اخر الروايات

رواية غريبة في عالمك الفصل الثلاثون 30 والاخير بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل الثلاثون 30 والاخير بقلم رحاب حلمي


30= الاخيرة = ج 1=

الحلقة الأخيرة

*معك وللأبد*

إذا فارقك حبيب باختياره, عندها تشعر بالمعنى الحقيقي لمفارقة الروح للجسد وعندها تفعل كل ما بوسعك حتى تلغي هذا القرار أو على الأقل تعمل على تأجيل لحظة الفراق, ولكن ماذا إن كان هذا الفراق ليس إختيارا؟ ماذا إن فرض عليكم هذا الفراق ماهو أقوى منك ومنه؟
الموت هو عدو كل المحبين ومحب كل الأعداء, فماذا إن كان الموت هو الذي فرض عليكم الفراق؟ هل يمكنك أن تتحداه كما تتحدى أقصى الظروف قسوة وصعوبة؟ حتى وإن كنت تمتلك القوة الكافية لخوض هذا التحدي فما الفائدة وأنت على يقين بأنك ستكون الخاسر لا محالة؟!
إذن أيها الحبيب فهذه رسالتي إليك أدعوك فيها إلى الاستسلام لقلبك ولو لمرة واحدة دعه يحركك, فلم يعد لدينا المزيد من الوقت لذلك الجفاء الذي أصبح يقتلني, و أنا أمامك الأن أتنازل عن كبريائي وأعترف لك بحبي وبأنه لا يمكنني أن أعيش بدونك لحظات إضافية, حقا لا يمكنني ذلك. وسأكررها دائما وأمام العالم أجمع الذي لم يعد يهمني فيه أحد سواك. وها أنا أقف في انتظار اعترافك.
****************************

كانت مريم تقف في المحل تعلق بعض الثياب على الحاملة عندما جاءها صوت من الخلف يقول: مساء الخير.
فالتفتت مريم لترى خالد صلاح يقف أمامها وبجانبه أخته ليلى تلك الفتاة الهادئة والابتسامة التي لا تغادر وجهها فقالت مريم مرحبة: اهلا أستاذ خالد.
ثم صافحت ليلى بحرارة وهي تقول وقد اتفقتا على رفع الألقاب بينهما: عاملة ايه يا ليلى؟ وحشتيني.
ليلى بصدق: انتي أكتر والله يا مريم, المحل جميل جدا, ربنا يباركلك فيه. حقيقي خالد كان عنده حق لما وصاني أشتري فستان خطوبتي من هنا.
مريم: تسلمي يارب كلك ذوق, بس ايه دة؟ انتي اتخطبتي ولا ايه؟
ليلى: اه يا حبيبتي, قرينا الفاتحة, وان شاء الله الخطوبة الاسبوع الجاي.
مريم: ايه دة بجد؟
ثم حضنتها بسعادة وهي تقول: ألف مبروك يا حبيبتي , وربنا يتمملك بخير.
ليلى: الله يبارك فيكي يا قمر.
ثم أكملت بمزاح وهي تغمز لأخيها: مانا قولت بقا كفاية كدة. خالد هيعنس بسببي, اصله ما كنش راضي يتجوز الا لما يطمن على مستقبلي الأول, فأنا قولت بقا أكسب فيه ثواب وأوافق.
فردت مريم على مزاحها بالمثل: والله فيكي الخير, هو فعلا ابن حلال ويستاهل التضحية الكبيرة دي.
وبدا أن ليلى كانت تنتظر تلك الفرصة فاستغلت ما قالته مريم لتؤكد على كلامها وتقول بنبرة خاصة: اه والله يا مريم. هو ابن حلال أوي, ويا بخت اللي تكون من نصيبه.
شعرت مريم بالانزعاج بسبب الاتجاه الخطر الذي قد أل إليه الحديث وقررت أنه قد حان الوقت لاستبداله بموضوع أخر فقالت وهي تجذب ليلى من يدها: طب تعالي بقا انا افرجك على أحسن تشكيلة عندي.
فسحبت ليلى يدها برفق وهي تعتذر بتردد بعد أن تبادلت نظرة سريعة مع أخيها: لا يا حبيبتي خليكي انتي, انا عاوزة أخد جولة كدة لوحدي في المحل, اصلي ليا مواصفات خاصة في الفستان اللي هختاره ويمكن لوشفت حاجة أحسن اغير رأيي, وكمان مش عاوزة خالد يقعد لوحده اصل مش ليه في الحاجات الحريمي دي بس هو جه معايا عشان ما يسيبنيش لوحدي.
مريم مصرة حيث كانت تخشى أن تبقى مع خالد بمفردها لسبب تجهله رغم وجود العاملات في كل مكان بالمحل: ماهو يا حبيبتي عقبال ما استاذ خالد يشرب قهوته اللي هطلبهاله هنكون احنا خلصنا.
ولكن كانت ليلى أعند منها ولكن بطريقة خاصة لم تستطع مريم الاعتراض عليها: ايه دة يا مريم؟ انتي كدة هتقلقيني وتخليني أفتكر انك مش عاوزة تقعدي مع خالد. طب دة حتى أبيه خالد طيب أوي وما بيأذيش.
فقالت مريم وهي تحتوي الموقف سريعا: يا خبر, مين قال كدة؟ انا بس كنت بعرض مساعدتي, دة واجبي كصاحبة المحل.
ليلى وهي تهم بتركهما: مانا عارفة والله يا قمر, بس انا زبونة متعبة شوية عشان كدة بفضل اني اروح لوحدي, ياللا بقا اسيبكم وأبدأ مهمتي الصعبة وما تخافوش مش هأخر عليكم.
ثم رحلت ولكن لم يخف على مريم تلك الغمزة التي أرسلتها لأخيها قبل أن تتركهما, ولكنها تجاهلت ذلك واتجهت إلى مكتبها ودعت خالد إلى الجلوس أمامها, ثم قالت له بابتسمة متوترة: يا ترى قهوتك ايه بقا يا أستاذ خالد؟
خالد: لا, مفيش داعي.
مريم: مفيش داعي ازاي بقا؟ انت عاوز ليلى ترجع ما تلاقيش القهوة تتهمني بالبخل.
خالد ضاحكا: لا وعلى ايه؟ لو ضروري يعني يبقا خليها مظبوط.
فقالت مريم لتلك الفتاة العاملة التي كانت بالقرب منهما: لو سمحتي يا حنان اطلبي واحد قهوة مظبوط.
حنان: أمرك يا مدام مريم.
وذهبت حنان لإحضار القهوة, وبدا الجو متوترا من الصمت الذي طال, مما دعا مريم إلى أن تقول لمجرد فتح مجالا للحديث ليخفف من حدة التوتر: واضح ان العلاقة بين حضرتك وليلى قوية أوي لدرجة انك وافقت تيجي معاها مشوار زي دة مع ان كل الرجالة تقريبا ما بيكرهوش أد ان هما يلفوا مع بنت في المحلات.
خالد: ليلى دي هي الوحيدة الي ليا في الدنيا بعد وفاة ماما وبابا, وانا اللي شلت مسئوليتها بعدهم وبقت هي بتعتمد عليا في كل حاجة تقريبا.
مريم: ربنا يخليكم لبعض.
خالد: يارب.
ثم أكمل بنبرة خاصة جعلت مريم تشعر بمدى خطورتها: بس هي خلاص هتتجوز ويبقا ليها بيت وزوج وتبدأ بقا تستغنى عني, الحقيقة أنا لحد دلوقت مش عارف أقلم نفسي على اني أعيش لوحدي.
مريم: ما حضرتك كمان مسيرك تلاقي الانسانة المناسبة اللي تشاركك حياتك وما تبقاش مضطر انك تعيش لوحدك.
ودون أن تقصد مريم فقد أعطته الفرصة لأن يحدثها بتلقائية ويخبرها بما حاول أن يخفيه طوال تلك المدة منذ رآها لأول مرة, فبدأ يقول وقد شعر أخيرا بأن عقدة لسانه قد انحلت فانساب الكلام من فمه دون تفكير أو تردد: بصراحة بقا يا مريم, هو دة الموضوع اللي أنا كنت عاوز أكلمك فيه. انا من أول يوم شفتك فيه في الجامعة و أنا حسيت ان انتي فعلا الانسانة اللي عاوز اقضي معاها بقية حياتي, بس لما فكرت اعترفلك بدة كان فات الاوان وعرفت انك اتخطبتي ليوسف جلال, وكنت خلاص فقدت الأمل بس بعد ما عرضتوا عليا اني أكون معاكم في المسرحية اللي هتقدموها ومن خلال قربي منك أكتر حسيت أد ايه ان انتي مش سعيدة في جوازك وخصوصا إني كنت بسمع كتيرعن ماضي يوسف وان اللي زيه مش بتاع جواز واستقرار, وفي الفترة الأخيرة اتأكدت ان شكوكي كانت في محلها واللي أكدلي دة فعلا يوم الحفلة لما شفت هو أد ايه كان بيحاول يتجاهلك في الوقت اللي كانت فيه واحدة تانية مستحوذة على كل اهتمامه واللي سمعت بعد كدة انه ناوي يخطبها.
