اخر الروايات

رواية سلوان الفجر الفصل الخامس عشر 15

رواية سلوان الفجر الفصل الخامس عشر 15



                                              
الخامس عشر: غَشَمٌ وانصاف
أجحف به القانون، وفي جنح المحكمة بات مذنبا، ولكن كلمة الله حق، والعدل يشرق خلف غشم الحياة حتى ولو بعد حين 

10


____________________

+


علا تليد بحاجبيه بغير فهم وهو يقترب منهما بوقار رغم تفاجئه، ثم خرجت الكلمات منه بهمس شبه مسموع 

+


"ماذا!؟" 

1


نظر الجميع لبعضهم ثم لتليد، أما كلوديا اقتربت بقلب راجف دون أن تنطق بحرف واحد 

+


استمر الجميع بالتحديق ببعضهم لثواني معدودة دون فهم ما يحدث، حتى قاطعهم ذلك الشرطي 

+


"لدينا مذكرة اعتقال صادرة بحقك بتهمة الاعتداء والتهديد. لديك الحق في التزام الصمت، وأي شيء تقوله قد يُستخدم ضدك في المحكمة. ولديك الحق في الاتصال بمحامٍ أيضا" 

6


خرجت همسات متفاجئة من فاه الجميع 

+


"تهديد واعتداء؟" 

+


ورغم كل الاتهامات إلا أن تليد لم تهتز شعرة منه، بل رفع رأسه بشموغ ثم وضع كلى يديه في جيب سرواله محدقا بأحد الشرطيين وسأل

+


" تهديد واعتداء؟  على من؟ "

+


" السيد جوناثان هيمستيد " 

8


على اثر ذكر ذلك الإسم، نمت على ثغر تليد ابتسامة جانبية ساخرة وكأنه تنبأ بما سيحدث، أما كلوديا وقفت متصنمة ترمق الشرطيين بنظرات تشكيك ثم تليد بنظرات مستغربة منتظرة منه أي توضيح، وكل ما خرج من فاهها كلمتين عشوائيتين 

+


"كيف!.. متى؟" 

+


لملمت شتات نفسها واستطاعت الاقتراب بخطوات من تليد يدارى على تضاريح وجهها القلق والخوف، وقفت أمامه تحرك أطياف مقلتيها عبر تقاسيم وجهه تبحث عن شيئ يطمئن قلبها 

+


" هذا غير صحيح صح!"

4


لم تنتظر جوابه، والتفتت نحو الشرطيين وقالت بصوت راجف 

+


"غير صحيح تليد لا يفعل ذلك، إنه انسان رزين لا يأذي ذبابة، اعتداء؟  مستحيل أبي بخير، إنه يدعي ذلك فقط"  

9


قبل أن ينطق الشرطي قاطعها صوت تليد اللين يحثها على الالتفات نحوه 

+


" سلوان الفجر "

15


وهذا ما فعلته،استدارت نحوه بحركة سريعة، حيث دفنت نظراتها بخاصته تبحث عن أي شيئ يوقف ارتجاف قلبها، لكن كل ما وجدت هو ابتسامة خافتة على ثغره وكأنه ليس من سيذهب للسجن بعد قليل، أومأ رأسه مؤيدا قول الشرطيين ما جعل بؤبؤ عينيها يتسع دهشة غير مصدقة انه فعل ذلك حقا، ثم همست وهي تحرك رأسها يمينا وشمالا رافضة الفكرة 

4



    

                
" غير صحيح "

+


اقترب منها وانحنى لمستواها واضعا ثغره قرب مسمعها، هامسا بجمل توضح ما يجري كي لا تكون كلماته أي إدانة له أمام الشرطيين، ثم استقام مجددا تاركا إياها متصنمة في مكانها تحاول استعاب ما يحدث، ابستم مجددا ثم رفع سبابته للسماء وقال بصوت مرتفع 

+


" لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا كلو، لا تقلقي "

1


لا زالت تحت صدمتها، مدركة أن كل ما يحدث بسببها فلولا وجودها بحياته ما هدد والدها ولما تعدى عليه 

6


أما تليد اقترب من شرطيين وقال بهدوء 

+


" يمكننا ذهاب "

+


التفت نحو عائلته، رقية التي سقطت أرضا من فرط القلق وحور التي تحاول تهدئتها 

+


إيلياء الذي يحاول تهدئة خوف الصغيرين، وأباد الذي ينظر لإبنه بهدوء متقبلا قضاء الله 

+


" لا تقلقو لن يحدث شيئ، سيحل كل شيء بسرعة"

+


التفتت صوب أباد 

+


" أبي كلو أمانة عندكم"

+


ثم حرك بصره نحو رقية 

+


"أمي لا تفعلي ذلك ليس بالشيئ العسير سيحلها الله ان شاء الله " 

5


مشى وسط الشرطين بخطوات للأمام، لحظتها وأخيرا استفاقت كلوديا من صدمتها والتفتت لتراه ذاهبا معهما، ما جعل فيضا من الدموع ينحت خط وجنتيها، وبعد ثواني اندفعت مسرعة ناحيتهما وصرخت 

1


" تليد "

4


توقف والتفت ناحيتها هو والشرطيين لكنه لم ينطق بحرف، أما هي وقفت بغير ثبات بعينين مدمعتين وقالت بصوت راجي مترجية الشرطيين 

+


"لا تأخذوه أرجوكم لم يفعل شيئا، كل شيئ بسببي خذوني أنا حسنا؟" 

12


حركت بصرها نحو الشرطي اخر وأضافت 

+


" دعوني أتحدث مع والدي، سيغر رأيه، أرجوكم "

+


حينها قاطعها تليد بصوت صارم رسمت على ملامحه الجدية 

+


"كلو، زوجتي لا تترجى أحدا" 

12


اقترب أكثر وأضاف آمرا 

+


" لن تفعلي شيئا،  ولن تذهبي لوالدك كلو، كل ما عليك فعله هو الجلوس بالمنزل وانتظاري، ألا تثقين بزوجك؟  قلت أن الأمر سيحل، يعني سيحل بإذن الله " 

1


لانت ملامحه مرة ثانية وقوس جسده منحنيا لمستواها، مد كلى يديه ومرر إبهامه على طرف وجنتيها ماسحا تلك الدموع

1



        

          

                
" أخبرتك أن دموعك غالية، لا تبذريها على أشياء لا تستحق، إلا إذا كانت دموع سعادة كلو "

1


ربت على شعرها عندما استقام بجسده مجددا ثم أمسك بيدها وقال مبتسما 

+


" زوجة سيد تليد قوية لن تخيفها أشياء مثل هذه، فقط انتظريني كلو حسنا؟ "

+


"آسفة" 

+


قالت ذلك بصوت خافت تخلله شهقات صامتة، ما جعله يحرك رأسه بلا ويجيبها مبتسما يبعث بعض السكينة لقلبها الراجف 

+


"لم تفعلي شيئا لتتأسفي عليه"

+


أفلت يدها بحركة بطيئة وأضاف 

+


"اعتني بنفسك" 

+


ذهب بعدها مباشرة  ولحقه ايلياء وأباد الذي اتصل بمحامي العائلة مباشرة 

+


وهاهو تليد وسط غرفة فارغة سوداء تتوسطها طاولة مربعة الشكل، حيث يجلس محاميه مقابلا له، يقف بجانبه صديقه الشرطي، لحظتها صرح المحامي 

+


" لديهم أدلة كثيرة تدينك، ستبقى في السجن الليلة وتعرض على القاضي غدا في جلسة الاستماع الاولية وهو من سيقرر ما سيحدث،  لكن لا تقلق سأحاول اخراجك بكفالة حتى يوم محاكمة على الأقل حتى أجمع بعض الأدلة "

+


أضاف صديقه ملطفا الأجواء 

+


"حسنا سيكون ضيفي الليلة، لم نتحدث منذ زمن"  

+


مرت ليلة سوداء على قلوب الجميع، أجحف به القانون وأسقطت الحياة غشم حكمها عليه، وها هو مستلقي على ما يقال عنه سرير نوم، صلب ليس به شيئ غير فراش خفيف بعدما كان ينام فوق أفخم الأسرة،ولكن قدر الله لا يعلى عليه وهذا ما جعله مرتاح البال مطمئن القلب لا حزن يدارى عليه 

