اخر الروايات

رواية رد قلبي الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم وسام اسامة

رواية رد قلبي الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم وسام اسامة 


  

رواية رُد قلبي
الفصل الخامس والعشرون الجزء الأول "دلالك مُهلك'
.................................
مسحت غزال عيناها الدامعة وهي تنظر من شرفتها عليه وهو يسير بإرهاق وقد أنهى ساعات عمله..ثمان وأربعون ساعة مضت دون ان يحادثها او تُحادثة منذ أن خرج جدها من المشفى وهما علي حالة صمت واحدة

لم يتحدثا بعد نوبة بكائها بل إكتفى بالتصرف بجمود غريب..إهماله لها يجعلها تود لو تركل قلبها بعنف على إنجذابه لذاك البليد..ولكن ثوان وتهمس لقلبها بلوعة
"معك كُل العذر..إنه عُبيده"

تُصبر نفسها ببعض الكلمات التي تعطيها ثقة بنفسها
ولكن مع أول رد فعل غليظ منه..تستوعب أن كل مقاوماتها الأنوثية قد تهاوت أرضًا..بل وأصبحت كـ الزجاج المُتناثر أسفل قدمي عُبيده

حبست أنفاسها وهي تراه يرفع رأسه لشرفتها ينظر لها بحاجبين معقودان بضيق..لتختبئ خلف الستار سريعًا وتطلق أنفاسها المتوترة

إتجهت لمرآتها وهندمت هيأتها سريعًا وقلبها يُخبرها انه سيطرق بابها الآن..نظرت لمُلمع الشفاه ذو اللمعة الجذابة
لتضع منه القليل على ثغرها..ثم إتجهت يدها للكحل العربي لتخطط عيناها به ببراعة

لم تحتاج الكثير لتُبرز جمالها..لتلقي خصلاتها للأمام ثم للخلف لتُعطية هيئة عشوائية ناعمة
اطلقت زفرة قوية حينما انتهت من زينتها..لتسمع طرقاته علي باب المنزل

إتجهت لتفتح الباب وهي تسير بـ بطئ مُتعمد
لتفتح الباب وتقف أمامه تحدقه بعبوس..دُهش لثوان م هيئتها الجريئة بذاك الرداء الأصفر المُلتصق بجسدها
أشاح عيناه عنها ليهتف بحدة..
-انتي اي حد يخبط بتطلعيله بالمنظر دا

زاد عبوسها لتقول بضيق..
-لا مش اي حد بطلعله كدا..انا عارفة انك انتا الي هتخبط

نظر لها عُبيده ليقول بتحذير..
-غزال لا انا ولا غيري يشوفك بالمنظر دا
وقبل ماتفتحي الباب تحطي حاجة على شعرك

تمالكت أعصابها لتلين نبرتها وتقول بخفوت..
-هو دا الي انتا بتخبط عليا عشانه ياعُبيده !

صوتها الخافت مع نبرتها اللائمة كانا عاملين مؤثرين عليه ليلين هو الأخر ورغم ذالك هتف بخشونة..
-لا مجيتش عشان كدا..جيت اطمن على الحج كامل
صحته عاملة ايه

إستندت لإطار الباب لتُغمغم وهي تحدق به..
-الحمدلله كويس..بس نايم اصحيهولك

-لا لا ملوش لزوم..لما يصحي هبقى اجي اطمن عليه

همهمت غزال لتقول برقة..
-طب ادخل احضرلك حاجة تشربها

نفى عُبيده وهو يُخرج عُلبه زرقاء مخملية من جيب سترتة الداخلية ليقول..
-مره تانية يكون الحج صاحي..امم انا جيبتلك دا
متزعليش مني ياغزال ..حصل خير

نظرت ليده المدودة بالعُلبة لثوان قبل أن تقول بدون تصديق..
-انت جايبلي هدية وجاي تصالحني !

