اخر الروايات

رواية سلوان الفجر الفصل الثامن عشر 18

رواية سلوان الفجر الفصل الثامن عشر 18


الثامن عشر: معتقدات في جوف إنسان

                                              

"في جوف إنسان، آياتٌ تكفي لمن شاء أن يؤمن" 

6


يمكن للطمأنينة أن تحمل بين طياتها خوفا خافتا، لذلك لم تدرك أن الإقتراب منه يشبه العبور إلى وطن تخشى أن تفقده 

2


__________________

+


اليوم التالي 

+


في موقف الحافلة المؤدي إلى جامعة الملوك، وقف إيلياء راخيا عضلاته بعدما نزل من سيارة أجرة، ثم راح يتمتم متذمرا

1


" لقد أخذ كل مفاتيح سياراتي، كيف يترك أخاه الوحيد يركب المواصلات وهو صائم "

10


أخرج منديلا من جيبه عندما لاحظ لطخة طين على حذائه ثم انحنى لمسحها

1


" أقسم أنني لن أتحمل كل هذا، سياراتي الجميلات كم اشتقت لهن" 

5


استقام بجسده مرة أخرى وأعاد المنديل لجيبه

1


"في المرة القادمة سأنهض باكرا وأذهب مع حور، هذا هو الحل الأخير"  

4


لحظتها وصلت الحافلة أخيرا، لكنها كانت ممتلئة لدرجة لا مسافة تفصل بين الطلاب الراكبين فيها، بالاضافة إلى صف المنتظرين خارجا

1


وقف إيلياء متصنما في مكانه وكأن عيناه تتحكم في نفسها كي لا تفيض، راح يحدق بالفوضى أمامه غير مصدقا أنه مجبرا على الركوب وحجز مكان لنفسه، أرخي فكه من فرط الصدمة عندما بدأ الآخرون في ركوب والالتطام به حتى سمع صوتا أنثويا ساخرا من خلفه 

1


" يبدو أن هناك طفلا صغيرا غير معتاد على الحافلات سيبكي عن قريب  "

11


كانت بريجيت وهي تمر من جانبه ورغم ما تفوهت به إلا أنها لم تنظر له وكأنها لا تعنيه، ما جعله يرد

+


"هل تقصدينني؟" 

2


رمته بنظرات جانبية ساخرة 

+


" من أنت؟  هل أعرفك؟ "

2


قبل أن تسمح له بالرد أضافت 

+


" ااه أنت من وقعت معه عقدا أن لا نتكلم ولا تقابل بعض لذا قطعا أنا لا أقصدك، ولكن يبدو أنك ستبكي أيضا  ! "

8


تقدم قليلا وأشار لها سبابته 

+


" شوكولاتة مرة احمدِ ربك أنني صائم "

1


رفعت حاجبيه بغير مبالاة وأكملت طريقها 

+


" دع الحافلة تفوتك أيها صائم واجلس تبكي لأنك مدلل اعتاد ركوب السيارات " 

2


ركبت من الباب الخلفي بسلاسة وكأنها معتادة على ذلك ودخلت بين الطلاب، أما هو كان آخر وحد يركب بعدما أن وجد صعوبة في فعل ذلك، يبذل جهدا كي يجد مكانا يقف فيه فقط 

+



                
أقلعت الحافلة بعدما وجد إيلياء مكانا بجانب بريجيت الواقفة أمامه والتي لم تلحظه، وفور الاقلاع كاد أن يسقط لكنه تمسك بشخص خلفه 

1


بعد لحظات توقفت الحافلة عندما صرخت أحد الطالبات الجالسة على كرسي بين بريجيت وإيلياء 

1


"توقف أرجوك نسيت شيئا"  

+


نزلت الفتاة بسرعة، وعندما كانت بريجيت بصدد الجلوس مكانها سبقها إيلياء وبحركة سريعة جلس، نظرت إليه بغير رضى رافعة حاجبيها بينما ترشقه بنظراتها المخيفة، لكنه قابلها بإبتسامة جانبية ساخرة وصرح

5


"أنا أومن بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة لذا تستطيعين تحمل الوقوف كما أستطيع أنا، كما أنه يبدو عليك أنك معتادة على هذا، كما أنني صائم أشعر بدوار لا أستطيع الوقوف كثيرا" 

12


تنهدت بنفاذ صبر ورمته بنظرات تهديدية دون التفوه بحرف واحد التزاما ببند العقد الذي بدأ يخلفه هو شيئا فشيئا 

+


أشاحت نظرها عنه حتى سمعت صوت رجولي يناديها، التفتت إليه وكان صادرا من الكرسي خلف إيلياء حيث كان يجلس شابا ذات بشرة سوداء وشعر قصيرا، طويل القامة بعيون بنية قاتمة 

+


نهض الشاب من مكانه معطيا لها الإشارة بالتقدم 

4


" تفضلي! "

+


رفعت حاجبيها عندما لمحته وكأنها عرفته، وروديا روديا نمت على ثغرها ابتسامة خفيفة 

4


" آرثر!  "

5


بادلها الابتسامة هو الآخر وأومأ لها قبولا لتتحرك وتجلس في مكانه 

2


" شكرا لك " 

+


تبادلا حديثا صغيرا حتى وصلت الحافلة بعد ربع ساعة للجامعة حيث نزل الجميع متوجه لأقسامهم منهم بريجيت وإيلياء حيث وضع كوب القهوة المثلجة على طاولتها ثم جلس في مكانه خلفها دون ان يتفوه بحرف 

7


أما هي نظرت إليه عندما وصلت لمكانها ولاحظت القهوة، لكن سرعان ما جلست  وبينما كانت  تضع أغراضها على الطاولة وقفت صديقتها أمامها وضحكت ثم قالت

+


" هل كان ذلك آرثر حقا؟ "

+


همهمت بريجيت بنعم ولكنها لم تلتفت نحوها 

+


"نعم" 

+


"ماذا يفعل هنا؟  ألم ينهي دراسته؟" 

+


وضعت كتابها جانبها وردت مدعية عدم المبالاة 

+


" عاد كأستاذ مساعد " 

+



        

          

                
" هل ستعود صدقاتكما كالماضي؟ "

4


هذه الجملة وصلت لمسامع إيلياء ولفتت انتباهه ما جعله يرفع ناظره ناحيتها، أما بريجيت تغيرت ملامحها للجدية ورمت الفتاة بنظرات تهديدية 

6


"صداقتنا انتهت منذ ثلاثة سنوات بالفعل، لذا لا تفتحي الموضوع ثانية"  

2


" حسنا ما بك انفعلت كان سؤالا فقط، على كل حال كان أذكى شخص بالجامعة سيكون أستاذا جيدا "

+


لحظتها دخلت حور خلفها صليبا وآرثر، حيث وقفت تقابل الطلاب وهما بجانبها ببعد خطوات، مررت نظراتها عبر الجميع ثم نحو الصليب الذي بدوره بدأ يخاطب الطلاب 

1


" حسنا بما أن الأستاذة حور لديها الكثير من الأقسام وأعطيتها مهاما أخرى، جئت اليوم لكن بأستاذ مساعد جديد،  وستنقسم مهاهما كتالي "

2


أشار لحور وأضاف 

+


" ستدرسكم الآنسة حور أنثروبولوجيا الأديان "

3


أشار لآرثر وأكمل 

+


" وسيدرسكم السيد آرثر الأنثروبولوجيا الثقافية "

+


كانت بريجيت في تلك الأثناء محنية الرأس وصديقتها لا تزال واقفة بجانبها، وإثر سماع هذا الإسم حركت رأسها مباشرة نحوه ثم وسعت مقلتيها على مصرعها عندما تأكدت أنه هو، نفس الشاب الذي وقعت في حبه وكان صديقها الوحيد منذ سنين، بقيت على تلك الحالة لثواني معدودة غير مصدقة أن هذا يحدث فعلا لكن سرعان ما استدركت الوضع عندما سمعت والدها يقول 

