اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم عائشة حسين 


الثاني والخمسون
تعلقت نظراته الخاشعة بها وهي تسير أمامه تسبقها لهفتها في عناق ،سألها بحنان وهو يفتح ذراعه لاستقبالها قلقًا بشأنها «صحيتي من النوم ليه ؟»
تأملته مليًا بعشق قبل أن تندفع لأحضانه منكمشة متعلقة برقبته تهمس وهي تغمض عيناها بإسترخاء «ملقتكش جنبي فقومت»
قبّل رأسها قائلًا بحنو وهو يمسح على ظهرها «بتصحي كتير ليه في الليل؟ »
سألته بدهشة وهي ترفع رأسها «بتحس بيا؟»
سحب دثارًا يحتفظ به جواره وفرده فوق جسديهما خوفًا عليها من لسعة برد وهي بهذه الملابس الخفيفة «أيوة بحس لما تصحي»
دفنت وجهها في رقبته معترفةً ببسمة هادئة «بصحى أدور عليك لما بلاقيك جنبي بطمن وأكمل لما مش بلاقيك بدور عليك»
ابتسم بصمت فهمست برقة «تعرف إن بحب حبك للصلاة والذكر وبحب أشوفك وأتابعك ، بتسحرني أوي يا رؤوف »
رفع كفها وقبل باطنه في شكرٍ ثم أسقط قبلاته الناعمة على وجهها كالورود في امتنان عميق،لو يقدر لجمعها كلها في صدره اللحظة همست برقتها المعهودة «رؤوف إيه أحلى حاجه فيا؟»
ابتسم لسؤالها، رفع غرتها الكثيفة عن وجهها هامسًا باستنكار وهو يمسح على خدها « إيه أحلى حاجة فيكي؟ وكأن في حاجة فيكي مش حلوة!»
ضحكت متدللة عليه برقة «بليز بحب أسمع منك عني» لثم شفتيها معددًا وهو يداعب غرتها بأنامله « كل حاجة يا غزل،قلبك وروحك،حنيتك وضميرك ، أقل حاجة منك بتفتني وبحب كل حاجة بتعمليها عشاني، أقولك ساعات بفرح إن جوازي الأول كان فاشل ومطلعتش منه بحاجة خالص، ممتن للقدر إنه حوشلي الحلو معاكي وبعيش وأحس كل حاجة لأول مرة»
همست بتنهيدة غرام ونظرة مشبعة بالرضا والهيام «بحبك أوي يا أوفة كلامك مبيفشلش إنه يخطفني»
سألها وهو ينظر لعينيها بدقة «وأنتِ شايفة إيه أحلى حاجة فيا»
همست بذوبان وهي تضمه في نظرة «مغرمة بكل تفاصيلك ، بقلبك الي مشوفتش زيه أبدًا وروحك الحلوة وجمال ملامحك وقبولك الخطير ،بروتينك باجتهادك بحبك لأهلك وتعلقك بأخواتك .. أنت لوحدك عيلة بحالها لكل الي بتحبهم»
عاتبها برقة «عشان كدا مستكفتيش ومشيتي»
ضحكت قائلة بدلال خطير «حتى قلبك الأسود ده بموت فيه يا روحي»
قهقه قائلاً «كمان يا كرم قلبك على واد حفناوي والله»
همست بتنهيدة عميقة «بحبك وشايفة مهما عملت قليل عليك ، اتقبل بقا قليلي»
ابتسم هامسًا وهو يقترب من شفتيها مفتونًا مأخوذًا بسحرها الطاغي «واتقبلي تحويشة حبيبك ليكي من الحب يا غزالي»
همست بضحكة رقيقة وأنفاسها تتناغم مع أنفاسه وتنسجم «أوكيه يا متر أنا راضية أوي»
******
في الصباح نهض من جوارها متثائبًا فأمسكت بكفه متشبثة ترفض ابتعاده عنها التفت قائلا بابتسامة مشرقة «صباح الورد»
سألته مغمغمة وهي تشده ناحيتها «رايح فين؟»
عاد لجوارها هامسًا بحنو «هشوف حالي بجالي كتير جافل التليفون وضارب الدنيا بالصرمة»
جذبته لأحضانها هامسةً بدلال «كملهم شهر يا أوفة مش مشكلة»
تأفف قائلاً «مبحبش أنا الكسل بتاعك دِه»
تركته معاتبة وهي تمنحه ظهرها بخصام «ماشي روح شوف حالك»
رفع الغطاء واندس جوارها عائدًا لها من جديد يهمس «نكملهم شهر أكل ومرعى وقلة صنعة علشان خاطرك يا غزولة»
سألته بمكر «وبالنسبة إنك مبتحبش الكسل بتاعي؟»
دفن وجهه في جيدها هامسًا برقة « كداب والله دا الكسل طلع حلو معاكي»
أحاطت عنقه بذراعيها قائلة بدلال«عفونا عنك يا متر خلاص»
احتالت عليه بدلال «هو ينفع طاهر ويونس ييجو يتغدوا معانا يا أوفة»
تركها ونهض رافضًا «لاه»
اعتدلت متحدية قراره رافضة له «رؤوف وحشوني مينفعش كل ده مكلمهمش ولا أشوفهم»
رمقها بنظرة ساخرة وهو يجيبها بتهكم «وايه هيقل نفعه؟!» حذرها وهو يخرج من الحجرة «اصطبحي يا غزل واظبطي كلامك»
قطعت سيره بعدما لحقت به وسألته بتحدي «وماله كلامي بقا يا متر أنت؟!»
أجابها بسخط «قليل رباية زيك»
فغرت فمها باستنكار غير منطوق جعله يزيحها عن طريقه ويعبر قائلًا ببرود وفظاظة جلبت سخطها « يلا جهزي فطور خليني أشوف شغلي قعدة البيت مع الحريم تجيب الفقر أصلًا »
تسمرت مكانها تقلّب كلماته في ذهنها باستهجان قبل أن تلتفت إليه صارخة «بقا أنا قعدتي تجيب الفقر طيب يا رؤوف»
سارت ناحية الحجرة متوعدة بفظاظة «أعمل فطار لوحدك ، مش عاجبك روح لأخواتك»
هتف بغيظ وهو يعود إليها «ليه إن شاء الله أمال متجوزك ليه؟»
أغلقت الباب في وجهه بقوة فتوعدها وهو يركله بقدمه غاضبًا من فعلتها «ماشي مش هتطلعي يعني»
أجابته بتأكيد وهي تنام على بطنها فوق الفِراش «نووو خليك لوحدك علشان الفقر»
***********
بعد مرور ساعة
جلست قباله منشغلة بهاتفها منتظرة أن يجود عليها باهتمام أو يتعطف بنظرة ترويها، منشغل بأوراقه الكثيرة المتكومة أمامه كجبل يفصلهما ويأخذه منها.
هل تذكر كل هذا العمل اليوم؟
هل أجّله ليوم يلتقيان؟ ألا يشتاق إليها كما تشتاق إليه؟
أشتدت ضوضاء أفكارها علوًا فنفضت رأسها متأففة بملل وكل نظرة إليه تُرسل معها الخيبة خطابًا.
