رواية اردتك عمرا فكنت عابرا الفصل الثالث 3 بقلم الهام عبدالرحمن
الفصل الثالث
بقلمى الهام عبدالرحمن 
كانت الغرفة هادئة إلا من صوت النقر الخفيف على لوحة المفاتيح، وجلوس "مسك" في وضع مستقيم أمام شاشة الحاسوب المحمول.
ارتدت نظارتها الطبية، وسحبت كوب القهوة من جوارها، ثم تنهدت وهي تفتح آخر بريد أرسله لها الدكتور مؤمن.
عملها كمترجمة لم يكن سهلاً، خاصةً مع اللغة الصينية التي تتطلب دقة ومهارة، لكنها أحبّت هذا الطريق منذ سنوات، ووجدت نفسها فيه. الدكتور مؤمن، أستاذها السابق في الجامعة وصاحب شركة سياحية، كان يُرسل كل فترة بعض الملفات لترجمتها، وغالبًا ما كانت تتقاضى أجرًا محترمًا، وإن كانت تدري أنه يفعل أكثر من أجل التقرب، لا العمل فقط.
لكن أصابعها توقفت فجأة... وعيناها تجمدتا على الشاشة وبغير ارادتها شردت .
"يونس."
عاد الاسم يتردد في رأسها بلا استئذان. تنهدت تنهيدة حارة ومسحت وجهها بيدها لعلها تهدأ ولكنها دقات قلبها المتسارعة ابت رغبتها فى ااحصول على السكينة فوضعت يدها على قلبها واخذت تربت عليه وعيناها تحبس الدموع بداخلها وهى تقول له وكأنها تحدث شخصا ما....
مسك: بتدق ليه دلوقتى مش اتفقنا مش هنفكر فيه تانى مش اتفقنا اننا هننساه ونعيش من غير حب مش قولنا ان الحب الم وعذاب وقررنا نبعد عن الطريق ده ليه دلوقتى عامل زى الطبول وبتدق بالسرعة دى وكأنك عاوز تخرج من جوايا؟ مش هو دا اللى جرحنا بكلامه لما قولتله انى بحبه كسرك جوايا ومااهتمش لمشاعرى كان شايفنى لسة صغيرة منفعش اكون ليه كان مفكرانها مشاعر مراهقة وهتتنسى لكن ميعرفش انى كنت عايشة بيه وليه كنت بستقوى بوجوده كنت عايشة بس عشان احبه لكن هو... هو مكنش شايف غير طفلة طيب ما انا كبرت وخلصت الثانوى وكان لسة متجوزش ليه بردو فضلت فى عنيه طفلة ليه كسر قلبى مرة تانية وراح اتجوز وسابنى....
اطلقت مسك العنان لدموعها تتساقط كالشلال وهى تتذكر يوم زفاف يونس، كانت القاعة تعج بالمعازيم وكل الوجوه تملأها الفرحة والأغانى تصدح فى المكان والكل يقدم المباركات والتهانى. كان يونس يجلس بجوار عروسه كانت حقا عروس جميلة وكان هو كأمير خرج من احدى الحكايات ببذلته السوداء وقميصه الابيض والصدرية التى اضفت عليه حلاوة كان مفتول العضلات شاب تتمناه اى فتاة. جلست مسك بجوار والدها ووالدتها وخالتها تنظر له والابتسامة على وجهها ولكن قلبها يملأه الحسرة والحزن تشعر وكأن شيئا يعتصر قلبها فها هى تفقد حب حياتها الذى ظلت تحبه لست سنوات كانت قد انهت عامها الاخير من المرحلة الثانوية، لم يعلم اى شخص بهذا الحب سواه ولكنه رفضه.
حسناء: ايه يامسك ياحبيبتي مش هتقومى تسلمى على يونس وعروسته.
مسك وهى تحاول السيطرة على مشاعرها: حاضر ياخالتو بس لما الناس تخف من حواليهم شوية.
حسناء لاختها فاطمة: عقبال ماتفرحى بمسك يا بطة وتشوفيها احلى عروسة.
فاطمة بابتسامة: فى حياتك ياحبيبتي.
