رواية عيون الريان الفصل الرابع 4 بقلم نيللي العطار
إذا كنت تبحث عن الكمال فأنت لا تبحث عن الحب لأن معجزة الحب تكمن في عشق العيوب
(شمس الدين التبريزي)
+
**************
+
إندفع ريان عكس سير السيارة دون وجهة محددة .. يشعر وكأنه يركض مغمض العينين داخل ممر لا نهاية له وأن تلك الفتاة إنتزعت جزء من روحه بكف بصرها العبثي لدرجة حبست أنفاسه .. يكاد يختنق حباً وخوفاً وحزناً.. لا يدرك أيهم الأصح .. وإن كان حباً فكيف وهو لم يعرفها إلا هذا المساء؟ .. أيعقل أن يقع في حبها من النظرة الأولى؟.. وعلى من سيلقي اللوم؟ ، ومن المذنب إن أحبها حقاً؟ ، عينيها المنطفأتين أم قلبه المتهور؟، أما إذا كان خوفاً فلماذا، وعَلامَ ، وممن؟ .. حيرة شديدة تملكت منه وشئ بداخله يتسائل عن سبب الحزن الذي إحتل قلبه تجاه فتاة لم يلتقيها سوى بضع دقائق.. غصة مريرة شقت جوفه كنصل سكين حاد عندما تخيلها تتخبط في ظلام دنياها المتمثل بضُرِّ عيونها الساحرتين .. لايستوعب كيف لعيون تمتلك كل هذا السحر ألاترى و عقله يسحقه ويحطم أفكاره لشظايا ويكاد يجزم أنها جزء مفقود منه إنشطر عنه وتجسد في هيئتها .. ظل يسير هائماً بخطوات مرتبكة تشبه مشاعره الغير مفهومة.. ينفث رذاذ الشتاء من فمه وكأن سحابة همومه تطلب الإذن بالهطول لتهدأ إرتجافة أنفاسه ولم يحسب الوقت الذي قضاه على تلك الحالة المضطربة حتى قطع شروده رنين الهاتف .. تفحصه وجد إسم والدته يضئ بإلحاح لكنه لم يكن مستعد للدخول في شجار معها لذا قرر رفض إتصالها ولتفعل ماتشاء .. أكمل سيره واضعاً كفيه الباردين بجيوب سترته ليدفأهما فالبرد جعل أعصابه أكثر هشاشة من ضباب الغيوم وتعجب كثيراً من حنينه الذي قاده نحو منزل جده رغم عدم وضوح معالم الطريق الذي يحفظه عن ظهر قلب.. نظر ريان إلى البيت الكبير الذي شهد الكثير من الذكريات الجميلة المحفورة بذهنه وإن غادره مُجبراً بجسده فقلبه مازال متعلق بكل شبر خطت أقدامه عليه .. ينتمي إليه أكثر من إنتمائه لأمه وكأنه وُلِد من رحم جدرانه الحبيبة..أطبق جفنيه بشدة ليخفف ضغط أمنياته المؤلمة بالعودة ليعيش فيه كما كان.. يستدعي أغاني الشيخ (فؤاد عبد المجيد) التي تربى على سماعها لتمر لحظاته الفَرِحة أمام ناظريه .. إبتسم تلقائياً عندما تخيل صوت آلة القانون التي يقتنيها الحاج زين الدين وهو يلعب على أوتارها ويشدو بصوته العذب أجمل التواشيح الأندلسية.. هذا العجوز العظيم علمه وشَكَّل معتقداته ومبادئه .. يحب كل شئ يشير إليه ويثق في آرائه ولا يستمع لصوت أحد إلا هو حتى إهتماماته الفنية وشغفه بالفن الصوفي وَرَّثَهما له..من يراهما سيدرك بسهولة أن ريان إنعكاس صريح لإنسانية جده وإقتباس واضح لطيبة قلبه .. أما عن الجدة فاطمة حبيبة روحه ومغذية قلبه وجسده.. حضنه الدافئ الذي يغمره مهما كَبُر وشب طوله وأصبح أطول منها .. ذراعيها والنوم بين ركبتيها ملاذه ومأمنه من أي خوف.. يشتاق إلى سهرها بجواره وهدهدتها التي كانت ترسله إلى النعاس بأريحية .. طيبة كفيها عالقة فوق رأسه ووجنتيه.. ربتاتها الحنونة وتمسيدات يدها مازالت تطمئنه وتشد أزره .. تنهد بألم عندما تذكر اليوم الذي إضطر صاغراً على تركهما تنفيذاً لأمر والدته والإنتقال ليعيش في ڤيلا خالية من معالم حياة يفتقد إليها حتى تحول كل شئ بعينيه لألوان باهتة قابضة للنفس ، كبح غلالة دموع وخزت مقلتيه رثاءً لسعادته المفقودة وبعد تفكير طويل قرر أن يدخل ليلقي بثقل همومه بين أحضان جدته لعله يجد ذيل ثوبها ويتشبث به ليخرجه من ظلمة ليله الحالكة التي تخنقه كل يوم أكثر من ذي قبل ... مد طرف سبابته يقرع الجرس بخفة كي لايزعج الجيران وإنتظر بضع دقائق ليتلقى إجابة .. تعالت خفقات ريان عندما إنفتح الباب ليطل من دفتيه عجوز بشوش الوجه ذو خصلات فضية تعطيه هيبة محببة.. ملامحه العذبة التي نحتها الزمن لم تخفي قرب الشبه بينه وبين حفيده الغالي ..تهللت أسارير الجد زين عندما رآه يقف أمامه بابتسامته المليحة التي كانت ومازالت تثلج صدره..ضمه بحنان بالغ وصوته الرخيم ممتلئ بالشوق لعزيز العين والروح (حبيبي يابني وحشتني أوي) .. إحتوى وجهه بين راحتيه متحدثاً بسعادة (إدخل ياريان دي بطة هتطير من الفرحة لما تعرف إنك هنا)
+
أطاعه ولمحة حزن تعتلي ملامحه متسائلاً (هي فين؟ )
+
أجابه الجد زين مبتسماً ( في الزاوية بتصلي )
+
دلف ريان إلى زاوية الصلاة الخاصة بجدته وخلع حذائه ثم جلس يراقب إبتهالاتها ودعواتها له رغم فراقه عنها ، وعينيه غائمتين بعبرات حب وحنين وإشتياق لرائحتها وتفاصيل رسمتها بيديها على أوراق طفولته وشبابه .. أما هي إنهمرت دموعها عندما أحست بهدر أنفاسه المتلاحقة خلف ظهرها .. وشهقاتها تعلو من أثر البكاء وما أن فرغت من صلاتها حتى إستدارت تضمه إلى أحضانها بشدة مبعثرة قبلاتها على وجهه وجسده .. تتحسسه وكأنها تتأكد من وجوده وتعبأ رئتيها بعطره الذي إفتقدته منذ رحيله ، خبطته الجدة فاطمة بخفة على كتفه تعاتبه (بقى كده كل الغيبة دي؟.. هونت عليك ياريان؟)
+
طبع قبلة رقيقة على رأسها يجيبها برجاء (سامحيني يابطة والله غصب عني )
+
إحتضنته جدته مرة أخرى بحب (مش مهم.. المهم إني شوفتك بخير)
+
نظر إليهما الجد زين بابتسامة مشتاقة لجمعتهم الطيبة (تعالوا نطلع نقعد بره)
+
خرج ثلاثتهم من الزاوية ليجلسوا مثل السابق في بهو المنزل الواسع على أريكة كبيرة مقابلة لردهة طويلة في نهايتها درج مؤدي إلى طابق آخر حيث توجد غرف عديدة من ضمنها غرفة ريان التي إحتوته طيلة ثلاثة وعشرون سنة قبل أن يستقر والديه في البلاد وينتقل للإقامة معهما .. إستشعر الجد زين وجود خطب ما وراء مجيئ حفيده في هذا الوقت المتأخر لكنه حاول إخفاء مايفكر به قائلاً (وحشتنا ووحشت بيتك ياريان)
+
طاف ريان بأنظاره أرجاء المكان وتنهيدة متوجعة أفلتت من بين شفتيه ( البيت ده هايفضل أحب مكان على قلبي)
+
توجس جده أكثر من نظراته الحزينة مؤثراً الصمت ليعطيه حرية الإفصاح عما يتعبه ثم قال بصوته الهادئ (أوضتك لسه زي ماهي.. بطة بتنضفها بإستمرار على أمل إنك تيجي تبات معانا ولا حاجة)
+
رد عليه ريان بنبرة مرتجفة (أنا تقريباً مابقيتش أعرف أنام وأرتاح زي ماكنت بنام هنا ف اوضتي القديمة)
