رواية غريبة في عالمك الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم رحاب حلمي
29= ج 1=
الحلقة التاسعة والعشرون
*رصاصة في الصدر*
في حفل الافتتاح الذي اقيم بفيللا عبدالرءوف الكامل والذي أشرف على إعداده كل من ماهر ومريم, وكما أخبر ماهر علياء وعماد فهو بالفعل الذي تولى بدعوة الضيوف لأن علاقاته الاجتماعية كثيرة ومتشعبه بحكم عمله مع عبدالرءوف الكامل من جهة ومع والده من جهة أخرى, وقد كان الحفل شبه مكتمل وقام ماهر بتقديم مريم إلى العديد من سيدات الأعمال وكذلك زوجات رجال الأعمال الكثيرين, كانت مريم تبدو سعيدة بذلك التغيير الذي طرأ على حياتها والذي بدأ ينسيها إلى حد كبير بعض همومها.
أما خارج الفيللا فنجد علياء تجلس في سيارتها التي قد ركنتها أمام الفيللا منذ ما يقرب من ربع الساعة ولكنها لم تبد أي استعدادا لمغادرتها حتى أنها لم تطفىء محركها وكأنها تنتظر شيئا ما, إلى أن جاءت اللحظة التي تنتظرها حيث تراءت لها في مرآة السيارة الخلفية سيارة يوسف القادمة نحوها وقد اختارت ذلك الوقت بالذات لتطفىء المحرك وتخرج من السيارة بكل ثقة وهدوء وكان يوسف قد أوقف سيارته بالقرب منها, ثم ترجل منها وحياها بابتسامته الساحرة, فأبدت علياء بعض الدهشة لرؤيته وسألته: معقول يا يوسف انت لسة جاي؟ دة انا افتكرت انك جوة مع مراتك من بداية الحفلة.
يوسف: لا يا ستي, انتي النهاردة ممكن تعتبريني ضيف عادي زيي زيك بالظبط.
علياء وقد رسمت على وجهها علامات الحيرة وعدم استيعاب ما يقول: ازاي دة؟
يوسف وهو يتجنب الدخول في تفاصيل: يعني, اصل حصل بين وبين مريم تاتش كدة فخلاها تسيب البيت وتيجي تقعد عند جدها.
علياء: بقا عشان كدة هي عملت الحفلة هنا؟ انا بردو استغربت لما الدعوة جاتلي ومكتوب عليها فيللا عبدالرءوف الكامل, طيب تحب اتدخل؟
يوسف شاكرا اياها بلطف: لا بلاش. المهم هو فين يوسف خطيبك؟
علياء متصنعة الحزن: ما رضيش ييجي يا سيدي وعمل فيها زعلان علشان يعني الدعوة كانت موجهالي انا مش ليه هو. وانا كمان ما كنتش هاجي بس قولت انك ممكن تزعل ما كنتش أعرف ان العلاقة بينك وبين مراتك وصلت للدرجادي.
ثم أكملت بدلال وهي تميل نحوه: تسمحلي بقا ندخل مع بعض وانا ايدي في دراعك. اصل بصراحة مش عاوزة ادخل لوحدي.
فقدم لها يوسف ذراعه وهو يقول مبتسما: يا سلام! وانا أطول؟ دة يبقا شرف ليا.
ثم وضعت علياء يدها في ذراعه ليبدو لكل من يراهما كالعاشقين وهذا بالضبط ما كانت تريده علياء عندما أعربت عن طلبها.
وبالفعل دخلا سويا الفيللا حيث كان الحفل في الداخل بالطابق الأرضي, وكانت مريم تجول بين ضيوفها لتلبية طلبات ضيوفها والرد على أسئلتهم حين وقع نظرها على باب الفيللا لتراها متأبطة ذراعه بتملك ونظرات الرضا بادية على وجهه, اذن لم يعد يخامرها الشك في حجم العلاقة التي تربطهما والتي لم تنقطع حتى بزواجه من مريم تلك الزوجة المغفلة التي كانت في يوم ما تمني النفس بحياة سعيدة ستعيشها معه وإلى الأبد وهي لم يخطر ببالها أن موافقته على الزواج منها لم يكن الا لتيقنه بأن مصلحته هي التي كانت وراء ذلك الزواج الذي لم يدم لأكثر من ثلاثة شهور وها هو الأن يعود لماضيه مرة أخرى, ومن يعلم ما ينويه الآن؟ فهل يرغب في أن يتزوجها؟ أم أنه قد تزوجها بالفعل؟ فدخوله معها في ذلك الوضع الحميمي في حفلة هي التي أقامتها لا يفسر الا بتلك الطريقة, حسنا فلقد اختار طريقه وعليها هي أيضا أن تختار طريقها بعيدا عنه.
لم تكن مريم تعلم أنها خلال تلك الأفكار التي تزاحمت في عقلها دفعة واحدة, كانت تحدق فيهما بشكل واضح, إلى أن أدركت ذلك مؤخرا فأعرضت بنظرها عنهما ولكن بعد فوات الأوان حيث قد لاحظاها ولكنها لم تأبه للأمر واتجهت ناحية ماهر الذي كان يقف مع رجل أعمال أخر لم تتذكر مريم اسمه في تلك اللحظه فحيتهما في فتور واستأذنت منهما لتنتحي بماهر جانبا وهي تلومه بصوت مرتفع قليلا ينم على ما تشعر به من غضب: ايه اللي جاب اللي اسمها علياء دي هنا؟
ماهر ببساطة: انا. ليه؟ فيه أي مشكلة يا مريم؟
مريم: المشكلة اني ما كنتش عاوزاها تحضر.
ماهر: ليه بس؟
وعندما لمح الغضب يتأجج في عينيها, قرر احتوائها سريعا حتى لا تقوم بأي عمل متهور يفسد الحفل, فقال وهو يعمل على تهدئتها: شوفي با بنت خالي, اهم حاجة لازم تعرفيها عن عالم المال انك عشان تبقي سيدة أعمال ناجحة لازم تبطلي تخلطي بين حياتك الشخصية وشغلك, وانا واثق ان علياء دي هتفيدنا كتير في شغلنا.
لم يدخل كلامه قلبها ولكنه قد امتلك مفاتيح عقلها الذي اقتنع تماما بما يقول ماهر ثم تساءلت في نفسها: أليس ذلك هو المبدأ الذي يستخدمه يوسف بالفعل؟ وها هو الأن استطاع أن يثبت نفسه في مجال عمله لتصبح شركته من أكبر شركات المقاولات في البلد, اذا فلتستعمله هي الأخرى, ولكن ظل هاجس بداخلها يرفض التعامل مع يوسف أو تلك السيدة التي تدعى علياء, فقالت لماهر: ماشي يا ماهر انا ممكن أقبل وجودها هنا بس يا ريت ما تطلبش مني اني اتعامل معاها بشكل طبيعي لاني مش هقدر, ومن الاحسن اني ما اتعاملش معاها خالص.
ماهر مبتسما: خلاص يا ستي ولا يهمك. سيبيلي انا الموضوع دة, وعن اذنك بقا هروح ارحب بيهم, اديلهم فترة طويلة محدش مننا راح يستقبلهم.
فنظرت مريم باتجاههما ووجدت يوسف يميل على جدها الذي كان يجلس في أحد الأركان على كرسي مريح, ويهمس في أذنه ببضعة كلمات جعلته يبتسم وعلياء تأكلهما بعينيها وهي تتابع الحوار الدائر بينهما, فحولت مريم نظرها عنهما وهي تقول لماهر ساخرة مما تراه و في نفس الوقت مستنكرة موقف جدها من ذلك الشخص الذي بعد كل ما جرى لم يتغير موقفه منه وكأن يوسف ساحر بارع استطاع بمواهبه أن يسيطر على عقله تلك المهمة التي لم يفلح فيها غيره: لا ما تخافش, واضح ان جدو قايم بالواجب وزيادة.
ماهر: بس الحفلة دي بتاعتنا واحنا المضيفين ودي مهمتنا احنا مش مهمة جدي.
فهزت مريم رأسها تأييدا على كلامه, ثم تركها ماهر وتوجه إلى ضيفيه ورأته يرحب بهما بحرارة, وللحظة قصيرة التقت عيناها بعيني يوسف التي لمحت فيهما نظرات لائمة جعلتها في حيرة من أمرها وتتساءل من فيهما يحق له أن ينظر إلى الآخر بتلك النظرات؟
وبينما هي سارحة في أفكارها جاءها صوت تحبه من الخلف وكانت في أمس الحاجة لسماعه, فقالت لها حياة بصوت مرح وهي تحيط بكتفيها وتحمل في يدها علبة صغيرة قد تم تغليفها بعناية وبشكل أنيق: هو الجميل سايب ضيوفه وسرحان في ايه.
فأدارت مريم وجهها وهي تبتسم وتقول لصديقتها بعتاب: بس يا بت انتي, انا مخصماكي.
وعندما وقع نظرها على وليد الذي كان يقف بجوار زوجته رحبت به مريم وهي تقول: ازيك يا وليد, عامل ايه؟
وليد وقد افتر ثغره عن ابتسامة رقيقة: ازيك انتي يامريم, وألف مبروك, وبالتوفيق دايما يارب.
مريم: متشكرة.
فتدخلت حياة وقد تعمدت أن تبدو علامات الغيظ على ملامحها وهي تقول لمريم: طب بتكلمي جوزي ليه بقا؟ هو مش المفروض انك مخصماني وبما ان وليد جوزي يبقا لازم تخاصميه هو كمان.
ثم نظرت بطرف عينيها ناحية وليد لترى وقع كلاماتها على وليد, وردة فعله على استعمال كلمة زوجي بسهولة مع صديقتها ولكنها لم لم ترى في عينيه سوى الرضا والابتسامة التي أحبتها, فشعرت بالارتياح وهي تسمع مريم تقول لها مغيظة: انا قولت اني زعلانة منك انتي, اما وليد دة بقا فأخوية وما ينفعش ازعل منه.
