاذ صبر ورفع رأسه للأعلى مغمض العينين يحاول التنفيس عن غضبه قليلا، وبعد تفكير دام لدقائق أخرج شيئا من درج الخزانة ووضعه في جيبه، ثم حمل هاتفه وراح يرسل رسالة لرقم غير مسجل 

+


" جهز الهليكوبتر الآن، واخلي الطريق نحوها، ثم اتصل بكمايكل وأخبره أن يجهز المفاجئة التي اتفقنا على أنها ستكون الشهر مقبل الآن وبسرعة " 

5


وضع هاتفه في جيبه ثم أسرع ناحيتها، وعند رؤيتها لملامحه الثائرة استوعبت مدى خطئها وصعدت فوق سرير بحركة سريعة 

+


"تليد انتظر، سأشرح الأمر" 

+


لم يترك لها المجال للتحدث ووضعها فوق كتفه وكأنها دمية سهلة الحمل ما جعلها تصرخ

5


"ماذا تفعل" 

+


تجاهلها ومشى بها خارج الغرفة بينما يتحدث

+


"لست جريئا إذا!" 

6


راحت تتحرك فوق كتفه بعشوائية فأحكم ذراعها عليها 

+


"تليد كنت أمزح" 

+


تجاهل ثرثرتها، ونزل بها السلالم متجها للخارج لكن حور ورقية اللتان كانتا تجلسان في غرفة الجلوس قاطعه

+


"ماذا تفعل؟" 

+


دون أن يلتفت نحوهما رد بصوت حازم

+


"أختطف زوجتي كما ترون"

14


ضحكت حور وكذلك رقية وقالت

+


"اعتنيا بأنفسكما" 

+


"سنعود في العيد"

10


خرج بها ووضعها في السيارة وأحكم الحزام عليها ثم أقلع مباشرة نحو وجهته، عندها كانت هي تثرثر متذمرة كان هو يرد بكلمات محددة 

+


"أين تأخذني"

+


"ستعلمين عندما نصل"

+


"ماذا عن عملي"

+


"أنا المدير أعطيتك إجازة "

+


"تليد كنت أمزح أعدني للمنزل"

+


"سنعود"

+


صمت قليلا وأكمل

+


" بعد أسبوعين " 

+


بعد نصف ساعة تقريبا، توقفت السيارة عند ناطحة سحاب وعندما كان ينزع مفاتيح السيارة قالت 

+


"تليد لمن هذا مبنى، ماذا نفعل هنا" 

1


"إنه لي" 

+



        
          

                
لم تنصدم بما قاله ولكنها بلعت ريقها فأفكار مختلفة استوطنت عقلها 

+


" ماذا نفعل هنا؟ " 

1


نظر إليها بطرف عين ثم رسمت على ثغره ابتسامة ماكرة رغم أنه لم ينطق بحرف، بادلته النظرات مستغربة تحاول قراءة ما يجول بفكره لكنها لم تستطع فقالت

+


"تليد بماذا تفكر! " 

+


"صبرا" 

+


فتح باب السيارة ثم اتجه ليفتح خاصتها 

+


"انزلي" 

+


بقيت نظراتها متوقفة على المرآة الأمامية ثم ضمت ذراعيها لصدرها وأبت الخروج 

+


"لن أفعل" 

3


"حسنا" 

+


قال كلماته وهو ينزع الحزام وأخرجها بسهولة لحملها بين ذراعيه ثم أغلق باب السيارة برجله 

+


" يبدو أنك أصبحت كسولة لدرجة لا تستطعين المشي " 

+


"تليد أنزلني" 

+


"سأفعل عندما نصل" 

+


" سخيف "

+


"ألفاظك كلو" 

7


دخلا المبنى الذي كان فارغا تقريبا، ثم ركبا المصعد الذي أخذهما لآخر طابق ليتوجها بعدها لسطح المبنى الذي كان مزينا بالأضواء تتوسطته علامة H

+


حاول رفع يده تحت خصرها يحدق بالساعة التي تحاوط معصمه بينما كانت هي تحدق به مستغربة لكنها لم تتجرأ على سؤاله فكل ما ستسمعه هو ستعرفين عندما نصل

+


بعد ثواني معدودة سمع صوت قوي يقترب كأنه طنين غليظ متقطّع يزداد صوته كلما اقترب، بدأت الرياح تشتد وتلفح تضاريحهما وهذا ما جعل كلوديا تغمض عينيها بينما تحاول رؤية المشهد 

+


فتحت عيناها بعدها ببطئ لتلمح تلك الهيليكوبتر السوداء متوسطة الحجم تنزل بثبات فوق علامة H

+


فتحت ثغرها ببطئ تعبيرا عن دهشتها ثم بلعت ريقها وحركت بصرها نحو تليد 

+


"ستختطفني في طائرة خاصة أيضا ؟" 

6


"إنها هيليكوبتر" 

+


شعر بارتخاء جسدها في حضنه ثم تنهدت بنفاذ صبر ورفعت مقلتيها بلامبالاة 

+


"نفس الشيئ، ولا داعي لأسألك عن مالكها " 

4


ابتسم بينما يتقدم بها نحو الهيليكيوبتر، كان الباب الخلفي مفتوحا من طرف السائق الذي نزل خصيصا لفتحه، ثم وضعها على الكرسي وصعد بجانبها وأغلقه 

+



        
          