إبتسم على صدمتها ليقول بنبرة لينة..
-لو مصالحتكيش هصالح مين ياغزالة

توسعت عيناها وهي تسمع يـ "غزالة" منه بذاك الدفئ..عُبيده يُغازلها ويحضر لها هدية دون مُناسبة !
طال شرودها به لتسمعه يقول
-يلا افتحيها شوفي هديتك

لتُمسك بالعُلبة وتفتحها لتجد خُلخال ذهبي أنيق بأجراس صغيرة رقيقة..لتشهق قائلة بسعادة..
-الله..خلخال

فرحتها الظاهرة له جعلته يبتسم برفق وهو ينظر لإنعكاس الطفلة في عيناي غزال..لينهد قائلا..
-عارف انك بنحبيهم قولت اشاركك حُبهم بهدية صغيرة
المهم متكونيش زعلانة ياغزال

رفعت عيناها عن الخلخال لتقول بنبرة ناعمة وكانت مُمتنة لتلك اللفتة الرقيقة لتقول..
-عمري ماازعل منك ياعبوده..حد يزعل من روحه

كلمات بسيطة ولكن جعلته يرتبك ويشعر بتلك الحرارة تغزو جسده ليُحمحم قبل أن يقول..
-طيب ادخلي بقى ومتنسيش لما الحج كامل يصحي تسلميلي عليه

حركت رأسها بإيجاب والإبتسامة العريضة تحتل وجهها لتقول بخفوت ناعم..
-منتحرمش ياسي عبوده

دلالها يُذيب الحجر لو أرادت..لذالك لن يُنكر تأثيرها عليه..غزال كُتلة فتنة تُضل العباد..وهو ليس بقديس أو زاهد..بل أن دلالها أوقعه بها حتى رغم ضيقة من ذاك الدلال في بعض الأحيان..ولكن حينما تبتسم وتميل رأسها وتنظى له الك النظرة التي تُشعره وكأنه الرجل الوحيد علي وجه الأرض..تصبح فاتنة

ودلالها مُهلك حتى للقديس
ليبتسم قائلا بهدوء..
-طب يلا ادخلي جوا واقفلي الباب

أطاعته برقة ودلفت وأغلقت الباب ليتنهد بقوة قبل ان يصعد باقي الدرجات ليصل الى شقته سريعًا
بينما غزال صارت تُحدق بالخلخال بسعادة بالغة

عُبيده أراد مُصالحتها وأحضر هدية ليكسب ودها
لم يتجاهل حزنها كما كانت تظن..بل جائها وطلب رضاها دون خطط او مجهود

صرخت ضاحكة وهي تقفز كـ طفلة صغيرة مُشاغبة
بينما كامل كان يسمع ضحكتها السعيدة وهو لازال على فراشه...ليتنهد بثقل مُتمتمًا لها بالدعاء
أن يُديم الله عليها سعادتها وطمأنينتها وألا ينكسر خاطرها أبدا

تمنى من كل قلبه ألا يكون عُبيده درس قاسي لغزال
فهو لن يتحمل أن يراها تتألم ولو بسبب شوكة
فكيف لها أن تتحمل نيران الحب..!
***
مُتسطحة علي الفراش لا تدري مالذي عليها فعله
تشعر أنها غرقت في دوامة سوداء ستؤدي بها الى الهلاك ..دوامة تُسمى شَريف الصياد1

ذاك الرجل الغريب الذي يجذبها إليه تارة..ويُلقيها بعرض الحائط تارة وفي الحالتين هي تائهة
لاتدري مالذي عليها فعله1

هل تقترب منه وتستجيب لعواطفة المؤقتة
أم تُجافيه وتعامله بالبرود ذاته ولا تُلقي له بالاً
تنهدت بثقل وهي تسمع صوت إستلامها لرسالة
وبالتأكيد كانت منن .فهو الرقم الوحيد الذي يُراسلها في تلك الساعة المُتأخرة من الليل

رفعت الهاتف وحدقت بالرسالة لتجد كلمات باردة مُختصرة يُعلن فيها عن ميعاد عقد قرانهم
"حضري نفسك عشان كتب الكتاب بكرة بليل
السواق هيجي ياخدك..هاتي حاجتك الضرورية بس "

