اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم عائشة حسين 


الرابع والخمسون
وضعت الحساء أمامه بصمت وعبوس، ثم جلست تطعمه فأبى هامسًا بنظرة متوسلة«غزل»
تركته كما يحلو له متسلحة هي ببرودها وتجاهلها تتابع إطعامه دون أن تتعثر إرادتها بتوسله أو تتوقف حسابًا لهمسه، حينما كررها دون توقف وضعت الملعقة فوق الصينية بغضب ورفعت نظراتها مُجيبة «عايز إيه؟»
نكس رأسه هامسًا «مش عايزك تزعلي»
صاحت بغضب «يا سلام ياسي طاهر بسيطة كدا؟ تشارك فخدعة زي دي بدون أي مبرر وسبب يشفعلك وعايزني ببساطة أسامحك»
رفع رأسه هامسًا بحرج «مجدرش أتعدى على أخوى ورغبته ولا ينفع أعمل حاجة قال عليها لاه يا غزل»
ومض من ضعف واستكانة ومضت بها نظراتها قبل أن تتقوى بترياق خديعتهم وتصرخ فيه غير مستسلمة لمبرراته وقوله «لا يا طاهر والي بيني وبينك برضو كبير يستحق كنت توصلي المعلومة بأي طريقة»
تدخل يونس بوجومه المعتاد ونظرته الذابلة الحزينة «هيفيد بإيه يا غزل؟ ولا هيفرق معاكي فإيه؟ معاكي الأصل، زعلك ممكن رؤوف يبرره غلط»
صاحت مقاومة شكه بمنطقها، اقتربت منه موضحة «لا يا بشمهندس كنت أقول عادي لو هو سابها كده وأنا مفهمتش إنما هو لآخر وقت بيكدب عليا بدون سبب ،مش زعلانة إنه حامد ولا حتى فرحانة أنا مصدومة فيه ومش عارفة أفسر عدم اطمئنانه إنه يقول معلومة زي دي»
أوضح يونس بصبر «عارف ومصدقك يا غزل أظن رؤوف عمل كده علشان تحبيه وهو حامد المسامح الي ميملكش من الدنيا غير قاسم وحتة أرض بيزرعها و وهو رؤوف المحامي الكبير الناجح الي بياخد حقه » صمتت بضيق فتابع طاهر بصوت ضعيف مرتعش «غزل أنتِ لو مكانا وهو طلب منك هتعملي كده»
صاحت بعناد «لا يا طاهر كنت يا إما هقنعه يا هوصل بطريقة متزعلوش لكن مش هخدع حد»
قالتها وخرجت من الحجرة تاركة لهما ينظران لبعض بحيرة وقلق وخوف حقيقي من عاصفتها التي لا تتوقف.
جلست فوق التخت مفكرة، تربط الأحداث والمواقف حتى تعبت، رنّ هاتفها باسمه فنظرت إليه نظرة مترددة تغشاها سحابة دموع إنكارًا لفعلته، توقف عن الرنين وأرسل بسرعة «غزل حبيبتي أنتِ وطاهر بخير؟»
أمسكت بالهاتف وأجابت «بخير.. أنت وقاسم وعمو بخير..؟»
كرر اتصاله فأجابته ،هتف بتنهيدة رضا «وحشتيني يا غزولة»
ابتسمت ابتسامة ممزقة المشاعر فقيرة من السعادة.
«وأنت كمان طمني عليك»
أجابها بطمأنينة «الحمدلله بخير، أنا مش هطوّل هطمن عليهم وأرجع يا بابا خلي بالك من نفسك»
همست برقة وهي تمسح دموعها المتساقطة «اطمن متقلقش خلي بالك بس من قاسم والجماعة»
أوصاها بحنو «نامي كويس واتغطي زين يا غزل»
همست بموافقة بلا روح تفتقر لمرحها « حاضر»
سألها بقلق غزى قلبه اللحظة «زعلانة ليه؟»
بررت بارتباك وهي تمسح جبينها «لا خالص بس اتخضيت من اللي حصل وخوفت على قاسم وعمو»
ابتسم هامسًا بحنان محتويًا لها «لاه يا بابا متخافيش واطمني» ثم سألها «أجبلك حاجة من قنا وأنا جاي؟»
صمتت قليلًا ثم هتفت وهي تضجع فوق الفِراش الصغير «لا تيجي بالسلامة واحضنلي قاسم أوي »
شاكسها بمرح «وأنا ماليش حضن يا غزولة؟»
مال ثغرها بابتسامة طفيفة وهي تجيبه بنبرة متوعدة «لا إزاي يا حبيب غزولة ليك حاجة أكبر»
ضحك مُعقبًا «هاتي الأكبر»
رفضت مراوغة له «لا اتخيلها أنا عيزاك تتخيلها لغاية ما نتقابل»
هتف بيأس «خيالي مبيجيش حاجة جنب جمالك يا ضي العين»
ابتسمت بحلاوة ورقة الكلمات التي أوصلتها للرضا النفسي اللازم لتسكين بعض الأوجاع.
أنهت الاتصال هامسةً بعاطفة صادقة لم تؤثر عليها المعرفة في شيء «ارتاح شوية يا حبيبي من السفر علشان تقدر تصحى للفجر»
تثاءب قائلًا بلا رغبة في تركها «هكلمك الفجر تصبحي على خير»
«وأنت من أهل الخير يا حبيبي»
أنهت الاتصال ورغبة بالبكاء تتملكها منذ أن التقيا وهي لم تفارق أحضانه ولا لليلة واحدة حتى حين يتسلل للقيام كانت تشعر بخلو الحجرة من أنفاسه فتنهض باحثة عنه حتى تجده فتستقر إما جواره أو داخل أحضانه حتى يعودان سويًا.
رغم حزنها منه لكن ذلك لم ينقص في قلبها من محبته، تشتاق إليه وتفتقده، تشعر بالغربة دونه والبرد في عظامها وكأنها نشأت بين ذراعيه أو سكنت في أحضانه عمرًا جعلها الإبتعاد عنه ورقة ضعيفة.
تقوقعت فوق التخت مغمضة العينين تراجع قرارها الذي اتخذته بالسفر إليه ومفاجأته.
**********
لم يكن الأمر عسير كأول مرة بل سهلًا جدًا، أول الأمر هاتفت صفوة لتصف لها وتوجهها بعدما تأخذ خطّ السير من أفواههم نبراسًا تسير خلفه حتى تصل، كما أنّ المال لم يكن عائقًا فزوجها أنشأ لها حسابًا خاصًا وضع فيه مبلغًا كبيراً مع إذن وتصريح بحريِّة التصرف، نظرت لتحليل الحمل المنزلي الذي اشترته قبل التحرّك وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم الذي جاءها على غفلة.
بعد مرور ساعات وصلت بحقيبة صغيرة لا تحوى سوى القليل من الملابس الضرورية، سارت بين الحقول تتنفس الهواء الطازج براحة ورضا وهي تتأمل جمال المكان من حولها، كل ركن هنا يحمل لها ذكرى معه، الهواء البارد المنعش لفحها كترحاب عزيز وقد عرف هويتها، الأرض الممهدة تحت أقدامها ترحّب بقدومها لموطنها الأصلي.. جاءت يومًا معه لكن اليوم مختلف هي تتعرف على المكان بعينٍ أخرى، تراه بذاكرة ممتلئة به كما القلب العاشق، تُذكّر المكان بها فيرحب بمنحها قبسًا من نور الذكريات.