                
شيئا فشيئا راحت الهيليكوبتر ترتفع عن الأرض ما جعل جسد كلوديا يختل توازنه لتمسك بكتف تليد بقوة 

+


أغمضت عيناها منتظرة اللحظة التي ستثبت فيها وبعد دقائق حلقت الهيليكوبتر في السماء متجهة لوجهتها، وهذا ما جعل كلوديا تفتح عينيها وتتدراك الوضعية التي بها 

+


رفعت نظرها نحو تليد لتلمح تلك الابتسامة التي ألفتها على وجهه فنزعت يديها وابتعد قليلا 

+


أما هو خرجت من حلقه ضحكة خافته ثم رفع يده وراح يعدد صفاته 

+


" غني، مشهور، وسيم، وجريئ، هل يوجد أفضل مني سيدة هارتبيور؟ "

13


أشاحت نظرها عنه والتفتت للجهة المعاكسة ثم ثرثرت بكلمات غير مسموعة 

+


"ألم يدرك أنني كنت أقصده بعد!؟" 

5


"هل قلت شيئا؟" 

1


نمت على فاهه ابتسامة مستقيمة والتفتت نحوه مرة أخرى 

+


"أين نذهب؟" 

+


"ستعرفين بعد قليل "

5


قال ذلك وهو يرمي بجسده للخلف مائلا برأسه قليلا، ضم ذراعيه لصدره وأراح عينيه بينما راحت هي تغني مقلتيها بجمال أضواء المدينة ليلا 

+


بعد نصف ساعة تقريبا، شقت الهيليكوبتر طريقها تحت سماء مغيمة أخفت خلفها القمر والنجوم، فوق صفحة ماء غطاه دَيْجُور الليل الحالك، ابتلع الظلام الأفق، وزحف الضباب كأشباحٍ رمادية داكنة 

+


مزقت أضواء الهيليكوبتر الأمامية الضباب راسمة ممرًا باهتًا في الظلمة، بينما الضوء السفلي يبحث عن الأرض ليحط فيها 

+


وسط هذا السواد ظهرت تلك الجزيرة كظلٍ باهت تمرد على العدم. لا معالم واضحة، فقط كتلة داكنة تتمايز بالكاد عن الماء

6


تنبعث منها أضواء خافتة ربما من كوخٍ أو برج مراقبة، لحظتها قال السائق 

+


" سيدى وصلنا "

+


لحظتها فتح تليد ناظره، ورفع هاتفه واتصل برقم وكل ما قاله هو 

+


"الآن" 

+


لم تمر ثواني حتى انطلقت مئات المصابيح المدفونة في الرمال دفعة واحدة ورسمت حدود الجزيرة بخطوط متوهجة، وكأن أحدهم رسم قلبًا على صفحة البحر بالنور 

5


اقتربت كلوديا من النافذة عندما رأت ذلك، كان المنظر جميلا لكن عاديا، ولكن في لحظة ما تغيرت ملامحها وأصبحت نظراتها أكثر تعمقا بالمنظر عندما انبعثت أنوار ناعمة باللون الذهبي كأشعة الشمس والأزرق كضوء القمر، راسمة كلمات على الأرض كتبت بعناية وسط الجزيرة وكانت « سلوان الفجر» 

18



        
          

                
شهقت، ووضعت يدها على فمها، لم تستوعب ما ترى. شعرت أن الأرض تبتعد وأن شيئا ساخنا مر على كامل جسدها، بقيت على تلك الحالة من الصدمة تحدق بالمنظر حتى انتشلها صوته من غفلتها

+


"كانت المفاجئة ستكون بعد العيد لترسيمك في العمل لكنه مفسدة اللحظات" 

3


التفتت نحوه موسعة مقلتيها، ربما اعتادت على مفاجآته لكن هذه المرة تحديدا لم تفهم ما مضمون ما يفعله 

+


تحركت شفاهها كأنها تود قول شيئ ما لكن شيئ ما منعها من اطلاق سراح الكلمات، أما هو اقترب منها ثم أخرج قلادة بها مفتاح من جيبه، وراح يعلقه على عنقها بينما يتحدث

+


" كنت تريدين العيش في بيت وسط جزيرة منعزلة عن العالم لوحدك صحيح! "

4


لم تفهم كلامه وبالأحرى لم تتذكر متى أخبرته بهذا الشيئ ومتى قالته أصلا 

+


"ستعيشين هنا لوحدك معي، ستلجئين لهذا المكان كلما ضاقت بك الدنيا وسأجدك هنا عندما أضيع الطريق إليك" 

9


بينما كان يغلق القلادة، كانت هي تنبش ذكرياتها لربما تجد مفاد ما يتفوه به، وفي لحظة ما فتحت فاهها وكأنها تذكرت شيئا ما 

+


ابتعد عنها وابتسم وراحت هي تحدقبه ثم همست بصوت شبه مسموع 

+


" من أخبرك؟ "

+


رفع كتفيه باهمال ورد بنبرة ساخرة 

+


"العصفور" 

10


"قلت ذلك لماريو، لكن لم أكن أعني الأمر حقا، قلت ذلك فقط بسبب ما كنت أمر به" 

1


ثم نظرت للمشهد مرة أخرى بغير تصديق، وبعفوية هوت دمعة على خدها، ثم أخرى 

+


" لم يكن الأمر يستحق كل هذا حقا " 

+


أمسك بيدها وقال بتحنان 

+


" كل شيئ يخرج من فاهك يستحق، وكل ما تريدينه حتى لو كان صعبا يستحق المجازفة، بعد كل ما مررت به تستحقين كل ما هو جميل "

9


كانت الهيليكوبتر تقترب من الأرض شيئا فشيئا وظهر ذلك المنزل من الأعلى بأضوائه، كان منزلا زجاجيًّا مبني على هضبة يرى ما بداخله، جدرانه الشفافة تعكس ضوء الداخل على الخارج ، تصميمه عصريّ لكنه يحمل لمسة تقليدية دافئة، سقفه الخشبي الداكن، والأقواس المنحنية عند المداخل، ولمسات من الحجارة الطبيعية حول الأساس.

