اخر الروايات

رواية سلوان الفجر الفصل العشرين 20

رواية سلوان الفجر الفصل العشرين 20


=
العشرون: بداية النهاية
                                          
لكل بداية نهاية، ولكل نهاية نقطة بداية، فكلما اقترب الختام كلما انبجست الخبايا عن صمتها لتكتب أسطرا تغير مجرى الحكاية 

8


___________________________________

2


مرت خمسة أشهر تقريبا، ارتاحت كلوديا قليلا، صارت تزامن طبيبها، وكان تليد حريصا على ذلك، غفرت الذكريات عن عقلها قليلا، وتناسى قلبها آلام دحضت سعادتها لفترة، مازالا كأديانهما، قريبان كقرب المسيحية للإسلام، وبعيدين كبعد كافر عن ربه 

3


ارتجافها كاد أن يندثر، وابتسامتها أصبحت قصيدة تغنى من ثغرها لتعبث بقلبه مرارا وتكرارا، حالهما كحال اليتيم المشتاق، كلاهما متلهفين لبعضهما لكن الحواجز التي وضعتها الظروف بينهما منعت أفئدتهما من الالتحام، تظن أنها ستؤذيه ويظن أنها لا ترغب به

6


ورغم ذلك،وبعد الأمان الذي شعرت به مازالت رسالة والدها تعبث بقلبها الضمئان للطمأنينة كل مرة، كلما رأت ابتسامة العائلة وتجمعهم يرسل ذلك بجسدها قشعيرة تجعلها تفكر في أنها ستكون هلاكهم يوما ما، ولكنها لم تستطع الابتعاد رغم كل محاولات عقلها لدفعها بعيدا، ومازاد الطين بلة هو خروج جوناثان من السجن قبل أسبوع 

6


أما بريجيت وإيلياء، مازالا كالقط والفأر، بينهما حرب صامتة يكسرها أحدهما في كل مرة، ولكن لا ننفي انجذاب إيلياء لها وغيرته الواضحة عليها، فقد أصبح ذهنه مشغولا بكل ثانية تجمعها، وأصبح أيسره يدق، بأجيج من جُذْوَة مشاعر ستعلن التهابها عن قريب 

3


أما بالنسبة لحور وصليبا، نضجهما جعل من قلب كليهما يفكر بمنطقية، لا تراه وبالأحرى كان مجرد مدير لها، أما هو فضوله اتجاهها جعله يكن مشاعر غريبة نحوها، ربما ليس بحب، ولكنه يشبه لحد كبير رضوخ العقل لشخص مختلف قبل أن يفعل الفؤاد، يرسله قلبه دائما نحوها لم يفهم إن كان بذرة حب أم فضولا لمعرفة ما حدث قبل سنين في تلك الكنيسة، عقله يكاد ينفجر من التفكير ولكن جوارحه دائما ما تمنعه من الاقتراب ومعرفة الحقيقة خوفا من يكون ما يدور في ذهنه صحيحا 

6


الساعة الثامنة صباحا 

+


تفرق الغيوم البيضاء في سماء نيويورك الزرقاء جعل فتات من أشعة الشمس تسلل عبر ستائر غرفة تليد وكلوديا التي تجلس أمام المرآة تحدق بنفسها مشغولة الذهن ، بينما ترتدي فستان أزرق ليلي ليس بصيفي ولا شتوي طويل يصل لكاحلها ، بأكمام طويلة تغطي نصف يديها 

+


وبينما هي هكذا لا تدري إن كانت تحدق بنفسها أو سافر عقلها لأماكن وأزمنة أخرى، لحظتها خرج تليد من الحمام ساترا جزئه السفلي بمنشفة بيضاء تتسلل قطرات من المياه من خصلات شعره صانعة طريقها نحو صدره العاري 

3




                
" أنت هنا وأنا أناديك منذ عشر دقائق لأنني نسيت ملابسي؟ "

+


قال ثم أشار لها بسبابته 

+


" وما هذه الملابس مازال الجو باردا لم يدخل فصل صيف بعد ارتدي شيئا أثقل ستمرضين "

2


لم يصله ردها وبالأحرى لم تكن تستمع له فعقلها كان يحاول فرز خيوط متشابكة 

+


"كلوديا؟" 

+


ناداها مرة أخرى لكنهت لم تجبه ما جعله يتقدم ناحيتها، وقف خلفها ثم مد يدها ووضعها على كتفها بخفت ما جعلها تعود لواقعها أخيرا 

+


حدقت به عبر المرآة تحاول استعاب ما تفعله ثم وبحركة سريعة التفتت نحوه تعاين مظهره وبعد ثواني من الاستعاب غطت عينيها بيدها ووقفت كبتعدة 

+


"أستغفر الله" 

21


رفع حاجبيه تعجبا بما نطقت به وقال 

+


"ماذا؟" 

+


اتتها لحظة أدراك هي الأخرى ثم نزعت يدها عن عينيها 

+


" لست مسلمة لماذا أستغفر!؟ " 

12


نظرت إليه مرة أخرى ثم أشاحت نظرها بعيدا 

+


" ثم لماذا لا ترتدي ملابسك هل جننت!؟ " 

3


اقترب منها بخطوات ثابتة ورسمت على ثغره ابتسامة ساخرة 

+


" حسنا لنرى من مجنون فينا، أولا استعفرتي وأنت مسيحية، ثانيا أنا زوجك وحلالك ان صح القول الةقوف نصف عاري هنا شيئ عاديا بين الازواج، ثالثا اناديك منذ ربع ساعة لأنني نسيت ملابسي على سرير وأنت هنا غارقة في أفكارك، أخبريني ماذا يحدث؟ "

2


أحنت رأسها للأسفل قليلا وثم نمت على شفاهها ابتسامة مزيفة 

+


" كنت مشغولة بتحضير نفسي "

+


اقترب منها أكثر وأعدم المسافة بينهما، وضع يده اليمنى على كتفها وبالأخرى أمسك ذقنها بأصابعه ورفع رأسها لتتصادم نظراتها بخاصته 

2


" كنت مشغولة بالتفكير بوالدك كلو، أنت هكذا منذ أسبوع، أتحسبين أنني لن ألاحظ؟ " 

5


" هدوء والدي هكذا يعني أن العاصفة القادمة "

+


" وأنا السور الذي سيمنع تلك العاصفة كلو "

2


" إن صد السور العاصفة يعني أن سور سيتأذى " 

3


أعاد خصلة من خصلات شعرها خلف أذنها وابتسم بهدوء 

+



        

          

                
" تستهينين بقوة هذا السور؟ "

+


توقفت نظراته عفويا على الساعة ليجدها قد اقتربت للتاسعة صباحا، وهذا ما جعله يمسك وجهها بين يديه ويضيف

+


" لن يفعل شيئا حسنا لا تقلقي؟ أنا هنا بجانبك لن يحدث شيئ "

+


نظر للساعة مرة أخرى 

+


"تأخرت، علي الذهاب لدي اجتماع في مصر مساءا، سأعود بعد أسبوع، اعتني بنفسك، كلي جيدا، عودي لمنزل والدي بعد العمل وامكثي هناك ريثما أعود " 