هنا سارت يتتبعها لحمايتها، يسير خلفها بصبرٍ.
وقفت لاهثة تحت الشجرة تتلمس لحائها متذكرة يوم أن جلسا معًا متذكرة وصيته وقوله عن نصفه التائه وأجمل عبادات القلب ألا وهي الصبر، تذكيره لها بالصلاة وصوته الدافيء الحنون، ارتجف جسدها وكأن الذكرى تلامسها،تداعب قلبها، ضمت جسدها متنهدة وصوته المتسرّب من ذكرياتها يتغلغل داخلها للروح الهائمة به، صوت أنفاسه يُعاد فيبعثرها .. سارت قليلًا حتى وصلت لورودها عرفتهم وعرفوها، تذكرت إصراره أن يزرع بذورها هي في أرضه.
سارت حتى وقفت أمام المنزل تتأمله، الآن تراه بوضوح أو بصورة أخرى ببصرٍ لا يغشاه الجهل.. ابتسمت حين سمعت نفسها تهمس بأمنيتها، أنّ تظل هنا بينهم، تذكرت سماعها له ليلًا يبتهل ويناجي فشاركته المناجاة والدعاء متمنية داعية أن تشاركه يومًا الليالي وحكاياته الممتعة أن تربي نفسها جواره وفي كنفه،لكم غبطت قاسم عليه ودعت أن تُمنح زوجًا حنونًا برتبة أب.
نظرت لتماضر الجالسة بحنان تذكرت وصيتها التي لم تفهمها يومها ولم تعي تفسيرها، الآن اتضح لها كل شيء، الآن فهمت قولها ووعت لنصائحها.
تساءلت تماضر وأناملها تتوقف فوق مسبحتها العتيقة «مين؟»
ولجت غزل للداخل صامتة فابتسمت تماضر بترقب وكلما اقتربت غزل خطوة زادت رقعة ابتسامتها حتى عرفتها، زال الجهل ففتحت ذراعيها مستقبلة «مننا، من ريحتنا، حتة من ولدي، شامة ريحته فيكي وسامعة صوت جلبه فصدرك نورتي يا حبيبة الغالي وحبيبتنا» اندفعت غزل ناحيتها بعدما خلعت الحقيبة عن كتفها، جلست على ركبتيها وضمتها قائلة«ازيك يا خالة وحشتيني»
ضمتها تماضر بقوة لأحضانها مُجيبة بمودة حقيقية وتقدير كنّته لها بعدما أحست بسعادة ولدها الواضحة وتبدّل أحواله ورضاه «ميوحشكيش غالي يا بتي نورتي بيتك ومطرحك وجلوبنا يا بت الأصول يا غالية »
ابتسمت غزل في رقة ووداعة ثم ابتعدت جالسة قربها في صمت مكدر بالحيرة والشتات قطعته تماضر بسؤالها «مالك يا ضنايا مسهّمة؟»
سألتها غزل «فين حامد وقاسم يا خالة؟» صمتت تماضر بقلق قبل أن تسألها بحذر «حامد؟»
هتفت غزل بنبرة عاتبة «رؤوف هو حامد يا خالة»
هتفت تماضر ببعض الضيق«عرفتي؟»
سألتها غزل بلوم لمعرفتها أنّ خالته هي منبع أسراره «مقولتليش ليه يا خالة؟»
كسرت تماضر مكرها بنبرتها الحنون الرقيقة «وجلبك الصادق في المحبة معرفهوش ليه وحده؟»
بهتت غزل من قولها وخافت من التشكيك في محبتها له فدافعت بانفعال عن حبها «قلبي الصادق من كتر حبه وثق فكلامه وصدّق كدبته من غير ما يدور ولا يفكر يا خالة»
ابتسمت تماضر استحسانًا وإعجابًا ثم قالت ناصحة برفق «عاتبيه، عتاب المُحب دوا لعلّة الشك، ابعدي بس متهجريش، وازعلي قدام عينه تنولي حقك بزيادة منه»
انحنت غزل ملثمة كفها بتقدير ومحبة صادقة فمسحت تماضر على رأسها بحنان داعية لها «ربنا يهدّي سركم يا بتي»
دخل قاسم المنزل مندفعًا بعصابة حول رأسه يهتف مناديًا بعجالة غريبة بعدما رمى السلام «يا جدة فين....» توقفت كلماته في حلقه وهو يقف مشدوهًا أمام الجالسة تبتسم برقة وتستقبله بحنان خطير سيجه وفرش له خطواته.
«غزل» نطقها بدهشة عظيمة وهو يتقدم منها متأملًا لها، نهضت هي استعدادًا لسيل عاطفته وتمكينًا لمحبتها في قلبه باستقبال يليق به
فتحت ذراعيها منادية بضحكة ناعمة ساحرة «قسومي»
ركض مثلها محاطًا بضحكاته وضحكاتها، عانقها بقوة محتفظًا بكلماته على طرف لسانه حتى لا تهرب بسرعة دون نطقها، يخشى النسيان في أحضانها و أن يفوّت لحظتهما المقدسة دون ختم مصداقية أو تأكيد لحبه «وحشتيني يا غزولة» دارت به قليلًا مبادلة له مشاعره بأكثر وهي تداعب خصلاته «وأنت كمان يا قلب غزولة أوي»
شعرت بدوار طفيف وبعض الإرهاق فأنزلته أرضًا وجلست على ركبتيها تتأمل جُرحه بعين أم ٍ محبة «سلامتك يا حبيبي» ضحك بفرحة وهو يرفع أنامله لجرحه قائلًا بجماله المعتاد «الحمدلله بسيطة يا غزولة، خدت شر زي ما أبوي بيقول»
اختلج قلبها على ذكره، رفرف تألقًا بفرحة مغمورة، مالت ملثمة جرحه ورأسه وخديه ثم ضمته بحنان «سلامتك يا روحي من كل وجع»
ابتعد عنها قليلًا يتأملها قائلًا بانبهار طفولي «بجيتي حلوة جوي يا غزولة ماشاء الله»
ابتسمت دامعة من قوله وملاحظته الجميلة، معجبة بكلماته وتربيته،فخورة بصنيع زوجها.