1


تظهر داخله أريكة بيضاء كبيرة، مدفأة ذات لهب وسجّادة شرقية الطابع تُضفي عليه دفئا ساكنا 

+



        
          

                
في الخارج، تراس واسع يطل على البحر مباشرة، تحيط به أضواء صغيرة تُشبه حبات اللؤلؤ. هذا جل ما كان يظهر نظرا للظلام الغالب

+


ابتسم ابتسامة سكينة، وبان نبض فؤاده على بن عينيه ثم قال بنبرة رجولية حانية

+


"Συνεχίζω να βυθίζομαι μέσα σου κάθε φορά... Τι μου συμβαίνει;"

+


كانت باليونانية وتعني «ما زلتُ أغرق فيك كل مرة... ماذا يحدث لي؟» 

12


عيناها شاعت حبا، وخافقها غنى لكلماته مستقبلا إياه بصدر رحب، ربما لم تفهم ما قاله، لكن نبرته أخبرتها أنها جملة استطاعت دق بابها والعبث به 

+


غرق بها وجعلها تغرق به أكثر لكنها مازالت تكابر، ليس أنانية أو تكبرا، لكن خوفا، خوفا من تكون سببا في بؤسه، أو نقطة ضعفه يوما ما لتفسد حياته، لذا اختارت أن تحبه بروحها لا بفاهها، واختارت الصمت على أن تعترف 

12


هبطت الهيليكوبتر على سطح المنزل، ونزلا كلاهما منها ليعود السائق أدراجه تاركا اياهما لوحدهما 

+


ثم، وكأن السماء باركت المشهد، انشقّت الغيوم للحظة، وظهر القمر يتوسّط السماء كأحد عينيها، بلونها، ببريقها

+


وهذا المنظر جعله يقول وهو دافن نظراتها بخاصتها كتعبير عن حبه لمقلتيها 

+


"لقد استعرتُه الليلة فقط لأراكِ فيه، قمرائي."

8


أمسك يدها وجرها خلفه، ثم أخذتها خطواتها للممر يؤدي للأسفل داخل المنزل، توقف وسط الغرفة ثم التفت إليها مبتسما 

+


" ليس مصمما على حسب ذوقك، مازال يحتاج الصيانة، وسنفعل ذلك معا "

+


مررت نظراتها عبر زواياه متغنية بجمال ورقة المكان، كان وجهها مهلهلا بتباريح ثغر باسمة ولكن سرعان ما تغيرت تلك الخطوط الى اخرى عابسة بينما أحنت رأسها أرضا وقالت بصوت منخفض 

+


"لماذا؟" 

+


سمع ما قالته ما جعله يرفع حاجبيه استغرابا 

+


"ماذا؟" 

+


رفعت رأسها نحوه ونظرت إلى بن عينيه عبر تلك العيون المليئة بقطرات من الدموع وكأنها تخبره أن كل ما يفعله من أجلها لا يستحق، وأنها لا تستحق كل هذا هذا الحب منه، نظراتها تلك تكلمت رغما عن فاهها، لم تكن يوما فتاة تستقبل كل هذا الاهتمام، حياتها مع والدها جعلت من فكرة أنها لا تستحق شيئا تترسخ في عقلها لكنه جاء ليكسر ما تربت عليه 

2


بلعت ريقها محاولة الكلام، سمحت لقطرة من دمع عينيها بأخذ طريق على طول وجنتيها بينما تتكلم 

+



        
          

                
"لماذا كل هذا الحب؟ كيف تحب شخصا هكذا بينما هو لا يبادلك منه شيئا" 

+


اقتربت بخطوات منه وأكملت بصوت تخلله بعض الشهقات 

+


"أنا لا ألومك يا تليد، أنا فقط أريد أن أعرف لماذا كل هذا الحب لشخص يدفعك بعيدا كلما اقتربت، كل من يسمع قصتنا سيقول أن هذا فقط فراغ، كيف لشخص أن يحب آخر في فترة وجيزة" 

5


مسحت وجنتيها واستطاعت التحكم بدموعها ثم أضافت

+


" قبل زواجنا كنت مجرد موظفة تعمل عملها لست من تلك الفتيات التي يحاولن اقتراب منك حتى، استغليتك من أجل مصالحي رغم أن زواج المصلحة لا يجوز في دينكم لكنك تقبلتني، مازلت لحد هذه الثانية تحبني أكثر من قبل رغم كل العناد الذي استعمله معك ودفعي لك بعيدا كلما حاولت الاقتراب مني، لماذا؟ كيف هذا أريد أن أفهم عقلي لم يصبح يستوعب هل أنا الغريبة هنا لأنني لم أذق ولم أرى حبا كهذا من قبل؟؟ "

