اخر الروايات

رواية اشلاء القلوب الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندي محمود

رواية اشلاء القلوب الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندي محمود 



(( أشلاء القلوب ))

_ الفصل التاسع عشر _

كانت الصدمة كافية لجعلها تتصلب بأرضها كالصنم حين رآت أشجان ، ظلت متسمرة مكانها تثبت نظرها في وجهها ظنت في البداية أنها تخيلتها فماذا ستفعل تلك الشيطانة هنا التي حاولت قتلها بدون سبب .. ولكنها تأكدت حين وجدتها تهتف بخبث دفين قائلة :
_ ازيك يا ملاك ، معلش بقى مقدرتش أباركلك على جوازك من أُسيد

اندفعت نحوها ملاك لتقبض على ذراعها وتهزها بعنف قائلة :
_ إنتي بتعملي أيه هنا ، مش هتنفدي بعملتك وصدقيني هتدفعي تمن اللي عملتيه معايا .. أنا معرفش إنتي مين أصلًا وبتعملي أيه هنا بس مش مهم المهم إنك وقعتي تحت إيدي

زاحت يدها عنها تقول مبتسمة بلؤم ظاهر ، تلقي على مسامعها الصدمة:
_ مينفعش تكلمي مرات خالك بالطريقة دي ياملاك عيب أوي

زوجة خالي! ،ماذا تقول تلك الخبيثة يبدو أنها تكذب وتخترع الحكايات ، فأي خال هي زوجته بالتأكيد أنها تحاول تشتيتها وتخويفها ولكنه لن يؤثر بها حتى وإن كان حديثها صحيح ، وجدتها تهم بالرحيل ولكن وقفت وقالت بنبرة محذرة وتفتعل بوميض مخيف :
_ أه وبرآي لو حابة المرة دي متومتيش بجد يبقي لسانك السكر ده مش هيقول أي حاجة وإلا إنتي اللي هتبقي خسرانة في النهاية وهتخسري حياتك بجد المرة دي

التفتا الأثنين لصاحب الصوت القوي الذي يقول بترقب ونظراته نارية تكاد تفتك بأشجان :
_ تخسر حياتها إزاي يامرات عمي فهميني الموضوع ؟!

ارتبكت بشدة وكأن الحروف تعثرت في طريقها وسقطت في نصف الطريق قبل أن تخرج ، ظلت تحملق به لثوانٍ في رعب ويجول بعقلها سؤال واحد " هل سمع شئ ياترى أم لم يسمع سوي آخر ماقالته ؟ " إن سمع شئ فستنتهي لا محال ، وجدته يهز رأسه بتعجب يحثها على الحديث والتكلم فقالت ضاحكة تتصنع الصفاء والعذوبة :
_ لا أصلها بتقول أنها مدايقة للي حصل لسارة وهتحاول توصل لأسلام ، فبضحك وبقولها متتعبيش نفسك مش هتقدري وبقولها إنها ممكن تخسر حياتها ومتدخلش في المواضيع دي أفضل مش كدا ولا أيه ياملاك

لوى فمه بطريقة مريبة أشبه بثعلب مكار تحاول فريسته خداعه وهو يعلم كل شئ ويقنعها أن خدعتها السخيفة خالت عليه ، رآى الغضب يأخذ وضعه على ملامح زوجته وهمت بأن تجيب وتكشف كل شئ فقال مسرعًا متصنعًا أنه صدقها قاصدًا اختيار تلك الكلمات بذاتها وكأنه يرد بنفس الطريقة الماكرة التي ردت بيها عليه :
_ أه لا متقلقيش ملاك مش هتتدخل في الموضوع ده نهائي احنا اللي هنتدخل وهنجيبه ، مخافيش كل واحد هيدفع تمن اللي عمله سواء دلوقتي أو بعدين

_ يارب !