حسناء: عارفة يابت يامسك يوم ماربنا يكرمك بالعريس انا هنزل معاكى انقيلك جهازك كله وهعملك ليلة حنة الناس كلها تحكى عنها، كان نفسى يبقى عندى ولد تانى والله ماكنت سيبتك ابدا ياروح قلبي وكنت جوزتك ليه بس نعمل ايه ربنا مرزقنيش غير بيونس.
مسك وهى تحبس دموعها: انا مش بفكر فى الكلام دا دلوقتي ياخالتو انا بفكر بس فى مستقبلى ودراستى والجواز دا اخر اهتماماتى انا عاوزة اخلص جامعة واحضر الماجستير والدكتوراة واشتغل واعمل لنفسى كارير لازم ابنى نفسى واعمل لنفسى مستقبل افتخر بيه.
عبدالرحمن: ربنا يحميكى يابنتى وبكملك بعقلك طول عمرك طموحة يامسك وشاطرة ورافعة راسى دايما.
حسناء: طموح ايه يا ابو مسك هى البنت ليها ايه غير بيتها وجوزها دى لما ربنا يرزقها كدا براجل يصونها ويراعى ربنا فيها بالدنيا ومافيها وبعدين ياختى انتى هتضيعى عمرك كله فى المذاكرة ماهى عروسة ابنى اسم الله عليها خلصت كلية هندسة واستكفت ولا عاوزة تكمل ولا بتفكر حتى تحضر ماجستير ولا دكتوراه ولا عاوزة حتى تشتغل بشهادتها قررت تقعد فى البيت وتهتم بيونس وبس.
شعرت مسك بان الارض ضاقت عليها بما رحبت وبدأ الهواء ينفذ من رئتيها فاستأذنت منهم للذهاب الى التواليت، ولكنها خرجت الى حديقة القاعة ووقفت فى مكان هادئ واطلقت العنان لدموعها وهى تلوم قلبها على انه عشق شخصا غير مناسب لها.
انتهى العرس وذهب كل شخص الى منزله ودخلت مسك حجرتها وقد اصابها حالة من الجمود واليأس فقد انهكها وجع قلبها وجلست امام مرآتها ونظرت لانعكاس صورتها فشعرت وكأنها جسد بلا روح انسابت دموعها حزنا على نفسها ولكن فجأة هبت من مكانها ومسحت عبراتها وقالت بحزم لنفسها....
مسك: هتنسيه وهتفوقى لنفسك وهتحققى طموحك هو مايستاهلكيش وهييجى اليوم اللى هيندم فيه على انه مفكرش فيكى انتى لازم تشوفى مستقبلك واللى يبيعك بيعيه انتى كمان.
فى الصباح جلست مع اهلها على المائدة لتناول طعام الافطار، ثم تحدثت بدون مقدمات....
مسك: بعد اذن حضرتك يابابا انا حابة ادخل كلية الالسن فى اسكندرية وهقعد عند عمتو انت عارف ان اولادها كلهم مسافرين برا وملهاش حد.
فاطمة بدهشة: وايه يابنتى اللى يوديكى اسكندريه طيب مافى هنا فى القاهرة كلية السن ليه عاوزة تتشحططى وتبعدى عننا.
مسك بحزم: معلش يا ماما دى رغبتى وارجو ان انتم مترفضوش.
عبدالرحمن بعد تفكير: سيبيها على راحتها يافاطمة بنتنا مش هتاخد قرار يضرها وانا متاكد انها درست وفكرت كويس فى اتخاذ القرار ده. اتوكلى على الله يابنتى ربنا يوفقك.
عادت مسك من ذكرياتها وهى تزفر بقوة.....
مسك: بعدت سنين وهديت نفسى فى المذاكرة والشغل عشان مفكرش فيك لكن مع اول نظرة منك واول ماسمعت صوتك وكل مشاعرى اللى دفنتها صحت تانى ااااه يارب ارحمنى انا مش هقدر على كدا ساعدنى يارب وقوينى على نسيانه.
بعد عدة ايام كان يجلس يونس فى منزله يشاهد التلفاز بملل حتى اتاه اتصالا من والد زوجته....