+
ربت الجد زين على كفه قائلاً بحزن تسرب إليه من منظر حبيبه الغالي (اطلع غير هدومك على ما جدتك تحضرلك العشا )
+
أومأ برأسه نفياً (مش جعان)
+
رسم الجد زين إبتسامة مشجعة فوق ملامحه ليحثه على تناول الطعام (أنا هاخليها تعملك البيض بالبسطرمة اللي بتحبه)
+
بادله ريان إبتسامته بأخرى جاهد لتظهر طبيعية (معلش ياجدو ماليش نفس)
+
زمت الجدة فاطمة شفتيها بحزن مصطنع (بقى كدة يا ريان ماوحشكش أكل بطة؟)
+
رفع ريان كف جدته إلى شفتيه يقبله بحنان (أنا مفيش حاجة وحشاني زي أكلك ، بس بجد مش عايز آكل دلوقتي)
+
جذبت الجدة كفها بإعتراض طفولي (إنت شكلك إتعودت عالأكل الأفرنجي اللي أمك بتعمله)
+
مازحها ريان بيأس (رويدا هانم مابتدخلش المطبخ غير عشان تزعق للشغالين)
+
سألته جدته بقلق (أمال بتاكل ازاي ياحبيبي؟)
+
أجابها ريان بتعود (نجاة هي اللي متكفلة بأي حاجة تخصني تقدري تقولي كده انها متبنياني).. صمت لثواني ثم أردف بملامح مرهقة (وجودها بيهون عليا كتير ف المكان ده)
+
مسدت الجدة على شعره متحدثة بألم لحاله (عارفة يابني الله يكون في عونك)
+
قاطعهما الجد زين موجهاً الحديث إلى زوجته (بقولك إيه يابطة ماتعملي لنا كوبايتين شاي من إيديكِ الحلوين)
+
نهضت الجدة من مقعدها لتلبي طلب زوجها (حاضر ياحاج من عينيا)
+
تفحص الجد ملامح حفيده المكفهرة وكعادته لم يخفي عليه أنه ليس بخير وسأله بتوجس (مالك ياريان؟، فيك إيه؟ )
+
تداعت نظرات ريان بعض الشئ محاولاً إخفاء مايعتمل في صدره وإبتسم متهرباً من سؤاله المفاجئ بتوتر (مفيش حاجة ، أنا كويس ماتقلقش)
+
رمقه جده بنظرة معاتبة ثم أردف (لا مش كويس ، ولا مفكرني نسيت عيونك لما بتكون مهموم عشان بعدت عني؟)
+
أجابه ريان بصوت مختنق (ممكن أكون تعبان من الشغل)
+
تسائل الجد زين مرة أخرى بلهجة محذرة (إوعى يكون موضوع أمك هو اللي عامل فيك كده؟)
+
إندهش من علم جده بأمر إصرار والدته على تزويجه من إبنة أختها وأجاب السؤال بسؤال آخر (حضرتك عرفت منين؟)
+
جاوبه الجد زين (أبوك حكالي كل حاجة وزعلان أوي من تصرفاتها معاك ) سكت الجد زين يتفرس وجه ريان بقلق ثم تحدث ناصحاً (عايزك تنشف وتعرفهم انك راجل حر وماتسمحش لحد يمشيك من دماغه، الجواز ده يابني رحلة عمر لازم تكون الصحبة فيه على هواك ، وإلا مش هاتقدر تكمل وهاتنزل في نص الطريق)
+
حرك رأسه مؤكداً على حديث جده (كلامك صح ، وأنا مستحيل أقبل حاجة حد عايز يفرضها عليا بالعافية)
+
مسح جده على وجنته داعياً (ربنا يبارك لي فيك ويرزقك بواحدة بنت حلال تستاهلك)
+
تنهد ريان والحزن يقطُر من كلماته (اللهم آمين)
+
تأمل الجد زين ملامح عزيزه الغالي قليلاً ثم سأله مجدداً بحيرة (مالك ياريان؟ ، فيك ايه ياحبيبي؟)
+
رد عليه بابتسامة باهتة (هاحكيلك كل حاجة بس أنا محتاج أنام دلوقتي)
+
أومأ له جده قائلاً بموافقة (قوم إستريح فأوضتك والصبح نتكلم)
+
إمتثل ريان لطلب جده ونهض بتعب متجهاً نحو غرفته الموجودة في الأعلى ليأخذ قسطاً من راحة يحتاج إليها بشدة بعد تلك الليلة التي أرهقت ذهنه وعقب دقائق قليلة أتت الجدة فاطمة تحمل كوبين من الشاي فوق صينية صغيرة لكنها لم تجده في مكانه كما تركته فسألت الجد زين متعجبة (أمال ريان فين؟)
+
أجابها الجد بملامح واجمة أثراً للقلق الذي إحتل قلبه على حفيده (طلع يرتاح في أوضته )
+
تسائلت الجدة فاطمة مرة أخرى (مش هايشرب الشاي؟)
+
إستند الجد زين بكفيه على الأريكة لينهض قائلاً بمراوغة (مش مهم يابطة الولد شكله تعبان سيبيه يرتاح دلوقتي وتعالي احنا كمان نطلع ننام )
+
بينما ولج ريان غرفته محملاً بهموم لا يعلم متى وجدت مكانها فوق أكتافه ..أضاء مفتاح الإنارة ووقف يتأمل تفاصيل إشتاق لينصهر بها وتحتويه كما كان في السابق.. أخذ نفساً عميقاً وزفره دفعة واحدة في الهواء ثم سحب كرسي مكتبه وجلس ليستعيد ذكرياته الغالية ، يشعر وكأنه يهبط بعقله درج يتكون من ثلاثة وعشرون عاماً كل عام حفر بقلبه آثار لا يمكن محوها ولن يستطيع أحد التغلب على ذلك الجزء المضئ بصدره.. إتسعت إبتسامته عندما وقعت عينيه على لعبته القديمة موضوعة أمام مجموعة من الكتب والدفاتر التي تخصه منذ أيام دراسته بالجامعة.. مد يده ليمسك بها والحنين يتملك من كل خلية بروحه.. رفعها إلى أنفه يستنشق رائحتها التي لم تتغير .. أغمض عينيه يعبأ رئتيه بعبق الذكرى الطيبة.. تلك القطعة البلاستيكية العتيقة تفوح منها رائحة الخبز الطازج الذي كانت تعده جدته يومياً حتى أنه يشعر بسخونته مازالت عالقة بأطرافها.. وبعد دقائق أنزلها ليلتقط مجموعة دفاتره التي ظهر عليها آثار السنوات.. فتحها يتصفحها ورقة ورقة.. ببطأ شديد كأنه يطوي سنوات عمره الماضية بالقرب منها.. تعمد العد لثلاثة وعشرون ثم قطع الثلاث ورقات التالية وأخذ قلم رصاص من حافظة الأقلام وقام بترقيمهم حتى وصل للرقم ستة وعشرون .. ترك الأوراق ورغماً عنه ضحك بوجع لم يختبره إلا بعد رحيله من هذا الببت وكأنه يرى تعاسته تخط نفسها بنفسها عليها.. صورة والدته ترتسم بوضوح أمامه مختلطة بملامح چيسي والڤيلا والسيارات الفارهة والأنوف المرتفعة تظهر بالخلفية وضحكته تقوم بدور موسيقى تصويرية لفيلم هزلي رخيص يودون منه لعب بطولته مجبراً .. أمسك بالثلاث ورقات المقطوعة مجدداً وقام بتشكيلهم على هيئة مراكب غير مستوية وظل يضحك بشدة حتى شعر بالنعاس سيغلبه فنهض من مكانه بتثاقل متجهاً نحو الخزانة ليخرج بعض الملابس التي تعمد تركها على أمل أن يعود يوماً ما لكنه أحس برغبة في الصلاة.. دخل الحمام ليبدل ملابسه عاقداً النية على الوضوء وبعد دقائق فرش سجادته ووقف طويلاً بين يدي الله خاشعاً ..يستجدي سكينة من سجوده وتضرع قلبه وجريان الدعاء على لسانه..دوماً يجد مقصده وملاذه في حضرة رب العالمين و تلك المرة كان طيف مريم يجاوره ولم يدري لماذا تسابقت الأمنيات والدعوات بقلبه لها قبل أن يدعوها لنفسه .. يرجو أن تلف العناية الإلهية المشددة حولها وعليها وعلى عيونها البعيدة عنه أمان الله وسلامه.. إستقام ريان في جلسته يرفع كفيه مناجياً رحمات خالقه ألا يخيب أمله ولا يخذل أحلامه التي وعدها أن تتحقق وأن يكون كما يريد ويتمنى.. وكما يستحق.. فرغ من صلاته وإحساس بالهدوء والراحة تسربا إليه ثم إستلقى فوق فراشه وبأقل من الثانية كان يغط في نوم عميق لم يذق طعمه منذ إستبدله بذلك البارد الموجود بالجحيم المسمى بالڤيلا