حياة: يعني هينفع انك تزعلي مني انا؟ وهو انا مش أختك انا كمان ولا ايه؟
فردت مريم نافية: لا طبعا ما ينفعش, ماهو يا انتي ياهو, لكن لو انتو الاتنين اخواتي فيبقا جوازكم دة لا يجوز يا هبلة, وانا بقا اخترت وليد, عشان هو اخ جدع, اما انتي بقا فندلة عشان تسيبيني النهاردة طول اليوم لوحدي واديكي اهو تقريبا جاية في نص الحفلة.
حياة معتذرة: لا, في دي بقا انتي معاكي حق, بس والله غصب عني يا مريومة. سماح المرادي بقا.
لم ترد مريم على الفور ولكن وقع نظرها على العلبة التي كانت في يد صديقتها فاختطفتها كالطفلة سريعا من بين يديها قبل أن تستطيع حياة منعها من ذلك, وقالت مريم وهي تهم بفك الشريط من عليها: الهدية دي عشاني مش كدة؟
حياة وهي تضرب كفا فوق كف متعجبة من طريقتها الطفولية: يا بنتي بطلي هبل بقا. المفروض انك بقيتي خلاص سيدة اعمال محترمة. الا صحيح فين هدى؟
مريم بعد أن قامت بفتح الهدية وهي تبدي إعجابها بالأسورة الجميلة التي أخرجتها من العلبة: مش رضيت تنزل, وقالت انها ما تعرفش حد وهتحس انها غريبة في وسط الضيوف وانا مش رضيت اضغط عليها وقولت اسيبها براحتها.
حياة: طيب انا هروح اطلعلها.
مريم: تحبي أجي معاكي؟
حياة: لا خليكي انتي شوفي ضيوفك.
وقبل أن تتحرك خطوة واحدة نظرت تلقائيا إلى وليد وكأنها تطلب منه الإذن, فقال لها مبديا موافقته: يبقا سلميلي عليها.
فهزت حياة رأسها في صمت ثم تركتهما وابتعدت متوجهة ناحية الدرج,وسأل وليد, وهو يجول بعينيه في أنحاء المكان: امال هو يوسف لسة ما جاش ولا ايه؟
فقالت مريم ساخرة وهي تنظر ناحية يوسف والذي كان لا يزال يقف بجوار جدها برفقة كل من ماهر وعلياء: هناك اهو, وواضح جدا انه مستمتع بصحبته.
التفت وليد حيث أشارت بعينيها وفهم ما ترمي إليه ولكنه لم يعلق عليه وقد ران الصمت لبعض الوقت وهما يراقبان المشهد من بعيد حيث كان يمسك ماهر بدفة الحديث وبدا انه يشرح لهم محتويات المحل الذي كانت مريم قد اشترطت أن يضم جزءا خاص بالمحجبات وقد وافق ماهر على الفور, و لاحظت مريم أن يوسف لا ينتبه لحديث ماهر بل كان يتطلع إليها هي بنظرات مبهمة ولكنها بعد لحظات تحولت إلى استهجان لم تفهم مريم سببه إلى أن سمعت ذلك الصوت الذي أصبح مألوفا لديها وهو يلقي بالتحية إليها وإلى وليد, فردت مريم على خالد الذي فوجئت برؤيته أمامها وبرفقته أخته التي تعرفت عيها سريعا حيث قد رأتها معه من قبل في المطعم الذي ذهبت إليه بصحبة يوسف وكان سببا للشجار بينهما, وحيتها مريم بود. فقدمت تلك الشابة لها هدية صغيرة وهي تقول بابتسامة واسعة: الف مبروك يا مدام مريم, وان شاء الله تبقا فتحة خير عليكي.
فقبلت منها مريم الهدية شاكرة وبدأت بتقديمهما إلى وليد والعكس فصافحه وليد بود وهو يقول: اهلا استاذ خالد. وبالرغم من انها جات متأخرة شوية الا اني احب أحييك على تمثيلك في مسرحية الجامعة.
خالد بدبلوماسية: متشكر لحضرتك. الحقيقة كل واحد في المسرحية قام بدوره على أكمل وجه وعشان كدة المسرحية خرجت بالشكل اللي حضرتك شوفته.
ثم أكمل وعيناه تنظران إلى مريم وتحملان الكثير من المعاني وهو يقول: ولو كان في حد فينا يستاهل الشكر فعلا فيبقا مدام مريم اللي برغم من ظروفها وظروف جدها في الوقت دة الا انها ما فكرتش تعتذر وكملت شغلها زي ما كان مطلوب ويمكن أحسن كمان والديكور طلع روعة.
وعندما أرادت مريم أن ترد على ثنائه ببعض الكلمات المهذبة وجدت غيرها قد سبقها إلى ذلك وقد أحاط خصرها بذراعه وهو يجذبها برفق إليه وكأنه يثبت بالبرهان لكل من حوله أنها ملكه هو, ومع ذلك خرج صوته طبيعيا وهو يرد على خالد: مراتي طول عمرها عنيدة وطالما أصرت انها هتعمل حاجة فبتعملها مهما كانت الظروف, مش كدة يا حبيبتي؟
لا تعلم إن كانت كلامته تمتدحها أم تذمها؟ ولكنها قررت أن اعتراضها سيثير الكثير من المشاكل التي هي في غنى عنها, فأومأت برأسها بصمت وهي ترى علامات الاستياء على وجه خالد صلاح وتساءلت لم اختار يوسف تلك اللحظة بالذات ليقترب منهم؟ وكيف لم تره قادما نحوهم وهو لم يغب عن نظرها سوى بعض الللحظات؟ كما انها لا تعلم الدافع لتصرفه على هذا النحو. فهل هي لعبة جديدة يهدف بها الى مكسب آخر سيجنيه من وراءها؟ حقا لا تعلم, ولكن ما تعلمه جيدا أنها لن تسمح لآي شخص مهما كان أن يتلاعب بها مجددا حتى وان كان يوسف جلال نفسه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
عاد وليد وحياة إلى شقتهما تقريبا عند منتصف الليل , فقالت حياة والابتسامة لا تزال على وجهها: الحفلة كانت روعة بصراحة, ومريم قدرت تكسب كم زبونة كويسة كدة منها, حقيقي هي تستاهل كل خير وربنا يباركلها.
فخرج صوت وليد ليعلن عما يشغل باله في تلك اللحظة ويفصح عن القلق الذي يشعر به: بس الجو اتكهرب في الآخر.
فقالت حياة وكانت تجهل ما حدث غيابها: ليه بقا؟ دة انا حتى لما نزلت ولقيت يوسف واقف معاكم حمدت ربنا وقولت ان الامور خلاص بدأت تتصلح بينه وبين مريم.
وليد وهو ينزع عنه سترته: طول ما الحرباية اللي اسمها علياء دي لسة في حياة يوسف يبقا مفيش حاجة هتتصلح واللي عقد الموضوع اكتر ظهور اللي اسمه خالد صلاح دة, انا مش عارف هو ايه بس اللي كان جابه الحفلة؟
حياة مندفعة: اصله لما سأل مريم عن سبب تغيبها من الجامعة وقالتله انها بتستعد لافتتاح مشروعها, فأحرجت وعزمته.
وليد بعصبية: وانتي عرفتي الكلام دة منين؟
حياة: ماهو انا كنت واقفة مع مريم لما شافنا وكلمنا.
بدأت عيناه تلتمعان من الغضب وهو يسألها وفي صوته رنة معينة لم تفهمها في البداية: وياترى بقا هو متعود ان كل ما يشوف واحدة فيكم في الكلية يقف معاها ويكلمها؟
حياة بحذر وقد ملأ الخوف قلبها وهي تحاول أن تخفي الارتعاش في صوتها: قصدك ايه يعني؟
وليد وقد بدأ يفقد أعصابه: قصدي كان واضح يا هانم. وان كنتي مش قادرة تفهميه فاسمحيلي أفهمك كويس.
حياة: تفهمني ايه؟
وليد بتهديد لم تجد حياة صعوبة من اكتشافه بنبرة صوته: افهمك انك بقيتي مراتي وشايلة اسمي وسمعتي واللي مش هسمحلك انك تهينيهم طول مانا عايش.
حياة وقد أوشكت على البكاء: وانا كنت عملت ايه يعني عشان تقولي الكلام دة؟ مش هو اللي جه ووقف معانا؟ كنت هعمل ايه يعني, اسيبهم وامشي؟
وليد: ايوة يا حياة, كنتي تاخدي صاحبتك وتستأذنوا وتمشوا هو دة الصح واللي كان المفروض انه يحصل, لكن انتي بقا تلقاكي ما صدقتي وقعدتي تتكلمي وتهزري وانتي ولا على بالك انك واقفة مع واحد غريب مشكوك اصلا في سلامة نواياه ودة اللي كان واضح اوي وهو بيبص لمريم النهاردة والله اعلم كان بيبصلك انتي ساعتها ازاي؟
لم تجب حياة بلسانها بل تولت الدموع تلك المهمة التي قد أدتها وبإخلاص شديد وهو ما لم يكن بالجديد عليها, فلطالما ذرفت الدموع بسبب اهاناته وجرحه لها في أغلب المناسبات ولكنها لم تعد تحتمل, لذلك كفكفت دموعها بكفيها سريع وقالت له بوجه جامد وصوت قوي مناقضا لذلك الوهن الذي أصابها: طلقني يا وليد.
لم يبد على وليد بأنه قد تأثر ولو قليلا بطلبها وكأنه لم يسمعها فحاولت أن تعيده وبنبرة أعلى ولكنه سبقه وهو يشير إليها بالرحيل ولم يبد على وجهه أي تعبير: ادخلي اوضتك ونامي يا حياة.