راقبها من خلف أوراقه بحذر، اقتنص منها النظرات بدهاء وهو يبتسم قارئًا أفكارها ومميزًا شرارة ثورتها المتأججة، رمت ناحيته نظرة مثقلة بالشوق واللهفة فالتقطها بنظرة غامضة وعاد للعمل متجاهلًا، نفخت بسأم وخيبة قبل أن تنهض تاركة له وحده.
ألقى الأوراق متنفسًا بعمق، بعدما فقد الصبر على المواصلة دونها، فوجودها جواره محاطًا بنظراتها لهو أروع ما يحدث له.
دخل الحجرة فوجدها جالسة فوق الفِراش بحزن، لانت نظرته الجامدة وخضعت جوارحه في محراب قلبها، تقدم وجلس أسفل قدميها معتذرًا «أنا آسف»
برقت نظراتها لوهلة وكادت تفلت منها ابتسامة لكنها تماسكت وأشاحت مستفسرة «على؟.»
هرش فروته قائلًا«كل حاجة بس أنا بخلّص كل الورق المتعطل عشان نمشي ونروح لخالتي عايزة تشوفك»
عادت بنظراتها لملامحه وقد فكت سراح ابتسامتها وهتفت بفرحة «بجد؟»
أحاط خصرها بذراعيه مؤكدًا «أيوة.. كفاية جعاد هنا كده يا أما نسافر لقنا يا أي مكان تختاريه»
هتفت بحماس طفولي «قنا طبعًا يا أوفة»
هتف بابتسامة حنون «غزل نقدر روح أي مكان تحبيه عادي»
أحاطت وجهه بكفيها في دفء وحنان وهي تأسر نظراته قائلة ببهجة عانقت أحرفها «لا هي قنا ونقعد عند خالتك وياريت تجبلي قاسم»
قرص خدها معاتبًا بحنان «يا بت اطلبي واتمنى جوزك كدها»
لثمت شفتيه بسرعة قائلة وهي تضم رأسه لصدرها «ما أنا طلبت واتمنيت وأمنيتي فحضني أهي»
أبعد رأسه فهمست بتردد «ممكن أطلب طلب صغير»
هز رأسه بنظرة استسلام تعني الموافقة فهمست «عايزة أشوف ولاد حمزة وعدتهم أكلمهم وأشوفهم وبقالي كتير معملتش ده»
أجابها بموافقته «ماشي هاخد ميعاد من حمزة ونروحلهم»
عانقته شاكرة بفرحة غامرة «شكرًا يا أوفة بموت فيك»
**********
في اليوم التالي
طلب رؤوف زيارتهم فأخبرته ورد أن الزيارة عليهم ومن حق غزل عليها وأنها تأخرت عليها،طلبت منها أن تستريح ولا تشغل بالها وسوف تأتي هي إليها بكل أحبابها،استقبلهم رؤوف بترحاب شديد وحفاوة كبيرة، جاء دور الصغيرة فانحنى رؤوف للأمام في مستواها مستندًا على ركبتيه يشاكسها «دلوك أنا فهمت مكنتيش طيقاني ليه في الحديقة»
صنعت له قلبًا بأناملها معتذرة بدلال «سوري يا عمو»
ضمها مقبلًا رأسها بحنو ثم ابتعد متسائلًا «وحكيم ماله زعلان جوي كده ليه؟»
أشارت له فانحنى مانحًا لها أذنه فهمست «زعلان علشان أخدت منه غزل ومعادش هيشوفها تاني»
رفع رؤوف رأسه مبتسمًا ينظر إليه بعطف قبل أن يهمس برفق«عاذره والله» اقترب منه رؤوف وجلس جواره يستميله بكلماته الحنون «مش هاخدها خالص مسموحلها تزورك فأي وقت وأنت كمان تيجي ولو عايزها خالص ألفهالك لفة هدايا»
سأله الصغير بلهفة «بجد يا عمو»
قطب رؤوف حاجبيه متوجسًا يرمقه بقلق فقهقه أبيه وضمه إليه مقبلًا رأسه، بينما تطوع زين من بين قهقهاته «يا بني هو لحق دا مسكين ادعيله»
زجره رؤوف بنظراته فتجاهله زين وتابع «بص كنت حاجز انتاج الحفناوي الفخم بس هتنازلك عنه لو بنت، خدها»
ابتسم الصغير موافقًا راضيًا بالحل المُقدم «خلاص ماشي موافق بس نسميها غزل»
غرس رؤوف أنامله في خصلات الصغير قائلًا «لاه عاد كده كتير سميها أنت على مزاجك وخدها»
وافق الصغير على مضض فسخر منه زين «امشي أنت وأبوك مش عايزين خساير»
ضحك الرجال على قوله ثم تجاذبوا أطراف الحديث.
بالداخل كانت سكن تميل هامسةً في أذن غزل «بت السرير ده مش صغير؟»
توردت غزل خجلًا وأجابتها بهمس مماثل «بنام على الأرض»
شهقت سكن مستنكرة تهتف بغيظ «الأرض وأنتِ عروسة أطلعله والله»
أمسكت غزل بذراعها كاتمة ضحكاتها توضح «متسيئيش الظن فيه أنا مرضتش يجبلي عندي فقنا شقة وكمان فبيت خالته ليه التكاليف؟»
لكزتها سكن غاضبة منها «ما تبطلي غباوة بقا وسبيه يجيب»
تأففت غزل موضحة «هو إسراف وتبذير وخلاص وهو أنا قطر الندى مثلاً فكل مكان هيجبلي أوضة نوم بعدين ما حضرتك اتجوزتي على سريرين مش واحد ولا نسيتي،لو حمزة قالك هنعيش على البلاط كنتي هترفضي»
سارعت سكن قائلة بعض الخجل«لا أكيد والله لو قالي في المريخ كنت هسافر معاه» تشرست ملامحها وهتفت «بس برضو دي دي غير دي.. بنتنا متنامش على الأرض»
ضربتها غزل متأففة «سكن اسكتي»
نظرت سكن للحقيبة التي أحضرتها معها ومالت هامسةً بحاجب متراقص«جبتلك حاجتك الي سبتيها»
هزت غزل رأسها بيأس قبل أن تهتف بغيظ «الله يسامحك»
كتمت سكن ضحكتها على ملامح غزل ثم اقتربت منها بحنان قائلة «هيبقوا تحفة عليكي والله بعدين هو المتر سحرلك ولا إيه محلوة كده بزيادة»
ابتسمت غزل لقولها ومراضاتها فضمتها سكن بذراعيها واضعة رأسها جوار رأس غزل داعية لها بحنان «ربنا يسعدك ويهنيكي والمرة الجاية تبشرينا بآسيا مرت ولدي»
ضمت غزل شفتيها ونكست رأسها بخجل قبل أن تنهض من جوار سكن وتجلس جوار ورد حاضنة لها تهتف «وحشتيني يا طنط أوي»
بعد رحيلهم سألها رؤوف وهو يرفع الدثار استعدادًا للنوم «أمال إيه الشنطة دي يا غزل؟»
نظرت إليها بتردد قبل أن تجيبه بتوتر «الشنطة؟ لا دي حاجات كده»
انتبه لها قارئًا بنظراته الثاقبة، زاده توترها إصرارًا على المعرفة فترك الفِراش واتجه ناحية الحقيبة مكررًا سؤاله بنظرة متلاعبة مفعمة بالمكر «زي إيه الحاجات دي؟»
سقت توترها بالحيلة فترعرع، قالت بعصبية تسحب بها اهتمامه وانتباهه «رؤوف في إيه دي أمانة؟»