+


رغم كل ما تفوهت إلا أنه ابتسم ساكنا بينما يحدق بها وكأنه يخبرها أن حبه لها لا يحتاج سببا لذلك، ولربما يبدو غير منطقي إلا أن قلبه ذاك وقع لها منذ أول لقاء بينهما ثم بدأ يخفق كلما لمح طيفها 

2


ضحك بخفت وأشار لقلبه 

+


" لا أدري، اسألي هذا القلب هو الغريب هنا " 

1


"تليد" 

2


قالت اسمه بصوت شبه منزعج فضحك مرة أخرى وقال 

+


"حسنا من أين نبدأ؟" 

+


أمسك ذقنه يفكر ثم اكمل 

+


" لنبدأ من فكرة أنك كنت مجرد موظفة، موظفة مميزة رأيت صفاتها التي سرقت عقلي لمدة مفادها عاما تقريبا! ، موظفة تركز على عملها تساعد غيرها، ولا تصمت عن الظلم؟ موظفة أخذت قلبي بحشمتها وصونها لنفسها رغم اختلاف دينها عني؟ ، تلك الفترة كانت كفيلة بأن تستوطني عقلي على الأقل سيدة كلوديا، بماذا؟ "

5


صمتت قليلا وأضاف

+


" بتصرفاتك.. "

+


"هناك الآلاف مثلي، منهم المسلمات اللواتي تصرفاتهن احسن مني!" 

+


" لكن قلبي كان أعمى حتى شفيتيه أنت ما دخلي أنا!؟ "

7


اقترب بخطوات ثابتة دافنا نظراته بخاصتها 

+


" استغلالك لي أغضبني كلو، لكنك لا تهونين علي حتى في غضبي، هل كنت لأتركك تحاربين الحياة لوحدك! أعرف كانت هناك الالاف الحلول مثل أن أطلقك واساعدك على الهروب من والدك وغيرها، لكني لم أستطع، لا يهون علي تركك وحدك كلو، فأنت كالبتلة الصغير التي تحتاج إلى العناية في نظري، أنت بتلتي الصغيرة كلو لا أستطيع التفريط بك " 

7



        
          

                
بحركة لم تستوعبها حاوط خصرها بذراعيه ودفعها في حضنه ثم رفع يده اليوم وراح يمرر أنامله عبر خصلات شعرها 

+


" أعلم أن دفعك لي كلما اقتربت ليس بيدك كلو، أعلم أن داخلك يود أن يستسلم ويستقبل حبي لكن ما مررت به في الماضي يمنعك من ذلك، لذا تأكدي أنني هنا حتى تستطيعي التحرر من تلك الروح المظلمة حتى لو استغرق ذلك سنين " 

+


استسلمت لكلماته تريح روحها الهائجة بحضنه الساكن، متكأة عليه تسمع نبضات قلبه ليسكن ما بداخلها، أما هو وضع ذقنه على رأسها حاضنا إياها بقوة يخبرها أنه سيكون مأواها حتى لو خذلها العالم، حضنه الدافئ كان ملاذها الآمن التي لم تتذوق طعمه يوما 

+


" دعيني أخبرك بشيئ آخر، حبي لك لا يحتاج لأسباب سلوان الفجر خاصتي، فالله سبحان قذف حبك بقلبي وهو يعلم ما سيؤول له ذلك، لذلك قلتها لك دائما وسأعيدها مرة ومرتين وألف مرة، أحببتك لأنك أنتِ، طفلتي وبتلتي الصغيرة التي لن أفرط بها مهما حدث، لذا أوقفي عقلك ذلك قليلا وحاولي أن تري حبي بقلبك فقط " 

12


جائه صوتها الخافت وهي داخل حضنه 

+


"أنت سخيف حقا" 

4


"ألفاظك كلو" 

6


"سأعتبره مدحا" 

+


"هو كذلك" 

+


"أريد رؤية المنزل" 

+


"تأمرين سيدة كلوديا" 

1


*
*
*

+


صباح اليوم التالي 

+


الساعة التاسعة تقريبا 

+


وبينما حور جالسة في مكتبها تتصفح دفاترها تجهز دروسها سمعت صوت الهاتف يرن فردت، ليأتيها صوت مديرة مدرسة أبرار 

+


" سيدة حور لم تخبرينا عن سبب غياب أبرار اليوم، لذا اتصلت لأتأكد؟ "

+


رفعت حور حاجبيها بغير فهم وردت 

+


" ما الذي تقولينه أوصلتها للمدرسة قبل نصف ساعة؟؟ "

+


"ماذا، لكنها لم تأتي؟" 

4


اثر ما سمعته حملت معطفها ومفاتيح سيارتها ثم خرجت متجهة نحو المدرسة مباشرة، دخلت مكتب المديرة لتتفاجئ بوقوف صليبا هناك أيضا، نظرت اليه بنظرة خاطفة ثم نحو المديرة 

+


"أين ابنتي!؟" 

+


"آسفة سيدة حور لكنها لم تدخل المدرسة اليوم، هي وماريو أيضا" 

6


عادت بخطوات للخلف ثم بان على ملامحها الذعر وبقت ثابتة في مكانها دون حراك حتى قاطعها صليبا وهو يحمل هاتفه

+



        
          

                
" إن كانت مع ماريو، فساعته تخبرني بأنه بمكان قريب من هنا، لنذهب ونتحقق"

1


توجها مباشرة نحو المكان هو بسيارته وحور تتبعه بخاصتها ، كان المكان قريبا مسافة ربع ساعة بدى لها وكأن الوقت توقف عند لحظة سماعها لفقدان ابنتها، وبينما عيناها مركزة على سيارة صليبا كانت تتمتم مذعورة 

