اخر الروايات

رواية مذاق العشق المر الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة المصري


                                              
الفصل الرابع والعشرون 
جلست ايتن على طرف مكتب نور وهى تهز قدميها فى عصبية بينما تنظر الى الباب المغلق عليهما منذ ما يزيد على نصف الساعة فحين وصلت لمقابلة حسام لم تجدها على مكتبها وسمعت صوتها بالداخل ...
 ماذا تفعل لديه كل هذا الوقت ؟
لقد لاحظت اهتمامها الزائد به طيلة الفترة الماضية معاملته المميزة لها و التي تختلف كل الاختلاف عن تلك المعاملة الجافة التى لاتجد منه غيرها دون سبب يذكر.. فرغم القائه لها فى قسم الحسابات لم ترتكب خطأ واحد بل بذلت قصارى جهدها لتظهر فى صورة الموظف المثالى أمامه ..فماذا هناك ؟؟؟...
ابتسمت فى تهكم وهى تجيب نفسها ..
 هناك ثلاث سنوات مرت ولم تستطع ان تنسيه مرارة ما فعلته ..
 ثلاث سنوات اجاد خلالها تمثيل دور الأخ ليخبرها بين السطور ان كل شىء فى قلبه تجاهها انتهى فى نفس الوقت الذى بدأت مشاعرها تتحرك تجاهه غير عابئة بحيرتها ...
 انه حسام ...حسام الذى طالما اشمئزت منه ...
حسام الذى بكت وتوسلت لابيها الايزوجها به ..
 ذلك الشخص هو ذاته الذى تتميز غيظا الان من وجوده مع تلك ال.....
زفرت فى غضب وهى تتذكر نور ..
يقولون دائما ان المرأة ترى من فضل حبيبها عليها اجمل منها حتى وان لم تكن تملك ذرة جمال واحدة ولكن ايتن لم تسقط فى هذا الخطأ مطلقا فقد حاولت ان تقيمها بنظرة انثوية خالصة بعيدة تماما عن اى اعتبارات أخرى لتجدها جميلة بالفعل بل فاتنة بشعرها الفحمى شديد النعومة الممتد الى نهاية ظهرها وخصرها النحيف المنحوت وملامحها الهادئة البريئة التى تجعلها تبدو كاميرة من اميرات القصص الاسطورية ..
 قفزت من على المكتب فى غيظ  والتصقت بالباب مجددا  لترهف السمع  وهى تزيح خصلة من شعرها خلف اذنها ..
 صوت ضحكاتهما هذه المرة سويا أفقدها اعصابها وهى تتخيل الاف المشاهد الحميمة بينهما وتحاول ازاحتها عن ذهنها دون فائدة ..
فتحت الباب فى عنف لتجد نور تقف مبتعدة عنه بمسافة مناسبة ،بينما تخلص هو من ابتسامته تدريجيا ليرتسم الغضب على ملامحه بسرعة وهو يهتف بها:
 ” انتى ازاى تدخلى بالطريقة دى ؟؟“ 
نظرت  اليه والى نور في خجل  من طريقته الفظة معها فتلعثمت في الرد:
” كنت عاوزاك فى حاجة مهمة بقالى نص ساعة مستنية برة ” 
ضرب المكتب بكفه مواصلا فى غضب:
 ” اناشالله تقعدى اليوم كله.. فى حاجة اسمها نظام ولا مسمعتيش عنه ” 
طأطأت رأسها فواصل  فى قسوة :
” اتفضلى استنى برة ومتدخليش غير لما نور تقولك ” 
تراجعت للخلف فى ضيق قبل ان يوقفها  فى حدة :
” انسة ايتن ..المرة دى لفت نظر بس ...المرة الجاية فى اجراء تانى ” 
احمر وجهها اكثر وهي تبدل النظر بينه وبين نور قبل ان تلتفت لتغادر المكان ليضرب المكتب بقبضته هاتفا:
 ” مستهترة ..هتفضل طول عمرها مستهترة ” 
حكت نور جبهتها بكفها وقالت في حيرة :
” باشمهندس ممكن اسألك سؤال ” 
هز حسام رأسه بالايجاب دون ان ينظر لها فواصلت:
 ” مش المفروض ان ايتن تبقى بنت عمك ” 
ابتسم في تهكم:
 ” مش المفروض ..هيا فعلا بنت عمى ” 
قطبت حاجبيها في دهشة:
 ” طب ليه بتعاملها بالطريقة الجافة دى ” 
لأنه يرفض ان يضعف امامها من جديد ...
