اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الثامن والاربعون 48 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الثامن والاربعون 48 بقلم عائشة حسين 



♡الثامن والأربعون♡
جلست فوق الفراش في استعداد للنوم، اندس الصغير جوارها فابتسمت مُرحبة بمجيئه مُفسحة له مكانًا واسعًا ليرتاح فيه، داعبت خصلاته بأناملها متنهدة بشجن متذكرة آخر أُغرم يومًا بفعلتها البسيطة وتقبلها كالغيث في قلبه، يتعلق بكل ما تفعله ويقنع بقليل عطائها بل ويقدره، تأوهت بحزن متذكرة كلمات آيات وكيف حرمته من أبسط حقوقه فقدّر هو كل ما تفعله لأجله، حتى فتاتها يظنه هبة وغاية، ألا يستحق بعد كل ما تحمله ومعاناته وتسوله حقوقه أن يُكرم أن يُمنح بسخاء ويُعطى بإسرافٍ وبزخ
ليت الأيام ما جارت وسلبتها إياه وسلبته قلبها الذي أحبه بصدق وتمنى أن يغدق عليه من كرم عاطفته ويجود بغيث الحب حتى تتفتح زهور قلبه على يدها من جديد ويناله نفحة من عطرها الشذي، تذكرت قوله «شوفتك بتوجع» ماذا كانت تتوقع غير ذلك؟ بعد أن خذلته وأخلفت وعودها معه وتركته محاطًا بالأسئلة ونظرات الشماتة بعد فعلتها التي بالطبع رسّخت في القلوب ظنهم السيء بها، دفعتها رغبتها بحمايته للتخلي عن وعودها وتركها، لم يقاسي وحده بل نالها الكثير جراء فعلتها يكفي أنها حُرمت منه لما لم يسامحها على غلطتها الوحيدة في حقه ويتفهم دوافعها..؟ هي أحبته أكثر من نفسها، اختارت راحته وأمانه على راحتها هي وأمانها، ربما يحتاجان لتلك الأزمة كما قالت سكن لتتضح مشاعرها وتُرسخ قواعد الحب ويثقل عشقهما.
انتشلها الصغير من الغرق أكثر بهمسه «غزولة احكيلي حدوتة»
قرصت أنفه مُرحبة تستقبل طلبه بحفاوة «عيون غزولة»
قفزت الصغيرة محتلة الجانب الآخر قائلة «لا يا غزولة استنيني أنا جيت اهو»
ضحكت غزل تاركة لها مكانًا مناسبًا كما تحب وضمتهما بذراعيها قائلة «مش عارفة من غيركم كنت هعمل إيه والله؟»
أطعمتها ورد الحب من نظراتها قائلة وهي تخلع نظارة القراءة منتهية من روتين القراءة الليلي خاصتها واستعدادًا للنوم «ولا احنا يا غزولة عارفين؟ كترتينا وزودتينا ومليتي بيتنا وقلوبنا محبة وبهجة»
ابتسمت لها غزل ممتنة لقلبها الكبير الذي ضمها إليهم، سعيدة بتلك اللحظة والمنحة المقدمة من القدر لاستعادة توازنها بينهم «مش عارفة أشكرك ازاي يا طنط والله لولاكي كنت ضعت»
اقتربت ورد وجلست على طرف الفراش حيث مكانها ممسكة بمسبحتها قائلة «عمرك ما تضيعي وفقلبك ربنا أبدًا واحنا أسباب يابتي»
اعتذرت غزل بأدب وحرج شديد «سامحيني إني تقلت عليكم وأخدتك من بيتك وابنك»
سخرت ورد بمرح وهي تنظر للصغيرين بحنو «خدتيني؟ مصدقة كلامك أنتِ؟ أمال الي جاعدين معانا دول إيه؟ دا أنا جولت هاجي اريح راسي من دوشتهم جم ورايا بدوشتهم برضك»
ضحكت غزل وهي تلثم الصغيرين بالتبادل بينما أردفت ورد بنفس المرح ممتصة من الأخرى حرجها وخجلها «فكرك سكن بالعقل الي بتشوفيها بيه؟ لاه لما بتتجمع هي وجوزها مرستان والله بيرجعوا صغيرين وكأن مفيش سنين عدت عليهم »
قهقهت غزل برقة متذكرة نوبات جنون صديقتها التي شاهدتها أكثر من مرة وارتباطها الشديد بزوجها حد الهوس.