همست بها في توتر وفورًا انجرفت من بينهم مسرعة إلى الخارج فوجد ملاك تهم بالتحدث ، أسرع نحوها وكبت أنفاسها بكفه ورفع أصبعه السبابة وبيده الآخرى يحسها على الصمت ؛ لتأكيده أنها تقف بالخارج تستمع لهم ، ثُم أبعد يده عنها وهتف بسخط مزيف :
_ صحيح اللي قالته مرات عمي ده ؟!

رمقته بحيرة وتساءل حول مايفعله فأشار بأصابعه أن تتحدث وتساريه في الحديث ، فقالت بتصنع الضيق وقد أتقنت التمثيل مثله :
_ أيوة أصل أنا الصراحة مدايقة أوي على اللي حصل ومش قادرة أقعد ساكته

لف ذراعه حول كتفها يحسها على السير وهو يقول بهدوء :
_ ولو ياملاك ملكيش دعوة بالموضوع ده ، يلا علشان نطلع ننام

أتقن التمثيل بكل احترافية وذكاء وبالفعل كانت تستمع لهم وعندما سمعت حديثهم هذا أطمئنت أنه لم يسمع شئ وهي لم تخبره وكأن تهديدها أثر بها ، يريد أن يجعلها تسير في طريقها المظلم حتى تصل لنصفه ويمسك بها فلا تستطيع تكملته أو الرجعة منه .. وأيضًا يريدها أن تصدق أن زوجته خشيت تهديدها وفعلت ما أمرتها به فكل هذا سيساعد فيمَ يعزم عليه ......
ساندها بحرص وطولة بال إلي الغرفة مع سيرها البطيء حتى دخلا وأغلق الباب فهتفت هي منزعجة بشدة :
_ أنت مخلتنيش أتكلم ليه ، وإزاي دي مرات خالي وأنهي خال ؟!

_ دي مرات عمي ثروت يعني أم ريان وسارة ، أنا عارف كل حاجة عملِتها يا ملاك مش عبيط أنا

فغرت شفتيها بصدمة مما تسمعه الأول يقول أنها والدة سارة وريان كيف تكون تلك الشيطانة أم هؤلاء الابناء والثاني أنه يعرف كل شئ ويصمت لطول الفترة السابقة ، فصاحت به بعتاب :
_ عارف كل حاجة وساكت وبتتعامل معاها عادي كدا يا أُسيد ، دي حاولت تقتلني ولولا إن ربنا سترها معايا وعرفت أهرب كان زماني دلوقتي ميتة

تقدم إليها وحاوطها من كتفيها مردفًا بحنان :
_ عارف يا ملاك وأنا ساكت علشان ريان وسارة بس ، لكن طبيعي مش هسكت كتير وهياجي الوقت المناسب اللي هدفعها تمن كل اللي عملته ، كل اللي عايزك منك إنك متفتحيش الموضوع ده مع أي حد حاليًا إنتي شايفة الأوضاع إزاي وشايفة وضع ريان وسارة إزاي

دفعت يده يعنف صائحة بغضب :
_ أسكت إزاي وعايزاني أبص في وشها كل يوم وكأن مفيش حاجة دي بتهددني دلوقتي إني لو أتكلمت هتقتلني !

أجلسها على الفراش وجلس بجوراها يتشدق بنظرات ملتهبة ونبرة واثقة كلها حقد وغل :
_ متقدرش تقربلك طول ما إنتي معايا لأنها عارفة اللي هيحصلها كويس أوي هي بتخاف مني من غير ما تعرف إني عارف كل حاجة ، اسكتي الفترة دي ياملاك علشان ريان وسارة ولا إنتي مش هامينك وخليكي واثقة إني مش هسيبها تفلت بعملتها دي وهجبلك حقك منها أطمني ، وحاولي تتجنبيها اليومين دول لغاية مانرجع البيت

غامت عيناها بالعبرات والدموع متذكرة تلك اللحظات ، تتحسر عليها وعلى حال ابنتها وتقول بصوت باكي ومرتجف :
_ وسارة دفعت تمن عمايل أمها منسيتش أي حاجة من اللي حصلت معايا حصل الخطف ده بعد وفاة ماما علطول حتى قبل ما اتجوز أكرم وعارف كانت هتخلي رجالتها اللي خطفوني يعتدوا عليا لولا إني سمعتهم والحمدلله ربنا ساعدني وهربت ، أنا مدايقة على سارة أكتر ما مدايقة على نفسي هي متعرفش على كدا إنها بتأذي ولادها من غير ماتحس ، أنا معرفش هي عملت معايا كدا ليه مع إني لا أعرفها ولا شوفتها ولا أذيتها في حاجة !!

