رواية سلوان الفجر الفصل السادس عشر 16
السادس عشر: خُبُوّ السَحَر
آنية وسط مهج رفضت أن تستقر
7
_____________________
+
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
7
Like&comment
+
للعام اثنى عشر شهرا، شهور بأوقات مختلفة، الحزينة منها والسعيدة غير ذلك الشهر ذو الثلاثين يوما، شهر المسلمين حيث كل يوم فيه بركة واحسان
3
هلهل هلال رمضان على مسلمي نيويورك، وبثت سكينة في قلوب المؤمنين، جاء كضيف خفيف يغني قلوبا قاحلة مسها جفاف أعباء الحياة، ويرمم أرواحا كسرتها الأزمنة، شهر العطاء والعبادة حيث تشتغل كل عضمة في جسد العبد لعبادة خالقه وكل حاسة تخشع لله وحدة لا شريك له
7
أول يوم من رمضان، فرحت السماء بدخوله لتغطي نفسها بسحب رمادية تحوم بسكينة، تذرف وابل فرح يسقط كنقاط شتيتة على سقف منزل هاربيور الدافئ
1
قام الجميع للسحور، وهاهي الطاولة مجهزة بمختلف المأكولات في مقدمة الطاولة يجلس أباد على يمينه رقية، بجانبها تليد يقابلها في الجهة اليسرى إيلياء وحور تجلس أبرار وسطهما بينما تفرك عيناها تحارب النعاس، وهذا ما جعل تليد يضحك بخفت ويخاطبها بصوت ضاحك
1
" مدللتي لماذا استيقظت في هذا الوقت "
6
رفعت رأسها ببطئ، تحاول فتح عينيها بصعوبة بينما تحدق به عبر رموشها وقالت بنبرة ناعسة
+
" أريد أن أتسحر مثلكم كي أصوم غدا "
12
نمت على ثغر الجميع ابتسامة خافتة، ورد أباد ورقية ضاحكين
+
"ان شاء الله"
+
في تلك اللحظة، وصلت رائحة الخبز والأكل وأصوات ضحكات وتصادم الملاعق مع الصحون لغرفة كلوديا، حيث مشت بخطوات آنية متتبعة الأصوات، نزلت السلالم ببطئ لتقابلها الطاولة وهم مجتمعين
1
اقتربت منهم وعلى ملامحها تعابير الاستغراب، وعندما وقفت على طرف الطاولة سألت
+
"ماذا تفعلون؟ "
+
كان الجميع منغمسا في الأكل، وعلى صوتعه رفعو أبصارهم ناحيتها لتجيبها رقية
3
" نتسحر من أجل الصيام "
+
وبما أنها عرفت معنى صيامهم بالفعل فما شغل بالها هو كلمة سحور
+
"تتسحون؟"
2
همست بصوت شبه مسموع وصل لمسمع تليد الذي أجابها
+
"حسنا كما ترين. هو الطعام والشراب الذي نتناوله قبيل طلوع الفجر بنية الاستعانة به على الصيام، وقد سنّه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من بركة روحية وجسدية، وهو من السنن المؤكدة في شهر رمضان الذي شرحته لك من قبل"
6
هزت رأسها بتفهم ولكن يبدو أن أسئلة أخرى تسللت لبالها، فأيّ سرٍّ هذا الذي يوقظ الناس من دفء نومهم، وهدأة أسرّتهم، ليجتمعوا في ساعة يغفو فيها الوجود، أيّ نداء هذا الذي يجعل المرءَ يقوم على طعامه لا ليملأ بطنه، بل ليهيّئ نفسه لتركه!، وبالفعل هذا ما سألته
2
" كيف تستطعون النهوض في هذا الوقت للأكل "
+
ابتسم تليد لسؤالها وفي لفتتة منه للرد قاطعته حور
+
"حسنا لنقل إنه نداء السماء، من استأنس بنداء الأرض، نام في حضنها؛ ومن لبّى نداء السماء، هبّ من نومه، كأنما أفاق قلبه لا جسده."
4
رأت عدم الفهم في تعابير وجهها ما جعلها تضيف
+
" حسنا لنبسط الأمر من نظر المسلمين السحور ليس مجرّد طعام يؤكل في جوف الليل، ولا وجبة عابرة تُسدّ بها رمق البطون، بل هو سنّة من سنن الرحمة، يَهبها الله لعباده الصائمين؛ ليكون عونًا لهم على مشقّة النهار، ورحمةً بأجسادهم الضعيفة"
4
صمتت حور لثواني ما جعل تليد يؤكد كلامها
+
"في ساعةٍ يغفو فيها العالم، ويبقى اليقظون لله وحده، فيه بركةٌ خفيّة، لا تُقاس بكمية الطعام، بل بحضور النيّة، وصدق العزم، وتلك السكينة التي تتنزّل على موائد المتطهّرين"
+
درست رقية تعابير كلوديا جيدا، وبما أنها مرت بمواقف مثل هذه أكدت كلام حور وتليد وأضافت
+
"هو تذكير للإنسان أنه حين يمسك عن الدنيا نهارًا، فإن الله لا يتركه ليصارع الجوع وحيدًا، بل يهيّئ له زادًا خفيفا في ظلمة الليل، يربّت به على قلبه، ويقوّي به جسده"
4
نمت على ثغرها ابتسامة مستقيمة وارتاحت خطوط الاستغراب على تضاريحها، مشت بخطى سريعة وجلست بجانب تليد ثم قالت بعفوية
+
"حسنا رائحة الأكل جعلتني أشعر بالجوع، أريد أن آكل أيضا"
5
وضع تليد طبقا بجانبها، ووضع فيه الأكل الذي تريده وأخذت ملعقة لتذوقه، ليكمل الآخرون الأكل أيضا، بعد ربع ساعة تقريبا أقام أباد آذان الفجر وصلى الجميع خلفه في غرفة المعيشة، ركعتين بدون إقامة وركعتان بها وسلاما على الدنيا وما فيها في أجواء سكنت لها الروح وخشعت لها القلوب
10
أكمل كل واحد منهم نومه، وبعد ساعات طل نور الشمس خلف سحب نيويورك معلنا بداية أول يوم من رمضان المبارك
+
فتحت كلوديا عيناها ببطئ ثم اتجهت للحمام لتخرج منه بملابس كلاسيكية باللون الباج تضع فوقهم سترة سوظاء خفيفة ، حينها جذبتها رائحة الشاي التي اختلطت بعبق البانكايك الساخن، حركت بصرها نحو تليد الذي ينظم سترته أمام المرآة والى صحن الشاي والبانكايك فوق الطاولة بجانبه
+
"ما هذا؟"
+
"الشاي وبانكايك المفضل عندك، هيا اشربيه سنتجه للعمل"
1
"هل حضرته أنت؟ ألست صائما؟"
+
ضحك بخفت ورمقها بنظرات جانبيه ضاحكة ثم عاد ليوجه نظره صوب المرآة
+
"وهل صومي يعني أنني لا أستطيع اعداد الفطور لسلوان الفجر خاصتي؟ "
22
وضع سترته على كتفه وأضاف
+
" كما أنني أنا صائم هنا لست أنت، هيا عليك التغذي جيدا لشرب دوائك والإستعداد للعمل "
6
ابتسمت واتجهت صوبه، جلست على الكرسي أمام الصحن
+
"شكرا لك"
+
شربت الشاي ببطئ وتلذذ قلبها بما صنعته يداه بينما كان يتحدث
+
" حسنا قررت أننا سنأتي إلى هنا لتناول الفطور مع العائلة، يعني أننا سنعود لمنزلنا اليوم "
2
ههمت له بتفهم وصرحت
+
"اشتقت لآمبر"
4
" أمرت بأخذها لحديقة الحيوانات الأسبوع الفائت، سنذهب لزيارتها يوما ما"
1