2


" ستكون حصته مرة في الأسبوع فقط، وسيكون مسؤولا على مشاريع تخرج بعضكم"

+


ابتسم وأشار لآرثر مرة أخرى 

+


" تعرفون قوانيني صحيح؟  لذا سيبدأ السيد آرثر الدرس اليوم، وسأكون أنا والآنسة حور مجرد متفرجين " 

+


أومأ آرثر رأسه متفهما، ليتقدم صليبا للمقاعد الأمامية وخلفه حور، جلس منظما المقعد بجانبه متوقعا أن تجلس هناك، لكنها ابتعدت لتجلس بالمقعد خلفه، ورغم ذلك لم يبدي أي ردة فعل بل أحنى رأسه وضحك بخفت، ثم راح يركز مع حديث آرثر 

5


أما آرثر فقد تقدم نحو السبورة ورسم دائرة ثم كتب داخلها كلمة <ثقافة>  والتفت بعدها نحو طلاب 

+


"ما هي الثقافة؟ البعض يظن أنها الموسيقى، اللباس، الطعام، أو مجرد مجموعة من العادات والتقاليد والفنون"

+


أشار لحور وأضاف 

+


"أظن أن سيدة حور تطرأت لبعض هذه الأمور بالفعل من قبل لكن...."

+



        
          

                
ابتسم وصمت لثواني ثم أكمل شرحه 

+


" لكن الثقافة أعمق من ذلك بكثير.
الثقافة هي العدسة التي نرى بها العالم. هي الطريقة التي يفكر ويتصرف بها الأفراد والمجتمعات، وتشمل مجموعة من القيم والمعتقدات والممارسات التي تميز كل مجتمع عن غيره،  هي كلُّ ما يضيء العقل، ويهذّب الذوق، وينمّي موهبة النقد "

1


نظر إلى أحد الطلاب وسأله

+


"هل منكم من ظن يومًا أن عادات قوم آخرين ‘غريبة’؟"

+


ضحك البعض وهمهم البعض الآخر بتفهم 

+


"لن نصف شيئًا بأنه غريب بعد الآن، بل مختلف. وسنسأل دومًا لماذا؟"

+


مشي بين الصفوف ببطء بينما يحرك ناظره بين الطلاب، لحظتها اصطدمت عيناه برماديتي بريجي التي كانت منبرهة بأسلوبه ومدى رزانته، أما هو بدى عليه الاندهاش قليلا لكنه ابتسم وتجاهل الأمر وكأنه لا يعرفها 

1


أما إيلياء شعر بشيئ ما عندما كان يمرر نظراته بين بريجيت وآرثر ولاحظ تلك الشرارة بينهما، لكنه تجاهل الأمر ليكمل الاستماع للحديث 

6


"في الأنثروبولوجيا الثقافية، لا نحكم، بل نلاحظ. لا نسخر، بل نحلل، نحن نبحث في كيف تُبنى المعاني، ولماذا يؤمن الناس بما يؤمنون به، وكيف تحدد الثقافة من نكون."

+


عاد لمكانه وتوقف أمام السبورة، ثم رسم خطًا أفقيًا يمثل <الزمن> 

+


"سندرس قبائل لا تعرف الكهرباء، وحضارات انهارت قبل أن تُكتشف أمريكا، ومجتمعات رقمية لا تعترف بالهوية الجغرافية. كلهم بشر، وكلهم يحملون شيئًا نستطيع أن نتعلمه."

2


ثم ختم حديثه قائلاً بعدما رفع سبابته للأعلى

+


"أطلب منكم شيئًا واحدًا فقط أن تتركوا أحكامكم عند الباب" 

+


أشار للباب وأكمل 

+


"وأن تدخلوا هذا الصف بعقل مفتوح، وقلب فضولي"

+


وعندما كان بصدد الالتفات أتاه صوت الإيلياء الساخر 

+


"ألم تطلق علينا أحكاما قبل قليل عندما قلت «"هل منكم من ظن يومًا أن عادات قوم آخرين ‘غريبة’؟» 

+


كان سؤال إيلياء مستفزا بعض الشيئ لكنه قابله بضحكة خافتة ثم قال

+


" حسنا سيد.... "

+


"إيلياء" 

+


قاطعه إيلياء ليبتسم الآخر ويرسل له غمزة ساخرة

2



        
          

                
" حسنا سيد إيلياء ذلك كان سؤالا فقط وليس إطلاق أحكام " 

+


لحظتها استقام صليبا بوقار وتقدم بخطوات ثابتة نحو آرثر واقفا بجانبا ملتفة للطلاب 

+


"  أظن أن هذا يكفي كبداية للسيد آرثر"

+


صفق مرتين وأضاف

+


" كانت بداية موفقة "

+


بسط ذراعه مشيرا لحور وابتسم بخفت 

+


" لمقارنة بسيطة بين المادتين، ستقوم سيدة حور بتمهيد على ما ستقوم بتدريسكم إياه "

+


لحظتها تنهدت حور بعمق ثم انضمت إلى ثلاثتهم 

+


" حسنا، كان هذا درس مخططا للأسبوع القادم لكن يبدو أنني سأعطيكم لمحة عنه اليوم"

+


همهم صليبا بتفهم وعاد أدراجه لمقعده يجلس آرثر بجانبه، لحظتها بدأت حور درسها 

+


"شكرًا دكتور صليبا ، وشكرًا للدكتور  آرثر 
الآن دعوني آخذكم إلى زاوية أخرى من زوايا الثقافة.،  الزاوية المقدسة."

+


اقتربت من السبورة ورفعت قلما ثم دونت <أنثروبولوجيا الأديان> بينما تتحدث 

+


"الدين لم يوجد في الهامش قط، بل كان في قلب الثقافة" 

+


التفت نحوه الطلاب وأضافت 

+


"في هذا الفرع من الأنثروبولوجيا، لا ندرس العقائد لنؤمن بها أو نرفضها، بل لنفهم كيف يشكّل الدين الطريقة التي يفكر بها الإنسان، يتصرف، ويعيش."

+


التفت مرة أخرى وكتبت تحت العنوان بينما تتحدث <لماذا نؤمن> 

+


"سؤال بسيط  لكنه جوهري"

+


قابلت الطلاب مرة أخرى وتقدمت قليلا للأمام 
طلبت من أحد الطلاب اطفاء الأنوار بينما تفتح حاسوبها ثم ربطتته بعارض الصور لتبدأ صور بالمرور واحدة تلوى الأخرى

+


كانت صورة لطقس هندوسي في نهر الغانج وصورة لكنيسة قبطية في مصر. ثم صورة لمسجد أثناء صلاة الجمعة بعدها صورة لقبيلة أمازونية تؤدي طقسًا روحيًا حول النار

+


توقفت عن عرض الصور وقالت

+


"هذه ليست مجرد شعائر، بل أنظمة من المعنى.
في أنثروبولوجيا الأديان، نبحث في كيف تنشأ الطقوس؟، لماذا يخاف الإنسان من المجهول؟، كيف تُستخدم الأساطير لشرح الحياة والموت؟، ما الفرق بين الدين كإيمان، والدين كمؤسسة اجتماعية؟"

1


رفعت ناظرها نحو الطلاب وبعفوية التقت بندقيتيها برماديتي صليبا، وعندما كان الجميع يحدق بالصور المعروضة كان هو يصب كل اهتمامه بها، وكأنها كانت الدرس الوحيد الذي يريد أن يحفظه، لم يدرك ما يحدث حتى لاحظ استغرابها ليستيقظ من نزوته ويشيح ناظره نحو الصور 

7



        
          

                
أما هي شعرت بشيئ غريب واستغربت لنظراته لكنها تجاهلت الأمر وأكملت شرح درسها 

2


"مشروع هذا الفصل سيكون بسيطًا مثيرًا، 
سنقارن كيف تنظر ثقافتان مختلفتان إلى مفاهيم مثل الخلق، الموت، الطهارة، الخطيئة، والغفران
هل هناك فرق بين أن تصلي لأنك تؤمن، وبين أن تصلي لأن المجتمع يُملي عليك؟"

3


ختمت حديثها قائلة 

+


"أنثروبولوجيا الأديان لا تجيب عن سؤال ‘من على حق؟’ بل تسأل ‘لماذا نحتاج أن نؤمن بشيء؟’
وهذا ليس سؤالًا سهلا أبدا لكنكم ستفهمونه في نهاية سنة دراسية "

+


أغلقت حور حاسوبها وتحركت لتشغيل الأضواء لحظتها نهض من مقعده واقترب منها ناظرا إليها بإعجاب، ربما إعجاب بثقافتها وثبات مبادئها وكيف تغوص في درسها دون أدنى تكلف، أو بها! 