كانت مريم على علم بهذا الأمر فلقد وصلها هذا الخبر في اليوم التالي من الحفلة حيث كتبت الجرائد عن مدى العلاقة التي تربط يوسف بعلياء واستنتجت بأنهما على وشك الزواج, كما تذكرت أيضا ذلك الشجار الذي حدث بعد ذلك بينها وبين جدها وإصرارها على التعجيل بالطلاق, ولكن كالعادة كان لدى جدها الأسباب التي جعلتها تعدل عن رأيها وترضخ للرغبته وإن لم تكن مقتنعة.
أفاقت مجددا على كلام خالد الذي استمر يقول: انتي لازم كمان يا مريم تشوفي حياتك زي ماهو شاف حياته, لان مش من العدل ابدا انك توقفي حياتك على كدة في حين ان هو ولا على باله.
لم تحتمل مريم مزيدا من الألم الذي سببه كلام خالد والذي كانت تقر بصحته في داخلها ولكنها اعترضت وقد ارتفعت نبرة صوتها: أرجوك كفاية.
فأدرك خالد بأنه قد تمادى كثيرا لذا قال معتذرا: انا اسف يا مريم, بس انا مش قادر أشوفك بتتعذبي كدة أدامي وانا مش قادر أخفف عنك.
مريم راجية: أستاذ خالد أرجوك ما تنساش اني ست متجوزة وان الشخص اللي انت بتتكلم عليه دة لسة لحد دلوقت جوزي.
خالد: لحد امتى يا مريم؟
فاجأها سؤاله الغير متوقع ولكنها تعمدت وكأنها لم تفهم ما يعنيه: قصدك ايه؟
خالد بالحاح: قصدي لحد امتى هيستمر جوازكم ؟ لحد امتى هتقدري تستحملي الحياة بالشكل دة؟
ثم تغيرت نبرته إلى الرقة: مريم! انا مستعد اني استناكي وتأكدي ان سعادتك هتكون معايا بس اديني أي أمل يخليني أستنى.
وبالرغم من أن مريم كانت بحاجة ماسة إلى أن تسمع مثل هذا الكلام إلا أن خالد لم يكن الشخص الذي تتمنى أن يسمعها إياه, ولكنها لم تشأ أن تجرحه, فما الحل إذن؟ وكيف يمكنها أن تخبره بأنه رغم أنه على حق فيما يقول إلا أنها ليس باستطاعتها أن تتخيل نفسها إمرأة رجل أخر سوى يوسف ذلك الشخص الذي لم تذق معه حتى الآن سوى العذاب.
ولكن جاءتها النجدة من السماء حيث ظهر ماهر في تلك اللحظة فوفر عليها عناء الرد, وبسبب ارتباكها لم ترى آثار الحزن البادية على وجهه, بل نهضت مسرعة وهي تقول له: ماهر! كنت فين كل دة؟ انت ناسي ان عندنا شغل كتير النهاردة؟
وعندما لم تجد منه ردا بدأت تدقق النظر إليه, فقالت له وقد اجتاحها قلق عارم: فيه ايه يا ماهر؟ جدو حصله حاجة؟
فقال ماهر بكلمات متقطعة: جدي بخير.
لما تطمئنها كلماته بل قفزت سريعا إلى استنتاج آخر: يبقا عمتو, طمني هي مالها؟ انا سايبها الصبح كانت كويسة.
ماهر: ماما بخير يا مريم.
مريم بنفاذ صبر: أمال ايه اللي حصل؟
ماهر: يوسف يا مريم.
مريم بلهفة: ماله يوسف؟
ماهر: في المستشفى بتتعمله عملية وهو دلوقت بين الحياة والموت.
لم يكن في استطاعتها أن تتحمل مثل هذا الخبر, بل إنها لم تتمالك نفسها كي يمكنها أولا التحقق من الأمر, وفي لحظة واحدة سقطت على الأرض مغشيا عليها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ننتقل إلى المستشفى أمام حجرة العمليات لنجد الجميع يتشاركون مشاعر واحدة وهي القلق على حياة يوسف فمنهم وليد الذي يبكي بحرقة خوفا من فقدان أعز الناس على قلبه وبجواره زوجته التي تحاول أن تواسيه وهي التي كانت بحاجة إلى من يواسيها فهي تتعذب لعذابه, ومنهم عبدالرءوف الذي كان يجلس بالقرب منهما على أحد المقاعد بالمستشفى وهو يدعو الله أن يجنبهم تلك المصيبه فهو لن يتحمل فراق ولده الثاني وهو لايزال على قيد الحياة وبجواره ابنته التي كانت تقرأ في مصحف صغير بيدها بصوت منخفض عل السكينة تنزل على قلوبهم جميعا و يأتيهم خبر نجاته بعد قليل, وفي المقابل نرى هدى والتي كانت تبكي بصمت حتى احمرت عيناها من شدة البكاء.
وهنا ظهرت مريم التي كانت تقريبا تركض نحوهم والدموع تسبقها, وكان ماهر خلفها ويحث الخطى كي يمكنه اللحاق بها, وعندما اقتربت منهم أسرعت إلى جدها وهي تسأله بلهفة وصوت باك: فين يوسف يا جدو؟ ايه اللي حصله؟
فربت عبدالرءوف على كتفها وقال محاولا التماسك: ادعيله ربنا ينجيه يا بنتي.
فقالت مريم بقلب يكاد أن ينفطر: يارب يا جدو. يوسف مش ممكن يموت.
وهنا تحامل وليد على نفسه واقترب من مريم وهو يقول محاولا أن يبدو صوته ثابتا: لو سمحتي يا مريم عاوزك في كلمتين.
فنظرت إليه مريم بعينين تائهتين ثم سارت في إثره كالمغيبة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

: معقول اللي بتقوله دة يا وليد؟
لم يستطع عقلها أن يستوعب كل تلك المفاجآت دفعة واحدة فأرادت أن تتأكد أكثر لذلك سألت وليد الذي قد اختار غرفة الاستراحة ليخبرها بكل الأسرار التي كانت تخفى عليها: يعني انت عاوز تفهمني ان ما كنش فيه أي علاقة بتربط بين يوسف وعلياء؟
بالفعل كان هذا هو كل ما يهمها من كل ما سمعته منه, فقال وليد مؤكدا كلامه السابق: يا مريم يوسف بعد ما اتجوزك وهو معرفش ست غيرك, فبالرغم من كل عيوبه الا ان عمره ما كان خاين.
مريم: طب ليه ما حاولش يقولي؟
وليد: ما كنش ينفع, المهمة دي كانت سرية لأقصى حد ولولا انهم احتاجوني فيها انا كمان ما كنتش هعرف.
مريم: وياترى دة حصل امتى بالظبط يعني قبل جوازنا ولا بعده؟
وليد: يوسف قالي ان جدك كان شاكك من زمان في سلوك جوز عمتك, وكانت فيه شبهات كتير بتدور حوالين شغله وحس انه لفه ودوارانه عشان يمسك ادارة شركة الكامل كان مجرد انه عايزها تبقا ستارة لشغله المشبوه دة عشان كدة جدك اوكل بادارة شركته ليوسف وهو اللي قدر يكشف اللعبة وخصوصا بعد ما جند اللي اسمه محمد جمال دة اللي جوز عمتك كان مخليه جاسوس في شركة الكامل وهو بردو كان الشخص اللي حط أجهزة التسجيل في مكتب كمال وهدان واللي من خلاله احنا قدرنا نتوصل لكل الدلايل اللي ممكن تدينه وكان ما فاضلش غير انه يتمسك متلبس.
مريم: وعماد و علياء كانوا بيشتغلوا معاه؟
وليد: عماد هو اللي كان بيوردله المخدرات من برة وعلياء هي اللي كانت بتجيبلهم الزباين.