يرفض ان تستيقظ مشاعره من سباتها العميق بعد ان خدرها بيده وظن انها انتهت ..
 يرفضها هى بعد كل ما فعلته..
 بعد ان وضعت قلبه ومشاعره وكرامته تحت قدميها ودهستهم فى قسوة..
 بعد ان اشعرته بأنه لاقيمة له وهى تفر حتى لا يقترن اسميهما سويا ..
 هو يرفض وجودها من الأساس وما ابقاها الا ليثبت لنفسه انه تخطاها من حياته وهاهو فشل وبجدارة .. كره نفسه حين رق قلبه لها وهو يرى دموعها الحبيسة بينما تغادر مكتبه وكلما كان يقاوم رغبته فى النهوض اليها وضمها اليه كلما كان يقسو عليها اكثر ، هى لن تكن له حتى وان كان يعشقها ..
لن يفعل وان اعتذرت منه الف مرة فلن يسهل ابدا رأب هذا الصدع الذى الم بكيانه ورجولته وقلبه قبل كل شىء . .
 رفع رأسه في بطء الى نور ..
 فتاة جميلة مهذبة ...
بها كل الصفات التى يتمناها اى رجل ..
لن يجادل نفسه فهو يشعر بميلها اليه الذى تحاول اخفائه دوما فتحفظها معه كان واضحا ..
 تنهد فى عمق وهو يرى احمرار وجنتيها خجلا من نظراته المتفحصة ...
راق له خجلها فنهض مقابلا لها..
رفع ذقنها بسبابته ليشعر بارتعادها واهتزاز حدقتى عينيها من التوتر.. تمعن بها للحظات قبل ان يسألها في رقة تحمل كثيرا من الجدية:
 ” نور ...تتجوزينى؟؟ ” 
***********************************
فى فندق من أفخم فنادق القاهرة أقيم الحفل الذى أجله يوسف اكثر من مرة بمناسبة افتتاح المقر الجديد للشركة واتساع اعمالها اكثر ففى ثلاث سنوات تشعبت افرعها لتتخطى مجال الازياء الى مجالات اخرى واخرى وتصبح من اقوى المجموعات الاقتصادية فى مصر ، اسبوع من الصمت فصل بينه وبين ايلينا ، كل منهما يحمل للاخر ما يحمله دون ان يواجه ، لايعرف حقا مبررا لما فعلته ؟؟
 كيف تقتل طفلهما الذى عاش معها معاناة ثلاث سنوات من اجل الحصول عليه ؟؟؟
 هل غلب كرهها له حبها للطفل بالفعل بل خشيتها من غضب الله ايضا ؟؟
 ليتها انتقمت بأي طريقة غير تلك ..
 لن يمنحها ماتريده ابدا فلتأخذ ما تحتاج من وقت لتتخطى ماحدث الى جواره .. 
مجرد التفكير في ابتعادها عنه من الأساس يصيبه بالجنون ...
هو لم يرغب فى وقوع ماحدث ابدا ولكنه ارغم على التعامل معه ...
ارغم على تحمل مسئولية الطفل فهو ابنه فى النهاية ولن يتركه لجينا لتطبعه بدينها واخلاقها .. فقط كان ينتظر الفرصة المناسبة لتسوية الأمور معها واخبار ايلينا بالامر كله .
تنهدت سميرة فى حزن وهى تجلس على احدى الطاولات تراقب ابنائها ..
 يوسف ونظراته الشاردة الى زوجته الذى اخبرهم فجأة ان حملها قد انتهى وبرر بهذا تلك الحالة التى تعتريهما ولكنها تشعر بغريزة الام ان الأمر اكبر من ذلك بكثير ..
 نظرة اخرى الى زين الذى تتعلق سمر بذراعه فى دلال وتملك وظفر واضح بينما هو شارد كعادته فى عالم اخر ..
 عاد فجأة ليخبر الجميع بأنه ردها الى عصمته واختارها زوجه له بارادته وسامحها على كل شىء ولكن عينيه الحزينتين كانت تشيان بقلبه المحطم وامله الذى ذاب وتلاشى فى بحور معاناته الطويلة الذى قرر فى النهاية ان يستسلم لأمواجها لتقذفه اينما شاءت ...