لوهلة شعر بصدقها لكن نظرتها القلقة واضطرابها وشوشوا لقلبه بكذبها وصنعها حيلة للهرب انحنى محاولًا فتحها فقفزت مهرولة ناحيته تنهاه متظاهرة بالغضب «رؤوف هتفتح أمانة وتحرجني»
نظر تلك المرة لاضطرابها بشفقة، لانت نظرته وخضع رأفة بها، تبدل مكره لحنو أغدقه عليها دون حساب، ترك الحقيبة واتجه بها ناحية الفِراش ملثمًا رأسها بصمت، في الصباح نهضت ولم تجده جوارها لكنها وجدت بدلًا منه ورقة، رفعتها قارئة فتوقف تثاؤبها في حلقها وحملقت في الحقيبة. التي تقف مكانها، عادت قارئة «صباحك ورد الفطور جاهز في المطبخ لو احتجتي حاجة كلميني، الأمانة حلوة قوي يا غزولة»
تضرجت وجنتاها بالحمرة خجلًا وهي تطوي الورقة مفكرة، سحبت الهاتف وضغطت فوق اسمه فجاءها صوته رائقًا «صباحك غزل يا غزل»
صمتت قليلًا ثم هتفت بعتاب «مش قولت أمانة ومتفتحهاش»
قهقه قائلًا «حد هيأمنك على قمصان نوم؟ ليه يعني قمصان كليوباترا؟»
عضت شفتيها بصمت مغلوب ثم هتفت «أنا نسيت أنت مش قولت لطاهر هتتجوز»
شاكسها بمرح«أيوة اهربي بالعكننة.. أيوة جولتله»
سألته بعصبية وهي تترك الفراش «يعني كان عندك استعداد؟»
هرش فروته مؤكدًا «أيوة واتجوزت الحمدلله»
توقفت شاهقة تهتف مستنكرة «اتجوزت!»
أكد بضحكة خافتة «أيوة أحلى جوازة والله لو تشوفيها؟ مش هتفرقيها عن البدر فليلة تمامه، ولا طلتها حاجة كده تسافر بيك بلاد العجايب، وريحتها يخربيت كده كأني قاعد فمحل ورد واسمها بيغازلها»
ضحكت برقة لوصفه فتنهد هامسًا «افطري وأنا جاي في الطريق»
عاتبته وهي تسير للمطبخ «حضرتك لسه بدري أنت مبقالكش ساعتين شغال»
نهض واقفًا يهتف بعزم «حرجة أبو الشغل ما أنا طول عمري بشتغل»
همست متنهدة بهيام «بموت فيك يا متر مستنياك يلا»
***********************
طوى ذراعيه تحت رأسه ونظر للأعلى بصمت، متزينًا بابتسامة رضا تفعل بها الأعاجيب، قلدته فورًا كما تحب أن تفعل فهمس وهو يميل ناظرًا إليها بعشق «غنيلي الأغنية الي بعتيهالي» ضمت شفتيها بشقاوة قبل أن تستفسر بلمعة وشت بمشاكستها «أنا بعتلك أغنية يا أوفة؟» نفت عن نفسها التهمة وهي تطرق بسبابتها على صدرها، فمال على جنبه ومازالت ابتسامته تزيّن وجهه، همس مرددًا يغزو قلبها «كل ده وقلبي الي حبك لسة بيسميك حبيبي» كتمت ابتسامتها وتبرأت ببراءة «أنا بعتلك كده يا أوفة؟لا مش أنا»قالتها واعتدلت متربعة فوق الفِراش،فجذبها مرة أخرى وأشرف عليها قائلًا بحنان أرغمها على التنفيذ «غنيهالي معرفهاش وعايز أسمعها كلها بصوتك»
أسبلت أهدابها بخجل مفكرة في طلبه قبل أن ترفع نظراتها متنهدة في استسلام وتبدأ في الغناء برقة بينما هو يستمع للكلمات وأنامله تتجول بنعومة على وجهها، مرورًا بخصلاتها الناعمة التي تتمايل بين أصابعه مصافحة بدلال. تخضبت نظراته بالأسف حينما أصابت كلمات الأغنية قلبه المعذب بالندم والذنب، ضمها بقوة قبل أن يعاود الإستماع من جديد بعينين حزينتين فقدتا بريقهما ولمعتهما الخاطفة
انتهت من الغناء متسائلة «إيه زعلك يا رؤوف في الأغنية»
صارحها بصوت مبحوح من أثر الوجع الكامن في أعماقه خامدًا كالبركان «لاه مش الغنوة بتاعتك أنا زعلان من روحي وندمان وموجوع وحتي بجيت أخاف عليكي من نفسي الي مفروض أخبيكي جواها»
أغمض عينيه متنهدًا بحسرة متذكرًا كلماته التي انتزعت أمانها «جلبي أرميه للكلاب»
ابتعد مستغفرًا يتكالب عليه الندم ممزقًا قلبه، تداخلت الكلمات، تذكر ما حكاه الجميع عن معاناتها وتعرضها للإهانة بجانب النبذ، لا يصدق أنها سارت يومًا دون وجهة، بكت حتى احترقت روحها، تلفتت باحثة في الطرقات عمن يعينها وتهتدي به، ضاق صدره فنهض بعجالة، تبعته بقلق حتى وقف أمام النافذة مستنشقًا جرعة كبيرة من الهواء، همس بما أفزعها «عفش أنا يا غزل فيا جلب بجاهد فيه يتغير، بغلبه بالخير عشان ميغلبنيش بالشر»
وضعت كفها على كتفه مرتجفة تتوسله بنظراتها الصمت «رؤوف مين قال كده؟»
اقتحمت بحنوها أفكاره، سحبته وجلست فوق التخت هامسةً «قلب إيه الي بتغلبه بالخير، أنت قلبك هو الخير الي بيطرح محبة وحنان في قلوب الي حواليه، مين أخ زيك ولا ابن لأهله زيك، الي حصل ربنا مقدره يا حبيبي وكان لازم أذى مرتضى هيطولني أنا بنته»
قال بعصبية «متجوليش بته» ابتسمت مشاكسة له بشقاوة «لا أنا بت أبويا» تأفف منزعجًا ضائقًا فصححت له بشقاوة ودلال«أوفة مش أنا بنت قلبك! لما تقولهالي المرة الجاية لو اتخانقنا مش هزعل خالص هفتكر إنك قولتلي إني بنتك وافتخر بده»
سحب جسدها لأحضانه، ضمها متأوهًا بعذاب يزداد «غلبتيني المرة دي»شدد من احتضانها متوسلًا بعذاب يتضخم داخل صدره«خدي حجك مني يا غزل وريحيني زي ما عايزة ويرضيكي»
ابتعدت مقررة التهوين عليه بمشاكستها والتسرية على روحه بدلالها «ماشي موافقة يا متر قوم يلا اعملي بليلة أفطر بيها وقولي آسف 100مرة»
ابتسم مشاركًا لها تسليتها ومشاكستها «100بس يا غزولة»
قالها وهو يميل بوجهه ناحية وجهها، فأحاطت عنقه بذراعيها مُعلنة استسلامها التام وقبولها عاطفته الواضحة في نظراته والتي باتت تعرفها وتميزها جيدًا وتستقبلها بالرضا والقبول المضاعف «حلو كدة عشان متصعبش عليا»
أغمض عينيه مكررًا أسفه مقرونًا بقبلاته الحارة، فضحكت مبشرة له بقبول طوفان مشاعره.
