اخر الروايات

رواية عيون الريان الفصل الثالث 3 بقلم نيللي العطار

رواية عيون الريان الفصل الثالث 3 بقلم نيللي العطار



                                              
عند اللقاء الأول
لا تستمع لأي أغنية
ولا تضع أي عطر 
وإياك أن تحب المكان كثيراً 
ولا تسأل عن السبب

+


(نزار قباني) 

+


****************
مر الليل على ريان  ثقيلاً .. طويلاً .. يشعر بأن المكان يضيق به كثيراً لدرجة لا تسمح بمرور تنهيدة تعبر رئتيه المتعبتين ..الضربات التي يتلقاها من والدته تسقط فوق قلبه وتشل حبه الغريزي لها دون أي إنتباه منها للآلام النفسية التي تسببها له ومن الواضح انها لن تستسلم بسهولة حتي يخضع لرغبتها بشتى الوسائل ، ومهما سلكت من طرق غير مكترثة لما يريد ، ولن تكلف نفسها عناء التفكير في رغباته وكأنها لا ترى في هذا العالم شخص يدعى ريان لديه رغبات وأحلام في شريكة حياته .. وبعد عناء طويل مع أفكاره التي أرقت نومه إستيقظ لينهي روتينه الصباحي سريعاً وتعمد التسلل خارج الڤيلا بهدوء حتى يتجنب الصدام معها مجدداً..إستقل سيارته متجهاً لإصطحاب كريم ثم إنطلقا سوياً نحو عملهما ولم يخفي على الأخير ملامح الحزن التي تكسو وجه صديقه فسأله (مالك يا ريان ، شكلك متضايق كده ليه؟) 

+


أجابه ريان باقتضاب (مفيش حاجة) 

+


تسائل كريم مرة أخرى بقلق من ملامحه الواجمة (مفيش ازاي؟ ، شكلك باين عليه أوي ، إوعى تكون إتخانقت مع چيسي إمبارح )

+


زفر ريان بضيق بالغ وخرجت الكلمات من فمه مطعونة بسهام ملتهبة (أنا تعبت ياكريم ، وإتخنقت من الحصار اللي حواليا ، ومش قادر أتقبل وجود واحدة زي چيسي في حياتي) 

+


إستفهم كريم عن الأمر أكثر (إنت مش قولت إنك هتديها فرصة؟)

+


ثبت ريان أنظاره على الطريق أمامه ثم أردف (يابني الجواب باين من عنوانه ، وأي محاولة مني للتأقلم هاتكون تضييع وقت وطاقة عالفاضي)

+


حاول كريم التفكير معه في حل لتلك المعضلة متسائلاً (وهتعمل إيه فالمشكلة دي؟) 

+


رد عليه ريان بقلة حيلة (مش عارف)

+


تحدث كريم بحماس محاولاً التخفيف عنه (تعالى أقعد عندي يومين تغير جو وتريح أعصابك )

+


تنهد ريان بعمق شديد (بفكر أرجع بيت جدي)

+


ضحك كريم بسخرية (إنت هاتفتح على نفسك نار جهنم ، وامك هاتقيم عليك الحد لو عملتها) 

+


زفر ريان بعصبية مفرطة (تعمل اللي تعمله)

+


أشفق كريم عليه كثيراً مما يتعرض له من ضغوطات نفسية وربت على كتفه بحب يواسيه (إهدى بس وأنا هاروق عليك بالليل)

+


تذكر ريان أمر حفلة دار الأيتام قائلاً (صحيح فكرتني أنا رايح حفلة بالليل وعايزك تيجي معايا )

+


فرك كريم كفيه ببعضهما سريعاً بمزاح (أوبا ، حفلة مرة واحدة)

+


نظر ريان إليه باستغراب (دي حفلة عاملاها دار للأيتام ، قولت لبابا إني عايز أحضرها ، وهاخدك معايا)

+



رفع كريم حاجبه متزامناً مع شفته العليا مستنكراً (أيتام ؟! ، وأنا اللي كنت مفكرك هتاخدني حفلة لكايروكي ولا شارموفرز )

+


خبطه ريان على مؤخرة رأسه (هتفضل طول عمرك تافه )

+


مط كريم شفتيه باستسلام (وحفلة الأيتام دي يتلبس لها ايه؟ )

+


أجابه ريان ساخراً (أي حاجة إنت مش رايح عيد ميلاد إبن أخوك )

+


إبتسم كريم على دعابته (ماشي ياخفيف)

