رواية رد قلبي الفصل الثاني عشر 12 بقلم وسام اسامة
رواية "رُد قلبي"
الحلقة الثاني عشر
...............................
العناد لم يعد يُجدي مع والدها..هكذا فكرت غزال وهي تسمع صياحة من الخارج لإجل إضرابها عن الطعام بعناد البغال
ليدلف لغرفتها صائحًا..
-هتطلعي دلوقتي تاكلي معانا ورجلك فوق رقبتك
واقسم بالله ياشروق لو رديتي كلمتي لا ه..
قطعت حديثة وهي تقف قائلة بخفوت حزين..
-خلاص يابابا انا طالعة معاك اهو
هدأت ثورة كمال وهو يراها جالسة معهم علي المائدة تتناول الطعام..رغمة قلة تناولها وكأنها هرة صغيرة تأكل..ولكن وجودها أمامه يكفيه ..رغم حزنة وسخطه عليها لحديثها بأنها تحب عبيده..ولكن فكر أن هذا حب مرهقة..لن يدوم بعقلها..ستنساه فور أن تنضج ويكتمل عقلها
نظر لريشة بحسره ..يحسد أبويها علي عقلها
رغم أنهم ماتوا وهي صغيرة إلا انها ناضجة وذكية وصبورة..ويعتمد عليها
وزع نظره لغزال ليتنهد وعقله يصورها بريئة وصغيرة..ومُدللة حد الفساد ...لن تصمد في هذه الدنيا بدونه..ربااه إنها تضرب عن الطعام إن صاح بوجهها..فكيف وهي في بيت وأسرة وأولاد
إكتفي من الطعام الذي لم يمسسه..وهمهم بإختناق..
-بعد ماتخلصي أكل اعمليلي شاي ياريشة وهاتيلي الدوا بتاعي
همهمت ريشة بإيجاب وهي تقف متجهة الي المطبخ لتحضر له ما طلبه ...بينما غزال جالسة بمحلها تتابع مايحدث بصمت وتفكير..لا تدري ماهي المرحلة التالية...ولا تعلم إن كان كمال تقبل مشاعرها تجاه عُبيده
رفعت أصابعها لتعد عليها بترقب وتفكير وهي تعد
واحد،إثنان،ثلاث،أربعة،خمسة ،ستة ،سبعة ،ثمانية،تسعة،عشرة....ثم حمحمت وهي تقف متجهة الي غرفته
لم تطرق الباب كعادتها ودلفت
لتسمعه يحادث أحدهم هاتفًا بعصبية..
-اسمع الي بقولك عليه..ملكش دعوة
وقسمًا بالله لو فتحت الموضوع دا تاني ياخالد ماهعديلك الموضوع انا عارف أربي حفيدتي ازاي
وملكش دعوة بعُبيده
إحمر وجهها بعصبية وتخصرت هاتفة بحدة...
-ااااه...بقا هو الي ورا الموضيع دي كلها وهو الي قالك
أغلق كمال الهاتف وألقاه جواره هاتفًا بحدة..
-انتي تسكتي خالص مش عايز أسمع صوتك..مش كفاية انك رايحة جاية بتقولي للناس انك بتحبي واحد ..عايزه تفضحيني وتطلعيني بدلدلك راسي ياشروق..دي آخرة صبري عليكي
شهقت باكية لتقول بغضب وعناد..
-انا مقولتش لحد غيرك أصلا..ومعرفش خالد دا داخله ايه بيا ولا ببحب مين ولا بكره مين
وبعدين الحب مش عيب
هب كمال من الفراش رغب تعبه الظاهر وكاد يقترب يضربها لتهتف بإندفاع...
-والله لو مديت ايدك عليا هسيبك واروح اعيش ما أهل ماما..علي الأقل مش هيضربوني ولا يخلو حد يجيب سيرتي حتي
شحب وجه كمال وسقطت يده ليهتف بدهشه وألم..
-ايه..انتي بتقولي ايه يابنتي
زادت دموعها لتهتف بضعف..
-متقولش بنتك...انتا بتعامل الخدامة أحسن مني
ومستكتر عليا أحب حد..ومقفل عليا من كله
النفس معدود عليا..وفي الآخر جاي تلومني وتضربني عشان صارحتك اني بحب عُبيده..مبصيتش إني وحيدة ويتيمة
مبصيتش اني مبطلبش اسافر ولا اروح ولا اجي
مبصيتش اني رافضة اتجوز عشان اكون جنبك ومسيبكش..ويوم ماجربت أحب حد..بأنانيتك بتحاول تبعدني عنه...ومانعني اطلع البلكونة حتي
يبقا أهل ماما اولي بيا1
دقيقة او إثنين وعليٌ صراخها حينما فقد وعية عقب شحوب لونه..وشفتية كانتا زرقاويتين
وصل الصراخ لعُبيده ليتجه لهم سريعًا..وأخذه الي المشفي بمساعدة أحد الجيران
...............
شهقت غزال بحدة ولازالت دموعها تنهمر دون توقف..وعبيده يقف بتوتر وعصبية..لا يدري كيف يتصرف بتلك الكارثة الذي أوقعه بها الخبيث خالد
نظر لغزال قائلا بلين...
-اهدي بس..إن شاء الله هيكون كويس متعيطيش
كل حاجة هتتصلح
نظرت له غزال بعيناها الواسعتين تطالعة ببكاء..نظرتها الراجية حعلته يتأوه داخليًا بعجز ليجلس جوارها قائلا بثبات رغم قلقة..
-غزال اسمعيني..احنا لازم نجمد ونفضل كويسين عشان خاطره..عياطك مش هينفعه خالص..انا جنبك وإن شاء الله مش هيحصل إلا الخير
ألقت نفسها بين يداه تُمسك بسترتة بقوة وبكاؤها يزداد بحدة..بينما ارتعد جسد عُبيده من ذاك التلامس..الذي جعل جسده يقشعر رغمًا عنه..وهو الذي لم يُجرب لمس فتاة من قبل..ولكن غزال كسرت تلك القاعدة وتعانقه في تلك اللحظة بجرأه غريبة رغم بكائها
حمحم عبيده وهو يحاول أن يربت علي ظهرها بحنو
ولكن كافح شيطانة بصعوبة وهو يُتمتم مستغفرًا ويبعدها عنه برفق قائلا بهدوء وكأنه يحادث طفلة..