نام الصغيران فدثرتهما غزل جيدًا بحنو وصمتت منعزلة بأفكارها تلملم ما تبعثر ، هتفت ورد بابتسامة حنون ولطف شديد «يعلم ربنا يا بتي إنك غالية عندي من يوم ما شوفتك ويشهد ربنا إنك بجيتي زي حمزة وسكن عندي في الغلاوة»
اعتدلت غزل قليلًا ثم أمسكت بكفها ملثمة بتقدير ومحبة، مسحت ورد على رأسها بحنان متقبلة صنيع محبة قلبها بتفهم «ربنا يبارك فيكِ يا طنط جميلك مش هنساه»
عاتبتها ورد بابتسامة بشوش «جينا للكلام الي مينفعش ولا له عازة» ربتت ورد على خدها بمحبة قائلة «مفيش بين الحبايب جمايل يا بتي دي محبة في الجلب يا ضنايا، واحنا كنا عملنا إيه يعني؟»
هتفت غزل بتقدير معددة أفضالهم وأفعالها التي تقلل منها ورد «أوتيني فبيتك وحمتيني من نفسي ومن الدنيا عاملتيني كأني بنتك والدكتور حمزة شغلني، بقالي عيلة فيوم وليلة مطمنة وأنا معاهم بعد ما كنت خايفة ومش عارفة هعمل إيه »
ضمتها ورد بحنو وعطف قائلة بتنهيدة «والله جيتك خير كبير والبركة زادت ، محدش عارف مين بيخدم مين دايرة يابتي بتلف »
حمدت غزل برضا «الحمدلله لولا وجودك مش عارفة كنت هعدي الفترة دي إزاي؟»
فقالت ورد بابتسامة رضا «ربنا كان هيسخرلك الي يعينك ويقوي قلبك مش هيسيبك تضلي»
همست غزل بحمد «ونعم بالله»
ابتسمت ورد بحنو ثم صارحتها بما في نفسها وتعرفه وشعرت به
«جوزك صالح يا غزل وفيه لله كتير دعواته محوطاكي يابتي مكان ما تروحي إن متسخرناش احنا غيرنا هيتسخر»
صمتت متنهدة بإدراك لما تعرفه عنه، لكن بالنسبة لدعواته حقًا لا تعرف هل يدعو لها أم لا، يشتاقها أم يسخط عليها؟
انتشلتها ورد بسؤالها «ناوية على إيه معاه؟»
أجابتها بتوهة وضياع ونظرة تطلب العون والإستشارة «مش عارفة»
أوضحت ورد بحكمة «لولا خايفة تفهمي كلامي غلط ولا تفكري مش عوزاكي مكنتش خليتك بعدتي كل دِه عنه، البعد طوّل يابتي جوي وليل فراق المحبين شديد على الجلب وواعر»
سألتها بتنهيدة ملتاعة «اعمل إيه يا طنط خايفة أوي، كدا عايشة على أمل نرجع، خايفة أرجع ونتكلم يكون مفيش أمل والوقت فات وخلاص»
نصحتها ورد برفق «هيفوت برضو كدا والبعد الكتير هيعمل جفا ويفتح بيبان للشيطان والظنون الخبيثة جابليه تاني يابتي واجعدي معاه افهمي منه وفهميه»
صمتت بإرتباك وتردد فاقترحت ورد «تحبي أكلمه وأجيبه هنا»
رفعت رأسها رافضة بقلق وتوتر «لأ يا طنط »
ابتسمت ورد قائلة بتفهم «براحتك يا بتي الي يريحك أنا معاكي فيه»
ابتسمت غزل شاكرة لها «ربنا يخليكي يارب»تمددت ورد استعدادًا للنوم بينما تركت غزل الفراش وخرجت مفكرة فيما قالته لها ورد وما يجب عليها حتى لا تقلقهم بتقلبها وسهرها .
أفكارها أخذتها لحبيب قلبها الأول وفارسها الهمام الذي لن يرفضها مهما حدث لثقتها في قلبه، توقفت أفكارها عند هذا الحد وتلك النقطة ألم يكن طاهر ربيب حبيبها متشربًا منه؟ يملك جزءًا من قلبه متشربًا من أخلاقه لماذا تثق به ولا تثق بحبيبها ؟ لماذا تظن أنه سيتفهم وحبيبها لا؟ هل لأنه أخيها ولن يتخلى مهما حدث، حبيبها أيضًا لم يتخلى إلا حين فعلتها أولًا، ربما تجربته السابقة مع آيات وفشله أهّلته للفعل؟
هشت أفكارها المتشابكة وتساؤلاتها بعصا التجاهل
وأرسلت لأخيها مغازلة بمحبة
«لكأنَّكَ من قمرٍ تأتي، من نجمةِ صبحٍ ذهبيّةْ
من أرضٍ فيها شمسُ الحبِّ تعانقُ وجهَ الحريّةْ»
اعتدل طاهر ضاحكًا حين قرأها يتحرك في الحجرة منتشيًا، انتبه له يونس مستفسرًا «مالك يا مخبول أنت..؟»
تحرك طاهر ناحيته يريه ما وصله «بص اقرا»
ابتسم يونس قائلا «الله يسهلك يا عم»
هتف طاهر بفرحة «دي غزل أنا متأكد»
هز يونس رأسه بعدم اقتناع غير مصدقٍ قوله «هتخرف عرفت منين؟»
أجابه طاهر ببهجة وهو يستعد لنشر رسالتها بالرد «سيم بيني وبينها»
نهض يونس قائلًا «بتتكلم جد؟»
أكد طاهر وهو ينقر فوق شاشة هاتفه بسرعة راكضًا بين الحروف «أيوة»
نشر طاهر رسالتها متابعًا
«من أنتَ؟
زرعْتَ بنقِل خطاكَ الدربَ وروداً جوريّةْ...
من أنتَ؟
كالضوءِ مررْتَ، كخفقِ العطرِ، كهزجِ أغانٍ شعبيّةْ»
انتفض المقيم بصفحته متصيدًا حين وصله الإشعار، غادر للقراءة فورًا وداخله يزداد يقينًا أنها هي، وذلك يشعره بالغيرة الشديدة التي تحرق قلبه وتلهب حواسه، فتأكله كما تأكل النار الحطب.. سارع بالرد ساخرًا بفظاظة متعمدة «شجرة واتنين لمون لأخوك يا يونس عشان الليالي الصيفية»
قهقه يونس حينما وصله الإشعار قائلا «أخوك هيفرقع والله كان الله فعونه»
رد يونس «آه من الحب وظلم الحب لكل أصحابه »
سخر رؤوف من قوله «جاك أوه جاي تندب هنا شوف أخوك الحبّيب»
هاتف رؤوف زين بسرعة قائلا «زين تعرف حد بتاع برمجة أو بيفهم في الفيس والبرامج؟»
سأله زين وهو يتثاءب «ليه خير»
أجابه رؤوف وهو يتابع بعينيه مزاح أخوته وأصدقائهم على المنشور «عايز أعرف مكان حد »
أجابه زين بنعاس «بكره أشوفلك»
أنهى رؤوف الاتصال وتفرّغ للمتابعة، ابتسم لمزاح الأصدقاء وسخريتهم من منشور أخيه،ثم ترك الهاتف وتمدد تحت السماء هامسًا بحنين وعتاب اشتد في القلب الهالك بالشوق«يا قساوة قلبك يا غزل وكأني مكنتش »
****
في قنا
عاد قاسم من الخارج منزعجًا يذم شفتيه بضجر واضح وانزعاج مُلفت لأبيه المراقب دائمًا له، سأله ببسمة هادئة مستريحة فوق الثغر «مالك جاي بزعبيبك يا واد »
خرج عن مألوفه من الهدوء وهتف باستياء شديد
«مش لو كان ليا أم يا أبوي كنت هبقى مبسوط؟!»