أبتلك البساطة يتعامل مع طلبها؟ ألهذه الدرجة يستخف برأيها ورغباتها؟ ولكنها لن تستسلم هذه المرة, فلقد اتخذت قرارا وتنوي تنفيذه مهما كلفها الأمر لذلك قالت بتحدي: انا لو دخلت اوضتي دلوقت, فهدخل بس عشان ألم هدومي.
وليد ساخرا: دة انتي مصممة بقا!
فردت حياة وقد أصاب الوهن عزيمتها ولكنها حاولت أن تبقي صوتها قويا كما هو عندما قالت: ايوة مصممة, ومفيش أي حاجة ممكن تخليني أتراجع.
وليد بتحدي مماثل: بس انا مش هطلقك يا حياة لا دلوقت ولا بعدين.
فقالت حياة وقد أثارها تحديه كثيرا فلم تفلح في ضبط انفعالها: طب ليه؟ ايه اللي مخليك متمسك بيا للدرجة دي؟
وليد: افتكر اننا فتحنا الموضوع دة اكتر من مرة, والكلام فيه خلاص انتهى.
حياة باصرار: لا يا وليد, ما انتهاش, لاني مش مصدقة ولا كلمة من اللي انت قولتها.
وليد بهدوء ونبرة عادية وكأنها تحدثه في أمر لا يعنيهما: وهو ايه بقا اللي انتي مش قادرة تصدقيه؟
حياة: عاوزة اعرف السبب الحقيقي اللي خلاك تتجوزني واللي هو بردو اكيد نفس السبب اللي مخليك متمسك بيا لحد دلوقت وبلاش تقولي زي كل مرة انك عملت كدة عشان انت عاوزني لانك لحد دلوقت ما عملتش اي حاجة تثبت ان كلامك دة حقيقي.
لم تكن تعي بأنها قد تمادت كثيرا في غضبها الذي جعلها تتفوه بكلام كانت تعلم بأنها ستندم عليها فيما بعد, وقد أدركت ذلك فقط عندما جذبها نحوه بشدة لتلتصق به ثم ركز نظراته اللاهية على عينيها المذعوة وهو يسألها: أفهم من كلامك دة ان دي دعوة صريحة ليا عشان أطالب بحقوقي؟ بس يا ترى بقا انتي مستعدة لدة فعلا؟
فتلعثمت حياة وهي تقول وقد سلبت منها المفاجأة كل قواها ووسائلها في الدفاع أو المقاومة: انا ما كنتش أقصد, انا بس كنت............
وقبل ان تتم جملتها وجدت نفسها طليقة مرة أخرى بعد أن أفلتها وليد وقد أشاح بوجهه عنها وهو يقول لها بلهجة تحذيرية: ادخلي نامي يا حياة وياريت ما تقوليش أي كلمة تاني غير لما تكوني مستعدة كويس اوي انك تتحملي نتايجها.
لم تعارضه حياة كما فعلت منذ قليل, بل انها كانت تنتظر طلبه هذا لتبتعد عنه بسرعة قبل أن تخونها قدماها كي تنفرد بنفسها قليلا وتفكر في ذلك التغير الطفيف الذي قد طرأ على علاقتها بوليد, فلأول مرة منذ زواجها يبدي رغبته في اتمام زواجهما.
الحلقة التاسعة والعشرون
*رصاصة في الصدر*
في حفل الافتتاح الذي اقيم بفيللا عبدالرءوف الكامل والذي أشرف على إعداده كل من ماهر ومريم, وكما أخبر ماهر علياء وعماد فهو بالفعل الذي تولى بدعوة الضيوف لأن علاقاته الاجتماعية كثيرة ومتشعبه بحكم عمله مع عبدالرءوف الكامل من جهة ومع والده من جهة أخرى, وقد كان الحفل شبه مكتمل وقام ماهر بتقديم مريم إلى العديد من سيدات الأعمال وكذلك زوجات رجال الأعمال الكثيرين, كانت مريم تبدو سعيدة بذلك التغيير الذي طرأ على حياتها والذي بدأ ينسيها إلى حد كبير بعض همومها.
أما خارج الفيللا فنجد علياء تجلس في سيارتها التي قد ركنتها أمام الفيللا منذ ما يقرب من ربع الساعة ولكنها لم تبد أي استعدادا لمغادرتها حتى أنها لم تطفىء محركها وكأنها تنتظر شيئا ما, إلى أن جاءت اللحظة التي تنتظرها حيث تراءت لها في مرآة السيارة الخلفية سيارة يوسف القادمة نحوها وقد اختارت ذلك الوقت بالذات لتطفىء المحرك وتخرج من السيارة بكل ثقة وهدوء وكان يوسف قد أوقف سيارته بالقرب منها, ثم ترجل منها وحياها بابتسامته الساحرة, فأبدت علياء بعض الدهشة لرؤيته وسألته: معقول يا يوسف انت لسة جاي؟ دة انا افتكرت انك جوة مع مراتك من بداية الحفلة.
يوسف: لا يا ستي, انتي النهاردة ممكن تعتبريني ضيف عادي زيي زيك بالظبط.
علياء وقد رسمت على وجهها علامات الحيرة وعدم استيعاب ما يقول: ازاي دة؟
يوسف وهو يتجنب الدخول في تفاصيل: يعني, اصل حصل بين وبين مريم تاتش كدة فخلاها تسيب البيت وتيجي تقعد عند جدها.
علياء: بقا عشان كدة هي عملت الحفلة هنا؟ انا بردو استغربت لما الدعوة جاتلي ومكتوب عليها فيللا عبدالرءوف الكامل, طيب تحب اتدخل؟
يوسف شاكرا اياها بلطف: لا بلاش. المهم هو فين يوسف خطيبك؟
علياء متصنعة الحزن: ما رضيش ييجي يا سيدي وعمل فيها زعلان علشان يعني الدعوة كانت موجهالي انا مش ليه هو. وانا كمان ما كنتش هاجي بس قولت انك ممكن تزعل ما كنتش أعرف ان العلاقة بينك وبين مراتك وصلت للدرجادي.
ثم أكملت بدلال وهي تميل نحوه: تسمحلي بقا ندخل مع بعض وانا ايدي في دراعك. اصل بصراحة مش عاوزة ادخل لوحدي.
فقدم لها يوسف ذراعه وهو يقول مبتسما: يا سلام! وانا أطول؟ دة يبقا شرف ليا.
ثم وضعت علياء يدها في ذراعه ليبدو لكل من يراهما كالعاشقين وهذا بالضبط ما كانت تريده علياء عندما أعربت عن طلبها.
وبالفعل دخلا سويا الفيللا حيث كان الحفل في الداخل بالطابق الأرضي, وكانت مريم تجول بين ضيوفها لتلبية طلبات ضيوفها والرد على أسئلتهم حين وقع نظرها على باب الفيللا لتراها متأبطة ذراعه بتملك ونظرات الرضا بادية على وجهه, اذن لم يعد يخامرها الشك في حجم العلاقة التي تربطهما والتي لم تنقطع حتى بزواجه من مريم تلك الزوجة المغفلة التي كانت في يوم ما تمني النفس بحياة سعيدة ستعيشها معه وإلى الأبد وهي لم يخطر ببالها أن موافقته على الزواج منها لم يكن الا لتيقنه بأن مصلحته هي التي كانت وراء ذلك الزواج الذي لم يدم لأكثر من ثلاثة شهور وها هو الأن يعود لماضيه مرة أخرى, ومن يعلم ما ينويه الآن؟ فهل يرغب في أن يتزوجها؟ أم أنه قد تزوجها بالفعل؟ فدخوله معها في ذلك الوضع الحميمي في حفلة هي التي أقامتها لا يفسر الا بتلك الطريقة, حسنا فلقد اختار طريقه وعليها هي أيضا أن تختار طريقها بعيدا عنه.
لم تكن مريم تعلم أنها خلال تلك الأفكار التي تزاحمت في عقلها دفعة واحدة, كانت تحدق فيهما بشكل واضح, إلى أن أدركت ذلك مؤخرا فأعرضت بنظرها عنهما ولكن بعد فوات الأوان حيث قد لاحظاها ولكنها لم تأبه للأمر واتجهت ناحية ماهر الذي كان يقف مع رجل أعمال أخر لم تتذكر مريم اسمه في تلك اللحظه فحيتهما في فتور واستأذنت منهما لتنتحي بماهر جانبا وهي تلومه بصوت مرتفع قليلا ينم على ما تشعر به من غضب: ايه اللي جاب اللي اسمها علياء دي هنا؟
ماهر ببساطة: انا. ليه؟ فيه أي مشكلة يا مريم؟
مريم: المشكلة اني ما كنتش عاوزاها تحضر.
ماهر: ليه بس؟
وعندما لمح الغضب يتأجج في عينيها, قرر احتوائها سريعا حتى لا تقوم بأي عمل متهور يفسد الحفل, فقال وهو يعمل على تهدئتها: شوفي با بنت خالي, اهم حاجة لازم تعرفيها عن عالم المال انك عشان تبقي سيدة أعمال ناجحة لازم تبطلي تخلطي بين حياتك الشخصية وشغلك, وانا واثق ان علياء دي هتفيدنا كتير في شغلنا.
لم يدخل كلامه قلبها ولكنه قد امتلك مفاتيح عقلها الذي اقتنع تماما بما يقول ماهر ثم تساءلت في نفسها: أليس ذلك هو المبدأ الذي يستخدمه يوسف بالفعل؟ وها هو الأن استطاع أن يثبت نفسه في مجال عمله لتصبح شركته من أكبر شركات المقاولات في البلد, اذا فلتستعمله هي الأخرى, ولكن ظل هاجس بداخلها يرفض التعامل مع يوسف أو تلك السيدة التي تدعى علياء, فقالت لماهر: ماشي يا ماهر انا ممكن أقبل وجودها هنا بس يا ريت ما تطلبش مني اني اتعامل معاها بشكل طبيعي لاني مش هقدر, ومن الاحسن اني ما اتعاملش معاها خالص.