فقط لا شيئ أكثر مجرد إعلان واهي في رسالة وانتهى الأمر..إبتسمت ساخرة وهي تلمس البرود في تلك الرسالة..البرود الذي لم يكن له وجود في آخر لقاء بينهم بعد حديثها مع والده..أدم الصياد

إسترجعت ذاك اليوم حينما أنهت طعامها وذهبت خلف أدم سريعًا كما أمرها..لتجلس على المقعد جواره في حديقة قصر الصياد

سمعت تنهيدة أدم التي شعرت بها مُثقلة ونظر حوله لإرجاء القصر قبل أن يقول بشرود..
-تعرفي ان القصر دا كان مُرعب قبل مااشوف تقى
فاضى وغريب..كانت هي الحاجة الوحيدة الي فيها الروح في القصر دا

تمتمت بإرتباك من ذاك الإعتراف الصريح..
-ربنا بخليكم لبعض..هي شكلها بتحبك

تراخت ملامحه المُشتده ليقول بهدوء..
-تفتكري !

ذُهلت من تشكيكه لتقول..
-اه طبعا حضرتك مشوفتهاش بتبصلك ازاي
كلمة بتحبك قليلة علي شعورها ناحيتك يابيه

إبتسم أدم ليقول برفق..
-ابقى حماكي وتقوليلي يابيه..قوليلي بابا زي البنات مابيقولوا..1

همهمت خجلة..
-حاضر يابابا

قطع حديثهم قدوم العاملة ووضعها لصندوق الشطرنج والأخر للطاولة..ليقول...
-تحبي تلعبي اي واحدة فيهم

نظرت للألعاب بحيرة لتقول..
-مش عارفة انا مبعرفش ألعب الإتنين

عقد أدم حاجبيه ليقول بعد صمت..
-اول ماسيدرا كبرت شوية علمتها تلات حجات
الصيد والشطرنج والخيل..كنت دايما عايزها قوية وتعرف تفرق بين أهدافها..وتحقق الي هي عايزاه ومتكونش شخصية مُترددة..الحياة بالنسبالها ياأبيض ياأسود

أضافت بتأييد قائلة..
-وواضح عليها كدا فعلا شكلها قوية جدا

تجاهل تعليقها ليُكمل بنفس الهدوء وهو يوزع الجنود السوداء على لُعبة الشطرنج...
-بعكس شَريف..دايما كان عشوائي شايف الألوان كلها
وممكن في عز الإختيارات يختار أحمر عادي
طالع لتقى..عنده للمشكلة مليون حل
بس لازم عشان ينفذ حل من الحلول دي محتاج حد يكُر الخيط منه

نظر لجنودها باللون الأبيض ليقول أمرًا..
-رصي الجنود زي ماانا راصصها

إرتبكت للحظات وهب تنظر للجنود بتركيز وتحاول توزيعهم بحسب توزيعة ليُكمل..
-وعشان انا هو شخصياتنا مش واحدة كانت أهدافه بعيدة عن الي انا كان نفسي فيه..إختياراتي ليه هو شايفها إجبار وفرض رأي..وإختياراته انا شايفاها مش مُناسبة ابدا..ومن كتر خلافتنا ساب البيت وقرر يكمل أهدافه بعيد1
عقدت ريشة حاجبيها وأخيرًا علمت سبب الأجواء المتوترة دائما بينه وبين شَريف..ولكن تسائلت أن كان تركهم..لما رجع من جديد !