*************
أنهى يونس الاتصال وصمت ساكنًا بلا رغبة في الحديث، نظراته باهتة و روحه المرحة تاهت في خضم مصائب الحياة الوعرة، لطالما كان صلبًا قاسيًا لا تخيفه الحياة ولا يهاب تقلبات الدهر ومصائبه ، علمه أخيه أن يصمد متوكلًا على الله ويكن رجلًا لا تهزمه المعارك بل تصقله بالخبرات حتى ينتصر، لكن تلك كانت حجرة عثرة في طريقه وشوك نبت في الأرض حتى اخترق جسده وأدماه، مصيبة غير كل المصائب ونائبة مالها من مخرجٍ، أذبلت حبه النضر.. كره أن يساق كالشاه بذنبٍ لم يقترفه ، أوجعته كرامته بقدر ما أوجعه أن يدنس حبه بهكذا تهمة... الآن تطلب منه السيدة انتصار أن يأتي ليسكن معهما، أن يثبت براءتهما من التهمة بظهوره أمام أعين الناس.
تذكر تشديد رؤوف بإنهاء الأمور وضرورة طلاقها بعد مدة، ووعده له أن لا يفعل شيئًا دون علمه ومشورته، مسح وجهه مستغفرًا حائرًا، لاحظ طاهر صمته الغريب على طبيعته وحزنه العزيز فنهض واقترب منه مستفسرًا بحنان «مالك يا يونس حصل حاجة؟»
تنهد يونس بقلة حيلة أوجعت قلب طاهر وقال بحيرة غريبة ككل شيء فيه هذه الأيام «الست انتصار كلمتني يا طاهر»
هتف طاهر بضيق وعداء شديد خصّ به الاسم «مالها الست انتصار تاني؟»
نظر يونس له بتشتت واضح ونظرة غير مستقرة «بتقولي أروح أقعد معاهم وأدخل وأطلع عليهم علشان الناس تصدق ومتاكلش وشها»
لانت نظرة طاهر وخفت عدائه، بطيبته المعهودة و التماسه العذر هتف «أنا مخنوق منها بعد الي حصل بس هي معاها حق فطلبها أكيد جيرانها بعد الي حصل مش سايبينها الناس مبترحمش»
نظر يونس أمامه لافظًا جمرات الحيرة من صدره المشتعل «مش عارف أعمل إيه يا طاهر بجد الست معاها حق بس أخوك هقوله كيف ولا أفهمه كيف»
هتف طاهر ببساطة وابتسامة رضا «غزولة جاعدة»
ابتسم يونس نصف ابتسامة متذكرًا عودة المعاونة السرية والداعمة الأولى «طيب هكلمها أشوف رأيها بالمرة »
وهناك تسللت غزل من جواره وخرجت من الحجرة على أطراف أناملها بعدما خلد زوجها للنوم، أجابته فورًا مستقبلة له ببهجة وترحاب شديد أشعره بالراحة وملأه بالطمأنينة «ازيك يا يونس، أخبارك إيه، طمني عليك»
هتف يونس بضياع متشبثًا بكف أخوتها لهما، متعلق الوجدان بعاطفتها الصادقة المحبة «مش كويس يا غزل ومحتاجك»
بلهفة لبت «خير في إيه؟»
حكى لها يونس ما دار بينه وبين انتصار ومكالمتها وتوسلها بأن ينقذهما تلك المرة من أعين الناس وسياط ألسنتهم.
ابتسمت غزل بإشفاق قبل أن تؤكد على قولها وتجدد طلبها بوازع من رقة قلبها ولطفها «صح يا يونس كلامها.. الست مش غلطانة ومعاها حق ياريت فعلا تعمل كدا»
هتف بضياع مستنجدًا بحكمتها وعقلها «أعمل إيه يا غزل مقدرش أتخطى رؤوف ولا أخلف وعدي ليه»
ابتسمت مطمئنة له بحنان محتوية شتاته وململمة ضياعه بمساندتها ودعمها «متقلقش هتصرف أنا»
صرّح يونس بما يقلقه «خايف أروح من غير ما أقوله يزعل»
رفضت قوله بصرامة «يونس لا طبعًا متعملش كده وتزعّل رؤوف منك، رؤوف أنت عارفه وعارف قلبه لو عرف ممكن يطلب منك تروح عادي»
سخر يونس من قولها «أنتِ طيبة جوي يا غزل ومتعرفيش رؤوف لما يصمم على حاجة ويعند»
ابتسمت قائلة بثقة «أنا أعرف قلب رؤوف وواثقة منه أنا هخليه هو يقولك تروح» قالتها بغرور وثقة نابعة من معرفتها برقة قلبه ولينه الذي يخفيه دائمًا.
اختلج قلبه بالعديد من المشاعر وهو يستمع لقولها وإسرافها في ثقتها به وحسن ظنها بقلبه فأقسم داخله ألا يخذلها ما دام حيًا وألا يرد لها طلبًا إن كان في مقدوره.. تلونت نظرته لها بالمكر مقررًا استغلال الأمر لصالحه بخبث والاستفادة منه على النحو الذي يرضيه ويشبع شغفه بها، سيقبل بما تطلبه لكن كما يحلو له ويروق لمزاجه... يبدو أن صغيرته ستستخدم تعويذاتها وتسخّر سحرها لتنال ما تريد فليستغل الأمر.