ثم أكمل ساخرا: وطبعا البركة كانت في شغلها اللي خلاها على علاقة بصفوة المجتمع من زوجات رجال الأعمال الفاضيين ومش لاقيين حاجة يعملوها فبيضيعوا وقتهم في تناول المخدرات.
مريم: وهما دلوقت اتقبض عليهم؟
عماد: للأسف يوسف قالي انهم قدروا يهربوا, وأكيد اللي حصله دة هما اللي وراه, بس اللي مجنني وهموت وأعرفه هما ازاي قدروا يكتشفوا ان يوسف هو السبب في القبض عليهم؟
لم تكن مريم بحاجة إلى سماع المزيد, فكل ما كان يشغل بالها الآن هو أنها قد ظلمت يوسف باتهامه بالخيانة من جهه و الجشع من جهة أخرى, يوسف الذي قد خاطر بحياته لإنقاذ جدها من خطر زوج عمتها, يوسف الذي أصبح الآن بين الحياة والموت, وقد تضاعف ألمها, فإن كانت قد سامحته فور علمها بخبر إصابته وهي على يقين بسوء نواياه, فكيف هو شعورها الأن بعد أن اكتشفت براءته من كل التهم المنسوبة إليه؟
علم وليد بأنها بحاجة لبعض الوقت كي تخلو بنفسها حتى يمكنها استيعاب كل تلك الصدمات التي انهالت عليها واحدة تلو الأخرى, فقرر الانسحاب من الغرفة بهدوء وقبل أن يصل إلى الباب وجد حياة وكانت تلهث من الجري وهي تقول بلهفة: وليد! مريم ! يوسف خرج من العمليات.
وعلى الفور ركض وليد خارج الحجر ومريم وحياة تحاولان اللحاق به.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في فيللا شاكر عزالدين وقد كان يسود الحزن أيضا ولكن من نوع آخر, وقالت الأم التي قد جفت عينيها من كثرة الدموع: انا مش قادرة أصدق, بقا عماد ابني اللي متربي على ايديا يتاجر في المخدرات؟
شاكر بنبرة عتاب كانت لنفسه أولا قبل أن تكون لزوجته: للأسف يا مديحة احنا اهتمينا بارضاء رغباته وبس أكتر من اننا نعلمه الحلال والحرام والصح والغلط, ولأنه كان ابننا الوحيد فكنا مش عاوزين نرفضله أي طلب ونتجاهل كل أخطائه ونعمل اننا مش شايفينها, ودة اللي خلاه يتمادى اكتر وأكتر لحد ما وصل للي وصله دة. يعني قبل ما نلومه هو احنا لازم نلوم نفسنا في الأول.
مديحة: طب وهو فين دلوقت؟
شاكر: معرفش, محدش عارف طريقه لحد دلوقت, والبوليس عمال يدور عليه ومش لاقيه.
مديحة: طب واحنا هنفضل ساكتين كدة؟ ماهو بردو ابننا يا شاكر واحنا لازم ندور عليه ونقومله أحسن محامي.
ثم نظرت إلى نهال والتي كانت تجلس في كرسيها ملتزمة الصمت: طب انتي يا بنتي ما تعرفيش هو ممكن يكون فين دلوقت؟ انتي مراته وأكيد عندك أي فكرة عن المكان اللي ممكن يكون مستخبي فيه.
وقبل أن تجيب نهال بلهجتها الجافة التي قد اعتادت عليها مديحة, فقد سمعوا صوت جرس الباب الذي تصاعد رنينه بشكل يكاد يصم الآذان, مما جعل شاكر ينفعل كثيرا وهو يصرخ في أحد الخدم الذي كان يتجه إلى الباب ليفتحه: ما بسرعة شوية يا عبدالجليل, وتشوف البني آدم اللي مش جايله صبر دة.
فأسرع عبد الجليل في سيره, وفتح الباب ليجد أحد الضباط أمامه وعلى مقربة منه وقف مجموعة من العساكر, ولم ينتظر الضابط الاذن بالدخول بل اقتحم المكان على الفور وأخذ يوزع العساكر الذين كانوا تحت رئاسته في جميع أنحاء الدور الأرضي بالفيللا, فاقترب منه شاكر يسأله وهو يستعد لتلقي صدمة جديدة: هو فيه ايه يا حضرة الظابط؟ انا شاكر عزالدين صاحب الفيللا.
الضابط: انا معايا أمر بتفتيش الفيللا.
شاكر بألم: الفيللا تحت أمركم, بس لو كنت بتدور على عماد ابني, فللأسف مش هتلاقيه.
الضابط: احنا بندور على حاجة تانية يا استاذ شاكر, اما موضوع ابنك فدي مهمة ناس غيرنا.
وبعد فترة من التفتيش عاد العساكر يقولون: مفيش حاجة يا فندم.
فقال الضابط لشاكر وهو يشير إلى الدور العلوي: بتهيئلي ان أوض النوم هي اللي فوق؟
شاكر: ايوة يا فندم.
ودون كلمة أخرى اتجه الضابط إلى الدرج وصعد السلم مشيرا إلى العساكر بتتبعه, وصعد خلفهم كل من شاكر ونهال ومديحة اللتان قد استوعبتا الصدمة أخيرا, وبعد أن سألهم الضابط عن غرفة نوم ابنهم, توجه إليها على الفور ويتبعه الأخرون, ثم أعطى أوامره بتفتيش الغرفة, أما هو فأخذ يجول بعينيه في مختلف محتوياتها حتى وقعت عيناه على حقيبة سفر صغيرة بجوار السرير سأل عنها نهال بعد أن علم بأنها زوجة عماد: بتاع مين الشنطة دي يا مدام؟
نهال: بتاعتي و فيها شوية تحف كنت اشتريتهم عشان أخدهم معايا لبنان كتذكار يعني.
الضابط: طب لو سمحتي افتحيها.
فحملت نهال الحقيبة ووضعتها على السرير, ثم فتحتها لتظهر بداخلها بعض التماثيل الصغيرة, فاقترب منها الضابط وأخذ يتفحص التماثيل بعناية واحدا تلو الآخر حتى توقف عند أحدهم وقد كان أحد التماثيل التي قد أهداها لها عماد ذات يوم لعلمه بعشقها لذلك النوع من الفنون وفوجئت نهال بأنه ينزع رأسه ليبدو التمثال مجوفا من الداخل وفوجئت أكثر عندما وجدته يفرغ ما بداخله في يده لتظهر العديد من حبات الألماس اللامعة, فقال الضابط لنهال: تقدري تقوليلي ايه دة بقا يا مدام؟
نهال متلعثمة وقد أصابها الذعر: معرفش.
فأومأ الضابط برأسه وهو يقول لها: طب تسمحي بقا تيجي معانا؟
نهال: على فين:
الضابط: على مكان اللي انا وانتي هنقدر نعرف فيه يبقا ايه دة.

الاخيرررة = الجزء الثانى =
ومر ما يقرب من الأسبوعين ويوسف لايزال في المستشفي بعد أن تمكن الأطباء من إخراج الرصاصة من صدره بصعوبة وقد ظل في العناية المركزة لعدة أيام, ثم بعد أن اطمئن الأطباء على استقرار حالته أمروا بنقله إلى احدى الغرف العادية والتي كان قد اجتمع فيها الآن وليد وحياة وماهر وهدى الذين كانوا يتناوبون على زيارته ومريم التي أبت أن تغادر المستشفى إلا وهي برفقة يوسف, وقد عملت هي على خدمته طوال هذه المدة, إلى أن أصبح الأن في حالة تسمح له بالجلوس وكذلك الحديث, فقال لوليد: طمني يا وليد مفيش أخبار عن عماد وعلياء؟
وليد: لا لسة بس وديني مانا سايبهم.
يوسف مبتسما: يعني انت بايدك ايه تعمله؟
وليد: بايدي كتير يا يوسف. وهتشوف.
يوسف مازحا وهو يشير إلى الضمادة التي تحيط بكتفه: لا ورحمة أبوك, كفاية اللي أنا شفته لحد دلوقت. احنا مش ناقصين مصيبة تانية.
وليد: ما تقلقش يا يوسف, ان شاء الله خير.
فنظرت إليه حياة بقلق, فقد كانت بالفعل قلقة عليه من شر عماد ذلك الشخص الذي يمكنه أن يفعل أي شيء بغرض الوصول لهدفه, ولكنها لا تستطيع أن تبوح له بذلك, مازالت لا تستطيع.
ثم سمعوا طرقا على الباب, وبعدها دخل الطبيب وبصحبته احدى الممرضات وقال ليوسف: عامل ايه دلوقت يا باشمهندس؟
يوسف: الحمد لله يا دكتور.