أشارت تماضر لها «روحي الأوضة وريحي يا بتي شوية على ما ياجي جوزك»
اقترب قاسم من جدته منبهًا ببراءة «يا جدة أبوي حامد الي بره مش رؤوف»
نهضت غزل متوعدة له «حتى أنت ماشي يا قاسم»
قالتها وركضت خلفه متوعدة له «تخبي عليا أنا إن رؤوف هو أبوك»
ضحك قائلًا «أبوي قالي مستنيكي تحلي اللغز لوحدك بس أنتِ مخك تخين»
أمسكت به وجلست فوق حصير من الخوص فوقها كليم قديم، ضمته لصدرها مقبلة رأسه وهي تلهث بانفعال، بعد قليل نهضت بسرعة راكضة تجاه المرحاض تكتم فمها بكفها،حين وصولها أفرغت كل ما في معدتها، تبعها قاسم على استحياء ووقف جوارها قلقًا يسأل بذعر «مالك يا غزولة؟» تعكزت تماضر حتى وصلت إليهما تسأل بقلق مثله، أوضحت لهما غزل وهي تخرج مترنحة «مفيش يمكن تعب السفر»
أمسك قاسم بكفها وسار بها تجاه الحجرة وهو ينظر إليها بحنان، أجلسها قائلًا «ريحي شوية على ما أجيب أبوي»
اضطجعت لاهثة ثم أشارت له بأنفاس متقطعة «تعالى هطلب منك طلب»
اقترب مترفقًا بها يعز عليه وهنها،فقالت بمرح تائه بين الأنفاس الثقيلة والتعب «إيه رأيك نلعب لعبة حلوة مع بابا»
نظر إليها بحماس متردد وهو يرى وهنها، بهتت ملامحه حين لاح له ذبولها فاقترب معانقًا فجأة، لف ذراعه حول رقبتها ووضع رأسه فوق رأسها هامسًا «سلامتك يا غزولة موافق ألعب معاكي»
*******
بعد قليل سحبه للداخل ممنيًا ببهجة واعدًا له بسعادة «عاملك مفاجأة يا أبوي خطيرة »
سايره رؤوف قائلًا بانزعاج «يا واد هتكفي على وشي اصبر شوية»
ضحك قاسم قائلًا «في حدّ جاي يشوفك»
سأله رؤوف مندهشًا متحيرًا بتفكير عميق واهتمام «مين دِه؟»
ضحك قاسم قائلًا بحماس مشتعل«حد بتحبه جوي جوي»
ابتسم رؤوف مُرحبًا بقوله متحمسًا لرؤية الضيف «يا كريم يارب كتر حبايبنا»
عضت شفتيها متوعدة له مقسمة على تأديبه وهي تتهكم داخلها من دعوته «وماله يكتر حبايبك!»
جلست متصنعة الأدب، تطأطئ رأسها بحياء كاذب منتظرة بشغف قدومه، طرق قاسم الباب مستأذنًا قبل أن يسحبه ويوقفه أمامها قائلًا بطريقة مسرحية مبهجة «تاتاا تتتااا أهي المفاجأة » تسمرت أقدامه كما الكلمات على لسانه قبل أن يفيق ويغمغم بصدمة وهو يتأملها «غزل»
رفعت نظراتها مبتسمة له ببراءة تهز رأسها بتحية، ابتلع ريقه متحيرًا في أمره لا يعرف هل كشفت أمره أم ماذا؟ فكر قليلًا بحيرة لا يعرف ماذا يفعل وبأي هوية يقابلها ولا يعرف عاقبة أمره إن اختار هوية منهما، كتم زفرته اليائسة ونظر إليها ببؤس وبراءة طفولية معتادة استعادت شفقتها،فرحمته مما تراه جليًا من نزاع في نظراته وعلى ملامحه «ازيك يا أبو قاسم»
حيّرته أكثر بقولها فصمت بصبر وقلة حيلة، تابعت وهي تُخبيء ابتسامتها على هيئته مشفقة عليه أكثر«أنا آسفة جيت من غير ميعاد بس معرفتش أوصل لحضرتك»
ردد خلفها بغباء «حضرتك»
رفعت له نظرات متعجبة فابتسم لإدراكه الأمر مخرجًا هوية حامد «لاه إزاي تنوري والله»
تبادل قاسم النظر بينهما وهو يضحك باستمتاع، لتقترب مادة كفها تريد السلام «الله يخليك دا نورك»
نظر لكفها الممدودة بحاجبين منعقدين، مستنكرًا فعلتها رغم معرفتها بأنه توأمه وليس هو، فامتنع عن مصافحتها معتذرًا «سامحيني يا غريبة متوضي»
عضت باطن شفتيها متوعدة له في سرها، وهي تغمغم بتهكم «متوضي أيوة» سألها بقلق «إيه جابك على ملا وشك كده خير؟»
تنحنحت مجلية صوتها متظاهرة بالضعف والانكسار «كنت جيالك بما إنك الكبير أشتكيلك من رؤوف»
تسرّب لها رؤوف من غضبه فهتف بغيظ وحنق «نعم يا أختي! تشتكي ليه إن شاء الله عمل إيه؟»
رمقته بنظرة عاتبة مندهشة فتنحنح معدلًا من طريقة حديثة متأدبًا في قوله «أجصد خير أخوي عمل إيه زعّلك منه كده؟»
تصنعت الحزن وتظاهرت بالبكاء شاكية له «هو مبيعملش غير يزعلني يا أبو قاسم والله أنا تعبت»
أطبق شفتيه بحنق لاعنًا كذبها ومراوغتها قائلاً بهمس مغتاظ«كمان تعبتي عال والله»
ضرب قاسم كفًا بكف وهو يضحك عليهما، زجره بنظراته ليتوقف فأغلق قاسم فمه وصمت مترقبًا بحماس وفضول.
أشار لها وهو يغض بصره «طيب ارتاحي من السفر وبعدها نتكلم»
تهكمت منه بخفوت متوعدة له «هتغض بعد إيه ماخلاص والله لأطلع عينك يا شيخ المنصر أنت يا كداب»
استدار متسائلًا «بتجولي حاجة؟»
ابتسمت قائلة بوداعة كاذبة «لا خالص بس أول مرة أشوفك مستغربة إزاي في توأم كدا بجد حاجة ولا في الخيال»
هرش مؤخرة رأسه بحركة طفولية فابتسمت له وسألت «فين مرات حضرتك؟» أشار قاسم لها ضاحكًا «أهي» أمسك رؤوف بكفه متوعدًا له وهو يجيب بارتباك «فبيتها ،أقصد مش معانا»
هزت رأسها متفهمة ثم قالت بود «ياريت تيجي أشوفها وأتعرف عليها»
هتف رؤوف بتوتر «أيوة حاضر»
هتفت لا تنهي أسألتها ومحاصرتها له «حد قالي إنها حامل مبروك»
تدلى فكه ببلاهة وهو يردد «حامل كيف يعني وإزاي؟»
خبأت ابتسامتها على هيئته متوردة بخجل من كلماته فاعتذر وفرّ هاربًا منها«عن إذنك ارتاحي وبعدين نتكلم»
جلس مهمومًا أسفل الشجرة يضع كفه على رأسه ببؤس،جاوره قاسم من ناحية والأخرى جلس عبود الذي حكى له قاسم سبب جلسة والده
«أعمل إيه دلوك؟»ثم التفت لعبود صائحًا «وأنت يا جلاب الهنا يا وزير الحِزن دبرني»
اقترح قاسم وهو يكتم ضحكته«اديها علامات يا أبوي يمكن تفهم»
ولول حامد بغيظ «مفيش فايدة دي مخها تخين»
اعترض قاسم مدافعًا عنها بحب «غزل مش مخها تخين غزل وثقت فقولك وصدقتك»
رُفع عنه الحزن وانتبه مفكرًا في قوله، نظر لصغيره بتفكير فهز قاسم رأسه مؤكدًا كلماته، نظر حامد أمامه زافرًا بقنوط «وكده ريحتني يا واكل أبوك دا هيبجى مرار طافح»
هتف عبود ناصحًا «الصدق ينجي يا حامد» دفعه حامد ممازحًا «أيوة أنت مش هترتاح غير لما تتطربق على راس حامد والي جابوه»
قهقه قاسم وضحك عبود الذي قال «الغريبة بتحبك وهتسامحك، أنفاسك فصدرها البُعد يموتها»
تأفف حامد قائلاً «مخايفش من بُعدها، كده كده هحبسها، أنا خايف من زعلها وحزنها ياعم كل مصايب الدنيا كوم وبكاها كوم لوحده» قالها بتأثر شديد
رنّ هاتفه فأجاب بسرعة كأنه وجد ضالته «غزل مش موجودة يا أخوي» قالها طاهر بذعر فصاح حامد بغضب وتهكم «توك ما افتكرت يا واكل أبوك؟ غزل هنا يا حبيبي»
نظر طاهر ليونس بقلق وهو يرد «إيه؟مجالتش يعني »
صاح حامد بنفاذ صبر «أختك هتجلطني بعمايلها جات من غير ما تجول ولا عارف اتكلم وأسأل ولا عارف أسكت ولا عارف أعمل إيه؟»
سأله طاهر بارتباك يستدرجه بحذر «يعني إيه؟ هي مش عارفة انكم واحد؟»
صاح بعصبية «ما تفهم أنت كمان يا حمار، هي هتعرف منين؟»
ضحك طاهر بتوتر قائلًا «أيوة صُح هتعرف منين أنا ورحمة مرتضى ما قولت»
لكزه يونس مستفسرًا «هو مرتضى مات؟»
أجابه طاهر بهمس «ما هو أنا كداب وقولت وبعدين دا اعتبار ما سيكون بحلف برحمته مقدم يبقى استفدت بحاجة منه»
كتم يونس ضحكاته بينما علّق حامد «بتتوشوشوا ليه يا بهايم»
استقام صوت طاهر المرتجف وقال بمرح «بالشفا يا أخوي كما قال حماقي أنا جايلك وناويها»
تأفف حامد مستفهمًا «بتجول إيه؟»
كتم طاهر ضحكته وقال «بكلم يونس مش أنت يلا أسيبك بقا لمراتك، لو احتجتنا رنّ متجيش»
أنهى رؤوف الاتصال لاعنًا وعاد لولولته من جديد مثيرًا ضحكات قاسم وعبود بتعديداته.
