رواية عزف السواقي الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم عائشة حسين
التاسع والخمسون
أثناء زيارة طاهر لرؤوف هاتفهم يونس وأعلمهم بما حدث، أخبر ثلاثتهم بهروبها طالبًا المشورة منتظرًا للدعم، يشركهم في أمره كما تعوّدوا جميعًا... حين انتهى هتف طاهر بإنزعاج شديد موبخًا له على تسرعه وحماقته وعدم اختياره الوقت المناسب للتصريح بحبه «بغل كبير والله البنت حزنانة وده رايح يجولها بحبك و عايز أكمل معاكي» قالها طاهر متهكمًا منه يسخر في حنق، ضحك رؤوف وهو يستمع لشجارهما ونقارهما بينما عاتبته غزل على ذلك «طاهر مش كفاية الي هو فيه يا بغل أنت كمان»
هتف طاهر باستياء «مشيفاش هبب إيه أمال لو مكنش مهندس وقارفنا»
سخرت منه غزل «اسمها مسمعاش .. عندكم عمى حواس ! وبعدين علشان هو مهندس جاب من الآخر ولخّص مش لف ودار» رمت نظراتها تجاه زوجها الذي أشاح برأسه متنحنحًا يتجاهل مقصدها
هتف طاهر بحنق مشاركًا أخيه الضيق والحزن «أهي مشت هيعمل إيه؟»
تدخل رؤوف في الحديث بعدما استمع لثلاثتهم، سحب الهاتف وسار به ناصحًا أخيه بحكمة «متزعلش يا بابا لعله خير سيبها متدورش عليها هي هتفكر زين وبعدها يا ترجع يا مترجعش»
بحزن عتيق هتف يونس مستنكرًا «كيف مدورش يا أخوي؟!»
نصحه رؤوف برفق «ما أنت لو دورت مش هتلاقيها دول ربنا يعينا، الواحدة لو عايزة تختفي هتعملها» قالها وهو ينظر لزوجته بطرف عينيه في مغزى فهمته واقتربت مؤكدة بشقاوة «صح يا بقدونس المتر معاه حق»
ناقشه يونس بقلب لائم «يا رؤوف بس أنت دورت على غزل مسبتهاش براحتها لما رجعت»
هتفت غزل موضحة باندفاع «الوضع مختلف يا يونس هو كان عارف إني بحبه ودايبة فيه المتر» قالتها بتنهيدة هيام وهي تنظر إليه بوداعة فلكزها رؤوف منبهًا بامتعاض «ما تتأدبي شوية»
مطت شفتيها منزعجة تهتف «الله بقا بحبك يا متر»
سار بعيدًا عنها هاربًا منها يغمغم «يسد بيت أبوكي بجرة»
ضحك يونس على شجارهما وعتابهما اللطيف بينما تنحنح رؤوف وأردف «بص يا يونس غزل قصدها إنك لسه متعرفش مشاعرها ناحيتك ولا متأكد منها وواثق فيها، لاه أنت قولت الي عندك واستنيت، لو في حاجة حاسة بيها هتفكر وترجع لو مفيش فخير يا ولدي»
تنهد يونس قائلاً باستسلام «ماشي يا رؤوف»
اقترح رؤوف بحنان «ما تيجي طيب أجعد معانا»
هتف يونس بلا حماس «ماشي يا رؤوف هفكر»
دعا له رؤوف بصدق «ربنا يريح بالك يا ولدي»
ابتسم يونس لدعواته ثم أنهى الاتصال، وظل مكانه ينظر للزروع أمامه بشرود.
عادت إليه غزل مستفسرة «بتفكر فإيه يا متر؟»
استدار قائلاً بابتسامة حلوة ومرح «خمني»
فكرت قليلًا وهي تكوّر شفتيها ناظرة إليه بعمق «تكلم فيروز وتنهي سوء التفاهم وزي ما قولتلها أخويا ميجيش تقولها أنتِ تعالي معاه»
اقترب أكثر وهمس «تستاهلي بوسة كبيرة على الذكاء النادر منك ده» أنهى قوله بغمزة فضحكت هامسةً بدلال «طيب يلا هاتها »
همس وهو يكتم ضحكته «أنتِ واخدة خمسة الصبح»
تجاهلت قوله بخجل ومطت شفتيها قائلة «الخالة سألتني بتوحم على إيه؟» سألها باهتمام «قولتيلها إيه؟»
زفرت قائلة باستياء «مش عارفة»
أجاب برضا «زين توفري مش ناقصة لفّ»
هتفت ترجوه برقة «أوفة حبيبي ممكن اطلب طلب؟»
أجاب فورًا بجدية «يا سلام عشر طلبات»
هتفت بدلالها الخطير «سكن وولادها هنا ممكن نزورهم يا حبيبي؟»
ابتسم مُرحبًا بذلك «عنيا يا غزولة»
قالت وهي تميل ناحيته «ونزور بيت الحفناوي ونبات علشان وحشني بيتنا وحكاياتنا والهوى الي بيطفي الراديو» هزت حاجبيها ختامًا لقولها فقهقه عاليًا، توقف قائلًا «أخيرًا فهمتي يا هندسة»
تنهدت مؤكدة وهي تأخذ ذراعه وتلفه حول كتفيها «أخيرًا يا حبيب قلب الهندسة»
وجهها ناحية الأرض، سار بها ناحية الزروع قائلاً «نسيتي الزرع ولا فكراه،هتزرعي تاني ولا خلاص ؟»
نظرت إليه قائلة وهي تشير بإصبعها لقلبه ثم بطنها«بزرع هنا، وبخلي بالي من زرعك الي فأرضي»
قربها قليلًا ولثم مقدمة رأسها بحنو قبل أن يقف بها تحت ظل الشجرة العتيقة «تعالى نحفر اسمي واسمك يا متر» اقترحت وهي تمرر أناملها على لحاء الشجرة.