أكلمت كلوديا شربها للشاي بعدما حركت رأسها قبولا، وعندها كانت آخر قطعة بانكايك تملأ فمها سمعت صوتها وكأنه يأتي من الهاتف وهي تعيد نفس الكلام المقابلة التي اجرتها عند محاكمته، توقفت عن المضغ لثواني ثم ادعت تجاهل ذلك حتى أتاها صوت تليد الساخر
+
"اذن أنا الشيئ الوحيد الحقيقي الذي تعرفتِ عليه في هذا العالم؟، ولا تسمحين لأي شخص بإهانة زوجك الذي هو أنا؟"
16
وضعت يدها على فاهها عندما علقت الكلمات وقطعة البانكايك بحلقها ليكمل
+
" هل تعترفين بزواجنا أخيرا؟ أعيدي كلمة زوجي أريد سماعها مرة أخرى"
17
زارتها نوبة سعال فحملت كأس ماء وشربته بسرعة، وقفت بحركة سريعة مستقيمة الجسد دون أن تلتفت نحوه، ما جعله يقترب قليلا ويضيف متذمرا
+
" خرجت كترانيم سحر من ثغره أعيدها أمامي، أريد أن أسمعها كلو "
5
توقف وكأنه أتته لحظة إدراك، فضرب خده بخفت محركا رأسه مستوعبا ما تفوه به
+
"أستغفر الله، اللهم إني صائم"
12
التفتت ناحيته وعقلها مليئ بأفكار متداخلة عجزت عن صياغتها، اقتربت منه يبدو عليها التردد ثم بعد ثواني سألت
+
" ماذا سيحدث لوالدي؟، سيدخل السجن؟ "
+
على بحاجبيه استغرابا
+
"هل أنت خائفة عليه بعد كل ما فعله؟"
+
حركت رأسها شمالا ويمينا رافضة الفكرة
+
" أريده أن يتعفن في السجن رغم علمي أنه لن يفعل بتهمة كهذه، لن يصمت يا تليد، سؤذيني بك "
10
وضع يده على كتفها وانحنى لمستواها قليلا، ظهرت تلك الحفرة على خده بعدما أن ابتسم بخفت يملء قلبها ببعض السكينة لعل وعسى ينظم أفكارها المعقودة
1
" أول شيئ عليك تعلمه هو أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فثقتي بربي كبيرة، أما عن والدك فقد حكم عليه بغرامة وسجن لستة أشهر لأن المحكمة اعتبرت فعلته استخفافا بها"
+
أطال التحديق بفتنة مقلتيها، بنظرات تحمل رجل يخاف على أنثاه أكثر مما يخاف على نفسه
+
"لن أسمح بشعرة أن تمسك على جثتي"
+
" ليس هذا ما يهمني يا تليد، فهو لن يؤذيني أنا بل سيفعل ذلك بك، لأنه يعمل أنك.... "
12
توقفت عند آخر كلمة فقلبها سجن الكلمات داخله ولم يسمح لها بالمرور، أما هو ابتسم بخفت فهو يعلم جيدا ما تود قوله، وأنه أهم لها من نفسها وأنها تهتم لأمره كما يفعل هو لكنها لا تقدر على الاعتراف
2
"أنني ماذا؟.."
+
اتخذت من الصمت جليسا لها، فلا قلبها ولا عقلها يسمحان لها بالاعتراف، الخيبات التي تعرضت لها جعلت منها كتلة صامتة لا تعرف التعبير عن ما بداخلها، لكنه كان أكثر شخص تفهم وضعها رغم عدم معرفته بما حدث، وهذا ما جعله يضيف بصوت لين هين رغم صمتها
+
"يا ابنة قلبي، ليتك تعلمين يا كلوديا كم يُرعبني أن أكون سيفًا في يد غيري عليكِ، أنا الذي خُلقتُ لأكون لكِ سترًا لا خنجرًا، وسندًا لا سيفا، فليفعل ما يشاء. فا والله لن يمسك بأذى إلا أن شاء الله، ويفعل الله ما يشاء"
21
ابتسم مرة أخرى في آخر كلامه ثم حرك بصره صوب صحن البانكايك وسأل
+
"هل أنهيت الأكل؟"
+
همهمت له موافقة وهزت رأسها للأعلى ثم الأسفل
+
"نعم"
+
"حسنا هيا اشربي دوائك ولنذهب للشركة، لدينا الكثير من العمل"
+
*
*
*
+
في الجامعة
1
بينما كانت بريجيت تجلس في مقعدها الخاص تخرج كتبها من الحقيبة، شعرت بشخص يقف بجانبها ويد تضع شيئا على طاولتها، التفتت للمصدر إذ به إيلياء يقف أمامها واضعا القهوة المثلجة أمامها
+
عقدت حاجبيها وهي تحدق به مستغربة بما يفعله فهي تعرف أن احضار القهوة ليس من شيمه، وقبل أن تنطق بحرف برر فعلته بنبرة ساخرة مادحا نفسه كالعادة
+
" بما أنني رجل يحافظ على الوعود ولا يخلف العقود، وبما أنني كنت من تحدث وكسر بندا من بنود العقد آخر مرة سيكون عقابي اعطائك قهوتك المفضلة كل صباح لمدة أسبوع فقط "
8
رفع يده ثم سبابته وأضاف
+
" أسبوع واحد فقط لا تعتادي على الدلال حسنا! "
5
أعاد وضع يديه على كوب القهوة ثم انحنى ناحيتها قليلا
+
" ولتعلمي هذا، أنا صائم يعني لن آكل حتى الغروب، ورغم ذلك سأحضر لك القهوة، هل ترين كم أنني شخص مهتم شوكولاتة مرة! "
8
لم يفسح لها المجال للرد ولا الحديث حتى واكتفى بمدح نفسه أمامها، ولأنها اعتادت على ذلك، حركت مقلتاه للأعلى بلا مبالاة ومدت يدها لأخذ الكوب، وبحركة عفوية لمست يده بغير رغبة منها، ما جعله يبعدها بحركة سريعة ويمسح بها على ملابسه
3
" أستغفر الله، اللهم إني صائم "
4
أشار لها بسبابته وقال آمرا
+
"أنت لا تحاولي افساد صيامي حتى، وبمعنى آخر لا تقفي أمامي، رؤيتك تأخذ مني أجر الصيام"
6
تنهدت بنفاذ صبر، ولطمت جبينها بخفت مكتفية من كلامه الساجذ وطفوليته، ضربت كتابها على سطح الطاولة وقالت بنبرة صارمة
+
" بالنظر في الأمر أنت من تقف أمامي يا عين الفستق لذا سأعد لثلاثة إن وجدتك أمامي حينها سيكون كوب القهوة على رأسك "
2
أخذت نفسا عميقة وبدأت تعد
+
"واحد"
+
دفنت نظراتها بخاصته ورغم ذلك لم يتزحزح من مكانه
+
" ثلاثة "
+
لحظة نطقها للعدد أمسكت بكوب القهوة بحركة سريعة وماكادت تفتحه حتى هرول مبتعدا وصرخ
+
" أين تعلمت العد، بعد الواحد يأتي اثنين ثم ثلاثة"
8
هرولت هي الأخرى خلفه متناسيين بنود العقد تماما وبيدها كوب القهوة
1
"تعال كوب قهوة باردة على رأسك سيخبرك أين تعلمت العد"
+
" عدوانية، أين الحفاظ على بنود العقد"
+
راحت تجري خلفه مسرعة
+
" تبا لك، وتبا لبنود العقد السخيف الذي وضعته"
1
جابا المدرج، كان بشوش الوجه مبتسما، تباريح ثغره أوضحت شعوره الداخلي عكسها هي حيث كانت تضاريحها توحي على أنها لو أمسكت به لأخرجت جم غضبها به
1
وبعد سباق دام دقائق دخلت حور المدرج، وبثبات اتجهت لمكتبها واضعة أغراضها فوقه، في تلك اللحظة ذهب كل واحد منهم لمكانه نظرا الى أنها علمت طلابها أن إحترام الاستاذ أفصل من أن تهابه، وأن لكل مقال مقام فكما للدرس وقته فلي التواصل معهم وقته أيضا
1
التفتت إليهم بعدما رحبت بالجميع ودخلت مباشرة في الدرس
+
"درس اليوم...."