التفت حامد ناحيته تاركًا ما بيده زاهدًا فيما يفعله، رماه ومسح وجهه مستغفرًا بينما نهرته تماضر بحاجبين مقطبين «أنا جولتلك إيه يا قاسم؟»
دبدب قاسم فوق الأرض بقدميه قائلًا بحزن العالم وحسرة ملأت عينيه وقلبه المتعطش «أنا زهقت مش عايز أكون لوحدي»
اقترب منه حامد قائلًا بهدوء «يا ولدي ما إحنا موجودين معاك»
رفع قاسم صوته على غير عادته هاتفًا بضجر شديد «بتسافر وتسيبني كتير لوحدي كل العيال عندهم أمهات وأخوات اشمعنا أنا؟ أمي ماتت جبلي أم»
عبس حامد أول الأمر مستمعًا بهدوء قبل أن يزعق بغضب بعدما نفذ صبره «كل الي يكلمني يجولي لو ليا أم؟ مفيش حد عاجبه حاجة بعملهاله خالص ولا حاسس بي ولا أنا مكفيه، أعمل إيه أنا؟ أقطّع نفسي؟»
صمت قاسم بأسف، انكمش بندم وذعر حقيقي وهو يرى والده لأول مرة منفعلًا بهذا الشكل متوجعًا يدور حول نفسه بشتاتٍ وضعف تملّك منه،تائه منكسر بنظرة خاوية بائسة.. هتفت تماضر وهي تنهض متعكزة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بس يا ولدي»
هتف حامد شاكيًا بهزيمة الحقت بنفسه الخراب «تعبت أنا يا خالة والله معارفش أراضيهم مهما عملت ولا أريحهم مش كافي أنا وطول الوجت يدوروا على الناقص»
ربتت تماضر على كتفه مواسية مؤازرة كعادتها «وحد الله مالك بس قاسم ميقصدش»
حين تحرّك قاسم ناحيته عينيه تقطر دموعًا وأسفًا بجسد يرتجف من شدة البكاء ضعط رأسه متأوهًا نادمًا يلوم نفسه على انهياره وخلطه للأمور وربطه كلمات قاسم بكلماتها
«أنا آسف يا أبوي»
اقترب حامد منه معتذرًا لكنه تراجع ضاربًا الهواء بذراعيه واستدار هاربًا تاركًا قاسم يلوذ بأحضان جدته باكيًا يعتذر من بين شهقاته «مجصدش يا جدة والله أزعله»
سار تائهًا بين الزروع يتنفس بسرعة مهلكة ويستغفر كلما ضاق صدره، لا يعرف كيف اختلط عليه الأمر هكذا وجعله يغضب بهذا الشكل ويخرج عن هدوئه وصبره خاصة مع صغيره.
**
انتهى به سيره وهروبه في المشفى بعدما هاتف هدى ليطمئن عليها فأخبرته أنها في المشفى فقرر الذهاب لها.
جلس رؤوف بالقرب من هدى بالمشفى مستفسرًا وهو يضع الصغير المنشغل بالحلوى جواره«عاملة إيه يا أم عبدالله والجماعة عاملين إيه؟»
أجابته هدى بنظرة خاوية فقدت زخرفها وانطفأت «على حالهم بس آيات فاقت»
هز رأسه بصمت فتابعت بحسرة ودموع مترقرقة «بتصرخ طول الوقت وتتكلم من غير وعي»
ضم شفتيه بأسف فسارعت قائلة بتوسل وهي تمسح دموعها المنهمرة «سامحهم يا أستاذ الله يكرمك»
ابتسم قائلًا برفق مشفقًا عليها هي من عذاب النفس بالحيرة والشتات والخوف «مسامح يا أم عبدالله احنا مين علشان منسامحش؟»
ابتسمت شاكرة له بتقدير «كتر خيرك يا أستاذ مش عارفة أشكرك إزاي على وقفتك معايا والي بتعمله»
استنكر رؤوف قولها «عيب يا أم عبدالله احنا أخوات»
شكرته مرة أخرى فسألها باهتمام «مؤمن بخير؟ قولتيله؟»
هزت رأسها قائلة «لاه لسه طالع من عمليات وعلاج، أخاف أقوله ينزل يا أستاذ ويضيع تعبه وتعبي»
أومأ بفهم لكنه غير مقتنع بذلك فهي رغم قوتها الواضحة وصلابتها الظاهرة، هشة ضعيفة لن تصمد كثيرًا في مواجهة تلك الأحداث العصيبة، كما أنها تحتاج دعمه ومؤازرته التي لن يقدر عليها غيره
سألها باهتمام «بتقوليله إيه؟»
أجابته بلا مبالاة «ولا حاجة بطمنه علينا وخلاص وهو من ساعة الشغل مكلماته خفت»
هز رؤوف رأسه بفهم لتوضيحها وقال «متقليش على نفسك وتاجي كتير أنا باجي أطمن وموصي الناس والفلوس مدفوعة»
شكرته بحرج شديد وهي تمسك دموعها «مش عارفة أقولك إيه كتر ألف خيرك»
جاءت الممرضة مهرولة تهتف بفزع «أختك فاقت وبتبكي وتصرخ تعالي هديها شوية»
نهضت هدى راكضة تجاه حجرتها بينما حمل هو الصغير تلقائيًا وضمه لأحضانه محيطًا له في حماية ثم نهض مقررًا انتظارها في حديقة المستشفى بعيدًا خوفًا على الصغير وحفاظًا على سلامه النفسي «هنروح فين يا عم؟»
أجابه رؤوف بتوتر وهو يسير بخطوات واسعة شبه راكضة في هروب« هجيبلك حلويات»
هز الصغير رأسه باستحسان وهو يصفق بكفيه في فرحة، أمام حجرتها انغرست قدماه في وحل كلماتها، تسمر مكانه مرتجفًا لا يقدر على نزع أقدامه ولا التحرك، يضم الصغير محتميًا يصد به الأذى عن قلبه
«علاء الكلب منه لله هو الي عمل كدا، الحمل قاعد ولا نزل.. دا ابنه هو الي عمل فيا كدا..» ارتجفت هدى ذهولا مما تسمع واعترافات أختها التي انهمرت كالسيل، شخص بصرها لا تصدق قبل أن تسيطر على صدمتها وتقترب منها صارخة فيها بنهي «اسكتي كفاية اسكتي»
لكن آيات تجاهلت نهيها وتابعت بصراخ هستيري
«حملت منه ومحملتش من رؤوف، ربنا بينتقم مني، رؤوف متمنهاش مني أنا فربنا محققهاش بس عاقبني على الغدر بيه...طول السنين كنت خايفة أحمل منه واتعاقبت بالي خوفت منه وبزيادة،لما تشوفيه جوليله ربنا خدله حقه مني وحق غزل » أغمض عينيه متنفسًا بقوة أقلقت الصغير فهمس «يا عم»
عاد للواقع بنصف وعي، ضم الصغير بقوة وبعدها تحرّك هاربًا من هذا الجحيم حامدًا الله على كل حال، شاكرًا فضله وتدابيره سائلًا الثبات.