4


عكس كلوديا الذي أكلها تأنيب الضمير وهاهي تحمل عقد صليب تدعو صاكتتة في جنح الدجى، رسمت على شفاهها خطوط عباس، وغرس شيئا من الأسى بأطيافها، والتصق الشوك بحلقها، لم تهن عليها الحياة ولكما ضحكت عادت لقاع البأس من جديد، فقدت الأمل وأملها كان تليد والحياة التي قدمها لها، ولكن هاهي تراه مسجونا كمجرم وكل ما يحدث بسبب والدها الذي ما انفك يفسد حياتها حتى وهي بعيدة عنه، بعد لحظات ارتفع صوتها قليلا وراحت تأنب نفسها 

5


"  كنت أعرف أن أبي لم يبقى مكتوف الأيدي، كان علي الابتعاد، لو فعلت لنا كان كل هذا سيحدث "

3


" لن أتركه يفسد حياتي كما فعل معي، ماذا علي أن أفعل ماذا "

2


"لا مكان لي في هذه الحياة، لا أستحق السعادة وعلى أن أكون موجودة بعائلة مثل هذه، سأكون عليهم نحسا، علي أن أجد حلا" 

8



        
          

                
اكتمل الليل وكان دَيْجُور الليلة عابر سبيل عتي على القلوب، جاء مرسلا كومة أحزان بمهج الجميع ثم رحل، وهاهي الشمس ترسل بعض الأمل عبر ثغرات الغيوم السوداء،ليحل صباح يوم جديد مهلهلا برجاء ترنو به الجوارح  

5


الساعة العاشرة صباح 

+


في المحكة حيث ساد القاعة صمتٌ مهيب، كأن الجميع يخشى حتى أنفاسه، تلك المقاعد الخشبية تئن تحت وطأة القلق، في الصفوف الأمامية، جلس كل من أباد ورقية التي يكاد الخوف ينهش دواخلها بجانبهما كلوديا التي يدارى على سماها الفزع، تشبك يديها المرتجفتين في حجرها، تتشبث ببقايا طمأنينة واهنة، كل شيء من حولها بدا باهتا لا حياة فيه ، عدا قفص الاتهام  حيث جلس تليد مُكبّل اليدين،  ولكن ما زالت تفاصيله تعادي حالته حيث كان شامخ الرأس بليد التعابير 

2


على منصة القضاء، تفحص القاضي الأوراق التي أمامه، ثم طرق بمطرقته ثلاث طرقات، فكسر الصمت للحظات، ثم رفع عينيه وتحدث بصوت هادئ

+


"السيد تليد هارتبيور أنت متهمٌ بالاعتداء والتهديد الجنائي بحق السيد جوناثان هيمستيد. هذه الجلسة مُخصصة للنظر في قرار إبقائك قيد الاحتجاز أو إطلاق سراحك بكفالة. ليبدأ الادعاء."

+


تقدم المدعي العام واثقا بما سيصرح به 

+


"سيدي القاضي، ما لدينا ليس مجرد ادعاءات، بل أدلة دامغة تُثبت إدانة المتهم. لدينا شهود عيان، مقطع فيديو يُظهر تهديده الصريح للضحية، وتقريرٌ طبيٌّ يُؤكد أن المدعي تعرّض لكسرٍ في الأنف نتيجة الضرب. الأدلة لا تقبل التأويل، والمتهم يشكل خطرا، ليس فقط على الضحية، بل على سير العدالة ذاتها. نطلب رفض الكفالة."

10


ارتجّت القاعة همهمةً مكتومة، حركت رقية ناظرها لأباد وكأنها تترجاه بأن يفعل شيئا، أما وجه كلوديا أصبح شاحبا وهي تنظر لوالدها الجالس بلا مبالاة في أحد المقاعد، فيما شعرت وكأن مقعدها أصبح زنزانةً هي الأخرى، ثم حركت بصرها نحو تليد تبحث عن شيئ من القلق به لكنها لم تجد سوى الهدوء، كأن الأمر كله لا يعنيه.

1


رفع القاضي يده، فتلاشت الهمسات،ثم  التفت إلى محامي تليد ، وقال بصوت حازم 

+


"ما ردك، سيد جوهن؟"

+


تقدّم المحامي خطوة، ورفع رأسه بثقة من تعوّد الوقوف في وجه هذه الادعاءات، ثم قال بنبرةٍ جمعت بين الاتزان والحدّة

+


"سيدي القاضي، يبدو أن الادعاء بارع في تقديم الروايات الدرامية، لكن المحكمة لا تبني أحكامها على العروض المسرحية. الفيديو الذي يتحدثون عنه بضع ثوانٍ مقتطعة من سياقها، لا تُثبت شيئًا سوى أن العدالة لم تسمع القصة كاملة فما فعله موكلي كان رد فعل لاستفزاز سيد حوناثان. أما التقرير الطبي، صحيح أن ما ظهر في فيديو المستشفى هو موكلي وهو يضرب سيد جوناثان ولكن الضربة لم تكن قوية لدرجة اصابته بكسر وسنكشف ذلك أمام المحكمة في الوقت المناسب. أما عن الشهود، فمن السهل أن يُؤخذ بشهاداتٍ منحازة، لكن القانون لا يُبنى على ما يبدو بل على ما هو ثابت. موكلي ليس مجرمًا، وليس لديه سجلٌ إجرامي، بل هو رجل أعمال ناجح، معروف بسمعته الحسنة. إن احتجازه دون دليلٍ قاطع هو إدانةٌ بلا محاكمة. وعليه، نطالب بالإفراج عنه بكفالة."

+



        
          

                
مرت لحظات من الصمت، رقية ترتكز على كتف أباد تحدق بإبنها، منتظرة قرار القاضي بفارغ الصبر، أما كلوديا كانت تتبادل النظرات الحادة المشمئزة مع والدها الذي بدوره رمقها بنظرات ساخرة بينما يبتسم بسذاجة 

1


"سيد جوهن كلامك فيه إهانة للمحكمة ولقرار القاضي، لا أنتظر منك أن تريني عملي وما الصحيح وما الخاطئ" 

+


صرح القاضي وبدى عليه عدم الرضى عن كلام المحامي، ثم اعتدل  في مقعده، وألقى نظرة عميقة على أوراقه قبل أن يرفع بصره نحو قاعة المحكمة مجداا

2


" وأيضا أقدّر دفاعك عن موكلك، ولكن المحكمة لا يمكنها أن تتجاهل الوقائع بناءً على افتراضات. حديثكم عن أن الفيديو مقتطع من سياقه، وعن أن الإصابة ليست بالغة كما يزعم الادعاء، كلها أمور سيتم النظر فيها أثناء المحاكمة، وليس في هذه الجلسة. لكن ما لدينا الآن هو أدلة كافية تبرر استمرار احتجاز المتهم. لدينا تسجيلٌ يُظهره وهو يعتدي جسديًا على المدعي، ولدينا تقريرٌ طبي يؤكد وقوع إصابة، ولدينا شهودٌ قدموا إفاداتهم تحت القسم. هذه المعطيات تضع المحكمة أمام احتمال وجود خطرٍ حقيقي من إطلاق سراحه في هذه المرحلة."

+


توقف للحظة يقلب الأوراق ثم أضاف 

+


"علاوة على ذلك، وبغض النظر عن كونه رجل أعمال ناجحًا أو صاحب سمعة جيدة، فإن التهم الموجهة إليه ليست بسيطة. الاعتداء والتهديد الجنائي هما قضيتان جديتان، ولا يمكن الاستهانة بهما. هناك خطر من التأثير على الشهود أو عرقلة سير التحقيق في حال الإفراج عنه. لذلك، واستنادًا إلى طبيعة الأدلة المتوفرة حتى الآن، أجد أن استمرار احتجاز المتهم ريثما تُستكمل التحقيقات هو الخيار الأكثر ضمانًا لتحقيق العدالة."