+
لم تكمل حديثها ليقاطعها طرق في الباب، التفت الجميع للمصدر اذ به صليبا واقفا هناك
+
"هل يمكنني دخول؟"
+
استأذن رغم أن هذا ليس من عاداته، وعندما سمحت له تقدم بخطوات ووقف أمام طلاب، ابتسم رغم أن ابتسامته لا تظهر للطلاب إلا نادرا، ثم حرك بصره بينهم وبين حور بينما يتحدث
1
"حسنا من واجب المدير الاطلاع على طلابه وكيف يدرسون، لذا قررت حضور درس من دروسكم"
17
نظر الجميع نحوه باستغراب، إلا بريحيت التي رمته بنظرات تشكيك فهي تعرف والدها جيدا وتعرف أن هذه التصرفات ليست من عاداته، لكنها ادعت عدم المبالاة وبالأحرى لم تهتم فلا دخل لها به، في الجامعة هو مجرد مدير جامعتها وهي طالبة فيها
+
" ان سمحت لي السيدة حور طبعا؟ "
3
علت حور بحاجبيها ناظرة للطلاب وردة فعلهم لكنها لم ترى بنظراتهم أي رفض للفكرة، وبتردد حركت بصرها نحو صليبا وردت
+
" طبعا، تفضل"
1
اتجه نحو مكان من الصفوف الأخيرة وجلس هناك
+
صمت الجميع،كان بعض الطلاب متحفّز للدرس وبعضهم يتثاقل كالعادة، إلا أنّ وجود صليبا في آخر القاعة جعل حتى أكثرهم تململًا يجلس باستقامة
+
أمسكت حور بقلم وراحت تخط على الصبورة البيضاء بخط واضح
+
"التقاليد والعادات.. بين الإرث والاختيار"
+
التفتت إلى الطلاب قائلة بنبرة هادئة
+
"حين ندرس الأنثروبولوجيا، فإنّنا لا ندرس الماضي لنبكي عليه، ولا ندرس العادات لنقدّسها بلا فهم. بل ندرس الإنسان، الإنسان الذي يصنع ثقافته،تقاليده وعاداته، ويعيد تشكيلها كما يعيد تشكيل حياته، ودرسنا اليوم سيكون منحازا عن الأديان"
5
ساد صمت في القاعة، فأكملت حور
+
"الثقافة والتقاليد ليسوا شيئا تافها، وليسوا نصوصا مقدسة بالضرورة، وليسوا لباسًا لا يجوز تغييره. ففي علم الإنسان-الأنثروبولوجيا- هم منظومة متغيّرة، تولد مع الإنسان، وتكبر معه، وتتأثر بحاجاته، وبالظروف المحيطة به، فهي في حقيقتها انعكاس للواقع أكثر مما هي تجميد له."
1
رفع إيلياء يده وسأل
+
" حو...أقصد يا آنسة، هل هذا يعني أنّ كل العادات يمكن التمرّد عليها؟ حتى تلك التي نشأنا على احترامها؟"
7
ابتسمت حور بخفت، وكأنّها كانت تنتظر هذا سؤال خصيصا منه
+
"ليس التمرّد هو الهدف، بل الفهم. نحن لا نثور على التراث لنخالفه فقط، بل لنسأله هل ما زلت نافعا لي؟ هل تخدمني هذه العادة أم تقيّدني؟"
1
تحركت للأمام قليلا وأضافت
+
"ليس كل إرث سيّئ، وليس كل جديد نافع. الإنسان العاقل هو من يزن، لا من يقلّد ولا من يرفض جزافا."
1
ارتفع صوت هادئ من الصفّ الخلفي، صوت صليبا، الذي كان يراقبها بصمت منذ البداية معجبا بحديثها
1
"وماذا عن القيم العليا سيدة حور؟ أليست القيم جزءًا من التقاليد أيضًا؟ هل نضعها على طاولة النقاش أيضًا؟"
1
سرت همهمة خفيفة بين الطلاب، فالمدير يتحدّث، وأستاذتهم أمام اختبار علني
+
لكن حور رفعت رأسها بثقة ووقفت بوقار
+
"سؤال دقيق يا سيد صلييا، القيم العليا كالعدل، والرحمة، والصدق، ليست ملك تقاليد وعادات واحدة، بل هي مشتركة بين كلّ الحضارات مهما اختلفت العادات. ولذلك تبقى هذه القيم فوق العادات، نعود إليها كمرجعية، حتى حين نُعيد النظر فيما ورثناه."
5
ابتسم صليبا بإعجاب واختار الصمت بدلا من الرد هذه المرة، أما بريجيت كانت تبحلق به مدهوشة كيف يركز مع درس لا يعنيه ، تحرك بصرها بينها وبين حور التي أكملت
4
"حين ندرس الأنثروبولوجيا، نحن لا نبحث عن صواب واحد مطلق. نحن نبحث عن وعي. الإنسان الواعي لا يكون عبدًا لتقاليد سابقة، ولا تابعًا لعادات وافدة. بل صانع قراره، ربّ عقله، ومالك حياته."
