رواية مذاق العشق المر الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم سارة المصري
الفصل الحادى والعشرين (والثاني والعشرين في نفس البوست )
فتح باب غرفة نومه فى هدوء ..
أنار المكان ودار ببصره فيه للحظات كأنه يتردد في الدخول .
لأول مرة منذ سنوات يدلف هنا دون ان يجدها فى انتظاره...
ثلاثة ايام قد مرت على قلبه ثقيلة ومملة ..
حاول أن يقضى اغلبها بعيدا عن هذا الجناح وبرودته ، ساعده عمله على هذا فقد كان مشغولا للغاية بالمقر الجديد للمجموعة الذي من المفترض ان يكون افتتاحه باحتفال كبير نظمه مساعدوه وتم دعوة كبار رجال الاعمال والشخصيات اليه ولكنه أرجأ كل ذلك لحين عودة زوجته ...
سار خطوتين حتى وصل الى الفراش ..
تمدد عليه فى كسل بينما يخرج هاتفه من جيبه ليتصل بها...
لحظات وجاءه صوتها الناعم المحبب الى قلبه فسارع هاتفا في شوق:
” وحشتييينى ...وحشتييييينى.... وحشتينى ..ارجعى بقا كفاية كدة ”
ضحكت في رقة :
” كدة هغيب على طول عشان أحس أنك بتحبنى اوى كدة ”
وضع كفه تحت رأسه ليتنهد في عمق:
” انتى عارفة انا بحبك قد ايه ..ده النفس اللى بيخرج منى بيقولهالك يا ايلينا ”
صمتت للحظات قبل أن تخبره في حنان:
” وحشتنى اوى يا يوسف ”
فرك عينيه فى ارهاق وهو يرفع كتفه ليحجز الهاتف بينه وبين أذنه:
” مادام وحشتك ارجعى بقا ...انا مش قادر انام فى الأوضة وانتي مش فيها ..يرضيكى كدة ”
ردت فى دلال :
” لا ميرضنيش ..انا خلاص هرجع على بعد بكرة بالكتير ان شاء الله ..اصل فيه دكتور كويس هنا كنت عاوزة اروحله اطمن على الحمل وكدة ”
ابتسم في رضا :
” مادام هتطمني على ولى العهد فخلاص امرى لله استحمل كمان يومين ”
سمعها تتثاءب فى كسل لتسأله:
” مش عاوز حاجة اجيبهالك من باريس ”
نظر الى صورتها على المنضدة أمامه في حب قبل أن يضغط الهاتف بقوة :
” عاوزك انتى بس ...خلى بالك من نفسك ”
همست في سعادة:
” وانت كمان .مع السلامة ”
لحقها قبل أن تنهي المكالمة واعتدل فجأة :
” ايلينا ”
ـ"ايوة يا يوسف "
ـ"بحبك .بحبك اوى"
سمع صوت قبلتها تتسلل الى أذنه عبر الهاتف فأغمض عينيه شوقا الى ملمس شفتيها على وجنته ..فتنهدت في عمق لتخبره وكأنها تشاركه الاحساس ذاته :
"وأنا كمان تصبح على خير"
**********************************************************
عاد من عمله فى وقت متأخر ..
فتح باب غرفته وهو يخلع سترته عنه ..
تفاجىء بكفيها على كتفه يساعدانه ، التفت في بطء ليجدها ترتدى منامة قصيرة للغاية وأقل ما يمكن وصفها به انها فاضحة ..
نظر لها من أعلى الى أسفل وأشاح بوجهه فى سخرية ...
سمر لن تكف عن محاولاتها ابدا ، حقا هو لايدرى كيف لاتهتز به شعرة... لو قيمها بنظرة ذكورية بحته بعيدة عن المشاعر لوجدها فى قمة الأنوثة والاغراء ، انوثة كفيلة بأن تذهب بعقل قديس وتذيب مقاومته فى لحظات... أما هو فلا ، كان دوما يرى صوفيا تقف امامه تطالعه بانكسار وحزن ...تتهمه بالخيانة فقط لو نظر اليها ...