+


"مستحيل، لن يحدث لابنتي ما حدث لي، يا الله أرجوك لا تمتحني بها" 

12


وصلا للمكان أخيرا وكانت حديقة للأطفال، بها القليل من الألعاب، تتبع المكان الذي ظهر له على الهاتف وكانت هي خلفه، ولكن للاسف عند وصولها لم يكن هناك أحد، فقط ساعة ماريو موضوعة على المقعد 

1


اغرورقت عيناها دموعا عندما فقدت الأمل، وراحت تنظر كالمجنونة هنا وهناك تبحث عنهما، وراح هو كذلك يبحث فقلقه عن ابنه لا يقل عن خوفها 

+


في لحظة ما توقفت عن الحراك وسط الحديقة عندما توقفت نظراتها عند تلك الكنيسة المقابل للمكان، أصبح كل ما حولها عبارة عن ضباب مع أصوات مختلفة لم تعرف مصدرها 

1


بدأ ضجيج المكان يخف لتأخذ مكان أصوات أخرى، ناس يصرخون خوفا، وأصوات أرجل تجري، اختفى ذلك ضباب من أمامها ليصبح عبارة عن نيران ملتهبة في مكان غير مألوف 

+


لحظتها خرت ساجدة أرضا تحتضن نفسها بذراعيها المرتجفتين، عاجزة عن الحركة أو الصراخ. كانت ترتجف بقوة، والعرق يبلل وجهها رغم برودة الجو. تسارعت نبضات قلبها وتقطعت أنفاسها وأصبح صدرها يعلو وينخفض ببطئ وكأنها تحارب الموت،
نظرت من حولها لم ترى سوى خيال طفلة في تاسعة من عمرها وسط نارٍ تحيط بها من كل جانب، دخان كثيف وأصوات صراخ. اختفت الحديقة، اختفى كل شيء. لم تعد تعرف إن كانت في الحاضر أم في كابوس قديم يعود لينهشها

6


ارتجفت شفتيها وهمست

+


" هذا المكان نفسه.... مستحيل لن يتكرر ذلك مع ابنتي.... أبرار "

2


صرخت باسم ابنتها ما جعل الجميع ينظر نحوها منهم صليبا الذي اسرع ناحيتها مذعورا 

+


تدفقت ويدان من الدموع على وجنتيها، وحاولت النهوض، لكنها لم تستطع. ساقاها لم تقويا على حملها. كان جسدها يخذلها، وعقلها يحاصرها بصور من الماضي

+


"سيدة حور؟" 

+


قال صليبا بصوت راجف، يحاول فهم ما يحدث، كرر اسمها مرة ومرتين وثلاث لكنها لم تكن تستمع، مد يده يحاول ايقاظها من صدمتها، لحظتها اخيرا سمعت صوته وسط الحريق الذي كانت وسطه 

+


التفتت نحوه مبللة الوجه، ثم رفعت ذراعها بصعوبة تشير للكنيسة ثم حاولت الحديث لكنها لم تستطع، بقيت على حالها لمدة ثواني تحارب الكلمات للخروج، لتفعل اخيرا

3



        
          

                
" ابحث في تلك الكنيسة أرجوك، ساعد ابنتي لا تسمح بأن يحدث لها ما حدث لي، أخرجها من الحريق أرجوك " 

+


لم يفهم ما تعنيه، لكنه التفت للمكان وبقي يحدق به لثواني، لثواني كانت كفيلة بأن تجعله يتوفف مصدوما هو الآخر، توقف به الزمان وانْتُشِلَ من مكانه ليزحف لكان آخر مليئ بالنيران، وقف وسط اللهب لدقائق ثم فر هاربا وكل ما كان يتذكره هو بداية حريق ضخم كان يهرب منه 

7


"أرجوك" 

+


انتشله صوتها الراجي من غفلته ليتوجه مباشرة نحو الكنيسة، دخل بتردد وخطوات ثابتة، كانت خالية لكن كل ما كان يراه مقاطع متقطعة من شاب يبدو في العشرين من عمره يحاول اسقاط شموع على سُتُر وبداية حريق أكل كل زوايا المكان، طفلة صغيرة تصرخ تبكي مذعورة لا تقوى على الحراك تجاهلها الجميع 

2


عاد لوعيه عندما تردد صوت ابنه لمسمعه وهو جالس في زاوية من كنيسة يتبادل الحديث مع أبرار 

+


" هل تتمنين أن يكون لك أب مثلما اتمنى لو أمي كانت مثل جميع الأمهات؟ "

+


" لا أتذكره مات وأنا صغيرة تخبرني أمي أنه كان سيكون أفضل أب في العالم"

+


"رائع، والدي مازال حيا لكنني لا أشعر بوجوده،جل وقته في العمل، لا يهتم بي. لا يسألني كيف كان يومي، ولا يحضنني. لا يقول لي إنه يحبني. أحيانًا، أنام وأنا أتمنى لو أنه يسمعني.، أما والدتي كانت مجرد شخص غريب في المنزل "

4


" أمي تحاول أخذ مكان والدي، ولدي عائلة أمي تهتم بي لكنني اتمنى أحيانا لو أن والدي كان حيا "

+


"وأنا اتمنى لو كان والدي يهتم بي قليلا، وأنه لم يختر والدتي لتكون زوجة له وأما لنا" 