+


"شكرًا آنسة حور" 

+


كانت بريجيت مستغربة لما يفعله وحضوره الدرس كل مرة لكنها تجاهلت الأمر كالعادة 

1


أما هو التفت نحو الطلاب وخاطبهم بنبرة رسمية

+


"هل تعلمون سبب حضوري هذا صف دائما!" 

4


"هناك سببين،  الأول" 

+


رفع سبابته للأعلى  ثم رمى حور بنظرة جانبية وأضاف

+


" لا داعي لمعرفته، أما ثاني "

28


رفع وسطاه وأكمل

+


" كنت مدرسا لهذه المادة قبل أن أصبح مديرا، وحبي لها ليس له حدود لدرجة أتمنى لو حافظت على تدريسها ولم أصبح مديرها  ، لذا "

1


ابتسم بهدوء ومرر نظراته عبر الجميع 

+


"ليسمح لي سيد آرثر وسيدة حور بالتدخل قليلا واقتراح شيئ لهما" 

+


نظر لآرثر الذي أومأ له بنعم، ثم إلى حور التي همهمت موافقة ليكمل 

+


" ما رأيكم بتحدي فكري على هذه الدفعة مشروع بين مادتيّ أنثروبولوجيا الأديان والثقافة."

+


نظر إلى الزاوية حيث يجلس آرثر متكئًا بذقنه على يده، ليرد بابتسامة نصف ساخرة

+


"هل هذا يعني أنني سأشرح الثقافة فيما تسرق حور أرواح الطلبة؟"

6


تعالت ضحكات خفيفة من بعض الطلاب ليضيف صليبا 

+


"بل ستقود حور الجانب الروحي، وأنت يا آرثر ستقودهم إلى الجوانب الرمزية والتفاعلية داخل كل ثقافة."

+



        
          

                
نظر نحو الطلبة وأكمل 

+


"يتكونون أمام مهمة واحدة وستشاركون بها في حفل الجامعة الذي يعرض ثقافات مختلفة، ألا وهي أن تفهموا الفرق بين الدين كنسق رمزي، والثقافة كنسق سلوكي. وسيكون ذلك عبر بحوث مقارنة. مثلًا ما الفرق بين الغفران في المسيحية، والتوبة في الإسلام؟ أو كيف ترى قبيلة بدائية الموت مقابل رؤية حضارة كاليونان القديمة له؟"

1


أشار لحور وآرثر 

+


"وطبعا دروس السيدة حور وآرثر ستساعدكم، وكمكافئة للأجدر منكم ستكون لكم هدايا، سيحددانها هما" 

+


رفعت بريجيت يدها بحماس وسألت

+


"هل يمكن أن ندمج خلفياتنا الشخصية في البحث؟ أو علينا أن نكون موضوعيين تمامًا؟"

+


ابتسم آرثر عندما سمع نبرة صوتها وهمس

16


"تعشق التحديات" 

1


لتجيبها حور وترشقها بنظرة مشجعة

+


" سؤال ذكي من طالبتي المجتهدة، في الأنثروبولوجيا، الموضوعية ليست تجاهلًا للذات، بل وعي بها. يمكنك أن تدمجي تجربتك، لكن عليكِ أن تتعلمي كيف تنظرين إليها من الخارج فهمت؟ "

+


مال إيلياء بجسده قليلا وقال بنبرة متهكمة

+


"يعني أن نقف خارج أنفسنا، ونحلل إيماننا كأنه مادة تجريبية؟"

+


ضحك آرثر بخفت ثم التفت نحوه وأجابه هو هذه مرة

+


"ليس تماما. بل أن تدرك أن ما تعتبره ‘طبيعيًا’ قد يكون ‘غريبًا’ في ثقافة أخرى. وأن الغرابة نفسها مفهوم ثقافي."

1


رفع إيلياء مقلتيه للأعلى بإهمال وثنى شفتيه بعدم رضى ثم همس 

+


" من سألك أنت، لم ترق لي "

11


ابتسم إيلياء بإستفزاز ورد بنبرة ساخرة 

+


" ألم تخبرنا قبل قليل أن نستبدل كلمة غريب بكلمة مختلف؟ "

4


لم يتسنى لآرثر الرد فلحظتها قاطعهما صليبا وهو ينظر لساعته 

+


" لدي صف آخر علي حضوره، سأترككم مع سيد آرثر وآنسة حور "

1


خرج مباشرة مسرعا لتكمل حور الحديث 

+


"أمامكم أسبوع لاختيار ثنائياتكم وموضوعات المقارنة. قدموا المقترحات لي أو لسيد آرثر، وسيتم اعتماد أفضل خمسة مشاريع كبحوث عرضية في المؤتمر السنوي القادم.،  سيشارك أفضلكم في حفل الجامعي الذي يعرض الثقافات، للعلم هذه مشاريع ستكون خارج مشاريع تخرجكم لكن ستكون لكم نقاط اضافية" 

4



        
          

                
*
*
*

1


في جزء آخر من نيويورك حيث كان النهار في أوج سطوعه، والشمس تسكب ضياءها عبر تلك السحابات الرمادية التي باشرت في التجمع ، على طريق ذلك الشارع الذي لا يهدأ ، اصطفت السيارات وتعالت أبواقها بنفاد صبرٍ أمريكيّ 

3


عند ركنٍ من الأرصفة، غير بعيد عن موقف للحافلات العامة، نصبت مجموعةٌ من الشباب المسلمين منهم تليد وأباد طاولة خشبية بسيطة، تغطيها قطعة قماش بيضاء لا يعلوها زخرفٌ ولا ترف، سوى لافتةٍ عُلّقت بعناية كُتب عليها بحروف واضحة « اكتشف الإسلام  - اسأل ما شئت» 

7


وراء الطاولة، وقف تليد الذي تعلو وجهه تعابير  باسمة، يكسوه ثوب رماديّ فضفاض فوقه سترة سوداء وعيناه فاضتا هدوءًا وسكينة. إلى جانبه، كان أباد ذو الملامح الجادة المغمورة في ابتسامة بالكاد ترى يرتدي معطفا شتويا داكنا وعلى رأسه كوفية مطويّة بإتقان. أما ثالثهم، فكانت رقية ذات الحجاب كستنائيٍ الفضفاض ومعطفٍ طويل يلامس ركبتيها تمسك بين يديها كتيبًا بعنوان:«من هو محمد ﷺ؟» 