كم اشتاق لتلك الحورية التى كانت تفقده لبه بمجرد نظرة ...مجرد ابتسامة ...مجرد...
”حمد لله ع السلامة ”
انتبه على صوت سمر فنظر لها فى ترقب لخطوتها التالية كأن تسليته قد أصبحت اكتشاف ما في جعبتها كل يوم لتهدم مقاومته...واهمة تماما وهو لن ينكر أنه كثيرا ما يتلذذ باخفاقاتها المتلاحقة ...
بعذاباتها وهو يكرر رفضه لها مرة بعد مرة ...
ربما كان هذا قطرة في محيط عقاب واسع تستحقه ..
اقتربت منه وهي تشب على أطراف أصابعها محاولة الوصول الى مستواه لتحيط عنقه بذراعيها هامسة في بطء واغراء :
” بقولك حمدلله ع السلامة ”
واراحت يدها على صدره تحاول العبث ببعض ازرار قميصه فنظر الى كفها وأزاحه فى عنف هاتفا فى تهكم:
” سمر هو انتى مبتزهقيش ؟؟...طريقتك دى عمرها ما هتجيب نتيجة معايا ”
زمرت شفتيها وتراجعت فى احباط :
” انا مراتك يا زين ...مراتك ..لحد امتى هنفضل كدة ؟؟“
مال اليها يخبرها بابتسامة:
” متقلقيش الموضوع مش هيطول اكتر من كدة ”
وقبل ان تبتسم اضاف فى حدة :
” قريب اوى هنتطلق ”
تراجعت خطوتين وازدردت ريقها فى ارتباك :
” نتطلق ؟؟..ليه وازاى ؟؟“
هز كتفيه وهو يلقي بسترته في عشوائية:
” عشان الوضع اللى احنا فيه لازم ينتهى ..خلاص كل حاجة خلصت ”
وعقد ساعديه على صدره مواصلا :
” انتى عارفة من الأول ظروف جوازنا كانت ايه ...مهواش جواز اصلا ..احنا عملنا كدة عشان ننقذ شرف العيلة مش اكتر ..متخدعيش نفسك احنا مش اتنين بنحب بعض وبينهم مشكله هتاخد وقتها وهتتحل ”
اسرعت تقف امامه وهي تضم كفيها الى صدرها تترجاه:
” زين انت ليه مش عايز تصدق انى محبتش فى حياتى غيرك ..هتفضل لحد امتى تحاسبني على اللى فات ”
رمقها في تقزز كأنه يكره أن تلوث الحب الذي يعرفه وعاشه بكل تفاصيله بحديثها عنه وفهمها الضيق له:
” حبتينى ازاى ؟؟؟.....اللى بتحب حد حتى لو من طرف واحد مستحيل تقدر تسلم نفسها لحد تاني” وشرد بعينيه وهو يتخيل حوريته أمامه ...
يسترجع كل لحظة عاشها معه ليعود خواءه من بعدها يؤلمه ويخنق نبرته:
” الحب حصن عالى بيخليكى تحسى ان كل جزء فيكى مملوك للى بتحبيه ومش من حق اى حد ابدا انه يشاركه فيكى ...اللى بيحب حد مستحيل يقدر يتخيل نفسه مع غيره ”
واغمض عينيه فى مرارة ليفتحها من جديد مضيفا في قسوة اراد بها مداواة وجعه بايلامها هي:
” مش هيفع نكمل مع بعض... مش هينفع يا سمر ”
مررت يدها فى شعرها بعشوائية...
زمرت شفتيها المرتجفتين للحظات في محاولة للتغلب على ارتجاف نبرتها قبل أن تسأله :
” يعنى لو مكنتش سلمته نفسى كان ممكن نكمل حياتنا سوا ”
ولأنه يهوى ايلامها بكل طريقة لم يعطها الاجابة الحقيقية ...