12


هزت رأسها بتفهم فقبل جبينها معمقا وراح يرتدي ملابسه 

1


أما هي مر عليها كيف تلك الرسالة ما جعلها حدق به بذهن شاغل، ثم وبتردد فتحت فاهها لتخبره متقدمة نحوه قليلا، لكنها عادت بخطوات متجنبة إحياء القلق بقلبه، تاركة نفسها تغرق بدوامة التفكير مرة أخرى 

5


*
*
*

+


وسط حديقة الجامعة، حيث كان الجو دافئا يسمح للطلاب بالجلوس تحت أشعة الشمس مع صوت الرياح الهادئ ، كانت بريجيت تجلس في أحد الكراسي بجانبها آرثر، منغمسين في إثراء نقاش عن موضوع يخص مشروعها، لحظتها قاطعهما صوت إيلياء الساخر وهو يقترب منهما 

3


" سيدة بريجيت المفروض أنك تتناقشين مع شريكك في مشروع الآن بقي ساعة لعرضه "

+


التفتت اليه ونفثت الهواء بتذمر 

+


" ذكرني لماذا قبلت بك شريكا بعد العقد الذي وقعناها؟ "

1


ضحك ساخرا بصوت عالي 

+


" لست سعيدا بذلك تحملتك لأربعة أشهر، اتفقنا أنها ستكون اسراحة ثم نعود لعقدنا "

+


أشاحت نظرها عنه ثم نظرت لآرثر ورفعت شفتيها متذمرة 

+


"سخيف وكأنني ميتة على الحديث معه" 

3


نظر آرثر لإيلياء نظرة جانبية ثم ابتسم، أكملا حديثهما متاجهلين إياه ما جعله يبتعد عنهما، وبينما يواصلان حديثهما عن المشروع قاطعها آرثر 

2


" هل أنت معجبة به؟ " 

3


رفعت حاجبيها بغير فهم وردت بذهن متشتت

+


"ماذا!؟" 

+


"إيلياء أنت معجبة به صحيح؟" 

+


"هل جننت؟ إنه أكثر شخص أمقته في هذه الجامعة" 

4


ضحك بصوت شبه عالي ولكنه لم ينطق بحرف

+


" هل تضحك؟ جديا أنا أكرهه، إنه مزعج، صاخب، غير محترم، غير مراعي وطفولي..... "

+



        
          

                
قاطعها عند آخر كلمة 

+


" وصادق وعفوي، وهاتان أكثر صفتين تحبينهما في الأشخاص"

+


دفنت نظراتها بخاصته، ظهرت روحها لتتربع على عرش أجفانها فاضحة إياها، ما جعل آرثر يضيف 

+


" كنتُ أكثر شخص تمقيتنه أيضا وفي نهاية وقعت في حبي "

3


ادعت عدم المبالاة 

+


" لا تكن ساجذا كان ذلك في الماضي "

+


"هذا ما أحاول قوله، أنا أرى نفس بريجيت التي عرفتها في الماضي لكن مع شخص آخر" 

2


اتخذت من الصمت جليسا لها، وأجحفت مشاعرها ثم ابتسمت بزيف مدعية عدم المبالاة 

+


"أظن أنك جننت حقا" 

+


في تلك الأثناء، كان إيلياء يقف بجانب عامل الجامعة الذي كان يسقي الأزهار والأشجار التي بدأت في نمو قليلا 

+


" ماذا تفعل؟ " 

+


" أجهز المكان للمساء " 

+


أخذ منه أنبوب السقي بحركة سريعة 

+


"دعني أساعدك أحب فعل هذا" 

+


نظر إليه العامل وابتسم، أما إيلياء راح يسقي المساحة الخضراء بينما يرمي آرثر وبريجيت  بنظرات جانبية حادة، مشى بخطوات مدروسة نحوهما بينما يدعي سقي العشب، ثم وبحركة مقصودة رش آرثر بالماء ما جعله يصرخ ويقف بسرعة 

5


" ما الذي.... "

+


حرك آرثر بصره نحو مصدر الماء ليلمح ابتسامة إيلياء المستفزة الذي رد بنبرة ساخرة 

+


" آسف كنت أسقي العشب وصادف أنك جالس هنا، لم أرك " 

+


"غبي وأعمى أيضا انظر لما فعلته" 

+


انفعلت بريجيت اتجاهه وصرخت بغضب ما جعله يصوب الأنبوب نحوها 

+


"هل تريدين أن أسقيك أيضا" 

3


ابتعدت عنه ترشقه بنظرات تهديدية

+


" إن فعلت ذلك سأقتلك "

+


اندفع نحوها ضاحكا 

+


" حقا، تعالي لنجرب "

+


راحت تجري وراح هو يجري خلفها بأنبوب سقي، وبينما كانت هي ترمي عليه جميع الشتائم وتهديدات، كان هو سعيدا بما يفعله، تزين البسمة ثغره ويطرب مسمعها بضحكاته ، أما آرثر وقف مبتسما يتفرج عليهما ثم اتكأ بيديه على خصره وتنهد قائلا

+



        
          

                
"إنهما واقعان حقا، لكنهما يكابران" 

7


نظر لنفس وملابسه المبللة 

+


" ذلك المشاكس، علي تغيير ملابسي بسبب غيرته " 

15


مر الصباح بمشاكساتها وجدالاتهما التي لا تنتهي، وها قد حل المساء

+


في مدرج الجامعة الضخم الخاص بالندوات والذي كان لا يخلو من أصوات مختلفة،صوت أحاديث الموجودين، وتحضيرات الطلاب، تترتب الكراسي جنبا على جنبا يجلس عليها بعض الطلاب والأستاذة وغيرهم، على يسار المسرح تقف حور بيدها مجموعة من الأوراق تتفحص المكان والأجواء نظرا لأنها كانت منظمة هذا الحدث، وبينما هي منغمسة بعملها سمعت صوت صليبا خلفها 

+


" سيدة حور " 

+


اقترب منها بخطوات ثابتة وقال بعد تردد

+


"هل يمكننا الحديث على انفراد بعد الانتهاء؟" 

2


نظرت إليه بتشكيك ثم ردت دون تفكير 

+


" لا أستطيع، يمكنك قول ما تريده الأن "

+


"حسنا" 

+


ضم يديه مع بعض وبان عليه القلق رغم أنه رجل لا يتردد في حديثه

+


" بشأن ما حدث قبل خمسة أشهر، ذكرك لحريق في الكنيسة ..... "

2


لحظتها قاطعه أحد العمال 

+


" سيدي حان الوقت عليك قول خطاب الافتتاحية " 

1


تنهد بعدم اعجاب ثم أومأ برأسه قبولا 

+


"آسف علي الذهاب" 

+


قبل أن يذهب تحركت نظراته قليلا فلمح أبيسينا واقفة بالقرب منهما ويبدو أنها سمعت ما دار بينهما، لكنه تجاهل ذلك وصعد على مسرح المدرج ثم بدأ في قول خطاب الافتتاحية الذي دام عشر دقائق ثم انتهى وهو ويشير لحور 

+


" لنشكر منظمة هذا الحدث السيدة حور هارتبيور " 

+


تعالت تصفيقات الجميع في المدرج، منهم مبتسمون ومنهم حاقدون، في الجهة الأخرى، كانت بريجيت تحدق بحور متسائلة 

+


" هارتبيور؟ هل كنيتها هارتبيور،أشعر أنني سمعت هذه الكنية من قبل " 

2


حمقلت بمقلتيها وهمست 

+


"انتظر" 

+


رفعت أوراقها نصب عينيها حيث كان مكتوب 

+


" بريحيت هيمستيد وإيلياء هارتبيور "

+


أمالت رأسها قليلا وراحت تفكر بتشكيك 

+



        
          

                
" هل هما أقرباء؟ " 

1


"بالنظر في الأمر إنها تشبه زوج كلودي!!" 

