رواية أشتهي عناقا ( اغراب بلا وطن ) الفصل الخامس 5 بقلم اسما السيد
أشتهي عناقاً
الفصل الخامس..
عن سلسلة
(اغراب بلا وطن)
أسما السيد..
ــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم..
متقلبة هي حياتنا،كموجِ بحر، لا تعلم متي سيرتفع الموج ومتي يعتدل، لحظه سعادة، واخري حزن..لا أحد يعلم أبداً..
طوال اليومين الماضين التي عاشتهم هنا..كانوا أشبه بالحلم..
دللها كطفلتة، وأرتفع رصيد عشقة بقلبها ليصل لذروته..
ولكن كالعادة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لتذكرهم أنهم هنا علي سطح الأرض...لا القمر..
أنتفضت صباحاً علي صوته المضطرب المذعور..
ـ مالك يا جواد..في إيه؟
ـ إلبسي بسرعه يا إيلا لازم ننزل البلد دلوقت، هنزل أخرج العربيه علي ماتلبسي انت ومالك بسرعه..
تركها ورحل مسرعاً..ولم يجيب نداءها عليه..دب الرعب قلبها وغيرت ثيابها هي وطفلها ولحقت به..
يقود بأقصي سرعة له..حتي أنه لم يعد ينتبه لها، ولا أنها تحمل جنيناً لا ذنب له باحشاءها.. قد يتأذي مما يفعلة
فاض الكيل بها..ولم تعد تميز الصواب من الخطأ، ولا ماذا يحدث له؟
أحست بالدوار يجتاحها، وباتت علي وشك فقدان وعيها..
أغمضت عينيها، وهي تتمسك بجانب السياره بيدها بقوة، حتي لا تسقط علي الزجاج الأمامي، ويرتطم وجة طفلها المذعور الذي يتشبث بأحضانها خوفاً مما يحدث..
شهقت بقوة محاولة استنشاق أكبر قدر من الهواء، تستعيد به وعيها الذي يغيب شيئاً فشيئاً.
فاض الكيل بها، ولم تعد تستطيع المقاومه أكثر، لن يشعر بها ذاك الذي يهيم بعالم آخر غير منتبهاً لها..
صرخت بصوت حاولت جعلة مرتفعاً قدر الإمكان ليسمعة..
ـ وقف الزفتة دي ..حرام عليك هموت ياجواد..
أنتفض علي صوتها، وكأنه فاق من دوامته الآن، اتسعت عينيه، وهو يراها تتصبب عرقاً..
..اوقف السيارة علي جانب الطريق..وأخذ يتحسس وجهها بلهفه وندم..
ـ حبيبتي انتي كويسه..بصيلي يا إيلا..
رفعت رأسها بتعب، ورمقته بعتاب، تبعتة بسيل من دموعها، وهي تشعر بخيبة أمل تجتاحها، وأن كل ما فعلته من أجل تحسين علاقتهما طار وتبخر، وهو يعود لقوقعته مره اخري
عاود الحديث بقلق..
ـ انتي كويسه ياإيلا..مالك في ايه،مش بتردي عليا يا قلبي
أغمضت عينيها، وازاحت يده عن وجهها بحده، وهي تحدث نفسها..
ـ أيسألها؟
وجدت نفسها تصيح بوجهه بقوة بعدما إستعادت توازنها قليلاً..
ـ مالي؟...أنت مش عارف مالي بجد؟
مسح علي وجهه بعصبية، وأردفت بغضب..
ـ أنت نسيت إني حامل..ومعانا طفل في العربيه..بتسوق بسرعه كده ليه، عاوز تقتلنا..طب ذنب الاطفال دول إيه؟
أغمض عينيه، وأردف بندم..
ـ سامحيني نسيت، مكنتش واعي، معرفش إية حصلي..حقك عليا ياإيلا..
هتفت بحزن..
ـ في إيه يا جواد حصل، حد جراله حاجه؟
زفر بحزن، وهتف بقلق..
ـ ماما تعبانه أوي يا إيلا… كلمتني الصبح وهي منهارة وبتبكي من تليفون سما، وقالتلي لازم تجيني انهاردة..
لا تعلم لما قُبض قلبها فجأه هكذا، هتفت بلا وعي..
ـ مالها، إيه حصل؟
ـ معرفش والله.. كلمت سما تاني ولقيتها بتعيط، و قالتلي ماما مبتبطلش تنادي عليك، وتقول عاوزه جواد..
هتفت بشرود..
ـ ربنا يستر..خير إن شاءالله متقلقش…
ـ يارب..
أنهي حديثه وهو يعاود.القياده مرة أخري..شارداً..
رمقته بحزن..وهي تدعي الله بسرها أن يمر اليوم علي خير..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل لبيت والدته مسرعاً، لم تستطع أن تخبرة أن يعيدها للمنزل ،إضطرت ان ترافقه لبيت العائلة..
ذاك البيت الذي لم تأتي له منذ أعوام..
تبعته هي وطفلها للداخل، وهي تنظر للبيت العتيق بهم..
وكأنها تدخل للجحيم بقدميها..قبض قلبها فجأه، وتيبست قدميها، وهي تستمع لصوت بكاء والدته المرتفع وصراخها
عليهم..
لم تجرأ علي التحرك إنشاً واحداً آخر..إنزوت علي إحدي الأرائك ببهو المنزل، وعلي قدميها طفلها المذعور..
رأتها نور فإقتربت وجلست أمامها تناظرها بحقد..رفعت وجهها وبادلتها أخري بلا أي تعبير كالعادة، تعلم عشقها لزوجها، وأن والدته كانت تحاربه ليتزوج بها، ولكنها لا تهتم
أخبرها جواد ذات يوم حينما دبت الغيرة قلبها، أنه لو أرادها لما منعه أحدٌ من الزواج بها، ولكنه ارادها هي..
لذا لا داعي للقلق....
بينما الأخري نظراتها تزداد حنقاً وحقداً، وتوعداً لها تجلس وكأنها علي صفيح ساخن..وتريد أن تنقض عليها بأية لحظه..
إزداد البكاء والصراخ من زوجة عمها، وارتفع صوت زوجها وشقيقة راسل، ووالدته تستنجد به أن ياخذها من هنا..تطور الامر للاشتباك بالأيدي..لولا تدخل اعمامهم لللفصل بينهم كالعادة..وحكم الجميع برحيل والدته معه، ما دامت تريد ذلك، علي أن تبقي سما مع شقيقها...
لا تعلم ماذا حدث بعدها، ولا كيف تم الأمر بتلك السرعه؟
ولا كيف إستعدت والدته للرحيل معهم..و اصبحت الآن بسيارته، وتجلس بجانبه تبكي بلا توقف..