أنهت الاتصال بعدما طمأنت يونس أشد الطمأنينة، تنحنح رؤوف مستفسرًا وهو يتظاهر بطرد النعاس والتثاؤب« غزل كنتي بتكلمي مين؟»
التفتت له مبتسمة، ضمته مُجيبة «يونس وطاهر»
سألها بحاجبين ملتصقين ونظرة ثاقبة «في حاجة؟»
سألها وهو يحيط كتفيها بذراعه ويعود بها لحجرتهما «مالهم؟»
أجابته دون مراوغة وبفطنة «عادي دردشة»
بدلت الحديث مستفسرة «طيب هتكمل نوم ولا نطلع البلكونة ندردش احنا كمان يا أسمراني»
ابتسم للذكرى وأجابها متظاهرًا بالحزن «لازم تفكريني إنك بعتيها لطاهر وكنتي بتكلميه وأنا لاه»
عادت إليه هامسةً بلمعة عينين آسرة ونظرة عشق فريدة «طاهر مش أسمراني يا متر، الأغنية ربطتني بطاهر لإني قابلته وأنا بسمعها بس هي للأسمراني الي خاطف قلبي»
همس متأثرًا بهمسها الرائع وعاطفتها الملهمة لقلبه «وبعتيها لمين؟» أحاطت عنقه بذراعيها هامسةً برقة وهي تتمايل بدلال فطري «بعتها لطاهر سيم وغنيتها لأخوه الحلو الي كان واخد قلبي وعقلي وهو مش دريان»
اتسعت ابتسامته حين أردفت بنعومة الورد مغنية له «علشانك أمشيها بلاد يا حبيبي يا أسمراني، من غير ولا مية ولا زاد»
توقفت عن الغناء هامسةً«أوفة وحشني ونس ووحشني نروح أنا وأنت مكانا» صمت لا يعرف بما يُجيبها، مأخوذًا بجمالها ورقتها والوداعة في نظراتها البراقة.
مال قاطفًا زهر الحب مرتويًا من ينبوعها.
بعد الفجر كان يضع رأسه في حجرها كما اعتاد منذ عادت إليه، مغمض العينين باسترخاء وابتسامة لا تهجر ثغره بل تمتد حتى نظراته وقلبه، تتبعت تلك الابتسامة الشجية بأناملها الرقيقة الناعمة بنشوة ورضا
قبل أن تهمس «حبيبي عايزة أحكيلك حاجة»
دون أن يفتح عينيه همس وهو يقبّل باطن كفها برقه ويتشممه«احكي سامعك، بس قوليلي الريحة دي مش غريبة عليا»
عضت شفتيها منبهرة بقوة حواسة وقوة ذاكرة أنفه ثم أجابته «دا مسك رمان هدية من أم ورد»
ابتسم وهو يُبقي باطن كفها فوق أنفه بابتسامة تتسع، متذكرًا يوم أحضره لها، بتنهيدة وهمهمة رضا همس « احكي يلا»
قصت عليه ما يحدث لفيروز ومضايقات الجيران لها وتشكيكهم في أمر براءتها ومعاناة السيدة وظلم الناس وألسنتهم التي لا ترحم
شعر بالشفقة قليلًا وهو يفكر بصفاء منتظرًا طلبها لكنها انتظرت ثبوت هلال رقة قلبه، وصمتت عن الكلام منتظرة إعلان نتيجة قولها بثقة ويقين وترقب، ابتسم والأفكار تدور في ذهنه وقد فهم ما ترمي إليه بتوقفها عند هذا الحدّ وانتظار أن تصدق نبوءتها، لو طلبت لذلل لها الصعاب في الأمر حتى ترضى لكن ظنها في قلبه كان وقعه أقوى فمنحها ما تريده برضا مؤكدًا ظنها فيه بعدما فهم الأمر«كده المفروض يونس يروح يجعد معاهم علشان يسكّت الناس» انتفضت مؤكدة بفرحة لا يعرف لثبوت ظنها فيه أو لنيلها جزءً من موافقته وراحة يونس «أيوة» قولها المبتهج تخلله عدة قبلات متناثرة على وجهه الذي أغرقته بأنفاسها الدافئة وعاطفتها المتألقة دائمًا.
تنهد برضا ثم راوغها بمكر «بس أنا قايله ميروحش ويطلقها مش هرجع فكلامي»
توسلته بطفولية وبراءة مفصحة بعفوية عن ما أسفره حديثها ويونس «بليز يا رؤوف عشان خاطري هما صعبانين عليا أوي ويونس مش حابب يعمل حاجة من وراك»
ظل على نفس وضعه وزاد عليه صمته وتفكيره العميق ثم هتف بأسف «هو مينفعش يا غزل أنا عايزه يبعد مش يقرب وأنتي عارفة هقول إيه؟ أنا مستحيل أرجع فكلامي ؟» نهض قائلًا بصرامة وحزم «لا لا إزاي مينفعش»
تبعته راكضة تتوسله وهي تسير بظهرها أمامه «مفيهاش حاجة دا بالعكس كرم أخلاق منك وواجب وشهامة ويونس مش هيقول حاجة»
وقف أمام الثلاجة باحثًا داخلها بابتسامة مخبأة خلف ستار وهمي من الجدية «كيف أبدل كلامي مينفعش»
سارت خلفه قافزة كالصغار ترجوه «طيب فكر يا حبيبي»
توقف عن السير قائلًا بخبث «ماشي بس...» توقف يثير أعصابها ويلهب حماسها حتى توافق، نظر إليها نظرة تقييمية ثم هتف «ليا عليكي رقصة أخدها ورأس أبوكي هفكر»
نظرت إليه متسعة العينين بدهشة كأنها تستوضح ملامحه أو تتحقق من شيء ثم هتفت باستنكار «رؤوف انت استغلالي»أكد لها بابتسامة مستفزة وبرود «حصل»
صمتت منكمشة كقطة وديعة واسترجته برقة «رؤوف مينفعش»
سألها بحاجب مرفوع «ليه خسارة فيا؟» تلونت بالخجل وأخفضت بصرها هامسةً «مش هعرف والله»
ترك همسه اليائس اللامبالي خلفه صافعًا «براحتك» توقف والتفت مستفسرًا «هتنامي ولا لا؟»
زفرت بنظرة استسلام «جاية حاضر»
**********************
جلس رؤوف جوار أخويه مستفسرًا بحزم «مين بلغك بقا بمعاناة الدكتورة؟»
نظر يونس لطاهر قبل أن يعود متسلحًا بالشجاعة «الست انتصار»
استرخى رؤوف مُفكرًا قبل أن يهتف بحزم «الي بتفكر فيه يا يونس مش هيحصل»
هتف يونس بعصبية باتت تسكنه مؤخرًا لشعوره بالضغط «أنا مبفكرش فحاجة هي الي كلمتني وطلبت مني أروح أعيش معاهم شوية»
هتف رؤوف ببصرامة «مقدر الوضع والي حصلهم بس مفيش مجال لأخطاء تاني يا يونس الي أقدر أعمله أوفرلهم سكن يعيشوا فيه بعيد عن الأذى لكن مش هوفرلهم أخوي واضحي بيه من تاني»
تدخل طاهر تلك المرة بأدب وحرص كعادته «مفيش تضحية ولا حاجة يا أخوي الست معذورة كان الله فعونها»
انتفض رؤوف هاتفًا بعصبية «المرة الأولى حبس والتانية جتل والتالتة تشويه سمعة مش هبعته تاني عشان ياجيني على ضهره المرة الجاية» قالها رؤوف واستدار متوجعًا بغصة الإفتراض وما نطقه من كلمات خرجت بدماء القلب
تمالك نفسه وعاد إليهما «متردش عليها تاني وسبهالي أنا هكلمها»
اعترض يونس مخافة أن يدمي رفض رؤوف وصرامته قلب الأخرى وتشعر بالإهانة «لاه متجولهاش وأنا مش صغير ولو هيحصل حاجة فده نصيب وقدر ربنا »