+
هذه المرة كان السؤال من نصيب بريجيت اذ قالت بعدما رمت والدها بنظرة جانبية
+
"إذن يا آنسة، كيف تفسّرين صراع الأجيال الدائم؟ لماذا يشعر الآباء أنّ أبناءهم يتمردون على قيم راسخة، بينما يظنّ الأبناء أنهم يحرّرون أنفسهم من قيود قديمة؟ أليس لكلّ طرف منطقه ومخاوفه؟"
1
ساد صمت لحظة، قبل أن تبتسم حور وترد
+
"بلى، هذا هو لبّ الصراع الذي ندرسه في الأنثروبولوجيا. الآباء يرون في القيم إرثًا يجب حمايته خوفًا من الضياع. والأبناء يرون في ذات القيم قيدًا على حريتهم في عصر تغيّرت فيه الحاجات والظروف"
+
اقتربت أكثر وراحت تفصل بينما تحرك يديها عشوائيا
1
"وهنا يبرز دور الوعي ليس المطلوب قطيعة كاملة مع الماضي، ولا خضوعًا أعمى له. بل المطلوب حوار، تفاهم، ومرونة"
1
"نحن لا نكسر الجذور، بل نبحث كيف نمدّ فروعا جديدة تتناسب مع حاضرنا."
+
سأل طالب آخر
+
"لكن أليس هذا الكلام مثاليا أكثر من اللازم؟ الواقع يقول إن المجتمع لا يرحم المختلف، ولا يغفر لمن يخرج عن السائد!"
+
هزت رأسها بتفهم وأجابت
+
"صدقتِ، ليس الطريق سهلًا، ولا المجتمع يتقبّل التغيير بسهولة. لكن لو أن كل جيل استسلم لهذا الخوف، لبقينا حتى اليوم سجناء أفكار لا تشبهنا ولا تخدم مستقبلنا"
+
"التغيير ليس ثورة عمياء، بل هو عمل هادئ، يبدأ من الوعي، ويمتدّ إلى السلوك، وينتهي إلى واقع جديد يصنعه الشجعان، لا المنساقون"
2
همهم صليبا بصوت رجوليا خافت، ثم سأل مجددا
2
" أعلم أنك قلت أن الدرس سيكون منحازا عن الأديان، لكن خطر ببالي سؤال سيدة حور، هل يمكن أن نطبّق هذا الفهم أيضا على التقاليد الدينية؟ أعني، هل من حق الإنسان أن يعيد التفكير في بعض العادات المرتبطة بدينه، أو تلك التي يمارسها المجتمع باسم الدين؟"
6
ساد صمت لثواني، وانشدّت الأنظار كلها نحو حور، وكأن الجميع ينتظر ردًّا مناسبا، وهذا ما فعلته بالفعل
+
"هنا نحتاج أن نفرّق بين الدين كنص مقدّس، والعادات التي التصقت به عبر الزمن. الأديان السماوية كالإسلام والمسيحية جاءت تحمل قيما ثابتة: الرحمة، الحق، الكرامة، الإيمان، المحبة... وهذه لا تتبدّل بتغير العصور."
1
تقدّمت بخطوة ورفعت نبرة صوتها قليلاً
1
"لكن ما نراه من ممارسات اجتماعية قد تحمل اسم الدين أحيانًا، ليست بالضرورة من جوهره. بل هي عادات نشأت في سياقات معينة، وقد تتبدّل. المسلم الواعي، أو المسيحي الواعي، كلاهما لا يخاف من مساءلة هذه العادات، لأنه يعرف أن الإيمان الحقيقي في اتباع قول ربه ورسوله"
+
ابتسم بخفت وأكملت
+
" وبما أنني مسلمة دعوني أعطيكم امثلة عن هذا، هناك بعض العائلات في الإسلام لديهم عادات مثل إطالة الحداد على ميت للمرأة ولبس الأسود، هذه العادة يمكن قطعها لأن الإسلام حدّد عدّة الحداد للمرأة المتوفّى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشرة أيام، أما غيرها فلا حداد شرعي ملزم، كما أن لبس السواد، والعزلة الطويلة، ليست من الدين بل من التقاليد"
+
صمتت قليلا تفكر ثم أضافت
+
" في عصر الجاهلية كانت توجد تقاليد وعادات وهي دفن الفتا وقتلها حية بحجج سخيفة ، أو إبقائها حية ذليلة مهينة، وحرمانها من أبسط حقوقها، حقها في اختيار شريك الحياة حقها في المهر حقها في حسن العشرة حقها في الميراث، حقها في إنهاء رابطة الزواج، وهذه العادات لا أساس لها في الدين حيث أن القرآن ذمّ من كان يتشاءم بالأنثى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًّا وهو كظيم...»
والنبي صلى الله عليه وسلم بشّر من يُحسن تربية البنات بالجنة"
4
تابعت بعد أن رأت ملامح الاستغراب على وجوه بعض الطلبة
+
" أعطتكم أمثلة عن دين اسلام فقط ويمكنكم تطبيق ما قلته على معتقداتكم، ما أحاول قوله في هذا الفصل، هو أنّ الوعي لا يُناقض الإيمان. بل هو بوابته. وأنّ الحوار بين الأجيال، وبين الأديان، لا يهدّد الهويّة، بل يثريها."
3
ابتسمت وأضافت
+
"وحين نكون أبناءً لثقافات مختلفة، ولدينا أصدقاء من أديان أخرى، فواجبنا ألا نحكم على عاداتهم، بل أن نفهمه، لكن قد نكتشف أننا كنّا نبحث عن نفس القيم، بأسماء مختلفة."