أخرج سلسلة مفاتيح من جيب جلبابه معجبًا بفكرتها «يلا»
نظر لعينيها وهو يحفر اسمها متغزلاً «هكتب هزمتني عيناها»
ضحكت قائلة «هكتب هزمني قلبه» فتح ذراعه وضمها لصدره قائلاً بمرح ساخر «يكفينا شر الهزيمة مالنا احنا بكلام العيال دِه تعالي يابت فحضني»
وضعت رأسها على صدره ناظرة للمكان الساحر حولها من قلعته.
******"
استعان رؤوف بالله وحاول الاتصال بها عبر رقم الهاتف المدوّن عنده، نظرت فيروز لاسم رؤوف المنقوش فوق شاشة الهاتف بتردد، تحملق فيه مضطربة الخاطر ومشتتة المشاعر، سيظل لهذا الرجل فضل عظيم عليها مهما حدث، تكنّ له المودة الصادقة مهما بدر منه لن يتغير رأيها فيه، كان كريمًا، شهمًا بما يستحق عليه التغاضي منها، لن تمحي حسناته بسيئة كان معه كل الحق فيها، لكن ما يشغلها حقًا لماذا يهاتفها؟ ماذا يريد منها ؟ رغم فضولها فضلت عدم الإجابة عليه، وتركت الهاتف جوارها ، لم يكفّ فضولها عن الثرثرة في عقلها خاصة مع إلحاحه المستمر ورنينه الذي لا يتوقف، شعرت بالإرهاق فقررت الإجابة «الووو ازيك يا متر»
«ازيك يا دكتورة عاملة إيه؟»
«الحمدلله ربنا يخليك»
«البقاء لله»
«سبحان من له الدوام»
عاجلته بالإجابة التي اخترعت سؤالها في عقلها وصوّره لها خيالها «أنا رفضت وجود يونس يا متر...»
«مين قال عايزك ترفضي؟ وليه ترفضي؟ ده جوزك وليكي حق عليه»
«شكرًا لذوقك وشهامتك »
«دي مش شهامة مني ولا حاجة دا حقك علينا وأنتِ فرد مننا»
قاطعته «يا متر...»
لكنه قاطعها مردفًا «اسمعي بس يا بت الناس أنا عارف انك واخدة على خاطرك مني بس أنا عايزك تعذريني ، يونس ولدي وحتة مني مكنتيش لوحدك الي شايلة ذنبه، أنا كمان كنت حاسس بالذنب إني دخلته وأهو على يدك كان هيروح برصاصة»
تنهدت قائلة «تمام يا متر حقك وأنا مش زعلانة»
هتف قائلاً «طيب طالما كده ليه معيزاش تنورينا فقنا؟»
هتفت بعصبية غير مبررة «اللعبة دي لازم تنتهي يا متر لو سمحت»
ضحك قائلاً «لاه اللعبة قلبت بجد واحنا عايزينك وسطنا فقنا بصفحة جديدة»
احتارت في أمرها، صمتت متوترة فتابع بحنو «طبعًا القرار ليكي يا دكتورة بس أنا أهو بنفسي بطلب منك يدك لأخوي ولو عيزاني أجيلك بنفسي هجيلك، تعالي يا دكتورة وكملي فالطريق الي اختاره ربنا، لا أنا ولا أنتِ ولا يونس كان لينا فيه اختيار فكري زين وقرري»
هتفت باضطراب وتوتر واضح «هو طلب منك تكلمني؟»
أجابها بمرح «أيوة وبكا و قال عايز الدكتورة» ابتسمت فيروز لتندره فاسترسل «هو حكالي قولت أكلمك وأشوف حظي»
صارحته بصدق تلوذ بحكمته من ضعفها«محتاجة أفكر ، التجربة الأولى مكانتش سهلة عليا ولا الي حصلي ، ويونس فاجئني ..حاسة إني متلخبطة وتايهة»
نصحها رؤوف بحكمة «خدي وقتك ومهما كان قرارك متشليش هم ، أهم حاجة راحتك والي يرضيكي»
شكرته وهي تحرر زفرة مكتومة «شكرًا لحضرتك يا متر»
«الشكر لله في رعايته وحفظه»
أنهى الاتصال وصمت مُفكرًا، جاءه قاسم مستشيرًا، جلس أمامه متربعًا «أبوي عايز آخد رأيك فحاجة»
عاد لواقعه مرحبًا بابتسامة حنون «خده رأيي يا حبيب أبوك»