لم يكن يعرف بمَ قالته هذا ، جعلته يزداد حقدًا أكثر وبغضًا لها وتضيف جريمة آخرى إلى حصيلة أعمالها ، ألم يكفيها قتلها لأبيها وأمها ومحاولتها لقتلها كانت تريد أن تسلبها روحها ، يالها من امرأة تستحق الطوفان ليزيلها ويريح الناس من شرها ! ... وجدها أجهشت بالبكاء بقوة فحاوط وجهها بين كفيه يقول بحدة تحمل بداخلها الاهتمام :
_ ملاك إنتي طالعة من عمليه وممكن تتعبي كفاية بكى وبعدين أنا مش قولت متتحركيش من السرير غير للضرورة زي الحمام

_ كنت عطشانة وإنت كنت نايم ومهنش عليا أصحيك الحقيقة فنزلت وحدي ويارتني مانزلت

قالتها وهي تشهق باكية بحرقة ، فعيناها تخونها ولا تتمكن من الشد على محابس دموعها وتزرفهم كالشلالات ، تتعرض للأذى من أقرب الناس لها وهي لم تأذيهم بشئ فقط يريدوا أذيتها بدون سبب .. فتحت عيناها على الحياة وكانت وحيدة وتتعرض لنظرات الرجال الوقحة بسبب جمالها وتعرضت لكثير من المدايقات لهذا السبب ثُم بدأ بأذيتها أقرب أحبائها ولم تجد معها سوى القليل ( زمردة ، أمها ، ريان ، وسارة) والآن خسرت أحدهم ولكن ربها عوضها عنه بزوجها وهو لا يختلف في حنانه عن أمها كثيرًا بل يشبهها في أشياء كثيرة ... توقفت عن البكاء بخوف بسيط عندما رآت نظرته المنذرة لها وهي تستمر بالبكاء فقالت بضيق طفولي :
_ مهو أنا لو محصليش حاجة من العياط هيحصلي حاجة من نظراتك المخيفة دي في أيه يا أُسيد براحة عليا ! ، راعي إني أنثي ومش لازم كل حاجة تبحقلي كدا عادي أنا باجي بالحنية والرقة والله !

أتسع ثغره بابتسامة رائعة من كلماتها وطريقتها اللطيفة فقال بسخرية مزيفة مبتسمًا :
_ طيب خلاص ، متعيطيش يا ملاك ياسكر علشان متتعبيش لأني خايف عليكي وأنا ما صدقت بقيتي كويسة شوية ، حلو كدا ؟

بادلته السخرية مغمغمة بخنق :
_ حلوة جدًا ، لدرجة أن عيني دمعت من كتر الحنية

ضحك بخفة ليجيبها برقة حقيقة وهو يمد يده ويقرص وجنتها برقة :
_ طيب نامي ياختي يا أم لسان طويل يلا !