+
حركت بصرها بين الطلاب وهي تشرح لتتوقف عند إيلياء ذو التعابير البشوشة والذي رفع يديه تصفيقا له دون أن يلحظه أحد ، لكنها تغافلت عن النظرات الغريية التي كان يرمقها بها صليبا، تسير مقلته عبر تفاصيلها وكأنه يحاول قرائتها، شيئ خفي لم يفهم معناه، لم ينبض قلبه ولا تحركت مشاعره، ولكن شيئ بعقله سكن وأخبره أن يهدأ وينصت إليها حتى وان كان درسا خارجا عن نطاقه، أكملت هي درسها تتحاور مع طلابها واكتفى هو بالصمت ومشاهدتها من بعيد
5
انتهت الحصة بعد نصف ساعة تقريبا لتخرج هي ويتبعها هو الآخر، وبينما يمر عليها سمعت صوته
+
"آنسة حور أريدك في مكتبي من فضلك"
+
لم ينظر نحوها وأكمل طريقه كأنه لم يتحدث، أما هي نظرت إليه باستغراب ثم تتبعته نحو مكتبه
+
وجد الباب مفتوحا قليلا وهذا ما جعله يعقد حاجبيه تشكيكا، فتحه أكثر إذ بأبيسينا تجلس واضعة ساقا على أخرى أمام مكتبه،دخل بهدوء وخلفه حور
2
" ماذا تفعلين هنا؟"
+
انشلها صوته من غفلتها ثم رفعت ناظرها نحوه وما كادت تنطق حتى لمحت حور خلفه، ما جعلها تضحك باستهزاء
+
" أصبح وجودها معك أمرا اعتيادا، فلا وقوف لصليبا إن لم تكن سيدة حور خلفه؟ "
6
اتجه مباشرة نحو مكتبه وجلس راميا ثقله على الكرسي، رماها بنظرات حادة وقال بنبرة باردة
+
" قولي ما عندك أو اذهبي"
+
" حسنا سمعت أن أخاك سجن بسبب عائلة هارتبيور"
1
أشارت لحور وأضافت
+
" أقصد عائلتها "
1
ضحكت حور بخفت وهذه المرة استطاعت الرد عليها
+
" سجن بسبب أفعاله وليس بسبب عائلتي"
+
اتكأ صليبا على الكرسي وقاطع جدالهما
+
" نحن في الجامعة إن اشتقت لأخي سيدة أبيسينا زوريه في السجن "
7
نظم الملفات أمامه وراح يتحدث
+
" وبما أنكما هنا، دعيني أخبرك، ستستلم عنك السيدة حور تنظيم الفعاليات المهمة في الجامعة أعجبني القائها "
2
نظر لحور وأضاف
+
" إن وافقت طبعا"
1
علت حور بحاجبيها بغير رضى وقبل أن تنطق قاطعتها أبيسينا
+
" من سمح بذلك؟ إنه عملي"
3
نمت على ثغر صليبا ابتسامة مستقيمة وأشار لنفسه
+
" انا، لأنني المدير "
7
نظر لحور مرة أخرى بعدما لانت ملامحه
1
" فكري في الموضوع جيدا وأخبريني عن قرارك، يمكنني الذهاب الآن إن كان عندك حصص "
+
حركت رأسها قبولا، ورمت بنظراتها نحو أبيسينا قبل أن تستأذن وتذهب
+
لحظتها قالت أبيسينا بغير رضى توضح في نبرة صوتها
+
" إلى أين تريد الوصول؟ "
1
" وضع كل شخص في مكانه الصحيح"
+
أفصحت عن ضحكة ساخرة ثم علت برأسها تحاول كبت غضبها لتلفت نحوه بعدها
+
"لا تنسى أنني مازلت أم أولادك"
2
" تزوجتك وأنا بسن العشرين فقط،كان زواج مصلحة فلا تسمي نفسك أم أطفالي "
1
خرجت من حلقها ضحكة ساخرة، ثم وقفت بثبات واتجهت نحوه، وضعت يدها على طرف الكرسي ثم انحنت نحوه تدفن نظراتها المستفزة بخاصته
+
" تزوجنا بسبب تهديدات والدك، أم نسيت ذلك الحريق الفضيع التي تسببت به وتستر عليه والدك سيد صليبا"
8
مررت سبابتها على وجها بينما كان يحتقن غضبا فبكلمة واحدة جعلت من بركانه يثور ثم أضافت
+
" كم من ضحية كانت هناك؟ هل مازالت تلك فتاة حية حتى؟ "
25
أمسك بوجهها بين يديه وأحكم قبضته عليه لدرجة تأوهت ألما ثم دفن غضبه بعينيها
+
" أولا كان حادثا غير متعمدا، ثانيا لم يكن هناك ضحايا غير تلك الفتاة والحادث كان قبل تسعة عشر سنة ولا يتذكره أحد، لذا دعيني أنسى أو أجعلك تنسينه بطريقتي"
5
دفعها بعيدا عنه حتى فقدت توازنها وكادت تسقط أرضا لكنها أمسكت بطرف المكتب
+
" من المفترض أنك تحاولين الحفاظ على مكانك في هذه الجامعة فبدأ العد تنازلي لخروجك منها، لذا اعملي جاهدا على عدم اغضابي "
+
أشار للباب وقال آمرا
+
" والآن اخرجي "
1
تجمعت الدموع بمقلتيها وهي تخترقه بنظراتها، صرخت بغضب ورمت كل شيئ موجود على المكتب أرضا ثم خرجت مباشرة، ورغم ذلك لم يبظي أي ردة فعل، بل شغل باله بكلامها وسافر عقله لأزمنة وأماكن مختلفة
+
*
*
*
+
شركة فيوجن ميديا
1
بينما كان تليد غارقا وسط الملفات في مكتبه، مشغولا بالرد على هاتفه الذي يرن كل ثانية بسبب ما حدث قبل أيام، دخلت كلوديا بعدما دقت الباب لكنها لم تقترب واكتفت بالحديث من مكانها
1
" ألا تشعر بالعطش؟ بالجوع هل أنت بخير؟ "
9
ابتسم لها بهدوء وهز رأسه رافضا ولأنه كان مشغولا بعمله المتراكم لم يكثر الحديث
+
" اعتدت على هذا، لا أشعر بأي شيئ "
+
خرجت مباشرة، ولم تمر ربع ساعة حتى عادت للمكتب
+
" ألا تشعر بالتعب؟ أعراض الاغماء؟ أو شيئ من هذا القبيل؟ "
20
ضحك بخفت على ردة فعلها وحرك رأسه يمينا وشمالا
+
" أنا أصوم منذ أن كان في عمري احدى عشر سنة كلو "
1
همهمت موافقة ثم خرجت مباشرة لتعود بعد عشر دقائق
+
" هل أساعدك في شيئ؟"
1
تنهد بنفاذ صبر رغم اعجابه بتصرفاتها وضع القلم على المكتب ومعه الهاتف ثم أشار لها بالتقدم
2
فعلت ذلك واقتربت بخطى ثابتة نحوه، وهذا ما جعله يبتسم بخفت ويصرح
+
" ساعدني في شيئ واحد وهو الجلوس في مكانك واكمال عملك، وتجهيز نفسك فغدا موعد تنصيبك كموظفة دائمة وصاحبة أول تطبيق من نوعية خاصة في شركتنا"
3
ابتسمت بملء شدقيها كطفل صغير سمع أن رسومه المتحركة بدأت، ثم حركت رأسها قبولا وقبل أن تنطق دق باب المكتب ليدخل يوسف
3
" آسف على المقاطعة لكن سيدة آمندا هنا"
2
"أدخلها"
1
قال تليد لمعرفته من، ولكن كلوديا عقدت حاجبيها وكأن هذا الاسم مر عليها من قبل لكنها لم تتذكر، ومع ذلك بقت صامتة ولم تتجرأ على أن تسأله
لحظتها دخلت آمندا، صديقة طفولته ورئيسة شركة سايفر جارد للأمن سيبراني وحماية بيانات، وعندما رأت ملامحها تذكرت ما تكون وهذا ما حعلها تستقيم وتبتعد عن مكتبه بخطوات
1
أما آمندا كانت تبتسم له وهي تقترب من مكتبه بخطوات واثقة يسمع صوت تصادم كعبها مع سطح الأرض، جلست على الكرسي أمامها ووضعت ساقا فوق أخرى
+
" سعيدة لخروجك من السجن "
+
"شكرا"
+