رفعت وجهها للمرآه، فوقعت علي وجه والدته التي رمقتها علي الفور بإنتصار وتوعد، وكأنه تخبرها أنها هي من إنتصرت وستريها إذا..
إتسعت عينيها بصدمه، وبلعت ريقها...وهي تتمتم..
ـ مش معقول..بتمثل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت والدة إيلاف..
بعدما عادت من المشفي..
يجلس باسل أمام خالته يدور بعينه يميناً ويساراً بملل، وخالته تتحدث بلا فواصل، بكل شيء وأي شيء..
لو لم يكن آتياً لحاجةً في نفسة، لما أتي لهنا، ولكنه يبدو انه سيعود بخفي حنين، فإيلا ليست هنا..
دلفت يمني، تبتسم بخبث..
ـ منور يا أبو إيلا..مش إسمها إيلاف بردو.؟
أغمض عينيه زافراً بحنق من تلك الحية، وأومأ برأسه..
ـ أيوا إسمها إيلاف..
يمني بخبث…
ـ شكلك كنت بتعز إيلاف بتاعتنا أوي عشان كده سمتها علي إسمها..
تلون وجه باسل، وهو يبتلع غصة حارقه بقلبة وشدد من إحتضان إبنته بتملك بين ذراعيه، في حين هتفت خالته بحقد..
ـ بيعزها بس..دا كان هيموت ويتجوزها..بس اعمل ايه في بنتي الغبيه..بس مين ربنا إنتقملك منها يا باسل واتجوزت جواد وبدل ما تقعد هنا..قعدت في الفلاحين..وسط عيلة أبوها إللي كلهم بيكرهوها..
هتف باسل بكسرة، وتهكم علي طبع خالته الذي لم يتغير..
ـ نصيب ياخالتي..بلاش الكلام ده..
اردفت خالته بشماته..
ـ ال وجاتلي غضبانه بعد ما وافقت تتجوزه بإرادتها، وعاوزه تطلق..وتقولي أنا تعبت ياماما..قولتلها مش دا كان اختيارك من الأول اتحملي بقي..
وبعدين يا باسل يابني، مادام الراجل بيصرف يبقي هتعوذ إيه تاني.. بنات آخر زمن..
هتفت يمني مقاطعه لها بمكر..
ـ بصراحة يا باسل كده، ومن غير زعل ربنا رحمك من إيلا..إيلا بتدلع دلع ماسخ، وجواد ياما إشتكي منها..ورغم أن كل طلباتها أوامر إلا أنها علطول مش راضيه…وبتشتكي..وعلطول هات..هات..مفيش رحمه..
اردفت خالته ببكاء مصطنع..
ـ دا من يوم ما رقدت مطلتش عليا الا مرة واحده يا باسل..واللي شيلاني مرات ابني، مع إن المفروض بنتي أولي بيا..منها لله..أنا داعية عليها يا بني..
الله يسامحك ياإيلا...
هز باسل رأسه غير مصدقاً لترهاتهم ..أيعقل ما يتحدثون عنها هي ذاتها إيلاف الصغيره التي دوماً ما كانت ملاكة الصغير، من تربت علي يديه..
شدد من إحتضان طفلته، وهو يستقيم من مكانه..ليرحل..
هتفت يمني بخبث..
ـ تحبي اكلمهالك علي الماسنجر يا ماما، ولا تزعلي نفسك.. هي فاتحه عالفيس أهي؟
أغمض عينيه.. وخالته انفتحت بوصلة دعاوي أخري لم ولن تنتهي يوماً .
ودعهم سريعاً وعينيه تلمع بأمل جديد..
قبل إبنته بحنو..هاتفاً بحب..
ـ قلب بابا..بحبك أوي..انتي بتحبيني ياإيلا..؟
إبتسمت الطفله، وأرتمت بين ذراعي والدها تتمتم بكلمه بحب.. لوالدها بسعاده..
(أعلم لن يجمعنا بيتٌ، ولن تجمعنا الحياه..تزوجتي وأنا أيضاً، ربما أحببته، وربما لا..ولكني لم أستطع فبت أخاف أن أنادي إسمك فأجرح تلك التي أُبتليت بي، ولم يكن لها ذنب بتلك الحياه، سميتُ إبنتي علي إسمك ولم أعي أنني أقدم نفسي للهلاك، ولكنكِ لا تعلمين ماذا يميز هذا يازهرة الحياه؟
سأخبرك إذن، اقبلها إن أردت كأنها أنتِ، وأحتضنها إن إشتهيتُ العناق، أخبرها كل حين، أحبك، فتخبرني، وأنا أيضاً...ويكفي حينما أنطق إسمك لا أحد يعلم عن من أنادي، ومن اشتاق؟)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمساء..
ببيت جواد..
أنتهوا من تناول الطعام..تحت نظرات والدته الغريبه لها..
التي ترمقها بها كلما إنشغل عنها جواد..
منذ دلفا للمنزل، وهو تحت قدميها لم يتركها للحظه..بينما التزمت هي الصمت التام، ولم تتدخل بأي مما يحدث؟
الشعور بعدم الأمان بات يحاوطها من كل جانب..
خصيصاً بعدما بات جواد يتجاهلها مجدداً منذ حضور والدته..
يلقي أوامرة عليها بلا رحمه..وكأنها سوبرمان..
اغمضت عينيها بتعب، وهي تميل بظهرها علي الفراش بجانب طفلها..لتستريح أخيراً..
ـ إيلا..يا إيلا..
إنتفضت من مكانها علي صوته المرتفع عليها...
ـ أيوا يا جواد..أيوا..
أستقامت لتذهب له..ولكنه فاجأها وهو يدخل للغرفه سريعاً صارخاً بها..
ـ انتي نايمه..وأمي عماله تصرخ من وجع ظهرها..فين علاجها إللي هي جيباه معاها..
ـ ملهاش علاج يا جواد دلوقت.. خدته كله..أنا أدتهولها بنفسي..
وصل لمسامعها صوت بكاء والدته وحديثها..
ـ هموت يا جواد...آه يا ظهري يااني..الحقني يابني..ودوني دار المسنين يا جواد محدش طايقني يابني..مراتك مش طيقاني يا جوااد..ولا أخوك ولا حد..ااه يااني..ولا حتي بنتي..
يا قلة حظك يا دلال..
إبتلعت ريقها بصدمه، وهو يصرخ بها، بعدما هرول لوالدته بالداخل وتبعته..
ـ مين إللي مش طايقك ياأمي..أن مشالتكيش الارض اشيلك جوا عنيا..وهي هنا عشان تخدمك..ولو مش عاجبها تخرج برا..ويجي الصبح بدالها..المهم راحتك..إرتاحي إنتي بس..