أمتثلت له ومددت جسدها على الفراش تغمض عيناها باستسلام لأرهاقها ، تسطح الآخير بجوراها وأغلق عينه ، فظلت تحملق به بصمت ، تتردد في الاقتراب منه والنوم بين ذراعيه كما عودها أن يفعل ، قلبها يلح عليها كطفل صغير يلح على شئ يحبه وهي تعانده ولكن إلى متى ستصمد الأم أمام عويل وبكاء طفلها ، ما يمنعها من الاقتراب منه هو خجلها القاتل وحيائها منه فمازالت تستحي منه ، ولكن حدّثها عقلها قائلًا بغيظ في حزم " إلى متى سيستمر خجلك هذا، تقولين إنكِ تريدين أن تفوزي بقلبه ، كيف ستحظين به وأنتِ تخجلين من النظر إلى وجهه حتى ، أن أدرتي شئ فيستوجب عليكِ أن تضحي بشئ لتحصلين على الأخر والآن أما أن تضحي بخجلك وأما أن تضحي به هو ! أنتِ أختاري " أقتنعت تمامًا برآي عقلها وكأنها أول مرة يجتمع عقلها مع قلبها على شئ واحد ، وقررت أن تأخذ وتفعل برآيه فاقتربت منه وأبعدت ذراعه عن صدره ووضعت رأسها بدلًا عنه فوضع يده على ظهرها يضمها إليه بتلقائية ويحدجها بشبه دهشة فهي عادة تخجل من أقل شئ كيف جرؤت على أن تفعل هذا ، قال بريبة :
_ ملاك إنتي كويسة؟!!!

هزت رأسها بإيجاب في صمت وقد بدأت تخجل بالفعل وتندم وكأن عقلها كان يريد أن يضعها بالموقف لتقرر هي ! ، فتابع هو باستغراب :
_ متأكدة يعني ! ، أصل غريبة الصراحة إن...

قالت مقاطعة إياه تريد القضاء على خجلها وأن تخلق جوًا مرحًا :
_ مش إنت اللي عودتني إني أنام في حضنك يبقى تستحمل بقى!

قهقه بقوة تلك المرة ليجيب بمكر رجولي فاق مكرها المحدود :
_ لا براحتك ياجميل هو أنا جبت نفس ولا اعترضت ، ده على قلبي زي العسل!

" لا لا لا أستطيع تحمل كل هذا أن تفوه بكلمة أخرى سأفقد وعي من الخجل ، ماذا تفعلين تحاولين التذاكي على هذا الماكر اللئيم ! " ، هتفت بتلك الكلمات لنفسها بعد ماقاله وهمت بأن تبتعد فشدد على ظهرهها بذراعه يجبرها على عدم التحرك غامزًا لها بعينه في خبث أكثر :
_ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه ، نامي ياملاك نامي أحسلك

شعرت بالخطر من كلماته وأغمضت عيناها فورًا بخوف ، أكثر ما توقعته هو أنه سيغضب عليها ولكن لم تفهم مقصده جيدًا فهو يريدها أن تنام قبل أن يفقد سيطرته أمام تلك الساحرة الصغيرة ، التي بدأت تسيطر عليه في كل شئ وبدأت بالفعل تفقده سيطرته على نفسه وهو رجل لا تؤثر فيه أي امرأة مهما كانت ، ما كانت تؤثر به هي زوجته فقط لشدة حبه لها والآن بدأت تلك الماكرة بفعل هذه الجريمة به من دون أن تشعر .....

***
استيقظت ليلى في الصباح على صوت الطرق القوي على الباب ، فلفت حجابها على شعرها وهرولت لتفتح بذعر وعندما رآت خادمتها كادت أن تصفعها على إفاقتِها بتلك الطريقة الهمجية لولا قوله المرتعد :
_ الحقي يا هانم روان طليقة مراد بيه عند الباب ومصممة تدخل تشوفه تعالي شوفيها بسرعة قبل ما يصحي البيه ويشوفها

شهقت بهلع وقد تحولت ملامحها وأظهرت الوحشية وهي تسبقها لها ، تسير نحوها كالثور الهائج وحين وصلت قبضت على ذراعها وهتفت بنبرة منخفضة تحمل كل معاني الغضب :
_ إنتي بتعملي أيه هنا ؟! ، امشي غوري يلا

دفعت يدها عنها بعنف وهي تقتصد رفع صوتها وتقول بنبرة متحدية :
_ مش همشي يا ليلى غير لما أقول لمراد على كل حاجة ، خليه يعرف حقيقة أمه اللي حتى لو اتجوز تاني مش هتخليه يتهنى في حياته بسبب حقدها وغلها ياشيخة ده حتى أُسيد مش سيباه في حاله إنتي أيه أتقي الله بقى !