فرك قاسم كفيه ببعضهما في خجل وتوتر وهو ينظر لوالده بتردد واضح، سأله رؤوف ممازحًا يصرف عنه الشتات والحيرة بمرحه «في إيه؟ عايز تتجوز أنت كمان؟»
ضحك قاسم ضحكة مشروخة بالتوتر وقال بصوت خافت مخافة أن يصل لصاحبة الأمر «كنت عايز أعرف ينفع أقول لغزل يا أما؟»
توهجت نظرات رؤوف مرة واحدة واتسعت ابتسامته، ضحك قائلًا «هنسألها بس بأما دي هتولع فينا»
ضحك قاسم وانكمش، سكن مترقبًا بخوف رد فعل غزل على طلبه، ناداها رؤوف «بت يا غزل»
حضرت مُلبية في طاعة «إيه يا روحي عايز حاجة؟»
وضع كفه على كتف قاسم وقال «قاسم الي عايز»
حدق فيها الصغير بأمل وأمنية منتظرًا إطلاعها على طلبه حتى ينفذ مشروع عمره ويحقق حلمه، سألته برقة «عايز إيه يا قسومي؟»
نظر رؤوف لسماء عينيها الواسعة مترقبًا بشغف احتفالها بالأمر، منتظرًا ألعاب الفرح والسرور «عايز يقولك يا ماما وخايف»
فغرت غزل فمها ونظرت إليه بدهشة غير مصدقة طلبه، اقتربت منه مستفسرة «أنت عايز تقولي أنا كده؟»
هز قاسم رأسه بقلق متحيرًا في رد فعلها الغريب، نظرت لرؤوف قائلة بطفولية وبراءة «رؤوف دا بجد ولا بتلعبوا عليا»
أغرورقت عيناها بالدموع فهتف رؤوف «عاجبك كده هتبكي دلوك احنا ما بنصدق نسكتها الواكلة أبوها» هتف الصغير معتذرًا بعدم فهم «خلاص يا غزولة مش هقول»
ضربه رؤوف على رأسه موبخًا بغيظ «حمار أنت كمان زيها»
بكت غزل قائلة «أنا مستاهلش ده كله»
نهض قاسم وتعلق برقبتها حين جلست معتذرًا فضمته باكية تقول «قول ماما ياريت هكون مبسوطة»
ضحك قاسم وابتعد مستفسرًا «طيب بتبكي ليه؟»
أجاب رؤوف بدلاً عنه باستياء «مرار طافح يا ولدي»
هتفت من بين شهقاتها «اسكت أنت»
زفر مستسلمًا «سكت»
عانقت الصغير مجددًا وقالت «أنا بحبك يا قسومي»
ابتسم رؤوف مشاكسًا بمرح «وأنا معاه يا غزولة الله يكرمك بس من غير عياط لاه شغليلي التلفزيون»
توقفت عن البكاء وزجرته بنظراتها مؤنبة له وهي تكتم ضحكتها، ابتعد قاسم مستفسرًا «هو احنا عندنا تلفزيون؟»
نظرت إليه معاتبة له تشير له أن يجيب فقال بإرتباك وهو ينهض «لاه مفيش»
********
لمحته زينب في طريقها فتعثرت خطاها، صوبت نظراتها ناحيته متأملة لا تعي من خطواتها شيئًا، منجذبة له وهو بهذه الملابس العصرية التي تزيده وسامة وقبولًا وجاذبية مهلكة، استدارت متتبعة له وعينيها الهائمة لا تفوّت منه شاردة ولا واردة، تبعثرت دقاتها حين قهقه عاليًا فجذب جميع من حوله مشدوهين أو هكذا ظنت «مش عدل ده ميكونش ليا والله، يالهوي ضحكته قمر بس لو كان لان وميّل»
تلفّت جواره فرآها محملقة فيه، زفر رؤوف بضيق مستغفرًا، انقلب حاله في لحظة وتحوّل اطمئنانه لخوف، نظر لصغيره بصمت وقلب يرفرف بين جنباته، بطرف عينيه راقبها بشك وخوفه منها يزداد ويتصاعد، خاف أن يلفت انتباهها بسيره تجاه المدرسة فغيّر مساره، الخوف من كشف الحقيقة جعله متأهبًا يظن أنّ الجميع يفكر مثله وبطريقته، حتى وإن كان غير ذلك لن يترك للصدف حرية تحديد المصير والتلاعب بقدره، سيأخذ احتياطاته ويسد الثغرات والله المستعان..