3


شابه المشهد أحد أحداث الفتوحات الاسلامية، كدعوة بيضاء في عالمٍ ماديّ، لا تُرفع فيها الأصوات، بل تتحدث الأرواح بالابتسامة والهدوء والنية الصافية. فوق الطاولة، رُتبت نسخ من القرآن الكريم مترجمة إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وُضعت بعناية بجوار كتيّبات مصقولة، عناوينها تدعو إلى التأمل «الله واحد لا شريك له»،«عيسى في الإسلام»،  «لماذا نصلي؟»،«كرامة المرأة في الإسلام»  وغيرها من العناوين التي تجذب الناظر إليها

1


في زاوية أخرى،كانت كلوديا التي ارتدت لباسا كلاسيكيا رمادي اللون فوقه معكف شتوي باللون نفسه لكن بدرجة أخف،تجهز كامراتها ودفاترها التي تدون عليها أهم النقاط  

1


أما المارّة كانو يتوزعون بين فضوليٍّ متوقف، ولا مبالٍ يمر كأن الطاولة سراب، وآخرين يترددون بين خوف واستفهام. لحظتها جاءت امرأة ذات شعر أشقر في منتصف الأربعين، نظرت نحو اللافتة بتوجّس، ثم تمتمت بشيءٍ لم يُسمع، وأكملت سيرها دون أن تلتفت. أباد وتليد غضا بصرهما،أما رقية فقابلتها بحسن خلقٍ صامت، وابتسامة ساكن ثم قالت بصوت شبه مسوع

+


"ليس علينا الهداية، حسبُنا أن نبلّغ."

3


في الزاوية أخرى وقف شرطي يرتدي سترة زرقاء داكنة، يراقب المكان دون عدائية،فهذا النوع من التجمعات لم يكن غريبا على مدينة تعرف الحرية بمعناها الدستوري، لم يتدخّل واكتفى بتمرير عينيه على المارة والطاولة، ثم مضى

+


وفي تلك اللحظة، تقدّم شاب في العشرينيات، يحمل كوبًا من القهوة، وسماعتين تتدليان من عنقه. توقّف أمام الطاولة، وقرأ اللافتة بنظرة لا تخلو من استهجان ثم قال مخاطبا أباد

+



        
          

                
"هل تؤمنون بأن يسوع هو ابن الله؟"

+


ردّ عليه أباد بهدوء فقد اعتاد على مثل هذه الأسئلة 

+


"نحن نؤمن بعيسى نبيًا كريمًا وعبدًا لله، وُلد من غير أب، بكلمة من الله وروحٍ منه، لكنه ليس إلها ولا ابن إله. أتحب أن نريك في القرآن ما قاله الله عنه؟"

+


تردد الشاب، ثم مدّ يده وتناول كتيبًا بعنوان «المسيح في القرآن»

+


"أنا أدرس الأديان  لم أكن أعلم أنكم تؤمنون بعيسى أيضًا."

7


"بل نُحبّه ونتّبع ما جاء به قبل أن يُحرّف."

+


حمل الشاب هاتفه ثم سأل 

+


" جئتم في الوقت المناسب، كنت في صدد البحث عن قصة آدم وحواء في الأديان، هل يمكنني طرح بعض الأسئلة عليكم وتسجيلها؟ "

+


حرك أباد رأسه موافقة وكذلك تليد

+


" سؤالي الأول ما هي قصة آدم وحواء في المسيحية؟ "

+


كاد أباد أن يتحدث لكن تليد قاطعه 

+


" أعلم أنك تعلم قصة، لكن لن يجيب عن هذا الا شخص منهم "

+


التفت نحو كلوديا وصرخ

+


"كلو تعالي أحتاجك قليلا" 

4


رفعت نظرها نحوه وابتسمت له ثم انصاعت لطلبه، اقتربت منهم وعندما وصلت أضاف تليد

+


" هل يمكنك اخبار هذا الشاب قصة آدم وحواء في معتقداتكم؟ "

+


أومأت رأسها بنعم ثم راحت تحكي

+


" خلق الله آدم أولًا من تراب الأرض، ثم أوقع عليه سباتًا وأخذ من ضلعه فخلق منه حواء، لتكون معينة له وشريكة كما قال في التكوين "فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ، وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْمًا... فَجَاءَ بِهَا إِلَى آدَمَ."، ثم وضعهما في جنة عدن، وأباح لهما الأكل من كل أشجار الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر. بعدها جاءت شيطان على شكل حية ، ووسوست لحواء، فأكلت من الشجرة ثم أعطت آدم فأكل أيضًا، انفتحت أعينهما بعدها وعلما أنهما عريانان، فشعرا بالخجل وسترَا نفسيهما، كما ذكر في التكوين « فقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا، وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ"، و لما علم الله بما فعلا، طردهما من الجنة، وفرض على المرأة آلام الولادة، وعلى الرجل تعب العمل في الأرض «فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.»  " 

8



        
          

                
صمتت لثواني وأضافت 

+


"العقيدة المسيحية الأساسية خصوصًا في الكاثوليكية والبروتستانتية  تؤمن بـ الخطيئة الأصلية أي أن خطيئة آدم انتقلت إلى ذريته، وأن الخلاص لا يكون إلا بيسوع المسيح وأعطيتك بعض الأدلة من التكوين"  

+


همهم الشاب موافقة وأطفأ التسجيل ثم أشعله مرة أخرى 

+


" ماذا عن الاسلام؟ "

+


حينها أجابه أباد

+


" في الاسلام. خلق الله آدم من طين، ونفخ فيه من روحه، وعلّمه الأسماء كلها ثم خلق حواء من آدم، وأسكنهما الجنة، وقال لهما «ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.) وذكر هذا في قران الكريم سورة البقرة 35، وسوس لهما الشيطان ليأكلا من الشجرة، فأكلا معًا، ثم أدركا خطأهما، فاستغفرا الله فقالا « ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.» وهذا ذكر في سورة الأعراف: 23، فتاب الله عليهما لقوله «فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍۢ فَتَابَ عَلَيْهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ» ولكنه أنزلهما إلى الأرض، ليكون فيها اختبار وعبادة"

+


صمت أباد فأضاف تليد 

+


"في الإسلام لا توجد خطيئة أصلية، بل آدم تاب وقُبلت توبته، وكل إنسان يُحاسب على أفعاله هو فقط" 

+


أوقف الشاب التسجيل مرة أخرى واشعله 

+


"إذا كانت حواء هي من خُدعت أولًا، وأُخرجنا بسببها من الجنة، كما تقول رواية المسيحين، فهل يُعقل أن يُحمَّل نسلها بأكمله ذنبًا لم يقترفوه؟ بل والأعجب، أن يُصلب إله حسب معتقدكم ليغفر خطيئة لم يرتكبها أحد سوى آدم!" 

6


صمتت كلوديا لسؤاله وعجزت عن الجواب، احمرت خجلا فسؤاله كان عبارة عن تشكيك لمعتقدات حملتها لسنين ورغم ذلك لم تعرف اجابتها، لذا عندما لاحظ تليد تعلثمها قال

1


"  أظن أن هذا يكفي للآن نحن اليوم لدعوة اسلامية لا لتشكيك بأي معتقد، إن أردت التعرف أكثر عن الإسلام خذ كتبا من تلك الطاولات، ودعوات لحضور ندوات الداعية الاسلامي هارتبيور أباد" 

1


أومأ الشاب بتفهم ثم عاد الجميع لعمله كلوديا تلتقط الصور وتحمل مسجل صوت لتسأل بعض المارين أسئلة عشوائية، أما الآخرون يؤدون مهامهم باتقان وحماس 

2


استمرت هذه الأجواء لساعات،  ودون إدراك دثت الساعة الرابعة ونصف تقريبا

+


وفي تلك الساعة الباردة من شتاء نيويورك، بدأ الأفق يتلون بألوان هادئة بديعة ، حيث غمرت السماء بلون أزرق كحلي عميق، مال تدريجيًا إلى رمادي غامق مع لمساتٍ من أزرق سماوي باهت 