نظر إليه رؤوف باستهجان قبل أن يهدر فيه «مرمكش في التهلكة وأقول جدر» رفع سبابته مُحذرًا «إياك تتصرف من دماغك يا يونس ولو عملت حاجة من وراي مش مسامحك»
انتفض يونس صارخًا بكل الضغط والغضب المخزون «هو أنا عيل برضع عشان تعمل كده»
صاح رؤوف «ظن الي تظنه وقول الي تقوله لكن فيروز لاه وشهر وتطلقها زي ما اتفقنا»
هدأهما طاهر «استعيذوا بالله»
استغفر رؤوف ثم أردف بهدوء «اسمع يا واد أبوي فهد مش هيسيبنا ولا هيسيبها، فخليك بعيد»
بنظرة حزينة ذابلة هتف يونس «ونسيبها له عادي»
هتف رؤوف مغتاظًا ساخطًا «عملنا الي علينا رغم الي نابنا منهم ومقصرناش فخلاص معنديش استعداد أخسر حد منكم ولا أشوف فيكم حاجة»
صمت يونس ضائقًا فانسحب رؤوف تاركًا تحذيره يرن بأذنه «متردش عليهم تاني أنا هكلمهم»
******************
صمتت مترددة حين جاءها صوت نجاة ملهوفًا بعدما كسرت الحاجز تلك المرة وانتزعت الهاتف من صفوة مقررة المواجهة «ازيك يا غزل» نطقتها بحشرجة و بصوت غلبه التأثر وثقل بغصة الدمع، نظرة واحدة لزوجها الضاحك أمامها ببهجة وطمأنينة منحتها جرعة شجاعة كافية وأمدتها بالقوة اللازمة «الحمدلله يا طنط بخير»
سألتها بلهفة شديدة «طمنيني عليكي وعلى جوزك »
أجابت بثقل شديد ومرارة عادت لحلقها «بخير» همستها وهي تضمه بنظراتها مستنجدة، ملهوفة.. عبس حين رأى وجومها فنهض بسرعة واقترب مستفسرًا بحنان لا يتوانى في إغراقها به «مالك يا غزولة؟»
همست بخجل شديد وحرج كبير «طنط نجاة بتسلم عليك»
ضمها متفهمًا قارئًا معاناتها، قبل رأسها ومسح على ظهرها وبعدها غادر لأخيه من جديد، هتفت نجاة «موعيناش لجوزك زين من يوم ما مشيتي، سابنا وساب كل حاجة وقال مدخلش من غير مرتي، عشت وشوفت ولدي عشقان وبايع حتى روحه عشانك»
أدمعت متأثرة بكلماتها وهي تنظر إليه بحنان ومشاعر متوهجة نضحت من قلبها لنظراتها، جذبت نجاة انتباهها بقولها التالي «سامحيني يابتي سكت وسكاتي كان عفش» ثم اعترفت بما تحمله داخلها وأرادت التخلص منه وتطهير قلبها ونفسها بالإعتذار والدموع
«سامحيني إني غيرت على ولدي منك خالته ليها نص قلبه وجيتي أنتِ خدتي باقيه وحسيت ماليش مكان»
فغرت فمها مندهشة ذاهلة مما تعترف به نجاة لا تصدق، لجمتها الصدمة فسكنت مكانها بصمت مما جعل نجاة تنهي الإتصال فورًا خزيًا وضيقًا ويأسًا، نظرت للهاتف لا تصدق ما سمعته للتو وهذا الإعتراف المدوي، أغرورقت عيناها بالدموع وهي تتأمله،تركت الهاتف وانتفضت راحلة بسرعة جذبت انتباهه فنزع نظارته الطبية بقلق هتف طاهر بقلق «هي مش كانت بتكلم صفوة؟»
هز رؤوف رأسه بتفكير عميق وهو يجيبه «أيوة وكلمت أمي...»
عبس الاثنان بضيق وقلق تضاعف، نهض رؤوف فورًا بينما ظل طاهر منتظرًا بتوتر كبير.
دخل رؤوف الحجرة وأغلق خلفه مستفسرًا بابتسامة مهزوزة بعدما جلس جوارها «مين زعلك يا حبيبتي؟ حد ضايقك طيب؟»
تعلقت برقبته منتحبة بقوة، بكت مبللة صدره بدموعها رجاها برفق «اهدي وفهميني يا بابا »
ابتعدت تمسح دموعها قائلة «طنط نجاة قالتلي إني خدت نص قلبك»
ابتسم مشاكسًا بمحبة «طيب إيه أزودلك حتة كمان ولا ايه؟»
قالت من بين شهقاتها «مش متخيلة إنك تحبني دا كله يا رؤوف ولا أكون غالية كدا وتخاصم أهلك الي بتحبهم عشاني مش مصدقة إني أستاهل كل دا بجد،أنت كتير أوي أوي» لانت نظرته بتأثر شديد وهو يستمع لكلماتها المتقطعة بالبكاء، مسح دموعها هامسًا باحتواء «لاه صدقي يا بكرية الجلب أنك أغلى الغاليين » القت بجسدها بين ذراعيه معتذرة له «أنا آسفة إني زعلتك في يوم غصب عني يمكن محتاجة أتعلم وأفهم علمني يا حبيبي وفهمني»
مسح على ظهرها مهدئًا «مش زعلان أنتِ اتعلمي بس تحبي نفسك وارضيها» ثم تابع بغيظ «وأنا مش طاهر»
ضحكت على قوله فقال «تلاجي أخوكي هيموت بره أصلًا»
انتفضت واقفة تعاتب نفسها «ازاي نسيته»
اندفعت تاركة الحجرة باحثة عنه وهو خلفها يتنهد بغيظ، وجدته مكانه يقلّب في الأوراق فجلست وعانقته معتذرة «سوري يا صعيدي»
نظر طاهر لعينيها المبللة بالدموع مستفسرًا «مين بكاكي وزعلك؟»
همست بدلال وهي تنظر لزوجها «أخوك الكبير العاقل»
نظر له طاهر باستفسار فرفع رؤوف حاجبه متحديًا له، أعاد طاهر بصره لأخته قائلًا «دِه بنشتكيه لربنا يا ماما وجومي يلا اعملي عشا خلينا نشوف شغلنا»
ابتسم رؤوف مثنيًا على قوله «جدع يا طاهر ومكافأة ليك جوم روّح يلا»
نظرت إليه غزل رافضة قوله مستنكرة «لما يتعشى»
سحب رؤوف الهاتف مجهزًا دفاعه بمكر «دا لعيونك هطلبله الأكل الي بيحبه»
شكرته بوداعة فهز رأسه مغمغمًا بابتسامة ساخرة «تخين إيه يا بوي دا مفيش مخ أصلًا»
***********
عبر خبر وفاة والدها أذنها دون أدنى تأثر، قاله مؤمن منتظرًا تفاعلها مع الحدث، ترقبّ رد فعلها بحماس رغم مرارة الخبر، كره صمتها وسكونها وشرودها فأراد أي سبيل للخروج من هذا الكهف المظلم والذي تحيا فيه وحدها، جاء رد فعلها مخيّبًا للآمال بل زاده حيرة وتوهة فجلس واجمًا منكس الرأس، رفع نظراته على همسها «الله يرحمه ويسامحه خرب البيت، محدش حرقنا وحرقه غيره»
ثم تابعت بهذيان وهي تنظر للبعيد «رؤوف كلّمه وقاله ابعد واد أختك، واد أختك عفش قال لاه» بكت بحرقة شديدة وارتجفت فضمها مؤمن، أراحت رأسها على كتفه قائلة بحشرجة «وأنا روحتله ينجدني طردني وفضحني وسط الناس»
انتبه مؤمن لكلماتها فسألها وهو يرفع رأسها من على كتفه «ينجدك من إيه؟» نظرت إليه بضياع وذاكرة مشوشة بصمت قبل أن تتركه وترحل لحجرتها.