1


تلك الكلمات جعلت جوناثان يضحك بخفت معبرا عن انتصاره، أما رقية من فرط الصدمة امتلأت دلاء أجفانها دموعا ستعلن انتحابها عن قريب، ثم غطت فاهها بيدها وهي تمرر نظرات بين القاضي وتليد 

+


بجانبها تلك التي خفق قلبها وكاد ينفصل عن جسدها، تلك الكلمات جعلتها تقف بحركة سريعة تحرك رأسها يمينا وشمالا والدموع تخيط وادي على وجنتيها، بينما تتحرك نظراتها بين القاضي وجوناثان وتليد 

+


لحظتها ضرب القاضي بمطرقته على الطاولة، مُعلنا قراره

+


"يُرفض طلب الإفراج بالكفالة، ويبقى المتهم رهن الاحتجاز حتى موعد المحاكمة."

+


لم تكن مجرد كلمات وضربات بمطرقة فقط، بل كانت أثقالا صبت كوابل أفسدت كل ذرة أمل غرست بقلوبهم، لم يبقى لهم حل غير التضرع لربهم، جفت دموعهم لتخلفها أخرى

+



        
          

                
خرج جوناثان يمشي بإستعلاء سعيدا بفوزه رسمت على ثغره ابتسامة جانبية ساخرة، بعدما أن رمى كلوديا بنظرات جانبية 

3


أما أباد فهاهو يحاول تهدئة رقية التي أغشت سحب الدموع عينيها

+


"استهدي بالله يا رقية، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" 

+


تسلل صوت خافت بين شهقاتها 

+


"انه ابني يا أباد" 

+


"وابني أيضا" 

5


رفعت رأسها بعفوية، ولكن تعابير وجهها تغيرت للإستغراب حيث لم تجد كلوديا بجانبها فجأة 

5


"أين كلوديا؟" 

+


"لا أعلم"

+


في أحد أرجاء المحكمة، يسمع ذلك الصوت الأنثوي الراجف، نبرة اختلطت بأسى، خوف وشيئ من التهديد، كانت كلوديا وهي تقف مستقيمة الجسد، رافعة الرأس أمام جوناثان الذي يغطي أنفه بجبيرة بيضاء اللون، يبدو عليه عدم المبالاة 

+


" ألم أخبرك أن زوجي خط أحمر، ماذا تنوي فعله؟ "

3


خرجت قهقهة ساخرة من حلقه ثم أمال رأسه للأمام قليلا 

+


"تجاوزت ذلك الخط، ماذا ستفعلين؟  كل ما تعرفين فعله هو البكاء والنحيب" 

+


نشزته لحظًا لثواني معدودة، وارتجفت شفتاها وكأنها تحاول إطلاق سراح الكلمات، ضحكت ساخرة بصوت خافت نابع من غصة حلقها 

+


"تدمرت حياتي وأنا بالثامنة عشر عمرا فقط بسببك، عشت باقي الأعوام في جحيم، خاضعة لأوامرك، فعلت كل ما تريده مني، كنت كالمجنونة محبوسة في المنزل، كعبدة لك أو دمية تفعل بها ما تريد"  

1


حاولت كبت دموعها لكن الغصة في حلقها والشهقات التي كسرت صوتها فضحتها

+


" سنين وسنين وأنا أتعذب في جحيمك ولم أقل شيئا، حاولت الانتحار آلاف المرات لكن الرب لم يسمح لي بالموت، ورغم كل ما حدث استطعت أن أشفى قليلا، وذلك بفضل الرب وعمي فقط، بفضله أكملت دراستي، بفضله استطعت دخول مهنة أحلامي...... "

+


توقفت عندما سمعت تنهيدة جوناثان غير المبالية، ثم رفع سبابته وحركها داخل أذنه بحركة سريعة، بعدها رفع يده يغطي ثغره بعدما تثاءب ورد

1


" أعرف هذه القصة أي جديد؟ "

13


عضت باطن شفتيها تحكم غضبها، أحكمت قبضة يدها اليمنى وأمسكت بالأخرى طرف فستانها 

+


" تليد لم يفعل لك شيئا، ألا يكفيك كل ما فعلته بي ماذا تريد؟ "

+


"أريد أن أرى شعور الخسارة بنظراته، أريد أن يشرب أباد نفس الكأس الذي أشربني منه،  هل تفهمين ذلك؟  " 

7



        
          

                
ضحك بصوت عالي وأضاف 

+


"طبعا لا تفهمين فأنت لا تعرفين شيئا، لا يهمني أمرك، لم أردك يوما كنت الخطيئة التي عاقبني بها الرب، كونك تزوجة بابن أعدائي جعلك تعلقين مشنقة موتك كلوديا، لكنني لن أسمح لك بالموت قبل أن أرى كل من تحبينهم يتعذبون بسببك، لكي تعلمي أنك نحس، ابنة عاقة وزوجة كانت سببا في سجن زوجها" 

4


سرت رعشة على سائر جسدها، وبدأت يدها في الارتجاف، اغرورقت عيناها بقطرات من الدموع ولكن حاولت منعها من الانهمار، بلعت ريقها كي لا يرى ضعفها وتلك الشوكة التي التصقت في حلقها ثم بعد ثواني ردت 

+


" تنازل عن الدعوة وسأفعل أي شيئ تريده "

9


رفع حاجبيه بمكر، وابتسم بحانبية 

+


"اي شيئ؟" 

+


حركت رأسها موافقة بتردد ليكمل بعدما فكر قليلا 

+


"حسنا سأتنازل عن الدعوة لكن بشرط"  

+


صمت لثواني ثم عدل استقامته

+


" ستخرجين أمام الصحافة دون اظهار وجهك، وأنا بجانبك، وستخبرينهم أنك ابنتي وأن تليد أجبرك على الزواج به وهددك لفعل ذلك، وهو والده يجبرانك على اعتناق دينهما غصبا عنك "

21


اتسعت عيناها من فرط صدمة ما سمعته، فكلمات جوناثان كانت كصفعة باغتتها ، ارتجفت شفتاها قليلًا، وكأنها على وشك نطق شيء، لكن عجزت الأحرف عن أخذ مسارها

+


رفعت حاجباها، لكنهما ما لبثا أن تقاربا، تتوسطهما تجعيدة  تعكس وجعا بدأ يتسلل إلى تضاريح وجهها. أخذت نفسا عميقا ، ثم زفرته ببطء، محاولة استعاب الصدمة التي وصلت لمسامعها وهمست 

+


"مستحيل" 

9


تراجعت خطوة للخلف، فقد كانت بحاجة لمسافة تفصلها عن الوضع التي وضعت فيه . وضعت يدها على صدرها، يبدو أن الالم بدأ يدق بابها مجددا، بينما كانت عيناها الزائغتان تتفحصان جوناثان ، تبحثان عن شيئ من الرحمة أو ربما عن تفسير، عن كذبة تنفي الواقع الذي رفض عقلها تصديقه لكن كل ما وجدته هي نظرات مشمئزة وابتسامة خافتة، وقبل أن تنطق سمعت صوت رقية من خلفها 

+


" كلوديا  "

+


اقتربت منها بحركة سريعة يدارى عليها القلق عندما لاحظت حالتها، وقفت أمامها تتفحص ملامحها وسألت 

+


" ماذا حدث هل أنت بخير؟ "

+


لم تنطق كلوديا بحرف، فمازالت تقنع عقلها أن يرفض ما تفوه به والدها، ولكن قلبها يحثها على فعل أشياء ستندم عليها فيما بعد 

7



        
          

                
نظرت رقية لجوناثان بتشكيك وسألته بنبرة باردة 

+


" ماذا قلت لها؟ "

+


"هل يجب أن أقول لها شيئا؟" 

+


خالف بين ذرعيه خلف ظهره ورفع رأسه للأعلى قليلا 

+


" بالنظر في الموضوع، هل تعرف من تكونين؟، أخبرتها أم أخبرها أنا؟ "

3


لم تكن كلوديا منتبهة لكلامه وبمعنى آخر كانت غائسة في حرب شنتها كلماته، غارقة في تفاصيل لا دخل لها بها، نحاول ايجاد حل يوقف ما يحدث 

+


أما رقية ولأول مرة يسمع صدى صوتها الغاضب وهي تشير لجوناثان بسباتها 

+


"سيد جوناثان" 

+


حدت من نظرتها ورمت بغضبها نحوه 

+


" ظننت ان الكبر يغير من طباع الإنسان، لكن تبين أن الحقير يبقى حقيرا حتى لو ذهب لقبره، حقدك سيكون سببا في تدميرك تذكر هذا جيدا "