+


************

+


في فيلا سعد زين الدين / 

+


لم تستطع رويدا النوم طوال الليل بسبب ماحدث مع إبنها وزوجها .. تفكر في حل لإتمام هذا الزواج بأي طريقة مهما كلفها الأمر.. لم تتقبل تحدي ريان الصريح لها ولرغباتها .. شخصيتها العنيدة المتسلطة لاتستوعب معارضته لقراراتها ... فكيف له أن يجرؤ على الوقوف أمامها برفض صارخ لما تفرضه عليه وكأنه طفل صغير يحتاج إلى توجيه مشاعره نحو ما تأمره به دون إرادته.. تمارس عليه فروض أمومتها التي تخلت عنها منذ تركته يعيش في كنف جدته .. لا تدرك أنه تخطى مرحلة الطفولة وأصبح شاب يحتاج إلى مساحة حرة بعيداً عن الأسوار التي تبنيها حوله.. لكنها غير منتبهة أن تلك الاسوار ماهي إلا حواجز تعلو بينه وبينها يوماً عقب الآخر حتى جعلت منها شبح أم لا تعني له شيئاً سوى ضغوطاً ستولد إنفجار حتمي إذا لم ترخي تلك الحبال اللعينة التي تقيد علاقته بها.. وماجعل الدماء تغلي في عروقها مساندة زوجها لقراره وتهديده لها بالطلاق إذا فتحت الموضوع ثانية.. هي تعلم جيداً أن چيسي غير مناسبة لريان ومدركة للفروق الكثيرة بين نمطي حياتهما بالإضافة إلى عدم وجود إنجذاب عاطفي بينهما وخاصة من ناحية إبنها.. لكن العواطف ستتبخر أمام الثروة والنفوذ فالحقيقة وراء رغبتها الملحة في هذا الأمر هو الإستفادة من أذرع زوج أختها الطائلة داخل الأوساط المخملية بصفته واحداً من أكبر رجال الأعمال الذين يمتلكون القوة والسلطة .. هكذا كانت تفكر غير عابئة بشئ سوى ماتراه صحيحاً من وجهة نظرها ضيقة الأفق.. متمادية في أخطائها داعسة على مشاعر أقرب الناس إليها تحت حذائها ذو الماركة العالمية ولن تستفيق إلا بعد وقوعها في شرك سيُجْهِز على ماتبقى من إحترامه لها إلى الأبد ..وبعد وقت طويل إستغرقته في التفكير لم يسعفها عقلها لإيجاد حل لتلك المشكلة فإضطرت أن تهاتف أختها وشريكتها في جميع خططها لتقابلها بالنادي ،.وبالفعل أنهت روتينها الصباحي وفي غضون النصف ساعة تقريباً كانت تدخل من البوابة الرئيسية بخيلاء كعادتها.. تنظر بتكبر لكل من يمر أمامها حتى إستقرت أنظارها فوق الطاولة الجالسة عليها نهى.. اندفعت نحوها سريعاً بملامح واجمة يبدو عليها القلق والتوتر.. تخفي عينيها المتعبتين من قلة النوم وراء نظارتها القاتمة.. ألقت التحية بنبرة لا تبشر بخير وجلست بضيق بالغ على الكرسي المقابل لها .. 

+


ردت نهى تحيتها بتوجس (أهلاً رودي أنا مستنياكِ من بدري)

+


رفعت رويدا النظارة السوداء على مقدمة رأسها متعللة (الطريق كان زحمة)

+



        

          

                
سألتها نهى بتوتر عندما لاحظت شحوب وجهها وتورم الجيوب أسفل عينيها  (طمنيني في إيه؟)

+


دلكت رويدا مقدمة رأسها بأطراف أصابعها ثم أجابتها بتعب (مش خير أبداً .. ريان مش عايز يتجوز چيسي )

+


شهقت نهى  بصدمة (إنتِ مش قولتِ إنك بتحاولي تضغطي عليه؟) 

+


تنهدت رويدا بيأس ( مش قادرة ومابقيتش عارفة أتصرف)

+


تسائلت نهى مرة أخرى بخوف (وبعدين هانعمل ايه؟ )

+


ردت عليها رويدا بقلة حيلة (المشكلة دلوقتي مابقيتش ف ريان لوحده ،سعد إمبارح اتخانق معايا وهددني بالطلاق لو فتحت موضوع الجواز تاني) .. مالت بجذعها إلى الأمام مستندة بمرفقيها على الطاولة ثم قالت بتركيز (عايزين نفكر هانحلها إزاي) 

+


إقتربت منها نهى بحركة مماثلة قائلة (انا مش ضامنة رد فعل چيسي لو عرفت الكلام ده )

+


إلتمعت عيني رويدا بوميض خبيث متحدثة بثقة (أنا عندي فكرة لو اتنفذت صح ريان هايبقى ف جيبنا) 

+


سألتها نهى بتحفز (هي إيه؟)

+


رفعت رويدا حاجبها الرفيع قائلة بتأكيد (نضغط عليه بطريقة تانية) ، شرحت مقصدها باستفاضة (چيسي ترسم عليه إنها إتغيرت ، يعني تجيب شوية هدوم مقفلة، وتعرف هو بيحب إيه ، وتعمل نفسها مهتمة بيه)

+


نظرت نهى إليها بعدم إقتناع (وتفتكرِ ريان هايصدق إنها إتغيرت فجأة؟)

+


أرجعت رويدا ظهرها تستند على ظهر كرسيها قائلة (والله هانجرب ونشوف)

+


تحدثت نهى مرة أخرى بتوتر (ولو حتى ريان إقتنع ، أنا هاقنع چيسي تعمل كده إزاي؟)

+


لوحت رويدا بيدها قائلة بغيظ من طريقة أختها الضعيفة (اتصرفي يانهى ، لحد ماتجيب رجله فالجوازة وبعدين تبقى تعمل اللي هي عايزاه ) 

+


أجابتها نهى بموافقة (أوك هاحاول هاقنعها)

+


إرتسمت ابتسامة غير مريحة على وجه رويدا (أيوه كده شغلي دماغك معايا خلينا نلم فلوس العيلتين مع بعض) 

+


***************

+


على صعيد آخر / 

+


حاول ريان إنجاز عمله مبكراً حتى يستطيع اللحاق بموعد الحفل.. لا يعلم السر وراء حماسه للحضور .. لأول مرة في حياته يتحفز لشئ بهذا الشغف والأمر إستحوذ على جزء كبير من تفكيره وباءت محاولاته في إقناع نفسه بأنه مجرد حفل مقام بدار أيتام أقصى ماسيميزه وجود عدد كبير من الأطفال بالفشل .. لكن صوت قلبه يتردد صداه داخله أن يسرع حتى يقطع الشكوك التي تدور برأسه وأثناء جلوسه الهادئ في مكتبه إنتبه لرنين الهاتف باتصال من والده يطلبه حتى يجلب له بعض ملفات العمل.. إمتثل لأمره وإتجه إليه بما يريده.. دلف إلى الداخل بعد أن أذن له سعد ملقياً التحية (السلام عليكم)