أجابها بصوت صارم غير باغ بدأ حوارا لا أهمية له معها ولكنها ورغم ذلك اعتادت على تصرفاته منذ صغرهما ما جعلها تضيف ممازحة
+
" حسنا لو تزوجتني أنا لكنت سعيدا الآن، لا سجون وكانت مكانتك سترتفع اكثر "
15
سرت رعشة بجسد كلوديا الواقفة هناك، وتصاعدت حرارتها ما جعلها ترخي أكتافها وترسم عبوسا على ثغرها، حيث شعرت بشيئ من الخيبة ولوم النفس المعتادة، أما تليد رد عليها مباشرة وكأنه توقع أنه سيقول ذلك
2
"سعادتي أمر خاص بي لا أشاركها مع من هب ودب ومن أخبرك أنني لست سعيدا؟"
+
قلب الملفات أمامه وأكمل دون أن يعطيها حتى نظرة خاطفة
1
"كما أن مكانتي لا تبنى بامرأة، بل أصنعها بنفسي، لأدخل فيها امراة تستحق أن تكون بجانبي و لا يستطيع أحد امتلاكها سواي، وأقصد بهذا الكلام زوجتي أكيد"
9
ربما اعتادت على كلماتها اللاذعة ولكن بطريقة ما شعرت بالحرج خصيصا بوجود كلوديا معهما،وهذا ما جعلها ترمقها بنظرات حادة وكأنها تخبرها أن تتبخر من أمامها
+
اخترقت نظراتها كلوديا التي كانت ساهية في أفكارها فانتشلها صوتها الساذج
+
" أريد التحدث معه عن العمل لو سمحتِ "
2
أتتها لحظة ادراك أنها كانت تقف دون وعي منها لهذا ابتسمت بخفت وبان عليها التوتر، لكن تليد أسكنها بكلامه
+
" كلو، كما اتفقنا حسنا؟ "
11
ابتسمت له راضية وهزت رأسها موافقة قبل أن تذهب مباشرة
+
"كلو؟"
8
همست آمندا باسمها مستغربة، ثم طردت كل أفكار عقلها وعادت لتكلمه
+
" حسنا، ماذا قررت؟ هل ستكون شراكة بين شركتينا؟ "
+
صمت لثواني معدودة ثم همهم موافقة
+
" غدا سيكون حفل في الشركة، وسنوقع عقد شراكتنا حينها "
+
نمت على ثغرها ابتسامة واسعة ثم استقامت مباشرة
+
" حسنا "
+
ذهبت مباشرة تمشي كعارضات الأزياء،خرجت من الباب ثم حركت بصرها بين الموظفين لتلمح كلوديا المنغمسة في عملها،رمتها بنظرات تشكيك ثم أكملت طريقها خارج الشركة
+
بعد ساعة تقريبا، دق باب المكتبة بخفة،كانت كلوديا التي دخلت بخطوات ثابتة مترددة، اقتربت من تليد حيث هو الآخر رفع نظره ناحيتها، بحثت مقلتيه عن ما تود قوله بين تعابير وجهها لكنه لم يلمح غير التردد ما جعله يتوقع ما يخفيه عقلها ويقول قبل أن تنطق
+
" لا شيئ بيني وبينها، كانت تدرس معي فقط، وتصرفاتها ساجذة لا تثقلي عقلك بأفكار لا أساس لا كلو "
3
علت بحاجبيه استغرابا وانكمشت تعابيرها وجهها بغية طرح السؤال
+
"لم أقل شيئا؟"
+
" لل تأتي لتتحدثي في هذا الموضوع؟ "
+
حركت رأسها رفضا ثم ابتسمت بخفت
+
" لا، فأنا أثق بك "
15
بادلها الابتسامة ولمع بن عينيه بشيئ من الفخر
+
" إذن لماذا أنت هنا؟ "
+
دفنت نظراتها بخاصته، وكأنها تود استخدام سحر مقلتيه عليه فهي تعرف أنها لو فعلت ذلك لن يرفض لها أي طلب
1
وبتردد وصوت أنثوي لين طلبت
2
" بما أن الجميع صائم في منزلكم غيري، أريد زيارة بريجيت لأنني اشتقت لها "
+
عقد حاجبيه بغير رضى وقبل أن ينطق أضافت
+
" سأشارككم طقوس صيامكم غدا أعدك، اشتقت لبريجيت وماريو وعمي حقا "
+
نبرتها اللينة وصوتها الحنو، نظراتها البريئة لم تعطه أي مجال للرفض، اذ به يتنهد من أعماق قلبه ويبتسم
+
"أويرفض هذا القلب أي طلب منك؟ الغالي يطلب الرخيس، طلباتك أوامر سيدة هارتبيور"
8
أشرقت ابتسامة واسعة على ثغرها، ابتسامة لا تشبه غيرها، خالية من أي ذرة خوف أو حزن كالتي اعتاد على رؤيتها
+
"شكرا"
+
بسطت يدها على ثغرها ورمت قبلة في الهواء نحوه قبل أن تهرول خارج المكتب تاركا خافق ينبض بشكل غير اعتيادي، اعتاد على كلو التي تتهرب منه، تلك التي نفرت منه منذ أن تزوجها والتي تخفي أحزانها خلف قناع ابتسامتها، ولكن شيئ ما داخله أخبره أن من كانت أمامه الآن شخص آخر، شخص حمل أملا في نظراته
16
أكمل كل واحد منهما عمله، اتجه هو بعدها للمنزل لمشاركة العائلة الإفطار واتجهت هي لمنزل عمها
+
عاد هو بعد صلاة التراويح لإكمال بعض الأعمال في الشركة، وعندما دقت ساعة منتصف الليل، سارت تلك السحب المحملة بالأمطار على عرش السماء، تحجب ضوء القمر الفتان، الذي بدوره كان يتوارى بينها بينما يطل من حين لآخر، راميا نوره لزجاج ذلك المكتب، حيث كان تليد غارقا وسط أكوام من أوراق متناثرة، منغمسا في توقيعها حتى انتشله صوت الهاتف، ويرد
3
" سلوان الفجر، سأتأخر عن أخذك "
2
سمع ردها الأنثوي المتملق وهي تحاول اقناعه
1
" حسنا كنت سأتصل لهذا الموضوع، كنت أود المبيت عند بريجيت اليوم "
+
صمت لثواني من التفكير، وبما أنه شهر رمضان وجل أوقاتهما كانت بالعمل أو المنزل تنهد ورضخ لطلبها
+
"حسنا"
+
سمع صوتها الشبيه بالصراخ واستطاع تخيل ابتسامة الرضى على وجهها
+
"شكرا ملك الجليد"
+
صمتت لثانية ثم ضحكت
+
"أقصد شكرا زوجي"
15
"أعيديها"
2
قال آمرا ولكن بصوت لين ليسمع همسها الأنثوي
+
"زوجي"
11
رويدا روديدا نمت على محياه ابتسامة دافئة، وغنت تباريح ثغره حبورا، أخذ نفسا عميقا وصرح قبل أن يغلق الخط
+
"اعتني بنفسك"
+
أما هي التفتت صوب بريجيت وضربت يدها ضاحكة بحماس
2
" لقد وافق. لنذهب "
12
ركبتا سيارة كلوديا، ثم انطلقتا مباشرة حتى توقفتا في منتصف شارع مهجور واسع، تحيطه مبانٍ صناعية باهتة، تغطيها كتابات الغرافيتي ورموز ورسومات مختلفة الأشكال والألوان
+
بدا الشارع وكأنّه منفصل عن المدينة وعن القانون
كانت الأرض ملوّثة بآثار الإطارات المحترقة، وخطوط سوداء متقاطعة
+
سيارات من مختلف الأنواع والألوان موضوعة وسط الطريق حيث بدأ يتجمّع الحشد، عشرات المراهقين من كل الاتجاهات، بملابس تفضح أكثر ما تتستر، ستر جلدية، سلاسل معدنية، قبعات مقلوبة، ووشوم غريبة
7
تداخلت الأصوات والهتافات وامتزجت الأجواء برائحة البنزين ودخان السيارات، تزينت السماء فوقهم بالأنوار، ألوان حمراء وزرقاء وبنفسجية، بعض المراهقين يقفز على أغطية السيارات، البعض يصفّر، البعض يلوّح بالمال رهانات، فيما ارتفعت أصوات المزايدات على من سيهزم الآخر.