 نظرة الى ايتن التى كانت تنظر الى باب القاعة فى ترقب وهى تتطلع الى ساعتها بين الحين والاخر ، ابتسمت فى تهكم  فابتتها تبحث الان عما اضاعته بيدها منذ سنوات ، تنبش عن اطلال حسام العاشق فى حسام الجديد الذى القى بكل شىء يخصها خلف ظهره .. وضعت رأسها بين كفيها تضغطه بقوة وهى تتمنى ان ينتهى هذا الحفل سريعا فقد اصيبت بالضجر .. الصحافة لاتكف عن التقاط الصور وهى تكره الظهور الاجتماعى بشتى الطرق .
ابتسمت ايتن فى سعادة حين رأته يدخل من الباب مررت يدها على شعرها وثوبها بحركة انثوية غريزية تتأكد بها من هندامها ، سارت بخطوات متمهله فى اتجاهه لتتلاشى  ابتسامتها  تدريجيا حين رأت نور تأتى خلفه ، حاولت جاهدة ان تتصنع ابتسامة مماثلة وهى تتجه نحوه تصافحه قائلة :
” ازيك يا حسام ..افتكرت انك مش جاى ” 
ابتسم وهو يصافحها في روتينية:
 ” مجيش ازاى ..انا اللى اخرنى انى عديت على نور وهيا اتأخرت على ما جهزت ” 
نظرت ايتن اليها فى غيظ وكادت ان تفلت من شفتيها عبارة ساخطة وبصعوبة ابتسمت من جديد ولكن ما افقدها تمالكها بالفعل هو حين امسك حسام بيد الأخرى فى تلقائية ليدخل بها الى القاعة ، رأته يقف مع اصدقائه ويعرفهم بها ...
رأت مزاحهما سويا وهمسهما وكادت ان تحترق غيظا .. لم تستطع ان تتحكم فى نفسها اكثر فانطلقت نحوهما كالقذيفة وهى تقول بصوت بعثرته الغيرة والغضب :
 ” حسام لو سمحت دقيقة ” 
رمقها فى حيرة وابتسم  وهو يستأذن نور ليلحق بها فى شرفة من شرفات الفندق ..
 التفتت له  حين شعرت بوجوده وتركت للسانها العنان ليعبر عن انفعالها كما يحلو له:
 ” حسام انت ليه بتعمل معايا كدة ؟؟“ 
وضع  يديه فى جيب سترته ورد فى برود :
” ايتن احنا اتفقنا من اول يوم ان الشغل بعيد عن اى حاجة وان اى تقصير منك هي...“ 
هتفت فى الم تخبره بما يعلمه ويتجاهله:
” مقصدتش الشغل ..انا استحمل منك كل حاجة يا حسام بس عشان ابقا جنبك ..بس انت ليه بتعمل فيا كدة ” 
هز كتفيه قائلا بعدم اكتراث :
” انتى بتكلمى على ايه يا ايتن؟؟ ” 
اشارت الى الخارج باصبعها تجيبه في حنق:
 ” عن نور ....انت بتعمل كدة عشان تحس انى بغير ولا لا ؟؟...عشان تعرف انك فارق معايا ولا لا ...حسام انا اعتذرتلك مليون مرة و...“ 
قاطعها  في استنكار :
” عمرك ما هتتغيرى ابدا ....انتى متخيلة انى ممكن استخدم مشاعر انسانة بس عشان اعرف اذا كنتى هتغيرى ولا لا ...“ 
واضاف فى قسوة:
 ” انتى متخيلة انك لسة ليكى وجود فى قلبى او حياتى من اصله ...لا يا ايتن متضحكيش على نفسك.. انت وحشك حسام العاشق الولهان اللى بيجرى وراكى عشان يرضيلك غرورك ..كنتى متخيلة انه هيموت بعدك ومش هيقدر يقوم تانى على رجليه او يكره كل الستات بقا وينتقم منهم ” 
واقترب اكثر وهو يهمس فى شراسة:
 ” لا يا ايتن.. متديش لنفسك حجم اكبر من حجمك ولا مساحة انا من زمان ادتهالك ورجعت ندمت ..انتى حتى مينفعش انك تتسمى تجربة ...انتى نقطة سودا فى حياتى بتفكرنى بضعفى بعجزى بغبائى ..وانا مش هرجع ضعيف تانى مهما حصل ” 
تخيلته فى أي شىء الا ان يكون قاسيا الى هذا الحد ، تخيلت للحظات انه يحتفظ لها ببعض من حبه ...حاولت البحث عن تلك النظرة القديمة التى طالما كان يرمقها بها ولكنها لم تجد سوى تلك النظرة الشرسة المشوبة بكثير من الازدراء ...