قرأ أدم تساؤلها من نظرتها ليقول..
-عشان اوافق انه يتجوزك..خليته يسيب شغله في الداخلية ويمسك شغلي في مصر..ويشيل مسؤلية
رغم اني بتحايل عليه يعمل كدا إلا ان وجودك كان القيد الوحيد الي خلاه يوافق ويتنازل

صُدمت لتُكرر..
-وافق بسببي انا
همهم ليقول بهدوء وهو ينظر لصدمتها..
-اه..واضح انك غالية عنده ياريشة

صدمتها جعلتها عاجزة عن الرد ليأتي جواد ويقاطع حديثهم..لتقف ولازال الصمت يُلازمها وكادت تسير ليوقفها صوت أدم وهو يقول..
-خليكي معاها كُري الخيط ياريشة
ابني مش هياخد أي خطوة من نفسه إبني بيجي بالإجبار وبس1

حركت رأسها بشرود وسارت عائدة للقصر
وعند أحد الأركان المنزوية شعرت بيده وهو يجذبها اليه سريعًا..شهقت بحدة لتقول..
-حرام عليك هتجيبلي ساكتة قلبية في مره

أنزل شَريف يده من حولها ليقول بجدية..
-بابا كان عايزك في ايه ياريشة

سيطرت على فزعها لتأخذ شهيق بطيئ وتقول..
-روح اسأله بنفسك

هتف بحدة...
-رييشة..ابويا كان عايزك في ايه !

عضت على شفتيها بخوف من حدته ولكن تمالكت نفسها لتقول..
-انت ازاي كدا وازاي دا ابوك..ابوك باشا
انما انت

نظرته المُحذرة جعلتها تبتلع كلماتها وتقول..
-امم خلاص متبصليش كدا..كان بيوصيني خليك
محسسني انك محتاج توصية

همهم شَريف ليقول بعد صمت..
-مكلتيش كويس ليه

لوت شفتيها ساخرة..
-كتر خيرك انك لاحظت..كنت مشغول مع مريله بنت عمك

صمت للحظات قبل أن يضحك بدهشة مُكررًا..
-مريلة !..اسمها مريانا بوظتي اسمها ياريشة

تجاهلت حديثة لتقول بضيق..
-اسفين لإسمها

صمت شَريف وتحسس وجنتها فجأة لترتجف أوصالها وتبتعد خطوة للخلف لتقول بإرتباك..
-انت مقرب كدا ليه

-وانتي خايفة كدا ليه..انتي خايفة مني ياريشة

حركت رأسها بنفي..ليقترب منها أكثر لتحبس أنفاسها بخوف داخلي..لتشعر به يطبع قبلة مطوله على وجنتها..وابتعد ببطئ ليراها إحمرت كـ ثمرة ناضجة
ليقول..
-متحاوليش تكدبي عليا تاني ياريشة
أدم الصياد مبيوصيش حد..وانا مش عيل عشان اصدق الكدبة الغبية دي1

إبتعدت عنه سريعًا وعادت أدراجها بعدما أطلق صراحها أخيرًا..كانت ترتعش وأنفاسها تضمحل ووجنتها ساخنة وكأنه وضع لهب مُحترق عليها

استفاقت من شرودها وهي تترك هاتفها جانبًا وتُغمض عيناها بخوف من القادم..الخوف من شَريف الصياد وألوانه الغريبة..

كتبت رسالة لترد عليه
"تمام قبل كتب الكتاب هروح للحج كامل الأول"

انهت كتابة الرسالة لتُرسلها وتتنهد بعمق
وهي مُدركة أن إمكانية الفرار من عائلة الصياد مُنعدمة
***
نظرت جودي لهاتفها بحيرة للحظات وهي لا تدري مالذي عليها فعله في حالة عدم إتصال صالح بها قُرابة العشر ساعات تقريبًا..وحينما تتصل هي يُجيبها بكلمات مُختصرة ويغلق الخط سريعًا وكأنه يهرب منها

حسمت أمرها وتنهدت وهي تكتب له...
"صالح انت كويس !"