2


اقترب منه بخطوات بطيئة تلك المقاطع التي مرت فجأة كشبح على ذاركته ، ثم كلام طفله عنه الذي نشب شيئ من تأنيب الضمير بداخله جعلاه يصبح شاحبا كشخص رأى شبحا أو جريمة قتل أمامه، حاول تناسي الماضي وطرد كل تلك الذكريات، ولكن لحد ما رغم انه رجل صلب لا يهتم بالمشاعر بكى قلبه حسرة على ما جعل ابنه يمر به، يحبهم، ويهتم به لكن كان رجلا لا يظهر مشاعره للغير، ففي نظره حمايتهم، كونه صارما معهم، خوفه عليهم كفيلا بأن يكون أبا عظيما لهم، لكن حينها أدرك أن كل ما فعله شيي لايرى لطفل في العاشر من عمره يحتاج لحنان الأب وحضنه 

6


" ماريو " 

+


نطق اسمه بخفت فالتفت ماريو مرعوبا، ابتعد بخطوات عندما اقترب صليبا خوفا منه، لكن بدون سابق انذار جثى  أرضا واحتضنه للأول مرة في حياته في عناق حار وكأنه يتمسك بآخر أمل في حياته 

2



        
          

                
" ظننت أن مكروها حدث لك أيها الشقي، لماذا تخيف والدك عليك هكذا " 

+


بقي ماريو متصنما دون حراك، ثم قال بكلمات متقطعة 

+


" إنه يوم الأحد، ويوم ميلادك كنت أدعو في الكنيسة أنا آسف " 

+


أخرجه من حضنه ثم تفحصه بنظراته

+


" لماذا نزعت ساعتك "

+


"آسف أفسدتها بالخطأ" 

+


"لا تفعل ذلك مجددا؟ حسنا؟" 

+


أومأ برأسه قبولا ثم أحنى رأسه خجلا لما فعله

+


"حسنا، آسف" 

+


التفت نحو أبرار ثم نحو ابنه مجددا

+


" هل جعلتها تأتي معك؟ " 

+


هز رأسه قبولا 

+


" أخبرتها عن اسم المكان فقالت أنها تعرف كيف تصل اليه، لأنها نفس الحديقة التي يأخذها خالها اليها كل مرة "

+


وقف ثم مد يده له لإمساكه، وبيده الأخرى أمسك يد أبرار وقال 

+


" والدتك قلقة عليك في الخارج"

+


خرج ممسكا بيد كلاهما من الكنيسة، متوجها للخارج حيث كانت حور تحاول المشي بخطوات متثاقلة يبدو عليها الضياع، ولكن في لحظة رؤيتها لأبنتها اندفعت نحوها مسرعة وحضنتها متشبثة بها بقوة 

+


" أبرار أين كنت، ماذا حدث لك"

+


جهشت بالبكاء وأخرجت كل الخوف الذي كان بداخلها وقلقها عليها على شكل هتان من دموع هبطت على وجنتيها كنهر فياض 

+


" بحثت عنك كثيرا أين كنت"

+


أخرجتها من حضنها وبدأت تتفحص جسدها بيدها وتتحدث بقلق 

+


" أنت بخير لم يحدث لك شيئ صحيح؟ "

+


بسبب خوف وحالة حور الهستيرية لم تستطع أبرار التكلم لكن صليبا أجابها 

+


"آسف كان ذلك بسبب ماريو" 

+


شقهت تحاولتحكم بدموعها ثم نظرت اليه بغير فهم 

+


"أراد الصلاة في الكنيسة وكانت هي تعرف الطريق إلى هنا" 

+


حركت رأسها متفهمة ثم عادت لتفحص ابنتها بينما تقوم بتوصيتها 

+


" لا تفعلي هذا مجددا حسنا؟ " 

+


أما هو كان واقفا يحدق بها بنظرات غريبة متذكرة حالتها وكلامها، أراد أن يسألها ما كانت تعنيه، اندرجت شكوك بين أفكاره اندمجت مع ذكريات أراد أن ينساها، كلمة منها نبشت ما أضرمه الماضي ولا مجال لنسيانها الآن، تحركت شفاهه بغية سؤالها لكنه لم يستطع متفهما حالتها، أخذ كل منهما ابنه بعد ذلك وعادا أدراجهما حاملين كوابيس عادت لتطاردهما من جديد 

3



        
          

                
*
*
*

+


  بعدما مر أسبوع بلمح البصر، وبعد أن قضى كل من كلوديا وتليد كل الوقت بإستكشاف الجزيرة بأكملها  هاهي أرجلهما تلامس رمال الشاطئ الباردة تحت سماء مزينة بغيوم رمادية، مستمتعين بصوت الأمواج الهائجة وعبق السكينة التي تحاوط المكان 

+


" تليد! "

+


كسرت كلوديا جدار الهدوء ذاك بذكر اسمه ليجيب 

+


" قلبه"

6


حدقت به لثواني بسبب طريقة رده تلك ثم أشاحت نظرها عنه محرجة وأكملت 

+


" لم تخبرني كيف سأصل إلى هنا إن كنت لوحدي!؟ "

+


ابتسم بخفت ورد

+


" لن تكوني لوحدك أبدا، لكن يوجد على الميناء بالمدينة قارب بإسمك سأعطيك بطاقتك فقط قدميها للسائق وستكونين هنا " 