+


حركت كتفيها بإهمال وهمست 

+


" وما دخلي أنا! "

1


بدأ الحدث بفعاليات متنوعة ومختلفة توالت واحدة تلوى الأخرى لمدة ساعات، ثم وأخيرا أتى دور بريجيت وإيلياء، حيث صعدا كلاهما للمسرح، معهما آرثر وحور وصليبا الذي صرح 

+


"ستكون هذه الفعالية عن الدين والثقافة تجربة جديدة تُضاف لحدث هذا العام، ليست مجرد عرض، بل مشروع حيّ وتفاعلي يمزج بين الدين والسلوك، 
ولأننا جامعة تهتم بكليهما، خصصنا لهما اليوم ركنًا خاصًا تحت إشراف الأستاذة حور والأستاذ آرثر، وسيُعرض تحت عنوان <رمزٌ ومعنى – قراءة مزدوجة في الدين والثقافة>، من تقديم الطالب إيلياء هارتبيور والطالبة بريجيت هيمستيد، 

+


تعالت التصفيقات مجددا وعندما توقفت اضاف 

+


" لكن قبل ذلك، ليشرح لكم سيدة حور وسيد آرثر بعض المعلومات " 

+


أشار لهما بالتقدم حيث بدأت حور بالحديث برزانة 

+


" دعوني أشرح لكم أمرا مهما، الدين يُفهم عادةً كنظام رمزي، بينما الثقافة تُعتبر نظامًا سلوكيًا. فالدين يشتمل على معتقدات، رموز، وطقوس مقدسة، بينما الثقافة تشمل العادات، التقاليد، والقيم التي يمارسها الناس في حياتهم اليومية. العلاقة بينهما معقدة، حيث يتأثر الدين بالثقافة وتتأثر به أيضًا، وهما يشكلان معًا إطارًا لفهم العالم" 

+


أشارت لنفسها ثم أضافت 

+


كمدرّسة لأنثروبولوجيا الأديان، سأتحدث عن الدين كنسق رمزي. أولًا، الرموز والطقوس؛ فالدين يستخدم رموزًا وممارسات مقدسة لتوصيل معتقداته – الصليب، الكعبة، المياه المقدسة... الخ، كلها رموز لها دلالات عميقة.
ثانيًا، المعتقدات؛ التي تتناول الوجود والخلق والغيب.
ثالثًا، التفسير؛ فالدين يقدّم شرحًا لما لا يُفهم بالمنطق وحده.
وأخيرًا، التأثير؛ إذ يُشكّل الدين أخلاقنا وسلوكنا وحتى ردود أفعالنا." 

+


"هذه مجرد معلومات ابتدائية سيشرح لكما طالبان أكثر لفهما" 

+


أشارت لآرثر وأضافت 

+


" سيكم سيد آرثر الباقي"

+


تقدم هو الأخر وأخذ مكانها ثم بدأ

+


" لنخرج قليلا عن الدين، ونذهب إلى الثقافة كنسق سلوكي والتي تحتوي أولا على العادات والتقاليد
فلثقافة تشمل العادات والتقاليد التي يمارسها الناس في حياتهم اليومية، مثل الاحتفالات، والمناسبات الاجتماعية، والأزياء، والأكل. ثانيا القيم والأخلاق
فالثقافة تساهم في تشكيل القيم والأخلاق التي يتبناها المجتمع. ثالثا التفاعل الاجتماعي
فهي توجه التفاعلات الاجتماعية وتنظم العلاقات بين الأفراد. رابعا التغير والتحول فخي أيضل تتغير وتتطور مع مرور الوقت، وتتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية" 

2



        
          

                
صفق وأضاف 

+


" كما قالت سيدة حور سيتعمق الطالبان في الموضوع أكثر ويوضحان الفرق بينهما بشكل ممتع"

+


في تلك الأثناء كان إيلياء يقف بجانب بريجيت، مرتديا قميصا أبيضًا فضفاضا تتدلى منه قلادة خشبية ترمز إلى التوازن بين الجسد والروح، بينما ترتدي بريجيت سترة تقليدية ملونة بوشاح يحمل رموزا أفريقية وآسيوية، وقد زُيّن ركن العرض بخلفية تحاكي لوحات فسيفساء رمزية وأعلاما ثقافية صغيرة.

2


راح إيلياء يثرثر ساخرا 

+


" إياك وأن تفسدي شيئا، لا تتوتري حسنا؟ لا تخافي إنه مجرد مشروع، لا تهتمي لنظرات الاخرين وتحدثي بثقة "

4


نظرت اليه نظرة جانبية من الأسفل للأعلى 

+


"أنت من تبدو قلقا هنا" 

1


ضحك باستهزاء وأشار لنفسه

+


" أنا؟ مستحيل، اعتدت على نظرات الناس اتجاهي، هذا لا شيئ بالنسبة لي " 

1


" حقا؟ العرق يتصبب من وجهك "

+


تلمس وجهه ونمت على ثغره ابتسامة باهتة مقصدها السخرية 

+


"حقا؟ يبدو أنني مريض علي الذهاب" 

1


تحرك ذاهبا لكنها وقفت أمامه مانعة اياه مستخدمة نظراتها الحادة 

+


"نحن على نفس القارب سيد إيلياء لن تذهب لأي مكان" 

+


ضحك فاهه بزيف وكذلك عيناه 

+


" هل يمكنني النزول من القارب؟ أصاب بدوار البحر عادة " 

2


زجت على أسنانها وأرادت لكمه لكنها تراجعت 

+


" سأرميك أنا في البحر لتأكلك الأسماك بعد أن ننتهي من هذا المشروع السخيف "

2


لحظتها قاطعهما صوت صليبا وهو يطالبهما بالتقدم للمسرح 

+


بدأ إيلياء في الحديث 

+


" مرحبا أنا السيد إيلياء هارتبيور، المكلف بعرض المشروع من ناحية الدين كنسق رمزي، طبعا انا غني عن التعريف..... "

2


قاطعته بريجيت بركلة خفيفة على خاصرته جعلته يغيّر نبرته

1


" لنبدأ "

+


بدأ العرض، ومع كل جملة، كانت الشاشة تعرض صورًا متزامنة: لجنازات، معابد، رموز طقسية

+


"حين ندرس الدين، لا ندرسه كعقيدة جامدة، بل كنظام رمزي يخلق المعنى. الغفران في المسيحية يتجلّى في المحبة الإلهية والصفح، تعبيرًا عن فداء المسيح. أما التوبة في الإسلام، فهي عودة صادقة لله بعد الشعور بالذنب، وتنطوي على الندم والإصلاح".