وقف أمام البقالة فاستدارت عائدة تفكر ببؤس في حالها، تحبه وتنقم عليه، تريده، فإن لم يكن لها لن يكون لغيرها ، هذا الوسيم المغرور انتقم منها شر انتقام زج بها في عالم خطر مليء بالمفخخات، غير أنها تنفر من زوجها وتبغضه..
أمس راقبتهم وهم ينقلون الأسلحة لسرداب أسفل المنزل ما كانت تعرف بوجوده من قبل، أمس رأت حزن الأب على ابنه مصطفى الراحل وحفاظه على ذكراه، والاهتمام بسنوية موته والتصدق بالكثير على روحه وكراهية الزوجة لذلك... يمكنها استغلال هذا الحب لصالحها، واللعب برأس العجوز الذي لو عرف ببقاء ابن ولده حيًا لأقام الدنيا وأخذه عنوة ، بل والانتقام من حامد لحرمانه منه وتخبئة الأمر، ستبدأ في بخ سمومها لكن عليها التقرب منه حتى يطمئن لها والانغماس وسطهم وبعدها ستضرب ضربتها، لكن قبل ذلك عليها إيجاد طريقة تتأكد بها من نسب الصغير لمصطفى والتفكير في حيلة.
دخلت المنزل باحثة عن سكانه فلم تجد سوى والد موسى جالسًا كعادته في الحديقة الخاصة بمنزلهم والمحاطة بسور عالي يمنحها الخصوصية والإنعزال عن الطريق وثرثرة المارة.
رمت صباحها ببشاشة «صباح الخير يا عم؟»
نظر إليها الرجل بعينين ناعستين متفحصتين وأجاب «اصباح الخير يا بتي جاية منين كدا بدري»
جلست جواره بأريحية قائلة «بدري من عمرك كنت بجيب حاجة من السوبر ماركت»
صمت الرجل ناظرًا لما حوله بصمت فسألته بإرتباك «هو مصطفى الله يرحمه مالوش عيال يا عمي»
نظر إليها بتمعن، نظرة مصدومة من سؤالها قبل أن يتنهد ببؤس ويجيبها بحسرة ذابت كالسكر في فمها ومنحتها الانتشاء«لاه يا بتي» حدّق فيها بنظرة صارمة مخيفة وسألها «بس بتسألي ليه؟»
ابتلعت لعابها وأجابته بارتعاش «لا أبدًا كان زمانه مونسك وواخد بحسك ومعوضك عن الغايب»
هتف الرجل بحسرة مشتعلة في صدره وهو يطرق الأرض بعصاه قويًا «يا أبوووي ياريت»
كتمت ابتسامة الظفر والرضا وقالت متأسفة «يلا نصيب»
حكى لها الرجل بحزن «مرته كانت حبلى بس مات معاهم» ثم قال بتأثر «الله يرحمك يا مصطفى حتى الواد مسبتهوليش»
فغرت فمها مندهشة من تلك المعلومة التي تؤكد أنّ الصغير ابنه حقًا نهضت منتفضة على هتاف أم زوجها الغاضب «قاعدة تتسايري قومي فزي صحي جوزك»
نهضت منتفضة تقول بتلعثم «حاضر»
هرولت هاربة من نظراتها الصقرية وغضبها المدمر.
*****
داخل المدرسة مال أحد الصبية على أذن قاسم هامسًا «قاسم هو أنت اسمك قاسم مصطفى عبادي ولا قاسم حامد الحفناوي؟» ابتسم قاسم من قوله بتهكم وهتف مستنكرًا «لاه طبعًا يا أحمد أنت عبيط»
أحاط الصبي ذو الخمسة عشر عامًا كتفيه وسار به قائلًا «لما خدوا منك الورجة وكتبوا اسمك عليها كتبوا قاسم مصطفى عبادي»
نظر إليه قاسم بقلق ثم ابتسم نافيًا بطمأنينة «لاه ياعم تلاجيك غلطان أو دي ورجة تانية»
أكد الصبي بتفكير عميق «لاه ورجتك والله أنا شوفت الأستاذ وهو بياخدها منك ويكتب الاسم»
ضحك قاسم ساخرًا منه بتوتر واضطراب «ياعم تلاجيك مش مركز»
وقفا متقابلين تحداه الصبي وهي ينظر إليه بنصف نظرة«بص بكرة هصورلك الورجة وشوف بس لو طلعت صح هاخد منك عشرين جنيه ماشي»
اعترض قاسم وقال بغضب «لاه كده يبقى رهان وأبوي قالي الرهان حرام..»
