اخر الروايات

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة فتحي

رواية روح بلا مأوي الجزء الثاني الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة فتحي


 


*****

ترجعت للخلف بصدمة شتت تفكيرها فسحبت غطاء
الفراش عليها لتحاول أخفاء ساقها بينما هو اقترب
منها بحذر قائلًا:

-بيلا لو سمحتِ اهدى

صوته إزداد من تبعثرها ارتجف جسدها بالكامل وكأنها
محمومة، حاولت أن تبلع ريقها أو تسمح للهواء بالتسلل
إلى صدرها نظراتها تشيع بألم ساكن بعيناها ولا زالت
متشبثة بالغطاء والدموع تكتسح وجهها لتصرخ به:

-انت ازاى تدخل كدا من غير ما تخبط
اطلع بره يا ضياء

جلس على الفراش امامها بفؤاد مذبوح ومد يده يزيح
عبراتها برفق، وعيناه ممتلئة بالرجاء والألم ثم قال
وهو يحاول أن يستجمع شجاعته متغلبًا على قلبه
النازف من أجلها ليستند بجبهته على جبهتها مردفًا:

-أحنا واحد صح مفيش داعى لكل دا، انتِ اغلى
من روحى انتِ بنتى، كفاية تحبسى جوا سجن
اوهامك

شعرت بملمس يده التى تتحرك على ذراعيها بدفء
ثبتت نظرها على عيناه تبكى بصوت مسموع، ذكريات
قاسية فى ذكراتها اخرجتها عن طريق بكائها ودموعها
التى تنهمر على وجنتها بوجع، زادت رجفتها حين حاول
ضياء سحب الغطاء من بين يدها هزت رأسها وهى
تشبث به أكثر كأنه طوق النجاة بالنسبة لها، لازال
يسحب الغطاء وعيناه تطمئنها، بالأخير نجح فى
سحبه من بين يدها لكنه لم يلتفت إلى ساقها ظل
مثبت نظره عليها مد يده يمسح عبراتها متسائلًا:
-بتحبينى؟!
بتثقى فيك؟!

قبضت بيدها على الفراش اسفلها مجرد التفكير عما سيحدث
الآن جعل دقات قلبها تفتك بها من فرط التوتر فهمست
بخفوت:
-بحبك وبثق فيك

رفع احد حاجبيه باستنكار قائلًا بمكر:
-أومال ليه مصدقتنيش أن حمايا كان بيقول لحماتى
كلام كله فتن دا كان بيوعدها بشهر عسل جديد
الجاحد

ابتسمت من بين دموعها ولكزته فى كتفه:
-ضياء عيب كدا بعدين أنت كدا احرجت مامى

قرص مقدمة أنفه وهو يقول:
-سورى بقى بس طنط لبنى هى اللى كانت بتجروا للفتنه

-ضياء وبعدين

تحمحم ضياء وهو يمرر يده على شفتاه قائلًا:
-ولا قبلين الحكاية كلها إنى عايز اتجرجر للفتنة زيه

انهى جملته وهو يلتفت لساقها بنظرة سريعة ثم
اعادة نظره إليها وهو يغمز بعيناه

مجرد نظرته لساقها كانت كالرصاص المصوب لقلبها
حاولت اخفاء دمعاتها تشعر بالاختناق، حينما شعر
انها على وشك البكاء ثانيةٍ اقترب من شفتاها يقبلها
بنعومة يغرقها فى بحور عشقه فهو امتلك قلبها
والآن هو امتلكها روحًا وجسدًا

******
جذبها كرم من تلباب قميصها، ضيقت عيناها ثم رفعت
سبابتها فى وجهه قائلة:
-على فكرة يا كرم مش عاجبنى طريقتك أنا غلطانة
انى سترت عليك امبارح

هز رأسه بعدم تصديق وهو يشير لنفسه قائلًا:
-سترتى عليا أنا

-حصل شفتك امبارح وأنا مع كيان واقف مع بت اوزعة
كدا ومردتش اجى واحرجك

تنفس بارتياح فهى لم تتعرف عليها ثم حك مؤخرة رأسه
قائلًا:
-ديه معرفة قديمة وبعدين عادى يعنى كنتوا جيتوا