+



        
          

                
" الدين يُجيب على أسئلة المصير: لماذا نموت؟ إلى أين نذهب؟ الطقوس - كالصلاة، الصوم، الحج - تحمل رموزًا مقدسة، تُجسّد علاقة الإنسان بالمطلق."

+


تُعرض صورة لجنازة في الإسلام، وأخرى في كنيسة مسيحية

+


"في الجنازات، لا ندفن الجسد فحسب، بل نعيد تشكيل معنى الموت."

+


تقدمت بريجيت بثقة، مبتسمة، وتحدثت

+


"أما الثقافة، فهي ما نمارسه، نأكله، نحتفل به. مثلا
في غانا، الجنائز مهرجانات فيها رقص، لأن الموت انتقال لا نهاية. أما في اليابان، كل حركة في الجنازة تُعبّر عن الاحترام. لذا الثقافة ليست مجرد طقوس، بل أنفاس الحياة اليومية."

+


لحظتها دخل مجموعة مجموعة من الطلاب مرتدين ملابس برازيلية وبدأو في الرقص الشعبي البرازيلي فجأة 

1


ثم بعدها طلاب يحملون معظم الأطباق التقليدية من مختلف البلدان

+


ثم بعدها  طلاب يرتدون ملابس تقليدية كورية، صينية، إفريقية، وغيرها 

+


" هذا فقط جزء صغير يوضح مدى اختلاف الثقافات باختلاف البلدان 

+


حينها بدأ الحوار بين إيلياء وبريجيت 

+


"الدين يسأل، من أنا؟ لماذا وُجدت؟"

+


"والثقافة تسأل كيف أعيش؟ ماذا ألبس؟"

1


"الدين يؤسس معنى مقدسا عبر الرموز."

+


"والثقافة تعكسه في السلوك."

+


" إنسان بلا دين، انسان تائه "

+


"انسان بدون ثقافة،انسان  دون هوية ."

+


بدآ بعرض صور وفيديوهات مختلفة تتضمن طقوس الجنازة والموت، وحتى طقوس الزواج 

+


قبيلة التوراجا (إندونيسيا) الجسد يُحتفظ به لأشهر وسط العائلة

+


مصر القديمة رحلة إلى العالم الآخر، مع طقوس التحنيط

+


اليونان القديمة الموت موضوع تراجيدي، له تمثيل مسرحي

+


في الهند الزواج طقس ديني متعدد الأيام، يُعد ولادة جديدة

+


عند العرب حفلات وعادات ثقافية تعكس أصل العائلة والمكانة الاجتماعية

+


في الفاتيكان الزواج سر مقدس يُعلن أمام الله

+


تقدمت بريجيت وصرحت 

+


"لأن جامعتنا تؤمن بأن فهم الإنسان لا يكتمل إلا بفهم دينه وسلوكه، كان من الطبيعي أن نُفسح لهذا المشروع مكانًا في قلب هذا الحدث."

+



        
          

                
أضاف إيلياء بعدها

+


"تماشيا مع رؤية جامعتنا التي تجمع بين دراسة الدين والسلوك، جاء هذا المشروع ليُجسّد كيف يتكامل الدين والثقافة في تشكيل هوية الإنسان."

+


ختمت الفعالية بتصفيق المهتمين، لحظتها التفت إيلياء مبتسما نحو بريجيت رافعا ابهامه معبرا عن اعجابه بما فعلاه، لكنها تجاهلت ذلك وقالت

2


" انتهت الاستراحة اليوم، سنعود لعقدنا " 

1


التفتت ذاهبة لتنزع قناع الجدية وترسم على فاهها ابتسامة خافتة 

+


" طفولي " 

2


نزلا من المنصة لترك المجال لفعاليات الأخرى، وكالعادة نزل صليبا بعدما عرف بالفعالية وبينما هو متجه للجلوس أتاه صوت أبيسينا وهي متكأة على الحائط تضم يدها بينما تحدق به 

+


"لماذا سألتها عن حريق الكنيسة" 

2


عدلت وقفتها واقتربت منه مدعية التفاجئ 

+


"لا تقل لي أنها نفس الفتاة التي تزور كوابيسك كل ليلة" 

+


نظر هنا وهناك ثم اقترب منها محكما قبضته على معصمها جارا اياها خلف الستار 

+


رماها ليرتطم ظهرها بالحائط ثم أمسك عنقها بقبضته خانقا إياها قليلا 

1


"اللعب النار سيجعلك تحترقين" 

1


ابتسمت ساخرة مستفزة إياها

+


" لماذا؟  لتدعني أحترق حتى الموت وتهرب، أليس هذا من عاداتك؟ " 

1


شد قبضته على عنقها واقترب أكثر عادما المسافة بينهما، حتى أصبحت المسافة بين أنفيهما شبه معدومة 

+


" لا تجعليني أدنس يدي بك..... "

+


لم يكمل حديثه حتى سمع صراخ بجانبهما، كانت حور بعدما رفعت الستار ورأتها على تلك الحالة متسللة لذهنها أفكار مختلفة، غطت عيناها بيديها وقالت محرجة 

+


"آسفة لك أرى شيئا" 

5


ابتعد صليبا عن أبيسينا واقترب منها قليلا 

+


"انتظري هناك سوء فهم..." 

+


لم تدعه يكمل حديثه وقاطعته

+


" آسفة سيد صليبا يريدونك على المنصة "

+


دون السماح له بإضافة حرف واحد ذهبت مباشرة متجاهلة إياه، ما جعله يعض باطن فاهه غيطا حتة سمع صوت أبيسينا خلفه

+



        
          

                
" لماذا توترت؟  هل خفت أن تفهم علاقتنا بالخطأ!  هل انتهى بك المطاف بالوقوع في حب مسلمة ابنة أعداء أخيك سيد، تعلم أن لن يسمح بذلك، سيجعل حياتك جحيما إن علم " 

5


رشقها بنظرات حادة حارقة اخترقتها لتسبب رعشة في جسدها ثم ذهب بعدما صرخ في وجهها 

+


" سحقا لك"

3


*
*
*

+


مر أسبوع بلمح البصر، ودقت الساعة العاشرة ليلا، هاهي كلوديا تدخل غرفتها تاركة الباب مفتوحا خلفها بينما ترد على الاتصال 

+


" مرحبا!؟ "

+


أتاها صوت تليد الذي ألفته لكنه كان باردا على غير العادة 

4


" اتصلت كي أخبرك أنني لن آتي هذا الأسبوع أيضا. إلى اللقاء "

6


أغلق الهاتف فورا دون السماح لها بالرد، ما جعلها تضعه نصب عينيها بينما تحدق به رافعة حاجبيها بانزعاج 

+


" لم يسألني كيف حالي، لم يترك لي المجال لأسأله عن حاله حتى "

1


راحت توبخه وكأنه أمامها 

+


" مر أسبوع دون أن تتصل بي وهذا كل ما تقوله؟ "

+


" هل نسيت كيفية التعامل مع زوجتك؟ "

+


" على الأقل اسألني كيف حالي، كيف مر يومي أيها السخيف "

+


" ألم تشتق لي؟ "

+


أتاها اتصاله مرة اخرى فردت دون التفوه بحرف واحد 

+


" ألفاظك كلو من تنعتينه بالسخيف؟ كما أنه اشتاق لك كثير هل اشتقت له؟ "

15


"نعم، ماذا؟، لا... انتظر.." 