-غزال بصي..كفاية عياط شكلك بقا..
قطع حديثة وعيناه تجري علي ملامحها الباكية وشيئ ما يتحرك داخلة..خفقة خائنة تعالت بقلبة وهو يركز بصرة علي وجهها الأبيض المشوب بإحمرار البُكاء..وعيناها النجلاويتين اللتان رغم البكاء جميلة..بأهدابها الطويلة
وخصلاتها التي التصقت بمقدمة جبهتها أثر التعرق
وباقي الخصلات حرة علي كتفها..جميلة..كانت جميلة حد الحزن والعجز..ورغم ذالك لم تمنع ذاك التساؤل المُلتهف والمُرتجف وتحدثت..
-شكلي بقا ايه..وحش صح
زاد اضطرابة..وهو يلحظ تأثير نبرتها الباكية عليه..زاد فزعة من ذاك الحنان الذي اندلع داخلة كافيضان..وذاك الغزل الذي حضر علي لسانه..وكاد يهتف.
"الوحشة تبكي فرحًا إن وصفت بكِ...ولكن الجمال يلائمك"
ليستغفر ويغمض عيناه مطولاً ليقول بعد ثوان..
-لا مش وحش..بس شكلك مُرهق
أشاحت وجهها جانبًا ومسحت دمعها بظهر كفها
بينما عُبيده غض طرفة عنها وألم الرأس يكاد يفتك به
ومشاعر مُشتتة مُبعثرة..لا يدري أي مشاعر تلك التي بدأت تتلاعب به..كورقات الخريف
قطع تأمله لها قدوم خالد نحوهم بعينان تشع غضبًا وحقدًا
لترتعش غزال وتُمسك يد عُبيده سريعًا..ليجذب يده منها
ويقف ينظر له بحدة..ليقف خالد أمام غزال يجذب يدها ليجذبها إليه..لتشهق بقوة..ليمسك عُبيده يده بقوة كي يمنع يده عن إمساك يد غزال..ليهتف خالد بغضب وصوت مرتفع...
-اوعي ياجع انتا..وإياك تدخل في الي ملكش فيه
لينظر لغزال بحدة قائلا..
-تعالي معايا ياغزال
هزت غزال رأسها برفض والدموع تنهمر بقوة بعيدًا عن عنجهيتها المُعتادة..ليجن جنونه وهو يجذبها بقوة قائلا..
-بقولك تعالي معايا حالا
دفعه عُبيده بغضب وقد تطاير هدوئه أدراج الرياح ليهتف وهو يجز علي أسنانه بقوة...
-سيب ايديها..ولا الراجل الي واقف جنبها مش مالي عينك
غزال مش هتروح في حتة لحد ماالحج كامل يفوق
وهتروح وتيجي معايا..وانتا هتبعد عنها وإلا مش هيحصلك خير
جز خالد علي أسنانه بغل وتوحشت هيأتة الضخمة ليقول بغضب أسود لا يأبه بتحذير عُبيده...
-غزال هتيجي معايا انا..لحد ماالحج يفوق ويستلم أمانته
مش هسيبهالك..غزال دي تخصني..انت واحد غريب
ومش راضي أكلمك عشان خاطر الحج..انما تقرب من غزال تاني وعزة الله ماهسيبك..هندمك علي شبابك
إبتسامة ساخرة ارتسمت علي وجه عُبيده ليُهمم..
-تخصك..اممم تقريبًا الي اعرفة انك راجل متجوز..يعني مش خطيبها وكمان انتا بتشتغل عند الحج..مش قريبه
ولو دورنا علي غزال تخص مين
ليقترب منه هامسًا بصوت مُحذر لا يُبشر بأي خير..
-هنلاقي انها تخصني..هنبقا علي اسمي
غزال هتبقا مراتي
3
***
جالسة داخل سيارته تبكي وتبكي الي أن انتهي صوتها..لا تدري مالذي تقولة..كل ماتُدركة الآن أن صالح مديرها يجلس جوارها يحدق بها بصبر ينتظر أن تُخبره سبب بكائها الهستيري..ليقول صالح برفق..
-حد زعلك..حصل ايه
لم تتحدث وشهقاتها تعذبة دون هوادة..ليلحظ علامات حمراء علي رقبتها وأخري زرقاء..جالت نظراته عليها ليجد كفيها مكدومين بعلامات زرقاء..ناهيك عن وجهها الأحمر بشدة
وتلك السترته الرجالية لم تترك العمل صباحًا بها
هناك خطب ما..هناك شيئ خاطئ..ودموعها وانهيارها ذاك لا يبشر بأي خير..وصمتها يقتله
هتف بصبر نافذ..
-ليييلة في ايه .وايه العلامات دي مااالك
أرتعدت لتهمس بصوت متقطع من البُكاء..
-و..وائل حاول ي..
وقطعت حديثها ولازالت تبكي بقوة
بينما ذُهل صالح بل إرتفعت الدماء الي رأسه وهو يُتمتم ويدة تضرب عجلة القيادة بقوة....
-الواطي..الحقير
كان شحوبها يزداد والرجفة تسيطر علي بدنها..ليمد صالح يدة بقنينة عصير ولازالت ملامحة واجمة وعيناه قاسيتان للغاية..وكأنه يؤنبها علي سذاجتها..لتلتقط منه بصمت وإرتجاف ليقول بحدة
-هتقدمي بلاغ !
توالت دموعها بعجز وهي تحرك رأسها يمينًا ويسار..دلالة علي الرفض..ليلوي شفتيه بتهكم قائلا..
-امم يعني عادي الي كان هيحصلك..شيفاه بسيط اوي كدا!
زاد ألمها وأغمضت عيناها تشهق باكية..لتزداد عصبيته ليهتف بحدة..
-لو الي كان هيعمله معاكِ عادي..فا هو مش عادي لأي بنت ممكن يعمل فيها كدا..لأنه لو متحاسبش هيبقا الموضوع عادي يعمله مع اي واحدة تانية
حركت رأسها بعذاب هاتفة..
-مش هقدر..مش هقدر أعمل كدا..
إتسعت عيناه بقوة..ليمسح وجهه بعنف ليسخر مُعلقًا..
-هتلعقي غلطة علي شماعة الحب..هتتجاهلي إنه كان هيغتصبك لمجرد إنك بتحبية !