ماهر مبتسما: خلاص يا ستي ولا يهمك. سيبيلي انا الموضوع دة, وعن اذنك بقا هروح ارحب بيهم, اديلهم فترة طويلة محدش مننا راح يستقبلهم.
فنظرت مريم باتجاههما ووجدت يوسف يميل على جدها الذي كان يجلس في أحد الأركان على كرسي مريح, ويهمس في أذنه ببضعة كلمات جعلته يبتسم وعلياء تأكلهما بعينيها وهي تتابع الحوار الدائر بينهما, فحولت مريم نظرها عنهما وهي تقول لماهر ساخرة مما تراه و في نفس الوقت مستنكرة موقف جدها من ذلك الشخص الذي بعد كل ما جرى لم يتغير موقفه منه وكأن يوسف ساحر بارع استطاع بمواهبه أن يسيطر على عقله تلك المهمة التي لم يفلح فيها غيره: لا ما تخافش, واضح ان جدو قايم بالواجب وزيادة.
ماهر: بس الحفلة دي بتاعتنا واحنا المضيفين ودي مهمتنا احنا مش مهمة جدي.
فهزت مريم رأسها تأييدا على كلامه, ثم تركها ماهر وتوجه إلى ضيفيه ورأته يرحب بهما بحرارة, وللحظة قصيرة التقت عيناها بعيني يوسف التي لمحت فيهما نظرات لائمة جعلتها في حيرة من أمرها وتتساءل من فيهما يحق له أن ينظر إلى الآخر بتلك النظرات؟
وبينما هي سارحة في أفكارها جاءها صوت تحبه من الخلف وكانت في أمس الحاجة لسماعه, فقالت لها حياة بصوت مرح وهي تحيط بكتفيها وتحمل في يدها علبة صغيرة قد تم تغليفها بعناية وبشكل أنيق: هو الجميل سايب ضيوفه وسرحان في ايه.
فأدارت مريم وجهها وهي تبتسم وتقول لصديقتها بعتاب: بس يا بت انتي, انا مخصماكي.
وعندما وقع نظرها على وليد الذي كان يقف بجوار زوجته رحبت به مريم وهي تقول: ازيك يا وليد, عامل ايه؟
وليد وقد افتر ثغره عن ابتسامة رقيقة: ازيك انتي يامريم, وألف مبروك, وبالتوفيق دايما يارب.
مريم: متشكرة.
فتدخلت حياة وقد تعمدت أن تبدو علامات الغيظ على ملامحها وهي تقول لمريم: طب بتكلمي جوزي ليه بقا؟ هو مش المفروض انك مخصماني وبما ان وليد جوزي يبقا لازم تخاصميه هو كمان.
ثم نظرت بطرف عينيها ناحية وليد لترى وقع كلاماتها على وليد, وردة فعله على استعمال كلمة زوجي بسهولة مع صديقتها ولكنها لم لم ترى في عينيه سوى الرضا والابتسامة التي أحبتها, فشعرت بالارتياح وهي تسمع مريم تقول لها مغيظة: انا قولت اني زعلانة منك انتي, اما وليد دة بقا فأخوية وما ينفعش ازعل منه.
حياة: يعني هينفع انك تزعلي مني انا؟ وهو انا مش أختك انا كمان ولا ايه؟
فردت مريم نافية: لا طبعا ما ينفعش, ماهو يا انتي ياهو, لكن لو انتو الاتنين اخواتي فيبقا جوازكم دة لا يجوز يا هبلة, وانا بقا اخترت وليد, عشان هو اخ جدع, اما انتي بقا فندلة عشان تسيبيني النهاردة طول اليوم لوحدي واديكي اهو تقريبا جاية في نص الحفلة.
حياة معتذرة: لا, في دي بقا انتي معاكي حق, بس والله غصب عني يا مريومة. سماح المرادي بقا.
لم ترد مريم على الفور ولكن وقع نظرها على العلبة التي كانت في يد صديقتها فاختطفتها كالطفلة سريعا من بين يديها قبل أن تستطيع حياة منعها من ذلك, وقالت مريم وهي تهم بفك الشريط من عليها: الهدية دي عشاني مش كدة؟
حياة وهي تضرب كفا فوق كف متعجبة من طريقتها الطفولية: يا بنتي بطلي هبل بقا. المفروض انك بقيتي خلاص سيدة اعمال محترمة. الا صحيح فين هدى؟
مريم بعد أن قامت بفتح الهدية وهي تبدي إعجابها بالأسورة الجميلة التي أخرجتها من العلبة: مش رضيت تنزل, وقالت انها ما تعرفش حد وهتحس انها غريبة في وسط الضيوف وانا مش رضيت اضغط عليها وقولت اسيبها براحتها.
حياة: طيب انا هروح اطلعلها.
مريم: تحبي أجي معاكي؟
حياة: لا خليكي انتي شوفي ضيوفك.
وقبل أن تتحرك خطوة واحدة نظرت تلقائيا إلى وليد وكأنها تطلب منه الإذن, فقال لها مبديا موافقته: يبقا سلميلي عليها.
فهزت حياة رأسها في صمت ثم تركتهما وابتعدت متوجهة ناحية الدرج,وسأل وليد, وهو يجول بعينيه في أنحاء المكان: امال هو يوسف لسة ما جاش ولا ايه؟
فقالت مريم ساخرة وهي تنظر ناحية يوسف والذي كان لا يزال يقف بجوار جدها برفقة كل من ماهر وعلياء: هناك اهو, وواضح جدا انه مستمتع بصحبته.
التفت وليد حيث أشارت بعينيها وفهم ما ترمي إليه ولكنه لم يعلق عليه وقد ران الصمت لبعض الوقت وهما يراقبان المشهد من بعيد حيث كان يمسك ماهر بدفة الحديث وبدا انه يشرح لهم محتويات المحل الذي كانت مريم قد اشترطت أن يضم جزءا خاص بالمحجبات وقد وافق ماهر على الفور, و لاحظت مريم أن يوسف لا ينتبه لحديث ماهر بل كان يتطلع إليها هي بنظرات مبهمة ولكنها بعد لحظات تحولت إلى استهجان لم تفهم مريم سببه إلى أن سمعت ذلك الصوت الذي أصبح مألوفا لديها وهو يلقي بالتحية إليها وإلى وليد, فردت مريم على خالد الذي فوجئت برؤيته أمامها وبرفقته أخته التي تعرفت عيها سريعا حيث قد رأتها معه من قبل في المطعم الذي ذهبت إليه بصحبة يوسف وكان سببا للشجار بينهما, وحيتها مريم بود. فقدمت تلك الشابة لها هدية صغيرة وهي تقول بابتسامة واسعة: الف مبروك يا مدام مريم, وان شاء الله تبقا فتحة خير عليكي.
فقبلت منها مريم الهدية شاكرة وبدأت بتقديمهما إلى وليد والعكس فصافحه وليد بود وهو يقول: اهلا استاذ خالد. وبالرغم من انها جات متأخرة شوية الا اني احب أحييك على تمثيلك في مسرحية الجامعة.
خالد بدبلوماسية: متشكر لحضرتك. الحقيقة كل واحد في المسرحية قام بدوره على أكمل وجه وعشان كدة المسرحية خرجت بالشكل اللي حضرتك شوفته.
ثم أكمل وعيناه تنظران إلى مريم وتحملان الكثير من المعاني وهو يقول: ولو كان في حد فينا يستاهل الشكر فعلا فيبقا مدام مريم اللي برغم من ظروفها وظروف جدها في الوقت دة الا انها ما فكرتش تعتذر وكملت شغلها زي ما كان مطلوب ويمكن أحسن كمان والديكور طلع روعة.
وعندما أرادت مريم أن ترد على ثنائه ببعض الكلمات المهذبة وجدت غيرها قد سبقها إلى ذلك وقد أحاط خصرها بذراعه وهو يجذبها برفق إليه وكأنه يثبت بالبرهان لكل من حوله أنها ملكه هو, ومع ذلك خرج صوته طبيعيا وهو يرد على خالد: مراتي طول عمرها عنيدة وطالما أصرت انها هتعمل حاجة فبتعملها مهما كانت الظروف, مش كدة يا حبيبتي؟
لا تعلم إن كانت كلامته تمتدحها أم تذمها؟ ولكنها قررت أن اعتراضها سيثير الكثير من المشاكل التي هي في غنى عنها, فأومأت برأسها بصمت وهي ترى علامات الاستياء على وجه خالد صلاح وتساءلت لم اختار يوسف تلك اللحظة بالذات ليقترب منهم؟ وكيف لم تره قادما نحوهم وهو لم يغب عن نظرها سوى بعض الللحظات؟ كما انها لا تعلم الدافع لتصرفه على هذا النحو. فهل هي لعبة جديدة يهدف بها الى مكسب آخر سيجنيه من وراءها؟ حقا لا تعلم, ولكن ما تعلمه جيدا أنها لن تسمح لآي شخص مهما كان أن يتلاعب بها مجددا حتى وان كان يوسف جلال نفسه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
عاد وليد وحياة إلى شقتهما تقريبا عند منتصف الليل , فقالت حياة والابتسامة لا تزال على وجهها: الحفلة كانت روعة بصراحة, ومريم قدرت تكسب كم زبونة كويسة كدة منها, حقيقي هي تستاهل كل خير وربنا يباركلها.
فخرج صوت وليد ليعلن عما يشغل باله في تلك اللحظة ويفصح عن القلق الذي يشعر به: بس الجو اتكهرب في الآخر.
فقالت حياة وكانت تجهل ما حدث غيابها: ليه بقا؟ دة انا حتى لما نزلت ولقيت يوسف واقف معاكم حمدت ربنا وقولت ان الامور خلاص بدأت تتصلح بينه وبين مريم.