اعطاها أخرى مزيفة بزيف كل حياتها معه:
” يمكن وقتها كنت قدرت أصدقك ونعيش زى اى زوجين ”
اعطته ظهرها وهى تفرك يديها فى توتر ..
تعالت أنفاسها في جنون و كأنها تسابق افكارها وعلى وشك الوصول لخط النهاية ..
التقطت مأزرها من فوق الفراش لتغطى به جسدها ..عقدته بيدين مرتعدتين تحكمه على نفسها اكثر... نظرت الى اليمين والى اليسار ..
ربما ان الاوان ليعرف كل شىء ..
انتظرته طويلا ليعرف وحده ولكن بعزوفه المطلق عنها لم يعد لها بديل ..
استدارت محاولة اضفاء التماسك على عبارتها:
” طيب لو قولتلك ان مسلمتش نفسى لحد وان مفيش حد لمسني اصلا ”
قطب حاجبيه وكأن الكلام لم يصله بعد او تعامل معه كأنها تهذى بما تتمناه ليرد باستهتار:
” افندم ؟؟“
اقتربت منه فى حذر وهي تقول بسرعة كأنها تخشى التراجع:
” بقولك مفيش حد لمسنى ولو كنت قربتلى كنت هتتأكد بنفسك من ده ”
اقترب منها فى بطء كفهد يترقب القفز على فريسته وهمس في ترقب:
” انتى بتقولي ايه ؟؟؟...محدش لمسك ازاى ”
واطبق على مرفقها يجذبها اليه في عنف هاتفا :
” واللى سمعته كان ايه ؟؟...واللى حصل بعدها كان ايه ”
واطبق على ذراعها اكثر وهو يكز على اسنانه بنفس القوة ويصرخ بها:
” انطقى ”
ارتعدت بين يديه للحظات ورغم الألم لم تحاول حتى ان تفلت نفسها من يديه:
” الفكرة كانت فى دماغى من قبلها بس مكنتش عارفة انفذها ازاي ...يومها انت ما اخدتش بالك ان عمى كان وراك بس وقف مع عم فاروق الجناينى شوية وده اللى عطله ...كنت متأكدة من رد فعلك يازين لو سمعت اللى بقوله ..حافظاك يا ابن عمي ...بس انا اخترت الكلام اللى يوصل لعمى اللى انا عاوزاه وانت مكنتش مركز ولا حاسس بحركته وهوا طالع بس انا كنت مركزة وحاسة بيه ”
واضافت وهى تنتفض من البكاء فجأة :
” انت مسبتليش اختيار يا زين ..كنت بموت وانا بشوفك وياها ...كنت بموت وعاوزة اخد مكان فى حياتك حتى لو غصب عنك ”
ارخى قبضته عنها فى ذهول غير مصدق لما يحدث ، أبعد ما يذهب به خياله لايمكن ان يصل به الى ما يسمعه الان ..
من تلك التى تقف امامه ..
شيطانة ؟؟؟
لا يمكنها ان تكون سمر ابنة عمه هادئة الطباع التى عاشت معهم فى القصر كأخت صغرى ابدا ..
كيف تخطط بتلك الدقة والشر ؟؟
كيف يتورط هكذا دون ان يدرى او يشعر طوال تلك السنوات انها كانت مجرد خطة محكمة ؟؟
كيف فى بعض الاحيان ظنها ضحية غرر بها احدهم وكاد ان يشفق عليها احيانا وهو كان أولى الناس بالشفقة ؟ تذكر تلك الليلة بكل حذافيرها ..
نعم ..
سمر كانت تهتف انه السبب وانها لن تسامحه وهو من فرط الغضب لم ينتبه لشىء ابدا من قولها ، حتى ان ابيه ..ابيه ....
لا بد ان يعرف بما خططت له ابنة اخيه ..
لابد ان يجلده بضميره على مافعل مع صوفيا منذ سنوات ..