صرخت بإنهيار..
-افهمني مش هقدر اشتت عيلتنا بسبب غبائه
لا بابا ولا عمي هيقدروا يستحملوا الي حصل...ملهومش ذنب في العلاقة الفاشلة دي..وانا ..مش هقدر
أنهت كلماتها وهي تدفن وجهها بيدها وصالح يتابعها بجمود..ليقول..
-امسحي دموعك وخدي حقك طالما مش عايزة تبلغي عنه
متبقيش ضعيفة ياااا...ليلة
ثم دار بعجلة القيادة ليوصلها الي منزلها وهو يتوعد لوائل بأغلظ الأيمان أن يذيقة تمن نذالته معها
***
"اليوم شوفت واحدة بتشهبك..بس بالمرة مابتشبهك انا خليتها هيك خليتها بتشبهك..كأني اشتقتلك وخايف انسي شكلك..بدي أرجع أشوفك لابطل مشتاقلك"
كان شَريف يسمع الأغنية بإستمتاع وهو يدخن سيجارتة بشرود ...وعقلة يسترجع ماحدث في شقتة أمس..حينما وجد شريكه يحاول التعدي علي فتاة..جُن جنونة بعدما سمح للفتاة بالمغادرة
إستفاق وائل وهو يغمض عيناه بألم ويده تمسد رأسه الدامي..ليفتح عيناه وينظر للدماء علي يده..رفع عيناه ليجد شَريف يجلس أمامه علي الأريكة يضع ساقًا فوق أخري ويدخن السجائر بوجوم
ليشحب وجه وائل وهو يستوعب ماكان سيفعله لليلة
إبنة عمه وخطيبته السابقة..ليحاول أن يعتدل ليسمع صوت شَريف وهو يهتف بخشونة..
-خليك مكانك لحد ما حد يجي ياخدك
تأوه وائل وهو يقول بصوت متألم...
-حد مين
هتف شَريف ببرود..
-البوليس..خليك مكانك بقا زي الشاطر أحسن مااقوم واكتفك شكلك هيبقا وحش ساعتها
أسود وجه وائل ليقول بحدة من إسلوب شَريف..
-بوليس ليه وتكتفني ليه ايه الجنون دا
إبتسم شَريف بغضب ظهر بعيناه العسلية ليقول..
-وهو مش جنون إنك تغتصب واحدة امم لا لا مش جنون
هو تقريبا قذارة..قلة أصل ورجولة..
هدر وائل بغضب..
-ما إغتصبتهاش ..وحتي لو..دي مراتي وبنت عمي
يعني ملكش فيه ولا دخل أي حد
صحصح له شَريف وهو يطفئ سيجارته بقوة..
-كانت..كانت مراتك..دخل بقا أو مش دخل
ف ليلة الي هتحدد..مش إسمها ليلة بردو !
وقف وائل بصعوبة وهو يتجه له بجنون هاتفًا..
-ملكش دعوه ياإبن..
قاطعة شَريف بصفعة قاسية سقطت علي وجه وائل بقوة
ليقول شَريف بصوت خرج قويا صارمًا ..
-إغلط عشان هوديك في ستين داهية..إترمي مكانك
لحد مااشوف هتبلغ عنك ولا لأ..وقسمًا بالله لو ماسكتت
لا هتشوف أسود يوم في عمرك كله1
زاد الجنون بعين وائل لينقض علي شريف يضربه بعنفوان كبير..ولكن إنتهي به المطاف وشَريف يحكم وثاقة جيدًا
ويلقيه بقوة قائلا..
-اهو شوفت زعلتني ازاي وخليتني أربطك
ليه تطلع روح أدم الصياد الي جوايا..ماانا كنت حلو معاك وهادي وبكلمك بذوق..لازم يعني اوريك لما بتعصب بيبقا شكلي ايه3
أنهي شَريف كلماتة بمرح غريب..ليعقد وائل حاجبة بغضب مكتوم وهو يقسم أن هذا الشاب يسكنه شيطان..لا بل شياطين..قرأ شَريف ملامحة..ليضحك وهو يهز رأسه
ليلتقط مفاتيحه ويخرج ويغلق علي وائل
إستفاق من شرودة بألم بسبب إنتهاء السيجارة ووصول النار الي اصابعه..ليلقيها وهو يتنهد مطولا ..ويُتابع الحمام الذي يحوم حوله ببهاء..ليبتسم وهو يراها تدلف الي برج الحمام بشرود..تطالع الحمام بصمت غريب
ووجهها شاحب فاقد للحياة..ليُتمتم..
-ريشة
إنتبهت لوجودة..نظرت له لتجده جالس علي الأرض باسط قداماه أمامه ويكتف يداه...وهناك كدمه علي وجهه المليح
أشاحت عيناها عنه..واقتربت منه لتجلس جواره بصمت استغربه في البداية..ولكن تخطاه حين همس..
-ازيك
تجاهلت تحيته وظلت شاخصة البصر أمامها دون إجابة
ليعقد حاجبيه بضيق قائلا..
-بقولك ازيك
تنهدت بقوة لتنظر له ببرود قائلة..
-انتا عايزني اقوم امشي !
هز كتفيه نافيًا..
-لا مش عايزك تمشي..ايه دخل دا في كلمة ازيك !
رمشت لثوان قبل ان تقول بخفوت..
