رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان واثنان وعشرين 222 بقلم اسماء حميدة
الفصل 222
في النهاية رضخ ظافر لرغبتها شيء ما في نظرتها الخاڤتة المليئة بالرجاء جعله يعجز عن الرفض ربما كان يخشى أن يخذلها أو أن يخذل شيئا عالقا في قلبه لم يعترف به بعد
كانت الليلة صافية على غير العادة المطر الذي ظل يجلد الأرصفة طوال اليوم قرر أن ينسحب أخيرا بصمت فاحتفظت السماء بالقمر كأنها تحرسه وحده بعد انحسار الغيوم فألقى بنوره الفضي على كل ما لامسته الظلمة
قاد ظافر السيارة بصمت وسيرين تجلس إلى جواره تهمس له ببعض الإرشادات حتى وصلا عند أطراف المدينة بالقرب من قصر آل تهامي السابق حيث كانت البركة القديمة ظهرت لهم الآن بحيرة صناعية محاطة بحديقة عامة تغير كل شيء لكن شيئا ما ظل ساكنا في ملامح سيرين كأن ماضيها استيقظ على صوت خطى العودة
لحسن الحظ لم يكن هناك أحد سكون تام يعانق ضوء القمر ترجلت سيرين من السيارة معطفها الطويل ينسدل حولها يحاكي حركة النسيم مشى ظافر بجانبها يتطلع إلى البحيرة ثم سألها
أهذا هو المكان
أومأت برأسها وهمست نعم تغير كثيرا لكنه ما زال هنا
كان ظافر يحاول أن يستعيد ذكرى واحدة تربطه بهذا المكان لكنه فشل فرغم زياراته المتكررة لمنزل تهامي في طفولته إلا أن المنطقة التي تقع خلفه كانت أرضا مجهولة بالنسبة له كأنها كانت تنتمي فقط لعالم سيرين
تقدمت هي بخطى واثقة نحو الجسر الخشبي ثم وقفت في منتصفه وشخصت ببصرها نحو السماء نحو القمر تحديدا
في تلك اللحظة لم تكن مجرد امرأة بل طفلة عادت إلى أمانيها الأولى كانت هناك منذ أعوام تذكرت عندما أغمضت عينيها وتمنت أمنية خاڤتة أن تكبر وتتزوج ظافر
ها هي الآن تقف في نفس المكان تتأمل القمر نفسه والاسم ذاته يرافقها أمنيتها تحققت لكن هل كان القلب هو ذاته
وقف ظافر متأملا ضوء القمر الذي انسكب على وجهها وجسدها وكأنها ذابت في المشهد وصارت جزءا من الطبيعة امرأة مرسومة بالنور تتماهى مع الجسر مع البحر مع الليل لوحة لا تحتاج إلا الصمت
استدارت نحوه ومن ثم تمتمت وشفتيها ترتجفان برقة
زاڤ لم تقف هناك
ظل واقفا كأنه مسمر بأرضه مأخوذ بها وبكل شيء لا يفهمه وأخيرا تحرك خطا نحوها ببطء ثم وقف قبالتها وأمسك بيدها
شهق دون أن يشعر كانت يدها باردة باردة حد القلق
يدك كأنها قطعة ثلج ما بك قالها بحنو خاڤت
ابتسمت بهدوء وهي تجيبه بصوت كالحلم
لأن قلبي دافئ
عبارة طفولية مألوفة هو من قالها لها يوما في زمن كانت فيه الأماني تقال دون حساب لكن وجهه الآن لم يكن يحمل أي تذكر لم يعرفها ضمھا إليه فجأة يحاول أن يدفئ صقيعها أن يصدق أن كل شيء له ما زال حيا
في قلبها واضعا كفيهما المتشابكين في جيب معطفه كمن يخشى أن تفلت منه أو تتلاشى
لديك دقيقة واحدة فقط ثم نغادر
قالها ظافر بنبرة قاطعة كنصل انغرس في قلب اللحظة
تأملته سيرين بعينين تختبئ فيهما بقايا الرجاء
أهذا كل ما في الأمر
كان صوتها مزيجا من خيبة أمل وحنين ضائع كمن يحاول أن يوقظ في الآخر ذاكرة نائمة تحت رماد السنوات
لو لمح فقط ظلا لذاك الطفل الذي كان ذاك الذي حمل أمنية صغيرة إلى هذه البركة ذات مساء لكان كافيا
لكن عينيه كانتا صامتتين بلا ملامح كأن الطفولة طويت داخله ونسيت تماما أو ربما لم يكن هو صاحب الذكرى من الأساس
عادت سيرين إلى غرفتها كمن يعود خاسرا من حرب لم يخضها
حاولت أن تنام عبثا
أغلقت عينيها بإحكام لكن الأفكار كانت تتسلل إليها كأشباح ليلية
همسات مارلين كانت ما تزال تطرق رأسها
هناك أمر يثير فضولي قلت إنه كان لطيفا حينها أليس كذلك
شروق الشمس لم يحمل معه النور بل ألقى فوق عينيها إرهاقا مضاعفا
لم تغف لم تستسلم للنوم كانت تتأرجح بين النبش في الذكريات ومحاولة فهم الحاضر
قررت سابقا أن تخرج نوح من قصر الغابة وتهرب لكن تلك الرغبة بدت الآن حلم مستحيل
كل شيء ارتبك
هل أحبت الرجل الخطأ
أم أن قلبها كان أعمى أمام الحقائق
وجاسر لماذا لم يذكر من قبل ولماذا اسمه فقط يثير هذا الكم من الأسئلة
بعد الإفطار غادر ظافر المنزل لغرض لم يفصح عنه وسرعان ما وجدت سيرين نفسها على باب منزل مارلين
لم تحتج وقتا لتبحث عنها فقد وجدتها هناك في الحديقة متكئة على كرسي خشبي تترك الشمس تداعب وجنتيها وتحتسي عصيرا باردا لا شيء يعكر مزاجها
خلعت مارلين نظارتها الشمسية ببطء ونظرت إليها نظرة امرأة تعرف ما سيقال
ما الأمر
اقتربت سيرين خطوة إلى الأمام دون تردد دون تمهيد وقلبها يضخ تساؤلات أكثر من الډم
أريد أن أسألك عن جاسر
ارتعشت شفاه مارلين لحظة ثم رفعتها لتحتسي ما تبقى من عصيرها
ضمت شفتيها ولوحت بكفيها تتنصل من المسؤولية
أنا آسفة عزيزتي لست سوى زوجة ابن من عائلة نصران هناك أشياء كثيرة لا أعلمها وحتى لو كنت أعلم لما تجرأت على الحديث
لكن سيرين لم تكن في مزاج يسمح بالهروب
ظنت أن مارلين حين جاءت للحديث عن جاسر كانت تملك سببا أعمق
كانت تشك بأن في أعماق هذه المرأة نية مبيتة وفي الحقيقة كانت محقة مارلين أرادتها أن تصطدم بالحقيقة أن تتورط أن ټنهار العلاقة بينها وبين ظافر
لم تكن تجرؤ على البوح لأن ظافر لو عرف ربما سيمزق كل شيء وربما ينهار كل شيء لهذا لم يكن أمامها سوى أن توجهها نحو الحقيقة وتتركها
تسقط فيها وحدها
لماذا لا تسألين السيدة شادية
قالتها مارلين بنبرة باردة تحمل تحتها الكثير من الحمم وزادتها من الشعر بيتا عندما أضافت
إنها أمه ومن المفترض أن تعرف أكثر عنه أليس كذلك

