رواية عيون الريان الفصل الثامن 8 بقلم نيللي العطار
(وحبيب أخفَوه منّى نهاراً
فتخَفّى وزارني في اكتِئامِ
زارني في الظلام يطلب ستراً
فافتَضحنا بنورهِ في الظلامِ)
+
(المتنبي)
+
**************
+
أخرجت سمية صندوقاً خشبياً عتيق من دُرج سري في خزانتها الخاصة ووضعته أمامها تطالع ألبوم صور قديم وملف يحتوي على أوراق كثيرة بينهم شهادة وفاة موثقة رسمياً بأعين غائمة وكأنهم طعنات غادرة سلبتها روح أعز ماتملك.. مسحت دموعها بجانب راحتيها ثم أمرت الخادمة باستدعاء يوسف وسالم فالوقت قد حان لكشف الحقائق الغائبة واستدعاء الماضي المدفون منذ أكثر من عشرون عاماً .. وبالفعل أسرع الإثنان في الحضور خشية أن يكون أصابها مكروه وجداها تجلس بملامح ساهمة ودموعها لا تتوقف .. تقدم يوسف نحوها وبادر بالسؤال متلهفاً (خير يا خالتي انتِ تعبانة ولا إيه؟)
+
حاولت التماسك وردت عليه بصوت مبحوح ونبرة جاهدت أن تخرج طبيعية (تعالى يا يوسف.. اقعد يابني واسمعني كويس)
+
قاطعهما سالم يتسائل بقلق (مالك يا ام بسمة خضتينا عليكِ؟)
+
إنفجرت سمية في البكاء أثراً لسماع كنيتها المقترنة بإسم إبنتها المتوفاة ونظرت لزوجها بأعين تغشاها الدموع قائلة (ياحبيبتي يابنتي.. الله يرحمك ويجعل شبابك في ميزان حسناتك)
+
ابتلع يوسف غصته المسننة وردد ورائها بقلب مفطور آمين بينما إرتجفت أوصال سالم من الحزن ودنا منها ليجلس والحسرة تحاوطه من كل جانب قائلاً (اللهم لا اعتراض على قضائك)
+
كفكفت سمية عبراتها لتستجمع رباطة جأشها ثم أخرجت شهادة الوفاة من بين الأوراق التي مازالت موضوعة أمامها قائلة بثبات زائف وهي تعطيها ليوسف (الكلام اللي هاقوله دلوقتي هايخليكم تقاطعوني بقية عمري بس لازم تعرفوه يمكن ربنا يغفر لي وبنتي ترتاح في تربتها)
+
تناول منها يوسف الورقة يتفحصها قائلاً بتعجب (أنا مش فاهم حاجة)
+
إزدردت سمية ريقها بصعوبة قائلة (دي شهادة وفاة ريم).. صمتت لثواني تهدأ من روعها ثم تابعت (المزورة)
+
إنتبه كلاهما إليها يحدقان بها والشك يتلاعب بعقليهما فأكملت هي بندم (أنا عملت ذنب كبير أوي زمان .. وللأسف ربنا رده ليا فأعز ما أملك)
+
خرج سالم عن صمته متحدثاً بارتباك (إنتِ طول عمرك ست طيبة وماشوفتش منك غير كل خير.. كفاية انك ربيتِ ابن اخويا كأنه ابنك بالظبط)
1
قاطعته سمية منخرطة في بكاء مرير مجدداً (انا ربيت يوسف لأنه ابن أختي مش عشان ابن أخوك لكن بنت أخوك رميتها بإيدي وحرمتها منكم)
+
نظر سالم إليها فاغراً فاهه بينما قال يوسف وهو يدعو الله أن يكون حديثها مجرد هذيان من أثر صدمة فقدان إبنتها (ريم ماتت بعد موت بابا وماما ليلى .. فوقي ياخالتي الكلام اللي بتقوليه ده مستحيل يكون صحيح)
+
أمسكت سمية ذراعه تقول برجاء والألم يمزق أحشائها (ريم أختك عايشة .. صدقني يا يوسف هي دي الحقيقة)
+
انتفض سالم وهب واقفاً بعصبية (واضح ان صدمة موت بنتك أثرت على دماغك)
+
حثته سمية على الجلوس مرة أخرى (والله العظيم ريم عايشة وانا السبب إنها تبعد عنكم طول السنين اللي فاتت )
+
سألها سالم بتوتر (والكلام اللي جابر البواب قاله هو ومراته ده كان ايه؟)
+
أجابته سمية بتأكيد (كذب وماحصلش .. انا هاقولكم الحقيقة كلها)
+
**flash back**
+
في منتصف نهار قارس البرودة من أيام ديسمبر الملبدة بالغيوم .. كان يسير ذاك الكهل ذو الملامح الجنوبية المنحوتة بفعل أصابع الزمن والفقر ..حاملاً رضيعة أسياده المفقودين .. يخبأها تحت معطفه الصوفي الرث ليحميها من رذاذ الأمطار التي بدأت وصلة من التساقط وكأن السماء تبكي حزناً لموت والديها .. إقترب جابر من المنزل الكبير المقام به سرادق العزاء حتى يسلم الطفلة لذويها ويعاود أدراجه بحثاً عن عمل آخر بعدما إنقطع رزقه بوفاة عبدالرحمن وزوجته في حادث سير أثناء سفرهما من مدينة السويس إلى القاهرة ولحسن حظ الصغيرة أو ربما لسوءه أنهما تركاها برفقة الخادمة على أمل العودة سريعاً لذلك بقيت على قيد الحياة وأثناء دخول جابر من بوابة البيت لمحته سمية.. استغلت انشغال الجميع في تلقي التعازي والمواساة واصطحبته بعيداً كي لاينتبه أحد لوجود ريم معه أو يستمع لما سيدور بينهما