-قديمة يعنى كدا من اد أيه من شهر كدا؟!
مش بت الاوزعة دية اخت ضياء اللى كنا فى فرحه

تأملها بصدمة ثم ابتلع قائلًا:

-أنتِ فهمتى الموضوع غلط يا جوجو

التو ثغرها بسخرية قائلة:
-دلوقتى بقيت جوجو.. أنت شقطت البت يا جاحد
دا اخوها لو شم خبر هيعملك شاورما
وبعدين سبت براح الكوكب وهتمشى مع اندر إيدج
يا كرم دا البت جاية عند دراعك

تغيرت ملامحه ولا يعلم سبب الضيق الذى احتل صدره
فجأة فاجابها باقتضاب:
-مفيش حاجة من اللى فدماغك أنا شفتها بالصدفة هناك
وكان فى حد بيرخم عليها وانا وقفتوا عند حدوا
وسعى بقى عشان هتأخر عن الشركة

استدار متأهب للذهاب لكن سؤالها اوقفه:

-شركة أيه؟!

حك مرخرة رأسه هو يعلم أن ما سيقوله سيؤلمها:
-طاهر سافر مكانى وانا همسك الشركة مكانه فترة

قال كلماته وانصرف من امامها، نزلت كلماته كصاعقة
عليها انتفض قلبها واغرقت عيناها بلألأ الوجع والفراق
فتنهدت هامسة:
-طاهر عمروا مافكر ولا هيفكر فيكٍ ممكن تشوفى حالك
بقى

****

وقفت كيان تفرغ محتويات حقيبتها بهستريا على
الفراش تبحث عن حافظة نقودها يبدو أنها فقدتها
دموعها تنهمر بينما ولج كنان للداخل وتسمر مكانه
فهو لم يراها من بعد هذه الليلة كان يتحاشى رؤيتها
ظل صامتًا انفاسه من تتحدث، قد اعتصره الحنين
حتى احترق فؤاده، مجهد من التمثيل أنه بخير
وكأن الشوق لا يفتك به، فهو عاد لحياته لعمله
كل شئ لسابق عهده إلا قلبه همس من خلفها:
-مالك بتعيطى ليه؟!

استدارت له ودموعها تغرق عينيها وشهقاتها تشق
سكون الليل وكأن مات عزيزًا لها للتو وهى تحمل حقيبتها:
-محفظتى ضاعت كان جواها فلوسى ضاعت وقعت منى
معرفش فين مش لاقيها

كانت الصدمة تلجم لسانه لم يستوعب هل كل هذا
البكاء بسبب ضياع نقودها، هل منع عنها شئ؟!
اقترب منها محاولًا تهدئتها قائلًا:

-فداكِ فلوس الدنيا كلها متعمليش فى نفسك
كدا فى داهية

هزت رأسها بالنفى مردفة:

-لا أنا تعبت فيهم أنا بقالى سنتين كنت بحوشهم دول
مقدم موتوسيكل كان تامر هيشتغل عليه دليفرى

قلبه ينشق لنصفين وامتلأت عيناه بدمع حبيس وهو يسمع كلماتها كان منتظر أن تهدأ وتحدثه عما بدر منها
ولكن هذا لم يحدث، تجلد بالقوة وهو يقسم أنه يتذوق المرار بحلقه قائلًا بصوت رجولى عميق:

-أنا سبق وقولتلك أنى متكفل بكل حاجة تخصه من
أول ما يخرج مفيش داعى لكل دا

-وأنا قولتلك هو مش هيقبل احسان من حد
أنا غبية

ابتسم بألم قائلًا:

-أنا حد؟!
ودا مش احسان يعنى نفس الوضع ما انتِ هتساعديه

رجفة باردة انتباتها من نبرة صوته وقفت تتأمله بألم وسرعان ما تحول لأشتياق ثم همست بصوت متقطع من الدموع:
-كنان أنا مش قصدى

ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه قائلًا:
-ولا يهمك
على العموم أنا اعرف حد بيبع حاجات زى ديه بدون
مقدم بس شرط يبقى فى ضامن وهيزود الاقساط
لو تحبى ابقى اكلمه

ابتسمت من بين دموعها وهى تجلس على الأرض فقد خرت قواها قائلة بوهن:

-بجد يعنى ينفع، ياريت ماكنتش حابة أنه لم يخرج يبقى بيواجه
نفس مصيرى لما بتنا اتهد ويعمل حاجة غلط،
شكرًا أوى

جثى على قدميه أمامها متسائلًا:
-مالك أنتِ كويسة؟!