أنهي حديثه صارخاً عليها بجنون..
ـ إنتي سمعتي..عجبك عالعيشه كده أهلاً وسهلاً..مش عجبك الباب يفوت جمل….إلا أمي ياإيلا..
هتفت بصوت مصدوم منخفض..
ـ جواد؟
اجابها هو بصراخ..
ـ ردي عاجبك ولا لا؟
إلتمعت عينيها بالدموع وصمتت صدمةً به.. وهي تسأل نفسها..
ـ أهذا ما كان يتوسل حبها بالأمس..
ماذا حدث له؟
عاتبت نفسها، حينما نست أنها والدته التي لم يذهب لها يوماً الا وعاد بحال غير الحال..ماذا كانت تظن..؟
خرجت من الغرفه مسرعه..وهي تمسح دموع القهر بيدها..
بعدما هتفت والدته بحنو زائف..
ـ خلاص يا جواد..حقك عليا يابني بلاش تزعقلها كده..وهي ذنبها إيه تخدمني اذا كان اخوك قل بيا وهزقني..شكلها شايلة مني..ومش هتسامحني، وأنا مش عاوزه أبقي عالة علي حد..ياميلة بختك في ولادك يا دلال..
لحق بها سريعاً لغرفة نومهم، مغلقاً الباب خلفه..وهدر بجنون..
ـ إسمعي يا إيلا أمي خط أحمر..ومش عشان كبرت وعجزت خلاص هرميها كفاية اللي الواطي ده عملة فيها..أنا مش هسمح لأي حد مهما كان أنه يأذيها بكلمه، حتي لو كانت هي إيه؟
مهما عملت دي أمي..ومسؤله مني..ولازم أشيلها في عنيا..
هتفت بصوت مختنق..
ـ أنت بتكلمني كده ليه أصلاً.. هو أنا نطقت ولا أعترضت بكلمه، وليه مفكر إني هخدم والدتك جبر منك أنت.وأنك تقدر تجبرني مثلاً، في حين ربنا مقلش في كتابه العزيز، أن خدمة مرات الإبن لحماتها جبر عليها..
يناظرها بصدمه..من حديثها وهم أن يتحدث..
قاطعته هي وهي ترفع يدها أمام وجهه..هاتفه بحسم..
ـ كفاية كدا يا جواد..كفيت ووفيت.. مش أنت عاوزني اخدم أمك..
تمام… أنا هخدم أمك، وهشيلها في عنيا، بس مش جبر لالالا…
ولا عشان هو فرض عليا… دا عشان فيها ريحتك أنت، وعشان هي والدتك أنت…
عشان لما أكبر وأعجز اللي عملته يترد ليا…
نصل حاد، طعن قلبه من حديثها، ودموعها التي سالت علي خدها سريعاً.. جثت علي الفراش، تتمتم بألم…
ـ اخرج يا جواد..أنت عمرك ما هتتغير..روح لو سمحت سيبني لوحدي..
أقترب خطوتين منها، وهو يمسح علي رأسه بندم..لرؤية دموعها..و صوت بكاءها الذي خرج عن صمته..
لمحته يقترب منها، فصرخت به..
ـ اطلع بره..أنت مبتفهمش..برااا..مش طايقه أشوف وشك.
صرخ بها بغضب وهو يصفع الباب خلفه..
ـ ماشي يا إيلا ، هحاسبك علي صراخك عليا ده..هتشوفي ياإيلا..
إبتعدت والدته من خلف باب غرفتها وهي تبتسم بسعاده..
ـ طوبه علي طوبه..خلي العركه منصوبه..
ماشي يابت سوسن.
إن ما خليته يطلقك ما بقاش أنا دلال…
اردفت بسعاده وهي تمسك بهاتفها…
ـ أما افرح البت نور..بت الابلسه دي..أن خطتها دي نجحت..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مالك يا جيلان..؟
ـ إبتسمت جيلان بألم وهي تمسد قلبها..
ـ انا كويسه يا جيداء متقلقيش أنا حلوه أهو..
هتفت جيداء بحزن..
ـ كويسه إزاي بس..مش شايفه نفسك خسيتي ازاي، خدتي علاجك ولا لا؟
اومأت جيلان بتعب..
ـ اخدته..اخدته..أخواتك طلعوا يا جيداء.؟
زفرت جيداء بحزن..وهي تجلس بجانب شقيقتها علي الأريكه...
ـ لا مجوش.. سمعت صراخهم وعياطهم من شويه..ونزلت اشوفهم..
لقيتها قفشتهم وهما طالعين ودورت فيهم الضرب كالعاده يعني..
أومأت جيلان بحزن، وهي تمسح دمعة فرت من عينيها بطرف إصبعها، حتي لا تراها شقيقتها كالعاده..
ـ ربنا ينتقم منها..ويحرق قلبها زي ما حرقة قلبنا وقلوبهم..وقلب أمنا علي أبونا..وخدته منها..
تحسست جيداء رأس جيلان بحنو..
ـ متهتميش..دا نصيبنا في الدنيا المهم، خلينا فيكي انتي..عملتي إيه في الامتحان انهارده..؟
ـ كان كويس..بس حاسه اني معرفتش اجاوب برضه..
ـ ان شاء الله خير يا حبيبتي..مش مهم.. يعني إللي معاهم شهادات عملو بيها ايه يعني..ما هم قاعدين أهو..
ـ كلمتي إيلا؟
ـ اه كلمتها الصبح..وصوتها مكنش عجبني..ربنا يستر..
ـ ربنا يهديلها الحال يارب..
ـ يارب..نامي انتي يالا..هقوم أذاكر شويه..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت باسل..
يجلس بغرفة مكتبه..ينظر لصورتها علي حسابها الشخصي بشرود..متردد في أن يراسلها أو لا..
اخذ نفساً عميقاً، وهو يرفع إصبعه ليضغط زر الارسال… ولكنه..
أغلق الهاتف سريعاً، متراجعاً عما كاد سيفعلة، واضعاً يده علي قلبه الذي يهدر بعنف بصدره..هامساً بحزن
ـ ايه ده ياقلبي...الله يسامحك يا إيلا كل مرة بشوفك فيها وكأنها اول مرة..إمتي بقي هنساكي...إمتي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتدلت في فراشها وهي تتذكر ذاك الذي قرر التلاعب معها بعد ساعه من بكاءها..
وقررت اللعب معه قليلاً هي الأخري..
مدت يدها وفتحت هاتفها وفتحتها علي رسائلة لها.. دخلت لحسابة الشخصي، وبمهارة منها إستطاعت معرفة بعض الأشياء عنه..
إبتسمت بخبث..وهي تعاود النظر للصور الشخصيه الخاصة بها التي اخذها من حسابها، وتحتها تهدديده لها بأنه سيفضحها..أن لم تنفذ ما سيقوله لها..وتهاتفه..علي الرقم المدون تحتها..