ظهرت أمامها علامة إستلامه للرسالة..ليغيب قُرابة العشر دقائق لتصلها رسالته المُختصرة كما حديثة..
"اه انا كويس..بس ورايا شغل كتير"

عقدت حاجبيها بحيرة قبل أن تكتب له
"طيب ربنا معاك..خلص وكلمني"

بعثت الرسالة ووضعت هاتفها جانبًا وشردت في شخصية صالح الجدية والعملية أكثر من اللازم..رغم انها مُعجبة بشخصيته القوية وحضوره الواثق..إلا أن جفائة غريب
إبتعاده ايضًا غريب..لا يحاول كسب ودها او رضاها
أودعت هذا لإنشغاله الشديد في عمله ولم تُرد التركيز كي لا تتكون أفكار سلبية بعقلها

سمعت طرقات على باب غرفتها لتقول..
-ادخل

دلفت مريانا وعلى وجهها إبتسامة صغيرة..
-نمتي !

هزت راسها نافية لتقول باسمة..
-لا يامريانا تعالي ادخلي

دلفت مريانا وأغلقت الباب خلفها لتقول...
-مجاليش نوم قولت اجي اقعد معاكي قبل مااسافر

همهمت جودي مُرحبة لتقول مريانا بهدوء..
-امم صالح عامل ايه !

إستغربت جودي من سؤالها على صالح لتقول..
-صالح كويس الحمدلله

همهمت مريانا لتقول..
-بتحبيه ياجودي..امم قصدي صالح

إرتبكت جودي لتقول باسمة بخجل..
-انا لسه مخطوباله من كام يوم مش هلحق احبه يعني ياميري

تنهدت مريانا بإرتياح وكادت أن تتكلم..ولكن تابعت جودي بشرود وإبتسامة..
-بس مُعجبة بيه وبجديته وإحترامة
اقولك سر يامريانا..انا مُعجبة بيه من اول مااشتغلت معاه

تهدلت أكتاف مريانا بحزن لتقول..
-جودي..صالح دا مش كويس
حاولي متحبيهوش..انت تستاهلي حد أحسن

عقدت جودي حاجبيها بضيق قائلة..
-ليه بتقولي كدا يامريانا..شوفتي منه ايه عشان تقولي عليه كدا !

ترددت مريانا للحظات قبل أن تقول..
-امم شوفته وهو بيحضن واحدة بره الخطوبة
وكان وشه غريب..شكله ببحبها جودي..وهي كمان خافت منه

تصنمت جودي ولم تستوعب ماقالتة مريانا
وهي تُكرر داخلها كلماتها بصدمة
***
رواية رُد قلبي
الفصل الخامس والعشرون الجزء الثاني"غضب أسود'
.................................
تنهد رامي بثقل وهو ينظر لوالدته النائمة بتعب واضح
أكملت الأربع أيام على فراش المشفى وخرجت لتعود معه الي المنزل بصمت..ولازالت حزينة ذابلة...أقسم لها انه لا يهمه من أنجبته وانما هي من تهمه
ولكن لا فائدة..تبكي الى ان تنام ولا تنظر لعيناه أبدا

زفر بضيق وهو ينظر لوالده الذي أتي لتوه..والده الذي لا يأتيه سوا كل صباح ليطمئن عليهم ولا يبيت في المنزل .ومن الواضح انه ينام ببيت تلك المرأة..وهو الأخر لم ينظر لعيناها..يتحاشى أن يواجهها..فيكتفي بأن يلقي عليها نظرات مُختلسة ثم يغادر لعمله فقط

كره ضعف والدته حينما يخرج ناجي من الغرفة
يكره كونها تنتظر خروجة لتُطلق دموعها المحبوسة
وتضيع وسط إكتئابها من جديد

في أيام معدودة شعر وكأنه هرم..شعر وكأن العجز إمتلك منه..رؤية من نحبهم يذبلون مؤلمة...تنهد وهو يُلقي بجسده على الأريكة ويغمض عيناه بتعب حقيقي وقلبه يود بعض الدفئ والدعم..قلبه يطلب هالة التي إختفت عن حياته منذ ذاك الشجار التي أشعلته رجاء

وحينما يحاول الإتصال بها يجد الهاتف مُغلق
إختفت تماما من حياته...لا تتواجد على مواقع التواصل
وهاتفها مُغلق لا يأتي بإستجابة..وكأنه كان ينقصه إختفائها هي الأخرى