ضربه الصبي على مؤخرة رأسه وهو يضحك ساخرًا منه مما جعل قاسم يدفعه بعيدًا بغضب «متمدش يدك علي»
تأرجحت وقفة الصبي قبل أن يتوازن ويقول بضجر «ماشي يا أبوي خلاص»
حذره قاسم وهو يتحرك مبتعدًا عنه «المرة الجاية لو مديتها هقطعهالك» شيعه الصبي بكلماته «تعملها أنت وأبوك» في اليوم التالي استطاع صديقه أنّ يصوّر له الورقة بهاتفه المخبأ بين طيات ملابسه وانتظره متحمسًا مترقبًا رد فعله على انتصاره، ما إن لمحه حتى هرول ناحيته وأوقفه قائلاً «صورتلك الورجة يا قاسم»
وقف قاسم بصمت مشبع بقلقه حتى أخرج الصبي الهاتف ومنحه له قائلًا «بص مش دِه اسمك؟»
ابتلع قاسم ريقه وصمت يقرأ الاسم مراتٍ ومرات قبل أن يمنحه الهاتف ويرفع ذقنه قائلا بكبرياء وثقة«عادي غلطة دلوك جدي عدنان يصلحها»
هتف الصبي بغضب «أنت بتظنظغ ليه؟ كل دِه عشان متدنيش الفلوس؟»
هتف قاسم مدافعًا عن نفسه «لاه أنا مش ظنظاغ يا أحمد احترم نفسك أنا جولتلك الرهان حرام»
هتف الصبي بغضب «ما تقف وكلمني»
تابع قاسم السير قائلًا «لاه عايز أروح سيبني» دفعه الصبي بعنف موبخًا له «عيل متكبر وشايف نفسك»
ألقى قاسم حقيبته أرضًا والتفت له بثورة وغضب قائلاً وهو يدفع الآخر بهجوم«أنا مش جولتلك احترم نفسك! أنا مش متكبر ولا شايف نفسي أنت الي شايف نفسك قليل»
اشتبك معه الصبي في عراك، ثار قاسم على الصبي وسخر قوته كلها لهزيمته رغم صغر جسمه لكنه هاجمه بعنف وضربه بقوة مقهورًا من فعلته.
رأى حامد تجمهر الطلاب فسأل «في إيه؟»
سحبته رأفة من كفه وقد جاءت إليه تلهث بانفعال «الحق قاسم يا عم بيتعارك» ركض حامد فورًا ناحيته اقتحم الدائرة المصنوعة بأجساد الطلاب فرأى صغيره يبرح الصبي ضربًا «قاسم، بتعمل إيه؟»
رفع قاسم رأسه يتطلع للمنادي، حين رآه نهض فورًا ينفض التراب عن ملابسه..
سحبه حامد بعدما فضّ الجمع وأنهى الأمر، ما إن دخل السيارة وشعر بالأمان، وأصبح معزولًا عن عيون الناس انفجر في البكاء، ترك حامد مقود السيارة وضمه مستفسرًا «بتبكي ليه وأنت الي ضاربه؟ دا أنت مسبتش فجسمه حتة سليمة ؟» لم يتوقف قاسم عن البكاء فتركه حامد حتى هدأ وضم وجهه مستفسرًا «احكيلي يلا»
قصّ عليه قاسم ماحدث من الصبي وتصويره ورقته، ارتجفت أوصال الآخر وصمت مصدومًا لا يصدق ما سمعه، لم يحسب حساب هذا المتطفل اللعين، ضم صغيره الباكي بأسى وصمت رغم تكرار قاسم السؤال «كده هسقط يا أبوي؟»
لم يجبه حامد بل غرق في دوامة أفكاره فانزوى قاسم متوحدًا مع كربته، معتبرًا صمت والده إجابة مؤكدة لسؤاله وإشارة واضحة للأمر، استقبلتهم غزل ككل يوم لكن قلبها اليوم ارتجف رعبًا حين رأت وجهه المسود وحزنه الممتد في نظراته، ضمت الصغير بحنو ثم رفعت رأسها لوالده مستفسرة «في إيه مالكم؟ حصل إيه؟» دخل حامد حجرته وأغلق خلفه بينما بكى الصغير بحزن فضمته بذعر لأحضانها وهي تسأل «حصل إيه؟»
حكى لها الصغير ما حدث فطمأنته بحنان «متقلقش انا بنفسي هروح أكلم جدو عدنان وأسأله يا حبيبي بس متعيطش يا قاسم»
هتف الصغير ببراءة «أنا خايف يا غزل كيف يغلطوا فاسمي؟ أنا ذاكرت وتعبت وكان نفسي أطلع الأول»
طمأنته ونظراتها تتجه لباب حجرة زوجها بقلق «هنخلي جدو يشوفها اطمن متخافش بس دلوقت غير هدومك وصلي علشان ناكل»
أومأ الصغير بطاعة قبل أن يغادر ويتركها تلحق بوالده، دخلت الحجرة باحثة بنظراتها عنه حتى وجدته فوق الفِراش متعبًا، اعتلت التخت ثم جاورته ،وضعت كفها على كتفه هامسةً وهي تضمه بنظرة حنونة «الولد مبطلش عياط لازم نقوله يا رؤوف» عضت شفتيها تؤنبها على السماح للكلمات بالخروج حينما رأت في نظراته قلبه يهوي ويتحطم متناثرًا، تطارده أشباح الخوف «خايف يا غزل» قالها بنظرة مستنجدة ترتعد، باح دون حذر منحّيًا كبريائه طاويًا له في صحف نفسه فالأمر جلل والمصاب عظيم، أمسكت بكفه في قوة قائلة بدعم شديد «اطمن كل حاجة هتعدي»
صارحها بما في نفسه وهو يضع رأسه المتعب، الثقيل بحمل الأفكار القاتلة على فخذها «هيجولي أبوي تاني؟ لما هيبصلي هيحس بإيه؟» نطق هواجسه بهذيان، أطلق صراح الكلمات معريًا نفسه أمامها، متجردًا من رداء القوة الذي يستر به سوءات أفكاره وضعفه وخوفه الساكن قلبه.