4


رفعت حاجباها مذعورة، كان صوته قريبا فوضعت الهاتف أمامها مستغربة ثم أعادته لمسمعها

+


"هل تتنصت علي؟ هل وضعت كاميرا في الغرفة" 

+


ضحك ساخرا فسمعت خطوات تقترب منها

+


"استديري " 

+


الفتت بحركة سريعة وكل ما رأته هو تليد ببنية جسده الضخمة يحمل الهاتف بيده اليمنى وبالأخرى عدة أكياس بينما يتمعن في تفاصيلها، وكأنه يروي قلبه الضمآن الذي تعطش لرؤيتها فلم يكفه بعد قلبيهما حتى زادهما بعد المسافة شوقا 

+


أما هي فلم تعي كيف نمت تلك الابتسامة المشرقة على فاهها، وكيف غنت تباريح ثغرها فرحا لعودته، نبض خافقها فور التقاء نظراتهما ولمح شيئ من الدموع داخلهما، كان مجرد أسبوع لكن كان وقتا لا بأس به لاختبار مدى استطاعته قلبيهما على الابتعاد عن بعض 

3



        
          

                
"تليد" 

+


همست بخفت وكأنها لا تصدق أنه عاد حقا، فابتسم ورد عليها بنبرة ساخرة 

+


" بشحمه ولحمه " 

5


وقفت متصنمة تحدق به دون اي ردة فعل، ما جعله يتنهد بنفاذ صبر ويرخي عضلاته ثم يهمس بينما يكلم نفسه

+


" ماذا توقعت أن تتغيري في ظرف اسبوع؟" 

1


حرك رأسه يمينا ويسارا عدة مرات ثم وضع هاتفه في جيبه، وضع الأكياس أرضا ثم راح يتحدث بينما يقترب منها فاردا ذراعيه

+


" دعيني أعلمك شيئا، عندما يعود زوجك من السفر تستقبيلينه بحضن طويل جدت، يا قمرائي "

3


حاوطها بذراعيه دافنا جسدها بخاصته معوضا كل الشوق والوقت الذي كانا فيه بعيدين 

+


"هل اشتقت لي" 

+


"لا" 

1


"أنا أيضا، كثيرا" 

6


ابتسمت وهي بحضنه ورغم أنه لم يرى ذلك لكنه شعر بحركة شفتيها بصدره ما جعله يبستم بهدوء هو الآخر

+


لبثا هكذا في حضن دام دقائق، غارقين في اشباع لوعتهما وإخماد نار الشوق بفؤادهما، ثم بعد ذلك أخرجها من حضنه ممسكا يديها جارا إياها خلفه، أجلسها على طرف السرير ثم ذهب ليحمل الأكياس وعاد ناحيتها 

+


" أحضرت لك بعض الهدايا من مصر"

+


ابتسمت بملء شدقيها 

+


"حقا" 

+


بدأ في إخراج بعض الهدايا الرمزية، بعضها يبدو عصريا والآخر من الطراز القديم، وأخيرا أخرج مشطا ومرآة 

+


" قيل أنهما قطعتين نادرتين لملكة مصرية، لذا قررت أن أشتريهما لملكتي" 

9


كان المشط مصنوعا من خشب الأبنوس الداكن، مصقولا بعناية تزيّن قبضته نقوش دقيقة لزهور اللوتس، رمز النقاء والبعث عند المصريين القدماء. أسنانه رفيعة، متساوية، محفورة يدويا، . أما المرآة، فكانت تحفة بحق. دائرتها المعدنية اللامعة المصنوعة من البرونز المصقول عكفت على إضافة جو دافيئ لانعكاس الملامح عليها، إطارها مزخرف بـرموز هيروغليفية وتتوسّطها عين حورس مرصعة بحجر لازورد أزرق، حيث كان يعتقد المصريون القدامى أنها تحرس من تنظر إليها من الأرواح الشريرة. كان المقبض منحوتا على شكل جسد ملكة فرعونية تمسك القرص العاكس بأنوثة، كما لو كانت تحكي للذي سيحضى بمرآتها كانها كانت أيقونة جمال مصرية 

3


حملتها كلوديا وراحت تنظر لانعاكسها فيها ثم ابتسمت بدفئ 

+


"جميلة " 

+



        
          

                
" كإنعكاسك فيها "

3


رد تليد وهو دافن بن عينيه في خاصتها لتضيف هي

+


" هذه المرآة لن نفارقني أبدا " 

+


صفق بيده وراح يخرج أشياء أخرى من آخر كيس 

+


"أهم شيئ أعلم أنك ستحبينه" 

+


أخرج الكثير من الكتب بمختلف الأحجام والألوان وحتى اللغات 

+


" تقرئين الكثير من الروايات صحيح، اشتريت بعضها من مصر " 

4


وضعها على السرير ثم راح يتفحصها بعينيه وكأنه يبحث عن شيئ بينها بينما يتحدث 

+


" اشريت جميعها من مكتبة معروفة هناك، لكن هناك كتاب واحد اشتريته من مكتبة بسيطة رأيتها صدفة أعجبني غلافه وحتى القصة " 

2


راح يبحث عنه 

+


"اين هو" 

+


"هاهو" 

+


أشار للكتاب ثم حمله، كان كتابا متوسط الحجم غلافه يحمل طابعا مميزا، تتصدره صورة لشخصيتين أساسيتين تُوحي علاقتهما بالاختلاف، تقف فتاة في الجهة اليسرى، بملامح رقيقة وشاحبة، ترتدي عباءة بلون بني قاتم يغطي شعرها وكتفيها، تمسك بيدها شمعة مضيئة، ينعكس نورها على وجهها ما أضفى عليها هالة من الحزن والسكينة في آنٍ واحد، وكأنها تحمل أملا أو شيئ من الهداية، بجانبها يقف شاب بملامح أمريكية واضحة، بشرته فاتحة وشعره داكن، يتجه بنظره للجهة المعاكسة لها بنظرة حائرة حزينة، وكأنه يعيش صراعا داخليا لا يرى للناظر. كلا الشخصين يرتديان ملابس داكنة بسيطة تتماهى مع الخلفية الرمادية ذات اللمسة الزيتية.