+



        
          

                
رد عليه والده تحيته مبتسماً (وعليكم السلام .. تعالى يا ريان أقعد)

+


ناوله الملفات التي طلبها متحدثاً بملامح مكفهرة (إتفضل الملفات اللي طلبتها كلها جاهزة وواقفة على التوقيع)

+


إنتبه سعد لوجوم وجهه فسأله بقلق (مالك ياحبيبي؟ ، متضايق كده ليه؟)

+


زفر ريان بتعب (مخنوق يا بابا ومش قادر أتحمل ضغط ماما عليا بالشكل ده) 

+


ربت سعد على كفه بحنان (ماتقلقش أنا إتكلمت معاها وحذرتها إنها ماتفتحش معاك سيرة الجواز دي تاني) 

+


سأله ريان بنبرة فَرِحَة (بجد؟) 

+


أجابه سعد بابتسامته الحنونة (طبعاً بجد .. أنا مش هاسمح لحد يخليك تعمل حاجة غصب عنك خصوصاً إني مابحبش البنت دي ومش شايف فيها خير ليك)

+


نهض ريان من مكانه يقبل رأس والده قائلاً بامتنان (ربنا يخليك ليا )

+


مسح سعد على وجنته بحب شديد (ويخليك إنت كمان ليا.. سعادتك أهم حاجة فالدنيا عندي )

+


تحدث ريان مازحاً بشقاوة محببة لأبيه ( بمناسبة الحب الأبوي الجميل ده ينفع أتقل عليك إنهاردة؟) 

+


ضحك سعد على طريقته التي تثلج صدره (محتاج فلوس ولا إيه؟)

+


رد عليه بخجل (الحمدلله معايا..أنا كنت عايز أمشي بدري مع كريم عشان نستعد لحفلة الدار)

+


أومأ له سعد إيجاباً (مفيش مشكلة بس إستنى أكتبلهم مبلغ)

+


نظر ريان إليه برجاء (من فضلك يا بابا خليني آخد الثواب المرة دي) 

+


أمسك سعد بدفتر الشيكات قائلاً بمزاح (ياطماع عايز تكسب الثواب لوحدك؟) 

+


إبتسم ريان على دعابته (مش قصدي والله)

+


مد سعد يده إليه ليعطيه الشيك يعاتبه بلطف ( ده واجبنا وكله من فضل ربنا) 

+


تناوله ريان منه قائلاً وهو ينهض (ربنا يتقبل مننا ان شاء الله ، أستأذن عشان ألحق أوصل كريم)

+


ودعه سعد داعياً ( في حفظ الله ورعايته ) 

+


خرج ريان من مكتب والده سريعاً وفي غضون وقت قليل وصل إلي الڤيلا بعدما قام بتوصيل كريم على وعد باللقاء مرة أخرى لينطلقا سوياً ثم صعد نحو غرفته سريعاً لينهي إستعدادته .. أخرج طقماً كلاسيكياً من خزانته وأخذ منشفته ودلف إلى الحمام ليغتسل وبعد دقائق خرج يلف خصره بمنشفة ويجفف شعره بأخرى..وقف أمام المرآة يتأمل قطرات المياه المتساقطة من شعره فوق جسده بشرود وكأنه يحل معضلة الجاذبية الأرضية .. يتسائل في نفسه لماذا يشعر أن اليوم سيكون فارقاً بالنسبة له؟.. ولماذا يرى الأمل يطل من بطاقة الدعوى التي أتت لأوراق عمله بالخطأ؟.. إبتسم على سيل التساؤلات الذي لا يتوقف بذهنه وبالرغم من عدم تأكده من صدق إحساسه إلا أنه كان متفائلاً .. حريصاً على الذهاب في الموعد بكامل أناقته وكأن هذا الحفل سيقام علي شرف حضوره..إنتهى من إرتداء ملابسه ثم خرج من غرفته يهبط الدرج بخطوات مسرعة يتأهب للإتصال هاتفياً بصديقه ، وما أن رأته نجاة حتى أخذت تتمتم وتقرأ ماتيسر لها من آيات التحصين حتى يحفظه الله ويبعد عنه العين والحسد ، اقترب منها مبتسماً فإحتضنته داعية (ربنا يحميك ياحبيبي ، ويرزقك ببنت الحلال اللي تستاهلك)

+



        
          

                
أمسك كفيها يقبل ظاهرهما مؤمناً على دعائها (اللهم آمين ، إدعي لي كتير يانوجا) 

+


مسدت نجاة على رأسه قائلة (بدعيلك في كل صلاة ياقلب نوجا)

+


أهداها إبتسامة تقطُر عسلاً يقول بإمتنان (تسلميلي ويسلم قلبك يارب) 

+


رفعت سبابتها تحذره بحب (ماتاكلش بعقلي حلاوة وإعمل حسابك هاتتعشى معايا)