+
رمقت سمية الصغيرة بكره شديد تسأل لجابر والشرر يتطاير من مقلتيها ( إيه اللي جاب البت دي هنا؟)
+
تعجب جابر من سؤالها وأجابها بجبين متغضن (دي بنتكم ياست هانم )
+
صكت سمية أسنانها بغضب (ارجع بيها مكان ماجيت وماشوفش وشك ولا وشها هنا تاني)
+
إرتعدت أوصال جابر من لهجتها الحادة وسألها بقلة حيلة (يعني إيه الكلام ده؟)
+
لوحت سمية بيدها في الهواء تهتف بغل (إعمل اللي بقولك عليه ولو اتجرأت وقربت بيها من البيت هاكسر رجلك)
+
تداعت نظرات جابر وأومأ لها بخضوع ثم إنصرف بريم مطأطأ الرأس..لا يملك بيده شيء ليفعله سوى أن ينتظر حتى إشعار آخر من تلك السيدة التي تضمر حقد غريب تجاه صغيرة لاتعي شئ ولاتدرك أنها أصبحت يتيمة ويبدو أن الحياة بدأت تلاطمها مبكراً بينما أقنعت سمية الجميع أن أجواء العزاء غير مناسبة للطفلة ومن الأفضل تركها في رعاية الخادمة كي لا تفزع.. بعد ثلاثة أيام على تلك الواقعة خرجت متعللة بحجة واهية متجهة نحو بيت حموها لتنفذ ماتحالفت مع الشيطان لتدبيره..وحينما فتحت لها إبنة جابر وهي تحمل ريم دفعتها باشمئزاز ودلفت للداخل قائلة (غوري بالبت دي مش طايقة أشوفها )
+
إمتثلت الفتاة لأمرها برعب وقامت باستدعاء والديها ليتفحصا تلك المتعجرفة ثم أخذت ريم لغرفتها .. دنا جابر وزوجته منها متوجسين من مظهرها الذي لايبشر بأي خير فأشارت لهما باذدراء أن يجلسا على أريكة متموضعة في وسط صالة استقبال المنزل قائلة (تعالى انت وهي اقعدوا )
+
أطاعها الثنائي البائس ولم ينبسا بحرف من شدة خوفهما فأكملت هي بجفاء (البت اللي جوه دي تختفي تماماً مايبانش ليها أثر)
+
صعق جابر مما قالته سيدته وسألها بذهول (قصدك أقتلها؟)
+
أخرجت سمية بعض الاوراق من حقيبة يدها وألقتها في وجهه باحتقار قائلة (الورق ده هيطلعك من الموضوع زي الشعرة من العجين)
+
لملم جابر الأوراق المتناثرة قائلاً بعدم فهم (ايه ده؟)
+
وضعت سمية ساق فوق الأخرى ثم أجابته بقرف (تقارير تثبت إن ريم ماتت)
+
_ (بس ريم عايشة والتقارير دي مزورة)
+
قالها جابر وهو يضع الأوراق أمام سمية على الطاولة فتشنجت الأخيرة هادرة بلهجة يملؤها التهديد (كلامي يتنفذ بالحرف الواحد لو عايز تطلع من هنا سليم).. سكتت لبرهة تتأمل نظرة الخوف التي تجلت داخل مقلتيه وتابعت بهدوء خطر (انت وعيالك)
+
إبتلع جابر ريقه يقول بصوت مرتعش (ياست هانم أنا على باب الله وماقدرش أشيل الليلة دي لوحدي)
+
مدت سمية يدها نحوه بشيك مدون به مبلغ من المال (متهيألي 10 آلاف جنيه تمن غالي أوي لعيلة ماكملتش سنة)
+
لمعت عيون الخادمة عندما سمعت الرقم فمبلغ كهذا قياساً بالفترة الزمنية آنذاك كفيلاً بانتشالهم من الفقر المدقع الذي يغرقون فيه ولكزت زوجها في كتفه (إسمع كلام الست هانم وماتنشفش دماغك ياجابر)
+
إبتسمت سمية لأن خطتها ستؤتي ثمارها (أنا مخلصة التقارير وتصاريح الدفن حتى شهادة الوفاة جاهزة.. كل المطلوب انك هتستنى هنا يومين وبعدين هتيجي البيت الكبير ومعاك الورق ده وتقول ان ريم تعبت فجأة وعلى ماروحتوا بيها المستشفى كانت ماتت)
+
سألها جابر بقلق (والبت اللي جوه دي اوديها فين؟.. ولما أهلها يسألوني على جثتها هاقولهم ايه؟)
+
ردت عليه سمية بتعابير متجهمة (موضوع الجثة سهل..حبايبي كتير وأقدر أجيب واحدة متكفنة من أي مشرحة .. أما بالنسبة لريم فدي خلاص ماتت.. عايز تكسب ثوابها وتربيها براحتك.. مش عايز اقتلها أو ارميها ان شا الله ترميها فالشارع)
+