8


أشارت لكلوديا وأضافت 

+


" لا تظن بدخول تليد للسجن أن كلوديا أصبحت وحيدة، هي ابنتها والمساس بشعرة منها لن يكون في صالحك، لذا لن أراك أمامها مرة أخرى فهمت! "

2


رغم كل التهديدات التي أسقطتها عليه ضحك بخفت،ثم همس بصوت شبه مسموع  

+


" لطالما كنت قوية، وهذا ما أحبتته فيك "

5


بزقت آخر جملها ثم أمسكت بيدي كلوديا وأخذتها معها، أخذت كلوديا من الصمت جليسا لها حتى كسره صوت رقية المتكرر وهي تناديها 

+


"كلوديا بنيتي، ماذا حدث؟ " 

+


حدقت بها لثواني من الصمت. ثم نفت أي فكرة توجست بذهنها وسألت 

+


" ماذا قال المحامي، متى موعد المحاكمة؟ "

+


" بما أن تليد شخص معروف اعلاميا وسينتشر الخبر عاجلا أم آجلا، ولتفادي بعض الضغوطات طلب القاضي أن تكون المحكمة بعد أسبوعين "

+


عقدت حاجبيها وكأن الموضوع لم يعجبها

+


"هل سيستطيع المحامي جمع الأدلة في هذا الوقت القصير؟" 

+


وضعت رقية يدها بخفة على كتف كلوديا، وابتسمت رغم الأسى الذي تداخل مع قطرات الدموع بأجفانها 

+


" العلم لله بنيتي، ما علينا غير دعاء له"

+


في تلك اللحظة، كان تليد ومجموعة من الشرطة بصدد الخروج من المحكمة، حالته تفيض دموع الغريب، فماذا عن القريب،  مكبل اليدين وكأنه مجرم فار، رجل كان يقتدى به طيلة عمره أصبح حبيس السجون، بين ليلة وضحاها انقلبت موازين حياته بسبب أشياء بدت أن لا أهمية لها، بهتت تلك الابتسامة التي كانت تنير سماها قبل يوم، تحطمت سكينة أسبوع العائلة بمهشد مفجع للجميع، كان يحني رأسه أرضا ولكن سرعان ما رفعه وتبدل عبوسه بابتسامة تشبه محاولة اختراق اشعة شمس لغيوم سوداء في فصل بارد عندما وصل لمسماعه صوت كلوديا 

3



        
          

                
"تليد" 

+


حرك بصره نحو شرطيين 

1


"هل يمكنني؟" 

+


فهما مقصده، لذا سمح له بالتقدم ناحيتها، ورغم كل الشروخ بروحه الا أنه كان يحاول بث الطمأنينة لقلبها الضعيف،  وقف أمامها مستقيم الجسد يحاول اقناعها بأنه بخير، رفع يديه المكبلتين واضعا إياهما فوق خاصتيها، ربت عليهما بتحنان بينما يدفن بن عينيه بأطياف خاصتها، يبعث شيئا من الرَجَاحَة لعل وعسى يسكن فؤادها الراجف 

+


" صحتك أهم من كل شيئ كلو، لا تقلقي حسنا؟  تعلمين أنني إنسان يتآلف مع أي ظرف، كما أن لي أصدقاء في السجن، لذا أشعر وأنني آخذ استراحة من العمل فقط " 

5


انحنى لمستواها ثم حاول تقريب رأسها نحوه بيديه المكبلتين، طبع قبلة عميقة على جبينها وأضاف 

+


" لا تنسي موعد أدويتك، وابقي مع والديّْ "

+


كل كا فعلته هو التحديق به بعينين مدمعتين بعدما أومات رأسها قبولا، تريد الحديث، وتريد قول أشياء كثيرة، ودت لو عانقته، لو ارتمت في حضنه وأخبرته أنها لا تريده أن يذهب، أن توبخه فكيف في حالته تلك مازال يفكر في مصلحتها، وأنها آسفة على كل ما يحدث له بسببها، ولكن شيئ في حلقها منع الحروف من التسرب، ما جعلها تقف متصنمة في مكانها تراقبه وهو يتحدث مع أمه وأباد الذي انظم إليهم ، وبعد ثواني أخذاه الشرطيين 

1


بعد أول خطوة خارج المحكمة ، وبمجرد أن تجاوز عتبة الباب الرئيسي، اجتاحته فوضى ضوضاءٍ صاخبة، ومضت أضواء الكاميرات في وجهه وكأنها طلقات مسدس أعمت عينيه للحظة

+


حشدٌ من الصحفيين، كاميرات متأهبة، ميكروفونات ممتدة نحوه، وأصواتٌ متداخلة 

+


"هل تعترف بالتهم الموجّهة إليك؟"

+


"كيف ترد على الادعاءات بأنك رجل عنيف؟"

2


" كنت معروف بدينك أنه دين مسالم هل كل هذا كانت صورة لتغطية أفعالك؟"

5


" سكوتك يعني أن ما اتهمت به صحيح؟"

2


كانوا كنسورٍ تقتات على الجثث، تهاجمه بأسئلتها، تتلهّف لأي تعبير على وجهه يمكن أن يصنع العناوين الرئيسية. لكن عيناه  تحركتا في زخم الوجوه ، ثم توقفتا عند كلوديا حيث راح يشاهد خيبة الأمل التي نحتت على تضاريحها 

+


" سمعنا انه والد زوجتك؟  هل زوجتك راضية على ما فعلته؟ "

+


"هل هذا يؤكد اتهامات أنك أجبرتها على اعتناق دينك والزواج بك؟" 

4



        
          

                
رغم كل تلك الاتهامات،كل ما فعله هو التحديق بها على بعد. أمتار غير مرئية للصحافة،  كانت يداها متشابكتان أمامها كأنها تحاول منع نفسها من الاندفاع نحوه. نظراتها كانت مزيجا من القلق واليأس. وللحظة، كادت تخطو نحوه، لكنه حرك رأسه يمينا وشمالا مانعا إياها 

+


استطاعت الشرطة ابعاد الصحفيين أخيرا وأخذ تليد معهم تحت نظرات عائلته، وعندما خفت الصحافة خرج أياد ورقية وكلوديا، وعندما كانو بصدد ركوب السيارة قاطعتهما 

+


" أريد الذهاب للكنيسة " 

1


نظر اباد ورقية لبعضهما بتردد وبعد ثواني صرح أباد 

+


"حسنا" 

+


وكما كان الحال، اتجها بها لأقرب كنيسة، دخلت هي وبقيا هما في السيارة 

+


كانت الكنيسة شبه فارغة، لا أحد سوى بعض العجائز الغارقين في صلواتهم. الاجواء  مشبعة برائحة الشمع المحترق والبخور، وهدوء المكان يمنح لقلب المسيحي سكينة، إلا قلبها الهائج الذي كان يتلو أدعيته وحيدا أمام المذبح ويداها متشابكتان أمام صدرها.

+


تقدمت ببطء، ركعت أمام الصليب، وأغمضت عينيها. حاولت أن تتمالك دموعها، لكن صوتها الخافت خرج مرتجفا كطفلٍ يئن من الألم وهمست

+


"يا رب... أعلم أنني أخطأت، وأعلم أنني لستُ الأجدر بعطاياك، لكنك رحيم، ترحم الضعفاء، فأنقذه. أرجوك، أخرجه من ذلك المكان، إنه بريء، تعلم أنه بريء..."

1


هزّت رأسها بيأس، وشهقت محاولة كتم بكائها، ثم تابعت بصوت مخنوق

+


"إنه أطيب شخص عرفته، وإن كنتَ قد ابتليته، فارحمه، امنحه نورا في ظلمته، وصبرًا على محنته رغم انه لا يومن بك لكن من أجلي، وإن كنت تريد اختباري أنا، فلا تمسه بأذى، خذ مني ما شئت، لكن لا تدعه يعاني أكثر"

+


رفعت رأسها ببطء، وعيناها المغرورقتان بالدموع تتعلقان بالمصلوب أمامها. كان الألم في نظرتها جليًا، لكن في قلبها بقي بصيص أمل. أخذت نفسًا عميقًا وشبكت يديها بقوة كما لو كانت تتشبث بطوق نجاة.