-دخله اني مش عايزة أتكلم..ولا عايزة سلامات
انا باجي هنا أسكت وبس..لكن انتا لو هتتكلم او تحاول تخليني اتكلم يبقا امشي أحسن
لم يجيبها وهو يخرج سيجارة من علبة سجائرة ويدخنها بصمت..لتستوعب أنه فهم كلماتها ونفذها دون جدال
ران الصمت بينهم عدا صوت الحمام الذي يحوم حولهم بوتيرة هادئة ورائعة..وهم صامتين..لم يُبادر بالحديث
ولم تهتم هي
بل راح عقلها يتذكر مع حدث مع السيد كامل وتلك الوعكة الصحية الذي وقع بها من خلف غزال ودلالها الفج
ورغما عنها تذكرت الحبيب الغادر..الذي تراه كلما ذهبت او اتت..ويتابعها هو بنظراته الراجية..لا تعلم لِما يرجوها
مالذي يريده منها إن كان قد إرتبط بأخري..لم كان يلح بإتصالاته المُلحة ورسائلة الراجية أن ترد عليه كي يُبررلها ماحدث..وكأنه حادث..وليس زواج علي وشك أن يتم
إنتهت الأغنية وصدح صوت فتاة ناعم للغاية من هاتفة
تغني أحد الاغاني الهادئة التي جعلت أذنيهما ترهف السمع
"قوم نحرق هالمدينة..ونعمر واحدة أشرف..قوم ننسي هالزمان..ونحلم بزمن ألطف..مازالك بلا شيئ..مافيك تخسر شي وانا مليت من عشرة نفسي..قول أني منيح"
إن كانت في الماضي كانت ستفكر كم مُبالغ به وصف تلك الأغنية..كم كان العجز والفقر والوحدة كان مُبالغ به وحزين للغاية ولكن الآن تُدرك أنها وصلت لذاك الحد من العجز والوحدة..والألم
صدح صوت الفتاة وهي تتغني من جديد..
-كان بدي غير العالم..مش عارف كيف العالم غيرني
كان بدي أحمل السما وهلأ امجئ حامل نفسي..قول أني منيح..قول اني منيح
أطلقت تنهيدة عالية جذبت إنتباه شَريف..ليبتسم وهو يتذكر كلمات والدته حينما كانت تُطلق تنهيدة قوية تعبيرًا عن غضبها من زوجها..كان يهتف أدم بضيق..
-بتنفخيلي ياتقي
كانت تبتسم بصبر هاتفة..
-لا ياحبيبي أنا بنفخ الزعل من جوايا عشان ميتقلش علي قلبي واموت منك
كان أدم يلين فورًا وهو يضمها بقوة قائلا..
-إن شالله أنا ياحورية..خلاص طلعي الزعل من جواكي وانا بردو هعمل كدا عشان ميتقلش علي قلبي واموت منك ومن عيالك
كان شَريف يضحك هو وأخواته وهم يرون هذا المشهد المُتكرر لهم..ولحبهم المُعقد والغريب..ليقول دون شعور..
-خرجي الزعل من جواكي..عشان ميتقلش علي قلبك
إنتبهت ريشة لكلماته لتهز رأسها بعدم فهم..ليطلق زفير
ثم يقول موضحًا..
-لما بتاخدي نفس طويل كدا وبتخرجية..كدا بتخرجي الزعل من جواكي عشان ميتقلش علي قلبك
عقدت حاجبيها بدهشة قائلة..
-دا بجد !
همهم بإيجاب وهو يهز رأسه بقوة كي تصدقة
في تلك اللحظة لم تراه رجل يثير الذعر في نفسها
بل طفل..طفل صغير يحاول إقناعها بخُرافة قديمة والحماس يكاد يقتلة من فرط شدته
ليبتسم ثغرها الشاحب..لتنظر أمامها وتطلق تنهيدة عالية
واحدة وإثنين وثلاثة إلي أن تعبت..لتسمعه يقول..
-الزعل راح !
سمعت سؤاله الفضولي..لتدمع عيناها..وهي تشعر بأن الألم لازال يقبع في قلبها لا عليه..الألم كبير ولا يسهل التخلص منه من مجرد زفير..لتسقط دمعة علي وجنتها
وتنظر له بضعف هامسه بصوت مرتجف..
-لأ
كلمة صغيرة جعلته يعقد حاجبية وهو يري حزنها الظاهر للغاية..وعقلة يسأل..لِما لم يذهب حزنها كما ذهب حزن والدته في كل مره تفعلها..ليتيقن أن الشفاء ليس في الزفير الطويل...بل في العناق الذي يلية..في الشخص الذي يحتوي الجسد بعدها ويجعل الحزن يركض هاربًا
مد يده لها يجذبها له ليعانقها بقوة..لا يدري من أين أتته الجرأة..وهي كذالك لا تدري كيف تجرأ واحتواها بتلك الطريقة..ولكنه حزمه حينما أحكم ذراعية حولها
جعل دموعها تخرج وتخرج..وشهقاتها تعلو وجسدها يهتز بعنف
تخلخل صوت الموسيقي والأغنية تُعاد بصوت منخفض..
-قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة ألطف.
كانت تبكي كل شيئ..تبكي موت والديها..تبكي غدر أقاربها
تبكي إقتران حبيبها بأخري..تبكي حياتها البائسة
كان هناك سببًا قويًا يدفعها لتخرج تلك الطاقة من داخلها
وتُذيب جمودها ليظهر معدنها الضيعف..تظهر هشاشتها
وكأنها ريشة خفيفة مُعرضة للكسر والحزن في أي لحظة
ريشة في مهب الريح..
توقف بُكائها ليفك وثاقة عنها وهو يستعد لنوبة التوبيخ الذي سيتلاقاها..ولكن لم توبخة..لم تفتح فمها
بل رفعت يدها وصفعته صفعة لم تكن قوية لتؤلم وجهه
كانت صفعة زاجرة خفيفة..وشاكرة
وقفت لتبتعد وهي تمسح وجهها..ليقول خلفها
-هستناكي هنا بكرة..متتأخريش عليا
تجاهلت كلماته وخرجت سريعًا..ولازال دفئ جسده ضد جسدها مُلتصق بها..لازال أثر كفه الذي ربت علي ظهرها كما هو..والخدر الذي سار بجسدها وجسده يجعلهما ساكنين..ولكن كان خدرها مؤلم ومُشبع بتأنيب الضمير من ذاك العناق
بينما هو كان مأخوذ بذاك العناق الدافئ
شعر فجأة وكأنه كان بحاجة هذا العناق..وهذا الأثر
ولازالت دموعها عالقة بسترتة..الذي نظر لها مطولاً وعقله لا يستوعب ذاك الحزن الغريب الذي يغلف تلك الفتاة
بشكل او بآخر ريشة تُذكره بطفلة صغيرة ضائعة في أروقة الدنيا..بساطتها تقودها للهلاك..وقوتها هي النصر الوحيد الذي حققته في ذاك العالم القاسي1
ظل يُتابع أثرها..بشرود..حتي ظهر شخصًا أخر لا يود أن يخوض معه حرب بعد عناقه لها الذي كان بمثابة مُخدر لكليمها..في تلك اللحظة..لا يود أن يخوض حربا مع الواقف أمامه..آدم الصياد
الحلقة الثاني عشر
...............................