فتحت احدي الصور المغطاه للحماية، وهي تخمن ما بها..
فتحتها بثبات قاتل، وهي تري صورتها المدمجه علي احدي الصور العاريه..وتحتها تهديد صريح لها..بأنه سينشرها علي احدي المواقع، وعلي صفحتها الشخصية..وسيريها لزوجها لو لم تهاتفه…
أجابته بثبات..وتبعته بإيموشن للضحك..جعلت ذاك الذي يجلس خلف حاسوبة يرتعب من الخوف..
ـ أعلي ما في خيلك إركبه يا صبري ..ما بتههدش..وهفضحك وبيني وبينك شرطه الإنترنت …وصورك الفيك أي بتاع فوتوشوب هيكشفها..
ـ عرفتي إسمي منين؟
إبتسمت علي غباءه..فذاك الغبي مسجلاً حسابه بإسمه..
ـ هتعرف دلوقت..ردي عليكي هيوصلك دلوقت….
إبتلع صبري ريقه وهو يصلة العديد من الرسائل لاحدهم يحاول إختراق حسابه..
هتف برعب….
ـ يابنت المجنونه..دا انتي طلعتي مش سهلة أبداً..
كادت أن تصل لولا بكاء طفلها الذي قاطعها..فعبست بشفتيها..وأرسلت له..
ـ نفدت أنهارده..إستناني شوية ورجعالك يا صبري..
أنتفض من مكانه..وبسرعه قام بإلغاء تنشيط حسابة..وهو يسب نور ومعرفتها..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يجد مكاناً يأوية إلا أصدقاءه الفاسدين هؤلاء..قضي أمسيته معهم..وشرب كالعادة حتي أعميت عيناه..إستقام يتمايل يميناً ويساراً..
هاتفاً بخوف...
ـ كفاية كدا الليله يا عم..إيلا هتطين عيشتي..
أجابة أحدهم وهو يدخن أرجيلته...الله يرحمك يا جواد..كنت طيب يا صاحبي..
جواد بتوهان..
ـ أنا زعلتها، وهي متستحقش مني كده..بس هو أنا هعمل إيه يا شق..دي بردو أمي..أنا ااه بكرة تصرفاتها بس دي بردو أمي..
ـ يا دي النيلة..تاني أمك..يابني أمك هتخرب عليك صدقني.. متصدقهاش..إنت بتحب إيلا..وهتخسرها..
ـ طب أعمل ايه دبرني يا شق..هو يعني حد بيختار أهلة..أمي ثم أمي..ياجدع..
أنهي جواد حديثه..وهو يقذف نفسة علي الأريكه خلفه بتعب..
ـ الله يعينك يا صاحبي..خد أشرب عشان تنسي..
ـ لا ياعم..أنا هروح..
ـ طب أستني اوصلك..لتعمل حادثه وانت ميت كده..
ـ يالا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نور بجنون..
ـ ازاي يعني..مش خايفه..الغبيه دي؟
هتف صبري برعب..
ـ بقولك ايه يا نور..لحد كدا وأنا هخلع..دي شكلها مش خايفه واذكي من جوزها ميت مرة..وأنتي عارفه جواد لو عرف مش هيسكت..
جواد لو حطني في دماغة، هيجبني هيجبني..وساعتها ممكن يخلص عليا..شوفيلك غيري يلعب اللعبه دي..
وخصوصا أنها حاولت تخترق الاكونت بتاعي، ولولا ستر ربنا كان زمانها عرفتني، أنا قفلته خالص..وهبعد عن النت فترة وهغير رقمي ده..
نور بغضب…
ـ يعني إيه..حتة بت زي دي هترعبك يا صبري..ما تنشف كده..وبعدين ما أنت إللي غبي إزاي تكلمها من حسابك الشخصي ياغبي أنت..وهي استحاله تقول لجواد..هي مش غبيه…
صبري بصراخ..
ـ انتي اللي غبيه. بقولك مش خايفه وهددتني انها هتعرف تتعامل معايا كويس..وهتبلغ عني..وهتجبني يعني هتجبني..
تقوليلي استحالة تقوله..دا إللي همك؟
ـ يعني إيه..كل خطتي راحت..؟
صبري بنفاذ صبر..
ـ انتي حرة..انا قفلت حسابي خالص..ولعبتك دي أنا براها من دلوقتي..اعملي إللي انتي عوزاه، متتصليش بيا تاني..أنا مش ناقص خوته…
قذفت الهاتف بعدما اغلقه بوجهها وهي تصيح بغضب..
ـ ماشي ياايلا أن ماوريتك مبقاش أنا...جواد ليا يعني ليا..
وهحرق قلبك عليه
زفرت نازلي براحة من تحت الغطاء…
ـ الحمدلله يارب..ربنا ينتقم منك يا نور..ويريحني منك..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس علي تلك الاريكه بشرفتها التي تطل علي باب المنزل..تنتظرة..
لم يغمض لها جفن، وهو بعيد عنها…
أستمعت لاذان الفجر، فاستقامت من مكانها لتؤدي فريضتها..
توضأت وشرعت بالصلاه بخشوع، ولم تشعر بذاك الذي وقف خلفها..يتمايل بجسده يميناً ويساراً..
أنهت صلاتها وانتفضت علي تمتمته..
ـ تعبان ياإيلا..انااا بحبك أوي..
إيلا بصدمه..
ـ جواد..أنت شارب..؟
هز رأسه بهيستيريا..قبل أن يسقط بين ذراعيها..
هتفت بغصة..
ـ ليه كده يا قلب إيلا..مش أنت وعدتني مش هتشرب..
تمتم وهو يجاهد ليفتح عينيه..
ـ عاوز أنام يا إيلا..
اصطحبته للفراش، ودثرته جيداً..وإستقامت لترحل من الغرفه بأكملها..
ألا أنه باغتها وهو يجذبها بقوة، سقطت علي أثرها بجانبه..
محاوطاً إياها بتملك، بين ذراعية..
ـ متبعديش عني يا إيلا..خليكي في حضني..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن أتيتكِ أشكو ضعف حيلتي، فكوني قوتي..وإن أتيتك دامعاً تائهاً، إستمعي لي ولا تقنطي..لا تتردي وتخبريني كم ظالمٌ أنا ومتجبرِ، فأنا إن قسوت علي العالم أجمع.. تعلمين أني سآتي إليكِ بعد حينٍ كطفل متشردِ..ستطبطبين علي جراحي، وتعانقيني وتخبريني أنني طفلك الثالثِ، فلا مني تبتأسي ولا تحزني..كوني وطني وموطني..