تنهد جابر بحزن لحال تلك اليتيمة مكسورة الجناح والخاطر (خلاص ياست هانم هاربيها وسط عيالي مش هابقى أنا والزمن عليها)
+
نهضت سمية ترمقه من أعلى لأسفل باحتقار وكأنه جرثومة عالقة بملابسها وقالت قبل أن تنصرف ( انت حر إعمل اللي تعمله فيها.. المهم كلامي يتنفذ بالحرف وإلا مش هيحصل كويس)
وبعد يومين نفذ جابر أوامرها وذهب إلى المنزل الكبير ليخبر أهل ريم من جهة والدها أن الطفلة وافتها المنية متأثرة بحمى ناتجة عن إلتهاب رئوي حاد وما أقنعهم أكثر بتلك الخطة الحقيرة أن الطقس حينها كان شديد البرودة .. سكت الجميع ورضوا بقضاء الله ثم أخبروا أهل والدتها بوفاة حفيدتهم.. بينما رسمت سمية التمثيلية بعويلها وصراخها الذي هز الأرجاء بل أنها هي التي دفنت الجثة المزيفة بجوار حموها وزوجته وقلبها يتراقص فرحاً ونشوة الانتصار تعبأ صدرها فالقدر لعب لعبته وأخذ ليلى التي طالما مقتتها وحقدت عليها لأنها حلّت محل شقيقتها المتوفاة والآن نجحت في التخلص من إبنتها أو كما تظن متناسية أن الباغي تدور عليه دوائر خطاياه وأن الله يمهل ولا يهمل وأقداره بارعة في تصفية الحسابات .. أما عن جابر فقد إختفى بعائلته ومعه الصغيرة وكأنه تبخر كفص ملح ذاب وذهب هباءً
+
** عودة إلى الوقت الحالي **
+
نزل إعتراف سمية بفعلتها النكراء كالصاعقة فوق رأس يوسف وسالم .. تسمرا مكانهما مشدوهين مما ألقته عليهما .. فكيف لها أن تفعل كل هذا بطفلة صغيرة ليس لها ذنب في كرهها الدفين لوالدتها وبادر سالم بالحديث مستنكراً (مش ممكن ياسمية تعملي كده .. ورحمة بنتك قولي انك ما أذيتيش بنت عبدالرحمن)
+
جاوبته سمية ببكاء مرير (ورحمة بنتي ده اللي حصل)
+
تهاوى يوسف على المقعد يحتوي وجهه بين راحتيه يسألها بضعف (يعني إنتِ ياخالتي حرمتيني من أختي السنين دي كلها وعايزاني انهاردة أدور عليها؟).. سكت لبرهة يمسح عبرة غادرة إخترقت جدار جفنيه وأكمل بنبرة مرتعشة (طيب إزاي؟)
+
صرخ سالم بشدة في وجهها (قوليله ازاي؟ ..... ازاي هيلاقيها وهيجيب جابر ده منين؟)
+
إرتعدت سمية من صوت زوجها الجهوري قائلة بتلعثم (أنا ما اعرفش عنهم حاجة من يوم ما مشيوا من السويس )
+
هدر بها يوسف محاولاً الإمساك بزمام عقله (مشيوا راحوا فين؟....ولو لقيتهم ياترى أختي هتكون عايشة ولا ميتة؟)
+
شرعت سمية في احتضانه لتخفف عنه قائلة بندم (سامحني يا بني.. الكره عمى قلبي وماشوفتش غير إن ليلى خدت مكان أمك وكرهتها أكتر بعد ما خلفت من أبوك وكان نفسي اخلص منها ولما ماتت حلفت ان بنتها مش هاتقاسمك فالورث وكنت مفكرة اني كده بحافظ عليك)
+
انتحب يوسف بشدة بين ذراعيها قائلاً بحزن عميق (ليه ياخالتي حرام عليكِ أنا إتيتمت أربع مرات.. مرة بعد موت أمي ومرة لما أبويا وماما ليلى ماتوا ومرة لما بسمة راحت بسبب ذنبك اللي عملتيه فريم ودلوقتي يتمتيني لما اعترفتي بيه) .. تأوه يوسف باكياً بمرارة ثم دفعها بعيداً عنه بعنف صارخاً ( إنتِ من انهاردة بالنسبالي ميتة وعمري ماهسامحك أبداً)
+
ولم يكن سالم أقل صدمة من ابن أخيه .. إعتراف زوجته بما اقترفته كان بمثابة طعنة مسمومة اخترقت قلبه ..شعر بقدميه كالهلام فجلس رغماً عنه قائلاً بصوت أشبه بالهذيان (منك لله ياسمية ضيعتِ البنت .. هاقول ايه لعبدالرحمن لما اقابله .. اتاريه مابيزورنيش في المنام و زعلان مني..ياحبيبي ياخويا ...) لم يكمل سالم حديثه وفجأة انحشرت الكلمات داخل حلقه لكنه حاول الحديث بصوت متحشرج ( انتِ .. انتِ طال.. انتِ طا ..) وللأسف أظلمت الدنيا حول وسقط مغشياً عليه قبل أن ينطقها كاملة.. ركض يوسف نحوه هلعاً من منظره الذي يوحي بأن الأمر شديد الخطورة ..