سالت دموعها وهى تنظر اليه فى حسرة تنفي بأمل واهن كل ما قاله:
 ” متقولش كدة يا حسام ....انا عارفة انى غلطت كتير ..بس انا دلوقتى بقيت انضج وعارفة كويس احساسى ناحيتك ..حسام انا ب....“ 
اغمض عينيه يقاطعها في هدوء:
 ” هشششششش ولا كلمة ...مبقاش ليها لزمة خلاص ...كل واحد فينا بقا ليه طريق عكس التانى ومستحيل نتقابل ” 
اتسعت عيناها تسأله فى حذر:
 ” قصدك ايه ؟؟؟“ 
تراجع خطوتين يلقي جملته في حدة :
 ” اقصد انى عرضت على نور الجواز ” 
شهقت وهى تضع كلتا يديها على ثغرها :
 ” حسام انت بتقول ايه ؟؟“ 
تنهد فى راحة كأنه ازاح عن كاهله ثقل سنوات...كأنه أخذ قليلا من حقه بصدمتها تلك دون أن يسعى لذلك :
 ” بقول للمرة المليون يا ايتن انتى بنت عمى وبس ومتستنيش يكون فيه حاجة بينا اكتر من كدة ...نور انسانة مناسبة ليا من كل النواحي ومعتقدش اني ممكن الاقي حد زيها بسهولة ” 
نظرة أخرى اليها جعلته يراها بشكل اخر ...
نظرة كانت كافية ليهرب من امامها قبل ان يضعف من جديد امام دموعها وقد أقسم الا يحدث هذا مطلقا..
 وجودها لا يسبب له سوى الضعف ولن يعود ضعيفا من جديد مهما حدث .
لن يعبأ بها فلم تعبأ به يوما ..
فلتغرق في صدمتها كما أغرقته 
فلتنهار كما انهار ..
فلتموت كمدا ان عشقته كما ادعت ..
.......
استمر الحفل قائما والقى يوسف بكلمته الذى شكر فيها كل العاملين فى المجموعه وكل من ساهم فى نجاحها وغيرها من الكلمات الروتينيه التى اعتادها فى مثل تلك المواقف مع كثير من الصور التى التقطتها الصحافة...
هبط من المنصة ليتجه اليها بعد ان غلبته مشاعره فى النهاية وهو يراها تقف منزوية بعيدة شريدة فى احد اطراف القاعة ...وقف أمامها للحظات قبل أن يسألها في قلق :
 ” واقفة لوحدك ليه ”
 لم ترد ولم تنظر اليه حتى.. 
عاود السؤال من جديد لتجيبه فى هدوء مميت دون حتى ان تنظر اليه بابغض سؤال الى نفسه:
 ” هتطلقنى ولا لا ؟؟” 
زفر فى غضب ..هى لاتعرف ماذا تفعل به هذه الكلمة كز على اسنانه وهمس في حنق:
 ” مفيش طلاق ....انتى سامعة ولا لا ...خدى وقتك زى ماانتى عايزة بس وانتى معايا ..مع الوقت هتسامحى لكن طلاق لا والف لا يا ايلينا ” 
رمقته بازدراء ولوت شفتيها لتواصل:
” وانا مبقاش يشرفنى افضل لحظة واحدة على ذمة واحد وسخ زيك ” 
امسك ذراعها فى قوة وهو يضغط عليه فقد مل حقا من تكرار نيلها منه:
 ” مش هسمحلك تغلطى اكتر من كدة ..كفاية انك قتلتى ابنى وحرمتينى منه ” 
ابتسمت فى تهكم وردت فى شراسة وهي تنتزع ذراعها :
” يعنى هوا كان فارق معاك ..ماانت عندك غيره ..وعندك الست جينا تخلفلك تانى وتالت ورابع ..ابنك ده هيفضل طول عمره قدامك يفكرك انه جاى من غلطة من جريمة مهما حاولت تجملها مستحيل تتغير ..هيفضل طول عمره ابن حرام ..ابن حرام ” 