+


ضحك على طريقتها الطريفة (إحتمال أتعشى برا مع كريم ) .. أنهى حديثه معها بنظرة حانية ثم إندفع نحو الخارج مسرعاً يرفع هاتفه على أذنه ليكمل إتصاله بكريم بينما هي وقفت تتابعه بأعين داعية وقلب يتمنى له السلامة والخير في كل خطوة تخطوها قدميه.. ولم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى وصل أمام منزل صديقه الذي أطلق صافرات إعجاب ممزوج بالدهشة عندما رآه قائلاً (إيه الحلاوة دي يابشمهندس؟)

+


عَدَّل ريان ياقة سترته مازحاً بثقة (دي أقل حاجة عندي )

+


تخصر كريم في وقفته يرمقه بنظرات ضيقة (اللي يشوفك يقول رايح تخطب)

+


أخرج ريان رأسه من السيارة يضحك قائلاً (هولع مكاني من عينك الصفرا يابومة)

1


مط كريم شفتيه بتهديد (بقى كدة؟!.. خلاص شوف مين اللي هاييجي معاك؟!)

+


تعالت ضحكات ريان بتوسل ( لا لا لا إركب وهاظبطك فالطريق) 

+


غمز له كريم بشقاوة (هاتشغلي الأغنية اللي بحبها؟!)

+


أومأ له ريان بنفاذ صبر (هاشغلها بس إنجز بقا)

+


تهلل كريم كثيراً واستقل السيارة بجواره يشغل الكاسيت على توشيح أندلسي دائماً يسمعه مع ريان الذي يفضل هذا النوع من الفن ، صدح صوت موشحين الفرقة بكلمات دغدغت مشاعرهما وجعلتهما يرددا معهم بانتشاء شديد

+


ظبي من الترك له ... قيودنا مسلّمة

+


ناديته فقال لي ... برقة چوق سيْلمه

+


غمزته بناظري ... ولم أفُهْ بكلمة 

+


أجابني حاجبه ... لكن بنون العظمة

+


وفر مني نافراً ... وراح يرقى سلما

+


فطار قلبي معه ... لكنّ ربي سلما

+


إذا تواعد الشجي ... نفّذ فيّ أسهما

+


وهو إذا وعدته ... أكذب من مسيلمة

+


*************

+


في دار وسيلة علوي /

+


كان الجميع في حالة تأهب وإستعداد لإقامة الحفل السنوي بمناسبة مرور خمس وعشرون عاماً على إقامته.. وظلت مريم بغرفة الموسيقى تراجع بروڤات الأطفال قبل صعودهم خشبة المسرح وإنتهت من التدريب الأخير تصفق بيديها موجهة حديثها لهم بتشجيع (يلا ياحبايبي كل واحد يروح يجهز نفسه).. هلل الصغار فرحين وإنصرفوا إلى غرف تبديل ملابسهم بينما هي مكثت مكانها تتعقب خروجهم بأسماعها لكنها إنتبهت لصباح قائلة بحنان (يلا إنتِ كمان عشان تجهزِ يامريم)

+



        
          

                
فركت مريم أصابعها بتوتر (أنا خايفة أوي من الحفلة المرة دي) 

+


حاولت صباح طمأنتها (إن شاءالله كل حاجة هتبقى تمام وهتشرفي الدار كالعادة) 

+


إبتسمت مريم تسألها بمرح (قوليلي بقى هتلبسيني إيه؟) 

+


مسحت صباح على خصلات شعرها الحريرية ثم أجابتها (أحلى فستان لأجمل بنوتة ف الدنيا كلها) 

+


نهضت مريم من مقعدها تتمسك بكف مربيتها متسائلة بفضول وكأنها ستفهم عندما تصلها الإجابة (لونه إيه؟)

+


ردت عليها صباح بحزن حاولت إخفائه (أبيض زي قلبك ياحبيبتي) 

+


شعرت مريم بحزن صباح الذي لا تفلح دائماً في مواراته خلف قناعها المرح ثم ضحكت لتخفف عنها (أبيض! ، شكلك عايزة تعمليني عروسة انهاردة )

+


أجابتها صباح بنبرة حانية متضرعة إلى الله (يارب أشوفك أحلى عروسة فالدنيا.. أنا عارفة هم الشباب عيونهم راحت فين؟)

+


تعالت ضحكات مريم قائلة (الشباب عيونهم موجودة أنا اللي عيوني راحت ياصبوحة)

+


تنهدت صباح بألم من كلمات صغيرتها الموجعة بالرغم من أنها لم تظهر جزعاً او ضيقاً من حالها وربتت على كفها (والله إنتِ ست البنات كلها ، وبكرة تلاقي الراجل اللي يستاهلك ياروح قلبي)

+


مالت مريم برأسها على كتف صباح قائلة بهدوء (إن شاء الله ، ممكن بقا نروح أوضتي عشان ألحق أجهز )

+


طبعت صباح قبلة رقيقة فوق وجنتها قائلة (من عينيا ياعروسة الليلة) 

+


ضحكت مريم ( يلا يا أم العروسة هنتأخر على رفع الستارة)

+


وبعد وقت ليس بقليل إنتهت صباح من وضع لمساتها الأخيرة على إطلالة مريم ووقفت تطالعها بإنشداه وأعين مغتبطة لمنظرها المبهج بفستانها الأبيض الرقيق والذي كان عبارة عن رداء حريري طويل ذو فتحة صدر مثلثة وأكمام شفافة مغطاة بزهور بيضاء لامعة .. يتوسطه حزام ناعم يحدد خصرها بأنشوطة أنيقة لينسدل كأمواج البحر الهادئة.. مُثَبَت على كتفيها وشاح طويل مزين بنفس الزهرات المنتشرة فوق كُميها.. أما عن شعرها فتركته يختال منحدراً خلفها كذوائب فرسٍ ملكية حديثة المولد.. ووجهها يضاهي البدر المنير في إكتماله مُضَرَّجة الوجنتين بحمرة الورد الجوري تشبه كل الجمال الذي يلون الأرض.. مبهرة كالأحلام ، نقية كالرؤى الخالية من نزغ الشيطان .. 