أشتهي عناقاً
(اغراب بلا وطن)
أسما السيد...
الفصل الخامس..
عن سلسلة
(اغراب بلا وطن)
أسما السيد..
ــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم..
متقلبة هي حياتنا،كموجِ بحر، لا تعلم متي سيرتفع الموج ومتي يعتدل، لحظه سعادة، واخري حزن..لا أحد يعلم أبداً..
طوال اليومين الماضين التي عاشتهم هنا..كانوا أشبه بالحلم..
دللها كطفلتة، وأرتفع رصيد عشقة بقلبها ليصل لذروته..
ولكن كالعادة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لتذكرهم أنهم هنا علي سطح الأرض...لا القمر..
أنتفضت صباحاً علي صوته المضطرب المذعور..
ـ مالك يا جواد..في إيه؟
ـ إلبسي بسرعه يا إيلا لازم ننزل البلد دلوقت، هنزل أخرج العربيه علي ماتلبسي انت ومالك بسرعه..
تركها ورحل مسرعاً..ولم يجيب نداءها عليه..دب الرعب قلبها وغيرت ثيابها هي وطفلها ولحقت به..
يقود بأقصي سرعة له..حتي أنه لم يعد ينتبه لها، ولا أنها تحمل جنيناً لا ذنب له باحشاءها.. قد يتأذي مما يفعلة
فاض الكيل بها..ولم تعد تميز الصواب من الخطأ، ولا ماذا يحدث له؟
أحست بالدوار يجتاحها، وباتت علي وشك فقدان وعيها..
أغمضت عينيها، وهي تتمسك بجانب السياره بيدها بقوة، حتي لا تسقط علي الزجاج الأمامي، ويرتطم وجة طفلها المذعور الذي يتشبث بأحضانها خوفاً مما يحدث..
شهقت بقوة محاولة استنشاق أكبر قدر من الهواء، تستعيد به وعيها الذي يغيب شيئاً فشيئاً.
فاض الكيل بها، ولم تعد تستطيع المقاومه أكثر، لن يشعر بها ذاك الذي يهيم بعالم آخر غير منتبهاً لها..
صرخت بصوت حاولت جعلة مرتفعاً قدر الإمكان ليسمعة..
ـ وقف الزفتة دي ..حرام عليك هموت ياجواد..
أنتفض علي صوتها، وكأنه فاق من دوامته الآن، اتسعت عينيه، وهو يراها تتصبب عرقاً..
..اوقف السيارة علي جانب الطريق..وأخذ يتحسس وجهها بلهفه وندم..
ـ حبيبتي انتي كويسه..بصيلي يا إيلا..
رفعت رأسها بتعب، ورمقته بعتاب، تبعتة بسيل من دموعها، وهي تشعر بخيبة أمل تجتاحها، وأن كل ما فعلته من أجل تحسين علاقتهما طار وتبخر، وهو يعود لقوقعته مره اخري
عاود الحديث بقلق..
ـ انتي كويسه ياإيلا..مالك في ايه،مش بتردي عليا يا قلبي
أغمضت عينيها، وازاحت يده عن وجهها بحده، وهي تحدث نفسها..
ـ أيسألها؟
وجدت نفسها تصيح بوجهه بقوة بعدما إستعادت توازنها قليلاً..
ـ مالي؟...أنت مش عارف مالي بجد؟
مسح علي وجهه بعصبية، وأردفت بغضب..
ـ أنت نسيت إني حامل..ومعانا طفل في العربيه..بتسوق بسرعه كده ليه، عاوز تقتلنا..طب ذنب الاطفال دول إيه؟
أغمض عينيه، وأردف بندم..
ـ سامحيني نسيت، مكنتش واعي، معرفش إية حصلي..حقك عليا ياإيلا..
هتفت بحزن..
ـ في إيه يا جواد حصل، حد جراله حاجه؟
زفر بحزن، وهتف بقلق..
ـ ماما تعبانه أوي يا إيلا… كلمتني الصبح وهي منهارة وبتبكي من تليفون سما، وقالتلي لازم تجيني انهاردة..
لا تعلم لما قُبض قلبها فجأه هكذا، هتفت بلا وعي..
ـ مالها، إيه حصل؟
ـ معرفش والله.. كلمت سما تاني ولقيتها بتعيط، و قالتلي ماما مبتبطلش تنادي عليك، وتقول عاوزه جواد..
هتفت بشرود..
ـ ربنا يستر..خير إن شاءالله متقلقش…
ـ يارب..
أنهي حديثه وهو يعاود.القياده مرة أخري..شارداً..
رمقته بحزن..وهي تدعي الله بسرها أن يمر اليوم علي خير..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل لبيت والدته مسرعاً، لم تستطع أن تخبرة أن يعيدها للمنزل ،إضطرت ان ترافقه لبيت العائلة..
ذاك البيت الذي لم تأتي له منذ أعوام..
تبعته هي وطفلها للداخل، وهي تنظر للبيت العتيق بهم..
وكأنها تدخل للجحيم بقدميها..قبض قلبها فجأه، وتيبست قدميها، وهي تستمع لصوت بكاء والدته المرتفع وصراخها
عليهم..
لم تجرأ علي التحرك إنشاً واحداً آخر..إنزوت علي إحدي الأرائك ببهو المنزل، وعلي قدميها طفلها المذعور..
رأتها نور فإقتربت وجلست أمامها تناظرها بحقد..رفعت وجهها وبادلتها أخري بلا أي تعبير كالعادة، تعلم عشقها لزوجها، وأن والدته كانت تحاربه ليتزوج بها، ولكنها لا تهتم
أخبرها جواد ذات يوم حينما دبت الغيرة قلبها، أنه لو أرادها لما منعه أحدٌ من الزواج بها، ولكنه ارادها هي..
لذا لا داعي للقلق....
بينما الأخري نظراتها تزداد حنقاً وحقداً، وتوعداً لها تجلس وكأنها علي صفيح ساخن..وتريد أن تنقض عليها بأية لحظه..
إزداد البكاء والصراخ من زوجة عمها، وارتفع صوت زوجها وشقيقة راسل، ووالدته تستنجد به أن ياخذها من هنا..تطور الامر للاشتباك بالأيدي..لولا تدخل اعمامهم لللفصل بينهم كالعادة..وحكم الجميع برحيل والدته معه، ما دامت تريد ذلك، علي أن تبقي سما مع شقيقها...
لا تعلم ماذا حدث بعدها، ولا كيف تم الأمر بتلك السرعه؟
ولا كيف إستعدت والدته للرحيل معهم..و اصبحت الآن بسيارته، وتجلس بجانبه تبكي بلا توقف..