***
قبل منتصف الليل عاد مفتشًا عن صغيره، سأل خالته فأخبرته أنه نام باكيًا دون عشاء، اقترب حامد منه هامسًا بشفقة وندم «قاسم يا بابا اصحى»
فرك الصغير عينيه ثم فتحهما عليه فأطلّت منهما نظرة ندم مختلطة بحزنه، قبّل حامد رأسه مستفسرًا بحنان «متعشيتش ليه؟»
اعتدل قاسم قائلًا بحزن وصدق «ماليش نفس وأنت زعلان»
جلس حامد جواره موضحًا «مش زعلان ولا عمري أزعل منك»
طأطأ قاسم رأسه معترفًا بذنبه «بس أنا غلطت»
فرك حامد فروة صغيره مبتسمًا يعترف له «وأنا غلطت»
رفع قاسم نظراته إليه معتذرًا ببراءة «أنا آسف مجصدش»
قبل حامد اعتذاره مهدهدًا حزنه بابتسامة فخر وهو يهمس «وأنا آسف مجصدش»
رفع قاسم ذراعيه معانقًا له يعترف «أنا بحبك أكتر حاجة في الدنيا كلها»
ضمه حامد مؤكدًا بحشرجة «وأنا كمان»
ابتعد قاسم متنازلًا عن مطالبه بطفولية «خلاص مش عايز حاجة أنت عندي كفاية مش هزعلك تاني ولا هطلب»
عانقه حامد مغمضًا عينيه يعتذر له بتأثر «غصب عني والله يا بابا لو عارف أي واحدة هجيبها هتريحك وتحبها مش هتأخر، بس قلبك كيف قلبي عايز واحدة معرفتش أخليها تجعد ولا عرفت أخليها تتمسك بينا، حاولت كتير عشان تفضل وضحيت عشان متفلتش يدي وبرضو فلتتها
العيب فيا أنا سامحني»
لم يفهم قاسم كلماته لكنه شعر بحزنه وحسرته وانكساره فابتعد معتذرًا «خلاص يا أبوي متزعلش مش عايز حد أنا مش مهم»
سحب حامد الحقائب التي أحضرها من جواره قائلًا «جبتلك الأكل الي بتحبه»
سأله قاسم قبل أن يمد يده للطعام «هتاكل معاي؟»
ابتسم حامد قائلًا باستعداد وهو يقبّل رأسه «هاكل معاك»
***
بعد أسبوع في القاهرة
هتف طاهر بغيظ شديد وهو ينقر فوق شاشة هاتفه متحسرًا كئيب النفس«معرفش الحساب قفل ليه وإزاي والله، ومين الي قفله طيب؟»
أجابه رؤوف باسترخاء ونظرة حماسية مشتعلة متشفيًا فيه «يا ساتر يارب من الي عمل العملة العفشة دي؟ أعوذ بالله من دي نفوس »
دار طاهر حول نفسه مقهورًا لا يقدر على النطق بما يجول في خاطره وحسرته، بينما نظرات رؤوف تطارده باستمتاع وتلذذ
اقترح يونس بلا مبالاة«اعمل غيره لغاية ما نحاول نرجعه»
هتف طاهر بحزن شديد «لاه صعبة دي والناس الي عليه و.....» قطع كلماته مبتلعًا ما يرغب في قوله ويخشى إطلاق صراحه.
ابتسم رؤوف بعدما التقط مقصده وقرأ ما في نفسه بوضوح ثم اقترح بوداعة كاذبة وهو يرسم الأسف على ملامحه «لو جاطع فيك جوي رسايل المعجبة خليها تبعت عليا، أنا عملت أكونت صراحة وأبقا أوصلهالك أنا»
نظر إليه طاهر بأسف واستسلام غير راغبٍ في مسايرته مزاحه اللحظة، فابتسم رؤوف وتابع بنفس اللطف والبراءة الكاذبة «اعتبرني مرسال هوى يا أخويا يا حبيبي يا أبو عيون صيفية» قالها رؤوف بتهكم وهو يعود لاسترخائه واستمتاعه داخله يترنم بالرضا،غمغم بأسف كاذب خادع«مش عارف والله محدش بيتقي الله ولا عنده ضمير حتى الأكونتات بتتقفل طب والليالي الصيفية هنعمل فيها إيه دلوك؟» جلس طاهر أخيرًا مهمومًا ضائق النفس مال يونس المتابع بصمت وهمس في أذنه وهو ينظر لرؤوف ذلك الهادىء بنشوة غريبة «أقطع دراعي إما كان هو الي قافلهولك ودا أوله؟ لو طلعت هي فعلا هيعاملك معاملة العنزة الي كان بيحكيلنا قصتها زمان واحنا صغيرين الي صاحبها ربطها فأخر الجطر هيربطك زيها في الجطر الي مقبل على قنا ويقولك مبسوط يا أخويا يا حبيبي بالهواء الطلق ؟» كتم يونس ضحكته وعاد للنقر فوق جهازه بينما تابع طاهر أخيه بعين أخرى بعد تلميح يونس.