وليد وهو ينزع عنه سترته: طول ما الحرباية اللي اسمها علياء دي لسة في حياة يوسف يبقا مفيش حاجة هتتصلح واللي عقد الموضوع اكتر ظهور اللي اسمه خالد صلاح دة, انا مش عارف هو ايه بس اللي كان جابه الحفلة؟
حياة مندفعة: اصله لما سأل مريم عن سبب تغيبها من الجامعة وقالتله انها بتستعد لافتتاح مشروعها, فأحرجت وعزمته.
وليد بعصبية: وانتي عرفتي الكلام دة منين؟
حياة: ماهو انا كنت واقفة مع مريم لما شافنا وكلمنا.
بدأت عيناه تلتمعان من الغضب وهو يسألها وفي صوته رنة معينة لم تفهمها في البداية: وياترى بقا هو متعود ان كل ما يشوف واحدة فيكم في الكلية يقف معاها ويكلمها؟
حياة بحذر وقد ملأ الخوف قلبها وهي تحاول أن تخفي الارتعاش في صوتها: قصدك ايه يعني؟
وليد وقد بدأ يفقد أعصابه: قصدي كان واضح يا هانم. وان كنتي مش قادرة تفهميه فاسمحيلي أفهمك كويس.
حياة: تفهمني ايه؟
وليد بتهديد لم تجد حياة صعوبة من اكتشافه بنبرة صوته: افهمك انك بقيتي مراتي وشايلة اسمي وسمعتي واللي مش هسمحلك انك تهينيهم طول مانا عايش.
حياة وقد أوشكت على البكاء: وانا كنت عملت ايه يعني عشان تقولي الكلام دة؟ مش هو اللي جه ووقف معانا؟ كنت هعمل ايه يعني, اسيبهم وامشي؟
وليد: ايوة يا حياة, كنتي تاخدي صاحبتك وتستأذنوا وتمشوا هو دة الصح واللي كان المفروض انه يحصل, لكن انتي بقا تلقاكي ما صدقتي وقعدتي تتكلمي وتهزري وانتي ولا على بالك انك واقفة مع واحد غريب مشكوك اصلا في سلامة نواياه ودة اللي كان واضح اوي وهو بيبص لمريم النهاردة والله اعلم كان بيبصلك انتي ساعتها ازاي؟
لم تجب حياة بلسانها بل تولت الدموع تلك المهمة التي قد أدتها وبإخلاص شديد وهو ما لم يكن بالجديد عليها, فلطالما ذرفت الدموع بسبب اهاناته وجرحه لها في أغلب المناسبات ولكنها لم تعد تحتمل, لذلك كفكفت دموعها بكفيها سريع وقالت له بوجه جامد وصوت قوي مناقضا لذلك الوهن الذي أصابها: طلقني يا وليد.
لم يبد على وليد بأنه قد تأثر ولو قليلا بطلبها وكأنه لم يسمعها فحاولت أن تعيده وبنبرة أعلى ولكنه سبقه وهو يشير إليها بالرحيل ولم يبد على وجهه أي تعبير: ادخلي اوضتك ونامي يا حياة.
أبتلك البساطة يتعامل مع طلبها؟ ألهذه الدرجة يستخف برأيها ورغباتها؟ ولكنها لن تستسلم هذه المرة, فلقد اتخذت قرارا وتنوي تنفيذه مهما كلفها الأمر لذلك قالت بتحدي: انا لو دخلت اوضتي دلوقت, فهدخل بس عشان ألم هدومي.
وليد ساخرا: دة انتي مصممة بقا!
فردت حياة وقد أصاب الوهن عزيمتها ولكنها حاولت أن تبقي صوتها قويا كما هو عندما قالت: ايوة مصممة, ومفيش أي حاجة ممكن تخليني أتراجع.
وليد بتحدي مماثل: بس انا مش هطلقك يا حياة لا دلوقت ولا بعدين.
فقالت حياة وقد أثارها تحديه كثيرا فلم تفلح في ضبط انفعالها: طب ليه؟ ايه اللي مخليك متمسك بيا للدرجة دي؟
وليد: افتكر اننا فتحنا الموضوع دة اكتر من مرة, والكلام فيه خلاص انتهى.
حياة باصرار: لا يا وليد, ما انتهاش, لاني مش مصدقة ولا كلمة من اللي انت قولتها.
وليد بهدوء ونبرة عادية وكأنها تحدثه في أمر لا يعنيهما: وهو ايه بقا اللي انتي مش قادرة تصدقيه؟
حياة: عاوزة اعرف السبب الحقيقي اللي خلاك تتجوزني واللي هو بردو اكيد نفس السبب اللي مخليك متمسك بيا لحد دلوقت وبلاش تقولي زي كل مرة انك عملت كدة عشان انت عاوزني لانك لحد دلوقت ما عملتش اي حاجة تثبت ان كلامك دة حقيقي.
لم تكن تعي بأنها قد تمادت كثيرا في غضبها الذي جعلها تتفوه بكلام كانت تعلم بأنها ستندم عليها فيما بعد, وقد أدركت ذلك فقط عندما جذبها نحوه بشدة لتلتصق به ثم ركز نظراته اللاهية على عينيها المذعوة وهو يسألها: أفهم من كلامك دة ان دي دعوة صريحة ليا عشان أطالب بحقوقي؟ بس يا ترى بقا انتي مستعدة لدة فعلا؟
فتلعثمت حياة وهي تقول وقد سلبت منها المفاجأة كل قواها ووسائلها في الدفاع أو المقاومة: انا ما كنتش أقصد, انا بس كنت............
وقبل ان تتم جملتها وجدت نفسها طليقة مرة أخرى بعد أن أفلتها وليد وقد أشاح بوجهه عنها وهو يقول لها بلهجة تحذيرية: ادخلي نامي يا حياة وياريت ما تقوليش أي كلمة تاني غير لما تكوني مستعدة كويس اوي انك تتحملي نتايجها.
لم تعارضه حياة كما فعلت منذ قليل, بل انها كانت تنتظر طلبه هذا لتبتعد عنه بسرعة قبل أن تخونها قدماها كي تنفرد بنفسها قليلا وتفكر في ذلك التغير الطفيف الذي قد طرأ على علاقتها بوليد, فلأول مرة منذ زواجها يبدي رغبته في اتمام زواجهما.
29= ج2 =
مر أسبوع على حفل الافتتاح وقد بدأ الجميع في محل الملابس يعملون بجد, و كانت مريم تبدي حماسا شديدا في إدارة المكان بمساعدة ماهر, حيث كان عملها بالمحل هو سلواها الوحيدة تمكن من شغل عقلها وإبعاد تفكيرها عن يوسف وما فعله بها, ولكنها كانت صريحة مع نفسها ولم تتمكن من الادعاء بأنها قد نسيته تماما وكان شاهدا على ذلك تلك الليالي التي لم تستطع فيها النوم بسببه وهي تفكر في مدى العلاقة التي أصبحت تربطه بعلياء.
اقترحت عليها هدى أن تعمل معها بالمحل في فترة ما بعد الظهر بعد أن تعود من الجامعة وقد وافقت مريم على الفور لاكتشافها حقيقة أن العمل هو العلاج الوحيد لبعض المشاكل والضغوط النفسية كالتي تعاني منها هدى, وبالفعل لقد أثبتت هدى قدرات متميزة في التعامل مع العملاء وكذلك كانت بارعة في المسائل المالية مما جعلها تعيد التفكير في نوعية دراستها إلى أن توصلت لقرار نهائي وهو أن تتجه لدراسة التجارة بدلا من الاعلام, وعندما اقترحت ذلك الأمر على يوسف و وليد قد وافقاها وشجعاها على ذلك , وبالفعل سحبت ورقها وقدمته لكلية التجارة, وفي أحد الأيام حيث كانت تقف في قسم المحجبات وقد جذبتها طرحة جميلة ولامعة من الشيفون كانت تتناسب مع كثيرا مع التنورة التي ترتديها, فأخذتها هدى ووقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها به بتردد ثم عقدت العزم وقامت بلف الطرحة حول وجهها, وقد حاولت تعديلها بكافة الطرق ولكن بدا لها الأمر في غاية الصعوبة حيث كانت المرة الأولى التي تحاول فيها ارتداء الحجاب وقد اختارت مريم تلك اللحظة بالذات لتدخل المكان , فابتسمت وهي تراقب تعثر هدى في محاولة تثبيت الطرحة بلا جدوى فاقتربت منها قليلا وهي تقول: مش هتثبت بالشكل دة.
أجفلت هدى لدى سماعها صوت مريم حيث قد فاجأها ظهورها وقالت متلعثمة وهي تحاول الاعتذار وتنتزع الطرحة من فوق رأسها وتهم بوضعها مكانها: انا اسفة, انا بس كنت عاوزة..........
وتاهت بقية الكلمات من عقلها فلم تعد تعلم ما السبب الذي يمكنها اختلاقه في ذلك الموقف, ولكن أخذت مريم الطرحة من يدها وجذبت هدى ناحية المرآة برفق وهي تقول لها: تعالي بس كدة, شوفي يا قمر الطرح الشيفون صعب انها تثبت لوحدها على الشعر عشان كدة هي محتاجة الأول بطانة قطن تحتها عشان تقدر تثبتها
ولم تنتظر مريم تعليق هدى حيث أسرعت وأحضرت البطانة التي تحدثت عنها والتي تتناسب مع الطرحة وبالفعل بدأت تساعدها في ارتداء الطرحة بعد أن عقدت شعرها الطويل إلى الخلف وعقصته على شكل كعكة كبيرة وعندما حاولت هدى أن تعترض وهي تقول: بس انا مش عاوزة البسها.
مريم مبتسمة: جربيها الأول وبعدين يبقا قرري.