+
**************
+
في صباح اليوم التالي /
+
إستيقظ الجد زين مبكراً كعادته لكنه لم يجد زوجته بجواره .. ابتسم عندما تذكر أن عزيزه الحبيب نائماً بغرفته كما كان في سابق عهده حينها تأكد من وجود الجدة فاطمة في المطبخ لتعد أشهى الطعام وأجمله إحتفالاً بقدوم غاليها الصغير فاليوم عيد ومجيئه أدخل البهجة على البيت ، وأرادت إستعادة بعض ذكرياتها معه علَّها تؤنس وحشتها عندما يذهب ويغيب عنها مرة أخرى وبينما هي على تلك الحالة دخل عليها يمازحها بمرح (سيدي ياسيدي عالنشاط )
+
انتبهت الجدة فاطمة لوجوده فنظرت إليه تهديه إبتسامة مشرقة ثم أشارت للطعام الموضوع فوق الموقد (تعالى ياحاج شوف عملت ايه عشان ريان )
+
بادلها إبتسامتها الحنونة يداعبها بمشاكسة محببة لقلبها (طبعاً ياستي مين قدك حبيبك نايم فوق وانا خلاص راحت عليا )
+
ضحكت الجدة على دعابته (بذمتك انت مش فرحان أكتر مني عشان ريان هنا؟)
+
سحب الجد زين كرسياً خشبياً ليجلس بجوارها متحدثاً بفرحة (إلا فرحان ده أنا الفرحة مش سيعاني يابطة)
+
أردفت الجدة فاطمة بأسارير مبتهجة (أنا حاسة إن جدران البيت وكل ركن كان بيلعب فيه بيضحك)
+
أجابها الجد والإبتسامة مازالت تزين وجهه (ريان طول عمره فرحة البيت وبهجته.. ربنا يحميه من كل شر).. صمت للحظات ثم نهض من مقعده قائلاً (هاقوم أصحيه عشان نفطر سوا )
وبالفعل خرج الجد زين من المطبخ بملامح قلقة حاول إخفائها أمام زوجته حتى لا يثير إنتباهها لما يفكر به.. لم يغمض جفنيه طوال الليل خوفاً على أغلى مايملك في هذه الدنيا فريان بالنسبة له أكثر من حفيد والمثل الشعبي القائل (أعز من الوِلد وِلد الوِلد ) ينطبق عليه بكل مايعني من معزة وحب .. صعد الدرج بخطوات واسعة حتى وصل غرفة غاليه ليوقظه وطرق الباب بخفة منتظراً إجابة وبعد ثواني قليلة فتح ريان وإستقبله بابتسامة تثلج الصدر وملامح يبدو عليها الإستيقاظ منذ فترة ..
+
دلف الجد زين إلى الغرفة قائلاً (شكلك صاحي من بدري.. ولا ماعرفتش تنام ؟!)
+
أجابه ريان بنبرة هادئة (بالعكس نمت كويس جداً )
جلس الجد زين على الأريكة المقابلة للفراش يتأمله بأعين تملؤها التساؤلات فأدرك مايرمي إليه جده بنظراته وجذب كرسي ليجلس بالقرب منه قائلاً (أنا عارف حضرتك بتبص لي كده ليه )
+
تفرس الجد زين في ملامحه التي تحمل الكثير ثم قال بقلق (شكلك مش طبيعي ياريان)
+
صمت لثواني يستجمع شتات أفكاره ثم أخذ نفساً عميقاً وبدء في سرد أحداث الليلة الماضية كاملة على مسامع جده الذي لم يخفي تعجبه من حال حفيده الذي إنقلب رأساً على عقب بسرعة غريبة لكنه انتظر حتى إنتهى من حديثه ثم نظر إليه باندهاش قائلاً (طول عمري بسمع عن الحب من أول نظرة لكن ماجربتوش)
+
سأله ريان بعيون زائغة (هو اللي انا فيه ده حب ولا إحساس بالشفقة؟)
+
أجابه الجد محاولاً تفسير مايحدث معه (يمكن زعل على ظروفها اللي ممكن تمنع انه يكون بينكم حاجة)
+
أطرق ريان رأسه لأسفل مشبكاً أصابعه بحزن (إحساسي عامل زي تايه لقى طريقه اللي هيمشيه وفجأة الدنيا لفت بيه ورجعته لنقطة الصفر)
+
ربت الجد على كتفه قائلاً بحكمة ( أو جايز اللي حصل إشارة خضرا إن ده الطريق الصح)
+
نظر إليه ريان متسائلاً بإهتمام (يعني إيه؟)
+
تحدث جده بصوت متزن (فيه بيت شعر مشهور لإيليا أبو ماضي بيقول " ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر .. إنى أرى من ذوي الأبصار عميانا" ..صدقني يابني النقص بيبقى في عجز الضمير والعمى عمى القلب ..النور مش إنك تلاقي الرؤية واضحة قصاد عينيك .. النور موجود في قلبك والبنت الكفيفة دي ممكن تكون بتشوف أحسن مني ومنك.. فهمتني؟)
+
رد عليه ريان بحيرة شديدة (حضرتك رأيك إني أتقبل ظروفها وأشوف إذا كان هاينفع أستحمل التجربة ولا لا؟)
+
حاول الجد زين تحديد أفكاره تجاه الأمر (لو حبيتها هتلاقي روحك بتعذبك وقلبك بيوجعك عشان تروح تلمح طيفها ،ومش هايفرق معاك ظروفها)
+
شعر ريان بالغصة تتورم في حلقه من جديد قائلاً بنبرة يملؤها الألم (قلبي وجعني أوي لما عرفت انها مابتشوفش)
+
وضع الجد زين كفه على صدر حفيده من الجهة اليسرى قائلاً (طالما إتوجعت يبقى حبيت)
+
رفع ريان أنظاره لتتلاقى مع عيني جده المتعلقة بوجهه (بالسرعة دي؟)
+
مسد الجد زين على خصلات شعره المسترسلة وأجابه بابتسامة تقطر حباً (عيونك بتلمع.. سلم نفسك لقلبك وسيب روحك تجري عالمكان اللي لقيت راحتها فيه)
+
بادله ريان ابتسامته قائلاً بمرح (وعلى رأيك يا زيزو الروح تدب مكان ماتحب)
+
مسح جده على وجنته داعياً (ربنا يريح روحك ويكتبلك الخير ).. صمت للحظات يتأمل فيها ملامح صغيره الغالي الذي تربى على يديه وكَبُر أمام ناظريه حتى أصبح شاباً تخشى العين النظر إليه من جماله وبالتأكيد لم تخب شكوكه عندما لمح طيف الحب يطل من بؤبؤ عينيه ولطالما كانت عيون ريان مرآة قلبه ومن الواضح أنها مازالت كما يعهدها ولم يغيرها الحزن الذي يسكنها منذ رحيله من بيته.. أهداه الجد زين إبتسامة مُطَمئنة ثم نهض من مقعده قائلاً (يلا بينا ننزل نفطر .. زمان بطة مستنياك)
+
إمتثل ريان لطلب جده و إتجه برفقته نحو حديقة المنزل .. تلك المساحة الخضراء المتسعة دائماً لتجمعاتهم وطعامهم .. ذكرياتهم الجميلة مخطوطة بين شجيراتها الصغيرة والمزروعات العشبية العطرة الخاصة بالجدة فاطمة التي تضفي جواً من الريحان والنعناع المنعش أثناء جلسات السمر وحفلات القانون الخاصة بالجد زين.. فغر ريان شفتيه عندما رأى الطاولة الممتلئة بكل مايشتهي من الأصناف اللذيذة وإنحنى علي يد جدته يقبلها قائلاً (صباح الخير يابطة..كده تعبتِ نفسك؟)
+
مسحت جدته على رأسه ثم أجابته بحنان (هو أنا هاتعب لأعز منك ياحبيبي؟ )
+
قاطعهما الجد زين مازحاً (جدتك قايمة من بدري عشانك انما أنا الظاهر راحت عليا)
+
(شكلك شايل في قلبك كتير يازيزو) قالها ريان غامزاً لجده بمرح يداعب جدته التي كانت تنظر لكليهما بضيق مصطنع لكنها في أسعد لحظات حياتها بوجود حبيبها المدلل يمازحها ويشاكسها بشقاوته المحببة إليها..