+
خرجت واحدة من الموجودين تحمل مكبر صوت في يديها حيث بدأت تصرح
+
" اليوم مميز هل تعلمون لماذا؟ "
+
صرخ الجميع وارتفعت الأصوات
+
"لماذا"
+
" الجميع هنا من جامعة الملوك، لذا دعوني أخبركم عن أسماء جديدة والتي ستتنافس اليوم، بريجيت هيمستيد الغنية عن التعريف أظن أن الجميع يعرفها هنا "
+
أشارت لسيارة بريجيت، حيث فتحت الباب وخرجت بثقة تحرك نظرها نحو الجميع، لحقتها كلوديا الذي بدى عليها التوتر وهي تمرر نظراتها عبر الموجودين، اقتربت من بريحيت ووقفت بجانبها ثم همست
+
" ما كل هذا، قلت أنه لن يأتي الكثير من الناس "
+
ابتسمت بريجيت بخبث دون أن تنظر لها
+
" حسنا لم أتوقع"
+
لحظتها قاطعتهما تلك السيارة المؤلوفة التي وقفت بجانبها ملتفة حول نفسها تستعرض قدراتها أمام الجميع ما جعل صاحبة المكبر تضيف
2
" المتنافس الآخر هو شخص اشتهر بمشاركته في هذه سباقات قبل أربع سنوات تقريبا، وكان أصغر شخص يشارك فيها وأشهرهم حيث عرف بفوزه كل مرة، إيلياء هارتبيور "
22
أوقف سيارته وسط الحلبة ثم نزل منها بخطوات واثقة، ظهره مشدود، وكتفاه يتباهيان بعناده الفطري. خطى أولى خطواته على الأرض فتفجّرت الهتافات من حوله دفعة واحدة
+
ابتسم بخفة رجل يعرف أن الأنظار خلقت لأجله، ثم رفع يده بتكاسل ومرر أنامله عبر خصلات شعره الأصفر المبعثر مرجعا إياه للخلف متغافلا عن نظرات بريجيت التي كانت ما تزال واقفة قرب سيارة كلوديا، تحملق فيه بعينين متسعتين، انفلتت من ملامحها نظرة ذهول لم تحاول حتى أن تخفيها، رفعت حاجباها تلقائيا وانفرج فمها ببطء عن كلمة لم تنطق بها متفاجئة بكونه أمامها
+
أما كلوديا تصنمت في مكانها، متكأة بيدها على إطار باب السيارة دون وعي منها، عيناها ثبتتا على إيلياء كأنها رأت شبحاً. لم تجرؤ حتى على ابتلاع ريقها صدرها يعلو ويهبط يدارى عليها القلق وهمست بصوت خافت
+
"ماذا يفعل هنا، يا إلاهي"
1
لسانها انعقد ولم تطاوعها الكلمات، غفلت وهي تحدق به بملامحها شيئ يشبه ارتباك من واجه خصماً له، غطت وجهها والتفت للوراء عندما لاحظت انه بصدد الالتفات نحوهما هو الآخر
+
" لا يجب أن يراني"
+
أما هو بكل سلاسة وبرود تابع خطواته المتزنة وبنظرة عفوية وقعت عيناه على بريجيت.
+
توقف لحظة، لم تكن طويلة لكنها كانت فاضحة لما شعر به، عقد حاجبيه بخفة، وكأن عقله يحاول أن يستوعب وجودها هنا تحديدا، في هذا العالم البعيد عن عالمها المرتّب المثالي، حدق بها ثم توقفت عيناه على ملامح وجهها المصدوم، فمها المفتوح على وشك أن يتحدث لكنها فقدت صوتها.
+
زفر ضحكة قصيرة لم تخلُ من السخرية، ابتغى الحديث لكنه همس موقفا نفسه
+
"العقد"
+
بعثر خصلات شعره بأنامله معبرا عن تذمره
+
"العقد، من يضع عقد كهذا"
+
استغلت نظراته الفرصة لتقع على كلوديا لم يكن يظهر منها غير ملابسها وشعرها المألوف، وهذا ما جعله يرفع حاجبيه استغرابا ظنا منه أنه يتخيل، ففكرة وجود زوجة أخيه في هذا المكان بالذات بدت مستحيلة، ولكنه تتبع احساسه واقترب أكثر ثم سأل
+
"زوجة أخي؟"
1
عقدت بريجيت حاجبيها لكنها وبسبب الاتفاق لم تتجرأ على الحديث، أما كلوديا عضت شفاهها تحاول اخفاء احراجها ثم أخذت نفسا عميقا والتفتت نحوه
+
"نعم؟"
+
تصلب في مكانه كأن الأرض جذبت قدميه بقوة، عيناه لم تستطع أن تفلت من عينيها، وكل جزء فيه يردد بداخله بأسئلة مختلفة حتى صرح
+
"ماذا تفعلين هنا؟"
+
تحركت نظراته نحو بريجيت ثم نحوها
+
"لا أفهم ماذا يحدث ولماذا أنت معها؟ هل يعرف أخي أنك هنا؟"
2
على اثر هذا السؤال تجمدت في مكانها كأن نظراته جرّدتها من كل قناع كانت ترتديه، ثم أشاحت عيناه عنه للحظة تلك العيون التي تعرف جيداً لأي رجل تنتمي وأي كارثة توشك أن تبدأ إن علم تليد
3
"انتظر كيف تعرفها؟"
+
قاطعتهما بريجيت متسائلة
+
" ومادخل أخيك في كلوديا "
+
" وما دخلك أنت هنا؟ وماذا تفعلين معها؟ "
+
"ما دخلك أنت، هل أنت محقق لتحقق معنا؟ "
+
كانا على وشك جدال بينهما لكن كلوديا أوقفتهما عندما صرحت وهي تلتفت صوب بريجيت
+
"إنها ابنة عمي"
+
حركت بصرها صوب ايلياء مجددا وأضافت
+
"انه أخ زوجي، يعني أخ تليد"
+
"ماذا؟ "
6
لحظتها صرخ كلاهما بغير تصديق ليشيرا كل واحد للآخر وهما ينظران نحو كلوديا
+
" هذا المزعج أخ زوجك؟ "
+
" هذه المزعحة ابنة عمك. تقصدين أخت ماريوو؟ "
2
رمته بريحيت بنظرات حادة وعادت لتخاطب كلوديا
+
"كلوديا فكرة الزواج التي اقترحتها عليك انزعيها، مستحيل لن أفكر بالزواج من شخص مثله على جثتي"