ثم وجه الطبيب حديثه للآخرين وهو يقول: طب لو سمحتوا يا جماعة تطلعوا برة عشان نغير للمريض.
فقال وليد لأخيه مستئذنا: طب عن اذنك بقا يا يوسف وان شاء الله هجيلك بكرة ومعايا أخبار كويسة.
يوسف بقلق لم يرد أن يبديه: خلي بالك من نفسك يا صاحبي.
ثم غادر الجميع الحجرة ولم يبق سوى مريم, وبعد أن أنهى الطبيب مهمته وقد استعد أن يغادر الغرفة سأله يوسف: أنا امتى هسيب المستشفى يا دكتور؟
الطبيب ممازحا: ايه دة؟ خلاص زهقت مننا أوام كدة يا باشمهندس؟ وع العموم يا سيدي اطمن كلها أسبوع تاني بالكتير وهكتبلك على خروج.
يوسف: متشكر أوي.
وخرج الطبيب وخلفه الممرضة, فحاول يوسف أن يستلقي مجددا على السرير وأسرعت مريم لتعدل من وضع الوسادة تحت رأسه وساعدته في أن يعدل وضعه فقال لها يوسف بامتنان: متشكر أوي يامريم.
مريم مبتسمة: انا اللي المفروض اني أشكرك يا يوسف.
يوسف: بس.........
فوضعت مريم كفها على فمه وهي تقاطعه قائلة: ما تقولش أي حاجة, المهم دلوقت انك تقوم بالسلامة وساعتها يبقا نتكلم.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

كان عماد في قمة غضبه وهو يقف في بهو الفيلا التي كان يختبىء بها والتي تضم أيضا علياء وهي تجلس على كرسيها بكل هدوء تقلم أظافرها, وسبعاوي يقف مطرقا رأسه لتحمل كل إهانات عماد الذي كان يقول: واضح انك خلاص كبرت وايدك تقلت وما بقتش قادر تشيل السلاح.
سبعاوي وهو يحاول أن يدافع عن نفسه: ما تقولش كدة يا وليد بيه, هو بس اللي كان حظه نار وقدروا يلحقوه, أعمل ايه؟ لسة ليه عمر بقا؟
لم يخفف هذا الكلام من ثورته: ماهو لو كانت رصاصتك دي جات في مقتل او كانت اكتر من رصاصة ما كانوش هيلحقوه يا فالح.
سبعاوي: ع العموم حقك عليا يا عماد بيه. وان كانت خيبت المرادي فانا أضمنلك بحياتي انها مش هتخيب المرة الجاية.
عماد باستهزاء: المرة الجاية! وانت فاكر ان هيبقا فيها مرة جاية؟ ما خلاص يا فالح, زمانهم دلوقت خدوا احتياطاتهم وأمنوا نفسهم.
سبعاوي بثقة وتحدي: بردو هجيبه, ولو كان في فيللته ووسط أهله والمديرية كلها بتحرسه فأنا مش هسيبه, دة بقا خلاص تار شخصي يا عماد بيه.
عماد: لا دي بقا محتاجالها ترتيب تاني خالص, مانا مش هسيب البلد غير لما اخلص منهم كلهم دفعة واحدة.
وهنا رن هاتفه الجوال فأمسكه وليد ثم وضعه على أذنه وقال: ايوة يا أسامة, فيه ايه؟........... مين؟..... ماهر؟
فانتفضت علياء فور سماعها الاسم ولكنها انتظرت إلى أن ينهي المكالمة حيث سمعته يقول: ودة ايه اللي جابه؟.......... طب هو لوحده ولا معاه حد؟......... لا طبعا دة جاه لقضاه.......... فتشه الأول وبعدين دخله بس لوحده وخلوا بالكم من اللي معاه, وخليكم مستعدين في اي لحظة.
ثم أنهى المكالمة فأسرعت علياء نحوه وهي تكاد تحترق من القلق والشك: تفتكر ايه اللي جاب البني آدم دة هنا؟ وايه اللي عرفه مكانا أصلا؟
عماد: كلها ثواني ونعرف
وبالفعل ماهي إلا ثواني قليلة حتى حضر ماهر وبصحبته حارسا مدججا بالسلاح, وفور أن رأى عماد فتح ذراعيه وأسرع إلى عماد يحتضنه وهو يقول: حبيب قلبي يا عمدة, فينكم يا راجل؟ قلقتوني عليكم.
لم يبد عماد أي استجابة لتلك الحرارة التي أظهرها ماهر نحوه بل ظلت ملامحه جامدة, ولكن ماهر لم يبال بالأمر كثيرا بل استمر يقول بعتاب: بقا ياراجل تعمل معايا انا كدة؟ تخلي رجالتك يفتشوني على باب الفيللا؟ بس ياللا هسامحك المرادي لأني مقدر ظروفك.
ثم ضغط على ذقن علياء وهز وجهها بيده بلطف: ازيك يا لولا, عاملة ايه يا قمر؟
وقد حذت علياء حذو عماد فلم تجب, أما عماد فقد تخلى عن صمته وهو يسأله: انت ايه اللي جابك يا ماهر؟ وعرفت مكانا هنا ازاي؟
ماهر متصنعا الحزن: بقا هي دي أهلا وسهلا بردو اللي بتقولها لضيوفك؟
فكرر عماد سؤاله ولكن بنبرة أعلى: جاوب على سؤالي يا ماهر, وقولي عرفت مكاني منين؟
فقال ماهر وهو يجلس على الأريكة بارتياح دون أن يأخذ الإذن من أحد: لا يا صاحبي, انت سألتني سؤالين. انا عرفت مكانك ازاي؟ وجيت هنا ليه؟ وانا بقا مش هكون بخيل زيكم وهجاوبك ع الاتنين.
ووقف عماد وعلياء يرمقانه بنظرات شك في انتظار أن ينهي حديثه, فاستمر ماهر يقول: اولا كان سهل عليا اوي اني أوصل لمكانكم وخصوصا اني أعرف كل أسراركم واللي كان منها الفيللا دي واللي انت اشتريتها من سنة وكتبتها باسم مراتك وهي ما تعرفش, ولا نسيت ان انا اللي عرفتك على السمسار؟
لم يستطع عماد أن ينكر ذلك لأنه كان حقيقة ولكنه لم يطمئن تماما لماهر فسأله: طب وانت عاوز ايه دلوقت؟
ماهر: جينا بقا للسؤال التاني أنا جيت هنا ليه؟ انا جيت عشان نشوفلنا حل للمصيبة اللي حصلت دي.
علياء: وانت يهمك ايه في اللي حصل؟ اهو كله وقع على دماغنا.
فنهض ماهر مرة أخرى وهو يقول بغضب: يهمني ايه ازاي؟ انتو نسيتوا ان بابا محبوس دلوقت على ذمة القضية؟ يعني المصيبة دي ضرتني زي ماهي ضرتكم, والله أعلم بقا القضية دي هترسي على ايه؟ ومش جايز كمان الحكومة تحط ايدها على كل الأملاك باعتبار انها جاية من طريق غير مشروع , وساعتها بقا هبقا يا مولاي كما خلقتني.
عماد: طب واحنا ممكن نعملك ايه دلوقت؟
ماهر: خدمة قصاد خدمة.
عماد: ازاي يعني؟
ماهر: انا مش طالب كتير, هو اتنين مليون دولار يا صاحبي أخدهم وأسافر أعيش بيهم حياتي برة.
فشهقت علياء وقالت: ايه؟ اتنين مليون ايه؟
ولكن لم يبد على عماد أي تأثر بل سأله بهدوء: وانت بقا هتقدملنا ايه في المقابل؟
ماهر: انا عرفت انك عاوز راس يوسف وأخوه لأنهم كانوا السبب في اللي انتوا بقيتوا فيه دلوقت مع اني بصراحة هتجنن وأعرف انتوا اكتشفتوا دة ازاي؟
فاندفعت علياء تقول: واحنا بنهرب أنا وعماد لمحت عربية يوسف واقفة قريب من عربيات البوليس فاتأكدت ان هو اللي بلغ عننا وان كل اللي كان بيعمله دة كان مجرد لعبة علينا.
عماد: بس انت يا ماهر لسة ما قولتلناش انت هتقدملنا ايه مقابل المبلغ دة ؟
ماهر: هدية يا صاحبي هتفرحك أوي وتخليك تضرب عصفورين بحجر واحد.