+


" يارب لا تتركني وحدي بدونه."

+


في تلك اللحظة، انطفأت إحدى الشموع، كأنها استجابت لصدى دعائها بالنسبة بها، ولكن منطقيا كلنت مجرد رياح تسللت لفعل ذلك صدفة

+


بقيت على تلك الحالة لثواني لكن سرعان ما تغيرت ملامحها للتشكيك، حيث تذكرت كل ما مرت به وكل رجائها للرب ولم تجد أي نتيجة منه، ما جعلها تلتف ببطئ، تمشي بحركة ثابتة بين الكراسي المصفوفة، بذهن شاغل لا ترى أمامها، تذكرت تليد، خشوعه في صلاته وطريقة دعائه، ما جعلها في تلك اللحظة تضع يدا جنب يد للدعاء، رافعة رأسها للسماء 

5



        
          

                
" أنت ربه، هو يثق به فكن عند ثقته وأخرجه سالما ".

5


مر أسبوع على هذا تقريبا، اكتفت كلوديا بالدعاء له بالمنزل، وزيارته مع العائلة في فترات معينة

+


وهاهي الآن تقف أمام منزلها تحدق بأرجائه مترددة، ثم خطت أول خطواتها للداخل بثبات، وقفت لثواني تتحرك مقليتها بين أرجائه بتمهل، تتذكر كل ما حدث وكل ما عاشته داخل هذا السجن المظلم منذ نعومة أظافرها إلى يوم خروجها منه

10


نمت على ثغرها ابتسامة طفيفة وبرقت عيناها بشيئ من السعادة عندما رأت خيال تلك الطفلة وهي تمر بجانبها تحمل دميتها وتجري وسط المنزل يسمع صوت ضحكاتها الطفولي، لكن سرعان ما تلاشت تلك الابتسامة لتتحول إلى خط أعوج على الشفاه، بتجاعيد تعيسة نقشت على تضاريحها، عندما رأت ذلك الشخص يقوم بتمزيق لعبة الفتاة أمامها تحت صرخاتها الرافضة وبكائها المستمر 

+


حركت رأسها طاردة ذلك الخيال ثم التفتت للجهة الأخرى، حيث رأت فتاة تشبهها نفس العينين ونفس الملامح ونفس لون الشعر لكنه كان أطول، كانت سعيدة تبتسم بملء شدقيها بينما تمشطه وتمرر أناملها عليه كأنه شيئ ثمين بالنسبة لها، لكن سرعان ما شعرت بذيق نفس عندما لاحظت بكاء تلك الفتاة الصامت وتلك الدموع التي تنزل على وجنتيها بهدوء وهي تترجى تلك اليد التي تقص شعرها بعشوائية بأن ألا تفعل، بينما يتردد صوت رجولي خشن إلى مسامعها 

+


" هل تحاولين إغراء الذكور بهذا الشعر، ستقصينه فورا "

7


حركت رأسها مجددا طاردة كل تلك التوهمات من رأسها، أو ذكريات حاولت تناسيها لكنها استوطنت بئر اللاوعي الخاص بها وهاهي الآن تعيش تلك الآحداث مرة أخرى وكأنها حدثت البارحة، ثم وبعدها بثواني وعندما حدقت بالسلالم بطرف عين. نزلت فتاة أخرى تشبه اللواتي سبقاها لكنها بدت أكثر بلوغا، كانت نسخة طبق الأصل عنها، كان جسدها الهزيل يتمايل مع كل خطوة يكاد ينهار  ، قدماها العاريتان تلامسان الأرض الباردة لتترك خلفها آثارًا باهتة من الدم

2


كان ثوبها الذي لم يعد يستحق اسمه، ممزقًا حد العري، تتدلى خيوطه على كتفيها كنصل مشقوق، يغطي بالكاد جروحًا لم تكن كلها مرئية للعين. كانت بقع الدم تلطخ قماشه بلونها القاني، بعضها جفّ فتحول إلى بقع قاتمة، وبعضها لا يزال رطبًا يقطر ببطء

2


شعرها الذي كان يومًا منسابًا ببراءة طفلة، أصبح خصلات مشعثة يلتصق بوجهها العاجي الشاحب، وتتشابك فيه بقع الدم  ، كانت عيناها فارغتين، لا تحملان سوى الخوف،الذعر،والخذلان، نظرتها زائغة كأنها لا تزال عالقة هناك، في تلك الغرفة، في تلك اللحظة، غير قادرة على استيعاب أنها خرجت منها أو ربما لم تخرج أبدا

2



        
          

                
أما يداها فكانتا شاهدتين على ما اقترفته، أصابع صغيرة، مرتعشة، مغموسة حتى المعصم في الدم. كانت تمسك بالسكين بقوة كما يمسك الغريق بحبل نجاته، أنفاسها المضطربة تتسرب من بين شفتيها المشققتين، وكأنها لم تعد تملك القوة حتى لتتنفس كان الدم يتغلغل في خطوط كفها، يتسلل بين ثنايا جلدها، وكأنه يحفر اسم الجريمة في راحتيها ويخبرها أن ما حدث سيبقى هنا للأبد 

2


هبطت الدرج كما تخرج الروح من جسد فارغ، لا شيء في هذا العالم يمكنه أن يعيد إليها ما سُلب منها، لا صرخاتها المكتومة، ولا المقاومة التي خمدت حين خذلها جسدها، ولا حتى السكين الذي ما زال يرتجف بين أصابعها. لقد استردّت شيئا لكنه لم يكن كافيًا ليعيد إليها الحياة 

3


اغرورقت عين كلوديا دموعا ونزلت ببطئ على وجنتيها، بدأ جسدها يرتعش شيئا فشيئا لكن سرعان ما استجمعت قواها، رفعت كلتى يديها وأغلقت مسامعها تطرد كل صوت وهن أضعفها، ثم أغمضت عينياها وانحنت برأسها للأسفل تحارب تلك الذكريات محاولة منها لمحو غبارها، حتى قطعها صوت جوناثان الساخر 

+


" انظر من زارنا،  مر وقت طويل "

1


فتحت عيناها ببطئ، وحركت بصرها عبر الأرجاء، اختفى كل شيئ، وكل تلك الأوهام كل من يقف أمامها هو السبب بما حدث لها، بقيت هكذا لثواني ثم جمعت قواها  ثم اقتربت منه وصرحت

+


" هل ستتخلى عن اتهاماتك إن فعلت ما تريد؟ "

11


علا بحاجبيه استغرابا لكنه سرعان ما رد

+


" نعم "

+


"  شروطك غريبة ألن تتسبب في سجنه أيضا؟ "

+


"لا، ستشوه سمعته وسمعة والده فقط فلا دليل للشرطة لكي يسجنوه بسبب كلامك،ولكن الصحافة والناس يصدقون كل ما يسمعونه لذا ستقفين أمام صحافة في بث مباشرة وتخبرينهم أنك تزوجته غصبا وليس برغبتك، وحاليا هو ووالده يحاولان إجبارك على اعتناق الاسلام "

+


ضحكت بخفت ساخرة 

+


" تعلم أن هذا غير صحيح "

8


بادلها الضحكات بصوت رجولي خشن

+


" لا ضرر من بعض الكذب، لنقل أنه انتقام صغير "

+


" كيف أتأكد أنك ستتخلى عن القضية إن فعلت ذلك حقا؟ "

1


خالف بين ذراعيه خلف ظهره وابتسم بحقارة 

+


" حسنا ليس لديك حل آخر، عليك المجازفة" 

+


نظرت إليه بتشكيك وسألت 

+


"حسنا دعني أسئلك، أنا وأنت نعلم أن كل تلك الاتهامات كاذبة، لذا أخبرني لماذا هددك تليد؟" 

9



        
          

                
"لأنني اسفزيته، حسنا لم يكن تهديدا صريحا صراحة، كان ردة فعل" 

2


" لم يكن من كسر أنفك، هل زيفت التقرير الطبي ام ماذا؟ "

+


"حسنا لنقل أنه قليل من التزييف، كما أنني وكلت شخصا ليكسر لي أنفي بدلا من ذلك" 

12


انحنى بجسده قليلا ناحيتها 

+


" هل ترين كم أعاني بسببك؟  كسرت أنفي عمدا فقط لأدين زوجك، نبشت الماضي بزواجك منه لذا تحملي نتيجة افعالك "

5


زجت على أسنانها فلو وجدت قوة وفرصة لكسرت أنفه هي الأخرى مجددا ولكن لا حل لها غير الانصات له 

+


" حسنا سأفعل ما تريده، فقط تنازل عن القضية "

5


"اتفقنا اذن" 

5


خرجت  من المنزل تحمل خيبة العالم بقلبها، وجدت نفسها بين نارين إما أن تترك زوجها يسجن وإما تشوه سمعته وكلا الاحتمالين أسوء من بعضهما لكنها قررت أن تجازف، وهكذا مر أسبوع آخر كان كالسنين بالنسبة لها، أخذت وقتها في التفكير، ورغم أن عقلها وقلبها لم يستوعبا الفكرة إلا أنهما ولأول مرة اتفقا أخيرا. 