احكم قبضته على معصمها بقوة حتى انها خشيت ان يكسر فى قبضته:
” تعالي معايا“
وبدأ يجرها خلفه وهو يكز على أسنانه:
” لازم عمك الفاضل يعرف بعملتك ”
حاولت التملص منه قبل ان تصل الى الباب :
” عمى عارف ...عمى عارف يا زين ”
ارخى يده من على مقبض الباب بعد ان كاد يقتلعه من فرط الغضب ...
ما كل هذا الجنون ؟؟؟..
هل اشترك ابوه فى تلك المسرحية الهزلية الرخيصة ، هل تولى بنفسه اخراجها والاشراف على اتقان سمر لدورها فيها ؟؟
هل كان فخا تعاونت سمر وابوه على دفعه اليه ؟؟ واصلت وهى تتراجع للخلف بينما تمسد على معصمها بيدها الأخرى :
” عمى عارف ”
وفى لحظة مر على عقلها هذا المشهد الذى جمعها به منذ ثلاث سنوات ...
حين طلب محمود من ولده ان يتركه مع سمر اغلق الباب بعد ان تأكد ان ولده اصبح بعيدا عن مرمى حديثهم ، اقترب منها وامسك ذراعها فى قوة محاولا تمالك اعصابه :
” اتكلمى ...قولى الحقيقة ..ابنى زين مش ممكن يعمل كدة ..انطقى ..“
لم ترد وهي تضع قبضتها الاخرى فى فمها وترتجف في هلع جعله يصرخ في هلع أكبر :
” اتكلمى يا بنتى ريحينى ...ابنى هوا اللى ضيعك ”
هنا انهارت ولم تستطع ان تكمل دورها للنهاية فهزت رأسها في هستيريا :
” لا ..لا "
لم يستطع ان يهنأ ببراءة ولده الذي كان متيقنا منها فشرفه قد دهسه غيره ..انحنى ارضا ليكون فى مستواها :
” اومال انتى سلمتى نفسك لمين ..انطقى وقولى وهجيبه لحد هنا وهخليه يندم ندم عمره ..عملتى كدة ليه ..حطيتى راسنا فى الطين ليه ؟؟”
التقطت كف عمها تقبله في جنون:
” ابوس ايدك يا عمى ...ارحمنى بقا ..محصلش حاجة ...محصلش حاجة ...انا مش قادرة اكمل اللى بدأته ”
نظر لها فى ذهول ..مالذي يحدث بحق الله:
” مش قادرة تكملى ؟؟....مش قادرة تكملى ايه ؟؟“
انتفضت وهى تقص له ما كانت تنوى فعله ..انهارت تماما وهى تضرب صدرها بقبضتها في ألم:
” انا بحبه يا عمى ...هموت لو راحلها ...هموت نفسى ..والله لموت نفسى لو راحلها ...مش قادرة ”
نهض من مكانه وتنهد فى راحة ...شرفه في أمان وولده أيضا في أمان ...اما ما بها من هذيان فيسهل امره ..
كرر سؤاله ليتأكد مما سمعه حتى لا يترك عقله للاحتمالات تتداوله :
" يعنى انتى محصلش حاجة بينك وبين اى حد ؟؟"
هزت رأسها فى عنف :
" ابدا والله ولو عايز نروح لدكتور تتأكد بنفسك انا مستعدة "
حاولت التحامل على نفسها لتنهض فى ضعف ..ضمت كفيها الى بعضهما البعض تتوسله في ألم:
" عمى انا بحب زين ...مجنونة بيه ..مقدرش اتخيلو مع حد غيرى ..عملت ده كله عشان اكون معاه حتى لو غصب عنه ..عارفة انى كدابة وغشاشة وضحكت عليكو.. والله عمرى ما كنت اتخيل انى اعمل كدة "
وهرعت الى درج قريب لتخرج علبة زجاجية منه لتردف وهى تضغطها بين يديها :
" شايف ده يا عمى... ده سم ...كنت هاخده كله ساعة ما قال انه هيتجوزها ولو شوفته معاها والله والله لموت نفسى .."