+
أجاب الجد زين على ريان بحزن زائف (هاقولك إيه ولا إيه سيبني ساكت أحسن )
+
إقترب ريان من جدته يقبل وجنتيها بخفة (دلعي الراجل شوية يابطة ده حتى البيت فاضي عليكم )
+
لكزته الجدة فاطمة في كتفه متحدثة بحنق طفولي لذيذ (بقا كده يا واد إنت هتعوم على عومه؟)
+
أحاط ريان كتفها قائلاً بمرح (أنا بوعيكِ أحسن يبص بره)
+
ضحك الجد زين على دعابته قائلاً (وشهد شاهد من أهلها)
+
نظرت الجدة فاطمة إليه بلوم ( كده يازيزو تهون عليك بطتك؟)
+
بادلها الجد زين نظراتها مبتسماً ثم قال (ولا ألف بطة تملى عيني غيرك يا بطتي.. ده أنتِ اللي فالقلب ياغزال)
+
تنحنح ريان مازحاً ( نحن هنا ياجماعة ولا أنا شفاف مش باين؟)
+
رمقه جده بغيظ زائف (يابني سيبني أقول الكلمتين انت هتأر علينا)
+
ضحك ريان ثم رفع كفيه مستسلماً ولم يرد بينما أجابت الجدة فاطمة على زوجها بخجل (ياساتر عليكم لما تتلموا على بعض..مش هانخلص منكم )
+
وجه الجد زين حديثه إلى حفيده (القعدة دي كانت عايزة أبوك ياريان)
+
إلتوت زاوية فم ريان بشبح إبتسامة قائلاً بنبرة يائسة (آه والله بس زمان الشاويش رويدا مكدراه)
+
ربتت جدته على كفه تواسيه (ماتزعلش ياحبيبي ربنا قادر يهديها ليكم)
2
بينما هم على حالتهم تلك انتبهوا لصوت جرس الباب معلناً عن قدوم زائر عزيز سينضم لجلستهم اللطيفة ..نهض ريان ليرى من الطارق الداعي وجد والده أمامه ينظر إليه بعتاب (يعني لو جدك ماتصلش بيا بالليل ماكنتش عرفت مكانك؟ )
+
أجابه ريان بأسف ( أنا آسف يا بابا كنت مخنوق وماقدرتش أروح الڤيلا)
+
ابتسم سعد رغم القلق الذي يساوره تجاهه ثم قال (مفيش مشكلة ياحبيبي أهم حاجة انك بخير)
+
سأله ريان بتوجس (هي ماما عرفت اني هنا؟)
+
رد عليه والده باستسلام (إضطريت أقولها لأنها كانت قلقانة عليك)
+
زفر ريان بضيق (ربنا يستر )
+
سأله سعد وهو يلج إلى الداخل (جدك وجدتك فين؟)
+
جاوبه ريان مبتسماً (فالجنينة..هاتفطر معانا؟)
+
ضحك سعد قائلاً ( أكيد طبعاً ده زمان بطة عاملة احتفال)
+
أشار له والإبتسامة مازالت تزين وجهه (ادخل شوف بنفسك)
+
إنفرجت أسارير الجد والجدة عندما إنتبهوا لوجود سعد يدخل عليهم برفقة ولده ومازحته والدته بمرح (جيبنا سيرة القط جه ينط)
+
إقترب منها طابعاً قبلة رقيقة على رأسها ثم قال ضاحكاً ( وحشتيني يابطة) .. بينما إبتسم له والده بسعادة (إنت إبن حلال كنا لسه بنقول اللمة الحلوة دي عايزاك)
+
إنحنى سعد على كف أبيه يقبله بحب قائلاً (ربنا يديم علينا لمتنا وانت وسطنا ياحاج).. إستقام في وقفته ثم مد يده يتناول بعض من الطعام الذي أعدته الجدة قائلاً (إيه الحاجات الحلوة دي يابطة؟)
+
غمز له الجد زين بمرح (كله على شرف ريان أفندي)
+
عبست الجدة بضيق مصطنع (انتم هتحسدونا ولا إيه أنا والواد الحيلة؟)
+
إحتضنها ريان رافعاً كفاً مفروداً أمام جده ووالده يقول بدلال(خمسة وخميسة علينا يابطوط)
+
ضحك سعد على طريقته قائلاً بتقريع (هزر ياخويا براحتك كله هايطلع عليك فالبيت)
+
توجه الجد زين بالسؤال إلى ولده (إنت قولتلها؟)
+
رد عليه سعد بغيظ من تصرفات زوجته الخانقة (قولتلها ومانامتش طول الليل )
+
تحدث الجد بملامح واجمة ( أنا مستغرب والله هي بتكرهنا كده ليه دي ماشافتش مننا غير كل خير )
+
ربت سعد على كف أبيه قائلاً (ماتزعلش نفسك يابابا رويدا طول عمرها مغرورة وشايفة كل الناس أقل منها)
+
تنهد الجد باستسلام (أهم حاجة ماتخليهاش تضغط على ريان)
+
تأمل سعد ولده مبتسماً بفخر (ريان راجل و عمره ماهيعمل حاجة هو مش عايزها)
+
بادله ريان ابتسامته (ربنا يخليك ليا يا بابا )
+
أجابه سعد بنبرة حنونة (انا كل اللي يهمني سعادتك ياحبيبي ونفسي أشوفك مبسوط)
+
قاطعهما الجد زين مبتسماً (ربنا مايحرمكم من بعض ودايماً قلبك على قلب أبوك يا ريان )
+
رد ريان على جده بتأكيد (طبعاً ياجدو أنا ماليش حد فالدنيا غير بابا)
+
زمت الجدة فاطمة شفتيها بحنقها اللذيذ (واحنا روحنا فين ياسي ريان؟)
+
داعب ريان وجنتيها (انتِ هتغيرِ يابطوط ولا إيه؟ .. وبعدين هو انا ليا بركة إلا انتم برضه؟)
+
خبطته على كتفه بخفة قائلة (أيوه ياواد كل بعقلي حلاوة)
+
أمسك ريان كفيها يقبل ظاهرهما ثم قال بمرح (يابطة دول كلمتين بظبط بيهم الحاج أبو ريان عشان أكمل باقي اليوم معاكم)
ضحك سعد على حديث إبنه قائلاً ( تصدق انك عيل بتاع مصلحتك .. عالعموم انا هاطلع أحسن منك وهاعفيك انهاردة من الشغل )
+
تهللت أسارير الجدة كثيراً هاتفة بفرحة (أيوه كده ياولاد خلوا الفرحة تدخل بيتنا تاني )
+
***************
+
على صعيد آخر /
+
كانت الأجواء في الڤيلا مشتعلة ورويدا تستشيط غضباً بسبب بقاء ريان في بيت جده ضارباً بتحذيراتها من الذهاب هناك عرض الحائط بالإضافة لإغلاقه المتعمد لهاتفه مما جعل الدماء تغلي في عروقها ..لاعنة تحت أنفاسها فشلها في قطع علاقته بأهل والده ولطالما حاولت بشتى الطرق كي تخرجهما من حياته ولم تستطع لشدة تعلقه بهما..غيرتها العمياء منهما تأكل قلبها وكرهها الغير مبرر لهما يجعله دائماً نافراً منها ويتمنى العودة لحياته في بيتهما كمان كان سابقاً ..وبينما هي على تلك الحالة المزرية من الغيظ لاحت لها فكرة خبيثة فقامت بإجراء إتصال هاتفي بأختها تطلب منها الحضور مع إبنتها لتنفيذ ما طرأ بذهنها لإيقاع ريان في شركهن ..