بينما دندن رؤوف وهو يتابع أخيه بطرف عينيه كاتمًا ضحكاته «من أنت وسحرٌ في عينيك يزف العمر لأمنية» نهض رؤوف متجهًا للمطبخ يغمغم بغيظ متوعدًا لهما «وريني بقا أخركم خليني أشوف»
***
صباح يوم الجمعة
وضع طاهر سماعات أذنه وسار ممزقًا أجساد المارة في الطريق الواسع الذي اعتاد السير فيه كل جمعة صباحًا، يضع كفيه في جيبي بنطاله منشغلًا عن العالمين شاردًا مع ما يسمع ومنغمسًا في معناه، يرى طريقه فقط متجاهلًا ما حوله...تعمدت المجيء مبكرًا وانتظرته مقررة مقابلته ونفض الخوف عن قلبها من ناحيته،هاهو لم يخيب ظنها فيه، لم يتخلف عن موعده الأسبوعي وآتى ،سارت خلفه متابعة له منتظرة الفرصة المناسبة .
وقف أمام بائع الانتيكات قليلًا يقلب نظراته في المعروض متأملًا قبل أن يتركه ويسير في طريقه رائق البال منسجمًا، وقف أمام محل لبيع الزهور مبتسمًا بجاذبية يضحك للورود الملونة الخاطفة لبصره بروعة جمالها، تذكر الغائبة وكيف كانت تخط أمنياتها وهمساتها فوق أوراق الورد، مال هامسًا مثلها يجرّب ما أخبرته به يومًا مغمض العينين سابحًا في أفكاره «وحشتني غزل»
اقتربت منه، مالت مثله للأمام وقلبها ينبض بعنف، سحبت سماعة أذنه برفق ووضعتها داخل أذنها تستمع مرددة مع الكلمات برقة شديدة تنافس رقة الورورد التي أمامه«يا مرسال الهوى روح وبلغه سلامي»
فتح عينيه منتفضًا كأن للهمس أذرع هزت قلبه بين ضلوعه، نظر جواره فرآها أمامه بابتسامتها الرائعة ونظرتها الجميلة تهمس «اتمنيت إيه؟» لا يعرف هل خرجت من خياله اللحظة، أم جسّدها له الشوق أمام نظراته، أم تحققت أمنيته بسرعة مذهلة؟
رفع كفه لأذنه متحسسًا باحثًا فنزعت السماعة وأعادتها لأذنه قائلة بلهفة وتردد «وحشتني يا طاهر»
ردد اسمها بدهشة عظيمة وهو يمرر نظراته عليها كلها ليتأكد أو يطمئن لا يعرف، تأملت هذيان نظراته بابتسامة حنون واقتربت منه؛ لتحتضنه لكنها توقفت مترددة تخشى عتابه وتهاب رفضه متذكرة تهديده لها يومًا، لاحظ فعلتها فهتف بدموع وهو يفتح ذراعيه في دعوة بعدما قرأ ترددها «أنا بحبك وبس يا غزولة مهما حصل»
اندفعت معانقة له بلهفة تشكره على جمال قلبه واحتوائه، تعتذر له عن كل ما بدر منها «وحشتني أوي شكرًا إنك موجود فحياتي يا طاهر»
ابتعد قائلًا وهو يتأملها بدقة «وحشتيني يا غزل غيبتي كتير عني، وسبتيني تايه»
مسحت دموعها قائلة بضحكة قصيرة «أنا جيت اهو يا متر يا صغير ومش هسيبك تاني أبدًا»
مدّ أنامله يمسح دموعها التي انهمرت على خديها قائلًا «ومين هيسيبك تاني تبعدي؟»
عانقته مجددًا غير مكتفية منه لا تصدق أنها أخيرًا رأته بعد أيامٍ من العذاب وليالٍ من اللهفة، ابتعدت ممسكة بكفه، سارت به قائلة «تعالى نفطر ونتكلم»
قبض على كفها بقوة وسار جوارها بصمت حتى وصلا لمكانهما، جلسا
«عامل إيه يا طاهر وأخباركم إيه؟ ويونس ورؤ....» قطعت كلماتها وصمتت فشجعها بابتسامته الدافئة «كملي ورؤوف»
تنهدت بصمت فأمسك بكفيها وضمهما قائلًا «أنا بخير الحمدلله اطمني» تنهدت بارتياح فتابع بحنو «وحشانا جوي»
ابتسمت له برقة قبل أن تتنحنح هامسةً بتردد «رؤوف صحته كويسة؟»
نظر إليها مليًا قبل أن يتنهد قائلًا «بخير الحمدلله يا حبيبتي»سألها باهتمام «أبوكي سافر أنتِ قاعدة فين ومع مين؟ وحياتك عاملة ازاي؟قضيتي الشهور دي كلها كيف لوحدك» تتابعت الأسئلة فأوقفته ضاحكة «يا ابني اصبر نطلب الفطار وأحكيلك كل حاجة واحنا بناكل»
هز رأسه بصمت قطعه بعد ذلك بسؤاله البلاهي وهو يتأملها «غزل أنتِ طلعتي من الوردة كيف؟»
قهقهت غزل برقة قبل أن تميل مستندة على الطاولة تسند خدها بقبضتها قائلة بنظرة لامعة «سحر يا حبيبي»