-حاسة إنى جسمى تقيل اوى بس هبقى كويسة

فحركة سريعة حملها وهو يحاول أن يتحكم فى
طوفان مشاعره يشعر بالغضب وأنها خدشت
كرامته ورجولته

أما هى اشتاقت له ولأحضانه وتود أن تخبره كيف
عانت فى بعده، وأن تخبره بمكنونات قلبها اسبلت
اهدابها وهى تلف ذراعيها حول عنقه شعرت بتصلب
عضلاته من لمساتها وضعها على الفراش ولم يستطيع
تركها كأنهة تجذبه إليها لكن كبريائه يأبى، رفعت رأسها
وهى تهمس:
-أكيد اللى هيلاقى الفلوس محتاجها أكتر منى

لم يود أن يدخل معها فى جدال أن ماله من حقها
فهى زوجته رفع رأسه للأعلى متنهدًا والتزم الصمت
لحظات وشعر بانتظام انفاسها فرمقها متسائلًا:
-انتِ نمتِ

تشبثت به أكثر متظاهره بالنوم حتى لا يتركها فهو يتحاشها منذ أخر
لقاء بينهم اقترب يطبع قبلة على مقدمة رأسها فطيلة
الايام الماضية لم تغادر روحه لثوانٍ، لازال بقلبه املًا
أن حياتهم معًا ستكون اسعد وسيحبها أكثر

******

حاول كرم مرارًا الاتصال بكارما لكنها خارج التغطية
ارسل رسائل عبر أيقونة(الواتساب) لم تصل
أيضًا تنهد وهو يتمتم باسمها وبمجرد ذكر اسمها
شعر بتتدفق الدماء لرأسه، وزيادة سرعة نبضات
قلبه، يشعر أيضًا بضيق يجثو على صدره
من نظراتها الخائفة الممزوجة بحزن وكأن هناك
شيئًا تخفيه

******

لماذا هى؟
ألا ترى أن الجميع بقايا جمالها؟ لها ضحكة تعزف على وتر قلبي، وصوت كالنايات له بين الروح والعظام دبيب، وتصبغ الهواء ألوان الربيع إذا حضرت؟ وأزيدكَ من الشعر بيتًا؟
هي لي سبب الحياة، فكلما أصابني اليأس أتذكر وجهها وأبتسم وأغمغم لنفسي أنه مازال هناك شيئًا يستحق الحياة لأجله..
أما بعد؛ عسى الله أن يحفظها لقلبي..

-أنتوا بجد نورتوا يا جماعة
نورتى يا عروستنا هى عزومة متأخرة بس مواعيد
السفر استاذ مصطفى

تلك الجملة قالتها والدة هاجد موجه حديثها لهاجر
ووالدها، هزت هاجر رأسها باستيحاء بينما تحدث
مصطفى قائلًا:

-البيت منور بناسه، السفر معلش

ابتسمت والدة هاجد وهى تدعوهم لطاولة الطعام
الكبيرة تنظر لها بابتسامة واسعة، صنعت اصناف
عديدة بحب جاءت هاجر تجلس بجوار والدها فسحبتها
من يدها لتجلس بجوارها قائلة:
-لا تقعدى جنبى أنا كان نفسى اخلف بنوته
بس ربنا كرمنى بهاجد واخوه، التانى اتجوز وعاش
بره انتِ هتبقى بنوتى، ومش هتقعدى جنب هاجد.
جنبى أنا وبس ماشى

بابتسامة واسعة اجابتها قائلة:
-حاضر

نظرت والدة هاجد لأبنها ووجدته عاقد حاجبيه يطالع
صحنه بضيق فابتسمت بمشاغبة قائلة:
-ولا أية رأيك يا شيخ هاجد

ابتسم بلا مرح فقط على شفتاه قائلًا:
-طبعًا

بينما تنهدت هاجر ولا تعلم ماذا ستعمل معه وما مصير
علاقتهم هو لم يحاول أن يتحدث معاها إلا بكلمات
قليلة ذو معنى مزدوج لكنها طرق على رأسها سؤالًا:

-اشمعنا اسم هاجد؟!