كنت فين يا وعد يا مقدر..كنت فخزانه وبابها مصدّر
نهض يدور حول نفسه مقيدًا كفيه خلف ظهره وهو يغمغم «كنت عارف شهر العسل هطفحه والله هو أنا وش عسل برضو!»
ضرب جذع الشجرة الضخمة بكفه وهو يغمغم بغيظ «شبر ونص تربيني أنا؟ أبو الحريم كلها»
******
في الظهيرة وضعت الطعام وجلست مُرغمة لتتناوله مستعينة بالصبر مستجيرة بالقوة، تنظر للأطباق باستنفار تخبئه في نفسها، جلس قاسم جوارها فمسحت على ظهره بحنو وقرّبت منه الطعام مدللة له، جاور الآخر قاسم مبتسمًا، استأثرت هي بخدمتهما، منحت تماضر قطعة الخبز وقربت منها طبق الطعام ثم توقفت متابعة لها بحنان تنتظر إشارة للمساعدة بترحاب، تابعها بطرف نظراته في حنان، يؤخر اللقمة في فتور منتظرًا أن تضع هي لقمتها، تقل شهيته كلما توقفت عن الأكل
سألت بضعف وهي تنظر إليه بغتةً «فين عم عبود؟»
التقت نظراتهما فلجمت شوقها مبتعدة عن عينيه مكمن الاشتياق ومعقل اللهفة، هتف وهو يضع أمامها الأرز «هياجي كلي أنتِ» سعدت لاهتمامه بها والتفاني في مراقبتها ابتسمت بشوق وهي تخفض بصرها قائلة «شيلت له جزء من الأكل لما ييجي هسخنهوله»
هتف باستحسان «بارك الله فقلبك يابشمهندسة»
هزت رأسها بابتسامة باهتة وتابعت تقريب الطعام من تماضر شارحة لها ما تأكل بصوت دافيء حنون ساحر جعل قاسم وأبيه يتوقفان عن الطعام منسجمين يستمعان بإنشداه لطريقتها الجميلة في تزيين وصفة طعامها «تسلم يدك يا بتي»
التفتت إليهما فوجدتهما يعاودان التناول من جديد بمقبلات صوتها الساحر، شردت قليلًا قبل أن تفيق على وصف قاسم لمشاجرته مع صديقه، تدخلت غزل بعصبية «الكدب حرام يا قاسم صاحبك لو عرف هيزعل أوي مش لو كنت قولتله الحقيقة أفضل، ليه تظن السيء» قطب حامد مُفكرًا قبل أن يؤكد قولها احترامًا لا يحقّر منه ولا يعارضه ولو بالتوضيح حتى لا يزعجها ذلك أو تحزن بل أيّده مبتسمًا، شرد فيما قالت بانزعاج داخلي غير مرئي استشعرته بمحبتها له وقربها الروحي منه، هتف قاسم «اعتذرله طيب واحكيله هيسامحني؟»
أكدت بابتسامة رقيقة منحته الأمل وزادت من محبته وعاطفته لها «أيوة يا روحي ولو بتحبه متسيبوش زعلان حاول لغاية ما يرضى»
شكرها قاسم فنفضت كفيها ونهضت حامدة الله، ترك حامد ما بيده ضائقًا بذبولها وحيويتها المفقودة كما مرحها، نظر لطعامها فوجده كما هو لم يمس فحمد الله ونهض متتبعًا لها يسأل بقلق دون حذر «مكلتيش يا غريبة فيكي حاجة؟»
ابتسمت له بامتنان وشكر قبل أن توضح «أخويا كان تعبان الظاهر أخدت منه العدوى»
هتف بلهفة كبيرة وذعر واضح في نظراته «جوليلي فيكِ إيه وأجبلك الدوا»
همست برقة وهي تتأمله بلوعة دون خجل مراعاة لخطتها «دوايا معايا يا أبو قاسم تسلم»
نزع عينيه وتنحنح ففعلت مثله وأشاحت، ذهب للموقد مغمغمًا ببؤس «يارب تفهم لوحدها يارب مش هتحمل كده دلني»
وضع الإبريق الممتليء فوق عين موقد الغاز فهتفت «آجي أعمله أنا؟»
هتف باحباط واستياء شديد «لاه كتر خيرك ارتاحي»
**********
حين أخبره قاسم بمعاناتها وزهدها الطعام والقيء المستمر الذي أنهك جسدها دخل مندفعًا ملهوفًا دون تحفظ لم يمنح عقله دقيقة واحدة للتردد في الأمر، دخل الحجرة محملًا بقلقه وخوفه دون حساب أو وعي يراجع به قراره «في إيه؟ مالك؟»
اعتدلت بسرعة، خبأت خصلاتها باندهاش كاذب وشهقة محكمة العجب «أبو قاسم» قالتها بنظرة وداعة كاذبة ونبرة مختنقة بالحرج المُدعىَ، تقدم قليلًا بقلق غير مهتم يتأمل ملامحها الذابلة «إيه تاعبك؟ أجبلك دكتور»
عضت شفتيها وهي تزحف معتدلة في جلستها بنظرة لائمة له واندهاش مُعاتِب «شكرًا يا أستاذ حامد أنا كويسة» وقف مكانه مُحبطًا بعدما أدرك الأمر وتسرب إليه الوعي من نظراتها المندهشة لدخوله، فرك جبهته مستغفرًا قبل أن يعود ببصره إليها محاولًا التوضيح وشرح الأمر، التقت نظراتهما وسبح كل منهما في نهر الآخر دون نجاة فأشاح لا يعرف من أين يبدأ؟
كشف دواخله فرأت نزاع روحه وحيرته أشفقت عليه لوهلة قبل أن تستقوى بخديعته وتطرد الضعف من نفسها وتمزق إقرار قلبها العاشق بالتنازل عن حق العفو والتسليم.