7


وقبل ساعة من محكمة تليد النهائية، هاهي الآن جالسة على كرسي في غرفة فارغة  تضغط على كف يديها الموضوعة على حجرها يدارى على ملامحها القلق بينما تناظر كاميرا الصحافي المقابل لها 

2


" هل أنت جاهزة؟ "

+


سألها الصحفي الذي كان جالسا بجانب الكاميرا،يحمل ميكروفون مكتوب عليه  samr، لكنها لم تجبه والتزمت الصمت، كان العرق يتصبب على جبينها وجسدها تسري فيه رعشة خفيفة، لمعت عيناها بشيئ من الدموع وبلعت ريقها بصعوبة، حتى أتاها رد جوناثان الجالس بجانبها 

+


" نحن جاهزين " 

+


"حسنا" 

+


رد صحفي ثم عدل جلسته وبدا في سؤاله 

+


" أول حديث سيكون للمشاهد،  بعد أن أخذت قضية سيد تليد هارتبيور حديث القنوات والصفحات لأسبوعين كاملين، قررنا كشف بعض الحقائق اليوم "

+


أشار لجوناثان وكلوديا 

+


" معنا الضحية جوناثان وسيدة كلوديا والتي تكون ابنته وزوجة سيد تليد، واحتراما لطلبها قمنا بتغطية وجهها، لكن سنطرح عليها بعض الأسئلة التي ستكون اجابة على شكوكم وفضحا لبعض الأسرار "

4


التفت لكلوديا وسأل 

+


" اذن هل صحيح أن السيد تليد أجبرك على الزواج به؟  وقام هو والده بتهديدك واجبارك على اعتناق دينهما؟  كما أنه هدد والدك واعتدى عليه؟ "

+



        
          

                
لم تجبه بحرف والتزمت الصمت وهي تحدق بوالدها بطرف عين حتى قاطعها الصحفي مرة أخرى 

+


" سيدة كلوديا! "

+


انتشلها صوته من غفلتها، ما جعها تعدل جلستها وتأخذ نفسا عميقا وتصرح 

+


"كل ما أخبركم به والدي..." 

+


نظرت إلى والدها وابتسمت بحقارة ثم إلى الصحفي وأكملت 

+


" غير صحيح، زواجي من تليد كان اختياري، لم يجبرني على شيئ حتى أنه يحترم معتقداتي وديني، حياتي معه كحياة أي زوجين، وللأمانة فقط إنه الشيئ الوحيد الحقيقي الذي تعرفت عليه في هذا العالم، لذا لا أسمح لأي شخص بإهانة زوجي واتهامه بالباطل "

38


صدمة جوناثان كانت قوية هذه المرة، حيث بقي متصنما في مكامه دون أن ينطق بحرف، يحرك بصره بين الموجودين والكاميرا، ولم يجرأ على فعل شيء نظرا لأنه البث كان مباشرا 

+


" بالنسبة لعائلته هي أفضل عائلة تعرفت عليها، يعاملونني كإبنتهم ويهتمون بي، كل الاتهامات نحوهم باطلة "

+


نظرت لكاميرا أخرى واكملت تصريحها 

+


" دخول  تليد السجن كان ظلما، صحيح أنه قام بتهديد والدي لكن هذا بسب استفزازه ووجدنا شهودا يؤيدون ذلك، أما عن الاعتداء فلدي دليل أن والدي هو من كلف شخصا بكسر أنفه بعدما ضربه زوجي ضربة خفيفة، لا أقول أن ما فعله تليد صحيح، ولكنه لم يكن سببا في كسر أنفه، وهذا ما صرح لي به والدي في هذه الشريحة "

20


أخرجت الشريحة من جيبها وأعطتها للصحفي 

+


" يمكنكم اعطائها لمحللي الأصوات للتأكد من أنه غير مزيف، يحتوي أيضا على حديثه وهو يشترط علي أن أقوم بالكذب على الصحافة كي يعفو عن تليد "

19


Flach back 

1


ركبت السيارة بعد خروجها من الكنيسة، يغمرها الخذلان من من تعبده، معتقدات آمنت بها لسنين ولكن كل ما وجدته بعد الدعاء هو الجوى الذي أخذ مكانا كبيرا في مقبرة روحها،  عاشت حياتها متعبدة كل وقتها في الكنيسة وكل ما حصلت عليه هو حياة تعيسة كلما حاولت الصعود لسعادتها سقطت في قاع البأس ، جلست على تلك الحال شاغلة الذهن تفكر بكل ما حدث، حتى انتشلها صوت رقية 

3


"ماذا قال لك جوناثان حتى جعلك تخافين هكذا؟" 

+


التزمت الصمت، شيئ يخبرها بأن تتحدث، وشيء آخر يمنعها، حتى أضاف أباد

+


" كلوديا نحن في مكان عائلتك، لا تخافي منه نحن معك" 

+


تلك الكلمات كانت بلسما لطيفا خفف ثقل ما تحمله من أفكار على أكتافها، كيف لغريب أن يكون أفضل مكانة من شخص قريب، وكيف لمن لا رابط دم معه أن يكون ألين من أب يفترض أن تكون فلذة كبده 

+



        
          

                
استمرت في صمتها لبضع ثواني لكن سرعان ما صرحت بكل ما تحمله من أسى 

+


" قال أنه يخلى عن القضية لكن بشرط "

+


" شرط؟ "

+


سأل أباد  مستغربا لتباشر في إخباره بكل شيء وبالتفصيل الممل، ولذا في الأخير قال 

2


" سنتوجه مباشرة للمحامي وسنخبره يمكن أن يساعدنا هذا في شيئ " 

+


وهذا ما فعلوه، توجهوا بسيارتهم نحو مخفر الشرطة، وبما أن لتليد صديق هناك سمح لأباد وكلوديا بالدخول مع المحامي ولقاء تليد مجددا 

+


باشرت كلوديا بإخبار  المحامي بما حدث، وفي الأخير وبعدما فكر مليا خاطبهم 

+


" سأبحث عن شهود عن التهديد الذي كان يوم ذهبت لأحد ندواته، أما عن الاعتداء... "

+


نظر لكلوديا ثم لتليد وأضاف 

+


" ستأخذين معك جهاز تسجيل صوت خفي عند اللقاء بوالدك، ستجعلينه يتحدث ويعترف بكل شيئ، وتعودين على أساس أنك موافقة، افعلي ما يريده لكن في ذلك اليوم فاجئيه أمام الصحافة بالحقيقة " 

2


كانت بصدد الرد لكن صوت تليد قاطعهم

+


"مستحيل" 

5


نظر الجميع نحوه مستغربين فأضاف مؤكدا قراره

+


"مستحيل لن تذهب إليه ولن تقابل ذلك الحقير حتى وإن علمت أنني سأبقى في السجن مدى الحياة، لن أسمح لكلوديا بمقابلة والدها لوحدها"  

2


"لكنه يبقى والدها لا أظن أنه سيؤذيها، فقط من اجل أن تحضر الدليل وتعود سيأخذ الموضوع ربع ساعة على الأقل"  

+


قال المحامي مخاطبا تليد، لكنه حد من نظراته واستقام مباشرة 

+


" قلت مستحيل وهذا آخر حديث، أنت لا تعرف شيئا،إنه أحقر مما تظن إن كنت لا تجيد تأدية عملك كمحامي، فلا تدخل زوجتي في الموضوع، لن أخاطر بها لأجل مصلحتي " 