حاول إفاقته لكن دون جدوى ولم يجد مفر من الاتصال لطلب سيارة إسعاف عاجلة .. وركب معه ليطمئن عليه بنفسه فهو يعلم أن عمه بالكاد يقف على قدميه بعد وفاة إبنته وقلبه لن يتحمل واليوم صُدِمَ في حقيقة زوجته المخزية.. وبعد وقت ليس بقليل وصلت السيارة أمام المستشفى التي يعمل بها وأسرع التمريض بوضع سالم على جهاز التنفس حتى يتداركوا الأمر ثم قاموا بإدخاله غرفة العناية المركزة .. وقف يوسف مستنداً على الجدار البارد بكتفه والخوف يتملك منه .. يدعو الله في قلبه أن يمر الأمر دون خسارة آخر فرد من عائلته فالحالة لا تبشر بشفاء لكنه كان متمسكاً بالأمل ولو كان ضعيفاً و على الطرف الآخر كانت تجلس سمية التي لحقت بهما تبكي بحرقة شديدة وشعورها بالذنب يمزق روحها فبعد موت ابنتها هي الآن على مشارف فقد زوجها ويوسف لن ينظر في وجهها مجدداً بعدما علم أنها حرمته من أخته الوحيدة بسبب الحقد الذي جعلها تلقي برضيعة في الهاوية لتسقط وتأخذ معها حياة شابة في مقتبل العمر لتواري الثرى مُكَفْنةَ بآخر أقنعة الطيبة التي كانت تلبسها طيلة عشرون عام وأكثر ولولا وفاة بسمة المفاجئة لما إعترفت بما إقترفته بالماضي .. انتبه يوسف لوجودها فسألها بنظرات قاتمة والشرر يتطاير من مقلتيه (انتِ ايه اللي جابك ورانا؟)
+
أجابته سمية بصوت مبحوح (جيت أطمن على سالم)
+
رمقها يوسف بأعين تستعر غضباً ثم قال (عمي قلبه تعبان جداً ولو شافك ممكن يروح فيها)
+
اقتربت سمية منه تقول بحزن (سامحني يا يوسف)
+
ارتفع جانب وجه يوسف بشبه ابتسامة متهكمة قائلاً باستهزاء (أسامحك انك ضيعتِ أختي ورمتيها فالشارع؟ .. ريم لو لسه عايشة زمانها بقيت عروسة دلوقتي.. ده انا حتى ماعرفش شكلها هادور عليها ازاي وهاعرفها منين؟) .. وبينما هما على تلك الحالة المشحونة خرجت الممرضة من غرفة العناية مهرولة لتنادي على يوسف فالمريض بدأ يسترد وعيه ويتمتم بإسمه .. ركض نحو الداخل بلهفة وجد عمه يشير إليه أن يقترب منه بتعب شديد .. أطاعه بحذر قائلاً (ألف سلامة عليك ياعمي)
+
هتف سالم عليه بخفوت (ماتسيبش أختك يايوسف)
+
أمسك يوسف كفه يقبل ظاهره قائلاً (شد حيلك عشان تدور عليها معايا)
+
ربت سالم على وجنة ابن شقيقه يقول والتعب استبد به (خد بالك من نفسك ياحبيبي .. دور على ريم و عوضها عن السنين اللي فاتت) وفجأة سعل سالم بشدة وكأن الهواء لا يمر لرئتيه وفي غضون ثواني أطلقت أجهزة ضربات القلب صافرات تعلن عن مفارقته للحياة .. فزع يوسف وحاول قدر المستطاع أن ينقذه لكن أمر الرحمن نفذ وصعدت روحه ليلحق بابنته علّه يؤنس وحشة مرقدها.. خرج من الغرفة بعدما تأكد من وفاته لا يرى أمامه من الدموع التي تغشي مقلتيه..ركضت سمية نحوه متسائلة بهلع من مظهره (سالم جراله إيه يا يوسف؟)
+
رفع يوسف أنظاره الدامعة وأجابها بصوت يقطُر ألماً (عمي مات)
+
لطمت سمية على وجهها صارخة (أنا اللي قتلته.. لا يا سالم ماتمشيش وانت زعلان مني)
+
صاح يوسف بوجهها وعروقه تنتفض من الحزن والغضب (ماتعذبيهوش بصريخك..كفاية اللي عملتيه فيه قبل مايموت)
+
انخرطت سمية في البكاء قائلة بعويل (سيبتنا لمين ياسالم؟..هنعمل ايه من بعدك؟)
+
خبط يوسف رأسه في الجدار بعنف وصوته يصدح بأرجاء المكان (إسكتي مش طايق أسمع صوتك.. ياريتني كنت أنا اللي مت وارتاحت)
+
أمسكت سمية بذراعه تقول من وسط بكائها (بعد الشر عليك ياابني)
+
جذب يوسف ذراعه من بين يديها هادراً بها (أنا مش ابنك.. ابعدي عني .. انتِ موتي زي اللي ماتوا.. فاهمة؟)
+
أنهى حديثه ضاغطاً على كل حرف يتفوه به .. يعتصر مرارة الكلمات داخل جوفه حتى لا تخونه أحزانه ويرتمي بين أحضانها ليهرب منها مثلما كان يفعل منذ وفاة ذويه.. ولطالما احتمى بحنانها من وحشة اليُتم وظلمة الوحدة وكيف لايفعل وهي شقيقة والدته المتوفاة والخالة والدة؟ .. ولم يشعر يوماً بكلمة يتيم إلا الآن ..تلك الكلمة المُجَردة من أدوات التعريف لها شأن عظيم فمابال الإنسان لو أضافها لمُضاف زاد من جلالتها فإما الإحسان أو الإساءة .. كلاهما على حدٍ سواء لهما الجزاء عند الله ولا يصح أن نحسن لأحدهم ونسئ للآخر فتأكل السيئة الحسنة كما تتغذى النار على الحطب