لثمت صدغة بمحبة، تستشعر ما يقوله بقلبها، تتحسسه لتعايش الشعور وتقاسمه الوجع، لا تبتعد بل تلتحم بوجدانه وكيانه، فليتيهان سويًا أو ينجوان من بحر ظلمات نفسه.
«لو خدوه مني هعيش كيف أنا؟ ربيته وكبرته، أول ما ضحك كان ليا وأول بكا كان عشاني وأول ما مشي كان كفه فكفي، عوضني عن كل حاجة واستكفيت بيه، حتة مني كيف يقطعوها وكيف أنا هعيش بعدها؟»
مسحت دموعها بصمت حتى لا يراها وهمست متأثرة تود لو اخترقت صدره مطيبة جراح الروح ببلسم عشقها، تمنت أن تحتضن قلبه ربما يذوب الألم ويتسرب لشريانها، ليتها تنفذ لعقله فتنظفه من الأفكار السيئة وتعيد ترتيبه «ليه بتتوقع السوء؟ مش هيحصل حاجة بإذن الله» قالتها وهي تمسح خصلاته بكفها حابسة شهقاتها المذعورة داخل صدرها من حالته، قال وهو يغمض عينيه مسترخيًا في ضوضاء أفكاره وعتمة الروح «عشمان فكرمه ورحمته بيا وبيه»
صمت قليلًا ينازع في صمت تنقبض ملامحه بألم ومعاناة لا يطلق لها السراح لتجري على لسانه، يكتم تأوهه بضربات متتالية بقبضته على الفِراش، يصارع خيالات شيطانية ويخوض معركة قاسية مع الظنون ، سكن جسده قليلًا قبل أن ينهض هاتفًا بحرقة «يا حبيبي دلني، خد بيدي للطريق»
بدا لها في عالم آخر، يناجي وكأن الكون فارغًا، فقد الشعور بها وبمن حوله فارتفع صوته، ترك التخت وغادر.. سار بين الحقول يغمغم من يراه يظنه مجنونًا أو فقد عقله، أو أصابته العدوى من عبود.. تابعته بنظراتها من النافذة حتى اختفى وابتلعه الكون.
بعد ساعاتٍ عاد كأنما تم استبداله، بنظرة حزينة منكسرة وروح انطفأ سراجها المشتعل في النظرات، ملامح مغبرة بالهدوء والاستكانة فقدت بريق شقاوتها،اطمئن عليها في نظرة واحدة وبعدها تاهت عيناه في الوجود، طلب الغذاء وضعت أمامه ما أعدته من طعام، اكتفى بقطعة جبن معتقة وكسرة خبز يابسة ثم حمد الله، اتكأ بظهره للحائط وأشار لها بنظرة فارغة من جواهر مشاعره الثمينة منتظرًا أن تملأها هي «تعالي يا بابا»
تريد اختطافه وتخبأته داخلها اللحظة، احتوائه بين ضلوعها في أمان، لثمت ظاهر كفه ملبية بخشوع «إيه يا حبيبي» ابتسم هامسًا وهو يداعب ذقنها بأنامله «متى عينيكي هتبطل تلمع لما تشوفني»
ابتسمت قائلة بحنان «وليه تبطل تلمع؟ لغاية ما أموت هفضل أشوفك أنبهر بيك ومش هتبطل تسرقني من العالم بهيبتك وطلتك»
صارحها هامسًا وهو يمرر أنامله الخشنة بفعل عمله الشاق اليوم في الحقل «الواحد بيفضل يتخيل ويرتب هيعمل إيه ويقول إيه وحياته مع حبيبته ،أنا ولا مرة عملت كده، ولما اتجوزنا رجعت عيّل من تاني يفكر ويخطط» ضحكا سويًا ثم تابع وهو يمرر أنامله على شفتيها «أحلى حاجة إني بتخيل وأنفذ علطول بفكر وأعمل مش لسه هستنى»
همست برقة وهي تبعد الطعام وتقترب منه، تعرف مدى حاجته إليها ولحبها فتمنحه بسخاء «بحبك»
رفع أنامله عنها وهمس مدركًا الأمر بنظرة متأسفة «حجك عليا يدي خشنة مخدتش بالي»
أمسكت بكفيه وقبلتهما هامسةً « ووشي أنا خشن برضو يا حمودي سامحني»
عانقها بقوة معتذرًا عن سخافته التي أججت حزنها وأعادت حفر بئر النقص المدفون بروحها بعدما تأكد من ردمه بنفسه حتى لا تقتلها مياهه وهي بين يديه «لاه مفيش أحلى من كده» أقرن قوله بالفعل رواها من نهره العذب مؤكدًا على محبته وعشقه...