عماد: هدية ايه؟
ماهر بغموض: هتعرفها حالا بس خلي الرجالة بتوعك يدخلوا الناس اللي برة.
وعلى الرغم من أن عماد لم يرتح للأمر تماما إلا أنه أمسك بهاتفه واتصل بحارس البوابة الخارجية, وقال له: دخل الناس اللي عندك, أيوة اللي كانوا مع ماهر. وانت كمان تعالى معاهم وهات معاك حسام ومجدي ومعتز.
ثم انتظروا قليلا حتى جاء اربعة من الحراس مما يعملون مع عماد وبرفقتهم ثلاثة رجال أخرين, من ضمنهم رجلا مقيدا بالحبال وتغطي وجهه طاقية سوداء فنظر عماد وعلياء إلى ماهر بتساؤال مما جعل ماهر يقترب من الرجل المقيد وهو يدور حوله بعينين عابثتين و يقول, اسمحولي أرفع الستار عن هديتي المدهشة.
ثم نزع الغطاء عن وجه ذلك الرجل ليكتشفا أنه وليد جلال وقد كان ينظر إليهما بغضب, لذلك علت الدهشة وجهيهما معا, فقال لهما ماهر: ايه رأيكم بقا في المفاجأة دي, أدي وليد أدامكم بشحمه ولحمه, تقدروا تعملوا فيه اللي انتوا عاوزينه, وطبعا مش محتاج أقولكم موت وليد ممكن يعمل ايه في أخوه؟ ماهو حاجة من الاتنين يا اما يحطمه تماما لدرجة تخليه ما يقدرش بعدها انه يأذي حد فينا, يا إما يخليه يغضب ويثور و يحاول ينتقم ليه بسرعة وساعتها بقا يخرج من جحره وتقدروا تصطادوه براحتكم.
ولأول مرة تظهر الابتسامة على وجه عماد وإن كانت ابتسامة شيطانية, أما وليد فقد وجه غضبه إلى ماهر وهو يقول: كنت شاكك فيك من البداية بس كنت بحاول أكدب نفسي, صحيح البني أدم اللي زيك عمره ما هيتعدل أبدا.
ماهر: معلش بقا يا عم وليد, المصلحة تحكم بردو.
وليد: ماشي يا ماهر ليك يوم.
وهنا رد عماد ساخرا وهو يقترب من وليد بعد أن أخرج سلاحه ليشهره في وجهه: جرى ايه يا باشمهندس؟ انت مش شايف نفسك ولا ايه؟ مش حاسس انك في موقف ما يسمحش لواحد في حالتك انه يهدد بأي حاجة.
وليد: لو كنت فاكر ان عشان اللي انا فيه دة هركع تحت رجلك وأترجاك انك تطلق سراحي تبقا غلطان, مش وليد جلال هو اللي يعمل حاجة زي دي. انا أهون عليا أموت ولا اني أتذلل لواحد زيك.
ماهر: لا راجل بصحيح.
ثم قرب فمه أكثر من أذنه وهو يقول بصوت أشبه إلى الهمس: وياترى بقا كنت راجل أوي كدة مع المدام اللي قدرت تضحك عليك وتفهمك انك أول راجل في حياتها؟
وعندما لاحظ عماد احمرار وجهه من الغضب ولكن لم يكن بيده القيام بما هو أكثر من ذلك فأطلق عماد ضحكة عالية تردد صداها في أرجاء المكان, ولكن قاطعه ماهر وهو يقول له وقد بدأ نفاذ الصبر يبدو على ملامحه: بقول ايه يا عماد؟ انا كدة عملت اللي عليا, اديني بقا نصيبي, وخلي رجالتك يرجعولنا السلاح.
فنظر عماد لأحد رجاله وقال له وقد اطمئن تماما من ناحية ماهر: رجعلهم سلاحهم يا أسامة.
وبالفعل أعاد أسامة السلاح لماهر والرجلين الذين كانا يرافقان وليد, وسأل ماهر عماد: طب ونصيبي؟
عماد: ومستعجل على ايه يا سيدي؟ انت مش عاوز تحضر حفل التأبين اللي هنعمله للباشمهندس ولا ايه؟ ولا انت قلبك خفيف وما بتحبش تشوف الحاجات دي؟
ماهر بسخرية: لا ازاي؟ دة وليد دة حبيبي, وواجب عليا أحضر جنازته. بس ياريت تخلصنا بسرعة.
عماد: حبيبك ازاي وانت عاوز تخلص منه بسرعة؟ ياعم خلينا نتسلى شوية.
ثم فتح مسدسه وقال وهو يخرج منه الرصاصات واحدة تلو الأخرى: كان فيه لعبة زمان بيحب يلعبها الأغنياء لما بيعدموا واحد من أعدائهم وكان اسمها رصاصة الرحمة, واللعبة دي أساسها انهم يخلو رصاصة واحدة بس في المسدس ويبدأوا ينشنوا على الهدف وهو وحظه بقا ممكن تكون الرصاصة دي رقم واحد او اتنين أو تلاتة, لكن في كل ضغطة على الزناد بيموت فيها الهدف مليون مرة, انا بقا يا ماهر نفسي ألعب اللعبة دي دلوقت.
ثم لف بكرة المسدس بيده بعد أن تأكد بأن ليس بها سوى رصاصة واحدة فقط, ثم قال لماهر: تعالى يا ماهر عشان تلعب معايا وانتي كمان يا علياء وهنعمل رهان اللي الرصاصة تطلع من نصيبه ياخد من كل واحد فينا جنيه صحيح المبلغ تافه, بس اللعبة مسلية, وكمان الهدف ما يستاهلش أكتر من كدة.
وبالفعل اصطف الاثنان بجانبه, ماهر على يمينه و علياء على يساره بعيدا عن وليد بما يقرب من ثلاثة أمتار,بينما تنحى باقي الرجال جانبا تاركين وليد واقفا وحده في المنتصف, فتبادل عماد النظرات مع كل من ماهر وعلياء وسألهم: تحبوا مين يبدأ الأول؟
وعندما لم يلق جوابا قال مقررا: خلاص يبقا أبد أنا باعتباري صاحب الفكرة وبعدين ماهر لان هو صاحب الهدف وعلياء في الأخر.
ولم ينتظر موافقة أي منهما أو اعتراضه بل انه أشهر مسدسه ناحية وليد, في حين ألقى ماهر بنظرة سريعة ناحية رجليه حملت نوعا من التفاهم بينهم لم يلاحظه أحد, وعندما استعد عماد ليضغط على الزناد, وجد ماهر مصوبا سلاحه إلى رأسه وهو يقول مهددا: انت أعقل من انك تعملها يا عمدة.
صعقت المفاجأة كل من علياء وعماد الذي قال: ايه دة يا ماهر؟ انت اتجننت؟
ماهر: قصدك عقلت ومن زمان أوي يا عماد.
عماد: يعني انت كنت كل دة..............
ثم توقف عندما وجد أن الرجلين التابعين لماهر قد نزعا السلاح عن رجاله ثم توجه أحدهما وفك قيود وليد الذي أخرج سلاحا كان تحت سترته , وسمع ماهر يفسر له الأمر وهو يأخذ من يده السلاح: أحب أقدملك الرائد خالد والنقيب عمر.
وبعد لحظات اقتحم العديد من رجال الشرطة المكان وكانت علياء وعماد لا يزالان مبهوتين بسبب ما يحدث, وقد ألقي القبض عليهما وكذلك جميع الحرس الذين يعملون بالفيللا حيث بدا أنهم جميعا مطاردون من قبل رجال الشرطة.
وفي الخارج وقف وليد و ماهر مستندين على سيارة ماهر, فقال وليد: متشكر أوي يا ماهر بجد انا مش عارف أقولك ايه؟
ماهر: ما تقولش يا باشمهندس, دة كان واجبي ولازم أعمله.
وليد بتردد: طب بخصوص والدك........
فقاطعه ماهر بحزن: بابا اعترف على نفسه بكل حاجة وخرجني انا من القضية كلها بالرغم من ان انا كنت مستعد اعترف بكل الجرايم اللي اشتركت فيها معاه. بس هو ما رضيش يحملني أي مسئولية وعزائي الوحيد اني حاولت أحذره قبل كدة أكتر من مرة بس هو كان بيرفض يسمعلي ويمكن يكون دة السبب اللي مخليه حاسس بالندم دلوقت.ومستعد انه يتحمل أي عقوبة.
فربت يوسف على كتفه مواسيا: احنا بردو مش هنسيبه, هنقومله أكبر محاميين وان شاء الله ياخد حكم مخفف.