فاقت على نداء من خارج المنزل، نداء انتفضت لنعومته مقررة تتبعه بينما كان هو غائبًا في أمرها والحقيقة. أما قاسم فكان يراقب بصبر متحمسًا للحظة المعرفة، يتابعهما بحماس مشتعل كما يراقب مباراة.
تأفف حامد مستغفرًا حين رآها أمامه، اقتربت هامسةً بنبرة فقدت قوتها ورعونتها «ازيك يا أستاذ؟»
وضع كفيه في جيب جلبابه مُجيبًا بقرف «زي الزفت»
ابتلعت ريقها متفاجئة مأخوذة برده الوقح ونظراته التي تصب الغضب فوق رأسها، عاجلها بالسؤال «عايزة إيه يا ست مش هنخلص عاد ولا إيه؟»
نظرت حولها بقلق قبل أن تستقر نظراتها عليه بجرأة تتأمله بحق لا يعرف من أين أتت به «جيالك في عرض»
سألها بنفاذ صبر وتهكم غليظ طبع الضيق على ملامحها «خير يا ست مع إن الحريم ميجيش من وراها خير» أصاب قوله كرامتها فقالت بعصبية مدرجة بدماء ضعفها المقتول «اسمع يا أستاذ أنا هديك الورقة بس تطلقني من موسى»
سخر منها بفظاظة ووقاحة غريبة عليه «ليه جالولك عليا مأذون؟ ولا خرّاب بيوت؟»
صاحت فيه بجرأة أشعلت غضبه وأقامت ثورته «لاه جادر ومحدش يقدر عليك لو عايز»
زعق فيها «اتحشمي واتكلمي عدل يا ست لولا إنك مرة كان هيبجالي تصرف تاني معاكي ميعجبكيش»
هددته بوقاحة وهي تقترب منه «الورقة معايا»
سخر منها ببرود «أي ورقة يا ست؟»
أجابته بهمس خافت «شهادة ميلاد قاسم»
سحبت غزل المستمعة قاسم لداخل الحجرة وأغلقت النافذة والباب جيدًا، ضمته لأحضانها في خوفٍ وزعر حقيقي، تحميه من شرور القول وتطرد عنه الوساوس
، تعجب من فعلتها لكنه صمت برضا، ابتعدت تحاول التشويش على كلماتهما بقولها وإحباط محاولات تلك المتبجحة بصرف ذهن الصغير وإشغاله «تعالى نلعب عالفون شوية»
بالخارج هتف حامد وهو يجلس فوق الأريكة ببرود وصلف «شهادة إيه وبتاع إيه؟»
هددته مرة أخرى «الشهادة هديها لناسه يا أستاذ»
نظر إليها من علوٍ بغرور قائلًا «إديهالهم وماله حقهم»
قالت بحقد من بين أسنانها «هفضح المستور وهياخدوه»
هتف ببسمة ساخرة ونبرة باردة «شاي للست يا قاسم»
اقتربت أكثر ومالت خاضعة بالقول في جرأة بعدما هدأت ثورتها «أنا ريداك يا أستاذ ومستعدة حتى أقتل عشانك»
بينما كان هو ينتفض فزعًا من قولها واقترابها خرجت غزل حاملة صينية عليها كوبين بعدما تحكمت فيها غيرتها الشديدة عليه «الشاي يا حبيبي» قالتها ونظراتها تقف على ملامح زينب بابتسامة ساخرة مستهينة شامتة ومتحدية.
نظر إليها مذهولًا من قولها، منتفضًا من إدراكها ومعرفتها غاب قليلًا قارئًا لها فمنحته كوب الشاي قائلة بدلال «خد يا حمودي الشاي»
ثم أردفت وهي تعاينها بنظرة محتقرة «قولها إنك متجوز يا حمودي وأنا محبش حد يشاركني فيك وإنك واحد متقبلش القسمة على اتنين»
رحلت زينب غاضبة حانقة فالتفتت غزل له قائلة بمكر «ولا يا حرام تكون فكراكم توأم وعايزة تتجوز زي المغفلة مراتك»
رمت ما بيدها ودخلت البيت عاصفة يتبعها ندائه المتوسل «غزل استني هفهمك، مين قالك؟»
التقطت أنفاسها وأجابته على تساؤل نظراته بثبات ونظرة حزينة مملؤة بالعتاب « أيوة عرفت يا رؤوف إزاي مش مهم بس عرفت»
ابتلع ريقه وتقدّم فأوقفته بهتافها العصبي «مكانك متقربش مني»
استنكر قولها ورفضها اقترابه، لا تريد تأثيرًا من أي نوع ولا قربًا يهلكها، كلاهما يعرف مدى تأثير الآخر عليه، جلست فوق التخت منكسة الرأس قائلة «ليه خبيت عليا؟ ليه سبتني تايهة في الأول؟مش عارفة نيتك ولا قصدك » همستها بنظرة حزينة، تتلوى حسرة وعذابًا من ظنونها.
نظرت إليه قارئة له ثم ثارت مفندة مبرراته ملقية لها في قمامة الإنكار والرفض «متقولش ملقيتش مناسبة ولا وقت كان قدامك أكتر من فرصة تحكيلي و آخرهم موضوع قاسم والحلم» خفت صوتها وتابعت بمرارة «وبرضو كدبت»
آثرت تماضر الصمت منتظرة نتيجة حديثهما بينما تنهد هو باستسلام قبل أن يجلس في طرف الفراش الآخر ساردًا ما حدث تفصيلاً بهدوء «بشروني بيكِ قبل ما تيجي، قالولي الغريبة جاية وهتنور عتمة جلبك يا حامد» قالها بابتسامة لطيفة متذكرًا وقع الأمر وتأثيره في نفسه يومها، انتقلت إليها العدوى فابتسمت باهتزاز قبل أن تسحقها بالبكاء وتصمت منكسة تستمع بإنصات واهتمام لدوافعه
أردف متذكرًا «لمّا عبود قالي جيتي مصدقتش، روحت معاه عشان أريحه، لما طليت فوشك عرفتك، شيلتك على يدي وكأني ما صدقت، جبتك هنا وأنا معنديش نية أخدعك ولا أكدب بس لما قولتي رؤوف وطاهر استنيت أفهم، وإني أنقذك مرتين وأشيلك فحضني مرتين خلاني أسأل ليه أنتِ؟ ليه القلب يدقلك أنتِ بالذات، كل حاجة جوايا كانت ملخبطة، سبتك قدام عيني لما عيني اتملت بيكي كيف قلبي وروحي»
خبأت ابتسامتها المتحسرة واستمعت بصبر فتنهد بأسى وتابع «أنا سألتك جاية للحفناوية ليه مقولتيش، لما عرفت إنك بته مصدقتش عقلي كان هيشت مني بقا الوحيدة الي قلبي يتعلّق بيها تكون بت عدوي، قلبي كان بيتمزّع معارفش أكرهك، بس أبوكي كان بينا واقف... لقيتك اتعلقتي بحامد، بالنص التايه اللوام فزادت حيرتي، أنا مش حامد بس … لاه دا أنا رؤوف وحامد، خوفت أكتر جبتلك عربية وصلتك للبيت بعد ما اتفجت معاه يتوهك شوية في الطريق على ما أوصل قبلك، لما وصلت رامز بعتلي كل بياناتك وأكدلي إنك بته»
سألته ومازالت تشيح برأسها رافضة ملاقاة نظراته لا في طريق الشوق ولا الرضا «واسمك؟»
أجابها بصبر «أنا متسمي اسمين حامد على اسم عمي لإنه أول واحد شالني على يده ورؤوف كان برضو اختياره هو ودا العادي عندنا، من وقت ما مات عمي معادش حد بيناديني باسمه عشان جدي وجدتي ميفتكروش ويتعبوا وعمتي، بس خالتي وأمي الي بينادوني بيه.. لما روحتي وصيت أمي عليكي وجولتلها تكون جارك وتراعيلك وحذرتها متناديش بيه قدامك»
استفسرت والأحداث تتوالى في عقلها بعدما ربطت الخيوط «وجوازك؟»
صمت متذكرًا «أمي كانت بتبلغ خالتي إني اتجوزتك وإنتِ فهمتي غلط وأنا كملت عشان تمسحي حامد من دماغك خالص»
سألته مجددًا «عايش هنا ليه؟»
أوضح لها «لما مات عمي اتأثرت بالي حصل، بعد ما فوقت مكنتش طبيعي ولا في وعيي هايم وساكت وبالليل كوابيس ،حسوا إني خلاص موت مع عمي ومعدليش عازة ولا لازمة»
أوجعتها الكلمة فشهقت بلوعة وهي تكتم النشيج داخل صدرها وتقيده بقبضتها المضمومة فوق ملابسها.