العناد لم يعد يُجدي مع والدها..هكذا فكرت غزال وهي تسمع صياحة من الخارج لإجل إضرابها عن الطعام بعناد البغال
ليدلف لغرفتها صائحًا..
-هتطلعي دلوقتي تاكلي معانا ورجلك فوق رقبتك
واقسم بالله ياشروق لو رديتي كلمتي لا ه..
قطعت حديثة وهي تقف قائلة بخفوت حزين..
-خلاص يابابا انا طالعة معاك اهو
هدأت ثورة كمال وهو يراها جالسة معهم علي المائدة تتناول الطعام..رغمة قلة تناولها وكأنها هرة صغيرة تأكل..ولكن وجودها أمامه يكفيه ..رغم حزنة وسخطه عليها لحديثها بأنها تحب عبيده..ولكن فكر أن هذا حب مرهقة..لن يدوم بعقلها..ستنساه فور أن تنضج ويكتمل عقلها
نظر لريشة بحسره ..يحسد أبويها علي عقلها
رغم أنهم ماتوا وهي صغيرة إلا انها ناضجة وذكية وصبورة..ويعتمد عليها
وزع نظره لغزال ليتنهد وعقله يصورها بريئة وصغيرة..ومُدللة حد الفساد ...لن تصمد في هذه الدنيا بدونه..ربااه إنها تضرب عن الطعام إن صاح بوجهها..فكيف وهي في بيت وأسرة وأولاد
إكتفي من الطعام الذي لم يمسسه..وهمهم بإختناق..
-بعد ماتخلصي أكل اعمليلي شاي ياريشة وهاتيلي الدوا بتاعي
همهمت ريشة بإيجاب وهي تقف متجهة الي المطبخ لتحضر له ما طلبه ...بينما غزال جالسة بمحلها تتابع مايحدث بصمت وتفكير..لا تدري ماهي المرحلة التالية...ولا تعلم إن كان كمال تقبل مشاعرها تجاه عُبيده
رفعت أصابعها لتعد عليها بترقب وتفكير وهي تعد
واحد،إثنان،ثلاث،أربعة،خمسة ،ستة ،سبعة ،ثمانية،تسعة،عشرة....ثم حمحمت وهي تقف متجهة الي غرفته
لم تطرق الباب كعادتها ودلفت
لتسمعه يحادث أحدهم هاتفًا بعصبية..
-اسمع الي بقولك عليه..ملكش دعوة
وقسمًا بالله لو فتحت الموضوع دا تاني ياخالد ماهعديلك الموضوع انا عارف أربي حفيدتي ازاي
وملكش دعوة بعُبيده
إحمر وجهها بعصبية وتخصرت هاتفة بحدة...
-ااااه...بقا هو الي ورا الموضيع دي كلها وهو الي قالك
أغلق كمال الهاتف وألقاه جواره هاتفًا بحدة..
-انتي تسكتي خالص مش عايز أسمع صوتك..مش كفاية انك رايحة جاية بتقولي للناس انك بتحبي واحد ..عايزه تفضحيني وتطلعيني بدلدلك راسي ياشروق..دي آخرة صبري عليكي
شهقت باكية لتقول بغضب وعناد..
-انا مقولتش لحد غيرك أصلا..ومعرفش خالد دا داخله ايه بيا ولا ببحب مين ولا بكره مين
وبعدين الحب مش عيب
هب كمال من الفراش رغب تعبه الظاهر وكاد يقترب يضربها لتهتف بإندفاع...
-والله لو مديت ايدك عليا هسيبك واروح اعيش ما أهل ماما..علي الأقل مش هيضربوني ولا يخلو حد يجيب سيرتي حتي
شحب وجه كمال وسقطت يده ليهتف بدهشه وألم..
-ايه..انتي بتقولي ايه يابنتي
زادت دموعها لتهتف بضعف..
-متقولش بنتك...انتا بتعامل الخدامة أحسن مني
ومستكتر عليا أحب حد..ومقفل عليا من كله
النفس معدود عليا..وفي الآخر جاي تلومني وتضربني عشان صارحتك اني بحب عُبيده..مبصيتش إني وحيدة ويتيمة
مبصيتش اني مبطلبش اسافر ولا اروح ولا اجي
مبصيتش اني رافضة اتجوز عشان اكون جنبك ومسيبكش..ويوم ماجربت أحب حد..بأنانيتك بتحاول تبعدني عنه...ومانعني اطلع البلكونة حتي
يبقا أهل ماما اولي بيا1
دقيقة او إثنين وعليٌ صراخها حينما فقد وعية عقب شحوب لونه..وشفتية كانتا زرقاويتين
وصل الصراخ لعُبيده ليتجه لهم سريعًا..وأخذه الي المشفي بمساعدة أحد الجيران
...............
شهقت غزال بحدة ولازالت دموعها تنهمر دون توقف..وعبيده يقف بتوتر وعصبية..لا يدري كيف يتصرف بتلك الكارثة الذي أوقعه بها الخبيث خالد
نظر لغزال قائلا بلين...
-اهدي بس..إن شاء الله هيكون كويس متعيطيش
كل حاجة هتتصلح
نظرت له غزال بعيناها الواسعتين تطالعة ببكاء..نظرتها الراجية حعلته يتأوه داخليًا بعجز ليجلس جوارها قائلا بثبات رغم قلقة..
-غزال اسمعيني..احنا لازم نجمد ونفضل كويسين عشان خاطره..عياطك مش هينفعه خالص..انا جنبك وإن شاء الله مش هيحصل إلا الخير
ألقت نفسها بين يداه تُمسك بسترتة بقوة وبكاؤها يزداد بحدة..بينما ارتعد جسد عُبيده من ذاك التلامس..الذي جعل جسده يقشعر رغمًا عنه..وهو الذي لم يُجرب لمس فتاة من قبل..ولكن غزال كسرت تلك القاعدة وتعانقه في تلك اللحظة بجرأه غريبة رغم بكائها
حمحم عبيده وهو يحاول أن يربت علي ظهرها بحنو
ولكن كافح شيطانة بصعوبة وهو يُتمتم مستغفرًا ويبعدها عنه برفق قائلا بهدوء وكأنه يحادث طفلة..