ضحك بقوة لا يصدق سؤاله الغبي ولا قولها فتأملته هامسةً بصدق «وحشتني يا صعيدي أوي»
مازحها طاهر قائلا «هرتيني رسايل واتهريت تريقة من الشباب وكله كوم وعيناك ليالٍ صيفية كوم لوحدها بسببها بشوف جهنم على الأرض من حبيبك»
عبست مستفسرة «حبيبي مين؟»
نظر إليها طاهر مليًا ثم أجابها بنظرة عاتبة «حبيب القلب يا هندسة شاكك إنها أنتِ وغيران والغيرة واجعة جلبه زي فراقك»
ارتبكت من قوله هامسة بيأس «مظنش يا طاهر»
قطب مستفسرًا لا يعجبه قولها ولا عدم ثقتها في حب أخيه «ايه هو الي متظنيش أمال متى هتظني؟ ولا يعمل إيه تاني علشان تظني غير كده فيه؟» قالها طاهر بعصبية مدافعًا عن أخيه يرد غيبته بقوة، فابتسمت موضحة له «طيب اهدى مش قصدي حاجة يا صعيدي»
سألها طاهر بابتسامة وغمزة ماكرة «بالله عليكي موحشكيش؟ منفسكيش تشوفيه؟»
كابرت بترفع «لا عادي يعني وبعدين أنت متعرفش حصل إيه؟»
أجابها بجدية «لاه عارف إنه مشاكي لما جتيله بس الي متعرفهوش إنه قاطع أهله ومرجعش البيت تاني وحملهم وحمل نفسه مسئولية هروبك»
رمشت لا تصدق قوله فتابع «مش هقولك ليه عملتي كده؟ ولا ليه اتخليتي عنه بعد كل الي عمله عشانك بس هقولك إنه لسه بيحبك يا غزل ومستنيكي كفاية هجر قابليه تاني واتكلموا»
أجابته بيأس وهي تطأطأ رأسها بخزي «متهيألك يا طاهر بس عمومًا أكيد هقابله ونتكلم علشان أعرف راسي من رجلي»
استنكر طاهر قولها لما أحسه منه وفهم معناه فتنهد قائلا «افطري دلوك واحكيلي عملتي ايه؟ وبعدها نشوف موضوع مظنش ومتهيألك يا أم مخ تخين»
ابتسمت برقة وهي تتابع أطباق الفطور التي ترص فوق الطاولة بشهية مفتوحة اليوم.
****
في المساء هتفت سكن وهي تدس رقائق البطاطا بفمها أثناء تجولهما في مول تجاري بالقرب من المنزل اعتادتا الذهاب إليه والتبضع «مالك بتفكري فأيه؟»
وقفت غزل تاركة الحقائب الورقية الممتلئة أرضًا تضرب بقدميها الأرض معترضة «سكن أنا تلت أربع مرتبي ضايع على الهدوم لا وإيه قمصان نوم»
ضحكت سكن قائلة ببساطة «وفين المشكلة هتحتاجيهم دي أحسن حاجة تتشال للزمن والله»
رغمًا عنها ضحكت قائلة وهي تهز رأسها بيأس «هتجننيني دا الي هو إزاي؟»
حملت سكن الحقائب الورقية وسارت بها في المول الواسع قائلة «لما ترجعي للمتر هتعرفي وهتدعيلي والله»
زفرت غزل بغيظ قبل أن تستسلم قائلة «مجنونة والله»
أشارت سكن لمحل جوارها قائلة «غزل حزام رقص اهو تعالي أجبلك واحد»
توقفت غزل مكانها مفكرة تهتف باستسلام تام «تصدقي المتر له رقصة عندي .. أنا أجيبه رجعنا تمام مرجعناش أخنقك بيه يا سكن وارتاح» كتمت سكن ضحكاتها قائلة «والله! هنشوف مش بعيد تيجي تاخدي كل ألوانه»
هتفت غزل بتأفف «سكن ليه عندك أمل؟ بجد هلبس ده إزاي وأنا جسمي شبه الخريطة»
أجابتها سكن بصبر طويل وهى تقرص خدها ملطفة جروح قلبها « رغبتك إنك تكوني فعنيه أحلى واحدة مخلياكي تخافي وتضايقي بس متخفيش يا هندسة الي بيحب مبيشوفش عيوب حبيبه من الأساس ولو شافها بيكملها الحب الي له جواه ريحي دماغك شوية»
صمتت غزل حتى جلسا في مكان منعزل فرقعت سكن أناملها متسائلة «روحتي فين؟»
أطبقت غزل شفتيها بتردد قبل أن تصارحها بما يعربد داخلها من قلق «حاسة إنه بعد تعبه محتاج حد غيري أحسن مني، رؤوف يستاهل كتير»
هتفت سكن «ما تكوني أنتِ الكتير؟ جولتي مرته كانت حلوة جوي لو اعتبرنا حضرتك حسب دماغك إنك مش حلوة» مصمصت سكن بضجر ثم قالت «بت دا أنتِ عليكي عنين تحل من على حبل المشنقة والله ولدي ليل نهار يرسم فيهم»
ضحكت غزل برقة فعلقت سكن «المتر كفاياه الضحكة دي،غزل اهدي رؤوف مش محتاج غيرك هو شايفك كل حاجة وعوضه »