20


أما العنوان كان مكتوب بخط عربي واضح باللون الذهبي الباهت « قلوب محرمة» وفوقه العنوان بالإنجليزية بخط رقيق "FORBIDDEN HEARTS"، ما يعزز فكرة الصراع الظاهر على صورة الشخصيتين ويعطي لمحة عن العلاقة التي ستكون بينهما، التصميم ككل يوحي بأن الرواية تدور حول علاقة محرمة أو مستحيلة في أجواء يغلب عليها الطابع الديني أو الاجتماعي الصارم 

22


في أسفل الغلاف مكتوب اسم الكاتبة « حياة مرجي» 

3


وضع تليد الكتاب أمام ناظر كلوديا وراح يتحدث بحماس 

+


" لا أحب قراءة أشياء كهذه لكن أعجبني الغلاف والقصة " 

+


أدار الكتاب ليقرأ لها المبذة 

+


" قلبان أحبا، كان حباً محرما دينيا
كانت هي السلام في عالم صاخب.
وكان هو الهوى الضائع في غياهب ومتاع الدنيا.
التقى قلباهما فكانا قلبين محرمين.
كانت عابدة تقية عفيفة.
وكان هو ملحداً ضالاً تائهاً.
أحبته، لكن عفتها ودينها منعاها.
أحبها، لكن القدر منعه.

+



        
          

                
في حرب الحب والدين من الصعب التنبؤ بالفائز "

8


قرأها بالعربية ثم راح يشرحها بالانجليزية وأكمل 

+


" بحثت عن رواية في الأنترنت،ليست مشهورة كثيرا لكن عرفت أن القصة تدور حول البطل المسمى ليون الذي كان ملحدا والبطلة عفاف التي كانت مسلمة " 

14


وضع الكتاب أمامها وأكمل 

+


" في الاسلام لا يجوز للفتاة المسلمة الزواج أو أن تحب كافرا، لذا يبدو أن القصة ستكون جميلة، للأسف لا يوجد نسخة لها بالإنجليزية لذا سأخصص وقتا لأترجمها لك ما رأيك؟ "

+


ابتسمت ثم حملت الكتاب وراحت تحدق به

+


" تبدو القصة مشوقة وجميلة " 

+


وضع الهدايا الأخرى على جنب واقترب منها أكثر باسطا يديه أمامها 

+


" خمس دقائق لأستحم وآتي لنقرأ بعض الصفحات منها " 

1


أسرع نحو الحمام بعدما أخرج ملابسه ثم عاد بعد ربع ساعة تقريبا، لكنه وجدها تغفو على سرير مفمضة العينين، فاستلقى بجانبها وراح يمرر سيابته بتحنان على خصلات شعرها بينما يتحدث بهمس 

2


" لو تعلمين أن هذا الفؤاد لَجَّ به الصبا، وبات يحسب الثواني فقط ليظفر شيئا من تبغرك، يكفيني من هذا العمر لحظة، تلتفتين فيها إلي فأرتوي قليلا من حُسن عينيك، ماذا تفعلين بي يا فتاة " 

8


"هل تتغزل بي وأنا نائمة؟" 

1


فتحت احدا عينيها فضحك ساخرا لردة فعلها 

+


" ظننت أنني نائمة "

+


"وأفوت فرصة رؤيتك تقرأ لي؟  مستحيل، هيا ابدأ" 

+


ابتسم لها وحمل الكتاب بالفعل وراح يقرأ 

+


مرت الأيام عادية، كان كل يوم يقرأ لها صفحات من الرواية، كل ليلة وكل وقت فراغ، وها قد الأتى اليوم الذي يكرهه كل قارء، بقي صفحات قليلة لنهاية الرواية، تلك الأسطر القليلة التي ستجعلك تودع عالم انخرطت فيه وكان جزءا من حياتك 

9


كان تليد متكأ على الحائط جالسا فوق السرير، وكانت هي على غير العادة مستلقية أمامه واضعة رأسها على حجره تتبع كل حرف ينطق به، وكان هو يقرأ بتركيز ويترجم لها كل كلمة فيها 

+


وبينما كان يقرأ السطور الأخيرة من رواية، متغافلا عن تلك التي صنعت دموعها أخدودا على وجنتيها، وصل لآخر كلمة ليسمع شهقاتها العالية وهي ترفه رأسها من على حجره، ما جعله يحدق بها مذعورا 

10



        
          

                
نظر إليها مستغربا ثم اقترب منها قليلا 

+


" ما بك؟ هل تذكرت شيئا؟ هل يألمك شيئ؟ "

+


شهقت بقوة محاولة لكبت دموعها لكن دون فائدة فقد ازدادت غزارة كوابل ذرف من سماء ليسقط على أرض جافة 

3


أشارت للرواية وحاولت جاهدة أن تخرج الكلمات من حلقها لكنها التصقت كشوكة لكنها خرجت بصعوبة 

+


" لماذا هذه النهاية!!! "

23


رفع حاجبيه بغير تصديق، لم يعتقد يوما أنها ستبكي بسبب رواية خيالية لكنها فعلت وبشكل أكثر مما تخيل، ربما كانت مجرد كلمات بالنسبة له لكنها كقارئة كان هذا يعني لها شجنا سيزاولها لباقي حياتها ولن تتخطاه أبدا 

6


حاول أن يبتسم ليخفف عنها ثم اقترب ممررا ابهامه على وجنتيها 

+


" انها مجرد رواية تعلمين أن كل ما حدث خيالي " 

6


هزت رأسها توافقه، حتى لو أخبرته لن يفهم ذلك الاحساس الذي بداخلها، ولن يفهمه أحد غيرها، لم ولن تكن مجرد رواية بنهاية حزينة، بل وصمة جوى نقش على قلبها لمدى الحياة وأحداث ستبقى خالدة في ذاكرتها تعود إليها كلما أرادت البكاء 

1


" لكن.... " 

+


الحزن في صوتها لم يسمح لها بمتابعة الحديث، ولتلطيف الجو ضحك بخفت وقال ممازحا 

+


" لدينا حسابات الكاتبة واسمها، ما رأيك بالبحث عنها والذهاب لتلقينها درسا على هذه النهاية؟ " 

13


هذا جعلها تبتسم قليلا وترد

+


" لابد من سبب أو مغزى لجعلها تكتب هذه رواية " 

1


"طبعا، لم تدعيني أقرأ ما كتبته الكاتبة في الأخير، يبدو أنها ذكرت المغزى من القصة" 

+


راح يقرأ ما تطرقت له الكاتبة في آخر قصة ثم قال 

+


" دعيني أضف على ما قالته، قال ابن القيم «من تعلق قلبه بغير الله عُذّب به» لا يجوز للعبد ان يتعلق بشيئ أكثر من تعلقه بالله أو سيعذب به، المغزى من القصة أن البطل اختبر إيمانه بشيئ أغلى على قلبه، ليس ظلما من الله ولكن ليعلم مكانته في قلب عبده، أعجبتني القصة ربما كانت خيالية لكن تحمل شيئ من الواقع " 

7


أرجع خصلات شعرها الذي طال أصبح يصل لكتفيها خلف أذنها وأكمل بينما يدفن نظراته بخاصتها 