قطب حاجبيه وهو ينظر الى العلبة في يدها ..مد كفه يمسح عن جبينه عرقا امتزج بذكريات بعيدة ..الموت مجددا ..هل سيسمح لها ان تلحق بمن كان سببا في حرمانها منهم ؟؟؟
أمانتيه التي حاول الحفاظ عليهما بشتى الطرق يضيعان من يديه ..حسام تحطم قلبه على يدي ابنته والأخرى تهدد بالانتحار فماذا عساه يفعل ؟؟
يلطمها على وجهها لتفيق ؟؟
ومن أدراه أن الصفعة ستعيدها الى رشدها ؟؟
من ادراه انها ليست جادة ؟؟
هو يعرف جيدا سذاجتها ..يعرف ان عالمها الضيق لم يشمل سوى ولده منذ سنوات طويلة ..ماذا عساه أن يفعل ؟؟
ماذا عساه ؟؟؟
وزين الدين ماالذي ...
أوقف تفكيره تماما مغمضا عينيه للحظات ..لو فكر في ولده وقصته المعلقة مع صوفيا فلن يصل لقرار مطلقا اقترب منها في بطء ..أمسك بكتفها قائلا اخر جملة توقعت سماعها منه:
" هتتجوزيه يا سمر "
فغرت فاها على اتساعه فواصل في جدية مشوبة بكثير من الألم :
" بس تفتكرى هتقدرى تخليه يحبك زى ما انتى ما بتحبيه ..هتقدرى تخليه ينسى اللى عملتيه ؟؟"
هزت رأسها بسرعة تجيبه:
" ايوة يا عمى هقدر ...هعمل كل حاجة واى حاجة وانا متأكدة انه هيحبنى فى الاخر "
اشاح بوجهه وهو يأخذ علبة السم من بين اناملها:
" خطتك هتكمل زى ما هيا ...واللى بعدها دورك انتى ..شوفى هتوصليلو الحقيقة ازاى ...وازاي تقدرى يكون ليكى تأثير عليه عشان يقدر يسامحك ...مش هيبقا سهل يا سمر ابدا ...بس انا خلاص نفذتلك اللى انتى عاوزاه وانا عارف انه غلط "
...
انتهت سمر من سرد كل ما حدث لزين الذى تسمر فى مكانه للحظات ..
اطبق الصمت عليهما تماما ليشقه فجأة صوت ضحكاته العالية الساخرة الحزينة الغاضبة ..
راقبته فى ذهول ليقول بعدها من بين ضحكاته وهو يشير لها باصبعه:
" يعنى انتى وعمك خططتو ونفذتو "
وانقطعت ضحكاته فجأة وهو يقترب منها ويطبق على ذراعها :
" تعالي "
سحبها خلفه فى عنف حتى وصل بها الى جناح ابيه وامه...
فتح الباب دون ان يطرقه فانتفضت امه وقامت من امام المرآة التى جلست امامها تمشط شعرها وهى تنظر اليه يسحب زوجته خلفه ويجول فى الغرفة بحثا عن ابيه ، القت سميرة المشط من يدها هاتفة به فى غضب:
" انت اتجننت يا ولد ..ازاى تدخل كدة ؟؟؟"
لم يرد وهو يتطلع حوله قائلا:
" هوا فين ؟؟"
رمقته سميرة فى ذهول فهو ليس فى حالته الطبيعية تماما :
" هوا !!!"