+



        
          

                
كان الهواء هش ونقي حمل معه رائحة المدافئ البعيدة وعبق الخشب المحترق من مواقد الشوارع. تراقصت أضواء المصابيح الحضرية بوهج ذهبي دافئ

+


تطايرت طيور الغربان في أزقة المدينة، ثم بدأت السماء في تلونها بألوان الغروب البرتقالية المتناثرة بين ناطحات السحاب، وكأنها لمسة أخيرة من دفء قبل أن يغلف الليل المدينة، راسمة لوحة فنية أخاذة

1


" حان وقت عملك سيدة كلوديا سنجيب أنا ووالدي على أسئلتك"

+


خاطب تليد كلوديا عندما جلس في أحد الكراسي ما جعلها تبتسم بخفت وتشير لزملائها بالتقدم مع المعدات، نظمت المكان  وحملت أداة لتسجيل أقوالهم

+


" لنبدأ بأبسط سؤال، سيد تليد لماذا اخترتم هذا المكان بالذات للدعوة؟ وهل واجهتم اعتراضات من السكان أو السلطات؟"

+


" لأن الشارع هو قلب الناس، والقلوب لا تخاطب من خلف الأبواب المغلقة، لذا هنا حيث يتجمع مختلف الاشخاص من مختلف البلدان والأديان نكون نحن، أما عن الاعتراضات، لم نواجه أي مشاكل فكما تعرفين هذا قانوني هنا، لأنه يعتبر من حقوق حرية التعبير والدين المحمية في الدستور الأمريكي. لكن ببعض الشروط وهي يجب أن يكون النشاط سلميًا وغير تجاري،  لا يُسمح لنا بعرقلة المرور أو الوقوف في أماكن ممنوعة مثل أمام أبواب المتاجر مباشرة،  لا يُسمح طبعا بالتحريض أو الكراهية أو الإكراه وهذا مخالف أيضًا لمبادئ الدعوة الإسلامية"

+


"ما الرسالة الأساسية التي تسعون لتوصيلها للمجتمع الأمريكي من خلال هذا النشاط؟" 

+


" ليس للمجتمع الأمريكي فقط بل للجميع المجتمعات، أن الإسلام ليس ما تراه في الأخبار، بل ما يُعاش، أنه ليس حربا، بل سلام. رسالة توحيد ومحبة وعدل، لا قتال وخوف. نريد فقط أن نُسمِع الصوت الصامت الذي لا تذيعه الشاشات"

3


"هل ترون تجاوبًا حقيقيًا من المارة؟ أم أن هناك نوعًا من النفور أو التوجّس؟" 

+


" الناس أنواع، التقينا بمختلفهم، فمنهم المهتمون ومنهم المتجاهلون، منهم المتعصبون ومنهم الساخرون، لكننا نحترم أراء الجميع "

+


"ما الفرق بين هذا النوع من الدعوة وبين الحملات التبشيرية المسيحية في الشوارع؟ هل هناك نقطة تقاطع أو اختلاف جوهري؟"

+


"حسنا  كنت لأُفضل عدم الاجابة على هذا السؤال تجنا لأي سوء فهم ولأننا لسنا هنا لخلق جدال  بين المعتدقات ولكن كتوضيح بسيط، الفرق هو أننا لا نعد أحدًا بالخلاص ولا نخوّفه من الهلاك. لا نبيع الجنة، ولا نوزّع صكوكًا. نحن نعرض طريقا، لا نفرضه. في الدعوة الإسلامية، لا وسطاء بين الله وعبده، ولا ضغوط على الروح. فقط باب مفتوح لمن أراد أن يقترب." 

3



        
          

                
"سؤال موجه للسيد أباد، أنتم تدعون إلى الإسلام بلطف وهدوء، هل تعتقد أن ذلك كافٍ في بيئة تُخيفها كلمة ’دين‘ أحيانًا؟"

+


"الهدوء لا يعني ضعف بل الثقة، والرفق ليس سجاذة، بل حكمة يتحلى بها المسلمين،  لذا في زمن الخوف من مصطلح الدين يكون اللطف في الخطاب أعظم سلاح فنحن لسن هنا لاعلان حروب بل ليذيع صيت أفكارنا وما طمس خلف حصون الحاقدين الى العالم" 

1


رمت تليد بنظرة جانبية وأكملت

+


"أعيش مع مسلم منذ وقت قصير، لكنني أعرف الإسلام من الداخل قليلا، لكن لماذا يرفض كثيرون حتى الاستماع إليكم؟ هل السبب في الرسالة أم في الصورة العامة؟" 

+


"الصورة المشوّهة تطغى على الحقيقة أحيانا. فالانسان بطبعه يصدق ما يسمعه،  فمن يرفضك دون أن يسمعك، لا يرفضك أنت، بل يرفض ما قيل له عنك. ولهذا نحن هنا لنعيد رسم صورة مجددا فنحن بشر، لا وحوش؛ رحمة، لا تهديد."

2


"بصفتك مسلمًا، هل تشعر أحيانًا أنكم تُمارسون الدعوة أكثر بأخلاقكم من كلامكم؟" 

+


"نعم. فالكلام بلا خُلق كجسد بلا روح. وما جذب الناس إلى الإسلام في بداياته، لم يكن الخطاب فقط، بل الصدق، والأمانة، والرحمة. نحن نؤمن أن الخُلق دعوة صامتة لكنها الأقوى" 

+


" السؤال الموالي شخصي قليلا موجه لسيد تليد،ان لم ترد الاجابة أرفض باحترام"

+


نظرت لتليد وابتسمت له ثم أضافت 

+


" كزوجة غير مسلمة، هل تراني أقل فهما لله لأنني لم أدخل الإسلام بعد؟"

13


اجاب دون تردد عندما بادلها الابتسامة

+


" لست كذلك سيدة هيمستيد، ربما أنت أقرب أكثر مما تظننين، ولكن المعرفة لا تكفي وحدها، فالإسلام فكرة دنسها بعض البشر، والإيمان هبة لا يقاس بالمعرفة بل بالصدق في البحث، وشي بداخلي يخبرني أنك ستكونين يوما ما صادقة في بحثك "

3


كبتت ضحكتها وهممت موافقة ثم تابعت 

+


"هل تعتقد أن الإيمان الصادق يمكن أن يكون خارج الإسلام؟ أعني، هل يمكن أن أكون قريبة من الله بطريقتي؟" 

+


" الإيمان الصادق بمعناه يتجلى في الثقة بالله، والقبول التام لما جاء به، والانقياد لأوامره بمحبة وتسليم، ويشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، و في نظر أهل السنة والجماعة ليس مجرد شعور داخلي أو معرفة عقلية، بل هو حقيقة مركّبة تشمل القلب واللسان والجوارح، وهو كما عرّفوه «تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.» "

6



        
          

                
لاحظ استغرابها وتركيزها في الموضوع في نفس الوقت ما جعله يكمل بحماس 

+


"فالقلب يُصدّق، واللسان يُقرّ، والجوارح تُجسّد هذا التصديق في سلوك ظاهر. لذا اجابة على سؤالك الذي أرى فيه بعض التناقض فالايمان كما قلت هو ثقة بالله، أي لا طريقة أخرى للتقرب من الله إن لم تؤمني به" 

+


" إن كنت أحب زوجي وأحترم دينه، وأتقبل طقوسه، لكن قلبي لم يُفتح بعد للإسلام هل هذا يعني أنني في ضلال؟"

17


"الضلال الحقيقي هو أن يغلق الإنسان قلبه ويظن أنه اكتفى. أما من لا يزال يبحث، من يتأمل ويسأل فهو على الطريق. ومن صدق في طلب الهداية، سيهدي الله قلبه ولو بعد حين."