تأففت غزل غير مقتنعة ولا راضيه فهتفت سكن بنفاذ صبر «بت أنتِ مخك تخين وبجرة وأنا تعبت أفهم فيكي»
قطعت غزل ضحكاتها وقالت «سكن عايزة أعمل عملية تجميل»
هتفت سكن بصوت العقل «تمام بس هو لازم يعرف ويوافق حضرتك»
استنكرت غزل قولها «لا مش لازم يعرف بعدين عايزة لما أقابله أكون بقيت أحسن»
استهجنت سكن رغبتها «غزل مينفعش وكفاية كدا تسقيط له من حساباتك رؤوف شخص اتربى على الثقة والصراحة وربى أخواته عليهم، كبير عيلته وكلمته مسموعة وبيتعملها حساب وجايه أنتِ تتعاملي معاه كده؟ أنتِ أيوة اتربيتي لوحدك مشاركتيش حد حاجة بس هو دلوقت جزء منك، أنتم الاتنين كيان واحد تفكروا سوى وتختاروا سوى.. ادي لرؤوف المساحة دي يا ماما لأنه هيفسرها عدم ثقة فيه وعدم احترام ليه واستقلال بيه اشركيه هو هيحب ده منك جوليله بتفكري فأيه وعايزة إيه وحاسة بأيه مش غلط ولا عيب بالعكس ده بيقرب ما بينكم جوي»
هزت غزل رأسها قائلة «هعمل كدا يا سكن»
هتفت سكن «بالمناسبة أنتِ اتأخرتي عليه جوي، هو كان مفروض أول واحد تفكري فيه مش طاهر خطوتك دي ممكن تزعله منك أكتر يا غزل، خوفك مش حل لأي حاجة دا بيعقدها»
زفرت غزل بضيق فاقترحت سكن وهي تغمزها «بجولك ما تجربي تبعتيله رسالة زي طاهر وشوفي رده؟»
فكرت غزل قليلًا قبل أن تشرد قائلة «أبعتله إيه؟»
أشارت سكن للنادل وهي تخبرها «أي حاجة حلوة منك وشوفي رده»
ابتسمت غزل قائلة «تصوري عمل صراحة»
ضحكت سكن قائلة «يبقى شاكك إنك أنتِ ومستني تبعتيله عيني عليك يا متر»
ابتسمت غزل بخجل مفكرة في الأمر بجدية وهي تؤكد قولها «هو شاكك فعلًا»
***
بعمل مؤمن
اقتربت حسناء منه قائلة «هتعمل إيه بأول مرتب يا مؤمن؟»
رغم ضيقه من تطفلها لكن ذلك لم يؤثر على بهجته وفرحته بأول أموال يمسكها بيده بعد زمن «هشتري حاجات لهدى»
أطبقت شفتيها مبتسمة بضيق قبل أن يمسك هاتفه وينقر فوقه صارفًا لها بتجاهله وجودها، تحركت ناحية مكتبها بصمت، جلست تراقبه بنظرة ممتلئة بمزيج من المشاعر المحشورة عمدًا من أخته والوليدة منذ أتى، لا تنكر إعجابها به الذي يتحول رويدًا مما يجعلها هكذا تندفع دون تفكير
عبس قليلًا وهو يضع الهاتف زاهدًا فيه، امتنعت عن سؤاله متجاهلة تكبح لهفتها عليه وتقيد فضولها للمعرفة ومشاركته أقل شيء.
نظر إليها بطرف عينيه قليلًا مفكرًا قبل أن يهتف «أستاذة حسناء»
ابتلعت ابتسامتها وأجابته «نعم»
هتف وهو يغض بصره عنها كعادته «كنت عايز أنزل أروح مكان اشتري منه حاجات يكون سعرها كويس للعيال ورحاب قالتلي مش فاضية شوف حسناء»
تنفست بعمق مفكرة في تدابير صديقتها وخططها للتقريب بينهما قبل أن تجيبه«تمام عايز تنزل امتى»
أجابها بلهفة شديدة وحماس أضاء نظراته وجذبها كالمغناطيس «لو بعد الشغل عادي»
فكرت قليلًا مندهشة من حماسه ولهفته على شراء هدايا عائلته «ماشي مفيش مشكلة»
لملم حماسه الزائد قائلًا بجدية «لو مشغولة أو هتكوني تعبانة خلاص أو ممكن توصفيلي أروح أزاي وهعمل كدا»
ابتسمت له قائلة بلطف لا تريد صده ولا تفويت فرصة للقرب منه «لا عادي»
تنهد برضا وارتياح، ثم شرد مفكرًا فيما ينقص زوجته وتحتاجه وما تحب، قد لا تكفي الأموال لشراء كل شيء لكن لا بأس القليل سيكفي والمرة القادمة يشتري جزءًا آخر. لم يكن حماسه السبب الوحيد الذي دفعه لاصطحاب حسناء وعدم الصبر على انشغال أخته بل أراد أن يشرك تلك الجالسة الأمر لتعرف مدى حبه لزوجته وتعلقه الشديد بها ربما تعدل قليلًا عن ما يحسه من أفعالها وتيأس منه تاركةً له.
بالمنزل عادت رحاب راضية، تحلّق في المنزل كفراشة من شدة فرحتها بسير خطتها على النحو الذي تريد وتيسير كافة السبل لإتمامها..