ابتسم فى سخرية وهو ينظر الى والده الذى خرج من المرحاض وهو يحمل منشفة يجفف بها رأسه ، وما ان ازاحها ليجد ولده امامه بوجه لا يبشر بالخير مطلقا حتى هتف فى قلق:
" زين فى ايه يا ابنى مالك ؟"
حاول زين ان يضبط اعصابه بقدر المستطاع وهو ينظر الى ابيه فى لوم وعتاب و ازدراء لم يستطع ان يخفيه ، كيف لاب ان يفعل هذا فى ولده ؟؟
كيف يحرمه من سعادته من اجل ايا كان ؟؟؟
كيف قبل ان تمر عليه ثلاث سنوات كاملة وهو يموت امامه دون ان يتدخل ؟؟
كرر محمود فى خوف:
" مالك يا ابنى ؟؟"
هنا هتف زين فى مرارة :
"ابنك ؟؟.. هوا انا فعلا ابنك "
تحركت سميرة لتقف الى جوار زوجها بينما نظر محمود الى سمر التى خفضت رأسها ارضا فتابع زين فى الم:
" ابنك اللى خططت ونفذت مع بنت اخوك من غير ما تفكر فيه "
هنا هتفت سميرة فى صرامة فأيا كان الأمر لا يحق لزين ان يتحدث هكذا:
" ولد اتكلم كويس مع باباك ...فى ايه لده كله ؟؟"
ابتسم فى قهر :
" اسأليه ...قوليله عمل ايه فى ابنه ؟؟"
واضاف وهو ينظر الى ابيه حابسا دمعة فى عينيه بصعوبة:
" مصعبتش عليك طول السنين اللى فاتت وانت شايفنى قدامك بموت فى اليوم ميت مرة ..مصعبتش عليك ؟؟؟"
اغمض محمود عينيه وادرك ان ولده قد علم بكل شىء بينما هتفت سميرة فى نفاذ صبر وقد استفزها صمت زوجها وعلمت ان الامر اكبر بكثير مما تخيلت :
" حد يفهمنا ويقول فى ايه ؟؟"
نظر اليها زين طويلا وقال:
" بابا العزيز يبقى يفهمك اما انا فمعنديش غير كلمة واحدة "
ونظر الى سمر بوجه يحمل هدوء الموتى:
" سمر هانم ..انتي طالق "
نطقها ولم يزد حرفا اخر وفى لمح البصر ترك المكان ، لم يرى سمر وهى تنهار ارضا بينما تجمد محمود فى مكانه فى ذهول وقدماه كأنها ثبتت فى الارض بقيود غليظة اما سميرة فوقفت تنظر الى الباب حيث خرج زين وعضلات وجهها عاجزة عن رسم اى انفعال يعبر عما تشعر به .
مالذى قصده زين ؟؟..
عن اى خدعة يتحدث ولما طلق زوجته ؟؟
وماذا فعل له ابيه ليحدثه بتلك الطريقة لاول مرة فى حياته ...
زين اكثر ابنائها رزانة ولم تعهده اهوجا ابدا كما حدث اليوم ..
نظرت الى محمود وهى تضم قبضتيها الى صدرها كأنها تحاول ان تحمى قلبها من الصدمة :
" محمود ...احكيلى كل حاجة ..خبيتو عنى ايه ؟؟"
تنهد محمود فى استسلام وكأن صوت زوجته قد ايقظه من شروده فاتجه الى سمر قائلا فى صرامة رغم
انهيارها امامه وهو يمد يده ليساعدها على النهوض :
" سمر روحى اوضتك دلوقتى "
نهضت سمر فى تثاقل ونفذت ما طلبه منها ..
ظل محمود معطيا ظهره لزوجته وهو ينظر الى حيث خرجت سمر وكأنه يعطى نفسه الفرصة فى ترتيب الكلمات وتنميقها فالصدمة ستشمل الجميع
هتفت سميرة فى لهجة جمعت بين القلق والالم :
" ايه اللى بيحصل يا محمود ؟؟"
استدار لها محمود واغمض عينيه فى استسلام فقد حانت لحظة المصارحة اذن ...زوجته لن ينطلى عليها خداعه وهو لا يمكنه ان يخفى اكثر من ذلك ربما ترأف بحاله ولا تكيل له الاتهامات بدورها ولكن كيف وهو يعرف انه اذنب بحق ولده وتركه لعذابه لسنوات ..
تهالك في تعب ليجلس على كرسى قريب وهو يشيح بوجهه عنها:
" انا هحكيلك كل حاجة "
واستمعت الى كل شىء ..
استمعت الى خطته مع ابنة ااخيه ..