قبضت على يدها تفعصها بين يداها بقوة وتضغط عليها حتى كادت أن تصرخ من الألم ، لن تدعها تخرب علاقتِها مع ابنائها ، تلك الفاجرة تتحداها .. أوشكت على الصراخ منادية عليه لولا يدها الآخرى التي قبضت على فكها وتقول بقسوة :
_ هتمشي ياروان من هنا بالذوق بدل ما أخليكي تمشي ندمانة إنك جيتي وعلى الله تتكلمي مع مراد في حاجة وإلا هنفذ تهديدي وإنتي عارفة إني أقدر أعمل كدا بسهولة جدًا

أجابتها بصوت باكي وأعين تسبح بها العَبرات ووجه متحسر وشاحب :
_ إنتي مستحيل تكوني أم ، خربتي بيت ابنك وخلتيه يطلقني ظلم وابتزتيني ، سيبك مني مش بيصعب عليكي ابنك اللي دايمًا مدايق وحاسس بالندم أنه وثق فيا وأنا خنته ، أنا خنته فعلًا إني قبلت على حاجة زي كدا ومقولتش أن أمك هي السبب في كل ده .. أنا عارفة أنه حتى لو عرف الحقيقة مستحيل يرجعلي بس على الأقل هحذرهم منك لإنك مش بعيد تعملي مع مرات أُسيد كدا ، إنتي مريضة بجد وعايزة تتعالجي !

دفعتها بعنف للخارج فسقطت على الأرض وهي ترمقها بوجه ممتلئ بالدموع فتقابل دموعها بمزيد من الجفاء قائلة :
_ أنا قولت اللي عندي ياروان لو فكرتي تقولي حاجة لمراد إنتي المسئولة عن اللي هيحصل لأختك الصغيرة

ثُم أغلقت الباب بقوة في وجهها فرفعت نظرها إلى غرفته وبكت بكاءًا مرًا بحسرة وألم ليتها لم تقبل بمَ هددتها به وقالت لزوجها ، كانت لن تستطيع أذيتها بشئ ولكانت هي الآن مازالت بصحبته ومعه ولم تفارقه ، فرّقتهم عن بعضهم وقعطت الكف عن الذراع وتركت الكف بمفرده ملقي والذراع يتألم لفراق قطعة منه ، ولكن الذراع بدأ يتأقلم مع الوضع ووجد كفه الآخر الذي يعوضه عن فقدانه للكف الآخر ولكن الكف فلن يجد ما يعوضه عن فقدان ذراعه مطلقًا ، " لينتقم الله منها ويأخذ حقي منها بأشد عقاب " تفوهت هي بتلك الكلمات في نفسها وهي تجهش بالنحيب والبكاء .. تتذكر كيف قضت أيامها السعيدة معه ووصلت لذروة حبها له ، تذكرت طفلها الذي كان سيجعل بينهم حلقة وصل حتى بعد طلاقهم كيف كان سيذكرها بأبيه ولكنها لم تكتفي بإظهارها خائنة بل فعلت بها جريمة أخرى وأجهدت طفلها عنوة حتى تظهرها أمامه بجريمة أخرى وهي قتل طفلهم التي كانا ينتظراه بفارغ الصبر ، ولكنها تعلم أن مراد إن سامح أمه على إتهام زوجته بالخيانة لم يسامحها على قتلها لطفله ! ...

***
كانت تجلس تنظر يمينًا ويسارًا تتفقد الخارج والداخل من المقهي لعله يكون بين أحدهم وأخيرًا ظهر من بين الداخلين وبمجرد أن رآها أسرع نحوها وجلس أمامها يقول باستغراب في قلق :
_ في أيه يازمردة ؟ ، إنتي كويسة جايباني من الصبح كدا ليه ؟

_ ملاك قاعدة في بيت عمي صح ؟

أماء له بإيجاب متعجبًا يسترسل منها الكلام فتابعت هي بارتياح :
_ الحمدلله ، أُسيد خلي بالك الفترة دي على ملاك جدًا ، أكرم كلمني وهددني كان عايزني أشترك معاه في خطفه لملاك وأنا رفضت وقالي إني لو قولتلك هيعرف وأنا حاسة أنه مراقبني علشان كدا جاية من غير ماحد يحس وفي الخِفى