+


أمسكت صباح ذراعها تتمتم بنظرات حانية (الله أكبر عليكِ ياحبيبتي ، منظرك يشرح القلب)

+


إنفرج ثغر مريم بإبتسامة مشرقة ( ربنا يخليكِ ليا يا دادا )

+


إحتضنتها صباح تدعو بقلب أم فخورة بصغيرتها التي أينعت وأصبحت شابة جميلة تخشى العين النظر إليها (ويحفظك ليا يانور عيني وأفرح بيكِ )

+



        
          

                
إبتعدت مريم عنها برفق تستند على كفها قائلة (يلا بينا فاضل ربع ساعة على رفع الستارة)

+


**********

+


خلف الستار الخاص بالمسرح / 

+


جلست مريم وراء البيانو إستعداداً لإنطلاق أولى فقرات الحفل بينما إصطف الأطفال جنباً إلى جنب في الجهة المقابلة .. صعدت السيدة وسيلة خشبة المسرح تلقي خطاباً أثنت فيه على الحضور مقدمة الشكر لكل من قام بتلبية دعوة الدار .. وأخيراً أعلنت عن إزاحة الستار وبدء فعاليات الليلة.. صفق الجميع عندما أضاءت الأنوار ليظهر الفريق واقفاً بتنظيم رائع لكن الضوء لم يكن مسلطاً بالكامل على البيانو مما جعل مريم غير مرئية .. أعطت الإشارة للأطفال ليبدأوا الغناء متزامنين مع عزفها .. إنتبه ريان لهذا الصوت الأنثوي الهادئ القادم من خلف البيانو ويردد الأطفال ورائه في تناغم تلك الكلمات/

+


النور مكانه فالقلوب ..

+


أحضن خيوط شمس الغروب 

+


ياتكون قد الحياة .. 

+


ياتعيش وحيد وسط الدروب)

+


شعر ريان برجفة تسري في بدنه عندما صدح صوتها بالمقطع التالي للأغنية حيث تقول /

+


اليأس ضعف وخوف جبان 

+


لكن الأمل يفتح بيبان 

+


ياتكون قد الحياة... 

+


ياتعيش وحيد وسط الدروب 

+


إلمس خضار الشجر .. 

+


حس بضياء القمر 

+


أنقش قلوب عالحجر ..

+


علي شيء ماتندمشي 

+


يمك قوام عديه... 

+


إمشي الطريق إمشيه 

+


العمر إيه يرويه 

+


غير قلب مايخافشي

+


بينما كرر الأطفال المقطع الأول مرة أخرى /

+


النور مكانه فالقلوب ..

+


أحضن خيوط شمس الغروب 

+


ياتكون قد الحياة .. 

+


ياتعيش وحيد وسط الدروب 

+


إزدادت الرجفة في قلب ريان حينما بدأت تلك الفتاة في غناء المقطع الأخير /

+


فيه ناس كتير ترضى المصير.. 

+


وناس تشوف بضمير ضرير 

+


ياتكون قد الحياة .. 

+


ياتعيش وحيد وسط الدروب 

+


حلي مرار الأيام 

+


لسه الحياة قدام 

+


قوم لون الأحلام ..

+


وإياك ماتضحكشي

+


جسدك في قلبه الروح ..

+


تداوي كل جروح 

+



        
          

                
بالسر إوعى تبوح ..

+


وإياك ماتحلمشي 

+


وما أن إنتهت مريم من المقطع الأخير حتى أحس ريان بإرتعاشة أصابت كيانه وكأنها أشعلت شمعة الأمل داخل صدره ليصحو وجدانه وتحتضن مسامعه بصوتها العذب وتعانق روحه بكلمات الأغنية التي حملت معاني جميلة تسللت خلسة لتضئ أروقة فؤاده المظلمة وتنثر على حدائقه المقفرة بعضاً من نسمات فَرِحَة وسعادة يفتقدها منذ زمن بعيد .. أفاق من شروده على إسدال الستار وصوت السيدة وسيلة وسط تصفيق الحضور الحاد معلنة عن أخذ الفرقة فاصلاً قصيراً حتى يتم الإستعداد لتقديم الجزء الثاني .. وإنتبه لكريم يحدثه بإنبهار (ما شاء الله.. إيه الجمال ده؟!)

+


نظر إليه يجيبه بعدم تركيز (بتقول حاجة؟)

+


سأله كريم بإستغراب من منظره الساهم (إنت روحت فين؟) 

+


رد عليه ريان بتلعثم (معاك بس سرحت شوية )

+


ضحك كريم مازحاً (اللي واخد عقلك يطفحه يارب)

+


لكزه ريان في كتفه بحنق (يخرب بيت فصلانك.. خرجتني من المود يا أخي )

+


تأوه كريم من ضربته وحاول تصنع الجدية (بصراحة البنت اللي كانت بتغني صوتها حلو أوي) 

+


أشاح ريان بعينيه محدقاً في الفراغ يقول بخفوت (أحلى صوت سمعته في حياتي) 

+


تعجب كريم لحالة الشرود التي أصابته مفرقعاً أصابعه أمام وجهه يهتف بصوت عالي (ريان) 

+


رمقه ريان صاكاً أسنانه بغيظ (عايز إيه يابوز الإخص؟) 

+


ضحك كريم يخبط كفيه ببعضهما متسائلاً (إنت متنح كدة ليه؟!)