فابتسم ماهر بامتنان واكتفى بإيماءة صغيرة من رأسه, في حين قد ظهر رجال الشرطة محيطين بكل من علياء وعماد الذي لمح من وليد وماهر من بعيد فنادى على ماهر: استاذ ماهر! كلمة واحدة لو سمحت.
فانتصب ماهر واقفا واتجه ناحية عماد بخطوات بطيئة بينما ظل وليد مكانه, وعندما أصبح ماهر على بعد خطوتين فقط من عماد الذي كان يمسكه اثنان من رجال الشرطة وقال له هذا الأخير: انت النهاردة كنت الشخص الوحيد اللي قدر يثبتلي أنا أد ايه كنت غبي, عشان كدة بحب أقدملك تحياتي..
وعندما أراد أن ينحني قليلا وجد أن رجال الشرطة من حوله يتأهبون فقال لهم وهو يشير بعينيه إلى حذائه ذات الرباط المفكوك: ايه؟ انا بس كنت عاوز أربط الجزمة.
فأرخى العسكران قبضتيهما من على ذراعه, ثم أفلتاه, وأكمل قائلا لماهر وهو ينحني نحو حذائه: دلوقت بقا صعب أوي ان انا وانت نعيش على أرض واحدة.
وقد شدد على الكلمة الأخيرة وهو ينزع خنجرا صغيرا من تحت شرابه واندفع به ناحية ماهر ناويا قتله, وماهر لا يزال واقفا قد صدمته المفاجأة في انتظار الطعنه تأتيه في مقتله, ورجال الشرطة كل يقف في مكانه لم يتمكن أي منهم منعه حيث قد حدث كل شيء سريعا, ولم يتمكنا إلا من انتظار النتيجة, ولكن لدهشة الجميع وقبل أن ينغرز الخنجر في قلب ماهر خر عماد على الأرض صريعا نتيجة لطلقة نارية أصابت جبهته فاتجهت الأنظار ناحية المصدر ليجدوا وليدا ممسكا بمسدسه وقد كان في وضع إطلاق النار, وعندما نظر ماهر إليه رأى شبح ابتسامة تتراقص في عينيه.

30= الاخيرررة = الجزء الثالث ج 3
وبعد عدة أيام عاد يوسف إلى فيللته وقد أصرت مريم على البقاء بجانبه حتى يتم شفاؤه نهائيا, أما وليد فقد ظل فترة طويلة متغيبا عن المنزل ما بين عمله في الثلاث شركات, شركته وشركة أخيه وكذلك شركة عبدالرءوف الكامل والتي كان يساعده في إدارتهم ماهر وعبدالرءوف نفسه بعد أن استرد صحته كاملة, وبين سرايا النيابة يدلي بشهادته, وكانت حياة التي تجهل كل ما حدث حيث لم يخبرها وليد بأي شيء فكانت لا تراه إلا لماما وربما أوقات النوم فقط, وفي أحد الأيام ذات مساء, كانت حياة تتصفح أحد الجرائد, بعد أن شعرت بالملل يتسرب إليها, فلقد افتقدت وليد , افتقدت حتى سخريته فمهما كانت لاذعة فهي أهون من ذلك الفراغ الذي أصبح رفيقها في الأيام السابقة, وبينما وهي تقلب صفحات الجريدة وقع نظرها على صورة عماد وهو يرقد على الأرض صريعا, فكتمت شهقتها وهي لا تصدق ما تراه أمامها, ثم بدأت تقرأ ما تحت الصورة بصمت والتي قد أوضحت بأنه تم قتله وهو في طريقه إلى سيارة الشرطة على يد رجل أعمال آخر أغفلت ذكر اسمه, وقد أوضحت سبب مقتله بأنه حاول التعدي على هذا الشخص المجهول فكان الآخر أسرع منه وقد أدى ذلك إلى مصرع عماد والذي كان هاربا من العدالة ومتهما بالاتجار في المخدرات وقد ذكرت الصحيفة أيضا بأنه تم القبض على زوجته نهال من قبله وجاري التحقيق معها لاتهامها بسرقة وتهريب فصوصا من الألماس يصل قيمتها إلى خمسة ملايين من الدولار الأمريكي.
ظلت حياة مصدومة لبعض الوقت حيث لم تسمع صوت وليد وهو الذي قد دخل لتوه, ولم تشعر به إلا عندما رأته أمامها, فشهقت بخفوت لدى رؤيته, ولكنه تجاهل ذلك وقال لها: مساء الخير.
حياة متلعثمة: مساء النور.
ثم نهضت متجهة إلى الداخل بعد أن وضعت الجريدة على المنضدة وهي لا تدري بأنها لاتزال مفتوحة على الصفحة التي بها ذلك الخبر وقالت وهي تحاول أن تخفي ارتباكها: ربع ساعة بالكتير ويكون العشا جاهز.
ولكن منعتها يد وليد الذي أمسكت بذراعها وأدارتها نحوه بلطف وهو يسألها بنبرة هادئة مشيرا إلى الجريدة: عرفتي أنا ليه بقا كنت متغيب عن البيت طوال الفترة اللي فاتت؟
ولم ينتظر ردها بل أجاب هوقائلا: لأن وقتي كان متوزع ما بين الشغل و التحقيق معايا بسبب القضية دي.
حياة بتوتر: طب وانت مالك ومال حاجة زي دي؟
وليد بعد أن أخذ نفسا عميقا: انا اللي قتلت عماد, صحيح القصة اللي في الصحف محرفة شوية ودة اللي انا اتفقت عليه مع وكيل النيابة وكنت حريص جدا ان اسمي ما يجيش في الموضوع.
حياة: يعني عماد ما كنش عاوز يقتلك زي ما بيقولوا؟
فنفى وليد كلامها بهزة من رأسه: كان بيحاول يقتل ماهر, بس انا بصراحة ما كنتش محتاج أي سبب عشان أحاول أقتله.
فنظرت إليه حياة تطالبه بالايضاح, ولم يبخل عليها بذلك الأمر, فقال وهو يتخلل بأصابعه شعرها برقة لم تعتد عليها منه: كفاية الأذى اللي سببهولك, واللي يخليني كنت بتمنى أقتله مليون مرة لو كان دة بايدي.
تصلبت عضلاتها وهي تنظر إليه بشك بدون استيعاب: قصدك ايه؟ وايه هو الأذى اللي بتتكلم عنه دة؟
وليد: حياة! انا عارف ان عماد هو الشخص اللي...........
ثم سكت لبرهة يحاول أن يجد التعبير المناسب لما يريد أن يقوله دون أن يسبب لها مزيدا من الألم إلى أن قال أخيرا: اللي دمر حياتك يوم ما سمح لنفسه انه ياخد منك حاجة مش من حقه.
كادت حياة أن تنهار فور سماعها لكلماته ولكنها احتفظت برباطة جأشها واكتفت بتلك الدموع التي قد أطلقت لها العنان وسألته وهي لا تخفي دهشتها: انت عرفت؟ من امتى؟
وليد: من زمان أوي, تقريبا بعد جوازنا بكام يوم, خليت يوسف يضغط على مريم لحد ما قالتله على اسم عماد بس يوسف طلب منها انها ما تبينش ليكي اني عرفت .ومن ساعتها وأنا مش ورايا غيره وانا كمان كنت السبب في المشاكل اللي حصلت في شركته هنا وخليته مضطر انه ينزل.
حياة: طب ليه عملت كدة؟
وليد: مش عاوز مراتي تعيش معايا وأنا عارف انها اتظلمت من حد تاني من غير ما احاول أخدلها حقها.
حياة: يعني انت بردو اللي كنت ورا اللي حصل لنهال.
وليد مبتسما باستخفاف: بصراحة في دي بقا وليد هو اللي ساعدني فيها لأنه كان بيستخدمها في تهريب الالماظ بدون علمها. وانا كل اللي عملته اني بلغت عنها.
ثم رفع وجهها بأطراف أصابعه وهو ينظر إلى عينيها: دلوقت خلاص بقيتي تقدري ترفعي راسك قدام الدنيا كلها.
لم تجد حياة كلمات مناسبة تعبر بها عن مقدار سعادتها أو امتنانها لوليد وقد اختلطت لديها دموع الفرح بالحزن.
ولكنها رأت من بين دموعها تلك الابتسامة التي تعلو وجهه والتي كانت تراها قبل زواجهما فقط, و رأت في عينيه شوقا كانت تصبو إليه ولكنها لسبب تجهله ربما كان خجلها جعلها تخفض عينيها أرضا وتفلت من بين يديه وهي تقول محاول الابتعاد عنه, وتكرر نفس كلامها السابق ولكن هذه المرة بسعادة طاغية: أنا هروح أجهز العشا.