4


نمت على ثغرها ابتسامة مشرقة تح، ثم ركت لتصبح أمامه بيننم تتمشى للخلف واضعة كلتى ذراعيها خلف ظهرها 

+


" وقت تحضير فطورك، ماذا تريد أن تأكل؟ "

2


"أي شيئ من يديك قابل للأكل" 

1


نظرا للسكينة المحيطة بالجزيرة، وجمال المكان والأجواء المريحة فيه مر الوقت وكأنه ساعتين لا أسبوعين 
  

+


حققت  حلمها بأن تنعزل عن العالم في مكان لا يعرفها فيه أحد وهلهل هو قلبه برؤيتها سعيدة ورؤية تلك النظرة المريحة اللامعة على مقلتيها 

1


كل ما فعلاه هو التنزه في كل جزء من الجزيرة، مخططين ما يريدان بناؤه بها. لم تكن خطواتهما عشوائية، فقد كانت تحمل أحلاما مترفة. كانت الجزيرة أشبه بورقة بيضاء، وهما يكتبان عليها فصلهما الجديد بحبر من النوايا النقيّة

+


كان قد اختار تليد الجهة الشرقية لبناء المنزل، أما في الجهة المقابلة، بين الأشجار البرية، اختارا مساحة خضراء خفية ليغرسا فيها حديقة سرية. ممر حجري سيوصل إليها، محفور عليه اقتباسات وتواريخ تشبه تفاصيلهما الصغيرة. ستكون هناك أرجوحة معلقة بين جذعين، وسرير أرضي من الزهور البرية، ومقاعد حجرية تطل على الطبيعة.

4


بجوار ذلك، خططا لبناء قبة زجاجية تضاء ليلا، ينامان تحتها تسمح برؤية النجوم اللامعة في سماء صيفية، وحتى أنهما خططا لتشييد مدينة ملاهي صغيرة لأطفالهما في المستقبل وطبعا كانت تلك فكرة تليد 

6


على حافة الجرف، فوق صخور البحر العالية، حُدد مكان مسبح ليبدو وكأنه عائم بين السماء والماء. أما الزاوية الأخيرة، ولأنها تحب العزلة والهدوء والقراءة، فقد اختيرت لتكون برجا دائريا صغيرا، ستُقام فيه مكتبة خاصة، مبنية بالخشب الدافئ والكتب ذات الأغلفة القديمة، تعكس ذوقها وحبها للأشياء الراقية 

10



        
          

                
كل خطوة من خطواتهما كانت رغبة في بناء مستقبلا مليئ بالمودة والرحمة  ، وكل تفصيلة في التصميم كانت ترجمة لرغبة في الاحتواء، وكل اختيار كان بيان لحب لم يجد السبيل ليزهر بعد. لم يكن الهدف أن تكون الجزيرة جميلة فحسب، بل أن تعكس حضورها، أن تحمل طابعها وسماتها، أن تبدو وكأنها تنبض بروحها في كل زاوية، حتى الاسم الذي اختير لها لم يكن عبثًا، لم يُكتب على الخرائط كعنوان جغرافي، بل كرمز يناشدها ، صارت الجزيرة مرآة لها، وكأنها لم تعد مكانا، بل تجسيدا لروحها،  وكأنها هي، الوطن 

2


وطبعا لا ننسى أنه استغل الليالي العشر الأخيرة من رمضان في التضرع للخالق، داعيا بأن يتحقق كل حلم رسمها معها، كان ينام ساعة فقط، ثم يقوم ليصلي ساعات الليل كلها، حاملا في قلبه أدعية لا يعرفها إلا خالقه، أملا في أن يشيد له الله طريقا لقلبها، وبأن يكون مأمنها ومأواها والمكان الذي تهرب إليه، بأن يكون سببا في هدايتها للصراط المستقيم، وبأن يراها يوما ما زوجة وأما صالحة تبني بيتها تحت دين الإسلام بجانبه 

2


أما هي كانت تدعي النوم لكنها كانت تراقبه كل ليلة، تسمع تلاوته لآيات القرآن ويلامس قلبها البعض من أدعيته، يجبرها قلبها كل مرة على الاعتراف له والتحرر من غياهب روحها، والهروب إليه من سجن الذكريات الظالم لكنها تفشل كل مرة

+


عادا لمنزل العائلة في الليلة التي تسبق العيد، وفي صباح اليوم التالي عاد كل من أباد وتليد وإيلياء وحرقية وحور وحتى أبرار  من المسجد مهلهلة روحهم بنور الإيمان وفرحة العيد، حيث وجدوا كلوديا تنتظرهم على الطاولة بعدما حضرت الطاولة مع الخادمات 

4


كانت الطاولة مليئة بمختلف الحلويات، تعبق رائحة القهوة السوداء والمخبوزات في المكان، سرت البهجة في كل زاوية من المنزل، وارتسمت الابتسامات بوجوه الجميع

2


نهضت كلوديا بخطوات متثاقلة واقتربت منهم، ورغم اختلاف العقائد إلا أنها وقفت أمامهم مبتسمة وقالت 

+


"عيد مبارك" 

+


رد عليها كل من إيلياء وأباد فضحكت حور واقتربت منها محتضنة إياها 

+


" في العيد نقوم بالاحتضان "

1


بادلتها الحضن ثم فعلت ذلك مع رقية وأبرار وعندما وصلت لتليد توقفت محرجة ما جعله يرميها في حضنه دون خجل هامسا في أذنها 