وانتهت مريم من ذلك سريعا وأدارت وجه هدى ناحية المرآة وهي تقول لها بكلمات إطراء قد أكسبت هدى المزيد من الثقة بنفسها: شوفي لايقة عليكي ازاي؟ بجد بقا بقيتي زي القمر فيها.
فدققت هدى النظر إلى شكلها الجديد في المرآة وقد اعترفت بصحة كلام مريم ولكنها مازالت مترددة قليلا وهنا ظهر ماهر وهو يطرق الباب المفتوح للقسم, فانتهزت مريم الفرصة للقضاء على آخر اعتراضات هدى و قالت وهي تأذن لماهر بالدخول: تعالى يا ماهر وقولي بقا ايه رأيك في المفاجأة دي؟
فدخل ماهر وهو يفحص وجه هدى الذي قد ازداد براءة بالحجاب وزادته جاذبية حمرة الخجل التي علت وجهها وهو ينظر إليها ونظرات مريم تنتقل بينهما في صمت الذي وجدته قد طال أكثر من اللازم فقالت مداعبة ماهر: جرى ايه يا عم روميو؟ ما تتكلم ولا انت شغال silent النهاردة؟
فانتبه ماهر إلى كلام ابنة خاله وسألها: هه! كنتي بتقولي ايه يا مريم؟
مريم: كنت بقول ايه رأيك في الحجاب بتاع هدى.
ماهر دون أن يحول نظره عن هدى وهو يقول بصوت حالم: حلو, حلو أوي.
وعلمت مريم أن قصة جديدة بين عائلة الكامل وعائلة سليم على وشك أن تبدأ ولكن السؤال هنا هل يا ترى سيكون مصير تلك العلاقة هو الفشل كسابقتيها؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي إحدى الأمسيات التي غاب عنها القمر لتبدو الليلة حالكة الظلام في تلك الصحراء الشاسعة والتي لا يضيئها سوى مصابيح تلك السيارات التي كانت تقف على جانب الطريق بشكل يدعو للريبة ووقف بجانب السيارات كل من عماد وعلياء و كمال و رجل أخر طويل وذات جسم ممتلىء يبدو وكأنه أحد التجار بما يرتديه من عباءة واسعة يظهر من تحتها جلبابا فضفاضا, ويحيط بهم بعض الرجال المسلحين . بدأ كمال الحديث وهو يقول لذلك الرجل الغريب: أهلا يا معلم حمدان. ياترى فلوسك جاهزة؟
حمدان: جاهزة يا كمال بيه بس انت مش شايف ان عشرة مليون كتيرة اوي.
وهنا تدخل عماد وقال: احنا هنعيده تاني يا معلم حمدان؟ مانت شوفت البضاعة بنفسك وعارف انها تستاهل.
حمدان: هي من جهة تستاهل فتستاهل, بس بردو احنا كنا عشمانين فيكم حبتين, وخصوصا ان دة مش اول تعامل بيننا.
عماد: ماهو عشان دة مش اول تعامل بينا فانت طبعا عارف ان كلمتنا واحدة, دة غير ان الصنف دة جامد ومدام علياء ممكن تقولك بنفسها هو أد ايه مطلوب يعني ممكن تغلي زي مانت عاوز
حمدان: طب لما نشوف.
عماد: ياللا بقا ورينا فلوسك يا معلم.
فأشار حمدان بيده لبعض الرجال الذين يقفون خلفه, وقد أسرع اثنان منهم إليه وفي يد كل واحد منهما حقيبة صغيرة وضعاهما على مقدمة سيارة عماد كما أمرهما حمدان ثم تنحا جانبا مفسحين المجال له لتقدم من الحقيبتين وفتحهما وهو يقول لعماد: وادي الفلوس يا عماد بيه عشرة مليون بالتمام والكمال ولو تحب تعدهم مفيش مانع.
عماد مبتسما: عيب يا معلم, وهو احنا من امتى بنخون بعض؟
حمدان بامتنان: عشت يا عماد بيه, فين البضاعة بقا؟
فنظر عماد إلى كمان نظرة ذات معنى جعلت كمان يتجه إلى سيارته ليعود ومعه حقيبة متوسطة وضعها على فتحها أمام حمدان وقد كانت مليئة بأكياس من السم الأبيض المسمى هروين, فتقدم حمدان من كمال ليدقق النظر إلى البضاعة ثم قال باستحسان بعد أن حمل أحد الأكياس بيده وقربه إلى أنفه: كله ألسطة.
وقبل أن يتمكن حمدان من إعادة الكيس إلى الحقيبة أضيء المكان حولهم بمصابيح كبيرة وقد أحاط بهم العديد من رجال الشرطة شاهرين أسلحتهم, واقترب أحد الضباط من كمال و حمدان الذين قد سمرتهما المفاجأة كما كان الحال مع الجميع, فقال الضابط ساخرا: أهلا أهلا بالمعلم حمدان. كنت فين يا راجل من زمان؟ دوختنا وراك يا انت وكمال وعماد بيه, وكمان مدام علياء؟ يا محاسن الصدف, متجمعين في أراميدان إن شاء الله.
فقال حمدان وهو ينظر إلى الحقيبة التي كانت لاتزال في يد كمال: الحاجة دي مش بتاعتي يا سعادة البيه.
الضابط: الكلام دة بقا يبقا قوله في التحقيق, ياللا قدامي ع البوكس.
وقبل أن يتحرك أحدهم سمع الجميع صوت طلقات نارية تأتي من مكان مجهول جعلتهم جميعا ينبطحون على الأرض وبدأ تبادل إطلاق النار بين رجال الأمن ورجال العصابة الذين استغلوا الفرصة وحاولو الهرب وبعد فترة ليست بقليلة استطاع رجال الشرطة السيطرة على الوضع وقاموا بالقبض على كل رجال العصابة بما فيهم المعلم حمدان وكمال, ولكن لسوء الحظ قد تمكن عماد وعلياء من الهرب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي إحدى السيارات نجد عماد وعلياء يجلسان في المقعد الخلفي بها, بينما يتولى القيادة شخصا آخر ضخم الجسمان وبجانبه رجل بنفس حجمه تقريبا إلى أن توقفا أمام في مكان ناء أمام إحدى الفيللات التي بدا من هيكلها الخارجي وكأنها مهجورة ولكنها لم تكن كذلك بالفعل حيث فتح أحدهم الباب الرئيسي فور سماع صوت منبه السيارة, فقادها السائق إلى الداخل, وعلى الفور أغلق خلفهما الباب لنرى الحديقة بها بعض الرجال المسلحين الذين قد تم توزيعهم بحذر في جميع أنحاء الفيللا, وقبل أن يترجل عماد من السيارة قال لقائدها: كدة بقا يا ابو السباع انت عملت اللي عليك النهاردة.
فقال له الرجل بصوته الخشن: احنا دايما في الخدمة يا عماد بيه.
عماد: طب ماتنساش بقا معادنا بكرة
الرجل: عيب يا عماد بيه, انت عمرك طلبت مني حاجة وانا خذلتك؟
عماد: بصراحة لا, بس المرادي بقا لو نفذت المهمة دي صحة حلاوتك عندي هتبقا كبيرة اوي, اكبر مما تتصور.
الرجل: يا عماد بيه انت على طول خيرك مغرقنا, طب ايه رأيك بقا ان المرادي هتبقا مجاملة مني ليك.
فربت عماد على كتفه من الخلف وهو يقول: ادها وأدود يا ابو السباع, وانا مستني منك خبر بكرة.
الرجل: بكرة قبل الشمس ما تغيب هيجيلك خبره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان وليد يجلس مع أخيه يوسف في مكتبه بشركة المعمار ووليد يقول بضيق: فلت منها ابن اللذين.
يوسف: ما تقلقش, الجايات أكتر.
وليد: طب البوليس لحد دلوقت لسة ما عرفش مكانه لا هو ولا علياء؟
يوسف: لسة بيحققوا.
وليد ونبرة صوته محملة بالكره الشديد: امتى بقا نخلص منهم كلهم ونرتاح.
يوسف بهدوء: قريب جدا ان شاء الله.
ثم نهض يوسف استعدادا للانصراف وهو يقول لأخيه: ياللا بقا انت مش مروح ولا ايه؟
فنهض وليد بدوره وأمسك بيد أخيه وقد تردد قليلا قبل أن يقول له: طيب انت مش ناوي بقا تقول لمريم الحقيقة؟ بتهيئلي كفاية زعل لحد كدة.
يوسف بنبرة ألم: حتى لو عرفت دة مش هيغير أي حاجة.
وليد: طب ما تجرب.
يوسف: مش دلوقت يا وليد, ياللا بقا عشان انا ما نمتش من امبارح وتقريبا جعان نوم.
وليد: تنام ايه يا عم؟ والغدا اللي مستنيك في البيت, دي حياة غابت من الكلية مخصوص عشان تحضر للعزومة دي.
يوسف معتذرا: معلش اعفيني انا بقا ياوليد, وبالهنا والشفا ليكم.
وليد مصرا: لا يمكن. انت النهاردة هتتغدى معانا يعني هتتغدى معانا, دة خلاص قرار غير قابل للنقاش.
يوسف مستسلما: أمري لله ياللا بينا.
وخرج الأخوان جنبا إلى جنب يجذبان كل الأنظار برجولتيهما ووسامتهما التي يحسدهما عليها الكثيرون. ثم خرجا من الباب الرئيسي للشركة ليتوجها إلى سيارتيهما, وفي خلال ذلك نجد سبعاوي أو الملقب بأبو السباع يجلس في الكرسي الأمامي لسيارته وفي يده سلاحا وبجانبه نفس الشخص الذي كان برفقته أمس والذي يتولى هو قيادة السيارة اليوم, وعندما رأى سبعاوي وليد ويوسف يغادران الشركة قال لرفيقه: هو دة يا نمر ياللا اتحرك.