استمعت وعلمت ان ولدها حرم من حبيته وعاش ثلاث سنوات مع اخرى يعلم ابوه جيدا انها اتهمته زورا ، لاتوجد كلمة تمثل ما شعرت به وقتها تجاه زوجها ، زوجها الذى احبته لسنوات وعاشرته اكثر من نصف عمرها ..
لم تكن تعرف انه ظالم الى هذا الحد وان ظلمه لم يمارسه فى حياته الا على ولده ..
نهضت فى تثاقل وهى تقول فى صدمة بعثرت حروفها:
" مش قادرة اصدق ..مش قادرة اصدق "
ومررت يدها على وجهها وهى تواصل في حرقة:
" انت تعمل فى ابنك كدة ؟؟...انت تكسر قلبه وفرحته؟؟...ده ابنك فاهم ابنك؟؟ "
نهض محمود محاولا الدفاع عن نفسه بأى حجة :
" وعشان ابنى كنتى عايزانى اعمل ايه اسيبه يروح يتجوز الخواجاية اللى انتى كمان كنتى معترضة عليها ...انا جوزته بنت عمه اللى بتعشق التراب اللى بيمشي عليه ..كان عندي امل ان مع الوقت هيحبها "
ظن محمود انه سينفذ من ثغرة صوفيا من لوم زوجته فهو يعرف اعتراضها عليها ولكنها خذلته حين هتفت فى حزن وقهر لم يستشعره في نبرتها طيلة عشرته لها :
" يعنى ابنى كان عايش السنين دى كلها قلبه مكسور ومسابهاش بمزاجه ..يعنى كل الحزن اللى كنت بشوفه فى عنيه كان عشانها ...اقسم بالله لو كنت اعرف انو مسابهاش بمزاجه لكنت جوزتهاله غصبا عن اى حد ولا انى اشوف فى عينيه نظرة حزن وقهر واحدة من اللى كنت بشوفها "
وهزت رأسها تواصل فى مرارة :
" انت ظالم يا محمود ...ظلمت الكل ..ظلمت ابنك لما شيلته فوق طاقته ..وظلمت صوفيا وحتى سمر ظلمتها لما طاوعتها فى اللى كانت عايزاه وجوزتها واحد مستحيل فى يوم انه يحبها "
وابتسمت فى سخرية مشوبه بوجع :
" كنت متخيل ايه لحظة ما يعرف الحقيقة ...هيقولها برافو مفرطتيش فى شرفك هايلة بجد ضحكتى عليا وخدعتينى ..."
ومالت اليه تضيف وهي تبسط ذراعيها :
" اديك خسرت كل حاجة ..خسرت ابنك اللى ساب شغله معاك ...حتى لما وزعت ثروتك على حياة عينك ابنك رفض يقرب لحاجة ...وقريب هيسيبلك البيت كله وقبل ده كله خسرت احترامه ليك واحترامى ليك وكل ده عشان تعمل لبنت اخوك اللى هيا عايزاه وتخلص من عقدة الذنب اللى عندك ...دايرة الذنب المقفولة من سنين وعمال تلف فيها واخرتها دخلت ابنك معاك جواها"
وكورت قبضتها لتواصل فى عنف:
" اخرج بقا من وهمك ده ...اطلع منه وكفاية تعيشنى فيه اكتر من كدة ..عيشت فيه سنين لوحدك ..لكن لحد ولادى ولا يا محمود ..لا والف لا "
صرخ بها هذه المرة يمنعها من فتح جراح الماضي:
" كفاية بقا يا سميرة ..كفاية ..انتى عارفة انها مش مجرد عقدة ولا احساس بالذنب انا فعلا كنت السبب فى موت ابوهم وامهم بسبب غلطتى انا وعشان مصلحتى اتحرمو منهم العمر كله... ومهما عملت مش هقدر اعوضهم "
صرخت فيه بدورها:
" انت حر ...عايز تعيش جوة ذنبك ده انت حر ...لكن التمن اللى ترضى بيه ضميرك هوا ابنى ..لا والف لا يا محمود "
+