-غزال بصي..كفاية عياط شكلك بقا..
قطع حديثة وعيناه تجري علي ملامحها الباكية وشيئ ما يتحرك داخلة..خفقة خائنة تعالت بقلبة وهو يركز بصرة علي وجهها الأبيض المشوب بإحمرار البُكاء..وعيناها النجلاويتين اللتان رغم البكاء جميلة..بأهدابها الطويلة
وخصلاتها التي التصقت بمقدمة جبهتها أثر التعرق
وباقي الخصلات حرة علي كتفها..جميلة..كانت جميلة حد الحزن والعجز..ورغم ذالك لم تمنع ذاك التساؤل المُلتهف والمُرتجف وتحدثت..
-شكلي بقا ايه..وحش صح
زاد اضطرابة..وهو يلحظ تأثير نبرتها الباكية عليه..زاد فزعة من ذاك الحنان الذي اندلع داخلة كافيضان..وذاك الغزل الذي حضر علي لسانه..وكاد يهتف.
"الوحشة تبكي فرحًا إن وصفت بكِ...ولكن الجمال يلائمك"
ليستغفر ويغمض عيناه مطولاً ليقول بعد ثوان..
-لا مش وحش..بس شكلك مُرهق
أشاحت وجهها جانبًا ومسحت دمعها بظهر كفها
بينما عُبيده غض طرفة عنها وألم الرأس يكاد يفتك به
ومشاعر مُشتتة مُبعثرة..لا يدري أي مشاعر تلك التي بدأت تتلاعب به..كورقات الخريف
قطع تأمله لها قدوم خالد نحوهم بعينان تشع غضبًا وحقدًا
لترتعش غزال وتُمسك يد عُبيده سريعًا..ليجذب يده منها
ويقف ينظر له بحدة..ليقف خالد أمام غزال يجذب يدها ليجذبها إليه..لتشهق بقوة..ليمسك عُبيده يده بقوة كي يمنع يده عن إمساك يد غزال..ليهتف خالد بغضب وصوت مرتفع...
-اوعي ياجع انتا..وإياك تدخل في الي ملكش فيه
لينظر لغزال بحدة قائلا..
-تعالي معايا ياغزال
هزت غزال رأسها برفض والدموع تنهمر بقوة بعيدًا عن عنجهيتها المُعتادة..ليجن جنونه وهو يجذبها بقوة قائلا..
-بقولك تعالي معايا حالا
دفعه عُبيده بغضب وقد تطاير هدوئه أدراج الرياح ليهتف وهو يجز علي أسنانه بقوة...
-سيب ايديها..ولا الراجل الي واقف جنبها مش مالي عينك
غزال مش هتروح في حتة لحد ماالحج كامل يفوق
وهتروح وتيجي معايا..وانتا هتبعد عنها وإلا مش هيحصلك خير
جز خالد علي أسنانه بغل وتوحشت هيأتة الضخمة ليقول بغضب أسود لا يأبه بتحذير عُبيده...
-غزال هتيجي معايا انا..لحد ماالحج يفوق ويستلم أمانته
مش هسيبهالك..غزال دي تخصني..انت واحد غريب
ومش راضي أكلمك عشان خاطر الحج..انما تقرب من غزال تاني وعزة الله ماهسيبك..هندمك علي شبابك
إبتسامة ساخرة ارتسمت علي وجه عُبيده ليُهمم..
-تخصك..اممم تقريبًا الي اعرفة انك راجل متجوز..يعني مش خطيبها وكمان انتا بتشتغل عند الحج..مش قريبه
ولو دورنا علي غزال تخص مين
ليقترب منه هامسًا بصوت مُحذر لا يُبشر بأي خير..
-هنلاقي انها تخصني..هنبقا علي اسمي
غزال هتبقا مراتي
3
***
جالسة داخل سيارته تبكي وتبكي الي أن انتهي صوتها..لا تدري مالذي تقولة..كل ماتُدركة الآن أن صالح مديرها يجلس جوارها يحدق بها بصبر ينتظر أن تُخبره سبب بكائها الهستيري..ليقول صالح برفق..
-حد زعلك..حصل ايه
لم تتحدث وشهقاتها تعذبة دون هوادة..ليلحظ علامات حمراء علي رقبتها وأخري زرقاء..جالت نظراته عليها ليجد كفيها مكدومين بعلامات زرقاء..ناهيك عن وجهها الأحمر بشدة
وتلك السترته الرجالية لم تترك العمل صباحًا بها
هناك خطب ما..هناك شيئ خاطئ..ودموعها وانهيارها ذاك لا يبشر بأي خير..وصمتها يقتله
هتف بصبر نافذ..
-ليييلة في ايه .وايه العلامات دي مااالك
أرتعدت لتهمس بصوت متقطع من البُكاء..
-و..وائل حاول ي..
وقطعت حديثها ولازالت تبكي بقوة
بينما ذُهل صالح بل إرتفعت الدماء الي رأسه وهو يُتمتم ويدة تضرب عجلة القيادة بقوة....
-الواطي..الحقير
كان شحوبها يزداد والرجفة تسيطر علي بدنها..ليمد صالح يدة بقنينة عصير ولازالت ملامحة واجمة وعيناه قاسيتان للغاية..وكأنه يؤنبها علي سذاجتها..لتلتقط منه بصمت وإرتجاف ليقول بحدة
-هتقدمي بلاغ !
توالت دموعها بعجز وهي تحرك رأسها يمينًا ويسار..دلالة علي الرفض..ليلوي شفتيه بتهكم قائلا..
-امم يعني عادي الي كان هيحصلك..شيفاه بسيط اوي كدا!
زاد ألمها وأغمضت عيناها تشهق باكية..لتزداد عصبيته ليهتف بحدة..
-لو الي كان هيعمله معاكِ عادي..فا هو مش عادي لأي بنت ممكن يعمل فيها كدا..لأنه لو متحاسبش هيبقا الموضوع عادي يعمله مع اي واحدة تانية
حركت رأسها بعذاب هاتفة..
-مش هقدر..مش هقدر أعمل كدا..
إتسعت عيناه بقوة..ليمسح وجهه بعنف ليسخر مُعلقًا..
-هتلعقي غلطة علي شماعة الحب..هتتجاهلي إنه كان هيغتصبك لمجرد إنك بتحبية !