تهللت اسارير هاجد وتعالت نبضات قلبه، اصدرت والدته
صوت يدل على تفكير بمكر قائلة:

-اممم، لية هاجد اقولك يا ستى
كنا فى اواخر رمضان ووالد هاجد الله يرحمه كان
نزل يصلى صلاة التهجد، والطلق جه مسكت على
نفسى لحد ما يرجع واتحملت وعقبال ما رجع قولتلوا
الحقنى، كنت خلاص ولدت هنا فى الشقة، بقى يصرخ فى الشقة
وخبط على جارتى لحقونى ودونى المستشفى فوالده
سماه هاجد أيه رأيك مش حلو؟!
وجديد كدا؟!

نطقت هاجر بتلقائية:
-وتقيل كدا ومكلكع

اغمض هاجد عيناه يهز رأسه مبتسمًا:

-غدارة اوى زى الكمياء

انتهوا من العشاء وجلسوا فى الاستقبال قدمت والدة
هاجر التحلية قائلة:
-بقلاوة انا احسن واحدة تعملها وبشهادة الكل

تناولت هاجر صحنها وبدأت فى تناولها قائلة بحماس:
-واااااو روعة

-دية بالسمن البلدى زى ما هاجد بيحبها

قطب مصطفى حاجبيه قائلًا:

-مش بتأكل لية يا هاجد يا بنى

اسرعت والدته قائلة:
-أصله هاجد صايم

كان حديثها يشوبه المكر، فسألتها هاجر:
-صايم أومال مين اللى كان بيأكل جوه

وجهت حديثها لهاجر وهى تهتف بأسف زائف:
-اصله ضروسه بتوجعه ولسه بيعالجهم، شهرين وهيأكل
بقلاوة براحته أنتِ عارفة مش بينام بقى سهران طول
الليل

كانت الحيرة متسعة على ملامح هاجر من حديث
والدته لكنها شعرت معها بألفة فردت:

-ألف سلامة عليه

حدث خلل فى نبضات قلبه طبول افريقيا تقرع بقلبه ذهب عقله رحلة بلا عودة حاول أن يغض بصره ولا
يتطلع لعيناها فحدث والدها فى امور العمل حتى
يصرف انتباه عنها

*****

فى صباح اليوم التالى

بعد أن اخذ حمامًا دافئًا توجه للفراش بجوار تلك النائمة يلامس انفها بأنفه ويده تعبث فى شعرها الذهبى
فتحت عيناه وهى تراه أمامها عارى الصدر فشهقت
أما هو بحركة مسرحية سحب غطاء الفراش على
صدره قائلًا بطريقة درامية:

-استرى عليا ومتفضحنيش

ثم استرسل بسخرية:

-لازمتها أيه الشهقة ديه انتِ ناسية اللى انتِ عملتيه
امبارح وجرتينى للفتن

اسبلت اهدابها وهى تهز رأسها بالنفى قائلة:

-أنا معملتش حاجة أنت اللى عملت الفتتن كلها

انهت كلماتها دافنه رأسها بصدره وهى تلكزه، حرك رأسه بالموافقة
فهو يتقبل موقفها وخجلها، ثم قهقة عاليًا قائلًا:
-طب وعهد الله الحركة دية لوحدها اساس كل الفتتن

ظلت كما هى تبتسم وهى تختبأ منه فهو غمرها بمشاعر
خاصة ودفء سرى إلى روحها قبل جسدها إلهاءها بعيدًا
عن افكارها المتوجسة جعلها تتساءل كيف نجح فى
اقتحام قلاعها ودك حصونها بمنتهى السهولة همس فى
اذنها:

-يلا بينا بقى عشان أحنا النهارده قدامنا نهار طويل
حاجات كتيره هنعملها يلا جهزى نفسك عشان
هنخرج

حركت رأسها بالموافقة ولم تعقب، فازاح الغطاء بيده
والأخرى التقط الطرف الصناعى ولازال مثبت نظراته
عليها مكملًا حديثه وهو يقوم بتركيب الطرف الصناعى بكل
بساطة تحت نظراتها المشدوهة قائلًا:

-أيه رأيك نسافر يومين ولا نقعد مع شايب الكوتشينة
ويفضل يخنق فينا

رمشت باهدابها فى محاولة استيعاب الموقف، محاولة فى صعوبة بالغة ابتلع لعابها وكأن هناك حجر يقف فى
منتصف لعابها يمنعها من الحديث أو الازدراد، قلبها
لم يتوقف عن الارتجاف بداخل اضلع صدرها وحين
طال صمتها بادر هو بصوته العابث:

-تمام نقعد هنا ونرازى فى شايب الكوتشينه
أنا نازل يلا اجهزى وحصلينى على تحت

نهض من على الفراش يتناول تيشرته ليرتديه
ثم اولاها ظهره متجهًا للخارج، رفعت يدها
اعلى اليسار تتحسس نابضها الذى سيحطم
اضلعها ويركض خلفه فليكن الله فى عونها

***

تسللت اشعة الشمس للغرفة، افاقت من نومها وتمطت ذراعيها لتمحى اثر النوم عنها رمقت الفراش بجوارها وجدته خالى، إلتقطت هاتفها ثم تفقدت الساعة كانت
تشير إلى التاسعة صباحًا نهضت بخيبة أمل
وتوجهت للحمام كى تأخذ حمامًا بحزن عميق

انتهت من حمامها كانت ترتدى منامتها الزهرى الضيقة
التى ترسم منحيات جسدها بسخاء وتلف شعرها بالمنشفة لكنها صدمت حين وجدته يقف أمام المرأة
حاولت التنفس بعمق لتضبط انفاسها التى سارعت
قائلة دون وعى:

-صحيت مالقتكش جنبى انت كنت فين؟!

التو ثغره بتهكم مردفًا:

-مش اول مرة اشمعنا بتسألى دلوقتى؟!

زاغت عيناها وهى تتحاشى النظر إليه هالها رد فعله المندفع او الغير مبرر فهى كانت تحترق بنيران شوقها إليه لكنها انتظرت منه المبادرة بعد طلبها للطلاق منه
لكنه هجرها غزت الدموع مقلتيها وصدرها يعلو ويهبط
طأطأت رأسها وسارت فى صمت تجلس على الفراش

زفر بحنق فدمعاتها لا زالت تزلزل كيانه بإكمله، فهى
الروح فجلس امامها صامتًا ثم نظر لعينيها متنهدًا:

-كنت متوقع أنك تسألى عنى، حتى تقلقى عليا
عارفة لما شفتك امبارح منهارة عشان حاجة تخص
اللى اسمه تامر دا اتمنيت أكون مكانه

قاطعته مندفعة وهى تقول:

-بعد الشر عليك أنت مش عارف بشاعة الشعور دا
مهما احكيلك صعب ربنا يكون فى عون أى طفل
بيتولد وبيتكتب عليه وصمة العار دية
على العموم أنا كنت بسأل طنط نهلة كل يوم الصبح
وبليل عشان اطمن عليك

عقد ما بين حاجبيه متسائلًا:
-ومكلمتنيش ليه زى أى ست بتقلق على جوزها

همست تجيبه فى نبرة خافتة مختنقة:
-عشان اللى حصل أخر مرة، على العموم خلاص روح
شغلك عشان متتأخرش

-يولع الشغل، أنتِ تعبتينى يا كيان أنا مش عارف
اوصلك اللى جوايا وأقل تعبير منى بتأخديه بمعنى
تانى، والفوطة دية مضايقنى جدًا

ارتبكت من تحوله، بينما هو عيناه تتألق حبًا وشوقًا
ينظر لها مأسورًا بهذه الفاتنة فأول مرة يراها بملابس ضيق هكذا، فرفع يدها إلى فمه يقبلها

اشتعلت وجنتها احمرارًا من فعلته وسحبتها مسرعة وباليد الأخرى تثبت المنشفة فوق رأسها وهى ترمقه بارتباك فقرر رحم خجلها قائلًا بمكر:

-لو تحبى تروحى تشوفى الموتوسيكلات النهارده
ممكن تيجى المستشفى نخلص ونروح نشوفهم
واعزمك على الغدا دا لو مفيش اعتراض ولو ظروفك
تسمح