رفعت وجهها للمرآه، فوقعت علي وجه والدته التي رمقتها علي الفور بإنتصار وتوعد، وكأنه تخبرها أنها هي من إنتصرت وستريها إذا..
إتسعت عينيها بصدمه، وبلعت ريقها...وهي تتمتم..
ـ مش معقول..بتمثل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت والدة إيلاف..
بعدما عادت من المشفي..
يجلس باسل أمام خالته يدور بعينه يميناً ويساراً بملل، وخالته تتحدث بلا فواصل، بكل شيء وأي شيء..
لو لم يكن آتياً لحاجةً في نفسة، لما أتي لهنا، ولكنه يبدو انه سيعود بخفي حنين، فإيلا ليست هنا..
دلفت يمني، تبتسم بخبث..
ـ منور يا أبو إيلا..مش إسمها إيلاف بردو.؟
أغمض عينيه زافراً بحنق من تلك الحية، وأومأ برأسه..
ـ أيوا إسمها إيلاف..
يمني بخبث…
ـ شكلك كنت بتعز إيلاف بتاعتنا أوي عشان كده سمتها علي إسمها..
تلون وجه باسل، وهو يبتلع غصة حارقه بقلبة وشدد من إحتضان إبنته بتملك بين ذراعيه، في حين هتفت خالته بحقد..
ـ بيعزها بس..دا كان هيموت ويتجوزها..بس اعمل ايه في بنتي الغبيه..بس مين ربنا إنتقملك منها يا باسل واتجوزت جواد وبدل ما تقعد هنا..قعدت في الفلاحين..وسط عيلة أبوها إللي كلهم بيكرهوها..
هتف باسل بكسرة، وتهكم علي طبع خالته الذي لم يتغير..
ـ نصيب ياخالتي..بلاش الكلام ده..
اردفت خالته بشماته..
ـ ال وجاتلي غضبانه بعد ما وافقت تتجوزه بإرادتها، وعاوزه تطلق..وتقولي أنا تعبت ياماما..قولتلها مش دا كان اختيارك من الأول اتحملي بقي..
وبعدين يا باسل يابني، مادام الراجل بيصرف يبقي هتعوذ إيه تاني.. بنات آخر زمن..
هتفت يمني مقاطعه لها بمكر..
ـ بصراحة يا باسل كده، ومن غير زعل ربنا رحمك من إيلا..إيلا بتدلع دلع ماسخ، وجواد ياما إشتكي منها..ورغم أن كل طلباتها أوامر إلا أنها علطول مش راضيه…وبتشتكي..وعلطول هات..هات..مفيش رحمه..
اردفت خالته ببكاء مصطنع..
ـ دا من يوم ما رقدت مطلتش عليا الا مرة واحده يا باسل..واللي شيلاني مرات ابني، مع إن المفروض بنتي أولي بيا..منها لله..أنا داعية عليها يا بني..
الله يسامحك ياإيلا...
هز باسل رأسه غير مصدقاً لترهاتهم ..أيعقل ما يتحدثون عنها هي ذاتها إيلاف الصغيره التي دوماً ما كانت ملاكة الصغير، من تربت علي يديه..
شدد من إحتضان طفلته، وهو يستقيم من مكانه..ليرحل..
هتفت يمني بخبث..
ـ تحبي اكلمهالك علي الماسنجر يا ماما، ولا تزعلي نفسك.. هي فاتحه عالفيس أهي؟
أغمض عينيه.. وخالته انفتحت بوصلة دعاوي أخري لم ولن تنتهي يوماً .
ودعهم سريعاً وعينيه تلمع بأمل جديد..
قبل إبنته بحنو..هاتفاً بحب..
ـ قلب بابا..بحبك أوي..انتي بتحبيني ياإيلا..؟
إبتسمت الطفله، وأرتمت بين ذراعي والدها تتمتم بكلمه بحب.. لوالدها بسعاده..
(أعلم لن يجمعنا بيتٌ، ولن تجمعنا الحياه..تزوجتي وأنا أيضاً، ربما أحببته، وربما لا..ولكني لم أستطع فبت أخاف أن أنادي إسمك فأجرح تلك التي أُبتليت بي، ولم يكن لها ذنب بتلك الحياه، سميتُ إبنتي علي إسمك ولم أعي أنني أقدم نفسي للهلاك، ولكنكِ لا تعلمين ماذا يميز هذا يازهرة الحياه؟
سأخبرك إذن، اقبلها إن أردت كأنها أنتِ، وأحتضنها إن إشتهيتُ العناق، أخبرها كل حين، أحبك، فتخبرني، وأنا أيضاً...ويكفي حينما أنطق إسمك لا أحد يعلم عن من أنادي، ومن اشتاق؟)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمساء..
ببيت جواد..
أنتهوا من تناول الطعام..تحت نظرات والدته الغريبه لها..
التي ترمقها بها كلما إنشغل عنها جواد..
منذ دلفا للمنزل، وهو تحت قدميها لم يتركها للحظه..بينما التزمت هي الصمت التام، ولم تتدخل بأي مما يحدث؟
الشعور بعدم الأمان بات يحاوطها من كل جانب..
خصيصاً بعدما بات جواد يتجاهلها مجدداً منذ حضور والدته..
يلقي أوامرة عليها بلا رحمه..وكأنها سوبرمان..
اغمضت عينيها بتعب، وهي تميل بظهرها علي الفراش بجانب طفلها..لتستريح أخيراً..
ـ إيلا..يا إيلا..
إنتفضت من مكانها علي صوته المرتفع عليها...
ـ أيوا يا جواد..أيوا..
أستقامت لتذهب له..ولكنه فاجأها وهو يدخل للغرفه سريعاً صارخاً بها..
ـ انتي نايمه..وأمي عماله تصرخ من وجع ظهرها..فين علاجها إللي هي جيباه معاها..
ـ ملهاش علاج يا جواد دلوقت.. خدته كله..أنا أدتهولها بنفسي..
وصل لمسامعها صوت بكاء والدته وحديثها..
ـ هموت يا جواد...آه يا ظهري يااني..الحقني يابني..ودوني دار المسنين يا جواد محدش طايقني يابني..مراتك مش طيقاني يا جوااد..ولا أخوك ولا حد..ااه يااني..ولا حتي بنتي..
يا قلة حظك يا دلال..
إبتلعت ريقها بصدمه، وهو يصرخ بها، بعدما هرول لوالدته بالداخل وتبعته..
ـ مين إللي مش طايقك ياأمي..أن مشالتكيش الارض اشيلك جوا عنيا..وهي هنا عشان تخدمك..ولو مش عاجبها تخرج برا..ويجي الصبح بدالها..المهم راحتك..إرتاحي إنتي بس..
أنهي حديثه صارخاً عليها بجنون..