رأت قسمات وجهه التي تحولت إلى جمرة من نار مشتعلة وأوشك على حرق الجميع بها ، ذلك الوغد لن يهدأ إلا حين أن يقبض روحه ، مازال يحوم كالثعبان حول زوجته وسيأتي اليوم التي سيقطع رأس هذا الثعبان ، أجاب شبه منفعلًا :
_ هاتي الرقم اللي أتصل منه عليكي يازمردة

أخرجت هاتفها وأملت عليه الرقم فسجله بهاتفه وهو يهمهم بخفوت متوعدًا يلقي بعض السباب عليه فقالت هي بقلق :
_ هتعمل أيه ؟

_ هاخد روحه إن شاء الله ، هعمل أيه يعني يازمردة!

صمتت قليلًا وزفرت بيأس زامة شفتيها للأمام بعدم رضا ثُم قالت بشفقة وحزن شديد :
_ سارة عاملة أيه دلوقتي ، مروان قالي أمبارح وأدايقت جدًا والله لدرجة إني قعدت أعيط عليها

قال في ضيق وخنق ممزوجين بالغضب والتوعد :
_ لا بتاكل ولا بتشرب والكلام مبتتكلمش مع حد ، بس هيروح منينا فين ... هنجيبه لو نزل سابع أرض وأنا تقريبًا قربت أوصله أساسًا

_ ربنا ينتقم منه يارب ، بس سارة غلطانة إزاي تروحله البيت ؟

_ لو مكنش ده حصل وكنا لحقناها منه كانت هتشوف اللي هيحصلها منينا بسبب اللي عملته احنا اللي مخلينا مش قادرين نعملها حاجة وضعها وهو على كدا جدي وعمي بنحوشهم عنها بالعافية

ظهر العبوس والخزي على وجهها فما عاشته تلك المسكينة صعب تحمله على أي فتاة وجدته يهب واقفًا وهو يقول بصلابة :
_ يلا علشان أوصلك لإني معايا شغل كتير ومتطلعيش من البيت وحدك تاني يازمردة يا أما تطلعي مع مروان يا أما بلاها طلوع خالص

هزت رأسها بالموافقة في عدم اعتراض فلا تجرؤ على قول " لا " له فهو بمثابة مروان وكما هي لا تجرؤ على مخالفة أوامر أخيها لا تجرؤ على مخالفة أوامره يكفي أنه كان بجانبهم دائمًا في حياة والدتها ولم يتركها هي أو ملاك ، جال بخاطرها وهي تسير بجوراه ريان وكيف هو حاله الآن ، بتأكيد أنه داخل صدمة قوية وقلبه يحترق من الغيظ والغضب والحزن على شقيقته ، أشفقت عليه بشدة فهو مازال لم تهدأ نيران قلبه من فراق حبيبته والآن ازدادت اشتعالًا بفجيعة شقيقته ....... !

***
في مساء ذلك اليوم يجتمعوا رجال العائلة جميعهم في غرفة واحدة يتبادلون الأحاديث حول تلك الحادثة ومنهم من يهدأ ويهب واقفًا ويصيح بغضب عندما يسمع رأي أحدهم الذي لم يعجبه ، فخرج صوت محمد بنبرته القاسية :
_ وهي الفاجرة دي كانت مستنية أيه لما تروح لراجل غريب البيت ورب العزة أنا لولا وضعها ده كان زماني دفنتها في أرضها

لم يود ريان أن يجيب على جده وينتظر من أبيه أن يجيب عليه بما يسكته تمامًا ولكن كان أبيه مؤيد لرأيه فا في رأيه ما فعلته ابنته خطأ لا يغتفر وسيحاسبها عليه عاجلًا أم أجلًا ، وحين وجد أبيه يلتزم الصمت فأتخذ هو موضعه في الحديث ليقول بتحذير :
_ جدي بلاها الكلام ده دلوك وعلى الله حد يتكلم قدام سارة بالحديت الماسخ ده ولو شميت خبر أن حد دايقها بالكلام حسابه معايا أنا وحتى إنت يابوي

قال كلماته واستدار وغادر فورًا قبل أن يفقد سيطرته على الأمر فصاح محمد بانفعال :
_ شايف ولدك وتربيتك ياثروت !