وضعت رويدا الهاتف على أذنها منتظرة الرد حتى وصلها صوت شقيقتها تقول بهدوء إستفزها ( رودي حبيبتي إزيك؟)
+
صكت رويدا أسنانها متحدثة بإنفعال (إسمعيني كويس وإعملي اللي هاقولك عليه بالظبط)
+
إبتلعت نهى ريقها بخوف ثم سألتها ( فيه إيه يارويدا؟.. صوتك عامل كده ليه؟)
+
ردت عليها بضيق شديد (عايزاكِ تيجي انتِ وچيسي ومعاكم شنطة فيها هدوم ليها عشان هتقعد معانا كام يوم)
+
تسائلت نهى مرة أخرى (حصل حاجة ولا إيه؟ )
+
أجابتها رويدا بنبرة عالية (لما تيجوا هافهمكم)
+
لم تعطها فرصة للرد وأغلقت الخط في وجهها ترغي وتزبد من فرط عصبيتها...وبعد قرابة النصف ساعة أبلغتها الخادمة بوصولهما .. أمرتها أن تدخلهما غرفة الصالون ولم تمر دقائق حتى لحقت بهما.. أوصدت الباب جيداً خلفها متحدثة بملامح واجمة (كويس إنكم ماتأخرتوش )
+
توجست نهى من ملامح شقيقتها الغاضبة وسألتها بقلق (فيه إيه يارودي قلقتيني؟ )
+
تسائلت چيسي أيضاً بترقب (مالك يا أنطي؟..وإيه موضوع قعادي عندكم ده؟ )
+
جلست رويدا بالقرب منهما واضعة ساق فوق الأخرى بصلف شديد ثم قالت (بصوا بقى وإسمعوني كويس)
+
**************
+
عودة إلى منزل الجد زين /
+
لاحظ سعد تغييراً واضحاً على ريان رغم محاولاته في إدعاء الهدوء إلا أن لمعان عيونه يفضح ستر مشاعره وأحياناً يخونه شرود عقله للحظات فيصمت ويتحدث البريق بمقلتيه التائهتين مما دفع سعد إلى سؤاله بقلق (ريان إنت فيك حاجة؟)
+
توتر ريان من سؤال والده المفاجئ لكنه حاول تدارك الأمر قائلاً بثبات زائف (يعني هيكون فيه إيه ما انا عادي اهه )
+
إرتاب سعد من الإرتباك البادي على نبرة صوته رغم تظاهره بالاتزان وتسائل مرة أخرى (لا مش عادي... عيونك بتقول إن فيه حاجة جواك وبعدين إنت كنت إمبارح فالحفلة مع كريم سيبته ليه وجيت هنا؟)
+
أجابه باقتضاب (جدو وتيتا وحشوني وجيت أشوفهم )
+
قاطعهما الجد زين موجهاً حديثه إلى ريان (قوم ياريان شوف بطة خلصت الشاي ولا لسه وبالمرة هات القانون معاك)
+
إبتهج ريان كثيراً ونهض يهتف بسعادة (ثواني ويكون التخت جاهز)
+
ضحك جده على دعابته قائلاً بغمزة عابثة ( يلا بسرعة قبل ما الوحي يروح)
+
وبالفعل أطاعه ريان ودلف إلى الداخل بينما ظل الجد زين يراقب خطواته المسرعة وما أن تأكد من إبتعاده عنهما حتى هدر في إبنه بقوة (جرا إيه ياسعد إنت بتحقق مع الولد كده ليه؟)
+
أجفل سعد من صوت والده الجهوري ثم أجابه باحترام (مش تحقيق والله يابابا بس أنا ملاحظ انه مش بطبيعته وخايف يكون حصل حاجة فالحفلة امبارح)
+
تظاهر الجد زين بعدم معرفة الأمر متسائلاً باتزان مصطنع (حفلة ايه؟ ومن إمتى ريان بيروح حفلات؟)
+
رد سعد عليه موضحاً (دي حفلة خاصة بدار أيتام طلب مني إنه يحضرها بنفسه)
+
رفع الجد زين سبابته أمام وجه ولده مستمراً في تقريعه ( برضه خف عليه شوية ده شاب وله حياته الخاصة.. ريان عاقل ومؤدب سيب الدنيا تعلمه وماتقلقش عليه)
+
نظر سعد إلى والده متحدثاً بنبرة قلقة (حضرتك عارف أنا بحبه إزاي ونفسي أعوضه عن السنين اللي بعدتها عنه خصوصاً إن أمه معاملتها وحشة معاه ومش عايزه يكون زعلان من حاجة )
+
ربت الجد زين على كف إبنه (ربنا يباركلك فيه وتفرح بيه وبولاده )
+
أَمَّنَ سعد على دعاء والده مبتسماً (اللهم آمين.. بس هي فين دي اللي تملى عين الجميل؟)
+
تحدث الجد زين بلهجة مطمئنة (أكيد موجودة ..أنا واثق من إختياره)
+
إنتبه الجد زين لقدوم ريان يحمل آلة القانون الخاصة به مما دفعه لتغيير مسار الحديث وبعد دقائق لحقت به الجدة فاطمة ومعها أكواب الشاي المُعَدَّة خصيصاً لجلستهم المبهجة.. جلس الجميع ملتفين حول الطاولة ينتظرون ماسيتحفهم به الحاج زين الدين عاشق التواشيح الأندلسية ومقامات الراست وقبل أن يبدأ العزف نظر إلى غاليه الصغير نظرات ذات معنى لا يفهمه سواهما ثم تنحنح شادياً
(فـُـتِنَ الذي
فَــتَنَ القلوبَ بِحُسنِهِ
فإذا الجَمِيلُ بِليْلِهِ
يَشْكُو صَبَابةِ حُبِهِ
ظَبيٌ رَمَى عَنْ قَوْسِه
دَقَ الدُفُوفَ بِخَطْوِهِ
فإذا بِهِ سِهْمُ الهَوْىَ
قد استدار لِقَلبِهِ)
أغمض ريان عينيه منتشياً بصوت جده العذب الذي إخترق حواسه بكل كلمة يتغنى بها وكأنها فراشات ملونة تطير بداخله.. إستطاع هذا العجوز الحالم أن يرسل إليه معاني لمست قلبه واصفاً حالته كما لو كان مكانه.. والآن يجب عليه الإعتراف والإقرار بأنه فُتِنَ من رأسه حتى إخمص قدميه.. تلك الغزالة الكفيفة أصابته بسهم في منتصف روحه وكبلت نبضاته بأهداب منطفئة فماباله لو كانت مُبصَرَة..وياويله من عشقٍ قيده منذ الوهلة الأولى وياوَلَهِهِ في فاتنة أسرته بهدوءٍ مغوي.. أفاق من شروده على تصفيق والده يعلن إنتهاء وصلة الطرب الممتعة هاتفاً بإعجاب (مايفسده العالم يصلحه الشيخ فؤاد عبد المجيد)
+
رد عليه ريان بمرح (قصدك مايفسده العالم يصلحه صوت الحاج زين الدين)
+
ضحك الجد على دعابته قائلاً (ياه ياولاد بقالي زمان ما حسيتش بلمتكم حواليا)
+
ابتسم إليه ريان بحب (ربنا يحفظك لينا ويخلي حسك فالدنيا)
+
نظر سعد في ساعة يده قائلاً (الوقت سرقنا أوي).. ثم وجه الحديث إلى ريان (يلا عشان مانتأخرش أكتر من كده)
+
أومأ ريان بموافقة يقول وهو ينهض من مقعده ( ثواني هاغير هدومي ونمشي على طول)...أمسكت الجدة فاطمة بكفه قائلة ( إستنى خدني معاك ألحق صلاة العشا)
+
*************
+
إنتهى ريان من تبديل ملابسه وإتجه نحو غرفة جدته ليراها قبل أن يغادر وجدها تجلس بمفردها وعلامات الحزن بادية على ملامحها.. إقترب منها بابتسامته التي تُذْهِب همها قائلاً (إنتِ قاعدة هنا لوحدك يابطة وسايبانا.. إحنا خلاص ماشيين )
+
نظرت إليه جدته بحزن (مالحقتش أشبع منك)
+
أمسك كفيها يقبل ظاهرهما ثم قال (هاجيلك تاني قريب ماتقلقيش) ... رفع عينيه إلى وجهها لكنه لاحظ تجمع العبرات بمقلتيها مما أثار خوفه عليها فسألها بقلق (مالك يابطة؟ إيه الدموع اللي ف عنيكِ دي؟)
+
نظرت الجدة فاطمة لصورة موضوعة على حجرها لإمرأة شابة تقف بجوار زوجها ومعهما طفلة صغيرة تشبهها كثيراً ولم تتمالك نفسها من البكاء.. تناول ريان الصورة من يدها يتفحصها بحزن مماثل لحزن جدته (الله يرحمهم)
+
أجابته جدته من وسط بكائها ( ليلى وحشتني أوي)
+
شعر ريان بالدموع تتجمع بعينيه لكنه حاول التماسك قائلاً (الله يرحمها )
+
مسحت الجدة فاطمة على وجنته قائلة بابتسامة من بين دموعها (عارف يا ريان لو بنتها موجودة كان زمانها بقيت في سن الجواز دلوقتي)
+
سألها ريان بأسف (هي ماتت معاها؟)
2
ردت عليه جدته بنشيج مرير (والله يابني كل اللي نعرفه ان البنت ماكانتش معاهم فالحادثة ولما سألنا عليها قالولنا عندها دور سخونية جامد ومارضيوش يخلونا نشوفها وبعدها بلغونا انها ماستحملتوش وماتت) .. صمتت الجدة لثواني تستجمع نفسها لكنها إنخرطت في البكاء مجدداً قائلة بألم شديد ( ربنا حرمني من بنتي ومن ريحتها حتى يوسف إبن عبد الرحمن جوزها سمية خالته منعتنا نشوفه ومانعرفش عنه أي حاجة من يوم وفاة أبوه وعمتك)
+
إحتضنها ريان مواسياً (ده قضاء ربنا وقدره.. إدعيلهم بالرحمة وهم أكيد في مكان أحسن بكتير من هنا )
+
شددت جدته عناقه تقول بنبرة مهتزة ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون اللهم لا إعتراض على قضائك)
+
إبتعد عنها ريان برفق طابعاً قبلة عميقة على جبهتها يمازحها ليخفف عنها قليلاً (ينفع تخليني أمشي وأنا قلقان عليكِ كده؟)
+
ربتت الجدة على وجنته (ماتخافش ياحبيبي أنا كويسة بس ماتطولش الغيبة عليا وتعالى تاني قريب)
+
نهض ريان من مكانه مبتسماً ثم قال ( حاضر والله هاجي المهم خدي بالك من نفسك لحد ما أشوفك تاني)
+
بادلته الجدة ابتسامته قائلة (تروح وتجيلي بالسلامة)
+
*************
+
في دار وسيلة لرعاية الأيتام /
+
تلقت إدارة الدار التهنئات والمباركات تباعاً للنجاح الذي حققه الحفل وأشاد الجميع بآداء مريم بلا إستثناء وبدورها قررت السيدة وسيلة مكافأتها على مجهودها المتميز في جعل مؤسستهم الخيرية محط إعجاب وإنبهار خاصة أنه كان بين الحضور وفداً من وزارة التضامن الاجتماعي والذي قرر منحهم درع التميز ... وأثناء تواجدها المعتاد في غرفتها منشغلة بقراءة أحد كتبها المكتوبة بطريقة برايل للمكفوفين إنتبهت مريم لطرقات خفيفة على الباب نهضت من مكانها تتحسس الأثاث والحوائط حتى وصلت إلى المقبض لتفتحه بينما إستأذنتها وسيلة بالدخول تعلمها بوجودها (ممكن أدخل يامريومة؟ )
+
إبتسمت مريم وهي تنظر للفراغ أمامها متحدثة بهدوءها العذب (طبعاً اتفضلي ياماما)
+
أمسكت وسيلة كفها الرقيق برفق ودخلت معها قائلة (مبروك ياحبيبتي الحفلة كسرت الدنيا وانتِ كنتِ زي الملايكة الله أكبر عليكِ ) ..