قطع تفكيره جرس الباب وهو يعلن عن زائر
إعتدل من نومته واتجه الى الباب ليفتحه بملامح مُقتضبة
ليري إمرأة تقف أمامه تنظر له بنظرات باسمة ولكن إستطاع رؤية الخبث بعيناها..لا يدري لِما إتقبض قلبه منها ليقول بضيق...
-خير مين حضرتك

همهمت المرأة وهي تدلف الى الشقة لتقول..
-حضرتي..اممم انا بدر ..مرات ناجي وأمك

علم الآن لِما لم يرتاح قلبه لها..إكتفى بأن يُكتف يده وينظر لها بصمت ونظرات متحفظة..ليخرج ناجي من الحمام وهو يمسد بالمنشفة على وجهه..ولكن تسمر حينما رأي بدر تقف في وسط داره ..داره التي تسكنها أمنية

بُهت ليقترب منها قائلا بدهشة..
-بدر بتعملي ايه هنا

همهمت بدر وهي تتجه له لتُقبل وجنته بدلال لتقول..
-جيت أعمل الواجب ياحبيبي..أمنية تستاهل اني اشكرها بردو..مهما كان دي الي ربت ابني

قاطعها رامي بخشونة..
-وجودك هيزود وضعها سوء متشكرين لزيارتك

إلتفتت له بدر ورفعت حاجبها بإستنكار لتقول...
-هيزود وضعها سوء..امم أمنية زي ماهي بتبالغ في ردود أفعالها..من وهي عيلة صغيرة بضفاير

لتنظر لناجي وتُتابع بإبتسامة مرحة..
-فكرتني ياناجي لما جاتلك قبل فرحنا وبتقولك انها بتحبك وانت رفضت..ساعتها بهدلت اهلها عياط وشحتفه ومستشفيات

قاطعها ناجي بضيق هاتفًا وهو يُمسك يدها..
-انزلي استني في العربية يابدر وانا هغير هدومي وانزل اوصلك
نزعج وجهها لتُفلت يدها من يده هاتفة..
-ايه إستقبالكم البايخ دا ياناجي2

لتنظر لرامي قائلة بعتب..
بذمتك دا واحد مشافش امه بقاله عمر بحاله
هي أمنية وصيتك تعمل كدا لما تشوفني
هي دي تربيتها الي ناجي فالقني بيها

كان رامي يسمع حديثها بدهشة حقيقية من إسلوبها الغريب..كلماتها التي تُشبه السيف ذو حدين
ونظراتها البسيطة التي تُبعد عنها شُبهات بغضها لوالدتة..كيف لتلك المرأة أن تتصرف بهذا الشكل الغريب

إستفاق على تنهيدتها المُتذمرة حينما هتفت...
-انا جاية عشان أمنية معقول مسمعتش صوتي كل دا
انا عايزة اشوفها واطمن عليها

وسارت في طُرقات المنزل تهتف..
-أمنية انتي فين ..أمنية

لحقها رامي وهو يهتف بحدة..
-لو سمحتي ملكيش دعوة بيها..هي كويسة ومش محتاجة أبدا انها تشوفك وانا بحذرك انك تفكري تظهري في حياتي انا وهي...دي امي وانا إبنها
يعني انتي بكل بساطة ملكيش وجود بينا

إختفت الإبتسامة من وجهها ودمعت ليزمجر ناجي..
-رامي إلتزم حدودك واعرف انك بتكلم امك

قاطعته بدر وهي تنظر لرامي بدموع لم تغادر مُقلتيها..
-سيبه ياناجي..مسيره يعرف الحقيقة ويندم على كل كلمة قالها..وساعتها

لانت نظراتها وهي تحدقه بحنان..
-وساعتها انا هسامحه عادي مش هتصرف بتهور زيه كدا..وعمومًا سلامتها ألف سلامة انا قولت من الواجب اطمن عليها