عجز عن إدراك ما يحدث لها وفهمه، شعر بالحيرة والتخبط، كلما حاول فهم الأمور تعقدت وتشابكت فاضطر للاعتناء بها فقط، طرأ على ذهنه رؤوف فرفع هاتفه محاولًا الاتصال به.
هناك في شقته دخل رؤوف مزاحمًا لها في الممر الضيق أمام الحمّام، حيث كانت تقف أمام مرآة الحوض تفرد ماسكًا على وجهها ورقبتها «رؤوف اهمد بقا داخل طالع خيلتني »
توقف مكانه واستدار ينفخ بغيظ قبل أن يقول «مش ملاحظة بجالك ساعة قدام المراية»
رفعت حاجبها قائلة بلامبالاة «وأنت مالك»
عادت بنظراتها للمرآة تواصل ما تفعل، فعاد ما قطعه من خطوات قائلًا وهو ينظر لما تضعه «هو إيه الي بتحطيه ده أصلا، وايه كل الحاجات الي قدامك دي»
نفخت بسأم وهي تترك ما بيدها وتنظر إليه قائلة «أنت مالك الموضوع تاعبك فإيه؟»
تناول بعض المنتجات وفحصها ثم هتف بأعين متسعة«بألف الغسول يا جاحدة ليه ما شوية فيري ولا صابون أبيض هيأدوا الغرض»
استنكرت بنظراتها قوله وهي تسحب الغسول من بين يديه قائلة بحدة «اطلع بره لما أجيب من جيبك أبقا اتكلم وخليلك أنت الفيري »
هتف موبخًا لها «أنتِ متربتيش بربع جنيه، وبعدين ماله الصابون بتاعنا ما أنا بغسل بيه اهو حلو، ولا عملي حاجة»
تأملته قليلًا بابتسامة مخبأة قبل أن تعود لمرآتها قائلة «عملّك حاجة»
تناول منتجًا آخر وقرأ «ريتنول، لشد البشرة وتقليل ظهور التجاعيد»
رفع نظراته قائلا «مالك أنتِ بالحاجات دي من الأساس»
التفتت تسأله وهي تأخد السيرم من بين يديه «قصدك إيه؟»
تشابكت نظراتهما قليلًا قبل أن يسألها بعتب «أنتِ فهمتي إيه؟»
أجابته وهي تسدير متحفزة «علشان مش عارفة بسأل»
تناول المناديل المبللة التي تقبع أمامهما واقترب منها هامسًا وهو يمرر المناديل على وجهها ببط «عنيكي فيها سوء ظن مجبلوش ولا يرضيني»
تابع مسح وجهها قائلًا وهو ينظر لعينيها بشغف «بالله اسألي جلبك كده رؤوف يقصد إيه؟»
همست معترضة بخفوت «مسحته ليه لسه؟»
أنهى مسحه جيدًا وهمس «أنتِ مش ناجصة حلاوة عشان تحطي كل دِه على وشك، دا أنتِ كل صبح بتصحي أحلى من اليوم الي جبله»
نظر إليها مشاكسًا «إلا صحيح بيعملولك إيه وأنتِ نايمة؟ يكونش الملايكة مشفقة على جيوبي وبتحطلك المسكات»
ضحكت برقة وتعلقت برقبته معانقة بقوة وهي تهمس «حبيبي الي مبيبطلش يغلبني في الكلام»
همس وهو يحيطها بذراعيه مبتسمًا متنهدًا برضا « أعيش وأغلبك وأخد أحلى حضن»
رنين هاتفه جذبه فتركها تواصل ما تفعل ورحل ليُجيب، بعدما انتهت خرجت للصالة الواسعة فوجدته يجلس وحده بوجوم، جاورته مستفسرة «في إيه؟ مين كان بيكلمك؟»
أجابها بحزن وتأثر «مؤمن بيقول مرته تعبانه ومش كويسة وبيستشيرني يعمل إيه؟»
انتفضت مستفسرة بحزن مماثل «ليه مالها هدى؟»
قصّ عليها ما حدث وهي تتأمل ملامحه جيدًا باهتمام حتى انتهى لكنه أغفل الجزء الخاص بآيات ملتزمًا بعهد الستر الذي أخذه على نفسه فيما يخصها. همست مبرئة نفسها «رؤوف أنا مدعتش على آيات والله»
مسح دموعها وجذبها لأحضانه معاتبًا لها بحنان واحتواء «بتحلفي ليه يا بابا مين قالك دعيتي؟ وبعدين ما يمكن أنا دعيت»
رفعت رأسها مبرئة له «ولا أنت أنا عارفة قلبك يا حبيبي»
لثم جبينها برقة قائلًا «محدش دعا يا غزل لا أنا ولا أنتِ دا سوء عمل »
نظرت أمامها بشرود قائلة وهي تستشعر معاناتها«هدعيلها ربنا يخفف عنها وجعها الموضوع صعب أوي»
ابتسم لرقة قلبها التي يعرفها وقال «عايزين بس نشوف هنساعد هدى كيف شكلها دخلت فصدمة»
عادت لأحضانه متشبثة به بقوة تهمس داعية بضراعة«ربنا يكون فعونها»
**********
استمعت لرفض رؤوف بانكسار مميت، كتمت شهقاتها بباطن كفها واقتربت من انتصار ببعض الحدة، سحبت الهاتف من يدها وأجابته بعصبية تنقذ ما يمكن إنقاذه من كرامتها المبعثرة،تصمد ببعض القوة العالقة جرح كبريائها العميق «شكرًا يا متر لولا الست دي مكنتش وافقت على حاجة زي كده ولولاها برضو كنت سافرت منتظرتش لما تشوفلنا مكان نعيش فيه، أنا معملتش حاجة غلط ولا حاجة أخاف منها وأحنا آسفين على الي حصل وأوعدك مش هيتكرر تاني» منحت السيدة الهاتف وهرولت تجاه المطبخ، جلست أسفل البراد ململة ساقيها، تحتضن جسدها بذراعيها منتحبة لا تصدق ما يحدث لها والمهانة والذل الذي تحيا فيه، الحياة تمارس عليها طقوسًا من ألم تعذبها دون هوادة أو توقف، انتفض جسدها واختض بالبكاء الحاد وكلمات رؤوف تتدفق في أذنها من جديد، تتسرب لعروق قلبها فيضخ الوجع مع الدماء.