+


حاول ريان الخروج من أسر مشاعره قائلاً بإقتضاب (مفيش حاجة)

+


نهض كريم من مقعده يقول مستغرباً (أنا هاروح أجيب حاجة نشربها لحد مايبدأوا تاني) .. صمت للحظات ثم خبطه على مؤخرة رأسه (وإنت فوق كده ماتبقاش دماغك خفيفة) 

+


دفعه ريان متأففاً من مزاحه (إمشي ياكريم وإرحمني من غتاتك)

+


*******************

+


على صعيد آخر /

+


كانت مريم تقف خلف الكواليس تتنفس الصعداء بعد إنتهاء فقرتها الأولى مترقبة لردود الأفعال الإيجابية .. سعيدة بإشادة الجميع وإطرائهم على آداء الفرقة المتميز وصوتها الرائع وبينما هي على تلك الحالة دخلت السيدة وسيلة عليها والفخر يملأها بصغيرة الدار التي جعلت القاعة تضج بتصفيق حار .. اقتربت منها لتحتضنها تهتف بسعادة بالغة (مبروك يامريم ياحبيبتي الناس مبسوطين أوي من الحفلة)

+


إبتعدت مريم عنها برفق تفرك أصابع يدها بتوتر (الله يبارك فيكِ ياماما بس لسه التحدي الجاي أصعب) 

+


أمسكت وسيلة كفيها الباردين لتشجعها (أنا متأكدة إنك قده)

+


إبتلعت مريم ريقها بصعوبة من شدة إرتباكها حيث أن الفقرة التالية عبارة عن رقصة ستقوم بآدائها إلى جانب الغناء وهي تقف في منتصف المسرح يحيط بها الأطفال بشكل دائري يؤدون جميعاً حركات إستعراضية تدربوا عليها بعناية .. وبالرغم من كف بصرها إلا أنها إستطاعت حفظ الحركات جيداً بمساعدة صديقتها ريهام التي كانت تقف خلفها تحمسها (يلا يامريم فاضل خمس دقايق على رفع الستارة)

+



        
          

                
أجابتها مريم بخوف (أنا خايفة اوي وحاسة إني مش هاقدر أواجه الجمهور ده كله)

+


ربتت ريهام على كتفها ثبث في روحها الشجاعة (ماتقوليش كده إنتِ هتقدرِ ، إستعدي يابطلة) 

+


إكتفت مريم بإيماءة صامتة غير قادرة على النطق وفجأة سمعت صوت السيدة وسيلة تعلن عن بدء الفقرة التالية .. خرجت تستند على كف صديقتها بأنفاس متسارعة .. تذوب من الخجل والخوف.. تركتها ريهام في منتصف بؤرة الضوء وبدأت بتنظيم الدائرة حولها ليقف كل ولد بجوار بنت وهكذا حتى إكتملت الإستعدادات وتمت إزاحة الستار 
وإستقبل الحضور ظهور الفرقة الثاني بصيحات عالية ، متحمسين لإنكشاف النقاب عن وجه حسناء البيانو التي بدأت في الغناء مع تأدية حركات راقصة تناسب نغمات أغنية رقيقة مثل إطلالتها .. شدت مريم بتلك الكلمات التي تحمل ترحيباً لطيفاً بالمدعوين /

+


قلتلّي جاي زيارة 

+


حطّيت الركوة عالنار 

+


ونطرتك حتى الجارة 

+


عرفت شو عندي أسرار

+


بردت قهوتنا وناموا 

+


أهل الحي ونام الليل

+


فوق مخدات نجومه

+


وعيوني تتخيل خيل

+


تحملّي منك أخبار

+


.......................

+


ما جاني منك مرسال

+


يسأل عني بهاك البرد 

+


يطّمن كيف الأحوال

+


كيف الشتوية بها الجرد 

+


حتى لمّا داب التلج

+


رجّعت الركوة عالنار

+


قلتلّي جاي زيارة 

+


حطّيت الركوة عالنار 

+


ونطرتك حتى الجارة 

+


عرفت شو عندي أسرار

+


...........................

+


عصفور الصحو الأزرق

+


خلّاني أسبق حالي

+


نزلت نطرتك عالمفرق

+


وصار يضيّعني خيالي

+


حتى نجوم اللى بالعالي 

+


رميولي القمر زنّار

+


قلتلّي جاي زيارة 

+


حطّيت الركوة عالنار ..