ثم سارت لباب المنزل ونظرت لناجي قائلة بهدوء..
-هستناك في العربية تحت عشان توصلني ياناجي
ولو رامي وأمنية محتاجينك هروح لوحدي مش مشكلة1

نفى ناجي سريعًا ليقول...
-لالا انا هلبس بسرعة وانزلك متقلقيش

القت نظرة أخيرة على رامي قبل أن تخرج وتُغلق الباب خلفها..لينظر ناجي الي رامي بغضب ليُشيح بوجهه عنه ويذهب لأحد الغرف الجانبية ليغير ملابسه..بينما رامي يقف بمحله ولأول مره يشعر بضياع وتشتت

لا يدري هل بدر تلك الأم الأنانية التي تركته خلفها وعادت لتخرب حياتهم دون أي تفكير
أم تلك العفوية الطيبة التي كانت تقف أمامه منذ لحظات !1

شعر بأنه يود لو يلقي رأسه على وسادته ويغيب عن الوعي ليقف عقله عن التفكير ولو بشكل مؤقت
ولكن نحيب مكتوم خرج من غرفة أمنية

إتجه سريعًا ليفتح الباب ويطمئن عليها..ليجد الباب موصد..ولازالت أمنية تبكي بصوت مكتوم وإرتعاش
إذًا سمعت صوت بدر هنا

اغمض عيناه بتعب وأسند رأسه على الحائط
وهو يسأل نفسه..الى متى ستظل أجوائهم مُعكرة
أمنية تكاد تموت من فرط الحزن..وناجي موقفه غير مفهوم..وهو التائه في المنتصف. والمُعلق بين كل شيئ
***
لم يستطع فاتح إستيعاب حديث عمه أحمد..وهو يخبره بكل بساطة أن ينفصل عن سارة..ويفسخ عقد القران الذي يجمعهم..ليهتف فاتح بقوة...
-ودا ليه بقا ان شاء الله مش حضرتك بردو الي صممت ان انا أكتب كتاب عشان مجيش بعدين واسيبها

تنهد محمد وهو يقول بهدوء..
-كنت غلطان وانا اهو بصلح غلطي دا
انا مينفعش أجبر بنتي على حاجة..انا غلطت لما كنت فاكر ان انا كدا بربيها...معلش يافاتح سيبها وانت شوفلك بنت حلال تكون مُناسبة ليك

جز فاتح على أسنانه وأغمض عيناه يحاول استيعاب حديث عمه ليهتف بخشونة..
-وسارة رأيها ايه في الموضوع دا

-سارة نفسها الي طلبت الطلاق..وانا شايف ان معاها كل الحق انها تقرر هي عايزة ايه

إنتفض فاتح ليُزمجر بغضب أسود..
-وانا من حقي ايه بالظبط..اتجوز يافاتح وطلق يافاتح..انا رأيي فين في كلامكم دا..ولا انا مش راجل كفاية في عينيكم عشان تعملوا كدا

تدخلت رُقية مُهدأة لحدة الحديث...
-ياحبيبي متقولش كدا..وبعدين ماانت عارف ان كل شيئ نصيب..وربنا بيعوض خير..وانت اصلا كنت تعبان من اسلوب سارة ...شوف طريقك مع واحدة غيرها يابني

صاح من جديد بحدة...
-لا ..المرادي هقول لا البت دي مراتي انا
يعني انا الي اقرر أطلقها ولا اخليها علي ذمتي
مش كفاية ان من يوم المشكلة وهي بتعاقبني وكإني انا الي عملت المشكلة دي

خرجت سارة من غرفتها كالإعصار المُدمر لتقول بجنون...
-مش انت الي عاملها بس انت سكت علي اهانتها وكأني فعلا خطفتك منها..هتطلقني يافاتح وهتبعد عني انت وباقي العيلة كلكم..انا مش مداس لحد فيكم