لم يكن حديثه يوافقه أي من الجالسين كان أُسيد ينظر لجده بأعين متقدة ومروان بخنق وضيق أما مراد فكأنه في عالم آخر ينتظر اتصال هاتفي سيأتي في تلك اللحظات فغدًا اليوم الثاني ولم ينسى وعده لها ، جميع من جالس في تلك الغرفة يبحث عن ذلك الحيوان بكل مكان ولكن من الواضح أن السر في مراد ! ، هب أُسيد واقفًا وهو يقول بصوت رجولي قوي :
_ لو خايف على العار أوي كدا يبقي مش وقته نتكلم في موضوع سارة وإنها غلطت ومعرفش أيه ونشوف ... اللي عمل كدا في أنهي داهية

وكذلك الثاني غادر مجلسهم منفعلًا فيأخذ مروان نصيبه ويقف يقول موجهًا حديثه تلك المرة إلى عمه قائلًا بسخرية واستهزاء :
_ بدل ما إنت قاعد إكده ياعمي أنا بقول تروح تشوف بتك تتطمن عليها وتهديها اللي مبتاكلش ولا بتشرب ، أنا مش شايف إنك هامك جوي تجبلها حقها

صفي المكان على ثروت ومحمد ومراد الذي أخيرًا جائه الهاتف فاندفع إلى الخارج يجيب متلهفًا :
_ أيوة عملت أيه ؟

_ جبتلك مكان الرقم اللي ادتهولي يابيه وهبعتهولك في رسالة

ابتسم بمكر وقد لمعت عيناه بوميض مخيف لا ينم عن خير قط ، وعدها والآن يوفي بوعده .. ينتظر اللحظة التي يقع فيها ذلك الوغد بين يديه يقسم من الآن أنه لن يتركه إلا حين ينهيه ، سلب عذرية وأنوثة تلك المسكينة وسيسلبه الآن هو رجولته سيريه كيف يكون مفهوم الرجولة الحقيقي .. قال بوجه بشوش :
_ عفارم عليك ، ابعت العنوان يلا

رآه أُسيد وهو ينطلق إلى الخارج ويصعد بسيارته فصاح بصوته الجهوري مناديًا عليه فلم يعيره أي أهتمام ، اندفع الآخير مهرولًا إلى سيارته وانطلق خلفه بعد أن شك في الأمر فأن ترك ذلك الأحمق بمفرده سيقتله لا محال ويلقي بنفسه إلى التهلكة .... !!

***
كان كُل من زمردة وأسمى وملاك يلتفون حولها يحاولون إقناعها بأن تتناول ولو شئ بسيط ، وهي كجماد لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم أو يتحرك حتى وكلما تتذكر تلك اللحظات في أوقات فراغها تدخل في نوبة صراخ عنيفة ولا يستطيع تهدئتها أحد ، والآن هي شئ جامد ليس به روح كدمية ! .. تنهدت ملاك بيأس ثُم نظرت إلى زمردة وأسمى وقالت بخشوع :
_ سيبونا وحدينا معلش يمكن أعرف أقنعها