ـ إنتي سمعتي..عجبك عالعيشه كده أهلاً وسهلاً..مش عجبك الباب يفوت جمل….إلا أمي ياإيلا..
هتفت بصوت مصدوم منخفض..
ـ جواد؟
اجابها هو بصراخ..
ـ ردي عاجبك ولا لا؟
إلتمعت عينيها بالدموع وصمتت صدمةً به.. وهي تسأل نفسها..
ـ أهذا ما كان يتوسل حبها بالأمس..
ماذا حدث له؟
عاتبت نفسها، حينما نست أنها والدته التي لم يذهب لها يوماً الا وعاد بحال غير الحال..ماذا كانت تظن..؟
خرجت من الغرفه مسرعه..وهي تمسح دموع القهر بيدها..
بعدما هتفت والدته بحنو زائف..
ـ خلاص يا جواد..حقك عليا يابني بلاش تزعقلها كده..وهي ذنبها إيه تخدمني اذا كان اخوك قل بيا وهزقني..شكلها شايلة مني..ومش هتسامحني، وأنا مش عاوزه أبقي عالة علي حد..ياميلة بختك في ولادك يا دلال..
لحق بها سريعاً لغرفة نومهم، مغلقاً الباب خلفه..وهدر بجنون..
ـ إسمعي يا إيلا أمي خط أحمر..ومش عشان كبرت وعجزت خلاص هرميها كفاية اللي الواطي ده عملة فيها..أنا مش هسمح لأي حد مهما كان أنه يأذيها بكلمه، حتي لو كانت هي إيه؟
مهما عملت دي أمي..ومسؤله مني..ولازم أشيلها في عنيا..
هتفت بصوت مختنق..
ـ أنت بتكلمني كده ليه أصلاً.. هو أنا نطقت ولا أعترضت بكلمه، وليه مفكر إني هخدم والدتك جبر منك أنت.وأنك تقدر تجبرني مثلاً، في حين ربنا مقلش في كتابه العزيز، أن خدمة مرات الإبن لحماتها جبر عليها..
يناظرها بصدمه..من حديثها وهم أن يتحدث..
قاطعته هي وهي ترفع يدها أمام وجهه..هاتفه بحسم..
ـ كفاية كدا يا جواد..كفيت ووفيت.. مش أنت عاوزني اخدم أمك..
تمام… أنا هخدم أمك، وهشيلها في عنيا، بس مش جبر لالالا…
ولا عشان هو فرض عليا… دا عشان فيها ريحتك أنت، وعشان هي والدتك أنت…
عشان لما أكبر وأعجز اللي عملته يترد ليا…
نصل حاد، طعن قلبه من حديثها، ودموعها التي سالت علي خدها سريعاً.. جثت علي الفراش، تتمتم بألم…
ـ اخرج يا جواد..أنت عمرك ما هتتغير..روح لو سمحت سيبني لوحدي..
أقترب خطوتين منها، وهو يمسح علي رأسه بندم..لرؤية دموعها..و صوت بكاءها الذي خرج عن صمته..
لمحته يقترب منها، فصرخت به..
ـ اطلع بره..أنت مبتفهمش..برااا..مش طايقه أشوف وشك.
صرخ بها بغضب وهو يصفع الباب خلفه..
ـ ماشي يا إيلا ، هحاسبك علي صراخك عليا ده..هتشوفي ياإيلا..
إبتعدت والدته من خلف باب غرفتها وهي تبتسم بسعاده..
ـ طوبه علي طوبه..خلي العركه منصوبه..
ماشي يابت سوسن.
إن ما خليته يطلقك ما بقاش أنا دلال…
اردفت بسعاده وهي تمسك بهاتفها…
ـ أما افرح البت نور..بت الابلسه دي..أن خطتها دي نجحت..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مالك يا جيلان..؟
ـ إبتسمت جيلان بألم وهي تمسد قلبها..
ـ انا كويسه يا جيداء متقلقيش أنا حلوه أهو..
هتفت جيداء بحزن..
ـ كويسه إزاي بس..مش شايفه نفسك خسيتي ازاي، خدتي علاجك ولا لا؟
اومأت جيلان بتعب..
ـ اخدته..اخدته..أخواتك طلعوا يا جيداء.؟
زفرت جيداء بحزن..وهي تجلس بجانب شقيقتها علي الأريكه...
ـ لا مجوش.. سمعت صراخهم وعياطهم من شويه..ونزلت اشوفهم..
لقيتها قفشتهم وهما طالعين ودورت فيهم الضرب كالعاده يعني..
أومأت جيلان بحزن، وهي تمسح دمعة فرت من عينيها بطرف إصبعها، حتي لا تراها شقيقتها كالعاده..
ـ ربنا ينتقم منها..ويحرق قلبها زي ما حرقة قلبنا وقلوبهم..وقلب أمنا علي أبونا..وخدته منها..
تحسست جيداء رأس جيلان بحنو..
ـ متهتميش..دا نصيبنا في الدنيا المهم، خلينا فيكي انتي..عملتي إيه في الامتحان انهارده..؟
ـ كان كويس..بس حاسه اني معرفتش اجاوب برضه..
ـ ان شاء الله خير يا حبيبتي..مش مهم.. يعني إللي معاهم شهادات عملو بيها ايه يعني..ما هم قاعدين أهو..
ـ كلمتي إيلا؟
ـ اه كلمتها الصبح..وصوتها مكنش عجبني..ربنا يستر..
ـ ربنا يهديلها الحال يارب..
ـ يارب..نامي انتي يالا..هقوم أذاكر شويه..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت باسل..
يجلس بغرفة مكتبه..ينظر لصورتها علي حسابها الشخصي بشرود..متردد في أن يراسلها أو لا..
اخذ نفساً عميقاً، وهو يرفع إصبعه ليضغط زر الارسال… ولكنه..
أغلق الهاتف سريعاً، متراجعاً عما كاد سيفعلة، واضعاً يده علي قلبه الذي يهدر بعنف بصدره..هامساً بحزن
ـ ايه ده ياقلبي...الله يسامحك يا إيلا كل مرة بشوفك فيها وكأنها اول مرة..إمتي بقي هنساكي...إمتي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتدلت في فراشها وهي تتذكر ذاك الذي قرر التلاعب معها بعد ساعه من بكاءها..
وقررت اللعب معه قليلاً هي الأخري..
مدت يدها وفتحت هاتفها وفتحتها علي رسائلة لها.. دخلت لحسابة الشخصي، وبمهارة منها إستطاعت معرفة بعض الأشياء عنه..
إبتسمت بخبث..وهي تعاود النظر للصور الشخصيه الخاصة بها التي اخذها من حسابها، وتحتها تهدديده لها بأنه سيفضحها..أن لم تنفذ ما سيقوله لها..وتهاتفه..علي الرقم المدون تحتها..