وبالفعل انطلق المدعو نمر بالسيارة باتجاه وليد ويوسف, وقد أعد سبعاوي سلاحه لإطلاق النار وأخرجه من نافذة السيارة, وعندما أصبحا على مسافة قريبة منهما ضغط سبعاوي على الزناد لتخرج منه رصاصة ذات صوت مدوي, ثم هرب الاثنان في لمح البصر دون أن يتسنى لأحد التحقق من السيارة أو صاحبيها. أو أن يصيبها أحد الأعيرة النارية التي انطلقت من أسلحة رجال الأمن بالشركة الذين كانوا يقفون خارج البوابة.
بالطبع لقد كان سبعاوي أحد القتلة المرتزقين المعروفين بدقة التصويب لذلك قد أصابت الرصاصة هدفها لتستقر في صدر يوسف من الناحية اليسرى, ورغم ذهول وليد إلا أنه قد استطاع أن يمسك بأخيه وهو يصرخ بصوت عال: يوسف.
ولكن لصدمته لم يستطع أن يحمله بل جلس به في الأرض ووضع رأسه على فخذه وهو يقول وقد أبت دموعه أن تبقى في محجرها فتساقطت من عينيه كالشلال: يوسف! رد عليا, رد عليا أرجوك.
واستطاع يوسف أن يفتح عينيه قليلا وهو يقول بصوت واهن وشبح ابتسامة يظهر على وجهه متحملا في سبيل ذلك الألم الفظيع الذي يشعر به: فاكر لما قولتلك وانت صغير لما أبونا مات اني مش عاوز أشوف دموعك دي تاني؟ ولا حتى عشاني يا وليد.
وبدل من أن تكون كلماته سببا لإيقاف دموعه فقد كانت السبب لزيادتها وهو يقول بصوت يخنقه الحزن: أنا ما عشتش مع أبويا أد ما عشت معاك يا يوسف, انت بالنسبالي الأب والأخ والصديق, انا مقدرش أعيش من غيرك.
يوسف وهو يجاهد ليخرج الكلمات: الحياة ما بتقفش على حد يا صاحبي, بس انت ما تتصورش سعادتي أد ايه عشان انت كنت آخر حد أشوفه قبل ما أموت.
فأسرع وليد يقول: لا يا يوسف, مش ممكن تموت دلوقت, انت فيه حاجات كتيرة لازم تعملها قبل ما تموت. نسيت مريم يا يوسف؟ انت لازم تعيش عشانها لو ما كنش عشاني أنا.
يوسف: مريم! يبقا ما تنساش تقولها تسامحني.
وليد: انت اللي هتقولها بنفسك يا يوسف, انت اللي لازم تعيش حياتك معاها. حياتك اللي انت مقدرتش تعيشها من غيرها.
ولم يستطع يوسف أن يرد على أخيه وقد ازداد ألمه ولم يتمكن من أن يمنع تلك الآهة التي خرجت من بين شفتيه والتي شعر وليد بأن روحه تخرج معها, فلقد كان يشعر بأن تلك الرصاصة قد اخترقت صدره هو وليس صدر أخيه ,فصرخ في كل المحيطين به وكان أغلبهم من العاملين بالشركة حيث انتقل إليهم الخبر بسرعة البرق: اسعاف, اتصلوا بالاسعاف حالا.
مر أسبوع على حفل الافتتاح وقد بدأ الجميع في محل الملابس يعملون بجد, و كانت مريم تبدي حماسا شديدا في إدارة المكان بمساعدة ماهر, حيث كان عملها بالمحل هو سلواها الوحيدة تمكن من شغل عقلها وإبعاد تفكيرها عن يوسف وما فعله بها, ولكنها كانت صريحة مع نفسها ولم تتمكن من الادعاء بأنها قد نسيته تماما وكان شاهدا على ذلك تلك الليالي التي لم تستطع فيها النوم بسببه وهي تفكر في مدى العلاقة التي أصبحت تربطه بعلياء.
اقترحت عليها هدى أن تعمل معها بالمحل في فترة ما بعد الظهر بعد أن تعود من الجامعة وقد وافقت مريم على الفور لاكتشافها حقيقة أن العمل هو العلاج الوحيد لبعض المشاكل والضغوط النفسية كالتي تعاني منها هدى, وبالفعل لقد أثبتت هدى قدرات متميزة في التعامل مع العملاء وكذلك كانت بارعة في المسائل المالية مما جعلها تعيد التفكير في نوعية دراستها إلى أن توصلت لقرار نهائي وهو أن تتجه لدراسة التجارة بدلا من الاعلام, وعندما اقترحت ذلك الأمر على يوسف و وليد قد وافقاها وشجعاها على ذلك , وبالفعل سحبت ورقها وقدمته لكلية التجارة, وفي أحد الأيام حيث كانت تقف في قسم المحجبات وقد جذبتها طرحة جميلة ولامعة من الشيفون كانت تتناسب مع كثيرا مع التنورة التي ترتديها, فأخذتها هدى ووقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها به بتردد ثم عقدت العزم وقامت بلف الطرحة حول وجهها, وقد حاولت تعديلها بكافة الطرق ولكن بدا لها الأمر في غاية الصعوبة حيث كانت المرة الأولى التي تحاول فيها ارتداء الحجاب وقد اختارت مريم تلك اللحظة بالذات لتدخل المكان , فابتسمت وهي تراقب تعثر هدى في محاولة تثبيت الطرحة بلا جدوى فاقتربت منها قليلا وهي تقول: مش هتثبت بالشكل دة.
أجفلت هدى لدى سماعها صوت مريم حيث قد فاجأها ظهورها وقالت متلعثمة وهي تحاول الاعتذار وتنتزع الطرحة من فوق رأسها وتهم بوضعها مكانها: انا اسفة, انا بس كنت عاوزة..........
وتاهت بقية الكلمات من عقلها فلم تعد تعلم ما السبب الذي يمكنها اختلاقه في ذلك الموقف, ولكن أخذت مريم الطرحة من يدها وجذبت هدى ناحية المرآة برفق وهي تقول لها: تعالي بس كدة, شوفي يا قمر الطرح الشيفون صعب انها تثبت لوحدها على الشعر عشان كدة هي محتاجة الأول بطانة قطن تحتها عشان تقدر تثبتها
ولم تنتظر مريم تعليق هدى حيث أسرعت وأحضرت البطانة التي تحدثت عنها والتي تتناسب مع الطرحة وبالفعل بدأت تساعدها في ارتداء الطرحة بعد أن عقدت شعرها الطويل إلى الخلف وعقصته على شكل كعكة كبيرة وعندما حاولت هدى أن تعترض وهي تقول: بس انا مش عاوزة البسها.
مريم مبتسمة: جربيها الأول وبعدين يبقا قرري.
وانتهت مريم من ذلك سريعا وأدارت وجه هدى ناحية المرآة وهي تقول لها بكلمات إطراء قد أكسبت هدى المزيد من الثقة بنفسها: شوفي لايقة عليكي ازاي؟ بجد بقا بقيتي زي القمر فيها.
فدققت هدى النظر إلى شكلها الجديد في المرآة وقد اعترفت بصحة كلام مريم ولكنها مازالت مترددة قليلا وهنا ظهر ماهر وهو يطرق الباب المفتوح للقسم, فانتهزت مريم الفرصة للقضاء على آخر اعتراضات هدى و قالت وهي تأذن لماهر بالدخول: تعالى يا ماهر وقولي بقا ايه رأيك في المفاجأة دي؟
فدخل ماهر وهو يفحص وجه هدى الذي قد ازداد براءة بالحجاب وزادته جاذبية حمرة الخجل التي علت وجهها وهو ينظر إليها ونظرات مريم تنتقل بينهما في صمت الذي وجدته قد طال أكثر من اللازم فقالت مداعبة ماهر: جرى ايه يا عم روميو؟ ما تتكلم ولا انت شغال silent النهاردة؟
فانتبه ماهر إلى كلام ابنة خاله وسألها: هه! كنتي بتقولي ايه يا مريم؟
مريم: كنت بقول ايه رأيك في الحجاب بتاع هدى.
ماهر دون أن يحول نظره عن هدى وهو يقول بصوت حالم: حلو, حلو أوي.
وعلمت مريم أن قصة جديدة بين عائلة الكامل وعائلة سليم على وشك أن تبدأ ولكن السؤال هنا هل يا ترى سيكون مصير تلك العلاقة هو الفشل كسابقتيها؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي إحدى الأمسيات التي غاب عنها القمر لتبدو الليلة حالكة الظلام في تلك الصحراء الشاسعة والتي لا يضيئها سوى مصابيح تلك السيارات التي كانت تقف على جانب الطريق بشكل يدعو للريبة ووقف بجانب السيارات كل من عماد وعلياء و كمال و رجل أخر طويل وذات جسم ممتلىء يبدو وكأنه أحد التجار بما يرتديه من عباءة واسعة يظهر من تحتها جلبابا فضفاضا, ويحيط بهم بعض الرجال المسلحين . بدأ كمال الحديث وهو يقول لذلك الرجل الغريب: أهلا يا معلم حمدان. ياترى فلوسك جاهزة؟
حمدان: جاهزة يا كمال بيه بس انت مش شايف ان عشرة مليون كتيرة اوي.
وهنا تدخل عماد وقال: احنا هنعيده تاني يا معلم حمدان؟ مانت شوفت البضاعة بنفسك وعارف انها تستاهل.
حمدان: هي من جهة تستاهل فتستاهل, بس بردو احنا كنا عشمانين فيكم حبتين, وخصوصا ان دة مش اول تعامل بيننا.
عماد: ماهو عشان دة مش اول تعامل بينا فانت طبعا عارف ان كلمتنا واحدة, دة غير ان الصنف دة جامد ومدام علياء ممكن تقولك بنفسها هو أد ايه مطلوب يعني ممكن تغلي زي مانت عاوز
حمدان: طب لما نشوف.
عماد: ياللا بقا ورينا فلوسك يا معلم.