+


"يجوز احتضان زوجك أمام الجميع في العيد" 

14


خرجت من حضنه بسرعة وقالت بنبرة مؤنبة بينما تراقبهم وهم يتجهون للطاولة 

+


" تليد كن عاقلا "

+


"أنا أكثر عقلانية مما سبق" 

5



        
          

                
ضحك ثم أخذ كل منهم مكانه على الطاولة، وبينما هم مشغولين بتبادل الضحكات والحديث قاطعتهم حارسة الباب الداخلي للمنزل، وبيدها برقية بيضاء اللون

+


"آسفة، لكن هذه الرسالة لسيدة كلوديا" 

5


حدق الجميع بكلوديا، أما هي مررت نظراتها بين الحارسة والرسالة متعجبة من ذلك فلم تكن تنتظر أي رسالة 

+


نهضت من مكانها ثم أخذت الرسالة وفتحتها وراحت تقرؤ محتواها دون أن تلتفت للآخرين ولكن بعد لحظات أمسكت بالرسالة بيد ثابتة لكن أصابعها كانت توشك أن تمزق الورق من شدّة انقباضها. هبطت عيناه فوق السطور ببطء عندما علمت من المرسل كأن عقلها تردد في ابتلاع الكلمات، ثم تجمدت نظراتها للحظة، واتسعتا فجأة كأنها رأت شبحا

4


عبست ملامحه دون وعي، انكمش حاجباها حتى التقت أطرافهما في منتصف جبهتها . ارتفع كتفها الأيمن توترًا، ثم هبط بثقل، بينما  تشدّد فكها بوضوح، حتى بدت عظام وجهها أكثر بروزا من المعتاد

+


ابتلعت ريقها وبدأ جسدها في الارتجاف،وظل ذهنها عالقا هناك، على حافة الكلمات، فقد كانت رسالة من والدها تقول 

2


« سيدة كلوديا هيمستيد،يا أيتها الابنتة العاقة، لا تفرحي بحريتك كثيرا، وجودي بين هذه الجدران لا يعني أنني سأتركك تعيشين بسلام بعد كل ما تسببته لي،  سأجعلك تعيشين كل يوم في جحيم، ربما نسيت أنني ساعدتك يوما بأن لا تكوني في هذا المكان الذي أجلس فيه الآن لذا دعيني أذكرك أن وقت نهايتك اقترب، تلك اليد المليئة بالدماء ستأخذ عقابها عن قريب، لكن قبل أن أفعل ذلك سأحرص على أن أجعلك ترين كيف ستعاني تلك العائلة التي بجانبك بسببك، تذكري كلامي جيدا، هذا وعد وأنا رجل لا يخلف بوعوده» 

13


ظلت واقفة دون حراك رغم انتهائها من القراءة  والرسالة لا تزال بين أصابعها، ترتجف بالكاد أو ربما كانت يدها هي التي ترتجف. خفق قلبها ذعرا وسمحت لقطرات من الدموع بالتسلل على وجنتيها 

+


في تلك اللحظة، كانت وكأنها تلقت صفعة قوية  وراحت يحاول استيعاب صداها في جسدها كله

+


"كلو" 

+


جائها صوت تليد الجالس، وهذا ما جعلها تتمالك نفسها بصعوبة وتمسح تلك الدموع من على وجنتيها ثم التفتت نحوه 

+


حركت بصرها بين الجميع لتلمح تلك الابتسامات على أوجههم والضحكات التي تتسرب من أفواهم، ما جعلها تضع قناع البسمة على وجهها، لم تتجرأ على إخبارهم وإفساد سعادتهم، لكنها ظلت واقفة في مكانها تحدق به بتردد حتى قاطعها تليد مجددا 

+


" من أرسل الرسالة؟ "

+


سألها بتشكيك بعدما لاحظ تغيير مزاجها، كان يحفظها ويعرف كل ردات فعلها لن تسطيع تلك الابتسامة أن تخدعه 

+


" مجرد رسالة من صديقة تهنئني على عملي في الشركة"

1


صديقة!  لم تكن يوم فتاة تحظى بالصداقات وكان يعرف هو ذلك، كذبت ولكنها كانت مجبرة على ذلك ورغم أنه لم يصدقها إلا أنه اجبر على فعل ذلك مهمها لها بتفهم 

+


أما هي وضعت الرسالة في جيب قميصها وأغلقته ثم عادت لتجلس معهم بذهن متشتت محاولة أن تبدو طبيعية بعد كل الخوف الذي استوطن روحها مجددا 

6


انتهى 

8


طولت شوس عليكم عندي ظروف. 🫶 لكن اشتقتلكم كتييير كتيير حقا بتمنى انكم بخير 

4


لو كان بإيدي. كنت أرشفت رواية وارتحت، ولكن من أجلكم عم حاول أكتب لهيك أرجو أن تصبرو معي على تأخر التحديث 

8


راح تلاقو أخطاء في الفصل لذا فضلا تجاهلوها 

9


على ما أظن وإذا قدرت أكتب ونظم افكار لي براسي سر كلوديا ولي نبنت عليه رواية ولي كل منتظرو ىاح ينكشف في الفصل لي بعد هذا او لي بعد بعدو ان شاء الله  

7


خلولي رايكم بالفصل وتفاعلو فضلا، لأنو حرفيا عم عاني لأكتب. 🥹 

10


إلى اللقاء إلى الفصل القادم 

4


دمتم سالمين 

5




+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close