+
أسبلت مريم جفنيها تجيبها بابتسامة تشرح الصدر ( الله يبارك فيكِ )
+
أحاطت وسيلة كتف مريم بذراعها تهتف بسعادة (بصي بقا يا ستي الدار صرفتلك مكافأة إتحطت في حسابك خلاص )
+
توردت وجنة مريم من الخجل ثم قالت (ماكانش له داعي أبداً انا متربية في الدار وده جزء من أفضال حضرتك عليا )
+
مسدت وسيلة على شعرها بحنان (ياحبيبتي انتِ تعبتِ ولازم نقدر مجهودك.. وبعدين فيه مفاجأة تانية بس يارب تعجب القمر بتاعنا)
+
ابتسمت مريم قائلة (كده كتير عليا والله ياماما)
+
إحتضنتها وسيلة قائلة بحب ( مفيش حاجة كتير عليكِ ياقلب ماما).. ظلت وسيلة تشدد عناق صغيرتها ثم أبعدتها ووضعت شيئاً بكفيها تتابع حديثها بتركيز (ده موبيل معمول مخصوص بطريقة برايل عشان تعرفِ تستخدميه بسهولة)
+
فغرت مريم شفتيها بذهول (بس ده غالي أوي )
+
مسحت وسيلة على وجنتها برفق ثم قالت (ده أقل حاجة ممكن أعملها عشانك) ... صمتت لثواني تسألها بإستغراب لوجودها في الغرفة بمفردها (هي صباح فين؟)
+
أجابتها مريم بنبرة هادئة (راحت تشوف سلمى عشان مش بترضى تسكت غير معاها)
+
تحدثت وسيلة بتشجيع (تحبِ نتمشى شوية؟)
+
أومأت مريم قائلة بموافقة (أنا كنت رايحة أوضة الموسيقى)
تأبطت وسيلة ذراعها حتى لا تشعر بالحرج وأنها تحتاج كفها لتستند عليه قائلة وهي تخرج معها (تعالي أوصلك فطريقي للمكتب عشان ماتزهقيش من المشي لوحدك) .. أهدتها مريم إبتسامة مشرقة وإمتثلت لطلبها وبعد عدة خطوات إنتبهت لصوت ريهام تناديها فتوقفت حتى تلحق بها .. إتجهت ريهام نحوهما سريعاً ثم ألقت عليهما التحية وإستأذنت وسيلة بالإنصراف بعد إطمئنانها لوجود مريم برفقة صديقتها ..
أحاطت ريهام كتفها تسألها بمرح (إزيك يامريومة؟ )
+
أجابتها مريم مبتسمة كعادتها (أنا كويسة الحمدلله .. إنتِ كنتِ فين من الصبح؟)
+
ردت عليها ريهام بإرهاق (كنت فالچيم عشان زميلتي إستأذنت تاخد شيفت بالليل مكاني )
+
حاولت مريم التخفيف عنها تقول وهي تمد يدها بالهاتف أمامها بسعادة (شوفتِ ماما وسيلة جابتلي ايه؟ )
+
تفحصت ريهام الهاتف قائلة بفرحة (الله ده تحفة يامريم وغالي أوي )
+
ابتسمت مريم مردفة بمرح (الدار كمان صرفت ليا مكافأة حطوها في حساب خاص بيا فالبنك)
+
إحتضنتها ريهام بحب (مبروك ياقلبي إنتِ تستاهلِ أكتر من كده).. إبتعدت عنها برفق ثم أمسكت كفها قائلة بترقب (كنت عايزة أقولك على حاجة غريبة أوي حصلت إمبارح فالكواليس)
+
تسائلت مريم بتعجب (خير ياحبيبتي إيه اللي حصل؟)
+
جاوبتها ريهام بحيرة شديدة مما حدث (فيه واحد سأل عليكِ ولما سألته عايزها ليه قاللي موضوع شخصي)
+
زاد تعجب مريم من الأمر وتسائلت مرة أخرى (موضوع شخصي؟!..وماعرفتيش يطلع مين ده؟)
+
ردت عليها ريهام بقلة حيلة (للأسف ماعرفتش بس أنا سكيته على دماغه وكنت هاطلبله الأمن)
+
ضحكت مريم قائلة (كل ده عشان سأل عليا بس؟..أمال لو كلمني كنتِ عملتِ فيه إيه؟)
+
أحاطت ريهام كتفها مجدداً تقول بحب ممزوج بالخوف (أنا بخاف عليكِ أوي يامريم خصوصاً إنك زي القمر )
+
ردت مريم عليها بسخرية (أمر بالستر ياختي وبعدين الشاب ده هيعمل بيا إيه؟)
+
شهقت ريهام بإندهاش من كلامها ( يابنتي إنتِ حتة بسكوتة ماينفعش حد يقرب منك أصلاً ) .. ثم صمتت تحاول إخفاء حزنها على حال رفيقة دربها الغالية وأردفت بمرح كي لاتنتبه لتأثرها ( بس بيني وبينك الواد اللي سأل عليكِ إمبارح ده زي القمر )
+
انفجرت مريم ضاحكة على طريقتها قائلة (كل ده وطردتيه؟.. أمال لو كان وحش كنتِ قتلتيه مثلاً؟)
+
أجابتها ريهام بأسف مصطنع (والله طردته على عينيا أصله بصراحة كده حاجة مش موجودة فالوجود )
+
سألتها مريم بفضول (واللي مش موجود فالوجود ده عايز مني إيه؟)
+
جاوبتها ريهام بعدم فهم (مش عارفة.. بس ماتقلقيش صورته إتحفرت في دماغي ولو شوفته تاني هاجيبه من قفاه وأعرف كان بيسأل عليكِ ليه)
+
إبتسمت مريم قائلة ( خلاص أوصفيهولي عشان أعرف أضربه لما تمسكيه من قفاه)
+
وقفت ريهام أمامها تلوح بيدها في الهواء وكأنها ستراها قائلة بهُيام (أوصفلك إيه ولا إيه ولا إيه؟)
+
حثتها مريم على الحديث بنفاذ صبر (ياستي إوصفي اللي شوفتيه)
+
ضحكت ريهام على طريقتها ثم أردفت ( بصي ياستي مبدأياً كده لابس بدلة شيك أوي وجسمه مفرود طول بعرض إسم الله عليه)
+
رفعت مريم زاوية شفتها العليا قائلة بتذمر (وبعدين ياست المسهوكة)
+
إستكملت ريهام وصفها لريان بحماس (أبيضاني وشعره فاتح زي لون شعرك )
+
همست مريم في نفسها ( آل يعني أنا عارفة لون شعري)
+
سألتها ريهام بتعجب (بتقولِ إيه؟)
+
صكت مريم أسنانها بغيظ (ولا حاجة كملي يا آخر صبري)
+
تابعت ريهام حديثها بتنهيدة (شعره سايح ونايح كده ولاعيونه يامريم يخربيت جمال عيونه واسعين ومرسومين ولونهم نفس لون عنيكِ بالظبط )
+
اندهشت مريم كثيراً من وصفها وسألتها (نعم؟! .. هو نفس حاجاتي ليه؟)
+
إقتربت ريهام منها تسند رأسها على كتفها قائلة بنبرة والهة (ولا شفايفه يامريم فراولة يا أوختي ومناخيره صغنونة زي مناخيرك)
+
لم تستطع مريم التحكم في نفسها فضحكت متسائلة (حتى دي كمان؟)
+
تبادلت ريهام معها الضحكات قائلة (آه والله الواد عسل أوي)
+
توقفت مريم عن الضحك بشق الأنفس ثم قالت (كفاية زمانه ولع من عينك الصفرا)
+
تأبطت ريهام ذراعها مرة أخرى (ده أنا تتقلع عيني يوم ما أحسده)
+
تحدثت مريم ساخرة كعادتها من ظروفها ( لا كله إلا كده كفاية أنا ..صباح مش هاتعرف تمسكنا إحنا الإتنين)
+