صرخت بإنهيار..
-افهمني مش هقدر اشتت عيلتنا بسبب غبائه
لا بابا ولا عمي هيقدروا يستحملوا الي حصل...ملهومش ذنب في العلاقة الفاشلة دي..وانا ..مش هقدر
أنهت كلماتها وهي تدفن وجهها بيدها وصالح يتابعها بجمود..ليقول..
-امسحي دموعك وخدي حقك طالما مش عايزة تبلغي عنه
متبقيش ضعيفة ياااا...ليلة
ثم دار بعجلة القيادة ليوصلها الي منزلها وهو يتوعد لوائل بأغلظ الأيمان أن يذيقة تمن نذالته معها
***
"اليوم شوفت واحدة بتشهبك..بس بالمرة مابتشبهك انا خليتها هيك خليتها بتشبهك..كأني اشتقتلك وخايف انسي شكلك..بدي أرجع أشوفك لابطل مشتاقلك"
كان شَريف يسمع الأغنية بإستمتاع وهو يدخن سيجارتة بشرود ...وعقلة يسترجع ماحدث في شقتة أمس..حينما وجد شريكه يحاول التعدي علي فتاة..جُن جنونة بعدما سمح للفتاة بالمغادرة
إستفاق وائل وهو يغمض عيناه بألم ويده تمسد رأسه الدامي..ليفتح عيناه وينظر للدماء علي يده..رفع عيناه ليجد شَريف يجلس أمامه علي الأريكة يضع ساقًا فوق أخري ويدخن السجائر بوجوم
ليشحب وجه وائل وهو يستوعب ماكان سيفعله لليلة
إبنة عمه وخطيبته السابقة..ليحاول أن يعتدل ليسمع صوت شَريف وهو يهتف بخشونة..
-خليك مكانك لحد ما حد يجي ياخدك
تأوه وائل وهو يقول بصوت متألم...
-حد مين
هتف شَريف ببرود..
-البوليس..خليك مكانك بقا زي الشاطر أحسن مااقوم واكتفك شكلك هيبقا وحش ساعتها
أسود وجه وائل ليقول بحدة من إسلوب شَريف..
-بوليس ليه وتكتفني ليه ايه الجنون دا
إبتسم شَريف بغضب ظهر بعيناه العسلية ليقول..
-وهو مش جنون إنك تغتصب واحدة امم لا لا مش جنون
هو تقريبا قذارة..قلة أصل ورجولة..
هدر وائل بغضب..
-ما إغتصبتهاش ..وحتي لو..دي مراتي وبنت عمي
يعني ملكش فيه ولا دخل أي حد
صحصح له شَريف وهو يطفئ سيجارته بقوة..
-كانت..كانت مراتك..دخل بقا أو مش دخل
ف ليلة الي هتحدد..مش إسمها ليلة بردو !
وقف وائل بصعوبة وهو يتجه له بجنون هاتفًا..
-ملكش دعوه ياإبن..
قاطعة شَريف بصفعة قاسية سقطت علي وجه وائل بقوة
ليقول شَريف بصوت خرج قويا صارمًا ..
-إغلط عشان هوديك في ستين داهية..إترمي مكانك
لحد مااشوف هتبلغ عنك ولا لأ..وقسمًا بالله لو ماسكتت
لا هتشوف أسود يوم في عمرك كله1
زاد الجنون بعين وائل لينقض علي شريف يضربه بعنفوان كبير..ولكن إنتهي به المطاف وشَريف يحكم وثاقة جيدًا
ويلقيه بقوة قائلا..
-اهو شوفت زعلتني ازاي وخليتني أربطك
ليه تطلع روح أدم الصياد الي جوايا..ماانا كنت حلو معاك وهادي وبكلمك بذوق..لازم يعني اوريك لما بتعصب بيبقا شكلي ايه3
أنهي شَريف كلماتة بمرح غريب..ليعقد وائل حاجبة بغضب مكتوم وهو يقسم أن هذا الشاب يسكنه شيطان..لا بل شياطين..قرأ شَريف ملامحة..ليضحك وهو يهز رأسه
ليلتقط مفاتيحه ويخرج ويغلق علي وائل
إستفاق من شرودة بألم بسبب إنتهاء السيجارة ووصول النار الي اصابعه..ليلقيها وهو يتنهد مطولا ..ويُتابع الحمام الذي يحوم حوله ببهاء..ليبتسم وهو يراها تدلف الي برج الحمام بشرود..تطالع الحمام بصمت غريب
ووجهها شاحب فاقد للحياة..ليُتمتم..
-ريشة
إنتبهت لوجودة..نظرت له لتجده جالس علي الأرض باسط قداماه أمامه ويكتف يداه...وهناك كدمه علي وجهه المليح
أشاحت عيناها عنه..واقتربت منه لتجلس جواره بصمت استغربه في البداية..ولكن تخطاه حين همس..
-ازيك
تجاهلت تحيته وظلت شاخصة البصر أمامها دون إجابة
ليعقد حاجبيه بضيق قائلا..
-بقولك ازيك
تنهدت بقوة لتنظر له ببرود قائلة..
-انتا عايزني اقوم امشي !
هز كتفيه نافيًا..
-لا مش عايزك تمشي..ايه دخل دا في كلمة ازيك !
رمشت لثوان قبل ان تقول بخفوت..
-دخله اني مش عايزة أتكلم..ولا عايزة سلامات
انا باجي هنا أسكت وبس..لكن انتا لو هتتكلم او تحاول تخليني اتكلم يبقا امشي أحسن
لم يجيبها وهو يخرج سيجارة من علبة سجائرة ويدخنها بصمت..لتستوعب أنه فهم كلماتها ونفذها دون جدال
ران الصمت بينهم عدا صوت الحمام الذي يحوم حولهم بوتيرة هادئة ورائعة..وهم صامتين..لم يُبادر بالحديث
ولم تهتم هي
بل راح عقلها يتذكر مع حدث مع السيد كامل وتلك الوعكة الصحية الذي وقع بها من خلف غزال ودلالها الفج
ورغما عنها تذكرت الحبيب الغادر..الذي تراه كلما ذهبت او اتت..ويتابعها هو بنظراته الراجية..لا تعلم لِما يرجوها
مالذي يريده منها إن كان قد إرتبط بأخري..لم كان يلح بإتصالاته المُلحة ورسائلة الراجية أن ترد عليه كي يُبررلها ماحدث..وكأنه حادث..وليس زواج علي وشك أن يتم
إنتهت الأغنية وصدح صوت فتاة ناعم للغاية من هاتفة
تغني أحد الاغاني الهادئة التي جعلت أذنيهما ترهف السمع
"قوم نحرق هالمدينة..ونعمر واحدة أشرف..قوم ننسي هالزمان..ونحلم بزمن ألطف..مازالك بلا شيئ..مافيك تخسر شي وانا مليت من عشرة نفسي..قول أني منيح"
إن كانت في الماضي كانت ستفكر كم مُبالغ به وصف تلك الأغنية..كم كان العجز والفقر والوحدة كان مُبالغ به وحزين للغاية ولكن الآن تُدرك أنها وصلت لذاك الحد من العجز والوحدة..والألم
صدح صوت الفتاة وهي تتغني من جديد..