سألها أيوب بدهشة وهو يتأمل بسمتها الهادئة ومزاجها الرائق «فرحانة يعني؟»
هزت كتفها قائلة «عادي»
نظر حوله ثم سألها «فين مؤمن؟»
أجابته بابتسامة زادت رقعتها حتى شملت العينين «خرج يتسوق هو وحسناء»
ضرب أيوب بكفه فوق الرخامة وهو يذم شفتيه بتفكير قبل أن يفضح ستر سعادتها «علشان كده مبسوطة»
سألته وهي لا تتوقف عن العمل «قصدك إيه؟»
هتف وهو يمسح على لحيته النامية «قصدي إني فاهم الي بتخططيله ومش راضي عنه»
أجابته بلا مبالاة لا تريد تعكير سعادتها بمشاجرة أو جدال عقيم «مش فاهمة»
احتد أيوب في قوله التالي رافضًا طريقتها «رحاب أُقفي وكلميني عدل»
اقتربت نازعة مريولها بحدة، وهي تسأله من بين أسنانها بصبر «أهو عايز إيه؟»
أجابها بصراحة وكلمات مباشرة لا تتدثر بعاطفة ولا تتحسس الطريق إليها بحذر «عايزك تسيبي أخوكي فحاله ومتفرقيش بينه وبين مراته»
عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة «مش قولتلك متشغلش بالك»
حذرها أيوب بقسوة «اتقي الله يا رحاب فبنت الناس الي صانت أخوكي وشالته واهتمت بيه فأزمته»
قالت بعداء شديد وجفاء حاد«كانت هتلاقي زيه فين؟»
هتف بغيظ شديد «يا ستي أخوكي راضي ومبسوط والبنت مقصرتش بالعكس شالته على كفوف الراحة يقوم لما ربنا يكرمه بدل ما تقوليله عوضها! لا شوف يا حبيبي جيبالك غيرها اخرب بيتك يلا وانسى فضل ربنا عليك وفضلها»
هتفت منزعجة من قوله وصراحته «أيوب أخويا قعدته جنبها أذته لو كان جه معانا وسابه منها مكانش حصل دا كله»
ضرب وعيها بمطرقة الصراحة لتفيق من غفوة الأنانية «وأنتِ سبتي حياتك وشغلك وسبتيني ونزلتي شيلتيه وقعدتي جنبه فأزمته؟ليه كنتي عايزة تحدديله اختياراته وحياته الي على هواكي أنتِ؟ما يمكن هو كان عايزك تنزلي تدعميه وتقفي جنبه برضو رغم كدا متكلمش بالعكس حتى فلوسك مكانش بياخدها منك »
حملقت مستنكرة كلماته وقسوتها رغم شفقته عليها إلا أنه تابع «شايفة البنت مش مستواكم ومتستاهلش، مين يستاهل يا رحاب طالما الي بيحبنا وشايلنا ومحافظ علينا ميستاهلش؟»
طأطأت رأسها بضيق متحكمة في غضبها حتى لكمها بقوله التالي «متخلنيش أخاف منك»
بسرعة همست مستنكرة بدموع «تخاف مني؟»
هز رأسه مؤكدًا بخيبة احتلت نظراته «متكيليش بمكيالين يا رحاب أنا برضو ظروفي مكانتش تمام فترة طويلة و كنتي أنتِ شايله البيت متخلنيش بعد كده أشك إني لما أقع هتسبيني»
هزت رأسها رافضة قوله ودموعها تتساقط من عينيها بغزارة، تابع أيوب دون توقف ليتوقف عبث أفعالها وتفيق من خدرها « فكري وأوزني بالعدل، ادعمي أخوكي وحبيه بس من غير ما تأذيه وتدمري حياته، مقدر إنك بتحبيه وهو الي فاضلك من أهلك، وأبوكي موصيكي عليه بس طريقتك غلط»
رأى ارتجافة البكاء المكتوم في جسدها فاقترب منها معانقًا محتويًا بحنوٍ ولطف فهمست بصوت مبحوح «أنا مش وحشة والله يا أيوب»
لثم رأسها مؤكدًا قولها «عارف ومتأكد من ده بس أنا بفوقك يا رحاب قبل ما تندمي، بعدين لو حسناء الي بتملي دماغها دي اتعلقت بأخوكي وأخوكي رفضها فكرتي موقفك ووضعها هيبقى إزاي وإيه؟ مفكرتيش إنها أصلا طالعة من تجربة فاشلة وكدا بتأذيها» رفعت رأسها من أحضانه مفكرة في صدق ما يقوله وعدم انتباهها لهذا الأمر
«مفكرتش فكدا»
صارحها بأسف «علشان فكرتي بأنانية للأسف»
هتفت بإنكسار وندم «أعمل إيه يا أيوب؟»
داعب ذقنها بأنامله قائلاً بابتسامة لطيفة «ولا حاجة ترضي بمرات أخوكي وتشكريها كمان، تنزلي مع معاه تشتريله الي عايزه وتفرحي ابنه ولا عايزة تبقي عمتو الحرباية؟»
عبست بضيق فلثم شفتيها قائلًا بمرح «أصلا حتى لو حرباية هتبقي أحلى حرباية في الكون»
ضحكت وهي تمسح دموعها فقال برفقه المعتاد «ممكن جدًا مؤمن يشتغل هنا ويجيب مراته ونفتح صفحة جديدة مش لازم يتجوز وبعدين معنى كدا لو نزلت مصر أتجوز واحدة علشان يبقى واحدة هنا وواحدة هناك؟»
ضربته بقبضته مهددة له «اعملها وشوف يا أيوب»
ضمها لصدره قائلًا «لا خلاص هو أنا مستغني عن عمري»
شكرته وهي تضمه بشدة «ربنا يخليك ليا يا أيوب وميحرمنيش منك»
قبّل رأسها قائلًا بتنهيدة رضا «ولا منك يا حبيبتي»
*****
«في منزل زين»
أمسك زين بصغيره الراكض وحمله مستفسرًا منه «مالك بتجري ليه؟»
أجابه الصغير الحامل ملامح والدته وسمارها الناعم «هكلم ورد وغزل علشان مش بتكلمني بقالها كام يوم»
قطب زين حاجبيه مستفسرًا «غزل مين يا بابا؟»
أجابه الصغير بضحكة رائقة وهو يهمس له داخل أُذنه بسره الصغير «سوبر ومن الي أنقذت ورد»
ابتسم زين قائلًا بفرحة «يا راجل! يا أهلا » أكد الصغير بهزة رأس فقبله زين وأنزله هاتفًا «روح يا شيخ ربنا يخليلي أمك ويخليني ليها»
ركض الصغير فسحبه زين وأعاده ثم مال هامسًا «متقولش لميمو إنك قولتلي السروهجبلك آيس كريم»
أومأ الصغير ومال هامسًا له «حاضر»


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close