1
*************************
+
على صعيد آخر /
+
طوت الأيام صفحاتها كما تنطوي وريقات الدفاتر .. يوماً تلو الآخر وإسبوعاً سحب أخاه ليتبعه حتى إكتمل الشهر واعتادت مريم على وجود ذلك المكتب اللطيف الذي يحتل ركناً قريباً من البيانو خاصتها وأصبح حضور صاحبه الذي لايزوره سوى نصف ساعة فقط خلال اليوم ليستريح قليلاً ثم يعاود لمباشرة العمال إكتفاء روحها.. كالموسيقى وآلاف الأغنيات.. كرائعة من روائع فيروز مثلاً .. أما هو فكان ضيق الوقت يقتل صبره على قلة رؤيتها .. ذلك الذي صام قلبه عن الهوى دهراً عندما وقع فيها بات يقتات حبها إفطاراً وإمتلأ بها كاملاً .. لا مساحة لغيرها داخله ولا فراغاً منها إلا إياها ولا فراراً من عشقها إلا إليها وحينما يضطر لمغادرة المكان يأخذ إسمها معه ليناجي ربه أثناء خلوته للصلاة فتصطف أضلعه ويكون الفؤاد إماماً داعياً اللهم هي وكفى .. وتم تسليم أول مبنى للسيدة وسيلة والتي انبهرت بمستوى التعديلات الفائق لكل حدود توقعاتها.. فلم تكن تتخيل أن يتحول مسكن الأطفال لفندق عالي الطراز بهذا الشكل الراقي ..واقترحت عليه أخذ بضعة أيام ليرتاح هو وعماله.. شعر ريان بحاجته لتلك الأجازة القصيرة فالعمل أرهقه كثيراً و قلة النوم تجعله في مزاج لايسمح له بمتابعة أي شيء.. استحسن الفكرة وأعطى الرجال الدؤوبين عطلة ثلاث أيام ليستعيدوا نشاطهم قبل مواصلة العمل في المباني المتبقية .. وبعد انهاء الأمر إتجه نحو غرفة الموسيقى ليجمع متعلقاته الشخصية ويودع مليحته ويشبع مقلتيه الوالهتين من نور وجهها .. ألقى التحية بصوت عذب أجش فردتها مريم برقتها المعتادة بينما إبتسمت ريهام تدعوه للدخول قائلة (اتفضل يابشمهندس)
+
بادلها ريان ابتسامتها بأخرى جاهد على إخراجها طبيعية (شكراً أنا بس جاي آخد حاجتي عشان ماشي)
+
أحست مريم بيد قوية إعتصرت شقها الأيسر وسألته بتوتر (ماشي؟)
+
انقبض صدر ريان عندما لمح ارتباكها وكأنها تقول له لا تفعلها يجيبها بثبات ظاهري (أخدت أنا والعمال أجازة تلات أيام).. تغضن جبين مريم بعبوس أصابه بندم وتأنيب للذات على انسياقه وراء تلك الفكرة الحمقاء ولم ترد بينما تابع هو بنبرة ترتجف تأثراً بردة فعلها التي فطرت قلبه (هايعدوا بسرعة ان شاء الله)
+
كادت مريم ان تبكي والتزمت الصمت مما جعله يستطرد مبرراً (والله أنا تعبان فعلاً ومحتاج الأجازة أوي ولو قدرت أقطعها مش هاتأخر ثانية)
+
ضغطت مريم على شفتيها لتخفي مايعتريها من حزن مسبق لغيابه (أجازة سعيدة)
+
ظل ساكناً لثواني يتشرب ملامحها الجميلة بناظريه ثم قال (هتوحشوني اوي)
+
أجابته ريهام وهي تحاول إلتزام الأدب ولسان حالها يردد (وحش اما يلهفك) لكنها بلعتها داخلها واستبدلتها بكلمات أكثر تهذيباً لتوديعه على أمل أن يقابل هذا الوحش ذو الأذن الواحدة والعين الواحدة والرجل الواحدة والأذرع الكثيرة ليضربه بهم جميعاً ضربة واحدة ويبعده دفعة واحدة عن صديقة العمر .. انصرف ريان سريعاً كي لا يتراجع عن قراره ويمكث بجوار مريمته ليبوح بما يكنه لها من مشاعر فاضت واستحالت على البقاء مستترة أكثر من ذلك.. كل شعور يسير هويناً هوينا ليحاذي الآخر ووقفت درجات الحب الإثنى عشر بجوار بعضها جنباً إلى جنب وأقامت في سريرته وياليته باح ليكن العناق لحظة الوداع مباح.. أما هي فبمجرد تلاشي وقع خطواته عن مسامعها هوت فوق مقعدها فاقدة لآخر خيط ربطت به عبراتها كي لا تنزلق وترجوه ألا يغيب.. بكت مريم بنشيج مرير وفي تلك اللحظة ولأول مرة تنتابها رجفة اليُتم .. فزعت ريهام مما حدث واحتضنتها لتهدأها ولم تثقل كاهلها بالحديث فهي تعلم أن هذا الإنفجار له علاقة وطيدة بريان .. شددت عناقها