أردف وهو يطالعها باستجداء وقلق«جابوني لخالتي وفاتوني هنا معاها هي وجوزها الشيخ عواد كبرت وسطهم، خالتي مرضتش تناديني غير بأحب اسم لقلبي واتعرفت بيه هنا وكبرت وسطهم مع عم عبود وبته أم قاسم وأم جمال »
سألته بنظرة مذعورة «قاسم ابنك من بنت عبود؟»
ابتسم لغيرتها الواضحة بوهن وأجابها «بت عبود اتجوزت مصطفي صاحب عمري وشريكي في المكتب يا غزل ماتوا وسابوا قاسم ليا»
أمسكت بحامل التخت باكية منتحبة بقوة أوجعته فنهض فورًا ووقف أمامها متوسلًا لها «أنا آسف يا غزل كنت خايف، خايف الي قلبي اتفتحلها متحبنيش بعيوبي ومرضي وعفاشة جلبي.. خوفت أكتر لما حبيتي حامد، حسيت ماليش مكان، كان لازم أجمّع النصين في قلبك»
لكزته بقبضتها المضمومة صارخة «وبعد ما جمعتهم سكت ليه؟ »
أجابها وهو يقيد كفيها «حسيت مالوش لازمة فأي وقت هتعرفي وكنت ناوي أجيبك هنا والله، فالأول كنت مشدد ميقولوش بس بعد كده كان عادي بس أنتِ مفهمتيش»
صاحت بثورة «أيوة طلّع العيب فيا دلوقت واتهمني بالغباء وإن دي مش مشكلتك»
ضمها بقوة مقبلاً رأسها يهمس بصدق وعاطفة حارة «لاه أنا الي كلي عيوب والله وغلطت سامحيني ،أناني فيكِ جوي أنا »
دفعته بعيدًا عنها قائلة بغضب «لا أنت كدبت عليا واستخفيت بعقلي واستغليت ثقتي وحسن ظني استغلال وحش، مش مسمحاك يا رؤوف»
أسبل أهدابه بانكسار وحزن فأشاحت بعيدًا تمسح دموعها المتتابعة بإرهاق، رفع نظراته لها متوسلًا بضعف لا يخرج إلا لها «معاكي حق بس متبكيش وتتعذبي وتعذبيني معاكي يا غزل»
أغمضت عينيها على وجعها متجاهلة توسله وقوله قبل أن تهتف بعصبية «لو مطلعتش وسبتني هطلع أنا وهمشي»
حاول إثنائها بلطف «غزل...» لكنها قاطعته صارخة «أطلع بره يا رؤوف مش عايزة أشوفك»
دخل عبود المنزل على صوتيهما وقف خلفه حاميًا، سدًا منيعًا يتوسلها بنظراته الحنون التوقف وبابتسامته اللطيفة العفو، لانت نظراتها وخشعت، مسحت دموعها وهبطت الفِراش مستقبلة له ونظرات زوجها تتابعها وترافق خطواتها «ازيك يا عم» نطقتها كما يفعل، مماثلة لنطقه فابتسم متأثرًا
«ازيك يا غريبة!» قالها بحنو وهو يفتح ذراعيه في دعوة فاندفعت مرحبة بتلك العاطفة الصادقة، ابتعدت بعدها بخجل فسحبها عبود للخارج وأجلسها وجلس ثم نادى «حامد»
اختلج قلبها بمشاعر عديدة وهي ترفع نظراتها مستقبلة هويته الجديدة تمزج النصفين في قلبها وعقلها كقطعة بازل، ترى بعين اليقين والحقيقة، عضت جانب شفتيها بوجد وهي تراه بوضوح بعدما زالت غشاوة الجهل والغضب، أحبته هي بكل أوجهه، الآن فهمت سرّ تبدله وسحره، جلس بوقار حامد وسحره، مهيب الطلّة ملائكي النظرة
تحركت أنامله ذاكرًا الله مسبحًا بحمده، اختلست النظرات من نافذة الهوى تراقبه كأنها تتعرف عليه من جديد، قطع الصمت دخول قاسم العاصف، نظر إليهما قاسم ساخرًا «مالكم متذنبين؟»
ابتسمت غزل بمحبة وافرة وهي تفتح ذراعيها داعية له بحنان «تعالى»
استقبل دعوتها بفرحة وضحكة مجلجلة، فضمته متنهدة براحة وهي تداعب خصلاته الطويلة بلطف
مال سارقًا النظرات كطفل مذنب معاقب بالهجر والنبذ، ابتسم سعيدًا باكتمال عائلته الصغيرة أخيرًا.
عاد ببصره لما يفعل، تحدثت تماضر «ولدنا غلطان يا أم قاسم»
رفعت رأسها لاتصدق الشهادة التقديرية التي منحت لها ولا وسام الاستحقاق، همست متأثرة ودموعها تطفر «أنا!»
ابتسم حامد بصمت دون رفع نظراته يتابع الذكر بينما تابعت تماضر متخطية «سامحيه عشانا أول مرة نطلبها منك يا بتي»
أكد عبود بشفقة «ده غلبان والله »
تهكم حامد من قوله بغيظ «أيوة اشحت عليا يا واكل ناسك»
نهرت تماضر عبود ليصمت «اسكت أنت»
زفر عبود بانزعاج وابتسمت غزل بينما أردفت تماضر مدافعة عنه بأمومة «غلطان بس ميستغناش عنك ومتصدقهوش لما قالك رؤوف عفش ،حامد هو رؤوف و رؤوف هو حامد بيكملوا بعض»
نطقت بسرعة معترفة ونافية التهمة عنها ومدافعة عنه أمام نفسه «أنا حبيت رؤوف وقلب رؤوف أكتر يا خالة » همستها بخجل شديد وهي تطأطئ رأسها حرجًا من اعترافها. بعد صمت هتفت مستنجدة بعاطفتها محتمية بصدقها «أنا زعلانة يا خالة منه وراضية بالي تحكمي بيه»
صمت الجميع إلا من صوت أنفاسه الواضحة، نظر لخالته باستجداء فابتسمت وكأن حديثه وصلها وقد تخاطرا، مسح وجهه وانتظر بصبر دون أن يرفع نظراته مرة أخرى حتى لا يؤثر ذلك عليها راضيًا بما يرضيها.