ابتسمت بحب ودقات قلبها تعلو كالطبول عيناها تلمع
بسعادة اذنها ابتهجت لسماع نبرته المشاكسة المحببة
على قلبها، اجابته بسعادة:

-لو مش هعطلك ماشى

ثبت نظره على شفتاها والافكار تلعب بداخل عقله ثم اخذ نفسًا عميق وهو يهمس داخله سيصبر سيصبر حتى ينفذ الصبر

*****

بالأسفل دخل ضياء المطبخ واخرج بعض قطع الخبز
ووضعها فى المحمصة الخبز الكهربائية، ثم اعد كوب
من القهوة، لم تمر بضع دقائق حتى هبطت بيلا
من الأعلى وانضمت له كانت ترتدى سروالًا جينز
ازرق سماوى وقميص ابيض، فقدم لها ضياء طبقًا
فى قطعتين من الخبز، ووضعه بجانبه كوب قهوتها
المفضلة

بينما هى حاولت أن تخفى توترها واضطرب ضربات
قلبها التى استمرت منذ لحظة استيقاظها وتذكر ما
سار الليلة الماضية، أومأت له ثم حكت مؤخرة رأسها

-بتحضر الفطار بنفسك لية؟!

ضحك بخبث وهو يحتسى القهوة ثم استدار يجلس
بجوارها قائلًا:

-قولت مفيش داعى اتعب حد غير إنى جوعت
الواحد كان صاحى طول الليلة

سعلت وهى ترتشف القهوة من مغزى حديثه فوقعت
بعض قطرات القهوة على قميصها الابيض، ضحك
ضياء بملء فمه وهو يقترب منها بشقاوة يفك ازار
القميص الابيض قائلًا:

-خير .. خير دلق القهوة خير بس لازم نغسل القميص
احسن تسيب اثر وخسارة القميص هيأكل منك حتة

نظرت يمينًا ويسارًا وكأن احد يراقبهم ثم قبضت على يده لتمنعه من فك الازار وضربت قلبها تتسارع ودرجة حرارتها تتصاعد بينما هو وضع يدها جانبها وهو يتابع
ما يقوم به بتركيز شديد وكأنها مسألة لوغاريتمات وانفاسه تلفح صفائح وجهها

اغلقت جفنيها انفاسه الحارة تلهب بشرتها قشعريرة دبت كامل جسدها وقلبها يدق بعنفوان انتهى ثم سحب القميص من ذراعيها وكأنها منومة مغناطيسيًا كانت ترتدى تحته تيشرت ذو حمالة رفيعة بلون الابيض أيضًا
واقترب من شفتيها ثم سمعت صراخ والدها يسب
ويلعن، فتحت عيناها فردت ببراءة:
-يا بابى القهوة ادلقت عليا وضياء كان بيلقعنى

-نعم!!!

تلك الكلمة صرخ بها والدة، بينما ضياء دس يده
فى جيب بنطال ووقف يستند على الطاولة خلفه
قائلًا ببرود:

-مسمحش أنك تعلى صوتك عليها قدامى

توسعت عين والدها بذهول قائلًا:

-دية بنتى

التو ثغر ضياء بسخرية قائلًا:

-لا أنت اتنازلت عن السلطة وانا استلمت
الأدارة حتى اقرأ بنود العقد قصدى كروت فرح

-بيلا

-أسفة يابابى

حملها ضياء فى لحظة وتخطى والدها قائلًا:

-حيث كدا نطلع اوضتنا ولو سمحت يا هيشو عن اذنك كل واحد خليه فى ماضيه لو سمحت اه

وضع هاشم يده أعلى اليسار وهو يهز رأسه بسلب
من تصرفات ضياء، فهو حتمًا سيصيبه بذبحة صدرية
قريبًا

******

هبطت من السيارة وهو خلفها تنهدت وهى تغمض
عيناها ثم اخذت نفسًا عميقًا، لم تكن تنتبه لتلك
العينين المحملقتين بها ليس فقط الآن بل منذ
أن خرجت معه من الفيلا، فهو أول مرة يتأملها
هكذا بشرتها صافية لأبعد حد، ولمح بعض العروق
الخضراء على جبهتها ويديها وكأن بشرتها ليست
بيضاء بل شفافة