وتركتها تخرج ما يجيش بصدرها وعندما استشعرت استكانتها بعض الشئ اسندتها بصمت لتعود بها إلى غرفتهما وعلى حسب عشرتها برفيقة دربها أن أكثر ماترنو إليه الآن هو الاستلقاء والنوم .. لم يكن ريان أفضل حال منها ولم يدري كيف وصل لغرفته بالڤيلا .. وبعد مقاومة واهنة في السيطرة على الألم الذي إجتاح كيانه قرر أخذ حماماً بارداً ليطفئ نار الإشتياق التي انتشرت بين جنبات روحه .. وقف تحت المياه شارداً لوقت طويل غير عابئ بصقيع منتصف الشتاء الذي بدأ ينخر عظامه وترك برودتها تلامس رأسه علّها تخفف عنه لكنها لم تنفعه .. وبعد قرابة النصف ساعة إرتدى ملابسه ليستسلم لرغبة سحيقة في الغرق بالنوم على أمل أن يلتقيها داخل أحلامها وقلبه ينبض (أيا ليت أحلام المنام تتحول صباحاً إلى يقين)
*********************
+
لم تدري مريم كم مر عليها من ساعات وهي غارقة تحت الأغطية الثقيلة داخل غرفتها.. ورفضت الخروج نهائياً ولا حتى للطعام واضطرت ريهام أن تتركها كما تريد لتتخلص من تلك الغصة المريرة المستقرة بجوفها منذ غادر ريان .. لكنها كانت تطمئن عليها بين الحين والآخر فتجدها على حالتها المتألمة.. وعندما ألحت صباح على إيقاظها لتأكل إضطرت لقطع خلوتها بنفسها .. جلست بجوارها تمسد شعرها قائلة بهدوء (مريم! ..حبيبتي أنا عارفة إنك صاحية)
+
فتحت مريم جفنيها فإنزلقت دمعة كانت عالقة بين أهدابها الكثيفة فانتفضت ريهام تسألها (انتِ لسة بتعيطِ؟)
+
اعتدلت مريم لتجلس بنصف استقامة قائلة بصوت متحشرج من أثر البكاء (قلبي بيوجعني ياريهام)
+
أحاطت ريهام كتفها بذراعها تقول بحنان (الموضوع له علاقة بريان مش كده؟)
+
تنهدت مريم بعمق وكأنها تتخلص من ذلك الشعور المؤلم الذي سكنها رغماً عنها ثم أجابتها (مش عارفة إيه بيحصلي من يوم ماقابلته.. أنا صحيح مش شايفاه بس ريحته حواليا في كل مكان وقلبي بيدق بسرعة لما بحس بنفسه قريب مني وروحي بتروح لما بيبعد شوية) صمتت مريم تقاوم البكاء مجدداً وأردفت بنبرة مختنقة (واللي واجع قلبي أكتر إنه لما يخلص شغله فالدار هيمشي ومش هالاقيه جنبي تاني)
+
قرصت ريهام وجنتها برفق مازحة (الجميل غرقان لشوشته فالحب ولا حدش داري بيه)
+
سألتها مريم بتعابير ساهمة (حب؟)
+
ردت ريهام عليها ضاحكة (ده حب ونص وتلات ارباع كمان وبالمناسبة بقى هو كمان بيموت فيكِ)
+
انبثق شعاع الأمل في صدر مريم وقالت بتأمل (تفتكري؟)
+
جاوبتها ريهام بتأكيد (يابنتي نظراته ليكِ وطريقته فالكلام معاكِ فاضحينه ..وبعدين انتِ نسيتِ يوم الحفلة لما جه يسأل عليكِ؟)
+
إبتسمت مريم داعية (يارب يكون كلامك صح)
+
ربتت ريهام على وجنتها قائلة بحنان (إن شاء الله ياحبيبتي يكتبلك الخير كله.. المهم يلا قومي ناكل وتعالي نروح أوضة الموسيقى نفكر في حل عشان لما ييجي من الأجازة نمسمره هنا)
+
اتسعت ابتسامة مريم على دعابتها اللطيفة وأطاعتها لتخفف الحمل عن روحها وقلبها يتضرع إلى الله أن يخلق وصلهما كما خلق هذا الحب داخلهما وفي نفس الوقت كان ريان مازال نائماً في فراشه وعظامه تأن بآلام مبرحة وكأنها تُسحق بآلة من آلات البناء خاصته وحرارته مرتفعة كمراجل اللهب وكلما حاول الاستفاقة أو النهوض يضرب الدوار رأسه ويسقط فوق وسادته كالهُلام غير قادر حتى على إخراج نداء واهن ليطلب من نجاة قرص مسكن .. صدح رنين هاتفه فأجاب دون رؤية هوية المتصل.. وصله صوت كريم الذي أجفل عندما سمع إجابته الخافتة بنبرة يعبأها طنين نزلة البرد اللعينة فسأله بقلق (ريان.. إنت كويس؟)
+
جاهد ريان على الرد بوضوح مما أوجع عظام صدره (أنا تعبان أوي ياكريم.. الحقني بأي مسكن بسرعة البرد هيموتني)
+
فزع كريم كثيراً قائلاً بقلق (مسافة السكة وأكون عندك)
+