هتفت تماضر بحكمها «امشي يا بتي وهمليه لتوهته وحيرته»
اتسعت عينا غزل باستنكار ورفض بينما نهض رؤوف متخليًا عن صمته ممزقًا بأنياب الغضب رضاه المزعوم وامتثاله «تمشي فين؟ طب خليها تخطي بره برجلها وأنا أكسرهالها ،صابر من أول الصبح لكن خلاص»
انتفضت هي الأخرى بكبرياء، صاحت في وجهه بتحدي «مين قالك هوافق أمشي أصلًا، دا بعيد عن إني لو عايزة مش هتقدر تعمل حاجة»
اقترب هاتفًا بسخرية «ليه هتعمليلي إيه؟ أنا هنا الي أعوز»
لوت فمها متهكمة من قوله ساخرة من موقفه ببرود قبل أن تهتف بفخر «لا وحياتك أنا» عقدت ساعديها أمام صدرها وسارت متبخترة أمامه تضرب صواعقها «بس أنا مش هعمل كده هعيش مكان ما ولادي هيعيشوا، وبرضو محبش أحرمهم من أبوهم»
ضحكت تماضر بصوت عالٍ واضح بينما هتف عبود بفرحة «قولتلك يا تماضر»
هز هو رأسه مستفسرًا بغباء «ولادك مين؟ مالك أنتِ بقاسم؟»
وقفت أمامه متخصرة تهتف بثقة ونظرة شامتة «خدت وصايته من الخالة ومالكش فيه والي في بطني أنا كده كده وصيّة عليه»
انهار جالسًا مكانه يتمتم بصدمة «الي فبطنك؟»
وضعت كفها على بطنها مؤكدة تتأمل ملامحه بشغف وترقب،حينما أرضاها رد فعله تابعت بغرور وهي تسحب قاسم من كفه وتغادر للحجرة «مش هوقع حكم الخالة وهمشي بولادي بس هروح بيت أبوهم ونقعد» أغلقت الباب وقالت من خلفه ساخرة «جدك حلف عليك محلفش عليا، أنا هاخد ابني هناك يعيش معايا وتحت عينيا أنا ليا حق أنا وولادي ،بلّغ أهلك بكده ومتجيش خالص هناك »
ابتلع ريقه ونظر لعبود ببلاهة مستفسرًا «هي حبلى يا عم؟»
ربت عبود على كتفه مؤكدًا بدموع منهمرة تأثرًا بالحدث الذي طال انتظاره «حبلى يا ولدي حبلى يا أبو آسيا»
تحرك ناحية خالته ببطء ودوي كلماتها يملأ عقله ويفرغه، جلس أمامها على ركبتيه بطفولية مستفسرًا يأخذ من فمها التأكيد «ياخالة هي قالت إيه؟»
هتفت خالته بصوت مبحوح «مبروك يا ضي العين ربنا يتملها على خير»
غمغم بتقطع لا يعرف بماذا ينطق اللحظة ولا كيف يعبر عن مشاعره المتزاحمة داخله والملتحمة فقط يردد «حبلى،غزل حبلى يا خالة» ضمته خالته محتوية شتاته ململمة بعثرته «ربنا كرمك آخر كرم،شوفت يا ضي العين ربك لما يجبر القلب ويداوي العلة،من بين الصخر تتفجر الميه وتتروي»
بكى بين ذراعيها فرحةً وسعادة،انتحب يهمس بالحمد من بين شهقاته العالية التي وصلتها فجلست أرضًا مشاركةً له البكاء متأثرة بما يحدث له سعيدة لأجل سعادته الكبيرة التي تستشعرها.
******
في منتصف الليل جلس زافرًا بقنوط من هذا الضيق وتلك الوحدة،طوّق ركبتيه في بؤس ونظراته المتلهفة تزحف لباب الحجرة الموصد تطرق، تتوسل وتتمنى، نهض عاجزًا عن النوم والهروب مما يجيش في صدره من مشاعر طرق الباب بإذن قبل أن تعلو دقته ويخرج همسه «غزل»
نظر حوله للنائمين بحذر قبل أن يرجوها بلطف «افتحي عايز أكلمك»
سمع صوت السرير فابتهج وتهللت أساريره نبض قلبه في ترقب، وضعت أذنها هامسة بجفاء كاذب فهي مثله لم يزر النوم عينيها خاصة وهو قريب منها ولا تطاله «عايز إيه؟» همس وهو يتلفت حوله بقلق «هجولك حاجة وأرجع»
همست بعتاب قاسٍ على قلبه«مش عايزة أسمع منك حاجة يا...» صمتت متنهدة قبل أن تواصل بسخرية «محتارة أقولك إيه بجد؟كان ليه كل ده؟»
نكس رأسه بندم قبل أن يهمس «غزل أنا رؤوف الي بيحبك وحامد الي اتمناكي أنا النصين اللي اتفقوا على حبك»
أدمعت متأثرة بقوله قلبها يختلج بمشاعر عديدة وهي تستمع إليه متمنية لو يمكنها أن تتخطى وتركض لأحضانه.
تنهد من جديد متوسلًا حين صمتت «سيبي العتاب دلوك ليه وقت»
هتفت بحنقٍ وغيظ من قوله «أمال أنت عايز إيه؟»
تلمس الباب بأنامله كأنه يراها أمامه وهمس برقة « عايز أحضنك وبس، عايز أشم ريحتك»
عضت شفتيها تكبح لهفتها على القبول والموافقة، تكتم رغبتها داخلها فهمس مجددًا بتوسل ضائع «مش مصدق يا غزل إنك حامل وإنك شايلة حتة مني اتمنيتها طول عمري، عايز ألمسك عشان أصدق، عايز أحس بيه يا غزل عشان خاطري»
انسلت لقلبها إرادة مختلفة، فتحت الباب دون ذرة تفكير واحدة في طلبه، قلبها العاشق خضع دون حساب، نظرت لعينيه الدامعة ومازالت تعض جانب شفتيها محاولة التماسك، دخل وأغلق خلفه تقسم أنه لا يتأمل بل يلتهم ، نظراته توقفت فوق بطنها بإرتجاف قبل أن يرفع لها نظرات تائهة ضائعة ترجوها بما هي جاهلة به.
ابتلعت ريقها المتعثر قبل أن تترنح من ثقل جسده المندفع ناحيتها
ضمها بقوة وكفه تعرف الطريق لنبتته، تأوه بوجدٍ وأنفاسه تتلاحق فوق صفحة وجهها المضرجة بحمرة الخجل، ثبت كفه فوق بطنها ونظر إليها هامسًا «أخيرًا يا غزل حتة مني ومنك، والله كرم ربنا مالوش حدود»
أخذ قوته منها وتركها محتفظًا بصمته كعملة ذهبية، متمسكًا بوعده لها الذي قطعه قبل أن يضمها،شيعت رحيله بروح ممزقة واشتياق يفرض سيطرته، جلس أسفل الحائط في مكانه المحبب عند شجرة العنب، افترش سجادته بعدما توضأ من إناء يحتفظ به لهذا الغرض ووقف يصلي. تابعته بنظراتها من النافذة لا تملّ ولا تشبع تربط الأحداث والصور حتى تخمرت القصة في عقلها، ضحكت من غبائها قبل أن تضجع فوق التخت مستدعية زائرها لترتاح قليلًا.