إستنكر تعبيراتها القاسية ليقترب منها بعصبية قائلا..
-بقا كدا طب انا مش مطلقك ياسارة
وأعلى مافي خيلكم اركبوه..هتفضلي مراتي وعلى ذمتي ولو جدعة اعرفي افلتي مني

صرخت سارة بوجهه بكل غضبها..
-هتطلقني يافاتح غصب عنك..انا مستحيل اقبل ان يحصلي كدا بسببك تاني وانت تسكت وانت شايفني بتهان

تمالك أعصابة بصعوبة وهو يهتف..
-يابنتي بلاش غباء وافهمي انا عملت كدا ليه متخلنيش اكسرلك دماغك الغبية دي
إنتفض محمد بعصبية من تهديده لإبنته...
-انت اتجننت ياواد انت ولا ليه..هتطلقها ورجلك فوق رقبتك..وإلا هيكونلي كلام مع ابوك على قلة أدبك دي

استنكر فاتح حديثه ليهتف وهو يتجته لباب المنزل..
-مش مطلقها ياعمي..ولو السما نزلت على الأرض مش هطلقها..انا مش لعبة في ايديكم..وبكرة تندموا على تقليلكم مني دا

خرج وصفع الباب خلفه بقوة لتنهار سارة في أحضان رُقية بينما أمسك محمد هاتفه وأتصل بشقيقة ليسرد عليه ماحدث صارخًا

لتربت رُقية على رأس سارة قائلة..
-كفاية عياط ياحبيبتي والله كل دا هيتحل

هزت سارة رأسها بقوة وهمست..
-لا ياماما مش هيتحل..تهديد فاتح بيقول انه هيعمل حاجة ومش هيسكت ابدا على طلبي للطلاق

أبعدتها رقية برفق لتقول بحيرة..
-مش انتو كنتم متفقين على الطلاق قريب
ايه الي حصل وخلاه يرفض كدا

-مش عارفة ياماما..بس أكيد بيعند فيا وبس
زي مااتجوزني وهو بيعند فيا..مش هيطلقني بسهولة

نفت رقية وهي تنظر لسارة بعمق...
-لا ياسارة دا مش تصرف واحد بيعند
دا تصرف واحد مراته الي بيحبها بتتاخد منه

عقدت حاجبيها ومسحت دموعها لتقول..
-قصدك ايه ياماما !

نظرات رُقية الصامتة بعث داخلها قشعريرة مصدومة..أتقصد انه بات يحبها ولا يستطيع التنازل عنها بسهولة..فاتح العابس يحبها هي..هكذا ببساطة !

نظرت لوالدتها بحيرة لتسمع صوت والدها وقد بلغ الغضب ذروته...
-هطلقك منه ياسارة..هيطلقك غصب عن عينه
زي ماسلمتك ليه بنفسي هطلقك منه بنفسي متقلقيش يابنتي

صمتت سارة وقد شعرت ببعض الندم انها قصت على والدها كل ماحدث بينها وبين فاتح من البداية
ليقابلها ندمه الشديد ووعده لها بأنه سيطلقها منه مهما حدث..

زاغت عيناها وقد دمعتا من جديد وهي تسأل نفسها بمنتهي الجديه هل هي فعلا تود الطلاق من فاتح !

بينما كان فاتح يقود سيارتة بنظرات غاضبة ويده تشتد على عجلة القيادة أكثر كلما تذكر كلمات سارة
ليمسك هاتفه ويتصل على أحدهم مُرحبا في البداية
ليقول بعدها...
-زياد معلش محتاج منك خدمة

-اؤمر يافاتح انا عينيا ليك

تنفس فاتح بقوة ليقول بجمود...
-عايز أعرف إجراءات طلب الزوجة في بيت الطاعة..ويشترط أكون زوجها فعليًا ولا عادي بكتب كتاب ممكن اطلبها..1

أجابه الطرف الآخر بينما هو لازال يفكر في تلك الخطوة حاسمًا امره سيتمسك بسارة حتى ولو أرادت الإفلات..هو ليس لُغبة بيدهم...



السادس والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close