فأشار حمدان بيده لبعض الرجال الذين يقفون خلفه, وقد أسرع اثنان منهم إليه وفي يد كل واحد منهما حقيبة صغيرة وضعاهما على مقدمة سيارة عماد كما أمرهما حمدان ثم تنحا جانبا مفسحين المجال له لتقدم من الحقيبتين وفتحهما وهو يقول لعماد: وادي الفلوس يا عماد بيه عشرة مليون بالتمام والكمال ولو تحب تعدهم مفيش مانع.
عماد مبتسما: عيب يا معلم, وهو احنا من امتى بنخون بعض؟
حمدان بامتنان: عشت يا عماد بيه, فين البضاعة بقا؟
فنظر عماد إلى كمان نظرة ذات معنى جعلت كمان يتجه إلى سيارته ليعود ومعه حقيبة متوسطة وضعها على فتحها أمام حمدان وقد كانت مليئة بأكياس من السم الأبيض المسمى هروين, فتقدم حمدان من كمال ليدقق النظر إلى البضاعة ثم قال باستحسان بعد أن حمل أحد الأكياس بيده وقربه إلى أنفه: كله ألسطة.
وقبل أن يتمكن حمدان من إعادة الكيس إلى الحقيبة أضيء المكان حولهم بمصابيح كبيرة وقد أحاط بهم العديد من رجال الشرطة شاهرين أسلحتهم, واقترب أحد الضباط من كمال و حمدان الذين قد سمرتهما المفاجأة كما كان الحال مع الجميع, فقال الضابط ساخرا: أهلا أهلا بالمعلم حمدان. كنت فين يا راجل من زمان؟ دوختنا وراك يا انت وكمال وعماد بيه, وكمان مدام علياء؟ يا محاسن الصدف, متجمعين في أراميدان إن شاء الله.
فقال حمدان وهو ينظر إلى الحقيبة التي كانت لاتزال في يد كمال: الحاجة دي مش بتاعتي يا سعادة البيه.
الضابط: الكلام دة بقا يبقا قوله في التحقيق, ياللا قدامي ع البوكس.
وقبل أن يتحرك أحدهم سمع الجميع صوت طلقات نارية تأتي من مكان مجهول جعلتهم جميعا ينبطحون على الأرض وبدأ تبادل إطلاق النار بين رجال الأمن ورجال العصابة الذين استغلوا الفرصة وحاولو الهرب وبعد فترة ليست بقليلة استطاع رجال الشرطة السيطرة على الوضع وقاموا بالقبض على كل رجال العصابة بما فيهم المعلم حمدان وكمال, ولكن لسوء الحظ قد تمكن عماد وعلياء من الهرب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي إحدى السيارات نجد عماد وعلياء يجلسان في المقعد الخلفي بها, بينما يتولى القيادة شخصا آخر ضخم الجسمان وبجانبه رجل بنفس حجمه تقريبا إلى أن توقفا أمام في مكان ناء أمام إحدى الفيللات التي بدا من هيكلها الخارجي وكأنها مهجورة ولكنها لم تكن كذلك بالفعل حيث فتح أحدهم الباب الرئيسي فور سماع صوت منبه السيارة, فقادها السائق إلى الداخل, وعلى الفور أغلق خلفهما الباب لنرى الحديقة بها بعض الرجال المسلحين الذين قد تم توزيعهم بحذر في جميع أنحاء الفيللا, وقبل أن يترجل عماد من السيارة قال لقائدها: كدة بقا يا ابو السباع انت عملت اللي عليك النهاردة.
فقال له الرجل بصوته الخشن: احنا دايما في الخدمة يا عماد بيه.
عماد: طب ماتنساش بقا معادنا بكرة
الرجل: عيب يا عماد بيه, انت عمرك طلبت مني حاجة وانا خذلتك؟
عماد: بصراحة لا, بس المرادي بقا لو نفذت المهمة دي صحة حلاوتك عندي هتبقا كبيرة اوي, اكبر مما تتصور.
الرجل: يا عماد بيه انت على طول خيرك مغرقنا, طب ايه رأيك بقا ان المرادي هتبقا مجاملة مني ليك.
فربت عماد على كتفه من الخلف وهو يقول: ادها وأدود يا ابو السباع, وانا مستني منك خبر بكرة.
الرجل: بكرة قبل الشمس ما تغيب هيجيلك خبره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان وليد يجلس مع أخيه يوسف في مكتبه بشركة المعمار ووليد يقول بضيق: فلت منها ابن اللذين.
يوسف: ما تقلقش, الجايات أكتر.
وليد: طب البوليس لحد دلوقت لسة ما عرفش مكانه لا هو ولا علياء؟
يوسف: لسة بيحققوا.
وليد ونبرة صوته محملة بالكره الشديد: امتى بقا نخلص منهم كلهم ونرتاح.
يوسف بهدوء: قريب جدا ان شاء الله.
ثم نهض يوسف استعدادا للانصراف وهو يقول لأخيه: ياللا بقا انت مش مروح ولا ايه؟
فنهض وليد بدوره وأمسك بيد أخيه وقد تردد قليلا قبل أن يقول له: طيب انت مش ناوي بقا تقول لمريم الحقيقة؟ بتهيئلي كفاية زعل لحد كدة.
يوسف بنبرة ألم: حتى لو عرفت دة مش هيغير أي حاجة.
وليد: طب ما تجرب.
يوسف: مش دلوقت يا وليد, ياللا بقا عشان انا ما نمتش من امبارح وتقريبا جعان نوم.
وليد: تنام ايه يا عم؟ والغدا اللي مستنيك في البيت, دي حياة غابت من الكلية مخصوص عشان تحضر للعزومة دي.
يوسف معتذرا: معلش اعفيني انا بقا ياوليد, وبالهنا والشفا ليكم.
وليد مصرا: لا يمكن. انت النهاردة هتتغدى معانا يعني هتتغدى معانا, دة خلاص قرار غير قابل للنقاش.
يوسف مستسلما: أمري لله ياللا بينا.
وخرج الأخوان جنبا إلى جنب يجذبان كل الأنظار برجولتيهما ووسامتهما التي يحسدهما عليها الكثيرون. ثم خرجا من الباب الرئيسي للشركة ليتوجها إلى سيارتيهما, وفي خلال ذلك نجد سبعاوي أو الملقب بأبو السباع يجلس في الكرسي الأمامي لسيارته وفي يده سلاحا وبجانبه نفس الشخص الذي كان برفقته أمس والذي يتولى هو قيادة السيارة اليوم, وعندما رأى سبعاوي وليد ويوسف يغادران الشركة قال لرفيقه: هو دة يا نمر ياللا اتحرك.
وبالفعل انطلق المدعو نمر بالسيارة باتجاه وليد ويوسف, وقد أعد سبعاوي سلاحه لإطلاق النار وأخرجه من نافذة السيارة, وعندما أصبحا على مسافة قريبة منهما ضغط سبعاوي على الزناد لتخرج منه رصاصة ذات صوت مدوي, ثم هرب الاثنان في لمح البصر دون أن يتسنى لأحد التحقق من السيارة أو صاحبيها. أو أن يصيبها أحد الأعيرة النارية التي انطلقت من أسلحة رجال الأمن بالشركة الذين كانوا يقفون خارج البوابة.
بالطبع لقد كان سبعاوي أحد القتلة المرتزقين المعروفين بدقة التصويب لذلك قد أصابت الرصاصة هدفها لتستقر في صدر يوسف من الناحية اليسرى, ورغم ذهول وليد إلا أنه قد استطاع أن يمسك بأخيه وهو يصرخ بصوت عال: يوسف.
ولكن لصدمته لم يستطع أن يحمله بل جلس به في الأرض ووضع رأسه على فخذه وهو يقول وقد أبت دموعه أن تبقى في محجرها فتساقطت من عينيه كالشلال: يوسف! رد عليا, رد عليا أرجوك.
واستطاع يوسف أن يفتح عينيه قليلا وهو يقول بصوت واهن وشبح ابتسامة يظهر على وجهه متحملا في سبيل ذلك الألم الفظيع الذي يشعر به: فاكر لما قولتلك وانت صغير لما أبونا مات اني مش عاوز أشوف دموعك دي تاني؟ ولا حتى عشاني يا وليد.
وبدل من أن تكون كلماته سببا لإيقاف دموعه فقد كانت السبب لزيادتها وهو يقول بصوت يخنقه الحزن: أنا ما عشتش مع أبويا أد ما عشت معاك يا يوسف, انت بالنسبالي الأب والأخ والصديق, انا مقدرش أعيش من غيرك.
يوسف وهو يجاهد ليخرج الكلمات: الحياة ما بتقفش على حد يا صاحبي, بس انت ما تتصورش سعادتي أد ايه عشان انت كنت آخر حد أشوفه قبل ما أموت.
فأسرع وليد يقول: لا يا يوسف, مش ممكن تموت دلوقت, انت فيه حاجات كتيرة لازم تعملها قبل ما تموت. نسيت مريم يا يوسف؟ انت لازم تعيش عشانها لو ما كنش عشاني أنا.
يوسف: مريم! يبقا ما تنساش تقولها تسامحني.
وليد: انت اللي هتقولها بنفسك يا يوسف, انت اللي لازم تعيش حياتك معاها. حياتك اللي انت مقدرتش تعيشها من غيرها.
ولم يستطع يوسف أن يرد على أخيه وقد ازداد ألمه ولم يتمكن من أن يمنع تلك الآهة التي خرجت من بين شفتيه والتي شعر وليد بأن روحه تخرج معها, فلقد كان يشعر بأن تلك الرصاصة قد اخترقت صدره هو وليس صدر أخيه ,فصرخ في كل المحيطين به وكان أغلبهم من العاملين بالشركة حيث انتقل إليهم الخبر بسرعة البرق: اسعاف, اتصلوا بالاسعاف حالا.