+


كلماته حركت شيئا داخلها ولامست فطرتها التي خلقت بها ولكنها كإنسان أثرت عليه معتقدات دنيوية وتقاليد بشرية مازال عقلها متمسكا بما تؤمن به، لذلك ابتسمت بخفت وأضافت

1


" آخر كلمة تودان قولها؟ " 

+


همهم أباد بصوت رجولي وصرح بنبرة ساكنة 

+


"لو كانت لي كلمة أخيرة أقولها، فهي أننا لم نأتِ إلى هنا اليوم لنُقنع أحدًا بالقوة، ولا لنكسب جدالًا. جئنا نوقظ شيئًا في القلوب، شيئًا فطريا نسيه الناس وسط ملذات هذه الحياة، دعوتنا ليست صراخا في الشوارع، بل همسا للضمير والأفئدة. إن سمعتم اليوم شيئًا منا، فاطلبوا من الله أن يريكم الحقيقة بنورها، لا بكلماتنا. نحن لا نملك هداية أحد، نحن فقط نُشير إلى الطريق، والرحلة بينكم وبين الله، هدانا الله وهداكم يارب  "

3


" شكرا سيد أباد "

+


التفتت صوب تليد وقبل ان تنطق راح يتكلم 

+


"ما أريد أن أتركه للناس، هو تذكير بسيط أن الإسلام الحقيقي ليس ما يُنقل في العناوين، بل ما يُعاش في حياة أهله. بين من يُسيئون إليه باسم الدين، ومن يُحيونه بالصدق والرحمة، هناك فرق كبير. نحن لا نزعم أننا الأفضل، ولا أننا نملك وحدنا مفاتيح القلوب، لكننا نحاول، ونزرع، ونرجو من الله أن يثمر هذا الزرع يومًا. من بحث عن الله بصدق، سيجده وما نحن إلا أشخاص وضعهم الله لربما يكونون سببا في إنارة أشخاص ضلهم الشيطان "

1


في تلك الأثناء وفي نقطة انتهاء المقابلة سمعو صراخ امرأة بشعر أسود وأعين بنية وهي تتقدم ناحيتهم، التجاعيد على حافة شفتيها وعينيها  وتلك النظرات الحارقة التي ترشق الجميع بها وضحوا مدى غضبها  الشديد 

+


توقفت عندما أصبحت خلف كلوديا بخطوات بينما تحدق بتليد وأباد بعينيها الحادتين، ثم زفرت الكلمات بغيظ 

+


" ما هذا الذي يحدث هنا؟  آتي من ايطاليا إلى أمريكا لأجل الراحة والسياحة لأجد سيارات مصطفة تمنعني من المرور، ما هذا الجهل الذي تقومون به؟ " 

3



        
          

                
استغفر أباد وامتنع عن الرد عندما اقتربت منه رقية قلقة، أما تليد استقام بثبات وحرص على غض بصره ثم رد 

+


" نحن لا نؤذي أحد، فقط ننشر البعض من تعاليم ديننا، كما أن الازدحام ليس بسببنا فهو دائما هكذا في هذا وقت " 

+


ضحكت باستخفاف واقتربت منه أكثر وراحت تتحدث مستهزئة بينما تحرك يديها كلما قالت كلمة 

+


" إن أردت نشر سخافتك اذهب لمكان آخر يا سيد هناك أشخاص ليس لديهم وقت لهذه الأشياء "

3


هذه الجملة جعلت من تليد ذو الملامح الهادئة يستسخط، مالت تضاريح وجهه للهيجان وزم شفاهه كي لا يتلفظ بما لا يحمد عقباه، أمسك قبضة يده وبدأ يردد تحت أنفاسه 

2


" أعوذ بالله من الشيطان رجيم "

+


نظرت إليها رقية بذيق وصرحت 

+


"هداك الله" 

+


أما كلوديا وقفت بين المراة وتليد عندما لاحظت تغير  تصرفاته فمعرفتها الجيدة به جعلتها تتوقع ما سيحدث إن واصلت المرأة حديثها الساخر 

+


" ان كان هذا يبدو سخيفا لك فعودي أدراجك لأن الطريق أصبحت فارغة، وقبل ذلك دعيني أصحح مفاهيمك، هذا لا يسمى سخافة بل يسمى دعوة اسلامية ومسموح بها هنا في أمريكا، من أنت لتمنعي ذلك؟ "

5


رفعت المرأة حاجبيها استنكارا ونمت على ثغرها ابتسامة ساخرة 

+


" مسلمين إذا؟ "

2


"لديك مانع؟" 

+


ضحكت بصوت خافت وحركت رأسها يمينا وشمالا 

+


" لا،  لكني سمعت عنكم كثيرا أتت فرصة لأسألكم سؤالا واحد "

+


مررت نظراتها عبر الجميع وأضافت

+


" كيف تومنون بما لا ترونه؟  هل هذا غباء أم جهل! "

6


ضحكت كلوديا بغضب واقتربت منها أكثر، فعلى عكس كلوديا الهادئة التي تتوارى عن نظرات الناس كثيرا يبدو أنها أصبحت أكثر جرئة خصيصا عندما يكون الموضوع خاصا بإهانة العائلة التي وجدت ملاذها فيها 

+


" الغباء والجهل هو شخص واقف أمامي الآن يزفر كلمات مهينة لأناس لا يعرفهم حتى، آنسة التي لا أعرفها اسمها، ان كان لك ذرة عقل أصيغي سؤاله بشكل محترم أو اذهبي "

9


أشارت للطريق ثم غير حركتها لتضع يديها على خصرها 

+


"أو أتتني فكرة رائعة، كنا في خضم لقاء صحفي ما رأيك بمشاركتنا؟" 

+



        
          

                
رفعت المرأة حاجبا وأنزلت آخر استغرابا ولكن قبل أن تتحدث أكملت كلوديا وهي تشير للكرسي 

+


" عشر دقائق، ستجلسين هناك وتسألين نفس السؤال باحترام "

+


اشارت لتليد وأضافت 

+


" وسيجيب سيد تليد عليك "

+


صمتت المرأة لثواني من التفكير ثم قالت كنوع من التحدي

+


" حسنا "

+


توجها للجلوس حيث أخذ الحميع مكانه، نظمت كلوديا الكامرات وحملت مسجل الصوت ثم التفتت للمرأة وقالت 

+


" من أي ديانة أنت؟ "

+


"أنا ملحدة" 

10


" حسنا، كان لديك سؤال قبل قليل هل يمكنك إعادته؟ "

+


التفتت صوب تليد وقالت

+


" كيف تومنون بما لا ترونه؟ "

+


حدق تليد بكلوديا تفاديا للنظر للمرأة، ابتسم عندما رأى كلوديا تبتسم له وتومأ برأسها كي يتحدث

+


" حسنا فهمت من كلامك أنك لا تؤمنين إلا بما ترينه أو تسمعينه؟"

+


همهمت المرأة موافقة ليكمل 

+


" اذن اسمحي لي أن أُبيِّن لك ضيق هذا المنطق"

1


بلع ريقه لتظهر تفاحة آدم على عنقه وأضاف 

3


" أنت إنسان ضئيل في كونٍ شاسع صحيح!، الشمس وحدها أكبر من الأرض بمليون مرة، وتبعد عنك بثمانية دقائق ضوئية فقط، وهي نجم متوسط. أما أقرب نجم بعدها، فيبعد عنا أربع سنوات ضوئية! "

+


حرك بصره بين الجميع 

+


"هذا الكلام علمي الجميع يعرفه،  اذن تخيّلي كم هو الكون واسع وأنت لا تتحركين إلا في بقعة صغيرة منه!؟" 