هناك عاتبته غزل بحنان بعدما استمعت للحديث الذي دار وانفعال فيروز نتيجة كلمات رؤوف «ليه كده يا رؤوف؟»
هتف بعصبية وهو ينهض واقفًا بضيق «غزل كان عندي استعداد أنفذلك أي حاجة إلا دي عشان فيها أذى لأخوي»
ربتت على كتفه مهدئة له بحنان ورفق «ماشي يا حبيبي وأنا فهمت والله وعذراك فقرارك ورأيك»
هتف رؤوف بنظرة لامعة بالفخر «خواتي دول الي طلعت بيهم من الدنيا وكل ما أملك يا غزل مينفعش أوافقله يرمي نفسه في التهلكة كده ولسه فهد طايح»
شجعته بحكمة مؤازرة، داعمة قراره «معاك حق يا حبيبي أنا مكنتش فاهمة كده ولو مكانك هيكون دا قراري، التمس لفيروز العذر»
برأ ساحته «قدامك مقولتش حاجة تزعلها وتضايقها»
ابتسمت مؤكدة بحنان واحتواء «صح يا حبيبي مقولتش اعذرها الي بيحصل مش هيّن عليها طبيعي تكون حساسة ناحية أي كلام»
رفع كفها ملثمًا فسحبتها وهتفت بمشاكسة «وبعدين استنى هنا يعني أخواتك طلعت بيهم من الدنيا ومالكش غيرهم وأنا إيه يا أستاذ»
ابتسم مستفسرًا بتنهيدة هائمة «أنتِ؟»
ادّعى التفكير وهي تؤكد بغيظ «أيوة أنا»
حملها بين ذراعيه هامسًا أمام عينيها التي يعشق «أنتِ نبض القلب وضي العين، الروح والنفس، المية الي اتفجرت من بين الصخر عشان ترويني»
همست برقة ونعومة «الله على جمالك يا متر غلبتني كالعادة»
هتف بغرور معتاد «أنا علطول غالبك أصلًا»
****
استيقظت مبتسمة بحثت عنه منادية حتى وجدته في المطبخ يعدّ لهما طعام الفطور بمذاج رائق «بتعمل إيه مش اتفقنا يا رؤوف» قالتها بتذمر فابتسم قائلًا وهو يمنحها تحية صباح خاصة مفعمة بكلماته «صباح الورد سبتك تصحي براحتك وبما إني فاضي قولت أجهزه»
ضربت الأرض بقدميها رافضة وهي تنسحب من أحضانه «لا متعملش أنا أعمل يا رؤوف»
عاد يضمها قائلًا بطاعة إرضاءً لها «حاضر بس متزعليش يا غزولة»
لثمت شفتيه وجلست منفرجة الأسارير تقص عليه«حلمت حلم تحفة»
انتبه لها بنظرة استفسار وهو يجلس جوارها فالتفتت قائلة ببهجة «حلمت إننا عايشين فبيت الخالة وقاسم معانا كمان» استمع لها بابتسامة لطيفة فقالت بدهشة «بس في حاجة غريبة في الحلم.»
استفسر باهتمام «ايه!»
قالت بدهشة لا تدّعيها «أنت بقيت أخوك»
استفسر متظاهرًا بالدهشة «واه كيف يعني؟»
أجابته موضحة ببراءة لامته على أفعاله «كنا بنقولك يا حامد وقاسم بيقولك بابا»
كتم ابتسامته وهتف متظاهرًا بالاندهاش يقاسمها الذهول «يا شيخة! دا ايه الحلم الغريب دِه صُح كيف يعني أبقا حامد؟»
سألته باهتمام وحاجبين ملتزقين إندهاشًا «هو أخوك دا بعيد ليه؟ وسايبك كدا تهتم بأخواتك وأهلك وهو لا»
كتم ابتسامته وأجابها بمكر «أصل أنا الكبير يا غزولة»
هتفت بغيظ شديد وعصبية «كنت بحترم أخوك ده جدا بس بعد الي شوفته حسيت إنه سلبي وضعيف و معندوش إحساس بالمسئولية و منعزل لوحده وسايبلك كل حاجة على دماغك»
تعذّر له بعبوس كاذب «معلش يا غزولة قلبك أبيض هو طبيعته كده ويمكن جاله توحد على كبر بعيد عنك وكفاية الي عمله معاكي»
ابتسمت مؤكدة على قوله بتسامح سريع «صح كفاية يا روحي»
هتف رؤوف بابتسامة متألقة «والله إنك إنتي الي روحي» قالها وهو يقرّب وجهه من وجهها في نية واضحة وعزم، قبل أن يقترب أكثر هتفت باستفسارها «رؤوف مسألتش طنط يمكن تكون ولدتك في المطبخ؟»
قطب مندهشًا من قولها «اشمعنا؟»
كتمت ضحكتها ونهضت قائلة «مش عارفة عندي إحساس بكده»
رفع حاجبه بتساؤل فغيرت مجرى الحديث قائلة بحماس «رؤوف عايزة أنزل اشتري هدوم لقاسم وألعاب وعايزة أجبله بلاي ستيشن»
ابتسم مُرحبًا بطلبها أشد الترحاب «حاضر من عنيا ننزل»
اقتربت منه مستفسرة ببعض التردد«رؤوف هي مامته ماتت امتى؟»
أجابها بحزن «مشافتهوش يا غزل ولا هو شافها»
همست بتأثر شديد «ياربي الله يرحمها»
عادت تستفسر من جديد باهتمام «ينفع ناخد قاسم من أخوك؟»
أجابها «أيوة طبعا»
عادت تسأل من جديد فأغلقت فمها على رنين هاتفه، تحرك به يجيب «أيوة» سرعان ما تهلل وجهه وبش قائلًا برضا «عفارم ما يجيبها إلا حرميتها، جدع ياض.. زين هياخدها منك ويديك حسابك.. أيوة الضابط.. متخافش مش هياجي جنبك»
عاد إليها منتشيًا قبّلها برقة فسألته «ممكن أفهم ورقة إيه الي كانت شغلاك وبتتكلم عنها طول الوقت؟»
لملم خصلاتها خلف أذنها قائلًا بصدق غارق في العاطفة «شهادة ميلاد قاسم يا غزل»
قطبت مستفسرة بانتباه «وشهادة ميلاد قاسم مهمة أوي ليه كده ومقلقاك»
سحبها حتى الحجرة ثم جلس بها متابعًا بحنان «الشهادة اتسرقت من مدة»
أجابته ببساطة وهي تحرّك كتفها «طلّع بدل فاقد عادي»
أجابها بتنهيدة استسلام «عشان قاسم مش ولدنا ولا حامد أبوه ياغزل وأهله لو عرفوا هياخدوه مننا فكان لازم الورقة ترجع على الأقل دلوك »
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close