ولكنها مرة أخرى تجد نفسها أسيرة يديه وبعد لحظات من لغة العيون أذابت قلبها,قال وليد على حين غرة: حياة! تتجوزيني؟
لا تعلم إن كانت سعادتها غلبت دهشتها أم العكس؟ ولكن ما كانت متأكدة منه بأن شعورها في تلك اللحظة كان مزيجا من الاثنين معا, ولكنها تمالكت نفسها وهي تقول: طب ماهو المفروض اننا..........
ولم يدعها تنهي جملتها حيث قاطعها ليقول: سيبك من المفروض وخلينا في دلوقت, أنا يا حياة عاوزك تكوني مراتي, مش بس ع الورق زي ما كنا, فاهماني؟
فهزت حياة رأسها مؤكدة على استيعابها لما يقول ولكنها سألته: بس مش فاهمة, ليه دلوقت بالذات؟ مانا في الأول كنت بردو مراتك ومقفول علينا باب واحد ومع ذلك ما حاولتش تطالب بحقوك كزوج ولو مرة واحدة ولا حتى حسستني انك عاوزني.
وليد: لأنه ما كنش ينفع يا حياة, ما كنش ينفع أطالب بأي حقوق ليا وأنا أصلا مش عارف أردلك حقوقك من اللي ظلموكي, دة غير اني كنت مش عاوز أفرض نفسي عليكي وانا حسس انك من جواكي رافضاني.
حياة مبررة موقفها: انا ما كنتش رافضاك انت, انا بس كنت رافضة معاملتك الجافة وقسوتك عليا.
فقال وليد وهو يمسح بيده على شعرها وكأنه بذلك يزيل كل الآلام التي سببها لها سواء بقصد أو بدونه, ثم قال مبتسما: معاملتي دي هي الواقي اللي كنت بتحامى فيه عشان ما استسلمش لأي لحظة تهور وأجبرك على حاجة انتي مش عاوزاها, بس شكلي كدة زودت العيار حبتين لدرجة اني حسيت ساعات انك بدأتي تكرهيني.
حياة نافية: انا عمري ما كرهتك يا وليد, حتى قبل جوازنا كنت بصد أي مبادرة منك لأني كنت عارفة ان صعب يجمعنا بيت واحد.
وليد وقد أراد منها إجابة صريحة: أفهم من كدة انك مواقفة على طلبي؟
حياة معاتبة: انت لسة ما فهمتش يا باشمهنس؟
وليد مصححا للمرة الأخيرة: وليد, أنا اسمي وليد.
فارتمت حياة في حضنه وقد ازدادت ابتسامتها اتساعا ولكنها فوجئت به يبعدها عنه بلطف ويقول لها: مش دلوقت يا حياة. انتي الأول لازم تدخلي تجهزي الشنط لينا احنا الاتنين.
حياة باستغراب: شنط! ليه؟ احنا مسافرين.
وليد: ايوة, مسافرين شهر عسل كامل هنقضيه في شرم الشيخ ابتداء من بكرة ان شاء الله.
فرددت حياة: شهر عسل!
وليد مازحا: طبعا يا هانم, امال انتي كنت فاكرة ايه؟ انا عمري ما أسيب حقي أبدا وانا ليا عندك شهر عسل انتي ضيعتيه عليا وانا مصمم بقا اني أخد حقي بالكامل.
حياة وقد انفرجت شفتاها عن ابتسامة سعادة لم تستطع وصفها, وقد بادلها وليد الابتسام حيث كانت سعادته لا تضاهى, فلقد تمكن أخيرا من رسم الابتسامة على ذلك الوجه الذي كان دائما ما يراه حزينا منذ اللقاء الأول لهما.

وفي الجانب الآخر نجد يوسف مستلقيا على السرير بحجرة النوم التي كان يتقاسمها مع مريم التي وقفت تراقب الطبيب وقد انتهى من عمله, ثم جمع أدواته داخل حقيبته وأشار إلى كتف يوسف الذي كان قد استغنى عن الضمادة مما يؤكد شفائه نهائيا من تلك الاصابة, وكان ما قاله الطبيب يؤكد ذلك: خلاص يا باشمهندس, كدة بقا أقدر أقولك مبروك لانك ما بقتش محتاجلي, وتقدر دلوقت تمارس حياتك بشكل طبيعي خالص.
يوسف: متشكر أوي يا دكتور.
الطبيب وهو ينهض مستعدا للرحيل: لا شكر على واجب, استأذن أنا بقا.
وخرج الطبيب وتتبعه مريم, ثم عادت بعد دقائق وقد وجدت أن يوسف نهض من سريره, فقالت له: مبروك يا يوسف, ألف حمدالله على سلامتك.
يوسف: الله يبارك فيكي يامريم, انا بجد مش عارف أشكرك على ايه ولا ايه؟
مريم معاتبة بلهجة مرحة: هو احنا مش كنا اتكلمنا في الموضوع دة في المستشفى, وشكرنا بعض وخلاص.
يوسف بجدية: اه, بس كان فيه موضوع أجلناه لحد ما اخف, ودلوقت خلاص انا الحمد لله خفيت, واحنا لازم نتكلم في الموضوع دة دلوقت.
لم تتفوه مريم بكلمة وانتظرت لتستمع إلى ما يريد أن يخبرها بها, فقد شعرت بأن الأمر خطير, ثم وجدته يقول : مريم! انتي كان سبق وطلبتي مني الطلاق وسواء انا أو جدك كنا بنحاول نأجل الموضوع دة لأطول فترة ممكنة, بس بتهيئلي مابقاش يفيد التأجيل أكتر من كدة.
تسمرت مريم مكانها وهي تتوقع بأعصاب مشدودة ماهو على وشك التفوه به وسمعته بالفعل يقول: انا دلوقت يا مريم مستعد اني أطلقك, عشان أسيبك تعيشي حياتك زي مانتي عاوزة, من غير أي ضغط من حد وصدقيني هكون سعيد اوي لما أشوفك انتي سعيدة حتى لو كان مع شخص غيري.
أهو بالفعل يريد أن يطلقها؟ أيريد أن يتخلص منها بتلك السهولة؟ ألهذه الدرجة لا يفرق معه وجودها بجانبه من عدمه؟
أسئلة كادت الاجابة عنها بالاثبات تمزق قلبها, ولكنها لن تستسلم ككل مرة, فلقد آن الأوان لأن تبذل ما في وسعها لحماية حبها وإن أنكره يوسف نفسه, لذا وجدت نفسها تصيح في وجهه وتقول : انت ايه يا أخي؟ ما بتحسش؟ بعد كل دة تقولي انك هتبقا سعيد وانت شايفني مع حد تاني؟ للدرجادي أنا مش فارقة معاك؟ إذا كان دة صحيح يا يوسف فاسمحلي بقا أقولك, ان انت فارق معايا كتير, وان عمري ما هبقا سعيدة لمجرد اني أتخيل انك مع واحدة تانية غيري, صحيح انت سبق وقولتلي اني مش لازم أوقف حياتي على حد بس بجد معرفتش أنفذ نصيحتك دي لاني مش قادرة أتخيل حياتي من غيرك لدرجة اني حسيت اني هموت أول ما عرفت ان ممكن الموت ياخدك مني, لكن براحتك يا يوسف لو انت شايف فعلا انك هترتاح في بعدك عني فأنا موافقة بس يا ترى بقا هتقدر تبعد عن ابنك كمان؟
اخترقت الكلمة أذنيه ولكنه لم يستوعبها جيدا في البداية فقال مرددا في ذهول: ابني! مريم انتي..........
أكملت مريم جملته الناقصة: حامل.
ما الخبر الذي يمكنه أن يسعد قلبه غير ذلك؟ لقد قالت له بأنه سيصبح أبا خلال شهور, فيالها من فرحة تتراقص في عينيه! جعلته يتقدم نحوها بخطوات سريعة ولكنه وقف على بعد خطوة واحدة وقد اكتسى وجهه بالحزن مرة أخرى وكأنه تذكر ما كدر سعادته فسألها بتردد: مريم! انتي فعلا عاوزة الطفل دة؟ وخصوصا يعني إنه هيكون ابني.