لم يعهدها بتلك القسوة ابدا ، هو ابنه فى النهاية ولاذنب له فى هفواته ، لاذنب له بالطريقة التى جاء بها الى الدنيا ، لن يحتمل ابدا ان توصمه بتلك الوصمة ،لن يسمح بأن تنتقم منه في طفل لاحول له ولا قوة ..عاد ليضغط على ذراعها مجددا:
 ” اخرسى.. لو سمعتك بتقولى عنه كدة تانى هقطلعلك لسانك ” 
تهديده لها افقدها عقلها تماما واطاح بما تبقى من امان بداخلها ليحل الانتقام عوضا عنه وهى تهتف:
 ” طلقنى يا احقر واوطى راجل فى الدنيا ” 
التفت عدد لابأس به على صوت صراخها وهتافها فنظر لها يوسف فى تحذير لتتوقف:
” نكمل كلامنا بعدين ” 
نظرت حولها ثم اليه فى اشمئزاز..تملكتها الرغبة في الانتقام واحكمت اغلالها حولها فلم يعد لصوت العقل وجود:
 ” خايف ليعرفوك على حقيقتك طول الوقت مبتعملش حساب غير ليهم وبس ” 
وبسطت ذراعيها وهى تخطو بعيدة عنه هاتفة:
 ” انا مبقاش يهمنى خلاص ..خلى الكل يعرف ” 
التفت الجميع اليها وهدأت الموسيقى الصاخبة وتجمع العديد من الناس بين الفضول والشماتة وتأهبت عدسات المصورين مع شعورهم بقنبلة وانفراد صحفى جديد ..
 جذبها يوسف من ذراعها وهو ينظر حوله في قلق:
” اعقلى ايلينا ..اعقلى وبلاش فضايح ” 
ابتسمت فى تشف واضح وهى ترى قلقه وجزعه فافلتت ذراعها فى عنف وعادت تهتف فى قوة وهى تبتعد عنه :
” خلى الكل يعرف ...ان البيه المحترم جوزى اللى كلكو راسمينله صورة قديس ..انسان خاين ..خانى وخلف فى الحرام كمان ..شوفو كلكو وشو الحقيقى ” 
تعالت الهمهمات من الموجودين... أغلق عينيه بقوة ، لا يصدق ان يبلغ انتقامها هذا الحد ..
فضيحة مدوية ستداولها السنة الناس لسنوات قادمة ..
 وصمة سيظل ادم ابنه موصوم بها طيلة عمره ... 
تسمر في مكانه تماما دون أن ينتبه حتى لعدسات التصوير التي أخذت تلتقط صدمته باحترافية ..
 اما باقى العائلة فكانت فى حالة لايمكن وصفها بكلمات يتناقلون نظراتهم بين ايلينا ويوسف الذى يحاول التماسك بقوة وهو يطأطا رأسه فى الم ..
 حسام كان اول من تحرك وتنبه لعدسات الصحافة فقام بصرف كل المصورين والصحفيين من القاعة بينما كانت باقى العائلة على صدمتها ..
 صدمة لا يستطيع يوسف ان يرفع عينيه ليراها بعين اخوته الذين يرونه مثل اعلى فى كل شىء وعين ابيه و...امه ..
هذا الخاطر اصابه بالرعب ، لن يحتمل ابدا ان تهتز صورته فى عينيها وهى من كانت ترفع رأسها به بين كل الناس ..
 خلت القاعة من الجميع ولم يتبقى فيها سواه مع عائلته رفع رأسه أخيرا فى بطء وكان اول شىء بحث عنه هو اكثر شىء يريد الفرار منه... عينى امه التى جلست فى انهاك تطالعه فى حزن ..قهر... خيبة امل.. اتهام تتوسل اليه ان ينطق وان ينفى كل ما قالته زوجته ، تتوسل اليه ان يخبرها انها لم تضع عمرها هباءا وهى تظن انها انجبت من عقرت غيرها عن انجابه ..
 بحثت طويلا فى عينيه عن اجابة لم ولن تجدها بل وجدت اهتزازا فى حدقتيه يؤكد كل ما سمعت ..
حاول ان يقول شيئا ...ان يذهب الى امه ويركع تحت قدميها حتى تغفر له وترحمه من نظراتها تلك ..