يونس: ازيك ياعمى اخبارك ايه؟
عادل: الحمدلله ازيك انت يابنى؟
يونس: الحمدلله ياعمى خير يارب.
عادل: انا قولت اسيبك تهدى شوية وبعدين نتكلم، بس انا كنت متوقع انك مش هتسيب ليلى تبعد عنك كل دا.
يونس بضيق: ياعمى يعنى عاجبك اللى هى عملته؟
عادل: ايا كان اللى حصل مينفعش تسيب مراتك تبعد عن بيتها كل دا ياحضرة الظابط انا هستناك تيجى تصالحها انا معنديش بنات تسيب بيتها كل الايام دى .
يونس: حاضر ياعمى هاجى لحضرتك على الساعة 8 ان شاء الله.
اغلق يونس هاتفه وهو يشعر بالضيق فزوجته لا تراعى مشاعره وتتصرف بانانية ولا تفكر الا بمظهرها وتريد حرمانه من اجمل شعور فى العالم وهو شعور انا يكون ابا شعر بانه يريد ان يتحدث مع احد فامسك هاتفه وقام بالاتصال على والدته....
حسناء: يونس ياقلب امك وحشتنى ياحبيبى بقالك يومين مكلمتنيش قلقتنى عليك ياضنايا وكل لما اكلمك الاقى تليفونك غير متاح.
يونس: معلش ياامى كنت محتاج افصل شوية.
حسناء: مالك ياحبيبي فيك ايه؟ ايه اللى تاعبك يا ضنايا؟
بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى
يونس بتنهيدة وجع: ااه يا أمى محتاج دعواتك اوى الفترة دى.
حسناء بقلق: يونس فى ايه فهمنى مالك انت قلقتنى عليك اقولك اقفل وانا جيالك حالا.
يونس: لا يا امى متتعبيش نفسك انا كويس والله هو بس فى بينى وبين ليلى مشكلة وان شاء الله تتحل.
حسناء: اكيد عشان الخلفة مش كدا؟ انا عارفة يابنى مراتك مش عاوزة تخلف.
يونس باستغراب: عرفتى منين؟ هى كلمتك؟!
حسناء بسخرية: لا ياحبيبى هى اصلا مبتسالش عليا ولا كانى حماتها بس لما زرتها اخر مرة فاتحتها فى موضوع الخلفة لكن هى اعترضت وقالتلى انها لسة مش مستعدة، وانها متفقة معاك على كدا فمحبتش اضغط عليها ولا اتدخل فى حياتكم لان دا قراركم انتم لكن انا كان نفسى اشيل اولادك قبل ما اموت.
يونس: بعد الشر عليكي يا امى ربنا يباركلى فى عمرك ويحفظك وان شاء الله تشيلى اولادى وانتى اللى تربيهم كمان.
حسناء: اومال هى فين يابنى؟
يونس: زعلانة بقالها خمس ايام قاعدة عند اهلها.
حسناء بصدمة: ايه!! غضبانة! ليه كدا يابنى دا انت عمرك ماعملتها طول الخمس سنين اللى اتجوزتها فيهم، ازاى يابنى تسيبها تبات برا بيتها مهما كان الخلاف اللى بينكم.
يونس: خلاص يا امى انا رايح النهاردة اجيبها من عند اهلها وربنا يهدى الحال.
فى تمام الساعة الثامنة كان يونس يقف امام منزل والد زوجته فصعد وطرق الباب وبعد لحظات فتح له عادل...
عادل بترحاب: اهلا اهلا بحضرة الظابط اتفضة يابنى نورتنا.
يونس: ازيك ياعمى البيت منور باصحابه اومال فين ليلى؟!
عادل: جاية حالا يابنى اتفضل بس اقعد وارتاح الاول، بص يابنى اللى بينك وبين ليلى دى حاجة تخصكم انتم الاتنين مينفعش حد يتدخل فيها لان دا قراركم انتم وبردو مينفعش تخلى مراتك تسيب بيتها كل الفترة دى ولا ايه؟
يونس: هى ليلى حكت لحضرتك اللى حصل؟!