+


" لا أريد أن أعذب بك، لذا اخترت أن يكون تعلقي بالله أكثر من حبي لك، ان كان حبك ذنبا سأتوب عنه لأنني لا أريد أن يختبرني الله بك، فمن تاب عن ذنب أتاه الله خيرا منه، لا أريد خيرا منك، ولا أريدك أن تكوني ذنبي، فبين هذا وذاك أريدك أن تكوني المغفرة التي سيجازيني الله بها "

1



        
          

                
" لا أريد أن أكون ذنبك ولا شيئا تعذب به ولا حتى نقطة ضعفك، كل محاولاتي للابتعاد كانت بهذا سبب لا أريد أن أكون الشخص الذي يكون سببا في حزنك. فإن اضطررت أن تختار بيني وبين ربك ، فلن أكون خصمًا لربك في قلبك، مؤمنة أن طرقنا حتى واختلفت يوما ما ستلتقي مرة أخرى في نقطة ما"

1


ابتسمت بهدوء وأشارت له بسبابتها 

+


"ان اختبرك ربك يوما ما بي، عليك أن تجتاز الاختبار، وان حدث لي ما حدث في الرواية تأكد أنني سأكون سعيدة أينما كنت فقط ان كنت أنت تعيش حياة سعيدة بعيدا عني" 

18


"لا سعادة في البعد عنك كلو، فأنت سلوان الفجر خاصتي هل نسيت؟" 

+


أمسك بيدها وراح يربت عليها بتحنان 

+


" لا تفكري في الابتعاد ان كان السبب سعادتي حسنا؟ إياك وفعلها فسعادتي بجانبك، مؤمن بأنك ستكونين جزاء الصبر الذي يختبرني به ربي " 

+


زيفت ابتسماتها وكأنها تنوي الابتعاد حقا، ثم ضحكت بخفت ووقفت لتتجهه لجهة الاخرى من سرير 

+


" لن أعدك سيد ملك الجليد"

+


نظرت للسقف وأضافت 

+


" اشتقت لهذا اللقب " 

+


ضحك بخفت وهو يحدق بها ويرى تصرفاتها ثم عدل جلسته وأضاف 

+


" ستظلين غدا في المنزل هنا لوحدك مشغول قليلا وسأتوجه لمنزل والدي قبل عودتي إلى هنا، إن احتجت لشيئ اتصلي بي "

+


نام كلاهما منفصلين، لكنه استغل فرصة نومها بعد ذلك وحضنها، جاء اليوم التالي ثم مر  بشكل عادي، انشغل تليد بأعماله وانشغلت هي بروتينها المنزلي. وعندما حل المساء حضَّرت فشارا وجلست في غرفة الجلوس ثم شغلت التلفاز، وعندما كانت الفتيات بعمرها يأكلن فشارا بينما يشاهدن الافلام والمسلسلات كانت هي تشاهد الأخبار لتثمر روحها الصحفية، وبينما هي تغير القنوات توقفت عند ذلك الخبر والصورة التي أمامها 

+


منزل هارتبيور محروق بالكامل وصحفية تصرح 

4


" قبل قليل وقع حادث غير متوقع، منزل ثاني أغنى رجل بأمريكا وأشهر رئيس شركة صحافة، والذي يعتبر والده أشهر داعية اسلامي في البلد، احترق بالكامل، لم تدلي الشرطة بأي تصريح، هل كان حادثا أو مكيدة مدبرة، بعد ما تعرضت له العائلة من أحداث في الآونة الأخيرة لا نستطيع الجزم بأي شيئ..... "

2


لم تسمع ما يليها من كلمات، وقفت مصدومة ترتعد خوفا وبصعوبة وصلت لهاتفها بيديها المرتعشتين 

+


اتصلت مرارا وتكرارا دون مجيب وهذا ما أعطى انذارا لقلبها بالهلع وهلوست أفكارها بتوقعات مختلفة 

+



        
          

                
وفي وقت واحد رن هاتفها وجرس المنزل في آن واحد، فردت بينما تتجه لفتح باب 

2


أتاه صوت تليد خلف الهاتف فصرخت مرعوبة 

+


" تليد ماذا حدث، هل أنت بخير، هل العائلة بخير؟؟ " 

+


"لا تقلقي، نحن..." 

+


في تلك الأثناء كانت تفتح الباب فلم ينهي كلامه حتى سقط الهاتف من يدها وهي تقول 

+


" أبي!!! "

2


وصل صوتها المذعور لتليد وراح ينادي باسمها مرارا وتكرارا، وكل ما كان يسمع في المكان هو تهديداته عبر الهاتف 

+


" ان لمست شعرة منها ستكون نهايتك هل تسمعني أيها الحقير " 

+


أغلق الهاتف بسرعة وركب سيارته متجه للمنزل، كان الليل قريبا، وقد بدأت سماء في ارتداء حلة دجى الليل الحالك، وبدأت بعض الأمطار الخفيفة في السقوط 

1


وصل للمنزل بعد وقت قصير، لكنه كان كافيا ليبث الذعر لقلبه، وجد الباب مفتوحا وهاتفها مرميا أرضا، دخل بسرعة ينادي اسمها لكن دون مجيب 

1


كاد قلبه أن يخرج من قفصه، وحرارته أصبحت تضاهي حرارة بركان يكاد أن ينفجر، غضبه بان على تجاعيد وجهه وتحكمه بنفسه فشل عندما أحكم قبضة يده وخرج مسرعا متجه لمنزل هيمستيد 

+


وصل للمنزل ولكن الحراس منعوه من الدخول، وبعد جدال دام عشر دقائق سمع صوت جونثانان الساخر 

+


" دعوه يدخل "

+


نظر إليه نظرات استهزائية دون ان يتفوه بحرف، أما تليد اقترب منه غارقا في قتام سخطه 

+


"أهلا اهلا بزوج ابنتي، هذه ثاني زيارة لك هنا كان عليك اخباري لاستقبلك" 

1


رغم ما تفوه به من سخرية الا أن فاه تليد لم يذرف كلمة واحدة بل دفعه بعيدا ودخل يتجول في أنحاء المنزل بينما ينادي باسم كلوديا، لكن المخيب للأمال أنها لم تجبه فعاد نحو جوناثان الذي قال 

+


" ماذا هل تشارجتما؟ لماذا تبحث عنها هنا، يقال أن الحية إن خرجت من جحرها لا تعود إليه، وأن الذئبة إذا خرجت من وكرها، لا تعود إلا مُحمّلة بالغنيمة أو بالعار."