 نظر الى ايلينا فى الم فأشاحت بوجهها عنه ، الان قد عاد اليها وعيها واستوعبت ماذا فعلت بيوسف وعائلته ، لقد عرته وفضحته امام الجميع ، لقد ارتكبت جريمة تضاهى جريمته او ربما تعدتها .. ندم العالم الم بها ولكنه لن يغير شيئا من الواقع ...ندم عصف بكيانها وهى تتلقى نظرات الاتهام والخذلان من الجميع ، نظرات اتهام لاتقل قوة عن نظراتهم ليوسف . 
 نهضت سميرة  من  مكانها فى تثاقل ..
تحاملت على نفسها وهى تتجه الى ولدها فى بطء وترنح ..
نظرت اليه مطولا وبعدها فعلت مالم تفعله فى حياتها ابدا حتى فى طفولته ..
صفعته بأقسى قوة تمتلكها لتفر من عينه دمعة وهو يشعر ان الم الصفعة ماهو الا ذرة من اطنان الم تمتلكها امه الان وبسببه هو ، هتفت فى تلعثم وهى تلوح بكفيها فى عشوائية:
 ” ليييه ...انا مش قادرة اصدق ..انت ابنى ؟؟...انت خلفت فى الحرام ..اانت كنت ..“
 ولم تستطع نطقها ..
 شهقت فى الم وهى تسقط ارضا ، التقطها يوسف بذراعه ليسقط ارضا على ركبتيه الى جوارها بينما يمسك كفها بيده الاخرى ويقبله مغرقا اياه بدموع ندمه وهلعه:
 ” سامحينى ..والله اللى حصل كان غصب  عنى ..ارجوكى يا ماما سامحينى ”
 اخذت تلتقط انفاسها فى صعوبة والم واضحين  فصرخ  فى الجميع الذين التفو حولها :
” اسعاف بسرعة ” 
حالة من الفوضى المت بالجميع ، ايتن.. زين ..محمود الجميع شل عن الحركة تماما...
 ايلينا لاتصدق ان الامور قد وصلت الى هذا الحد فلم يصل خيالها حتى الى هذا ، كان واضحا للكل ان سميرة تلفظ انفاسها الاخيرة بين يدى ولدها الذى اخذ يصرخ فى هستيريا وهو يقبل كفيها:
 ” امى ..لا ..متروحيش منى ارجوكى ...والله كان غصب عنى ” 
صارعت شهقاتها لتكون جملتها بصعوبة:
 ” قلبى مش قادر يغضب عليك ...حاول تطهر نفسك من ذنوبك ” 
ضم رأسها الى صدره هاتفا فى جزع طفل ودموعه تذرف بلا حساب :
” لا يا امى ...مش بسببى انا ...متروحيش بسببى متروحيش قبل ما احكيلك ” 
وقطعت توسلاته  شهقتها الاخيرة التى سلمت بها روحها الى بارئها فازاح رأسها عن صدره في بطء واحتضن وجهها بكفيه...قبل جبينها وهو يبحث بجسدها عن اي حياة ...يلتقط كفها البارد ..يضع يده المرتعدة على عنقها يبحث عن نبض ولو ضعيف ...على وجنتها يتحسسها في رقة  هاتفا بعدم تصديق وانهيار:
 ” لا يا امى ..استنى انا لسة محكتلكيش اللى حصل ..استنى ارجوكى ” 
صرخة ايتن وهى تنهار ارضا وتمسك بكفها تقبله وانهيار محمود الى جواره ودموع زين الذى خرجت منه شهقة عالية كانت كافيه لتقنعه بالحقيقة ، لقد ماتت سميرة ...
 ماتت امه الغالية ...
ماتت من استثناها عن كل نساء الارض ..
ماتت روحه كما كان يدعوها دوما ..
 صرخ فى الجميع :
” كفاية ” 
وضرب على وجهها مجددا وهو يتوسلها:
" امى فوقى ..هيا بس زعلانة بس هتفوق دلوقتى ” 
حاول حسام جذبه من عليها فدفعه يوسف فى عنف فاقترب زين منه واخذ يهزه فى قوة صارخا به:
 ” فوق بقا ..امنا ماتت يا يوسف ..ماتت ” 
وبعد لحظات من انكار العقل لكل شىء ، استوعب اخيرا فضمها بكل ماتبقى فيه من طاقة  صارخا بكل الم العالم "أمييييييي" 
***********************************************************
” فضيحة مدوية فجرتها زوجه يوسف البدرى ” 
” مجموعة البدرى اسهمها تواصل الهبوط بعد فضيحة الموسم ” 
 ” طفل غير شرعى ليوسف البدرى اخفاه  لسنوات ” 
 القت ايلينا الجريدة فى اشمئزاز ...