تألمت ريهام من سخرية مريم الدائمة على حالها لكنها حاولت إخفاء مايعتمل في صدرها (هو انا أطول ابقي زيك يا ست البنات؟)
+
إبتسمت مريم بامتنان (ربنا مايحرمني منك أبداً يا حبيبتي)
+
نظرت إليها ريهام بحب ثم قالت (اللهم آمين ويحفظ قلبك الطيب من كل شر)
+
****************
+
في ڤيلا سعد زين الدين /
+
إنتهت رويدا من إملاء تعليماتها على شقيقتها وإبنتها وفقاً لخطة حقيرة تدبرها للضغط على ريان حتى تقربه من چيسي رغماً عنه.. نظرت نهى إليها متحدثة بقلق (انا خايفة يارويدا لنتكشف وساعتها شكلنا هايبقي مش حلو خالص)
+
أجابتها رويدا بتركيز (والله كله متوقف على شطارة چيسي فالتمثيل )
+
تسائلت چيسي بعدم فهم (احنا هنعمل اللي قولتي عليه ازاي؟)
+
ردت عليها رويدا بثقة (أنا هاطلع دلوقتي أشوف المكان أمان ولا لا وانتِ هاتيجي ورايا وتعملِ نفسك وقعتِ من عالسلم وهانطلب الدكتور ونلاغيه يكتبلك راحة إسبوعين وبكده هنضمن وجودك فالڤيلا لسبب مقنع وبعدين تبدءِ تلعبِ على ريان) صمتت لثواني ثم أردفت بغمزة ذات معنى (أنا مش هافهمك شغل البنات إنتِ اكيد فاهمة وعارفة)
+
حركت چيسي رأسها بموافقة (أوك يا أنطي .. بس هنقول ايه لبابي؟)
+
ردت عليها والدتها (سيبِ أبوكِ عليا انا هاتصرف معاه )
+
نهضت رويدا من مقعدها قائلة بحاجب مرفوع (المهم نخلص قبل ماحد ييجي)
+
أنهت حديثها وخرجت من غرفة الصالون لتأمين المكان ثم لحقت بها چيسي التي إرتمت على الأرض بجوار السلم لتمثل أنها سقطت وإلتوى كاحلها بينما أكملت رويدا التمثيلية بهتاف على الخدم تأمرهم بجلب الطبيب.. إمتثلت إحدى الخادمات لطلبها وإستدعته هاتفياً وفي غضون ربع ساعة أتى لينفذ تعليماتها بعدما أعطته مبلغاً من المال وربط قدم چيسي بجبيرة زائفة بالإضافة إلى كتابة روشيتة بها توصية بالراحة لمدة إسبوعين لحدوث تمزق في أربطة قدمها وبالطبع أمنت قربها من ريان بوضعها في غرفة مجاورة لغرفته حتى تسهل المهمة .. بعد وقت ليس بقليل وصل كلاً من سعد وريان إلى الڤيلا متوجسان من ردة فعل رويدا على أحداث اليوم لكنهما استغربا من الهدوء الذي يسود المكان وتحدث سعد بتعجب (غريبة!.. إيه الهدوء ده؟)
+
أجابه ريان بترقب (أكيد ده الهدوء اللي بيسبق العاصفة )
+
ضحك سعد قائلاً (إستنى أنادي على نجاة هي اللي هاتفهمنا إيه اللي بيحصل)
+
إتجه سعد إلى الطابق العلوي بملامح واجمة بعدما أخبرته نجاة ما حدث ولم يبرئ زوجته من تعمد هذه التصرفات خاصة أنها إختارت الغرفة الملاصقة لغرفة ريان لتقيم بها چيسي لكنه مضطر للتحلي بالصبر وطول البال حتى لا تتوتر الأجواء بينها وبين ولدها أكثر من ذلك.. وقف أمام باب الغرفة يزفر بضيق ثم طرق عليه بخفة منتظراً إجابة ولم تتأخر رويدا ظناً منها أن الطارق ريان لكنها أُحبِطَت عندما وجدت زوجها بمفرده .. دعته للدخول مبتسمة بهدوء مصطنع فتسائل هو عما حدث
أجابته رويدا بنبرة حاولت إصباغها بالحزن (چيسي وقعت من عالسلم وحصلها تمزق ف الأربطة والدكتور قال ماتتحركش على رجلها عالأقل لمدة إسبوعين)
+
إبتسم سعد لچيسي بمجاملة (ألف سلامة عليكِ يابنتي )
+
ردت عليه چيسي بوهن زائف (الله يسلمك يا أنكل)
+
إستأذن سعد بالإنصراف بينما تبعته رويدا متسائلة عن عدم قدوم ريان للإطمئان على إبنة خالته فأخبرها أنه لم يرغب في إزعاجها لكنها تعلم جيداً أنه لا يريد رؤيتها من الأساس ولن يهتم إذا إلتوى كاحلها أو كُسِرَت رقبتها و بالرغم من صراحته في الرفض وصرامته في القرار إلا أنها تنكر كل هذا ضاربة برغبته عرض الحائط وليذهب مايريد إلى الجحيم طالما سيتعارض مع كبريائها.. تركت زوجها يتجه إلى غرفته وتوقفت هي أمام غرفة هذا البائس الذي ينتظر مشاجرة حتمية موقناً بأن الأمر لن يمر مرور الكرام.. فتحت الباب بعنف مندفعة نحو الداخل تمطره بوابل من السباب اللاذع .. أما هو وقف أمامها مطأطا الرأس.. آسفاً على حظه العثر الذي جعل منها والدته وآثر الصمت حتى ختام وصلة التكدير الروتينية.. أنهت رويدا حديثها بأنفاس لاهثة من فرط عصبيتها (إحمد ربنا ان بنت خالتك موجودة وإلا كان هايبقى ليا تصرف تاني معاك)
+
رد ريان عليها ضاحكاً باستهزاء (كتر خيرها والله ده أنا المفروض أعملها تمثال)
+
رفعت رويدا سبابتها أمام وجهه توبخه (إتكلم كويس عن چيسي.. مش كفاية ماسألتش فيها وهي تعبانة؟.. أنا عارفة انت طالع قليل الذوق كده لمين )
1
إحتدت نظرات ريان عندما وصل المعنى الذي ترمي إليه بكلماتها لذهنه ورغماً عنه تعالت نبرة صوته محذراً (ماما..خدي بالك من كلامك)
+
رمقته رويدا شزراً وساد صمتاً مشحوناً بينهما قبل أن تتركه وتخرج متجهة الى غرفة نومها بغضب جامح لتجد زوجها جالساً علي الفراش ينظر إليها بحنق (خلصتِ حرق دم فالولد ولا لسه؟ )
+
بادلته رويدا نظراته بتحدي واضح في عينيها قائلة (ده إبني وانا حرة فتربيته )
+
هدر سعد بها عالياً (إبنك مش عيل صغير عشان تربيه)
+
لوحت رويدا بيدها في الهواء متحدثة بنبرة لا تقل علواً عن نبرته (أياً كان أنا حرة في تصرفاتي معاه..وبعدين انت بتدافع عنه بدل ماتفهمه غلطه؟)
+
سألها سعد بغضب ( هو غلط في إيه؟ كل ده عشان راح يزور بيت جده؟)
+
كتفت رويدا ذراعيها أمام صدره تجيبه بذقنٍ مرفوع (هو عارف كويس أوي اني مش هاعدي زيارته ليهم من غير إذني بالساهل )
+
إمتقع وجه سعد بشدة ثم زجرها بعنف (إذن إيه اللي هاياخده منك ؟!..انتِ بتتعاملِ مع عيل صغير؟.. إبنك عنده 26 سنة ياهانم ..خليكِ كده لحد ماتضيعيه من ايدك)
+