عادل: ايوا يابنى حكتلى بس المفروض انكم تتناقشوا توصلوا لحل لكن متسيبش بيتها يابنى.
يونس: هى اللى سابت البيت رغم ان حاولت معاها لكن هى ركبت راسها واصرت تمشى رغم ان هى اللى غلطانة.
فى تلك اللحظة دخلت ليلى وهى تقول بتذمر... بقا كدا يا يونس انا اللى غلطانه.
يونس: ايوا طبعا لما تبقى عاوزة تحرمينى من انى اكون اب تبقى غلطانه.
بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى محمد
ليلى ببكاء مصطنع: هو يعنى لما احافظ على جمالى مش دا عشان خاطرك عشان افضل حلوة فى عنيك ومتبصش لحد غيرى.
يونس: هو ايه علاقة الجمال بانك تبقى ام هو انتى الجمال فى نظرك انك تبقى رشيقة طول الوقت وحاطة ميكب علطول.
ليلى: اه طبعا هو دا الجمال اومال يعنى هيكون ايه؟!
قعد يونس قدامها، وعيونه مليانة حب وصدق وهو بيقول بنبرة هادية لكن مليانة يقين:
"ليلى… انتى مش فاهمة انتى بالنسبة ليا إيه. انتي شايفة الجمال في المرايا، وأنا شايفه في قلبك، في ضحكتك، في خوفك عليا، في حضنك وقت التعب، في طيبة ملامحك وانتى ساكتة، وفي نظرة عيونك لما بتغضبي، حتى غضبك له جماله!"
سكت لحظة، ومد إيده على إيدها وقال:
"أنا عارف إنك خايفة… خايفة على جسمك، على شكلك، على اللي الناس بتسميه جمال. بس صدقيني، الجمال مش هيقل… ده هيزيد، هيبقى أعمق، أنضج، هيبقى فيه حياة جديدة طالعة من روحك. الحمل مش بيشوه، الحمل بيخلق نوع تاني من البهاء… بهاء الأم، اللي عينيها فيها نور ، وجسمها شايل دليل المحبة."
قرب منها وهمس بصوت دافي:
"انتى فاكرة إن الرجالة بتنسى شكل الست بعد الحمل؟ لأ يا ليلى… الرجالة اللى بتحب، بيكبروا في حبهم، بيشوفوا التفاصيل اللى بتتغير على إنها أوسمة، علامات انتصار… وأنا بحبك، حب كبير ، ومش شايف فيكى غير كل حاجة حلوة، في كل حال، في كل وقت."
ضحك بخفة وكمل:
"وانتى مليانة جميلة، ضعيفة برضو جميلة، حزينة أكتر لحظة بيبان فيها نقاءك. الجمال مش مقاس، الجمال مش وزن، الجمال مش خدود مشدودة ولا بطن مسطحة… الجمال إنك تكوني انتي… بقلبك، وروحك، وحنيتك."
بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى
نظر في عينيها نظرة كلها شوق وقال:
"نفسي أشوفك وانتى شايلة ملامحنا بين ايديكي… نفسي أشوفك أم، وأشوفك وانتى بتضحكي لابننا او بنتنا، ونفسي هو يشوفك بعنيا… عشان ساعتها يعرف إن الجمال الحقيقي، كان دايمًا ليلى."
تأثرت ليلى بكلامه ودخلت والدتها وهى تقول بصوت هادئ.... جوزك عداه العيب ياحبيبتي قومى واستهدى بالله وروحى مع جوزك واعملى حسابك انى هعد تسع شهور الاقى عندى حفيد ولا ايه ياعادل؟
عادل بضحك: انا عن نفسي عاوز دستة يملوا عليا البيت.
ليلى بذعر: ايه دستة لا خلاص مش لاعبة.
يونس بضحك: طيب نجيب واحد بس الاول وبعدين نفكر فى موضوع الدستة دا.
ضحك الجميع واصر عادل ان يتناول يونس معهم طعام العشاء قبل الذهاب وقضوا سهرة ممتعة ثم اخذ ليلى وذهب الى منزلهم بعد ان طمأن والدته على الهاتف بانه تصالح هو وزوجته