همس في غمرة عشقه وهو يسكب مشاعره بإسراف«جيتك وأنا عارف حضنك بس الي يقدر يطمني، عنيكي بس هي الي بتردني من توهتي»
منحته أكثر مما طلب وتمنى بادلته عشقه بأكثر، كلما زاد هو زادت هي لا تنقص الكيل بل توفيه بما تستطيع ويستحق هو،والحب منه بعشرة أمثال من عشقها،تذيقه طعم القبول ، تذيب في فمه حلاوة المبادرة، علمته كيف يخشع في محرابها ويتقبل عطاياها برضا،يأخذ باشتهاء وتمنح هي ببذخ ، أرته كيف يصبح هو محور الكون لإمرأة محبة تتقن فنون العشق لأجل إرضائه.
بعد مرور وقتٍ نظر إليها بين أحضانه هامسًا «قوليله يا غزل احكيله وربنا يتولى قلبه وقلبي»
لثمت ذقنه برقة قائلة وهي تلف ذراعيها حول صدره «حاضر»
*****
في اليوم التالي مساءً أغلقت باب المنزل عليهم جميعًا، ووقفت حاميًا، سدًا منيعًا، لا تريد للوجع أن يتسرب للخارج حتى من الشقوق،لن يرى أحد انكساره وضعفه غيرهم وجدران هذا المنزل الحنون الذي احتواه قديمًا واحتفظ بأسراره وسيظل رفيقًا وشاهدًا على محطات حياته، استعدت كأنها ستخوض الحرب بدلاً عنه، تسلحت بالقوة وحملت داخلها شتى أنواع الزاد من المشاعر فلن يجوع قلبه بصحبتها ولن يفتقر قلبه وهي جواره، فهي على استعداد تام لمنحه روحها قطعًا يتزود بها، خرج قاسم مندفعًا بغضب طفولي ودموع محتجزة خلف صلابة بناها زوجها فيه على مدار عمره،و بكبرياء ارتشفه منه قطرة قطرة، وجد والده جالسًا يسند ظهره على الحائط في صمت مهيب وقور، أنامله الخشنة بفعل العمل المجهد لأيام في الزرع تمرر حبات المسبحة العتيقة بصبرٍ وتأني، يستشعر الذكر بقلبه ثم يتذوقه بلسانه «صُح الي بتجوله غزل دِه يا أبوي؟» قالها قاسم بانفعال حاد ولهاث شديد بعثر والده، يصارع مثله ويركض وسط الأفكار هاربًا من حقيقة تطارده «قالت إيه غزل يا بابا؟» قالها رؤوف كأنه يؤكد أمر بنوته له، يذيّل سطور الحقيقة بحقيقة أخرى لا يمكن إنكارها أو العبث بها.
تنفس قاسم بصعوبة أوجعت قلبه وقال بكبرياء يجاهد البكاء ويحارب الضعف «قال أنت يا أبوي مش أبوي» اتسعت عين الصغير بهلع حين أتمّ كلماته، الفكرة الجديدة المزروعة مروّعة بالنسبة لعقله الصغير المحدود والقلب المنغلق على جرح واحد وهو أنه يتيم الأم فقط، لكن القول شق في القلب جرحًا آخر لا يستوعبه،نظر حوله للموجودين، لدائرته التي لم تعد، كل هؤلاء عائلة مزيفة وهو يعيش في وهمٍ ويحيا فيه.