فتحت احدي الصور المغطاه للحماية، وهي تخمن ما بها..
فتحتها بثبات قاتل، وهي تري صورتها المدمجه علي احدي الصور العاريه..وتحتها تهديد صريح لها..بأنه سينشرها علي احدي المواقع، وعلي صفحتها الشخصية..وسيريها لزوجها لو لم تهاتفه…
أجابته بثبات..وتبعته بإيموشن للضحك..جعلت ذاك الذي يجلس خلف حاسوبة يرتعب من الخوف..
ـ أعلي ما في خيلك إركبه يا صبري ..ما بتههدش..وهفضحك وبيني وبينك شرطه الإنترنت …وصورك الفيك أي بتاع فوتوشوب هيكشفها..
ـ عرفتي إسمي منين؟
إبتسمت علي غباءه..فذاك الغبي مسجلاً حسابه بإسمه..
ـ هتعرف دلوقت..ردي عليكي هيوصلك دلوقت….
إبتلع صبري ريقه وهو يصلة العديد من الرسائل لاحدهم يحاول إختراق حسابه..
هتف برعب….
ـ يابنت المجنونه..دا انتي طلعتي مش سهلة أبداً..
كادت أن تصل لولا بكاء طفلها الذي قاطعها..فعبست بشفتيها..وأرسلت له..
ـ نفدت أنهارده..إستناني شوية ورجعالك يا صبري..
أنتفض من مكانه..وبسرعه قام بإلغاء تنشيط حسابة..وهو يسب نور ومعرفتها..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يجد مكاناً يأوية إلا أصدقاءه الفاسدين هؤلاء..قضي أمسيته معهم..وشرب كالعادة حتي أعميت عيناه..إستقام يتمايل يميناً ويساراً..
هاتفاً بخوف...
ـ كفاية كدا الليله يا عم..إيلا هتطين عيشتي..
أجابة أحدهم وهو يدخن أرجيلته...الله يرحمك يا جواد..كنت طيب يا صاحبي..
جواد بتوهان..
ـ أنا زعلتها، وهي متستحقش مني كده..بس هو أنا هعمل إيه يا شق..دي بردو أمي..أنا ااه بكرة تصرفاتها بس دي بردو أمي..
ـ يا دي النيلة..تاني أمك..يابني أمك هتخرب عليك صدقني.. متصدقهاش..إنت بتحب إيلا..وهتخسرها..
ـ طب أعمل ايه دبرني يا شق..هو يعني حد بيختار أهلة..أمي ثم أمي..ياجدع..
أنهي جواد حديثه..وهو يقذف نفسة علي الأريكه خلفه بتعب..
ـ الله يعينك يا صاحبي..خد أشرب عشان تنسي..
ـ لا ياعم..أنا هروح..
ـ طب أستني اوصلك..لتعمل حادثه وانت ميت كده..
ـ يالا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نور بجنون..
ـ ازاي يعني..مش خايفه..الغبيه دي؟
هتف صبري برعب..
ـ بقولك ايه يا نور..لحد كدا وأنا هخلع..دي شكلها مش خايفه واذكي من جوزها ميت مرة..وأنتي عارفه جواد لو عرف مش هيسكت..
جواد لو حطني في دماغة، هيجبني هيجبني..وساعتها ممكن يخلص عليا..شوفيلك غيري يلعب اللعبه دي..
وخصوصا أنها حاولت تخترق الاكونت بتاعي، ولولا ستر ربنا كان زمانها عرفتني، أنا قفلته خالص..وهبعد عن النت فترة وهغير رقمي ده..
نور بغضب…
ـ يعني إيه..حتة بت زي دي هترعبك يا صبري..ما تنشف كده..وبعدين ما أنت إللي غبي إزاي تكلمها من حسابك الشخصي ياغبي أنت..وهي استحاله تقول لجواد..هي مش غبيه…
صبري بصراخ..
ـ انتي اللي غبيه. بقولك مش خايفه وهددتني انها هتعرف تتعامل معايا كويس..وهتبلغ عني..وهتجبني يعني هتجبني..
تقوليلي استحالة تقوله..دا إللي همك؟
ـ يعني إيه..كل خطتي راحت..؟
صبري بنفاذ صبر..
ـ انتي حرة..انا قفلت حسابي خالص..ولعبتك دي أنا براها من دلوقتي..اعملي إللي انتي عوزاه، متتصليش بيا تاني..أنا مش ناقص خوته…
قذفت الهاتف بعدما اغلقه بوجهها وهي تصيح بغضب..
ـ ماشي ياايلا أن ماوريتك مبقاش أنا...جواد ليا يعني ليا..
وهحرق قلبك عليه
زفرت نازلي براحة من تحت الغطاء…
ـ الحمدلله يارب..ربنا ينتقم منك يا نور..ويريحني منك..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس علي تلك الاريكه بشرفتها التي تطل علي باب المنزل..تنتظرة..
لم يغمض لها جفن، وهو بعيد عنها…
أستمعت لاذان الفجر، فاستقامت من مكانها لتؤدي فريضتها..
توضأت وشرعت بالصلاه بخشوع، ولم تشعر بذاك الذي وقف خلفها..يتمايل بجسده يميناً ويساراً..
أنهت صلاتها وانتفضت علي تمتمته..
ـ تعبان ياإيلا..انااا بحبك أوي..
إيلا بصدمه..
ـ جواد..أنت شارب..؟
هز رأسه بهيستيريا..قبل أن يسقط بين ذراعيها..
هتفت بغصة..
ـ ليه كده يا قلب إيلا..مش أنت وعدتني مش هتشرب..
تمتم وهو يجاهد ليفتح عينيه..
ـ عاوز أنام يا إيلا..
اصطحبته للفراش، ودثرته جيداً..وإستقامت لترحل من الغرفه بأكملها..
ألا أنه باغتها وهو يجذبها بقوة، سقطت علي أثرها بجانبه..
محاوطاً إياها بتملك، بين ذراعية..
ـ متبعديش عني يا إيلا..خليكي في حضني..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن أتيتكِ أشكو ضعف حيلتي، فكوني قوتي..وإن أتيتك دامعاً تائهاً، إستمعي لي ولا تقنطي..لا تتردي وتخبريني كم ظالمٌ أنا ومتجبرِ، فأنا إن قسوت علي العالم أجمع.. تعلمين أني سآتي إليكِ بعد حينٍ كطفل متشردِ..ستطبطبين علي جراحي، وتعانقيني وتخبريني أنني طفلك الثالثِ، فلا مني تبتأسي ولا تحزني..كوني وطني وموطني..
أشتهي عناقاً
(اغراب بلا وطن)
أسما السيد...