+


لم تفهم ما يريد الوصول إليه فكلامه بدى أنه ابتعاد عن سؤالها لكنها أكملت الانصات 

+


"ثم دعينا ننتقل إلى ما هو أدقّ لو تأخذين قطرة ماء، وتضعينها تحت المجهر، سترين كائنات حيّة لا تُرى بالعين المجردة، تتحرك، تأكل، تتكاثر! وبعض الفيروسات لا تُرى إلا إذا كُبّرت إلى ربع مليون مرة!  أليست موجودة قبل أن تراها؟ أليس هذا دليلًا على أن هناك أشياء موجودة رغم أنك لا ترينها؟" 

1


صمت لدقائق تاركا إياها تفكر ثم أكمل 

+


"بل إن سمعك نفسه محدود، لا يسمع إلا ضمن ترددات معيّنة. هناك أصوات كثيرة تدور حولك الآن، لا تسمعها لأن أذنك غير مهيّأة لسماعها. وهذه معلومات علمية أيضا يمكنك التأكد منها،  إذًا، عدم رؤيتك أو سماعك لشيء لا يعني أنه غير موجود، بل يعني أنك محدودة المعرفة" 

1



        
          

                
"الله –جلّ وعلا– خلق هذا الكون العظيم، وخلق فيه ما ترينه وما لا ترينه، وما تدركينه وما لا تدركينه. فكيف تنكرين وجوده فقط لأنك لم تريه؟" 

+


ردت مباشرة وكأنها كانت تجهز السؤال 

+


"ما قلته منطقي من حيث محدودية حواسنا، وضعف إدراكنا لبعض الموجودات، أنا أتفق معك.
لكن هناك فرق بين أن أقول ‘لا أراه لكنه موجود ويمكن أن أختبره علميًا’، وبين أن أؤمن بشيء لا يمكن اختباره أو التحقق من وجوده إطلاقًا."

1


ابتسم تليد بهدوء وأومأ رأسه بتفهم 

+


" هل يمكننا إطالة الموضوع وسؤالك بعض الأسئلة؟ "

+


همهمت موافقة وابتسمت كجزء من التحدي 

+


"نعم" 

+


"هل هذه الطبيعة خالقة أم مخلوقه؟!" 

+


رفعت حاجبيها بثقة 

+


"الطبيعة خالقةٌ للأشياء" 

4


همهم هو الآخر بثقة وأجابها 

+


"لماذا لا تخلق هذه الطبيعة الآن جبالًا وأنهارًا وحدائق وكواكب جديدة؟!، ولماذا لا تخلق هذه الطبيعة الآن للناس زرعًا عند حاجتهم إليه؟" 

+


صمتت كلحظة من الإدراك ولكنها لم تجبه ما جعله يكمل 

+



"حسنا، هل الكائنات هي التي أوجدت نفسها؟" 

+


" نعم، الكائنات هي التي أوجدت نفسها بالطبع"

5


  " هذا مستحيلٌ عقلًا؛ لأن هذه الكائنات في أصلها كانت عدَمًا ثم أنشئت، فكيف تكون موجودة وهي معدومة؟ والمعدوم ليس بشيء، فهي لا يمكن أن توجِد نفسها؛ لأنها في الأصل معدومة، والمعدوم لا يوجد نفسه، فكيف يوجد غيره؟"

+


أجابته دون التدبر في سؤاله حتى 

+


" هذه الكائنات وجدت هكذا صدفة"

4


"هذا يستحيل عقلًا أيضًا، فهل ما أنتج من الطائرات والسفن العملاقة والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها وُجد صدفة؟، لا يمكن أن يكون ذلك، وكذلك هذه الجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة كذلك، ولا يتصور أن هذا التقدم الحضاري الذي يمر به العالم الآن وُجد هكذا صدفة" 

1


صمتت لثواني ورغم كل التساؤلات التي زرعها بداخلها إلا أنخ أصر على اقناعها أكثر فأكثر لعله وعسى يكون سبيلها في أن تخطو نحو طريق الإسلام 

+


" الماء واحد والأرض واحدة والنبات مختلف، ينزل المطر من السماء على الأرض، فيخرج منها أقوات وثمرات، مختلفة الألوان والطعوم والروائح، يعيش الإنسان عليها، وتخرج من الأرض أيضًا أعشابٌ وحشائش متنوعة تعيش عليها سائر الحيوانات، هل الطبيعة هي التي جعلت الماء واحدًا والأرض واحدة والنباتات مختلفة الألوان والطعوم والروائح، أم أن هذه الأشياء أوجدت نفسها بنفسها؟"

+



        
          

                
كلماته أخاطت فاهها وأثارت شيئا بعقلها شيئا فشيئا وجدت نفسها تصغي له بعدما كانت تتحداه 

+


" ثانيا أثبت علماء الطب الحديث أن تكوين الجنين في بطن أمه يمر بعدة مراحل متتابعة، بانتظام دقيق فيكون أولًا نطفة، ثم تتحول إلى علقة، ثم تتحول إلى مضغة، تامة الخلقة أو غير تامة الخلقة، ثم تتكون بعد ذلك العظام، ثم تغطى باللحم حتى بدايات الحركة والحياة قبل الخروج إلى العالم، هل الطبيعة أو الصدفة هي التي جعلت الجنين في بطن أمه يمر بهذه المراحل المختلفة قبل خروجه إلى الدنيا؟"

6


في تلك أثناء كانت كلوديا منبهرة بالمعلومات التي صرح بها دون أن يحاول تذكرها ولا حتى التفكير فيها، ربما كانت تعلم أنه مسلم ابن داعية مشهور ولكن لم تتوقع كمية المعرفة التي كان عقله يتغنى بها 

+


" قلت لي كيف نومن بما لا نراه، حسنا  لك رُوحٌ في جسدك، وعقل في رأسك   صحيح؟ "

1


" نعم"
  
"فهل رأيتَ رُوحك وعقلك؟" 

+


"لا" 

+


"إذا لم تستطِعْي  رُوحك التي في جسده، فكيف تستطيعين رؤية الله تعالى الذي خلق هذه الرُّوح." 

4


مرة أخرى لم تستطع الإجابة على سؤاله فأكمل 

+


"أثبت الطب الحديث أن لكل إنسان رائحة خاصة به تميزه عن غيره من سائر البشر، من أجل ذلك تستخدم الشرطة الكلاب البوليسية في تعقُّب المجرمين.هل الطبيعة أو الصدفة هي التي جعلت لكل إنسان، من مليارات البشر، رائحةً خاصة به، بحيث لا تشبه رائحة إنسانٍ آخر؟!" 

+


أجابت وشيئ بداخلها يرفض ما تتفوه به شفاهها

+


" نعم، الطبيعة هي التي جعلت لكل إنسان رائحة خاصة به"

3


" لماذا لا تتكلم الطبيعة وتعلن أنها هي التي فعلت ذلك؟! على عكس الله سبحانه ،فقد أثبت القرآن الكريم هذه الحقيقة العلمية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وقد جعل سبحانه معرفة هذه الحقيقة كرامةً اختَصَّ بها نبيَّه يعقوب صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾،  أةضح هنا أن لكل شخص رائحة تميزه "

7


صمتت لدقائق تاركا إياها تغوص في بأر الحرب التي شنت داخلها، تبتغي الرد لكن لم تجد ما تصرح به  ثم قاطعها

+



"أليس سقفُ المنزل يدل على وجود أعمدة أو قواعد في علم الهندسة المعمارية؟" 

+


همهمت له بنعم ليكمل

+


"من الذي رفع السماء بدون أعمدة؟ هل الطبيعة أو الصدفة؟ ولماذا يُبنَى سقف المنزل بالأعمدة؟ أليس كما تقولون بالطبيعة أو الصدفة؟! إذا كان كذلك، يجب أن يكون السقف بلا أعمدة مثل السماء، أو تكون السماء بأعمدة مثل السقف، ولكن السماء بدون أعمدة" 