+


ونطرتك حتى الجارة

+


عرفت شو عندي أسرار

+


إستمع ريان إليها بكل حواسه فاغراً شفتيه بذهول يحاول إستيعاب مايراه .. روحه تتأرجح فوق وشاحها الذي يتطاير بفعل ذراعيها المرفوعين في الهواء ورغم إجادتها لتأدية الحركات إلا أن نظراته إلتقطت توترها فابتسم يقول في نفسه (لاترتبكي يارداء القمر ودعي الأرض تبعثر خطواتك الحُلوة كما بعثرتِ خفقات قلبي بعينيكِ).. ومع كل حركة وكلمة تشدو بها تلك الحورية يشعر بأسوار عقله تنفتح أمامها كالجيش الذي يسمح للمحتل بالتسلل لموطنه مُرَّحِباً ، وكان من دواعي سروره أن يستقبل الحياة من بين أحبالها الصوتية وكأنها تمنحه قطعة منها تخصه بها وحده وأحس حين أطال تأملها أن بصدره شيئاً يعرفها ورأى داخل عينيها سهام موجهة نحو هذا الشئ لتصيبه في غفلة تعمدها قاصداً .. مناجياً روحها بالسؤال إن كانت رؤيتها من على بُعد راحة فكيف سيكون العناق؟..ففيها يُقال النظر إليها نعمة تستوجب الحمد والثناء على الله كثيراً .. تفاجأ ريان بإنسدال الستار وشعر بقبضة عنيفة تقتلع أنفاسه وكأن الأكسچين إنسحب من الهواء حوله بإختفائها وللحظة ظن أنه فقد وعيه وبدون تردد هب واقفاً وطلب من كريم المكوث مكانه حتى يعود متحججاً بالذهاب إلى دورة المياه.. إندفع خارج القاعة ودقات قلبه تتسارع بهدر لم يختبره طيلة حياته إلا هذا المساء..يتابع المارة بحثاً عن حوريته لعله يجدها بينهم .. وبالصدفة إنتبه للسيدة وسيلة متجهة نحو الداخل .. إستوقفها متسائلاً عن باب الكواليس فأرشدته متعجبة من مظهره المرتبك لكنها كانت مشغولة بمتابعة أحداث الحفل الذي خرج في أبهى صورة وأجمل مما كانت تريد وكل الفضل يعود إلى مريم التي لم تخذلها كما وعدتها 

+



        
          

                
***************

+


دخل ريان الكواليس باحثاً بعينيه في أرجاء المكان عنها وظل على تلك الحالة حتى وجد أحد الأطفال المشاركين في الحفل .. سار نحوه بخطوات مسرعة يناديه (ممكن ياحبيبي كلمة من فضلك؟) 

+


أشار الولد بسباته لنفسه يسأله بأدب (حضرتك بتنده عليا؟)

+


إنحنى ريان ليصل إلى مستوى طوله قائلاً بنبرة لطيفة (ممكن أسألك على حاجة؟)

+


زم الولد شفتيه عابساً بطفولة (تسألني؟..أنا كنت مفكر إني بقيت مشهور وجاي تبارك لي على الحفلة) 

+


إبتسم ريان من تلقائية الولد قائلاً 
(أكيد جاي أباركلك براڤو عليك كنت هايل )

+


إنفرجت أسارير الولد فرحاً بكلمات ريان هاتفاً (بجد يا عمو؟) 

+


مسح ريان على وجنة الطفل بحنان قائلاً (طبعاً ياحبيب عمو ..المهم بقى ممكن أسألك على حاجة؟ )

+


هلل الولد بسعادة (إتفضل إحنا خلاص بقينا أصحاب)

+


سأله ريان بفضول  (كنت عايز أسألك عن البنت اللي كانت بتغني معاكم.. تعرف هي راحت فين؟)

+


عقد الولد حاجبيه يفكر بحيرة (أي واحدة فيهم؟) 

+


رد عليه ريان بنفاذ صبر (البنت اللي لابسة فستان أبيض طويل وكانت واقفة ف النص )

+


انفرجت شفتي الولد بفرحة (ميس مريم؟) .. لكنه لم يكمل حديثه عندما قاطعهما صوت يأتي من بعيد يناديه بحدة.. أسرع ناحية ريهام التي عاتبته لتحدثه مع الغرباء فأخبرها أن هذا الشاب يسأله عن مريم ..تعجبت كثيراً وتوجهت إليه لتستكشف هويته وتفهم لماذا يسأل عن صديقتها المقربة 

+


وقفت ريهام أمام ريان تكتف ذراعيها أمام صدرها متحدثة بإقتضاب (ممكن أعرف مين حضرتك وواقف مع الولد ليه؟)

+


شعر ريان بإحراج شديد وأدرك أنه تسرع في مجيئه إلى هذا المكان بدون تفكير .. حاول إستجماع عقله حتى يخرج من الموقف ثم أجابها بتوتر (كنت بسأل عن الآنسة مريم )

+


إزدادت نظراتها حدة وسألته بأسلوب عنيف بعض الشئ (إنت تعرفها؟) 

2


تلعثم ريان من طريقتها الفظة وبأول حجة حمقاء طرأت في ذهنه جاوبها (كنت عايزها في موضوع شخصي) 

+


سألته مرة أخرى بملامح مجعدة لتتأكد مما سمعته (نعم؟ ،موضوع شخصي؟ )

+


حاول ريان السيطرة على إرتباكه قائلاً ( آه يافندم )

+


إستغربت ريهام كثيراً من ذلك الشاب الغريب الذي يدعي معرفته بصديقتها وأن بينهما أموراً شخصية فهي تعلم جيداً أن مريم ليس لها علاقة مع أحد أياً كان وأنه يكذب ..ضيقت نظراتها وحدجته بشرر يتطاير من أعينها توبخه بكلمات إنطلقت كالسهام بوجهه (إنت إنسان وقح ولو مامشيتش من هنا حالاً انا هنادي علي الأمن يرميك برا)

+



        
          

                
تفاجأ ريان من ردة فعلها الغير لائقة و هدر بها عالياً (نعم؟ ..إنتِ ازاي تكلميني كده يا ... )

+


لم تعطه فرصة لرد الإهانة التي قذفتها على مسامعه وولته ظهرها وهي ترغي وتزبد قائلة (إيه المجنون ده؟! ، قال موضوع شخصي قال ، ومع مين؟ ، مع مريم؟)