3


مازال تليد مصمما على صمته فحان وقت الأفعال بالنسبة له، اندفع نحوه وأمسك بياقة قميصه دافعا إياه على الحائط 

+


" يقال إذا أغضبت نمرا نائما، لا تشتكِ من تمزيقه لك، ولا تنسى أن من يمدّ يده إلى لبوة الأسد، فليُحضّر كفنه، فالأسد لا يعرف الصفح حين يتعلق الأمر بأنثاه "
ضربه على الحائط كأنه لعبه بيده وشد قبضته على عنقه حتى كاد يخنقه 

1



        
          

                
" أين هي؟ أين كلوديا أخبرني "

+


"لا أعلم" 

+


" لا تعلم؟ من يعلم اذا؟ لماذا كان آخر ما قالته كلمة أبي؟ ماذا فعلت لها" 

+


كان صوته يختنق شيئا فشيئا ولم يستطع الحديث الا بصعوبة 

+


"صدقتي لو لم أن شخصا يخاف من ربه، لقتلتك الآن وفورا، أخبرني أو سأفشل في التحكم بشياطيني، أين كلوديا" 

2


" زرتها وتحدثنا كأب لابنته فقط ثم ذهبت "

2


ضحك تليد بصوت غاضب وشد قبضته أكثر

+


" أب لابنته؟ تحسبني غبيا وسأصدقك؟ "

+


" نحن في عصر تكنولوجيا، شاهد كاميرا الراقبة بجانب المنزل وستعرف انني خرجت لوحدي وتركتها بالمنزل " 

1


وهذا ما فعله بالفعل، انتزع قبضته تاركا اياه يلهث يحاول استرجاع أنفاسه

+


" ان حدث لها شيئ بسبيك،تأكد أن كل أعمالك غير القانونية ستكشف للملأ، من يلعب بالنار يتحمل الحريق "

+


التفت قليلا ثم عاد 

+


" اكتشفت شرطة أن الحريق بالمنزل كان بفعل فاعل،وأعلم أنك من فعلت هذا،من حسن حظك أن العائلة بخير"

+


اتجه مباشرة نحو مركز الشرطة ليطلب رؤية شريط كاميرا المراقبة، وكل ما ظهر فيه هو جوناثان وهو يخرج لوحده ثم تليه كلوديا بعد ربع ساعة وتنطلق بسيارتها حيث بدى وكأنها كانت تبكي 

4


تتبع سيارتها توقفت أولا عند هاتف عمومي وبدى أنها تحظث مع شخص لمدة خمس دقائق، ثم انطلقت بعد ذلك، لكنها اختفت عند طريق لا كاميرا مراقبة فيها مما استعدى البحث عنها من طرف الشرطة، لكن الليل كان قد حل والطريق كانت حالكة لحد لا شيئ يرى فيها وهذا ما جعل البحث يستمر لليلة كاملة 

+


ومع أولى خيوط الصباح وعندما أشرقت الشمس بأمل جديد أتاه بلاغ من الشرطي عندما كان هو الأخر منغمسا بالبحث معهم 

+


" وجدنا سيارة بنفسجية اللون من نوع مرسديس AMG رقم اللوحة. KXZ-7AM، هل هي سيارة زوجتك؟ "

+


عض باطن شفتيه متحكما في انفعاله ثم صرح بصوت خافتا نابعا من الخوف 

+


" إنها هي "

+


" تعال للمكان الذي سأرسله لك "

+


توجه مباشرة لعين المكان ، كان معزولا طريق جبلي ضيق بالكاد تمرّ فيه سيارتان، يلتفّ حول منحدر حادّ يطلّ على وادٍ سحيق من الأشجار الكثيفة . على حافة الطريق، لا سياج حديدي، فقط حاجز حجري قديم متآكل 

+



        
          

                
كانت السيارة متوقفة بشكل مائل وخطر،واجهتها الأمامية محطّمة بشدة، كأنها ارتطمت بالحاجز بسرعة. الواجهة الأمامية منبعجة، مقدمة السيارة غاصت قليلا نحو الداخل، وتحتها آثار انزلاق واضحة على الأرض المبلّلة، كما لو أنها انحرفت فجأة قبل الاصطدام

+


الزجاج الأمامي كان محطمًا بالكامل، تتناثر شظاياه على غطاء المحرك وعلى الأرض، وبعضها عالق داخل السيارة. البابان الأماميان مغلقان بإحكام، ولا يبدو أن أحدًا خرج منهما.

1


كان المشهد مخيفا لدرجة أن تليد لم يستطع الاقتراب عندما لمحه، لم تكن محبوبته موجودة وما تركته خلفها مجرد سيارة محطمة 

3


لم تقوى ساقاه على حمله فاتكأ بيده قليلا على الصخرة محاولا استدراك ما تراه عيناه، لحظتها اقترب الشرطي منه مضاعفا خوفه مازاد الطين بلة 

+


" يبدو أن سيارة اصطدمت بقوة بالحاجز الصخري مما ادى إلى خروج ضحية من الزجاج الأمامي وسقوطها في المنحدر، آسف سيد تليد على ما سأقوله المنحدر صخري عميق، والوادي مليئ بالأشجار والصخور، حتى وان سقطت لن تنجو...،سنباشر في البحث عن الجثة "

5


نظر اليه بعيون حادة وصرخ بصوت عميق كادت أحباله الصوتية ان تنقطع

+


" مالذي تهذي به؟ جثة ماذا؟ كلوديا مازالت حية، لا تقل كلاما لا تفهمه ابحثو جيدا ستكون بمكان قريبا

+


أحنى رأسه أرضا وراه يهمس لنفسه 

+


" مالذي جاء بها إلى هذا المكان، أرجوك أخبريني أنك لم تسقطي في ذلك المنحدر " 

+


لحظتها أتى شرطيا آخر حاملا شيئا بيده

+


" سيدي وجدنا هذه القلادة على المنحدر "

+


مدها لتليد، كانت قلادة كلوديا المفضلة والذي أهداها لها ماريو، وتلك كانت النقطة التي جعلت تليد يذرف دموعا حارة نزلت من بئر أجفانه الجافة لتصنع وادي فياضا على وجنتيه، ذلك الرجل الذي لم يبكي يوما، استطاع فقدان زوجته أن يحدث شرخا في قلبه جاعلا من جبله ينهد 

7


" إنها قلادة قمرائي،  مستحيل أن يحدث هذة لبتلي الصغيرة مستحيل " 


2


انتهى 

17


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  

1


كيف حالكم؟  

7


اشتقتلكم كتير بتمنى أنو اشتقتولي كمان 

5


آسفة على التأخر بتحديث الفصل لكن أكرر عم حط جهدي كن شانكم والله لأ نو الوقت ما عندي، لهيك بتمنى ما تخيبو ظني وتتفاعلو 

+


حطولي رايكم بالفصل؟  

8


شو راح يصير، هل حقا في رأيكم كلوديا سقطت من منحدر؟  وفي رأيكم يكون والدها سبب؟  شو قلها لما زارها؟  وليش هربت من منزل وراحت لهيك مكان؟  

13


علاقة ايلياء وبريجيت، حور وصليبا شو راح يصير فيها برايكم؟  

4


الفصل كان تحت عنوان بداية النهاية، لأنو الفصل هذا فاصل بين الفصول لي فيها شوي غموض قبول، والفصول  الجاية لي راح ينكشف فيها أسرار، يعني نهاية رواية قريبة 

+


انتظروني الفصل قادم راح ينكشف أول سر لكلوديا 

4


تذكرت الجزء لي سافر فيه تليد مصر وجاب هدايا منهم رواية، كان مشهد اضافي فقط للترويج لروايتي الورقية. 🫣 ترويج لعبتي. 😂 

9


إلى الملتقى، في أمان الله  

12







+









الحادي والعشرين من هنا 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close