+



        
          

                

أشار للسماء وأضاف 

+


"الله تعالى هو الذي رفع السماء بقدرته من غير أعمدة، كما ترونها" 

1


صفق بيديه معلنا انتهاء حديثه 

1


" هناك آلاف الأمثلة لأقنعك أن الله موجود فعلا منها ما ذكرت ومنها بصمات الإنسان، خلق البعوضة، عدم اختلاط الماء المالح بالعذب، عسل النحل، لبن الحيوانات، الكهرباء وغيرها، لكن لن ننتهي حتى غد وللأسف نحن مشغولون قليلا، لذا سأدعك تبحثين بنفسك "

+


نهض مستقيما من مكانه 

+


" أتمنى أنني لم أقلل احتراما فكل ما قلته سيفيدك في وقت ما"

+


كانت منذ لحظة قدومها متهكمة الملامح غير بشوشة وكأنها تبحث عن المشاكل، ولك لحظتها ابتسمت بغير تكلف واستقامت هي الأخرى 

+


" شكرا "

+


هذا كل ما قالته قبل أن تذهب حاملة معها بصيص أمل في خوض معركة بين واقع وإيمان، أسئلة أثارت جانبها الفطري وأنشأت خطوطا من أسئلة كتبت بقلم منطقي 

+


انفصل الجميع عن بعضه عندما ضحك أباد وقال بفخر 

+


" أدركت أنني سأترك ورائي داعية أفضل مني "

14


أما كلوديا أشاحت نظرها عنهما كي لا يلحظ ابتسامتها، ثم حملت وفريقها الأدوات لوضعهم في سيارة بعد انتهاء عملها

+


وباقتراب أذان المغرب ذهب الجميع لمنازلهم غير رقية وأباد وتليد الذين بثوا لتنظيم المكان 

+


توجها بعدها للتوضأ لأقرب مكان ثم عادو بعد ثواني، ووقفا أمام طاولة بها ماء وتمر وبعض المقبلات  لعلى وعسى يقوم بمساعدتهما لقمع جوع صيام يوم كامل 

1


عندما سمعا صوت المأذن نابعا من هواتفهما شربا كأس ماء وثلاث حبات تمر وفعلت رقية ذلك أيضا 

1


توجها كلاهما لاخراج سجادتين من السيارة ووضعاها باتجاه القبلة، وباتمام الركعة الأولى ذرفت السحب الرمادية وابلا سقط كسهام اخترقت الأرض وكادت تقلع الأغصان من أشجارها، كان الجميع داخل سيارتهم غير أباد وتليد الذي أتما صلاتهم تحت المطر

+


أصبحا مبللين بالكامل ورغم ذلك كان خاشعين بهدوء يتضرعان لخالقهما، كيف لا فقد اجتمع صبر الصيام بحسنات الجهاد لنشر الإسلام واختتماها بصلاة خاشعة تحت المطر، شيئ كان يتمناه كل مسلم يؤمن بأن كل خطوة نحو الله هي خطوة نحو نيل الجنان 

13


لحظتها أسرعت كلوديا لجلب مظلة من السيارة واقتربت لتضعها فوق رأس تليد بينما يصلي، ثم حركت نظرها نحو رقية التي قالت عندما فهمت ما تنوي كلوديا قوله

4



        
          

                
"أباد يحب الصلاة تحت مطر  ، لا داعي للمظلة" 

+


همهمت كلوديا بتفهم وظلت واقفة هكذا تحت ماء المطر تغطي تليد بمظلتها، تبللت جميع ثيابها والتصق شعرها المبلل بوجها ولكنها لم تأبه لذلك 

4


بعد دقائق سلم تليد بعد انتهائه من صلاته، ثم حمل يديه للدعاء بخشوع وكأن كل ما من حوله جماد، التفت وهو راكعا على سجادته نحوه كلوديا ثم ابتسم بملء شدقيه 

+


" هل أعطيك معلومة؟ "

+


همهمت له موافقة عندما أومأت رأسها بنعم 

+


"وقت نزول الغيث هو وقت فضل ورحمة من الله على عباده، وتوسعة عليهم بأسباب الخير، وهو مظنة لإجابة الدعاء، تعلمين أنني نمشي على سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم صحيح؟  ، لهذا فقد جاء في حديث سهل بن سعد مرفوعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر. اي عند الآذان وعند نزول مطر، فهمت؟  " 

7


همهمت  بتفهم في أدركت بالفعل أن الإسلام هو اتباع قول الله وسمته رسوله صلى الله عليه وسلم 

+


" وأيضا جاء عن عائشة رضي الله عنها  وهي أحد زوجات الرسول أنه  صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال : (اللهم صيبا نافعا)،  لهذا يستحب التعرض للمطر، فيصيب شيئا من بدن الإنسان لما ثبت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قال: "أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ:« لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى»، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتد المطر قال:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، خلاصة القول يا سلوان الفجر، أن المطر خير من عند الله ولا مانع من التعرض له" 

7


ابتسمت بملء شدقيها مالت رأسها قليلا بطفولية 

+


" جميل "

+


"أخبرك بشئ آخر؟" 

+


همهمت له موافقة ليضيف

+


" دعيني أسألك قبل ذلك، أخبريني هل تعلمين لماذا أحبك؟ "

7


رغم أنها سمعت هذه الكلمة آلاف المرات، لكن قلبها يرفض الاعتياد عليها، فنبضاته كلما سمعها تزداد بوتيرة سريعة وكأنها تسمعها أول مرة، تتجدد كل المشاعر داخلها بكلمة واحد من فقط، ورغم كل ما شعرت به استطاعت التحكم بنفسها كالعادة وردت بنبرة تخللتها ضحكة خافتة 

1


"لا" 

+


ابتسمت بهدوء وظهرت تلك الخفرة بخده 

+


"لأنك أنت" 

12


نفس السؤال دائما ونفس الإجابة، كل ما يقوله عندما يُسأل لماذا يحبها تكون إجابته «لأنها هي»  و «لأنك أنت» أو «لأنك كلوديا»، ربما جملة من كلمتين لكن معناها كان أعمق من ذلك 

+


أما هي ظلت غارقة في تفاصيله تحدق بقطرات المطر التي بللت وجهه ورغم كل تلك طمأنينة التي شعرت بها منذ دخل حياتها إلا أنها حملت بين طياتها خوفا خافتا، ولهذا  لم تكن تدرك أن الإقتراب منه يشبه العبور إلى وطن تخشى أن تفقده، وطن إن تعلقت به أكثر أصبح الخروج من شبه مستحيل، وطن كانت ولا تزال ترى نفسها طفرة مضرة به تحاول أن تخرج منه كي يبقى نقيا كما وجدته 

1


كل تلك المشاعر اختلطت بداخلها وجعلتها تسأل بنبرة خافتة 

+


" ماذا تقصد! "

+


"ستفهين يوما، ربما عندما تقعين لي!" 

23


انتهى 

14


أولا اسفة على تأخر بس عندي ظروف 

4


الفصل كان هادئ بمعلومات كثيرة وأنا تقصدت نوع منها، لذا اخبروني استفدتو؟  شو أشياء لي كانت جديدة عليكم؟ 

13


الشخصية الملحدة لي تحاورت مع تليد كانت ضيفة الشرف بطلة رواية الكاتبة _Regina_oscura_ التي لم تنشر بعد 

7


كنت مخططة أني أكتب كل أحداث رمضان وأجوائه والعيد بفصل واحد لكن كان راح يكون كتير طويل لذا قررت أقسمه لفصلين 

+


فصل كان من. 6182  كلمة لذا يرجة تفاعل من أجل كتابة فصل قادم  🤍 

6


إلى لقاء الى فصل قادم 

9


   

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close