+


هتف عليها بذهول ( إنتِ يا آنسة ) .. وأثناء مشادته الكلامية مع تلك الفتاة غريبة الأطوار لمح مريم متجهة نحو مدخل المسرح فإندفع إليها يناديها (آنسة مريم) 

+


إنتبهت مريم للنداء وسألت صباح ( مين اللي بينادي عليا ده يا دادا؟ )

+


نظرت صباح ناحيته بعدم فهم قائلة (ده واحد جاي من بعيد علينا.. إستني أما أشوف عايز إيه )

+


تركتها صباح وإستوقفته متسائلة (خير يا افندم في حاجة؟)

+


أجابها ريان متعجباً من هذا الحصار البشري المُشدد حولها (أنا بنادي على الآنسة مريم )

+


سألته صباح مجدداً بنبرة حادة (عايزها ف إيه؟ )

+


رد عليها بحرج من الموقف الذي وضع نفسه به (كنت عايز أباركلها علي نجاح الحفلة و.......)

+


سمعت مريم الحديث الدائر بين مربيتها وأحد الأشخاص فتوجهت إليهما بخطوات حذرة خوفاً من تعثرها في فستانها الطويل لكنها تعثرت بالفعل حتى كادت أن تنكفأ على وجهها .. أسرع إليها ريان يمسك ذراعها ليسندها حتى إعتدلت في وقفتها لكنه لاحظ شرود عينيها وكأنها تنظر إلى الفراغ .. إندهش كثيراً من ثبات مقلتيها نحو البعيد وقال لها (خدي بالك وانتِ ماشية) 

+


إبتسمت مريم قائلة بألم (آسفة.. أنا مابشوفش)

+


لم يصدق ريان ما سمعه يقول باعتذار
(ماتزعليش والله أنا قصدي تركزي بس عشان ماتقعيش) 

+


ردت مريم عليه بنبرة حزينة (وأنا مش زعلانة لأني كفيفة)

+


نزلت كلماتها فوق رأسه كالصاعقة يحدث نفسه بصدمة (مستحيل )

+


قاطعتهما صباح تجذب ذراع مريم برفق موجهة نظراتها الحانقة له معاتبة إياه على جرحها بهذه الطريقة ثم إستأذنت منه (عن إذنك ، يلا بينا يامريم) .. بينما وقف ريان مكانه كالصنم مشدوهاً مما سمعه يتابع تحركها الضعيف برفقة تلك السيدة التي تسندها.. يشعر بغصة متورمة عبأت حلقه بمرارة مؤلمة عندما لاحظ زوغ عيونها الذي أكد ما أخبرته به.. وبعد دقائق حاول فيها إستجماع شتات نفسه خرج شارداً من الكواليس يبدو على وجهه الصدمة .. وجد كريم في إنتظاره أمام باب القاعة يهتف عليه فاقترب منه قائلاً بملامح واجمة (يلا بينا)

+


اندهش كريم من علامات الضيق الواضحة علي وجه رفيقه وسأله (في إيه مالك؟)

+


أجابه ريان بإقتضاب (مفيش)

+


سأله كريم مجدداً بقلق (مفيش إزاي ده إنت وشك جايب ألوان؟! )

+


رد عليه بعصبية لم يعتادها منه (قولتلك مفيش حاجة ، وخد مفاتيح العربية سوق إنت)

+


توجس كريم كثيراً فهو لأول مرة يراه على تلك الحالة لكنه إضطر أن يطيعه وتولى قيادة السيارة بدلاً عنه حتى يفهم ما حدث لينقلب حاله بهذا الشكل الغريب .. إستقل ريان الكرسي المجاور له صامتاً..شارد الذهن يفكر فيمن عصفت بروحه بطرف عينيها المنطفئة.. حاول كريم تلطيف الجو وقام بتشغيل الكاسيت على أغنية من الطراز الذي يفضله ريان لعله يستطيع سبر أغوار عقله أو تعديل مزاجه ولو قليلاً .. تعالى صوت (ريبال الخضري) بكلمات أندلسية لعبت على وتر خافقه الهادر /

+


رمانى بسهم هواه رشا 

+


قريب المزار بعيد الوصال

+


شبيه الغزال إذا ما مشى 

+


تميل إليه قلوب الرجال

+


دعوه يذيب مهجتي والحشا

+


فإني رضيت بعشق الجمال

+


لعلِّي بصبري أنال ما أشا 

+


أرجع ريان رأسه للخلف يستند على ظهر المقعد مطبقاً جفنيه .. يستشعر كلمات الأغنية بجوارحه وكأنها تصف حالته بدقة.. بينما كان كريم يوزع نظراته بين الطريق وبينه وساد صمت متداعي لدقائق قطعه مستفهماً (يابني فيه إيه ؟.. إنت كنت كويس )

+


فتح ريان عينيه يجيبه بنبرة عالية (مفيش ياكريم .. أقولك على حاجة أحسن نزلني هنا أنا محتاج أتمشى لوحدي فالهوا شوية)

+


رمقه كريم مستنكراً (تنزل فين يامجنون ؟! ..أنا هاوصلك البيت الأول مش هاينفع أسيبك فالحالة دي) 

+


خبط ريان على جانب السيارة بعصبية مفرطة (بقولك نزلني ، وقف الزفتة دي) 

+


حاول كريم إستدراك الموقف عندما خرج الأمر عن سيطرته (حاضر هاقف ، بس إهدى) ... وبالفعل إضطر لإيقاف السيارة بعدم إتزان ليترجل ريان منها صافعاً الباب خلفه بقوة مندفعاً نحو اللاشئ

+


************

+


يتبع ....... إلى اللقاء مع الفصل الرابع 

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close