لم تعلم رويدا لماذا إنقبض قلبها أثراً لكلماته المحذرة لكنها كالعادة تفضل المكابرة وعدم الإلتفات إلى التنبيهات المتلاحقة بخسارتها لولدها الوحيد .. تداعت نظراتها قليلاً قبل أن تصرخ بغضب (إنت ماعندكش غير الكلمتين دول كل شوية تعيد وتزيد فيهم.. أنا سايبالك الاوضة ورايحة أطمن على چيسي)
1
*************
+
في غرفة ريان /
+
بدل ريان ملابسه وإرتمى على الفراش بتعب يفكر في طريقة تمكنه من دخول الدار بصفة رسمية وفجأة تذكر هاتفه المغلق منذ أمس .. تناوله وقام بفتحه فوجد رسائل كثيرة من كريم .. حدث نفسه بندم شديد (كريم! .. أنا إزاي نسيتك؟) ..حاول الإتصال به مراراً وتكراراً لكنه لم يجب بل تجاهل آخر إتصال وأغلق الهاتف تماماً..أدرك ريان مدى غضب صديقه وأعطاه الحق في ذلك لفظاظته وعدم تقدير قلقه وخوفه عليه وقرر مصالحته غداً لفشل كل محاولاته في الوصول إليه الآن .. وبعد وقت طويل إستسلم للنوم أخيراً وطيف مريم يلاحق جفنيه كلما أطبقهما وتمنى أن تزين أحلامه كي يهدأ إشتياقه غير المفهوم إليها وفي صباح اليوم التالي تعمد الإستيقاظ مبكراً عن المعتاد ليتجنب رؤية والدته والإحتكاك بچيسي التي إحتلت الغرفة المجاورة لغرفته وتسلل بهدوء نحو الخارج مستقلاً سيارته وإتجه إلى منزل كريم ليراضيه ويصطحبه معه فأبلغه حارس العقار أنه غادر منذ ساعة.. زفر ريان بقلة حيلة وشكر الرجل ثم إنصرف وهو شبه متأكد من وجوده بالشركة وبعد وقت ليس بقليل وصل هناك ..سأل سكرتيرته الخاصة عنه أخبرته أنه بمكتبه لكنه غاضب للغاية ولا يتحدث مع أحد فدخل عليه بدون تفكير وجده يجلس بملامح واجمة وعندما إنتبه إليه إدعى الإنشغال ببعض الأوراق أمامه ..
جلس ريان على الكرسي المجاور للمكتب يمازحه (إنت مش هاتسلم عليا ولا إيه؟)
+
رمقه كريم بغضب ثم تحدث بنبرة محذرة (أنا ماقلتلكش تقعد)
+
مد ريان يده يغلق الملفات التي يتظاهر بالنظر إليها قائلاً (إعترف إني وحشتك وفكك من كلام الأفلام ده)
+
أجابه كريم وهو يزيح يده بتعابير جامدة (لا ماوحشتنيش وماتستخفش دمك عشان مش فاضيلك)
+
إستشعر ريان ضيق صديقه الحقيقي ثم عاتبه بحب (يعني أدور على حد غريب يستحملني لما أكون مخنوق شوية ياكريم؟)
+
إحتدت نبرة كريم هادراً به ( بلا كريم بلا قرف.. إنت حتى مافكرتش تطمني عليك)
+
سأله ريان بهدوء إستفزه (خلصت كل اللي عندك؟)
+
لم يتحمل كريم طريقته المستفزة ونهض من مقعده هاتفاً بغضب (أنا ماشي وسايبهالك خالص وبالمرة إعتبرني مستقيل)
+
فغر ريان شفتيه بصدمة من ردة فعله المبالغ بها ثم أمسك ذراعه قائلاً بلوم (إنت اتهبلت؟!.. إعقل كده وإهدى وانا هاحكيلك كل حاجة)
+
جذب كريم ذراعه بعصبية (مش عايز أسمع حاجة)
+
وقف ريان ينظر إليه ثم قال بنبرة مهتزة (انت عارف اني ماليش غيرك هاهون عليك يعني؟)
+
تداعت نظرات كريم المحتدة ولم يرد بينما إحتضنه ريان معتذراً (حقك عليا والله ماقصدتش أزعلك)
+
شدد كريم عناقه قائلاً من خلفه بحزن (أنا بس كنت قلقان عليك وصعبت عليا نفسي لما مافكرتش فيا ونسيتني)
+
خبطه ريان بخفة على ظهره مازحاً (ده إنت طلع عندك دم وبتزعل زي البني أدمين بجد؟)
+
ابتعد كريم عنه ملوحاً بسبابته (والله اسيبك وامشي)
+
لكزه ريان في كتفه (خلاص ياحيوان ماتسوقش فيها)
+
دلك كريم مكان خبطته متسائلاً بمرح (إحكيلي بقا كان مالك)
+
أجابه ريان مبتسماً ( الكلام هنا مش هاينفع ..احنا نخلص شغل ونطلع نتغدا سوا واحكيلك كل حاجة)
+
وضع كريم يديه في جيوبه متحدثاً بحاجب مرفوع (هنتغدى سمك وجمبري وانت اللي هاتحاسب)
+
أومأ ريان برأسه موافقاً (ماشي ياعم إتأمر )
+
تابع كريم سرد طلباته بطريقة طريفة (ونحلي برز بلبن)
+
ضحك ريان قائلاً (كان يوم إسود يوم مازعلتك)
+
رمقه كريم بنظرات ضيقة ثم قال بتحذير (عشان تحرم تعملها تاني)
+
رفع ريان كفيه مستسلماً (خلاص والله ده انت اللي ييجي عليك مايكسبش)
+
جلس كريم خلف مكتبه قائلاً بغرور زائف (روح شوف وراك إيه وماتعطلنيش.. وقتك انتهى من بدري أصلاً)
+
تخصر ريان يجيبه بغيظ مصطنع (يابني احترمني شوية أنا ابن صاحب الشركة)
+
أشار كريم نحو الباب (ابن صاحب الشركة على نفسك ..إطلع برا ياض)
+
خرج ريان من عنده يخبط كفيه ببعضهما ضاحكاً ثم إتجه نحو مكتبه ليكمل أعماله .. وبعد إنتهاء دوامهما الرسمي قام بإصطحابه إلى مطعم متخصصاً في المأكولات البحرية ليتناولا طعام الغداء ويقص عليه ماحدث معه خلال اليومين السابقين.. تعجب كريم كثيراً من إنجذاب ريان لتلك الفتاة بهذه السرعة والأمر الأكثر إدهاشاً هو انها كفيفة فشكلها يبدو طبيعياً للغاية ولم يلاحظ أي شئ يدل على كف بصرها وتسائل بعد تفكيرٍ عميق (انت ماعرفتش عنها اي حاجة تانية؟)
+
أجاب ريان على سؤاله بسؤال (حاجة تانية زي إيه؟ )
+
حك كريم جانب رأسه متحدثاً بحيرة شديدة (يعني يتيمة ومقيمة ف الدار ولا ليها أهل وكانت موجودة مع الفرقة عشان الحفلة بس؟ وظروفها دي حادثة ولا خلقة ربنا؟)
+
مسح ريان على شعره ثم رد عليه بقلة حيلة (كان معاها ست كبيرة خافت عليها مني ومشيت بيها بسرعة ومالحقتش أعرف عنها أي حاجة غير إسمها)
+
أرجع كريم ظهره ليستند على الكرسي من خلفه متسائلاً بترقب (وانت ناوي على ايه؟ )
+
زفر ريان بضيق (مش عارف ودماغي هتقف عشان ألاقي طريقة أدخل بيها الدار )
+
ساد صمت بينهما مشحون بالتفكير وبعد دقائق فرقع كريم بأصبعيه قائلاً بحماس (بس لقيتها)
+
إنتبه إليه ريان يسأله بتحفز (هي ايه دي اللي لقيتها؟ )
+
أجابه كريم مبتسماً بثقة (ركز واسمعني كويس)
+
***********
يتبع ........... إلى اللقاء مع الفصل الخامس
+