5


رمى نظراته الأخيرة نحو كلوديا قبل أن يحرك بصره نحو صديقه الشرطي 

+


"لنذهب لزنزانتي"  

+


حرك بصره مجددا صوب أباد

+


" أبي خذ كلوديا للمنزل هي أمانة عندك، أعرف وأثق بك أنك ستحميها، وستحافظ على الأمانة " 

+


أعطاها آخر نظرة قبل أن يلتفت متوجه نحو الباب مباشرة تاركا الجميع يتأملون في جدران الغرفة حيث عم الصمت لثواني قبل أن يقطعه أباد

+



        
          

                
"كلوديا بنيتي لنذهب"  

+


لم تجبه وبقت جالسة بلا حراك، ثم التفت للمحامي بحركة سريعة 

+


" سأفعل، لا حل آخر " 

+


التفتت صوب أباد أيضا وأضافت 

+


" أعلم ان تليد سيغضب لكن لا حل آخر، علي مساعدته، ان يحدث لي شيئ أعرف والدي لن يفعل لي شيئ ما دمت سأحقق شرطه "

1


بعد لحظات قليلة اِنْسَجَرَت عيناها دموعا ورمقته بنظرات راجية 

+


"لو لم ادخل حياته لما حدث كل هذا، علي فعل شيئ، لا استطيع الجلوس مكفوفة اليدين،  آسفة عمي لكن لا أحد سيمنعني"  

1


Flach back end 

+


نظر جوناثان للصحفي بطرف عين مشيرا له بإطفاء الكاميرات، وهذا ما فعله، حيث هو الأخير مرر نظراته نحو أصدقائه آمرا إياهم بإيقاف البث، لحظتها وقف جوناثان غاضبا حيث تجمدت ملامحه وعقد حاجبيه انكارا ،ضاقت عيناه وأظلمت حتى كاد يخترق كلوديا بنظراته، اضطربت أنفاسه وأطبق شفتيه بقوة راسما خطا قاس يختبئ تحته إعصار من كلمات لم يسمح لها بالانفلات فلا يعرف ما يقوله بعد ما حدث 

+


" ما هذا سيد جوناثان وعدتنا أننا سنطيح بتليد وليس بأن نرفع من مقامه "

1


صرح الصحفي الذي بدى عليه علامات عدم الرضى وهذا ما جعل جوناثان يشد قبضته على فراغ يديه، بانت عروق ساعيده وراح صدرع يعلو ويهبط، بينما يرتعش فكه في صمت أشد وطأة من الصراخ نفسه

+


خطا خطوة واحدة ناحيتها، لكنها كانت كافية لتشعر كلوديا بالذعر، ما جعلها تستقيم بحركة سريعة مبتعدة عنه قليلا، ورغم ذلك ما زالت ترشقه بنظرات حادة متحدية إياه 

+


" حقيرة تستغلين الفرص كأمك"

5


دون أن يتحدث أمسكها من معصمها وجرها خلفه، ورغم محاولتها للإفلات منه والصراخ استمر في جرها خلفه

+


"توقف، دعني، أصبح كل شيء مكشوفا للعلن، والدلائل بالفعل عند القاضي لن تستطيع فعل شيئ" 

+


غضبه منعه من الانصات إليها، وتعابير وجهه تدل على أنه يبتغي فعل شيئ غير مباح، ولكن عندما كان بصدد الخروج من الغرفة استوقفه وقوف أباد الشامخ نحوه وصوته الصارم 

+


"توقف" 

+


ظهر من خلفه صليبا هو الآخر، ووقف بجانب أباد يحرك بصره بين كلوديا وجوناثان 

+


"لن يتدخل أحد بهذا، فهذه ابنتي وأفعل ما أريد" 

3


صرح جوناثان متحديا كلاهما بينما يشد قبضته على يد كلوديا، وهذا ما جعل أباد يتقدم نحوه أكثر 

+



        
          

                
" كانت ابنتك،  ذلك في الماضي، الآن أصبحت زوجة ابني حمايتها من مسؤوليتي، والآن ستتركها أو أتصل بالشرطة لأنك بالفعل في موقف يحسد عليه سيد جوناثان الجميع يعلم ما فعلته "

+


زج على أسنانه، خسر أمامه مرة أخرى، وهاهو التاريخ يعيد نفسه ويضعه في مواقف يكون فيها هو الخاسر دائما 

3


اقترب صليبا منه ببطئ يدفن نظراته التهديدية بخاصته 

+


"لا داعي لإعادة مقولتي المشهورة، ما رأيك بإضافة فضيحة أخرى للفضيحة الحالية؟" 

6


علا جوناثان بحاجبية استنكارا وراح يحدق به دون التفوه بحرف واحد ما جعل صليبا يضيف 

+


" أترك يدها " 

3


وذلك ما فعله، بحركة بطيئة خفف قبضته عنها ما جعلها تنزع يدها وتبتعد عنه واقفة بجانب صليبا

3


شعر جوناثان بالاهانة لكن ليس بيده حيلة وهذا ما جعله يرفع سبابته مشيرا لصليبا 

+


" الأخ الذي يقف بجانب أعدائي عدو أيضا، تذكر هذا جيدا سيد صليبا "

7


زفر آخر كلماته قبل أن يخرج مباشرة، لحظتها التفت صليبا لكلوديا وسأل

+


"هل أنت بخير؟" 

+


ابتسمت بخفت وأومأت برأسها موافقة 

+


"نعم، لنذهب للمحكمة" 

+


خطت أولى خطواتها مبتعدة لكن صوت صليبا الخافت قاطعها 

+


"كلوديا" 

+


التفت نوحه فلاحظت نظراته الغريبة، كان برماديتيه شيئ من عتاب النفس وأسرار مدفونة، لم ينطق بحرف وكل ما فعله هو التحديق بها بتلك النظرات لمدة ثواني قبل أن تقاطعه 

+


"عمي؟" 

+


استفاق من أفكاره وعبس فاهه

+


"آسف لأنني تركتك تعيشين في ذلك المنزل معه لوحدك، كان علي أن أتحداه وآخذك للعيش معي" 

+


علت بحاجبيها استغرابا، ثم وبعد ذلك نمت على ثغرها ابتسامة ساكنة واقتربت منه

+


" ليس خطأك، اقترحت علي ذلك بالفعل مرات عديدة ورفضت، لأنني أعلم انه لم يكن سيتركك وعائلتك تعيشون بسلام، فلا بأس رؤيتكم سعداء كانت كفيلة بإيراحتي "

2


أمسكت بيده وبعثت السكينة لقلبه

+


" علي الذهاب للمحكمة فزوجي ينتظرني " 

8



        
          

                
اتجهو مباشرة للمحكمة، وبعد ساعة تقريبا طرق القاضي مطرقته وأعلن

+


"بعد مراجعة الأدلة الجديدة والاستماع إلى شهادة الشهود، أصبح واضحًا أن التهم الموجهة إلى المتهم تستند إلى افتراءات ومعلومات مضللة. الفيديو الذي قدمه الادعاء لم يكن سوى جزءٍ مبتورٍ من الحقيقة، والتقرير الطبي استُغل لتضليل العدالة. والأخطر من ذلك، لدينا الآن اعترافٌ مباشرٌ من المدعو جوناثان يثبت أن هذه القضية بُنيت على تلاعب متعمد لإدانة رجل بريء.وبناءً على ما سبق، تقرر المحكمة ما يلي أولًا، الإفراج الفوري عن المتهم، ورفع جميع التهم الموجهة إليه. ثانيًا، فتح تحقيقٍ رسمي ضد السيد جوناثان بتهمة تقديم بلاغ كاذب، وتضليل العدالة، والتحريض على الاعتداء. ثالثًا، توجه المحكمة تحذيرًا شديد اللهجة بأن القانون لن يكون أداةً بيد أصحاب النفوذ لتصفية الحسابات الشخصية. العدالة لا تُشترى، ولا تُباع."

5


طرق بمطرقته مجددًا، معلنًا

+


"الجلسة مرفوعة." 

