اخر الروايات

رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وثلاث وعشرين 223 بقلم اسماء حميدة

رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وثلاث وعشرين 223 بقلم اسماء حميدة 


    

الفصل 223

في نهاية اللقاء خرجت سيرين من عند مارلين بخفي حنين... لم تنل منها سوى صمت لزج يلتف حول الحقائق كما يلتف الدخان حول لهيب الحقيقة يحجبها ولا يطفئها. لم تكن سيرين ساذجة لتسأل السيدة شادية عن شيء تعرف أن ذكره سيوقظ أشباحا مدفونة قد تنهشها هي قبل أن تفتح فمها بالكلام.

صعدت إلى غرفتها وعبثت بأناملها في شاشة الهاتف كأنها تحفر في الظلام بحثا عن ضوء. هناك رسالة واحدة من كارم خطت كأنها أرسلت من أعماق قلق صامت

اتصلي بي عندما تكونين متفرغة.

لم تتردد ضغطت على زر الاتصال وكأن نبضها معلق به.

رد سريعا وفي صوته مسحة حنان عالقة على أطراف التوجس

كيف حالك مؤخرا

أجابته بنبرة يغلفها التصميم وتحتها ينبض قلق لم تفصح عنه

أملك الآن خريطة للمكان الذي يحتجز فيه نوح. سأخرجه... خلسة حين تحين اللحظة المناسبة.

سكن صوته للحظة ثم قال بصوت خاڤت يشبه الهمس الحار في ليلة باردة

أخبريني عندما تقررين. لا أريدك أن تواجهي ذلك وحدك.

كانت تفهم قلقه كما لو كان يرتجف في داخلها... لم يكن يخشى عليها فحسب بل كان يستشعر أن الظلال حول القصر أعمق مما تبدو وأن العتمة هناك لا تكشف عن كل ما تخفيه.

ولم تكن مخاوفه في غير محلها. هي أيضا كانت تخشى أن يصطدم كارم بظافر مواجهة رجلين يقتاتان من الألم والڠضب لا يمكن أن تكون هادئة... قد تكون بداية سلسلة من الاڼتقام لا تعرف أين تنتهي.

لا تقلق. سأبحث عنك فور خروجي. قالتها بلهجة لم تخف اضطرابها.

في الطرف الآخر كان كارم يحدق في رجل يجلس بجواره... نادر. جسده أشبه بورقة يابسة تتآكلها الريح من الداخل.

همس كارم وهو يختنق بكلماته

لقد فعلت ما طلبت... نادر الآن يعرف من تكون دينا حقا.

كان ذلك الرجل قد عاش في فلكها طويلا غرق في أوهامها حتى نسي أن الأرض لها جاذبيتها الخاصة. لكنه الآن بعد أن طردته من المستشفى كأنه كابوس قديم أدرك فجأة أنها لم تحبه يوما... كانت تستغله بكل ما تحمله الكلمة من قسۏة وخداع.

وبعد تلك الطعڼة الأخيرة لم يعد لديه ما يخسره... لا كرامة ولا وفاء ولا حتى خوف.

كان مستعدا لېحرق السفينة التي أغرقته حتى وإن احترق فيها.

في اللحظة ذاتها اهتز هاتف سيرين الآخر كارتجافة قلب مفاجئة.

لحظة واحدة من فضلك... همستها وهي تبتعد بالهاتف عن أذنها كأنها تتحضر لحدث جديد... ربما نبأ أو مواجهة أو وعد مؤجل بالدمع والړصاص.

ثم التقطت الهاتف الآخر بيد مرتجفة وكأنها تفتح صندوقا من المفاجآت التي لا تبشر بخير. وإذا بها تجد رسالة من دينا مرفقة بصورة.

في الصورة كانت دينا تتلألأ تحت الأضواء تتوسط خشبة مسرح باذخ الألوان تحمل جائزة أفضل مغنية بين ذراعيها كمن يرفع انتصاره فوق جماجم الخاسرين بينما ظافر يقف إلى جوارها يبتسم

تلك النظرة المزدوجة التي طالما أربكت قلب سيرين نظرة رجل يعرف كيف يخفي احتقانه تحت قناع الثقة.

إذن هو خرج من المنزل... لا لشيء سوى لرؤيتها.

وبعد لحظات ظهرت رسالة أخرى من دينا

سيرين لقد فكرت كثيرا... لن أختطف ظافى منك مجددا. نحن الاثنتان نعلم جيدا من التي تهتم لأمره حقا.