أغلق ريان الخط وأغمض عيناه كي يخفف من حدة الوجع الذي يغتال خلايا دماغه ..وفي غضون دقائق دخل كريم عليه ومعه نجاة التي هرولت بسرعة لتراه بعدما أخبرها بمرضه .. شهقت بهلع عندما جسّت جبهته بكفها (ياحبيبي يابني..ده لازم يتعمله كمادات حالاً) وبالفعل خرجت من غرفته ركضاً لتجلب وعاء عميق يحتوي على ماء بارد وقطعة قماش نظيفة تُستخدم لخفض حرارة الجسد المصاب بڤيروس الإنفلونزا السخيف بينما جلس كريم على كرسي بجوار الفراش يطالعه بقلق شديد.. وصله صوته الضعيف يتمتم بكلمات غير مفهومة .. إقترب منه ليسمع مايقول وسرعان ما ابتسم فصديقه ذو القلب المتيم بمريمته يهلوس بإسمها حتى وهو محموم والمرض ينهش لحمه وعظامه .. عاد لجلسته مجدداً في انتظار نجاة ولم تمر إلا لحظات حتى دخلت عليهما حاملة أغراض خاصة بالإسعافات الأولية لحالات الطوارئ والحمى المفاجئة .. تحركت نجاة بآلية تامة وجلست بجانب ريان تراقب إيماءته كلما وضعت الكمادات فوق رأسه بقلب مفطور.. تتمنى لو ينزاح عنه هذا التعب ويحل عليها بدلاً منه.. أخرجها صوت كريم من شرودها يسألها بتعجب (هي والدته فين؟)
1
عصرت نجاة القماشة المبتلة داخل الوعاء ووضعتها على جبهته تجيبه بحزن (خرجت من بدري)
+
أشفق كريم على حال رفيقه الذي يبدو وكأنه بدون أم ترعاه في أصعب لحظات حياته وكالعادة تقوم نجاة بمهمتها قائلاً بتأثر (لو حرارته ما نزلتش بالكمادات انا هاتصل بالدكتور)
+
مالت نجاة على وجنته تقبله بحنو بالغ قائلة (ربنا يلطف بيه ويقومه بالسلامة).. ظل الوضع كما هو عليه حتى بدء ريان يسترد وعيه.. حاول الحديث لكنه سعل رغماً عنه فانتبه كلاهما إليه وبادرت نجاة بسؤاله متلهفة (ريان.. انت سامعني ياضنايا؟)
+
صدرت منه آهة خافته مصحوبة بإيماءة صامتة غير قادر على الكلام .. تنفس كريم الصعداء يحمد الله على استجابته لها وطلب منها إعداد بعض الطعام ليتناوله كي يساعده في التعافي سريعاً .. أطاعته نجاة واتجهت نحو المطبخ لتحضر وجبة مكونة من الخضار الممزوج بقطع الدجاج المسلوق ولم تستغرق الكثير حتى انتهت منها وصعدت مرة أخرى .. أسندته بمساعدة كريم ليستقيم قليلاً واضعة وسادة خلفه ثم جلست قبالته وبدأت في إطعامه بيدها كما كانت تفعل سابقاً أثناء طفولته.. تذمر ريان كثيراً حتى لا ينهي الطعام لكنها أرغمته على إنهاءه كاملاً ثم أعطته أقراص خاصة بنزلات البرد وهي تتمتم (بسم الله الشافي المعافي).. وتركته يستلقي لينام مجدداً وجلست بجوار كريم تراقبه بأعين متمنية أن يتعافى في أسرع وقت
+
********************
+
انقضى قرابة الساعتين وريان نائماً يأن بصوت مكتوم ورأسه ثقيلة من أثر الحمى و الأدوية وجبينه يتفصد عرقاً وهذا مؤشر جيد ودليل لبدء التعافي.. جاهد على فتح جفنيه المجهدين فآلمه الضوء الذي تسرب لبؤبؤ عينيه.. تأوه بخفوت لكن صوته الضعيف وصل لمسامع كريم فاقترب منه بلهفة يتحسس حرارته قائلاً (السخونية نزلت)
+
سأله ريان مبتسماً (انت لسه هنا؟)
+
تنهد كريم براحة عندما لاحظ التحسن البادي على نبرة صوته (حاسس انك أحسن شوية من الأول؟)
+
مسح ريان وجهه براحته قائلاً (آه بس عرقان أوي)
+
ساعده كريم على النهوض قائلاً ( قوم خد دوش وغير هدومك)
+
نظر ريان لنجاة التي غفت فوق مقعدها رغماً عنها يسأله (نوجا كمان هنا؟)
+
رد عليه كريم مازحاً (اللهم صلي عالنبي دور البرد أثر على ذاكرتك وبقيت اهبل رسمي)
+
ضحك ريان بتعب (بتتريق عليا وانا تعبان ياحيوان؟)
+
تبادل كريم معه الضحكات قائلاً (صحتك راحت يازينب وحل عليكِ تعب السنين)
+
قهقه ريان بشدة على دعابته مما أوجع عظام صدره قائلاً (كفاية ياكريم مش قادر أضحك)
+
أوصله كريم نحو باب الحمام ودفعه برفق ليدخل قائلاً (إدخل خد حمام سخن وانا هاصحي القتيلة دي تهوي الأوضة شوية)
+
أطاعه ريان بقلة حيلة مستمراً في الضحك بينما هو أيقظ نجاة التي انتفضت بفزع ظناً أن يكون أصابه مكروه لكنه طمأنها فتنهدت بأريحية (الحمدلله انه فاق ووقف على رجليه)