كانت مريم قد استنفذت كل ما لديها من القدرة على احتمال المزيد فقالت وقد نضب صبرها: يوسف أنا لو كنت هتمسك بالطفل دة فعلا فيبقا السبب الرئيسي لكدة انه ابنك, يا يوسف انت ليه مش قادر تصدق اني فعلا بحبك؟
يوسف وهو يشعر بالندم: لاني مش قادر أنسى اللي عملته معاكي واللي يخلي أي ست تكره الراجل اللي أدامها مدى الحياة, صدقيني انا ما كنتش داري فعلا باللي بعمله, وغضبي وصلني لحد التهور, لكن بعد ما فوقت حسيت أنا أد ايه جرحتك.
مريم: انت لو كنت جرحتني فعلا فدة لما جيت واعتذرتلي بعدها, حسستني أد ايه انت ما كنتش عاوز علاقتنا تتطور أكتر من كدة, وانك ندمان انك قربت مني أكتر من اللازم واللي أكدلي دة انك كنت مستعد تطلقني وقتها بكل سهولة, ويمكن اللي منعك ساعتها هو جدو عبدالرءوف.
فقال يوسف وقد قطع الخطوة التي كانت تفصلهما وقد بدأت الحقيقة تتجلى أمام عينيه, وقال لها وهو يحتضن كفيها بكفيه ولا يبعد عينيه عن عينيها: أنا قولت اللي قولته ساعتها لما شفتك مستعدة انك تمشي.
مريم: مانت لو كنت ركزت وقتها, كنت شفت أنا أد ايه كنت سعيد ومبسوطة , وكنت جاهزة أخرج فعلا بس معاك عشان كنت عاملة حسابي اننا نتعشى برة.
يوسف: يعني انتي مستعدة يا مريم انك تعيشي بقية حياتك معايا؟
فاستولى الغضب على مريم وهي تقول: يوووووووووووه, يوسف! والله همشي لو كررت السؤال دة تاني.
ثم أكملت مصححة وهي تشير إلى بطنها وهي تقول: اولا اسمها معانا, وثانيا انا مستعدة أعيش حياتي دي وحياة فوقيها كمان معاكم انتو الاتنين.
فابتسم يوسف لزوجته التي لاتزال طفلة بكل انفعالاتها, وقال لها: بحبك يا مريم بكل جنانك دة.
هي الكلمة التي كانت تتمنى سماعها منذ وقت طويل, فأخيرا اعترف يوسف بحبه لها, وأعرب عن رغبته في قضاء بقية حياته معها, أرادت أن تحتضنه بشدة لتعبر عن مدى سعادتها, وبدا أن عينيها قد فضحتاها فبادر يوسف بذلك ولكن ما إن أخذها بين ذراعيه حتى رن هاتفه ودون انقطاع, فتخلص يوسف من عناقها برفق وهو يقول مصرا على أسنانه: مين الرخم اللي بيتصل دلوقت دة؟
ونظر إلى شاشة الهاتف ليتحقق من هوية المتصل ثم فتح المكالمة وسمعته مريم يقول محاولا كتمان غيظه وهي تراقبه بنظرات مشاكسة: ايوة يا عم الرخم........مش تبقا تختار الاوقات اللي تتصل فيها يا بايخ انت.
فظهر وليد على الطرف الآخر يضع هاتفه بجوار أذنيه وقد أجفلته طريقة أخيه في الحديث معه ولكنه استطاع تدارك الأمر سريعا وقال معتذرا: معلش بقا يا يوسف, انا بس كنت بتصل عشان أبلغك اني مسافر لمدة شهر وعاوزك تاخد بالك من الشركة في غيابي.
يوسف مندهشا: مسافر رايح فين يعني؟ وانت مش شايف ان شهر دة كتير؟
وليد وقد شعر بالخجل قليلا وهو يقول: اصلي انا وحياة اتفقنا اننا نقضي شهر العسل في شرم الشيخ.
يوسف: شهر عسل!
وقد بدأ يوسف يفكر للحظات, ظن فيها وليد بأن أخيه لم يسمعه جيدا أو أن هناك خللا بالشبكة: يوسف! انت معايا؟ قولت ايه بقا؟
يوسف مشاكسا: وهو انا كنت النايب بتاع سعادتك؟ ولا انا كمان مش ليا حق في شهر عسل أنا التاني؟ بقولك يابني أنا ومريم مسافرين معاكم.
وليد: طيب والشركات؟
يوسف ممازحا: جه الوقت بقا اللي ناخد فيه أجازة وعبدالرءوف بيه وماهر يثبتوا انهم أد المسئولية.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وبعد مرور عامان تقريبا, نجد الجميع بمنزل عبدالرءوف الكامل وهم يتناولون القهوة ويترأسهم عبدالرءوف و ابنته وردة بعد وجبة العشاء اللذيذة التي قد أعدتها حياة ومريم و قد أتقنت فن الطبخ وإدارة المنزل مؤخرا, وقال يوسف مثنيا عليها: تسلم اديكي يا حبيبتي, وربنا ما يحرمني من أكلك أبدا.
مريم مبتسمة وهي تشعر بنظرات الجميع مسلطة عليهما فقالت بخجل: ولا يحرمني منك يا حبيبي.
ضربت حياة وليد في كتفه بكوعها وهي تقول له بغضب: شايف الناس المتجوزة بصحيح, هو انت ليه يا وليد ما بتقوليش كلام حلو زي دة؟
وليد ضاحكا: لمي الدور يا أم يوسف وكلي عيش أحسنلك, طب دي ناس فاضية اما احنا بقا فخلاص بقا عندنا ابن لازم نربيه.
حياة: يا سلام يا خوية. طب احنا عندنا يوسف بس اما هما بقا فعندهم وليد وحمدي.وشوف عاملين ازاي, الله أكبر عليهم, وكأنهم لسة متجوزين امبارح.
وليد: مش بقولك ناس فاضية. احنا بقا ليه نعمل زيهم؟
حياة مدعية الحزن: بقا كدة يا وليد, ماشي. انا بقا زعلانة منك.
فاحتضن وليد كفها بين كفيه ورفعها إلى شفتيه وهو يقول: وانا مقدرش يا حبيبة قلب وليد من جوة.
وهنا تنحنح ماهر وهو يقول بغيظ: يا جماعة ما تراعوا شعورنا بقا, واللا احنا عشان مش عارفين نتهبب ونتجوز هتقعدوا تغيظونا بالشكل دة.
وليد : وانت حد كلمك يا عم انت؟ ما تتجوز وهو مين اللي منعك؟
فأشار ماهر ناحية هدى التي كانت تجلس على كرسي آخر بجواره: الهانم, قال ايه مش مكفيها سنتين مخطوبين ومكتوب كتابنا, و بتقول انها مش عاوزة تتجوز غير لما تخلص دراستها, يعني هقعد في العذاب دة سنتين كمان.
هدى بدلال: وان كان عاجبك.
فنهض ماهر من كرسيه وجلس على طرف كرسيها وأخذ كفها بيده وهو يقول مستعطفا: وفيها ايه يا روحي لو تكملي السنتين دول في بيتنا؟ ماهو مريم وحياة عملو كدة, انتي مش شايفة الجواز حلو ازاي؟
ثم قال موجها حديثه لكل من مريم وحياة مستنجدا بهما: ولا ايه يا مدامات, ما تفهموها بقا.
فقالت مريم بجدية: انا الحقية رأيي من رأي هدى, أصل صعب أوي انها توفق بين بيتها ودراستها.
ماهر محتجا وقد ارتفع صوته كثيرا: نعم يا ختي؟
مريم مستمرة في شرح مبرراتها: دي الحقيقة, فعادة الست بتكون مضطرة انها تهمل دراستها عشان تهتم ببيتها وجوزها ودة طبعا بيضايقها جدا.
وشعرت بأصابع يوسف تمتد إلى خدها وهو يسألها برقة: دة بيحصل فعلا؟
فقالت مريم وهي تبتسم في خجل وقد ذابت من لمسته: لا طبعا, مش في كل الحالات.
فعلا صوت ماهر وهو يقول معترضا: والله حرام بقا اللي بيحص دة.
وهنا تعالت ضحكات الجميع يسودهم الألفة والحب وكانت مريم تشارك في الضحك ولكن عينيها لم تفارقا زوجها وهي تتامله بصمت, وتتعجب من موقفها الرافض له في بداية تعارفهما حين لم تكن تعلم بأنه سيأتي عليها اليوم الذي ستعشقه فيه إلى هذا الحد وهو ايضا يبادلها نفس الشعور حيث لم تعد غريبة عن عالمه.

****تمت بحمد الله****
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close