كانت تقف تطالع المبنى بانبهار وهى تأكل شفتاها
كطفل صغير يقف امام بائع الحلوى، هذه الشفاه
تشبة احمرار ثمرة الرمان، تبدو شديدتين الاغراء
هز رأسه من تلك الأفكار المنحرفة قائلًا:
-ماكنش لازم اجبها معايا

التفت له متسائلة:
-بتكلمنى

مد يده لها فرمقت يده ثم نظرت لعينيها فهز رأسها
مطمئنًا فقررت ستعطى عقلها اليوم اجازة، دقائق قصيرة ثم وضعت يدها داخل كفه
وسارت معه للداخل، ولجوا للمكتب معًا فحدثها:

-أية رأيك فى أوضة الكشف بتاعتى؟!
كنت حابب أنتِ اللى تختارى تصممها

أومأت له ببسمة هادئة توجه يجلس خلف مكتبه يفتح الحاسوب الخاص وفتح الملف الخاص بالتصميم، مضت
نحوه ووقفت بجواره تشاهد التصميم بتركيز وهى
تعطى بعض التعليقات انحنت اكثر لتدقق النظر
بينما هو فتح عيناه وهو ينظر لها ببلاهة لا يستوعب
الموقف

ظل هكذا على وجومه بلا حراك خارج نطاق الخدمة
لازال تائهًا فى رحلة البحث عن ثباته، همست اسمه
بنعومة جعلت اذنيه تطرب تحمحم فى محاولة لجلى
حلقه قائلًا:
-كدا كتير

-هو أية دا

قرص مقدمة انفه وهى لازالت منحنيه وهو يجلس
على كرسيه قائلًا:

-جوا المدير والسكرتيرة دا
بعد كدا خلاص محدش يلوم على المدير نهائى
غير لما يقعد قعدتى

شهقت وهى تنتفض للخلف قائلة:

-يانهارك ابيض هى حصلت المدير وسكرتيرة

نهض من مكانه وهو يقترب منها وهى ترجع للخلف حتى تعرقلت قدمها ووقعت على الاريكة خلفها، رفع
كنان يده للأعلى قائلًا بشقاوة:

-أهى متسهلة دا شكل المكتب وشه حلو علينا

اقترب منها مضيقًا عيناه، اعتلاها وقبل أن تهم بدفعه
احكم امساك يدها فابتسمت بشر ثم مالت برأسها
نحو ذراعه وعضته فوقع على الأرض بينما هى جلست
بجواره تخبط على قدمها وهى تنفجر ضاحكة

طالعها كنان مشدوه وهو لا يصدق جمال هذه الضحكة العالية أول مرة يراها تضحك هكذا فمد يده يتناول
يدها وهو يقبل باطن يدها قائلًا:

-اضحكى كدا على طول عشانى

طرق على الباب قطع حديثهم نهض كنان يعدل هندمة
ملابسه ثم مد يده ليعاونها على النهوض واذن لمن
بالخارج بالدخول فكانت فتاة تبدو فى منتصف العشرينات من عمرها بشرتها بيضاء عيناها عسلتين
شفتان ممتلئة حمراوتان وكانت ترتدى كنزة سوداء
وبنطال باللون الأبيض

بعد مرور عدة دقائق كانت كيان تجلس على الاريكة
اخرجت هاتفها من جيبها لتتفقد رسائل البريد الالكترونى
فى محاولة لصرف انتباها لكنها اغلقته سريعًا وهى تنتبه لتلك الجالسة امام زوجها لم ترتح لها
بينما كنان يتفحص اوراقها بانبهار شديد قائلًا:

Perfact-
انضمامك لينا شرف، انتِ مقبولة يا دكتورة طبعًا

هزت رأسها بعملية ثم نهضت واقفة تصافحه وانصرفت
نحو الباب ثم عادت ثانية قائلة بثقة:
-شاهندة عامر العوضى
اونكل زهير قالى إنى متعينة هنا من زمان يادكتور
بس أنا مش بحب الواسطة ولا استغل اسمى بابى
اتشرفت بيك يا دكتور كنان
*****

يتبع 



الثامن عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close