نهضت زمردة وهي تومئ بودٍ أما أسمى فكانت نظرتها الحقودة كافية لتعكس مابداخلها من كره وبغض ولكن أضطرت للخروج مع زمردة .. ثُم اقتربت هي منها ومدت يدها تملس على شعرها وتهمس بخفوت جميل ومحب ممزوج بالدفء والحنان :
_ فاكرة كنتي تردي عليا بإيه ياسارة لما كنت أقولك هو أنا ليه بيحصل معايا كدا اشمعنى أنا ، كنتي تقوليلي ربنا مبيتقلهوش اشمعني لأنه مستحيل يعمل حاجة يأذيكي وحتى لو الحاجة دي أذتك بيكون اختبار منه عايز يعرف مدى حبك وتمسك بيه وأكيد هو شايلك حاجة جميلة وكنت بعمل زيك كدا كنت بقعد بالأيام ماكلش بس في الآخر كلامك طلع صح وربنا كرمني أهو بأسيد وعوضني ، عارفة إن اللي حصل ده حاجة صعبة على أي بنت بس ربنا بيمتحنك ومش الكل بينجح في الامتحان فخليكي من الناس اللي بتنجح وبتتعب وربنا مش هيختبرك إلا لأنه بيحبك .. يلا بقى كلي ومتسبيش حقك وبلاش تقسي وتبعدي عن ريان كدا ده أخوكي ومحدش هيحبك قده ويخاف عليكي ده هو مسبش مكان إلا ودور فيه على الحيوان ده

نظرت لها بمقلتين غارقتين في الدموع وقد بدت وكأنها اقتنعت بكلامها وبالفعل حين مدت يدها بالطعام لها تناولته بصمت دون أن تتفوه ببنت شفة ، فابتسمت هي براحة وحب أخوي شديد ، فهي وزمردة أكثر من مجرد ابناء خال بل شقيقاتها التي لم تلدهم أمها .

***
خرجت زمردة من الغُرفة وبينما هي في طريقها إلى الخارج لكي تذهب مع أخيها الذي ينتظرها في سيارته فالتقت بريان الذي وقف يحدق بها متعجبًا ويقول بصلابة :
_ أيه إنتي ماشية ولا أيه ؟!

قالت بإيجاب في رقة مثبتة نظرها في عيناه التي تكاد تذرف الدماء من عدم نومه وتعبه :
_ أه مروان مستنيني في العربية قالي هيوصلني البيت ويرجع تاني

قال بوجه شاحب وبائس في أهتمام :
_ أكلت حاجة ؟

هزت رأسها بالنفي بوجه عابس وحزين لتجيب بتفاءول :
_ لا للأسف بس ملاك طلبت منينا نطلع ونسيبهم قول يارب تكون أقنعتها

صمتت قليلًا لتهمس بأعين حانية ومتضايقة في أهتمام بسيط ، وكأن قلبها أصدر إشارة لعقلها أن يقول ذلك الكلام وهي غير واعية فقط أرادت أن تخفف عنه ولو بكلمة بسيطة ، فقلبها يتمزق من الحزن والشفقة عليه وعلى وضعه المزري :
_ متدايقش نفسك ياريان هتاخد فترة وهتبدأ تاكل وتهدى ، وإن شاء الله الحيوان اللي عمل كدا هيتمسك ويتعاقب على اللي عمله ، واضح إن حتى إنت مش بتاكل أمال هتقدر توقف على رجلك إزاي وتبقى جنبها وتجبلها حقها وإنت مش بتاكل

_ وهو حد ليه نفس ياكل يازمردة ، على العموم متقلقيش مش هيحصلي حاجة إلا بعد ما أخد روحه ال... ، روحي يلا علشان متتأخريش على مروان

***
ترجل مراد من سيارته وهرول إلى ذلك المبنى يصعد الدرج ركضًا قاصدًا طابق معين وشقة بعينها وكان أخيه يتبعه وهو لا يفهم مايفعله حتى وإلى أين ذاهب ، وقف أمام الشقة المقصودة وبقبضة يده الفولاذية ضرب على الباب بهمجية تفزع النائم ، ثوانٍ وكانت تفتح له بقسات تنم عن نفس منزعجة ومذعورة وتحول الذعر إلى رعب حقيقي حين رآته يحملق بها مبتسمًا بلؤم ويهتف :
_ اسم الله عليكي لونك اتخطف كدا ليه متخافيش ده أنا جاي علشان اتسلى بس وهتتسلي معايا متقلقيش !

_ مراد !

_ يتبع .........


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close