4
رفعى حاجبيه بغير رضى وضحك ساخرا
+
" أفضل الزواج بجثة على الزواج بك، على أساس أنني كنت أبكي ليزوجوني بك "
8
تنهدت كلوديا بنفاذ صبر فلم تعلم كيف توقفهما
+
"كيف تعرفان بعضكما؟"
+
"لا أتشرف بمعرفتها، لا أعرفها"
1
"لا أعرفه قطعا، من يعرف مغرورا مثله؟"
+
التفت ايلياء نحو كلوديا بعدما لاتته لحظة ادراك
+
"هل يعلم أخي أنك هنا؟"
+
حركت رأسها رافضة الفكرة، ما جعله يهمم متفهما
+
" أكيد لا يعلم، لو علم لكنا نحن الاثنين في عداد الموتى، لذا دعينا نتفق، لم تريني هنا ولم أرك أيضا "
10
أشار لبريجيت مبتسما باستفزاز قائلا
+
" أنت من بدأت الحديث، أخلفت بندا من العقد وستفعلين ما سأقوله"
1
التفت بصدد الذهاب ثم أضاف
+
" لكن ليس الآن في الوقت مناسب "
+
فتحت ثغرها للرد لكن المكبر قاطعها عندما صرح ببداية السباق، تنهدت بنفاذ صبر، ثم ركب كلاهما السيارة
+
وقفت سيارة كلوديا التي تقودها بريجيت بجانب سيارة إيلياء عند خط البداية، هدرت محركات السيارة بقوة وترردت الأصوات بين المباني المهجورة مستعدة للإقلاع
+
وقفت الفتاة بين السيارتين، كانت ترتدي ثيابًا سوداء جلدية، بيدها اليمنى شيء يشبه المسدس المعدّل لكنه ليس سلاحا حقيقيا، بل أداة البداية الشهيرة في هذه السباقات غير القانونية
+
رفعت يدها للأعلى ببطء، صمت الجميع فجأة، لم يبق سوى صوت المحركين، ضغطت على الزناد فانطلقت شرارة من وميض اخترق دجى السماء ، تلاه وميض خاطف من الضوء الأزرق
+
انطلقت السيارتان في ذات اللحظة، وأطارت العجلات الحصى والغبار في كل اتجاه، والإطارات تحتك مع الأسفلت القديم
1
أمسكت بريجيت بالمقود بقوة، وثبت عيناها على الطريق أمامها، لم ترمش حتى، ربما كانت نيتها الاستمتاع ولكن برؤية إيلياء استيقظت روح المنافسة داخلها، خصيصا عندما لاحظت سخريته وملامحه المستفزة وغرورة الفطري، متجاهلة كلوديا التي أخذت وقتها في ادراك ما يحدث، هاهي تحقق حلمها في المشاركة في هذه السباقات لكن شيئ بداخلها أخبرها أن ما تفعله خاطئ وأنه سيحدث شيئ لا تحمد عقباه
5
أما إيلياء كان يقود بهدوء، يميل جسده مع كل منعطف، يتلاعب بالسيارة كملك على عرض مملكة السباقات، ورغم مرور وقت طويل على مشاركته إلا أنه مازال متمرنا على فعل ذلك
+
كانت المسافة بينهما متقاربة، و الجماهير تلاحقهم على الدراجات النارية، بعضهم يصوّر، بعضهم يصرخ بأسماءهم.
+
في لحظة خاطفة، ضغطت بريجيت زر التعزيز أطلق العادم خلفها ألسنة نارية قصيرة ووزادت سرعتها للحظات ما جعل كلوديا تصرخ
3
"ماذا تفعلين"
+
لكن إيلياء ابتسم، كأنه كان يعرف أنها ستفعل ذلك وبهدوء أدار عجلة القيادة بحركة مفاجئة، تفاديا الحفرة العميقة التي لم ترها بريجيت بسبب اندفاعها المتهور
+
اهتزت سيارتها وفقدت بعض التوازن، لكنها تداركت الموقف بصعوبة وخففت السرعة، لحظتها وقفت سيارة إيلياء ووصل صوته الساخر لمسامعها
+
"ربما أسمح لك بالفوز من أجل زوجة أخي"
+
ما إن همّت بالرد، حتى دوّت صافرات سيارة الشرطة في الأرجاء. التفت كلاهما إلى الخلف، فإذا بسيارة شرطة تطاردهما، وصوت مكبّر الصوت يعلو
13
"آمركما بالتوقّف!"
+
توقفت سيارة بريجيت على الفور، وتبعها إيلياء، الذي صفّ سيارته جانبا، جلس كلاهما في مقعديهما، يحدقان ببعضهما في صمت
+
اقترب شرطيان واحد أمام بريجيت والآخر أمام إيلياء
+
"ترجّلا من السيارة!"
+
امتثل إيلياء للأمر بلا مبالية، بينما نزلت بريجيت بعده، أكثر تظاهرا باللامبالاة منه. أما كلوديا، فخرجت من السيارة تحدق بالشرطي ولتوتر بادٍ على تقاسيم وجهها
+
"أنتما رهن الاعتقال لمخالفتكما القانون بالمشاركة في سباق غير قانوني. يرجى تسليم مفاتيح السيارة والتوجه معنا إلى مركز الشرطة فورا."
36
انتهى
8
اشتقلكم ما اشتقتولي!؟
5
عم حاول كمل رواية في أربعة أشهر ان شاء لحق. 🥲 شجعوني ترا علقو حمسوني لأنو لو ما كملتها في اربعة اشهر هي راح تستمر حتى عام مقبل. 🌚
12
رأيكم بالفصل؟
9
ما حطيت كتير أجواء رمضان راح تكون بالفصل القادم ان شاء الله
+
شو رايكم بحوار سحور؟
+
بدنا ربي إيلياء صح؟ شكلو راح يفلت مني
7
شو رايكم بدرس التقاليد ولي حاولت أدمجو مع دين؟ لانو في ناس بتسوي تقاليد كأنها من دين ويفرضوها على كل
7
🤭 فصل جاي ترسيم كلوديا بس راح يصير شي تاني جهزولي حالكم
10
وأخيرا بنشوف بريجيت وإيلياء وكلوديا بالسجن. 😂 شو تتوقعو يكون ردة فعل تليد؟
23
بتمنى تكونو استمتعو بالفصل نلتقي في الفصل قادم
+
في أمان الله
4
12