-كان بدي غير العالم..مش عارف كيف العالم غيرني
كان بدي أحمل السما وهلأ امجئ حامل نفسي..قول أني منيح..قول اني منيح
أطلقت تنهيدة عالية جذبت إنتباه شَريف..ليبتسم وهو يتذكر كلمات والدته حينما كانت تُطلق تنهيدة قوية تعبيرًا عن غضبها من زوجها..كان يهتف أدم بضيق..
-بتنفخيلي ياتقي
كانت تبتسم بصبر هاتفة..
-لا ياحبيبي أنا بنفخ الزعل من جوايا عشان ميتقلش علي قلبي واموت منك
كان أدم يلين فورًا وهو يضمها بقوة قائلا..
-إن شالله أنا ياحورية..خلاص طلعي الزعل من جواكي وانا بردو هعمل كدا عشان ميتقلش علي قلبي واموت منك ومن عيالك
كان شَريف يضحك هو وأخواته وهم يرون هذا المشهد المُتكرر لهم..ولحبهم المُعقد والغريب..ليقول دون شعور..
-خرجي الزعل من جواكي..عشان ميتقلش علي قلبك
إنتبهت ريشة لكلماته لتهز رأسها بعدم فهم..ليطلق زفير
ثم يقول موضحًا..
-لما بتاخدي نفس طويل كدا وبتخرجية..كدا بتخرجي الزعل من جواكي عشان ميتقلش علي قلبك
عقدت حاجبيها بدهشة قائلة..
-دا بجد !
همهم بإيجاب وهو يهز رأسه بقوة كي تصدقة
في تلك اللحظة لم تراه رجل يثير الذعر في نفسها
بل طفل..طفل صغير يحاول إقناعها بخُرافة قديمة والحماس يكاد يقتلة من فرط شدته
ليبتسم ثغرها الشاحب..لتنظر أمامها وتطلق تنهيدة عالية
واحدة وإثنين وثلاثة إلي أن تعبت..لتسمعه يقول..
-الزعل راح !
سمعت سؤاله الفضولي..لتدمع عيناها..وهي تشعر بأن الألم لازال يقبع في قلبها لا عليه..الألم كبير ولا يسهل التخلص منه من مجرد زفير..لتسقط دمعة علي وجنتها
وتنظر له بضعف هامسه بصوت مرتجف..
-لأ
كلمة صغيرة جعلته يعقد حاجبية وهو يري حزنها الظاهر للغاية..وعقلة يسأل..لِما لم يذهب حزنها كما ذهب حزن والدته في كل مره تفعلها..ليتيقن أن الشفاء ليس في الزفير الطويل...بل في العناق الذي يلية..في الشخص الذي يحتوي الجسد بعدها ويجعل الحزن يركض هاربًا
مد يده لها يجذبها له ليعانقها بقوة..لا يدري من أين أتته الجرأة..وهي كذالك لا تدري كيف تجرأ واحتواها بتلك الطريقة..ولكنه حزمه حينما أحكم ذراعية حولها
جعل دموعها تخرج وتخرج..وشهقاتها تعلو وجسدها يهتز بعنف
تخلخل صوت الموسيقي والأغنية تُعاد بصوت منخفض..
-قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة ألطف.
كانت تبكي كل شيئ..تبكي موت والديها..تبكي غدر أقاربها
تبكي إقتران حبيبها بأخري..تبكي حياتها البائسة
كان هناك سببًا قويًا يدفعها لتخرج تلك الطاقة من داخلها
وتُذيب جمودها ليظهر معدنها الضيعف..تظهر هشاشتها
وكأنها ريشة خفيفة مُعرضة للكسر والحزن في أي لحظة
ريشة في مهب الريح..
توقف بُكائها ليفك وثاقة عنها وهو يستعد لنوبة التوبيخ الذي سيتلاقاها..ولكن لم توبخة..لم تفتح فمها
بل رفعت يدها وصفعته صفعة لم تكن قوية لتؤلم وجهه
كانت صفعة زاجرة خفيفة..وشاكرة
وقفت لتبتعد وهي تمسح وجهها..ليقول خلفها
-هستناكي هنا بكرة..متتأخريش عليا
تجاهلت كلماته وخرجت سريعًا..ولازال دفئ جسده ضد جسدها مُلتصق بها..لازال أثر كفه الذي ربت علي ظهرها كما هو..والخدر الذي سار بجسدها وجسده يجعلهما ساكنين..ولكن كان خدرها مؤلم ومُشبع بتأنيب الضمير من ذاك العناق
بينما هو كان مأخوذ بذاك العناق الدافئ
شعر فجأة وكأنه كان بحاجة هذا العناق..وهذا الأثر
ولازالت دموعها عالقة بسترتة..الذي نظر لها مطولاً وعقله لا يستوعب ذاك الحزن الغريب الذي يغلف تلك الفتاة
بشكل او بآخر ريشة تُذكره بطفلة صغيرة ضائعة في أروقة الدنيا..بساطتها تقودها للهلاك..وقوتها هي النصر الوحيد الذي حققته في ذاك العالم القاسي1
ظل يُتابع أثرها..بشرود..حتي ظهر شخصًا أخر لا يود أن يخوض معه حرب بعد عناقه لها الذي كان بمثابة مُخدر لكليمها..في تلك اللحظة..لا يود أن يخوض حربا مع الواقف أمامه..آدم الصياد