+
إبتسم كريم لحنانها الذي يغلف نبرتها وهي تتحدث عن ربيبها الغالي قائلاً (أنا هاخده وننزل نقعد شوية ف الجنينة وانتِ افتحي البلكونة عشان الأوضة تتهوى)
+
نهضت نجاة من مكانها قائلة (أحسن برضه خليه يشم هوا نضيف)
+
وبالفعل انهت نجاة مهمتها في طرد المرض بتهوية الغرفة وتغيير شراشف الفراش بأخرى نظيفة ثم اتجهت لتصنع له كوباً دافئاً من الليمون المُحلى بالعسل ليقوي مناعته ويساعده على الشفاء التام.. وبعد دقائق خرج ريان من الحمام يبدو عليه التحسن بعد إنعاش جسده المرهق بالماء وتبديل ملابسه.. ارتمى على الأريكة بإرهاق يقول لكريم (دور برد شديد هد حيلي)
+
عقد كريم ذراعيه حول صدره قائلاً بابتسامته اللطيفة (تعالى ننزل الجنينة)
+
أرجع ريان رأسه للخلف قائلاً (جنينة مين يابني أنا خلاص بقيت ي-ي-ي)
+
سأله كريم بعدم فهم (يعني إيه؟)
+
أجابه ريان وهو مازال على وضعه (يعني يادوب يقدر ينام)
+
جذبه كريم من ذراعه لينهض قائلاً بتذمر (وحياة حفيدة أوغلو أغا هاتقوم معايا تغير جو بدل الڤيروسات اللي مبهدلاك دي يامعفن)
+
أطاعه ريان بتثاقل قائلاً (بتعايرني عشان تعبان بدل ماتقولي ان شالله انا بدالك ياعرة الصحاب؟)
+
دفعه كريم ليخرج من الغرفة قائلاً (إمشي قدامي يابتاع مريم)
+
التفت اليه ريان يسأله بتوجس (مالها مريم؟)
+
أجابه كريم ضاحكاً (مابطلتش هلوسة بإسمها وانت نايم )
+
حك ريان شعره يحاول تذكر الأمر (لا ياراجل؟.. إوعى يكون حد سمعني؟)
+
حثه كريم على السير قائلاً بنفاذ صبر (ماحدش سمعك غيري)
+
وأثناء هبوطهما الدرج قابلتهما نجاة التي تهللت أساريرها كثيراً عندما رأت ريان قائلة (ألف سلامة عليك ياحبيبي..إن شاالله انا مكانك)
+
جاوبها ريان مبتسماً بمرح ( بعد الشر عليكِ يانوجا إن شاالله كريم) ..
+
لكزه كريم في كتفه رداً على ماقال فتأوه متصنعاً البراءة (شايفة بيضربني ازاي؟)
+
نظرت نجاة لكريم مدافعة عنه (بالراحة عليه ياواد انت مش شايفه تعبان قدامك؟)
+
رفع كريم حاجبه متزامناً مع زاوية شفته العلوية (والله انتِ اللي مبوظاه بدلعك فيه)
+
احتضنت نجاة ريان قاصدة إغاظته (وماله يدلع براحته هو أنا عندي كام ريان يعني؟)
+
وضع كريم كفيه في جيوب سترته قائلاً باستنكار (حاولي تقتنعي إنه بقى ما شاء الله شحط كبير قد الدنيا والدلع ده مابقاش لايق عليه)
+
فردت نجاة كفها أمام وجهه شاهقة (الله أكبر انت هاتحسده ولا إيه؟) .. بينما أخرج له ريان لسانه يحرك حاجبيه لأعلى وأسفل يشاكسه بشقاوة.. لوح كريم بذراعه في الهواء هاتفاً (خلصونا من الهم ده.. ماتسودوش عيشتنا بقى) .. أنهى حديثه بطريقة كوميدية ثم تركهما يضحكان بشدة على ردة فعله الطريفة .. لحق به ريان يخبط كفيه ببعضهما وجده جالساً في البرجولة الموجودة بمنتصف الحديقة ويهز ساقيه بذبات سريعة.. اقترب منه ليجلس قبالته قائلاً بمزاح (انت يامصيبة مش تستنى تاخذني فإيدك؟)
+
ضيق كريم نظراته متسائلاً بتوجس (ممكن أعرف إيه حكايتك مع مريم؟)
+
عقد ريان ذراعيه أمام صدره قائلاً (ما انت عارف كل حاجة)
+
أكمل كريم سيل استفساراته بفضول (يعني بتحبها ولا....)
+
قاطعه ريان بتأكيد ضاغطاً على كل كلمة ينطقها (بحبها أوي يا كريم)
+
إبتسم كريم بفرحة وسأله (متأكد؟)
+
بادله ريان ابتسامته بأخرى واثقة (عمري ماحسيت بيقين بعد ربنا إلا بيقيني إني مش هاقدر أكمل حياتي من غيرها .. اللي جوايا ناحيتها مش حب ده إيمان وأنا مؤمن بيها وقلبي مآمن لها)
+
وبينما هو يشرح مشاعره تجاه مريم كانت هناك من تسترق السمع لحديثه بخبث شديد وعينيها تلتمع بوميض شيطاني قائلة بصوت يشبه فحيح الأفاعي (بقى الحكاية فيها واحدة تانية.. ماشي ياروميو أما نشوف يا أنا يا هي)
+
**********************
+
يتبع ..........إلى اللقاء مع الفصل التاسع
+