+


تلك الكلمات الأخيرة صبت على قلوب العائلة كوابل أغنى قحل أحزانهم، ونمت على ثغر الجميع ابتسامة دافئة تشبه دفئ الشمس بعد يوم ممطر، وقف تليد مستقيما بجسده واثقا بنفسه، ثم شيئا فشيئا رسمت على تقاسيم وجهه ابتسامة واسعة حفرت ثقبا على خده، وهلل بن عينيه مشرقا ببهجة أراحت روحه، ثم التفت نحو عائلته ينظر للواحد تلو الآخر، أباد ورقية وحور ثم توقف نظراته عند كلوديا، حيث لمعت عيناها بشيئ من الدموع وهي تحدق به مليا وكأنها تحفظ تفاصيله،  بادلته الابتسامة والنظرات اللاهفة

+


وبعد لحظات وبعدما تحاور تليد قليلا مع محاميه تقدم ناحيتها بخطوات ثابتة، كل خطوة عبرت عن دقات قلبيهما لم تنفصل نظراتهما للحظة حتى وقف أمامها بوقار ثم قال بصوت لين هين يحمل القليل من العتاب 

+


"لماذا أنت عنيدة كثيرا كلو، ألم أطلب منك عدم المجازفة"  

3


جملة واحد منه، كانت كفيلة بإفاضة سد أجفانها، حيث سالت ويدان على خط وجنتيها وبدون سباق انذار ارتمت في حضنه محاوطة خصره بقوة، متشبثته به كمن يتشبث بآخر أمل له في الحياة، وضعت رأسها على صدره، وراحت تحاول كبت غصتها قبل أن تتحدث 

5


"لو لم أكن موجودة في حياتك لما حدث كل هذا لك، آسفة، حقا آسفة" 

6


تنهد بنفاذ صبر، فقط كره لومها لنفسها كلما أصابه خطر ما، ولكنه تمالك نفسه ورفع يديه يربت على رأسها بتحنان 

+


"تتأسفين لأنك أعطيتِ لحياتي طعما؟ كيف تطلبين المغفرة على شيئ لم يكن إلا رحمة لي كلو؟ أنت كلك كنت النور لقلبي  عندما أحببتك، وإن كان الثمن بعض العتمة  فأنا راضي بذلك مادمت معي" 

3



        
          

                
خرجت من حضنه ونظرت إليه بوجهها المبلل 

+


"لكن لو لم أدخل حياتك، كانت ستكون هادئة لا مشاكل فيها" 

+


ابتسم بخفت ثم انحنى لمستواها ومرر ابهامه على طرف وجنتيها 

+


"تظنين أنني كنت لأرغب بحياة لا أثر فيها لك؟ كنت ومازلت أجمل ما حدث لي،  فلا تعتذري عن كونك قدري. ولا تنسي أنك سلوان الفجر خاصتي"

+


مسح على وجهها المبلل وأكمل 

+


"أنتِ لستِ ذنبا لأغفره، أنتِ معجزتي التي أحمد الله عليها، فابتسمي يا بهجة روحي وسكينة خافقي فلا خير لي في امرأة غيرك بنظري" 

14


ارتعشت أهدابها وهي تحدق في ملامحه الساكنة، كأن كلماته ألقت حجارة في قلبها الساكن فصنعت فيه اضطرابات لا تندثر، ظلت صامتة للحظات، تتأمل قسماته التي لا تحمل أثر تأنيب أو ضيق، بل حبا صافيا يفيض حتى يكاد يغرقها 

+


ارتجفت أنفاسها وهي تشعر بلمسته الحانية تمسح آثار دموعها، وكأن يده تمتلك قدرة سحرية على انتشالها من بحر تأنيبها لنفسها، لكن ما هزها بحق كان صوته، ذلك الصوت الذي لا ينفك يسكن خرير روحها،ارتعشت شفتاها بخفة، كأنها تود أن تجادله، أن تقول شيئا يبرر مخاوفها، لكنها لم تجد في داخلها سوى هشاشة غريبة، وكأن كلماته كسرت شيئًا كانت تتمسك به. زفرت ببطء، تحاول أن تستوعب دفء اعترافه، قبل أن تغشى عينيها سحابة من الدموع مجددا، لكن هذه المرة  لم تكن دموع شجن أو حزن، بل سعادة، امتنان، وحب يتسع في صدرها حتى بات يؤلمها 

1


رفعت يدها المرتجفة أخيرًا، لتمسك بأنامله التي لا تزال مستلقية فوق وجنتها، ثم ضغطت عليها بخفة، كأنها تتشبث به حتى لا تهوي في دوامة مشاعرها. رمشت مرتين، ثم همست بصوت بالكاد يسمع، محمّل بكل ما عجزت عن قوله

+


" سعيدة أنك خرجت، اشتاق الجميع لك "

8


ضحك بصوت خافت ثم انحنى لمستواها ليصبح وجهه مقابلا لخاصتها 

+


"وأنت لم تشتاقي لي؟" 

13


توردت وجنتاها خجلا، سؤال ذات إجابة واضحة، فلو كان الشوق دموعا، لنطقت دموع أسبوعين عن مدى تلهف قلبها لسماع صوته فقط، تحركت شفاهها للإيجابة، لكن لحظتها انظم الجميع لهما أباد ورقية وحور وحتى صليبا 

8


"الحمد لله على سلامتك" 

2


قال أباد، لتتقدم رقية وتقيم بجانب تليد وتقول بعد أن حضنته 

+


" نشكر الله على خروجك سالما  "

+


" الحمد لله"

+


ردت حور وهذا ما جعل تليد يمرر نظراته عبر الجميع ويسأل 

+


" أين إيلياء"

+


"تركته ليعتني بأبرار، تعلم أنها لا تحبذ الخادمات" 

+


لحظتها قاطعهما صوت صليبا 

+


" مبروك سيد تليد، وآسف على ما بدر من أخي "

+


ابتسم له تليد وهز رأسه تفهما 

+


" ليس خطأك "

+


بادله صليبا الابتسامة، ثم التفت صوب كلوديا 

+


"علي الذهاب اعتني بنفسك" 

+


حرك بصره صوب الجميع وقال بعدما توقفت نظراته عند حور 

2


" أعتذر مرة اخرى، علي الذهاب "

+


التفت مباشرة للذهاب، وعندما خرج من المحكمة عادت العائلة لحوارهم حيث قال تليد

+


"علي اكمال بعض الاجراءات للخروج، اذهبوا قبلي للمنزل" 

+


"سأذهب معك" 

+


قالت كلوديا بعدما وقفت بجانبه فضحك الجميع معجبا 

+


" بالمناسبة الفرحة فرحتين، يزامن خروجك من السجن دخول شهر رمضان المبارك، موعده بعد يومين ان شاء الله "

19


انتهى 

1


أولا عيدكم مبارك وكل عام وأنت بخير، حبيت يكون الفصل كعيدية الكم. 🫶

11


🫣اشتقتلكم خلوني شوف مدى اشتياقكم لرواية بالتعليقات واضغطو على نجمة

5


رأيكم بالفصل وتفاصيله؟ 

9


😂 حسيتكم راح تاكلوني وأنتو تقرؤو في الجزء لي وافقت فيه كلوديا على شرط والدها 

22


شو رايكم بكلامها ولي الشي الذي فعلتو؟ 

4


خليتكم على أعصابكم شوي؟ 🤭 يلا أكيد ماراح تكون كل رواية سعيدة ورومنسية 

3


أصلا انكشف جزء كبير من السر وصار واضح صحيح؟  باقي فقط كلوديا تحكيلنا تفاصيل ةتحكي لتليد ونشوف ردة فعلو. 🫣. 

10


بعد شي لي تخيلتو صرتو عارفين شو منتظركم من أحزان واكتئاب. 🙂 جهزولي حالكم بس يلا بعد كل عسر يسر لازم تبكو تضحكو وتكونو على أعصابكم هذا دليل انو قدرت وصل المشاعر 

10


رمضان كمل عندنا وبدء برواية وراح تعيشو أجواء رمضان مرة أخرى. 😂 كنت ناوية يجي الفصل القادم في رمضان بس الله ما كتب معليش

2


إلى اللقاء في فصل قادم. 🤍

6


في أمان الله بناتي 

5



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close