قد مر شهر تقريبا و الصحف لازالت تتداول الخبر بكل وقاحة غير مقدرة لما اصاب تلك العائلة وبظروف الحداد التى لازالت تعيشها ...
 لم تحتج ان يخبرها احد انه لم يعد لها مكان بينهم ، جمعت اشيائها واشياء اخيها بعد ماحدث مباشرة ولم تنتظر حتى مراسم العزاء لتعود الى بيت ابيها القديم ، نعم حققت انتقامها ولم تحسب انها ستدفع جزءا كبيرا منه ..
رحلتها مع عذاب الضمير قد بدأت وخسر يوسف اكثر مما كانت تظن ، سمعته وسمعة مجموعته اصبحت فى الحضيض ووصمت طفل ليس له اى ذنب بوصمة لن تفارقه ابدا ..
 كل ذلك وهو لازال قابعا فى حزنه كأن العالم بأسره لم يعد يعنيه ، عذاب الضمير الذى تحاول ان تروضه وتخبره فى كل لحظة ان يوسف يستحق فهو من خانها وعذبها يخبرها بثبات انها ايضا خانت الامانة وكشفت سترا امرها الله ان تستره ولم يدفع يوسف وحده الثمن بل دفعت عائلته باكملها الثمن معه ، التقطها رنين جرس الباب من افكارها...
 ايكون هو ؟؟..
 شهر كامل مر دون ان يتبادلا كلمة او حتى نظرة ، قلبها يخبرها انه يوسف لذا فحين التقطت وشاحها لم تحكمه حول رأسها جيدا واتجهت الى الباب لتتراجع فى ذهول وهى تراه او بالأحرى ترى ما تبقى منه .. 
 فقد الكثير من الوزن وكسا الشحوب الشديد ملامحه ..شعره كان منتفشا وغير مهندم كما تعودت عليه ..ذقنه طالت بعض الشيء .. طالعها بنظرات لم تفهم لها معنا او تجد لها تفسير ، لم تنطق بكلمة وانتحت جانبا ليدخل وهى تغلق الباب خلفهما ..
لم يحتج اكثر من خطوتين ليلتفت اليها بعدهما قائلا بابتسامة حزينة :
” خلاص حققتى انتقامك وارتحتى ..قتلتى ابنى جواكى وكمان قتلتى امى ” 
هتفت فى دفاع :
 ” يوسف انا مقتلتش امك ...طنط سميرة ماتت لما عرفت بعمايلك ” 
واصل وكأنه لايسمعها:
 ” كان ممكن اقضى عمرى كله اطلب منك بس تسامحينى ...كان ممكن اعمل اى حاجة تنسيكى اللى حصل غصب عنى ..مكنتش محتاج اكتر من فرصة ..ياما حاولت افهمك ان احنا ساعات الظروف بتضطرنا ..لكن انتى عمرك ما امنتى بده لان عمرك ما اتحطيتى فيه واكيد هييجى اليوم اللى تعرفى فيه كل ده...حتى لو غلطان كان ممكن الحب اللي بينا يخليكي تفكري ولو للحظة واحدة انك تسامحيني ...انتي كسرتيني ..دمرتي فيا كل حاجة ..ياريت انتقامك ده يكون ريحك وبرد نارك ..يوسف البدري خلاص انتهى على ايدك  ” 
واخفض رأسه ليزفر فى الم قائلا وهو يرفعها من جديد:
 ” على العموم انا مش جاى اتكلم فى اللى فات ..انا جاى اقولك كلمة كان نفسك تسمعيها واحققلك رغبة دبحتيني عشان تحققيها” 
وزمر شفتيه لحظة كأنه يتأهب لاطلاق رصاصة الى قلبيهما معا:
 ” الانسان اللى ميشرفكيش تبقى مراته مش هيبقى ليكى اى صلة بيه من النهاردة ...انتي طالق يا ايلينا"

5



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close