كان وقع الكلمات أشبه بسهم مسمۏم مغلف بورق وردي. قبل أن تغلق سيرين الهاتف أتاها سهم آخر أشد مضاء

بالمناسبة... هناك أمر أعتقد أنه يجدر بي إخبارك به... أنا أستعد للحمل.

توقفت سيرين عند الكلمة الأخيرة كما يتوقف الزمن فجأة أمام مشهد غير متوقع.

حمل.

تكررت الكلمة داخلها كصدى موجي يرتطم بجدران وعيها. أصابعها اشتدت على الهاتف كأنها تقبض على شيء يتبخر من بين يديها. تذكرت كيف همس لها ظافر ذات ليلة برغبته الملحة في إنجاب طفل... والآن تكتشف أنه يريد تحقيق ذلك مع دينا.

لم تتحدث. لم تبك. لم تصرخ. بل صمتت طويلا حتى عاد وعيها من ذلك النفق الضيق المظلم وأجابت كارم أخيرا بصوت مفرغ من الحياة

دينا... حصلت لتوها على دور في مسلسل ضخم. مؤتمر صحفي سيعقد قريبا للإعلان عن ذلك.

ابتسم كارم كما لو أنه يهنئها لا على الخبر بل على التحول الذي حدث في داخلها.

فهمت أخيرا بدأت تفكرين في نفسك لا فيهم.

قبل خمسة أعوام كانت سيرين تعلم كل ما يجب معرفته عن دينا. كانت تحمل الحقيقة كسر دفين تخبئه حفاظا على سمعة ظافر لا من أجله بل من أجل ما تبقى من إنسانيته في قلبها أما الآن فقد تغيرت قواعد اللعبة أصبحت على استعداد لأن تطلق الحقيقة من قيودها أن تواجه العالم بوجهها الحقيق وتترك لدينا ما تستحقه من حكم الجماهير.

وبينما كان كارم يستعد لإنهاء المكالمة داهمت خاطرة عقل سيرين فجأة مثل شرارة في عتمة فسألته وصوتها يرتعش كأن قلبها يهمس

كارم... هل يمكنك مساعدتي في البحث عن شخص ما


كان ظافر يقف في صالة مزدانة بالأضواء وأصداء التصفيق حيث أقيم حفل توزيع جوائز موسيقية صاخب تردد فيه اسم كارنيفال سنترال ميديا كما لو كان نغمة نشاز في لحن مأساوي ا. ڤضيحة كانت قد نضجت فوق لهب الغدر حين سړقت دينا أغنية ساسو دون خجل ووضعت سمعة المؤسسة على المحك في عيون الجميع.

لم يكن ظافر قد جاء لتلقي الأضواء أو التصفيق بل جاء بعين رجل يعرف كيف يعيد بناء مملكة وسط أنقاض. كانت نيته أن ينسج شراكة جديدة مع بعض من رموز الصناعة وقد بدا الاجتماع واعدا بما يكفي ليغادر بارتياح... إلى أن ظهرت هي.

كأن الزمن نفسه توقف حين اقتربت دينا بفستانها اللامع الذي يخدع العين وابتسامتها التي تشبه حافة سکين بدا وجهها ثابتا إلا أن عينيها كانتا تصرخان پحقد لا يقال.

ظافر هناك شيء أود التحدث

معك فيه... هل لي بك لثانية فقط قالتها بنبرة مصطنعة تحمل شيئا من الرجاء وكثيرا من الذكريات.

لكنه لم يتحرك ولم يظهر حتى إشارة استجابة بل رمقها بنظرة باردة كنسيم الخريف وقال دون أن ترتجف نبرته

يمكننا الحديث هنا... فلا شيء أخجل منه ولا رغبة لي بالاختباء.

كان صوته كالسکين لا يجرح بقدر ما يوقظ.

تغيرت ملامح دينا ولم تجد ما تخبئ به ارتباكها سوى يدها فغرست أظافرها في راحتها كأنها تحاول لجم ما في داخلها من غل وڠضب.

ثم همست بصوت حاولت أن تجعله ثابتا لكنه ارتجف في المنتصف

لقد عرفنا بعضنا طويلا يا ظافر... طويلا بما يكفي لأدرك أن النهاية كتبت منذ البداية. طالما لم نكن معا حتى الآن فأنا أعلم أن لا فرصة لنا في الغد. لذا... قد أبدأ بقبول اعترافات الآخرين.

كان تصريحها بمثابة قنبلة صوتية لا تحدث دمارا مرئيا بل رجة داخلية صامتة لكن مدوية.

ظل ظافر ساكنا. لم يعلق ولم يعقب كأن كلمتها الأخيرة لم تكن سوى صدى في ممر طويل لا يستحق الالتفات إليه.




المائتان واربعه وعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close