أمسك رؤوف بكتفيه وهزه قائلًا «أنا أبوك مش على ورق الحكومة بس على ورق العمر والأيام وبعدد الخطاوي الي مشيتها ليك»
استنبط الصغير من قوله التأكيد وقال بهلع يسكن نظراته الوديعة «يعني الاسم الي كانوا بيكتبوه عالورج صُح بتاعي ؟يعني أنا عمي يبقى موسى؟»
أشاح رؤوف مؤكدًا وزلزال قاسم يضرب روحه ويدمرها «أيوة»
سأله الصغير بنظرة مستنجدة «وهروح فين أنا دلوك؟ هياخدوني منك؟ مش هشوفك أنت وغزل؟ يعني آسيا مش أختي» تتابعت أسئلة الصغير كالخناجر لصدورهم مما دفع رؤوف لأن يهتف فيه «محدش هياخدك هتفضل معانا»
صاح قاسم ببكاء صامت «بس أنا مش ولدك أنا يتيم وأنت مربيني هقول لأصحابي إيه لما يعرفوا؟ ورأفة؟»
انهار رؤوف من كلماته، جذبه لأحضانه متوسلًا بصوت متهدج « متقولش كده أنت مش يتيم أنت ليك بدل الأب اتنين والأم اتنين محدش زيك»
دخل عبود من باب المنزل بهدوء فتعلقت النظرات به، ابتسم لهم بحنان وواصل الدخول بصمتٍ مهيب، اندفع قاسم ناحيته يسأل «أنت جدي؟ بتك تبقى أمي؟»
هز عبود رأسه بنظرة حنونة لامعة بالوقار فاستدار قاسم وركض ناحية الحجرة، دخلها وأغلق خلفه باكيًا بصوتٍ عالٍ مزق قلوبهم، طرقت غزل الباب متوسلة ببكاء حار «قاسم أفتح عشان خاطري وخلينا نتكلم»
بكا الصغير توهته ووجعه، حرمانه وهويته الجديدة، ضاع منهما وسط أحزانه الخاصة، توسله حامد وهو يضرب الباب بقوة «افتح واسمع الكلام يا بابا وتعالى هحكيلك كل حاجة»
صاح الصغير بغضب «مش عايز أسمع حاجة يا أبو... بتر عبارته وتابع «يا عم حامد»
فارت رأسه بالغضب، فهدر بجنون وهو يدفع الباب بقوة «أنا مش عمك، أنا أبوك سامع إياك تجولها تاني يا قاسم هضربك وأنا عمري ما عملتها»
هدأته غزل وهي تمسك بذراعه «اهدأ يا رؤوف مش كده الولد هيخاف»
خرج رؤوف عن السيطرة يصيح بأعلى صوت «أنا أبوه ! الأب الي ربى وكبر وسهر»
ربتت على صدره ممتصة غضبه مواسية بنظراتها الحنونة «حبيبي اهدا وسيبه يستوعب الموضوع شوية»
بصوت مبحوح همس والدموع العزيزة تترقرق في عينيه برقة «قوليله يا غزل عمري ميساويش بعد كلامه» بلهاثٍ وصوتٍ مصبوغ بالقهر أكمل « قاسم قالي يا عم يا غزل !قالي يا عم وبعتر عمري زي حفنة تراب»
*********
حمل حقيبته وجلس في المحطة منتظرًا بوجوم لقد كانت لديه أحلام بشأن علاقتهما وأماني كثيرة، تنهد بحزن وهو يرفع جسده ناظرًا للمارة فاصطدم بها واقفة أمامه بتردد، عيناها الجميلة تتطلع إليه بأمل، انتفض هاتفًا باسمها «فيروز»
اقتربت منه في خجل شديد، بينما مازال هو مصدومًا برؤيتها جلست على المقعد بعدما خلعت الحقيبة عن كتفيها وضمتها لصدرها قائلة «عرفت من الست انتصار إنك هنا فجيت الحقك»
جلس منهكًا بسوء الظن يهتف بمرار «خايفة أمشي قبل ما أطلقك أكيد؟»
رفعت نظراتها إليه هامسةً بخجل «لا خايفة يفوتني قطر قنا هو كمان»
انتفض مستفسرًا بذهول«بتجولي إيه؟ بتتكلمي جد»
ابتسمت بخجل من فرحته الواضحة ونظراته المتلألأة وقالت «أنا كمان جوايا حاجات من ناحيتك يا يونس مش عارفة أفسرها بس أنا مرتاحة ومطمنة ودا شعور محستوش من زمان أوي»
ضحك قائلاً بعفوية «والله العظيم بتتكلمي جد؟»
نظرت إليه منبهرة بفرحته الصادقة وقالت بتوتر «هاجي معاك قنا يا يونس يمكن أحبها» تضرجت وجنتيها بخجل لذيذ وصمتت ملتقطة أنفاسها وتابعت «هحاول معاك يا يونس هنبدأ صفحة جديدة نكتب فيها من الأول ،هفهم مشاعري ،لو كملنا خير ولو مكملناش مخسرتش حاجة ومش ندمانة»
هتف بضحكة عالية «مش هتخسري بإذن الله اديني بس فرصة»
وقف القطار فصمتت قليلًا تنظر إليه وحين وقف مدت كفها له مرحبة بابتسامة خجول «يلا يا هندسة ناخد الفرصة مع بعض»
نظر لكفها الممدودة منبهرًا مشدوهًا فقالت «القطر هيفوتنا وأنا متشوقة أشوف قنا وأهلها»
ضم كفها ونهض بها قائلًا وهو يحمل حقيبته خلف ظهره «يلا يا دوك أول مرة هرجع قنا وأنا مبسوط ومش حابب أفارقها تاني»