***********
دخل الحجرة فوجدها جالسة فوق الفِراش بسكون، مستغرقة في الصمت ومتابعة شاشة هاتفها بعينين منتبهتين، تنحنح مُنبهًا لها بمجيئه فرفعت رأسها ساحبة ابتسامتها مبدلة إياها بعبوس ونفور واضح «ازيك يا زوزو» قالها وهو يقترب من التخت بعدما وضع شاله فوق المشجب المجاور لخزانة الملابس، رمته بنظرة كارهة ثم عادت ببصرها للهاتف تتآكل صورة آخر نشرها في حسابه الشخصي.
جلس جوارها فأغلقت الهاتف قائلة ببغض«يا نعم»
مال ناحيتها هامسًا بضحكة حماسية «وحشتيني»
مصمصت شفاهها قبل أن تشيح داعية «وحش يلهفك» توقف همسه قبل أن يكمله على رنين هاتفه، ابتعد مُجيبًا بعصبية بينما هي تتابعه بعينيها الحاقدة أينما تحرّك، أنهى الاتصال واقترب منها بغضب متقد النظرات، أمسك بذراعها وهزها صارخًا «روحتي لحامد الحفناوي ليه يا بت انطقي»
دفعته عنها بكلتا يديها في غضب مماثل صارخة «وأنت مالك غور»
اقترب كوحش كاسر،يعض لسانه بعزم، لفّ خصلاتها الطويلة حول كفه وصفعها قائلاً بحدة «أغور يا جليلة الرباية» سحبها من فوق الفِراش مسقطًا لها على الأرض يصرخ «روحتيله ليه؟»
قالت بتحدي وهي تخلّص خصلاتها منه «أنت مالك؟»
صفعها مرة أخرى «أمال مال مين يابت المركوب هو أنا مش راجل تعبريه وتعمليله قيمة»
بصقت قائلة بصراخ «ابلع ريقك بلا راجل دا أنت عرّة الرجالة»
ضربها فوق رأسها بغل «روحتي لحامد ليه؟»
صرخت فيه ثم رفعت نظراتها قائلة بتشفي «ريداه ورايدني»
بهتت ملامحه من قولها توقف عن ضربها مبهوتًا «إيه؟»
خلصت جسدها ونهضت مبتعدة تطالعه بشماتة فاستفسر منها بشك «لما رايدك جوّزك ليا ليه؟دا هو الي جيه وعرض »
انتفضت قائلة بذهول «هو الي جوزك ليا؟»
أجابها بشماتة «أيوة راح معايا لأخوكي وقاله اتنازل عن قضية ولدك مهر لزينب من موسى»
استدارت بدموع متحجرة تسأل بخذلان «هو عمل كده ليه؟»
أوضح لها بنود الاتفاق «بشرط أجبله خاتم خالته الي سرقه واد أخوكي وخدتيه»
رددت باستنكار «الخاتم!؟»
اندفعت ناحية الخزانة تفتش عنه بين ملابسها فأوقفها قائلًا بنبرة شامتة متشفية «خدته يا زينب ورجعتهوله»
ضربت خديها قبل أن تندفع ناحيته بشراسة، أمسك بكفيها ودفعها أرضًا وهو يقول «شوفتي مهرك غالي كيف لاه وهو كمان الي جوزك ليا»
ضربها بقدمه في استحقار قبل أن يبصق عليها ويتركها ويرحل.
******
أنهت غزل الاتصال حين دخل الحجرة بابتسامته الوقورة التي تجذبها فتطارده بنظراتها كفراشة، وقف أمام الخزانة قائلًا بهدوء «كنتي بتشتكيني ولا إيه يا أم آسيا»
سارت حتى وصلت إليه ثم وقفت بالقرب منه قائلة « لو بشتكيك دا يزعلك؟ ولا عادي ميهمكش؟»
نظر إليها بابتسامته الساحرة وأجابها بدفء «أنا ميهمنيش غير زعلك»
حررت نظراتها من أسره وابتعدت متهكمة تسيطر على شوقها «والله يا أوفة أنت ماشاء الله سهلتها عليا قايم بدورين مش هغلب أشتكي لمين، مرة لحامد مرة لرؤوف الله أكبر ولا حتى شات Gpt»
ضيق نظراته فوق وجهها بصمت قبل أن يُجيب بأدب «كتر خيرك متربية والله»
أحاط عنقه بالشال وسار ناحية باب الحجرة قائلًا بنبرة حيادية المشاعر «محتاجة حاجة أجبهالك معاي وأنا جاي»
قالت باستهانة مقررة استثارة غضبه «لا.. كدا كدا الي بحتاجه قاسم بيجبهولي وأصلًا مبحسش برجوعك بنام بدري ومعنديش استعداد استناك »
حرّك حاجبيه علامة تساؤل وطلب تأكيد لقولها فأكدت بابتسامة «أيوة زي ما سمعت»
ابتسم قائلًا بنبرة باردة ونظرة مغرورقة بالغرور «ماشي يا أم آسيا إذا كان كده تصبحي على خير مقدمًا أنا كده كده كنت عايز أروح أبيت عند جدتي واطمن على أبوي»
رمقته بنظرة غاضبة مغتاظة فابتسم بتهكم وتحرّك مغادرًا، استوقفته بقولها «هاتلي معاك علاج للمعدة» التفت مستهزئًا بابتسامة مخبأة «مش بتنامي بدري؟»
ضربت الأرض بقدمها قائلة بغيظ «هستنى علشان معدتي وجعاني»
أجاب بحنان وفير ونبرة لينة طائعة «سلامتك حاضر هجيبه، حاجة تاني يا أم آسيا؟»
لانت نظرتها سامحة لشوقها بالعبور إليه والتفتيش عن شوقه، اشتبكت نظراتهما قبل أن يتنحنح ويغادر محمل القلب بالشوق، مكتوف العقل بالهجر .
*******
وجد نفسه يتتبعها مُجبرًا، منساقًا بلجام الشوق، يسير ببطء مجاريًا خطواتها حتى لا تكتشف أمره، سارت هي من شارع إلى آخر لا تهتدي لمكان ولا ترسو في بقعة، ظنها أول الأمر تائهة حتى دخلت صيدلية صغيرة بمنطقة شعبية تضيق بالناس، تأفف بضيق وهو يمسك برأسه التي قاربت على الانفجار، عاد سيرًا لسيارته وصلها وصعد واضعًا رأسه على مقودها مُفكرًا حتى رفع رأسه على رنين الهاتف باسم طاهر «في إيه يا زفت؟»
«افتح الفيس بسرعة» قالها وأنهى الاتصال فسارع يونس بفتح حسابه متجولًا فيه حتى عثر على آخر ما كان يتوقعه، منشورًا من زميل حاقد ومنافس قذر له يهنئه بزواجه ويسأله عن ملابسات الأمر هازئًا منه و في آخر المنشور يضع له صورة لورقة فصله من عمله بالشركة.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close