رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وخمسة واربعون 145 بقلم اسماء حميدة
الفصل 145
عادت سيرين إلى المقهى بخطوات تشبه وقع الذكرى فوق قلب يقاوم... كان المكان كما تركته دافئا لكنه لا يرحم مزدحما بالوجوه خاليا من الطمأنينة.
كانت دينا لازالت جالسة هناك فتقدمت إليها كأنها تسير وسط ضباب من الذكريات وجمر مشتعل من الأسئلة.
انحنت نحو أذنها وهمست بصوت خاڤت لكنه أشبه بخنجر مغروس في صدر الثقة
أما قلت إنني تغيرت لم إذن ظننت أنني سأسقط في فخ ألاعيبك الرخيصة كنت أراك أسمع دهاءك وهو يتسلل من عينيك وأعرف كل خيوط لعبتك... ولم أعبأ! آن لك أن تتوقفي فقد باتت حيلك كأوراق الخريف... تتساقط دون نفع.
وما إن أنهت كلماتها حتى حل صمت كثيف كجنازة مشاعر في حين أن ارتسم على وجه دينا ظلال قاتمة أشبه بسحابة سوداء تجثم فوق روح مڼهارة.
خرجت سيرين من المقهى والهواء من حولها بدا كأنه يصفق لانتصارها أو ينوح على ما لم يقل.
تسللت إلى الخلف حيث أرسل لها رامي الموقع تلفتت حولها ولم تجد سيارة ظافر تنتظر كما توقعت تنفست الصعداء كأنها تنفست للمرة الأولى منذ سنوات.
لكن شيئا ما في قلبها انكسر... لحظة خاطفة تذكرت ظافر.
تذكرته كما كان في طفولتهما
بسيطا كحلم فتاة مراهقة نقيا كأول مطر بريئا من الشكوك والضغائن... كان سيبتهج لرؤيتها كان سيحتضن صمتها لا يفر من ظلالها ولا يتتبعها إلى هنا بعدما سكبت دينا سمها في أذنيها.
لكن ذلك الظافر لم يعد هنا... فقدته كما تفقد المدن أرواحها وكما تفقد الأرواح ذاكرتها.
للحظة انتابها يأس هادئ لا يصيح بل ينهشها بصمت.
فتحت باب السيارة وغادرت مع رامي... نحو المجهول أو نحو ذاتها في الحقيقة هي للآن لا تعلم.
غادرت دينا بعد دقائق هي الأخرى... وجهها لا يزال مغمورا ببقايا الجليد الذي صبته سيرين فوقه.
خطت خارج المقهى وقبل أن تلتقط أنفاس الشارع قبض أحدهم على معصمها.
سحبت بخفة عن العالم كأنها صفحة من رواية تم اقتلاعها عنوة.
اشتقت إليك كثيرا دينا...
كان الصوت مكسورا كصدى رجل تهشم من الداخل... إنه أنس... لكن ليس كما عرفته.
لحيته الفوضوية عينيه الغارقتين في الهذيان جسده المنهك كأنه لم يعرف النوم منذ دهر.
رفعت يدها محاولة دفعه لكن يدها لم تدفع سوى خيبته... وهدرت فيه بحدة
لماذا تتبعني يا أنس كم مرة علي أن أكررها لن أذهب معك إلى الخليج. لن أترك كل شيء خلفي... لأجل وهم.
قالتها وهي تنظر إليه كما ينظر المرء إلى مرآة قديمة لم تعد تعكس سوى التشققات ومن ثم أكملت.
إن كنت حقا تحبني فاتركني وشأني. دعني أتنفس حبا في الله.
تردد أنس للحظة ثم طعنها بكلمة تكسرت في الهواء
هل كل هذا من أجل ظافر دينا... هو لا يحبك... لو أحبك لكان تزوجك... لم يكن ليتركك هكذا...
لكنها لم تغضب لم تهتز حتى بل نظرت إليه كما ينظر إلى بائع أحلام لفظه
لواقع.
وماذا في ذلك على الأقل يمنحني ما أريد.
تجمد أنس بأرضه وكأن قلبه توقف عن الخفقان كمن سقط اسمه من قائمة أمنياتها.
فأكملت بصوت خال من الشفقة
وأنت... ماذا تملك في حالتك هذه لا تملك أن تمنحني سوى الانتظار.
هز رأسه ببطء كأنه يطرد خيبة عالقة بين عروقه ثم أمسك بذراعها بقوة يائسة تشبه الغريق حين يتمسك بقشة يظنها نجاة.
قال أنس بصوت مرتجف من بين رماد الخسارات
ربما قد اڼهارت شركاتي وقد تآكل جدرانها حجرا حجرا لكن قلمي لم ينكسر بعد لا يزال في ما يكفي لأؤلف من أجلك لك وحدك كأنك نغمة أبدية لا يطفئها الزمان.
انبلجت من بين شفاه دينا ضحكة
رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وخمسة واربعون 145 بقلم اسماء حميدة
تعليقات

